|
الإقتصاد السياسى للتخلف (5)
محمد عادل زكى
الحوار المتمدن-العدد: 3291 - 2011 / 2 / 28 - 07:50
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الإقتصاد السياسى للتخلف ((الجزء الخامس)) الفصل الخامس السودان، كنموذج لإختبار صحة المنهج مقدمة : إتباعاًً لنفس المنهج، يُمكن، على سبيل البرهنة (إختبار المنهج على أرض الواقع) والبحث الموسع فى نفس الوقت، إخضاع المسألة السودانية، على سبيل المثال(على الجانب الآخر مِن العالم. إفريقيا) لنفس المنهج، والذى يَتَمفصل حول قانون القيمة، وإن إدخال بعض التعديلات إنما يكون داخل المنهج نفسه، بترتيب مُختلف نوعاًً ما للإجراءات المنهجية (نفس الإجراءات) وليس تعديلاًً خارج سياق المنهج، أو فى الإجراءات ذاتها. فحين التصدى للمسألة الفنزويلية، قمنا مِن خلال خطوات فكرية معينة، بمعاينة الإداء وصولاًً إلى الهيكل. وهو نفس المنهج الذى نفترضه ونطرحه للإختبار على أرض الواقع للتأكد مِن مدى تمكنه مِن إسعافنا فى فهم الواقع وتطوراته المحتملة، وهو الأمر الذى نُعالجه أدناه، كما عالجنا المسألة الفنزويلية، مِن خلال خطوات فكرية محددة تمكننا من تكوين الوعى بشأن الإشكالية المطروحة، وتَتَمثل تلك الخطوات الفكرية، حين التعرض للمسألة السودانية، كما الحال حين التعرض للمسألة الفنزويلية، وغيرهما من الإشكاليات والصراعات الإجتماعية فى قارتى ((التسرب فى القيمة الزائدة، والتخصص فى المواد الأولية، وتغذية الأجزاء المتقدمة بمادة التراكم)) فى أربع خطوات فكرية: الأولى: التعرف على الواقع الإقتصادى الآنى، بالتعرف على طبيعة وحقيقة الهيكل الإقتصادى(*). الأمر الذى يستلزم التعرف على مُجمل الوضع الجغرافى. الخطوة الفكرية الثانية: مُعاينة الكُُل التاريخى الذى تُرد إليه المسألة، بحثاًً فى الجذور وعنها، وإنما إبتداءً مِن (إقتصاد سياسى) وليس (تاريخ). الخطوة الفكرية الثالثة: التقدم خطوة إلى الأمام بفحص التكوين الإجتماعى فى تطوره التاريخى فى البلد المراد التعرض للإشكالية المثارة بداخله، فإن إستقام لنا الطريق لتلك الخطوات، كان لنا أن نتقدم، وبإطمئنان، نحو خطوتنا الفكرية الرابعة. خطوتنا الفكرية الرابعة: وفيها ننشغل بتكوين الوعى حول طبيعة وحقيقة الصراع الجدلى الراهن، وتطوره على الصعيد الإجتماعى. والمنهج ذاته وخطواته تلك نفسها، يمكن إعمالهما على بلدان قارتى(أفريقيا وأمريكا اللاتينية بوجهٍ خاص، كما أسلفنا) للخصوصية التاريخية التى تشترك فيها بلدان القارتين. وعليه نَتَقدم لفحص المسألة السودانية، وإنما إبتداءًً مِن هدف التيقن مِن صحة المنهج، تبعاًً لما يلى مِن خطوات فكرية، الخطوة الفكرية الأولى: فقط، قبل البدء، يَتعين أن نُبرز تحفظنا على بَعض بل (جُل) الدراسات والكتابات التى تتناول المسألة السودانية، وكما رأينا، وسنرى بمزيد مِن التفصيل، فى المسألة الفنزويلية مِن قارة أمريكا اللاتينية حجم الإهتمام بالكم على حساب الكيف، فيُمكن لأى ناظر فى المسألة السودانية كأحد المسائل المثارة، آنياًً، فى