فؤاد ابو لبدة
الحوار المتمدن-العدد: 3290 - 2011 / 2 / 27 - 11:51
المحور:
القضية الفلسطينية
التجربة المصرية الفريدة والمتميزة كانت وما زالت محط أنظار الجميع وتحديدا وسيلة التجهيز لها واستخدام التقنيات الحديثة للاستقطاب والتحريض الجماهيري والتجهيز والإعداد للثورة التي ما زالت تسعي لتحقيق كافة الأهداف التي انطلقت من اجلها ولاسيما أنها حققت الجزء الأكبر من مهمتها بإسقاط رأس النظام في مصر وتنحي الرئيس مبارك وفي طريقها نحو استحقاق باقي الحقوق الوطنية المشروعة للثورة من تطهير لفلول النظام البائد وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإلغاء قانون الطوارئ المعمول به لأكثر من ثلاثين عاما منذ اغتيال سلفه السادات .
واليسار الفلسطيني بوصفه يؤمن بتجارب الشعوب والثورات ويحاول وما الاستفادة منه وفقا لرؤيته العلمية للمادية التاريخية ويعمل دوما علي الزج بها ما بين صفحات أدبياته ليس علي سبيل القراءة المجردة فقط بل للتعميم والتجسيد والاحتذاء بكل ما هو تقدمي وأنساني وحضاري منها ولا يتعارض مع طبيعة الواقع العربي الإسلامي محاولا قدر الإمكان التطبيق الخلاق والمبدع للتجارب الثورية للشعوب بعد أن غرق مسبقا ووقع في شباك التقليد والقولبة والاستعانة بالنماذج كما هي ووضع جميعها في سلة واحدة وإلباسها الثوب الفلسطيني والعربي دون العمل علي تعريب نلك الأفكار والنماذج , وهذا ما أوقعها في شرك الجمود الفكري وفي أحيانا كثيرة يغيب عنها الإبداع والابتكار والاكتفاء بالتقليد , رغم أن اليسار بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص يتمتع برؤية علمية وصائبة للأمور بحكم انه يحتكم للعلمية في تحليل الظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلا انه ما زالت قراءته للأمور متأخرة بعض الشيء وهذا ما لمسناه في الآونة الأخيرة لكثير من القضايا , وكثيرا ما نجده يلحق بأخر عربات القطار أو العربات الوسطي وقلما نجده في العربات الأولي , وكثيرا ما تقودنا تلك المواقف للتساؤل هل هناك خلل يعتري آلية التطبيق لتلك الأفكار ؟؟؟ أم أن تلك التجارب غير مجدية وغير جديرة بالاحتذاء بها ويعتريها الخلل ؟؟؟؟.
إن حالة النضج الفكري والوعي الخلاق لليسار والابتعاد عن حالتي القولبة والجمود في الآونة الأخيرة والترجمة الحية لطبيعة التطور ومجريات الحياة في المجتمع يقودنا للنفي القاطع في انه اخفق في عملية التطبيق لتلك التجارب الثورة واستفاد منها وتسلح بها علي مدار الثورة الفلسطينية وكانت تعطيه الدافع والأمل نحو التحرير والاستقلال ودحر الاحتلال , ومما لا شك فيه أن تلك التجارب التي حققت انتصارات علي الأعداء وغرست بذور ثورية في كافة أرجاء المعمورة وأثلجت صدور الملايين من البشر وأرست قواعد الإنسانية والتحرر من الظلم والاضطهاد والاستعباد الفكري والطبقي , ومن هنا تبرز أمامنا فرضية جديدة بعد استبعاد تلك الفرضيتين السابقتين آلا وهي خوف اليسار الفلسطيني من الفشل في حال المبادرة وهذا ما يعتبر من أهم العوائق التي تعيق من روح المبادرة التي ينتهجها اليسار في أدبياته الفكرية وبنظامه الداخلي ويتناقض مع شروحات هذا النظام التي تنص علي إطلاق المبادرات الفردية والجماعية وهذا ما يقلل روح الإبداع لدي اليساري وقفل باب الاجتهادات الفردية والجماعية وينعكس علي الأداء المراوحة في المكان بفعل غياب الديناميكية في التفكير والعمل , وهنا يتطلب التشجيع علي تلك المبادرات وفتح باب الاجتهاد علي مصراعيه وفقا للقول المحمدي المأثور " من اجتهد وأصاب له أجران ومن اجتهد واخطأ له اجر واحد " .