القارة الإفريقية، على الجانب الآخر مِن العالم الرأسمالى المتخلف، أن يُشاهد وبسهولة كماًً غير عادى مِن المعلومات الجغرافية الإبتدائية والمرويات التاريخية السخيفة والنوادر الفارغة والطرف التافهة على طريقة تُسعف المتسابق فى برنامج الإعلامى اللامع جورج قرداحى"مَن سيربح المليون ؟" ولا يُمكن بحالٍٍ أو بأخر تصورها كبحث عِلمى محترم!! الخطوة الفكرية الأولى: الهيكل والجغرافيا (1) الهيكل الإقتصادى: فإنه يُمكن القول بأن الفترة 2000- 2004 (وهى إنتقائية فى المقام الأول مِن جهة كََونها مُتاحة نسبياًً ومتفقة أرقامها تقريباًً فى معظم المصادر التي رجعت إليها) للرصد الإحصائى والتحليل مِن خلال أدوات الإقتصاد الكلى؛ وصولاًً إلى معاينة الهيكل الاقتصادي السودانى, نقول بأنه يُمكن القول بأن تلك الفترة قد شَهِِدت, طبقاًً للأرقام الرسمية التي يَتعين معها الحذر لأمرين: أولهما: إعتناقها المتوسط الذي يُخفى أكثر مما يُُظهر, وثانيهما: أنها صادرة عن مؤسسة (الحُُكم) فى السودان والمنظمات الدولية التي يَستعين بها رأس المال إستقداماًً أو إستبعاداًً، كما نقول دوماًً، مِن أجل مصالحه العابرة للقارات. نقول شهدت تلك الفترة إستقراراًً نسبياًً فى الأداء الإقتصادى بوجه عام, حيث تحققت مُعدلات نمو موجبة (تبعاًً لأرقام مؤسسة الحكم السودانية والمنظمات الدولية المعنية) إذ بَلغت مُعدلات النمو تلك (فى المتوسط) حوالي 6.6% (كى تنخفض إلى 4,2 مع أرقام 2009) وقد تَناغم هذا النمو مع دخول النفط بشكل قوى فى هيكل الإنتاج مع إرتفاع أسعاره العالمية، كما أن تطورت نسبة مساهمته فى الناتج المحلى الإجمالى لتصل إلى ما يقارب مِن 11% فى عام 2004، كذلك تنامت الإستثمارات الخارجية المباشرة التي تُمثل حوالى 7.5% من الناتج المحلى الإجمالى، وتُقدِر الأرقام الرسمية والدولية مُعدل نمو الناتج المحلى الإجمالى بحوالى 7.2% فى العام 2004 ويُرجعه البعض إلى ذلك النمو الحاصل فى قطاعات الصناعة الفرعية لقطاع التشييد وقطاع الكهرباء، إذ بلغ مُعدل نمو القطاع الصناعى بالنسبة إلى الناتج المحلى الإجمالى نحو 13%. ومِن جهة أخرى، فإن: الجفاف...الحروب الأهلية...التصحر...أعمال العنف...التدهور المستمر وبخاصة فى الأقاليم البعيدة، كبحر الغزال، وأعالى النيل, ربما هى الرموز السحرية لفهم العديد مِن المظاهر المتعلقة بالتركيبات السكانية فى السودان ولكن منظوراًً إليها, على الأقل وفقاًً للمراحل المنهجية, مِن جهة السكان كقوة عمل؛ والأرقام تَعكس مجموعة مِن الحقائق التي تَشكلت على أرض الواقع؛ فطبقاًً لإحصاء سكانى, صادر فى عام 2002 عوَل عليه التقرير السودانى السنوى الخامس (وهو مِن ضمن قائمة المصادر التى نستند إليها بشكل رئيسى) فإن الذكور يُشكلون نحو 50.3% مِن إجمالى السكان، والإناث نحو 49.7% كما أن السكان فى المدينة يُشكلون 32% مِن جملة سكان الولايات الشمالية، بينما يُشكل سكان الريف 65% ومجموعات البدو الرحل حوالى 3% فقط، وهذا يعنى أن حوالي 65% على الأقل من السكان (البالغ عددهم 39,1 مليون نسمة؛ طبقاًً لأرقام 2008) لا يزال يعيش فى الريف, ولا يَعكس الإرتفاع فى عدد سُكان المدينة نمواًً حقيقياًً بقدر ما يَعكس تدفق الملايين مِن النازحين مِن الأرياف هرباًً مِن الفقر أو الحرب أو الإضطهاد الدينى أو العرقى، الأمر الذى يعنى عبأًً مضافاًً على عاتق الريف لإطعام العدد المتزايد مِن السكان فى المدينة. والأرقام تَعكس مِن جهة أخرى أن حوالى 46.6% مِن السكان هم مِن الفئات العمرية الأقل مِن 14سنة, والفئة الأقل مِن 5 سنوات وحدها تُشكل حوالى 17% مِن السكان. وإذا أضفنا الى ذلك الفئة العمرية 60 عاماًً فما فوق، فإن هذه الوضعية,لا شك, لها مشاكلها وبخاصة فى مجالات الصحة والتعليم، والتوزيع بوجه عام, وطبقاًً لإحصاء يَعود إلى عام 1993 فإن حجم القوى العاملة يُُقدر بنحو 34% مِن إجمالى السكان بمُعدل نمو أقل مِن مُعدل نمو السكان؛ وحسب أرقام (مؤسسة الحكم فى السودان) فإن إجمالى القوة العاملة يُقدر بنحو 28% مِن السكان فى عام 1998 (2.7مليون فى المدينة, وحوالى 5.7 مليون فى المناطق الريفية) وذلك يُشير الى أن 68% (بلغ 80% مع أرقام 2009) مِن القوى العاملة تعمل فى مجالات الزراعة والرعى والنشاطات المرتبطة بهما, أما البقية فتعمل فى نشاطات صناعية مرتبطة بالزراعة، أو الخدمات. وتشير الأرقام إلى إرتفاع مُعدل البطالة مِن 17% عام1996 إلى 18% عام 1999, وهذه الأرقام لا تَعكس الحقيقة، فى تصورى، وذلك لضعف الإحصاءات الحكومية ولعدم تضمنها البطالة المستترة فى القطاع الزراعى، وفى القطاع الحضرى على السواء. وعن متوسط نصيب الفرد مِن الدخل القومى والذي يُقدر, طبقاًً لأرقام 2004, بحوالى 370 دولار فى العام؛ أى حوالى دولار واحد فى اليوم، وهو ما يُعادل مستوى الكفاف حسب مؤشرات (الأمم المتحدة) ويَقل كثيراًً عن متوسط سبعينات وثمانينات القرن الماضى إذ تراوح هذا النصيب مِن إجمالى الدخل القومى ما بين 400 وبين 500 دولار. وطبقاًً لأرقام 2004، بلغ عدد السكان تحت خط الفقر 40%. وعن نسبة مساهمة القطاع الزراعى فى الناتج المحلى الإجمالى فقد تراجع هذا القطاع كى تصل مساهمته إلى 44.5% بمعدل نمو 4.5% فى عام 2004، مقارنة بنسبة مساهمة قدرها 45.6% ونمو قدره 5.2% فى العام 2003؛ ولكى تنخفض إنخفاضاًً عنيفاََ، طبقا لأرقام 2009، لتُُمثل فقط (32,1%) من إجمالى الناتج المحلى؛ وذلك إنما يَرجع إلى الإنخفاض الذي طرأ على المساحة المحصودة مِن بعض المحاصيل الرئيسية كالقطن وزهرة الشمس، وتناقص مساهمة الثروة الحيوانية التي تأثرت سلباًًً بالصراعات وبالأوضاع الأمنية المرتبكة فى إقليم دارفور. وبشأن القطاع الصناعى السودانى, فانه يُمكن القول طبقاًً للأرقام (الحكومية والدولية) المعلنة بكونه قد شهد مُعدل نمو إيجابى بلغ 13% فى العام 2004 مقارنة بمُعدل قدره 10.5% فى عام 2003 وقد تولد ذلك بصورة خاصة مِن النمو الذي تحقق فى قطاعات التعدين والصناعة التحويلية والبناء والتشييد والكهرباء، مع مزيد مِن سيطرة رأس المال