إن اليسار الفلسطيني استفاد من الثورة المصرية باستخدامها للتكنولوجيا العلمية الحديثة واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي علي الانترنت وتحديدا الفيس بوك رغم أنها متأخرة نوعا ما وكان من الأفضل أن يتنبه لها مسبقا بعد ان استخدمها الرئيس الأمريكي اوباما في دعايته الانتحابية إلا إن اليسار الفلسطيني وتحديدا حزب الجبهة الشعبية اعتمدها وبشكل مباشر كمنبر حر في إيصال رسالته للجماهير بعد أن أدرك جديتها وفعاليتها ولا سيما ان مستخدمي تلك الوسيلة هم من الشباب الراغب في التغيير مستفيدا من طبيعة رياح التغيير التي عصفت بالمنطقة ودللت بالملموس ان تلك الثورات اعتمدت علي فئة الشباب , كما أن تلك الوسيلة أصبحت متواجدة في كل بيت وأدرك أن الطبقة العاملة التي يمثلها اليسار دخلت معترك التكنولوجيا وأصبحت تتواصل علي الانترنت وتنسق مواقفها مع النقابات العمالية في أكثر من منطقة وتزاحم المثقفين في إيجاد مكان لها وسط وسائل التواصل الاجتماعي , وسارع اليسار لإطلاق الحملات الإعلامية علي الفيس بوك واقامة روابط اجتماعية للتواصل فيما بينها وتكون حلقة الوصل ما بين الحزب والجماهير , وقد أحسنت الجبهة صنعا في هذه الخطوة حينما أفردت شخصية قيادية تعمل بلجنتها المركزية ومتقاربة نسبيا في السن مع الفئات الشبابية التي تستخدم الانترنت لمتابعة تلك الروابط الاجتماعية وتحديدا رابطة التجمع الوطني الديمقراطي التقدمي التي رفعت من شعار لا للانقسام النقطة التي ستنطلق منها للخروج للشوارع والانطلاق بالاحتجاجات والاعتصام حتى إنهاء الانقسام وحالة التشرذم الذي تشهده الساحة الفلسطينية منذ الرابع عشر من يونيو حزيران لسنة 2006 , ولعل اختيار تلك الروابط الاجتماعية للنزول للشوارع في الخامس من شهر حزيران القادم يحمل اكتر من دلالة سياسية حيث انه يشير بالمرتبة الأولي لتاريخ النكسة العربية والفلسطينية في عام 1967 وحالة الانكسار العربي واحتلال ما تبقي من فلسطين والجولان الجزء الحبيب من سوريا وأجزاء من الأراضي المصرية , كما أن الاختيار لشهر حزيران فيه إشارة علي مرور 5 سنوات علي حالة الانقسام الداخلية الفلسطينية , وتحاول أيضا الجبهة من خلال هذا الإعلان الاستعداد اكتر لطبيعة المرحلة المقبلة والتي قد تستدعي صداما مع سلطة الأمر الواقع بغزة والتي تمترست وراء السلطة بغزة وأحكمت عليها بالحديد والنار وأيضا تراهن علي استكمال حالة النضج الجماهيري المتأثر بثورات الشعوب ومعجب تماما برياح التغيير التي عصفت بالمنطقة العربية ويتابع أخبارها عن كثب ويمني نفسه ان تهب لغزة والضفة علي السواء بعد أغدقتا حكومتي غزة ورام الله بالفساد المالي والإداري حيث ينخر الفساد في الأولي بكادرها الوسطي عبر تجارة الأنفاق التي باتت مصدر حيوي تحت حجة كسر الحصار والذي أصبح ذريعة لتكريس الواقع الحالي والهروب من حل أزمة البطالة المستفحلة في قطاع غزة وتغطية العجز القائم والمتزايد في المؤسسات الحيوية الرسمية من تعليم وصحة ورفاه اجتماعي ............ الخ , وبالتالي هناك فئة كبيرة لا يروق لها حالة الالتئام الوطني وإعادة اللحمة ناهيك عن طبيعة الأجندة السياسية وطبيعة التحالفات والتجاذبات الإقليمية والثانية التي استشري فيها الفساد من القاع إلي القمة من تنسيق أمني مخزية لمفاوضات عبثية تكرس الاحتلال وتسقط حقوق الشعب الفلسطيني وتعزز يهودية الأرض دون أن يحقق الطرف الفلسطيني أي شيء ملموس علي الأرض ويحاول كل من حكومتي غزة ورام الله اللتان التزمتا الصمت اتجاه ثورة مصر إلي حين انتصارها ظهرت الأبواق الإعلامية تهلل وتكبر وتصفق وتشيد وحاول كل طرف منهم الاستفادة من تلك الثورة علي طريقته الخاصة حيث بادرت حكومة رام الله بالإعلان عن الجاهزية التامة للمصالحة علي قاعدة الورقة المصرية والموافقة علي التحفظات التي أبدتها حركة حماس حولها بينما سارعت الأخيرة للإعلان عن سقوط الورقة المصرية بسقوط النظام المصري .
شعار إنهاء الانقسام الذي رفعته الروابط الاجتماعية علي وسائل التواصل الاجتماعي الفيس بوك هو مطلب جماهيري شعبي لضمان ايجاد برنامج وطني توافقي يحمل شعار الحفاظ علي شرعية المقاومة وحمايتها من جانب ومن جانب اخر بناء مؤسسات المجتمع المدني وفقا لمقتضيات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان و وينبغي أن يكون بالتوازن في غزة ورام الله وبنفس الوتيرة ويرتفع سقفه للمطالبة بتشكيل حكومة وحدة وطنية او حكومة تكنوقراط مستقلة تسير الأعمال لحين انتخابات رئاسية وتشريعية وتغليب المصلحة العليا والابتعاد عن نظام المحاصصة الذي افشل جميع الجهود الرامية لرأب الصدع في كل من القاهرة ومكة 2005 وتمسك كل طرف بتولي الوزارات السيادية وكذلك إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وإعادة هيكلتها علي أساس وطني ومهني وعلي قاعدة التمثيل النسبي الشامل وكذلك التوزيع العادل لممثلي السفارات والملحقين وأعضاء الهيئات الدبلوماسية في كافة السفارات الفلسطينية .
ويتطلب من اليسار الذي بالغ في تحديد موعد الخامس من حزيران لانطلاق الحملة الشعبية لإنهاء الانقسام والنزول للشارع ان يعمل الي تقريب تلك المدة الزمنية لتتماشي وطبيعة الرياح العاصفة بالمنطقة وتنسجم مع المزاج الجماهيري الايجابي الذي يميل لتكرار ثورات مصر وتونس وليبيا في كل من غزة والضفة وكذلك توسيع دور المشاركة الجماهيرية عبر ندوات وحوارات واعتصامات جزئية مؤقتة علي غرار الفعالية الرائعة التي نظمت الأسبوع الماضي احتفالا بثورة مصر , وكما يتطلب توحيد المواقف اليسارية وتنسيق المواقف المشتركة وان يشارك جميع الأحزاب اليسارية دون استثناء والشخصيات الوطنية المستقلة المنددة للانقسام علي تلك الروابط الاجتماعية , ونتمنى أن تكون تلك الخطوة الأولي لإنهاء الانقسام وإقامة انتخابات رئاسية وتشريعية حرة ونزيهة في كل من محافظات غزة والضفة تمهيدا لبناء مجتمع مدني ديمقراطي .
#فؤاد_ابو_لبدة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