الدولى على هياكل تلك الشركات العاملة فى تلك الحقول الصناعية, وقد إرتفعت مساهمة القطاع الصناعى فى الناتج المحلى الإجمالى إلى حوالى 25.4% عام 2004 مقارنة بنسبة قدرها 24.1% عام 2003. وعن القطاع الخدمى؛ والذى يستوعب (7 %) مِن القوة العاملة، فقد تَمكن هذا القطاع مِن تحقيق مُعدل نمو بلغ نحو 6.6% ، ونسبة مساهمة فى الناتج المحلى الإجمالى قدرها 30.1% عام 2004؛ ولكى يَرتفع ليُحقق مساهمة قدرها 38,5 % مع أرقام 2009، ويرجع ذلك، كما يَتردد فى دوائر الحكم، إلى بعض النمو الحاصل فى القطاعات الخدمية مثل النقل والإتصالات والخدمات الإقتصادية الأخرى. ولنتقدم خطوة إلى الأمام لمعاينة الهيكل بمزيد مِن التفصيل: (أولاًً) القطاع الزراعى: وهو يُعد مِن أهم القطاعات إذ يوظِف نحو 80 % مِن قوة العمل(أرقام 2009) ويُساهم بما يقترب مِن ثُلث الناتج المحلى الإجمالى(32,1%) ويتباين النظام البيئى فى السودان بين سافنا غنية فى أقصى الجنوب إلى بيئة صحراوية وشبه صحراوية فى أقصى الشمال، وتبعاًًً لتباين المناخ يتباين الإنتاج المادى للبشر فى الإقليم السودانى ككُُل؛ إذ تَبلغ مساحة السودان حوالى 600 مليون فدان تُغطى البيئة الصحراوية وشبه الصحراوية حوالى 49% مِن جملة المساحة ويبلغ إجمالى الأراضى القابلة للزراعة حوالى 200 مليون فدان, المزروع منها حالياًًً ( أرقام 2009) أقل مِن 35% يُضاف إلى ذلك مساحات الغابات البالغة 220 مليون فدان والمساحات غير القابلة للزراعة حوالى 180 مليون فدان. (أ) القطاع النباتى: تُشير البيانات المتوفرة إلى أن هناك زيادة مُقدرة فى المساحات المحصودة لكُُل المحاصيل الرئيسية وهى الذرة، والقمح، والدخن(الغذاء الرئيسى فى المناطق الجافة فى أفريقيا) والفول والسمسم، ماعدا محصولّىّ القطن وزهرة الشمس، كما تُشير البيانات إلى أن متوسط الإنتاجية قد تراوح بين 268 كجم فى الذرة، وفى القمح 970 كجم، وفى السمسم 105 كجم، وفى الدخن133 كجم (تحتل السودان المركز السابع على صعيد الدول المنتجة) وفى الفول السودانى 310 كجم، وفى القطن 608 كجم، وفى زهرة الشمس 538 كجم، وذلك فى موسم 2003/2004 ويُقسم القطاع النباتى إلى حبوب غذائية وحبوب زيتية ويُمكن تفصيل ذلك على النحو التالى: (1) الحبوب الغذائية: وتشمل الذرة(المحصول الرئيسى) والقمح، والدخن، ونوضح مساحاتها المزروعة والإنتاج على التفصيل التالى: إرتفعت المساحة المحصودة للذرة مِن 12667 ألف فدان فى موسم 2002-2003 إلى 17453 ألف فدان فى موسم2003- 2004 بنسبة زيادة تقدر بحوالى 37.8% بينما زاد الإنتاج مِن 2825 ألف طن فى موسم 2002-2003 إلى 4690 ألف طن فى موسم 2003- 2004 بنسبة زيادة تصل إلى 66% كما شهدت المساحات المحصودة مِن القمح إرتفاعاًًً ملحوظاًًً؛ إذ إرتفعت مِن 309 ألف فدان فى موسم 2002-2003 إلى 410 ألف فدان فى موسم 2003- 2004 بنسبة زيادة 32.7%، أما الإنتاج فقد إرتفع مِن 330 ألف طن فى موسم 2002-2003 إلى 398 ألف طن فى موسم 2003- 2004 بنسبة زيادة تُقدر بحوالى 20.6%؛ نتيجة للتوسع فى المساحات المزروعة منه. وقد سجلت المساحات المزروعة مِن الدخن(الغذاء الرئيسى فى السودان، بجانب القمح) إرتفاعاًً طفيفاًًً لم يتجاوز الـ 8% إذ بلغت فى موسم 2002-2003 حوالى 5817 ألف فدان و 6285 ألف فدان فى موسم 2003- 2004 أما الإنتاج فقد سجل زيادة بلغت 32.4% كى تُسجل إرتفاعاًً مِن 581 ألف طن فى موسم 2002-2003 إلى 769 ألف طن فى موسم 2003- 2004، بلغ 800 ألف طن مع أرقام 2009، وترجع هذه الزيادة إلى الأمطار الجيدة كماًًً وتوزيعاًًً. (2) الحبوب الزيتية: وتشمل الفول السودانى، والقطن، والسمسم، وزهرة الشمس، ويُمكن إيضاح مساحات وإنتاج الحبوب الزيتية على النحو التالى: بلغت المساحات المحصودة مِن الفول السودانى 2542 ألف فدان فى موسم 2003- 2004. مقابل 2439 ألف فدان فى موسم 2002- 2003 أى بزيادة قدرها 4.2% وزاد الإنتاج مِن 551 ألف طن فى موسم 2002- 2003 إلى 790 ألف طن فى موسم 2003-2004 بنسبة زيادة قدرها 43.4%. كما وأن زادت المساحات المحصودة مِن السمسم مِن 1836 ألف فدان فى موسم 2002- 2003 إلى 3783 ألف فدان فى موسم 2003- 2004 بنسبة زيادة بلغت 106%. وذلك لإرتفاع أسعاره فى المواسم الأخيرة والتوزيع المناسب للأمطار فى مواقع إنتاجه. كما بَلغت المساحة المحصودة مِن القطن لموسم 2003- 2004 حوالى391 ألف فدان مقابل397 ألف فدان فى موسم 2002- 2003، بنسبة نقصان بلغت 1.5%؛ وعلى الرغم مِن إرتفاع المساحة المزروعة منه إنخفض الإنتاج مِن 254 ألف طن فى موسم 2002- 2003 إلى 238 ألف طن فى موسم 2003- 2004، بنسبة إنخفاض قدرها 6.3%. وذلك بسبب السيول والفيضانات التى إجتاحت بعض مناطق الإنتاج. وفى سبيل إستيفاء التصور العام لهذا القطاع فإنه يُمكن القول بأن مشاكله، تَتَلخص فى: ضعف البنية التحتية (الطرق... الرى... المياه... الأوعية التخزينية...) وهو الأمر الذى يأتى متضافراًً مع تعميق الإنفصال المستمر بين الريف (بكُُل خصوصياته الإجتماعية) وبين المدينة (بكُُل تناقضاتها) على نحو متساوق مع تخلف الإستغلال على صعيد النظم الإنتاجية المهيمنة، وعلى صعيد علاقات الإنتاج السائدة؛ بما يُحقق ضخاًً مستمراًً للفائض إلى خارج مسام الإقتصاد القومى السودانى, أضف إلى ذلك تَدهور الغطاء النباتى بسبب القطع الجائر الذى إنعكس سلباًًً على التربة ومعدلات هطول الأمطار بمناطق الزراعة المطرية؛ بيد أن هذا الغطاء قد أخذ، طبقاًً لكلام مؤسسة الحكم السودانية، فى الآونة الأخيرة يَسترد عافيته إلى حد ما بفعل معدلات الأمطار الوفيرة فى السنوات الأخيرة؛ مما أدى إلى تَحسن نسبة الإنبات الطبيعى لبذور الأشجار والشجيرات مع تكثيف الحماية والتشجير والذى أتى بالتوازى مع إرتفاع معدلات الوعى بأهمية الأشجار وحمايتها نتيجة لحملات التوعية والبرامج الإرشادية بقيادة رأس المال الدولى، الساعى دوماًً للبحث عن المواد الأولية والبدائل، فى نفس الوقت. وبمناسبة البدائل تلك. وبمناسبة الحديث عن القطاع الزراعى فى الهيكل الاقتصادى السودانى كإقتصاد يُمثل أحد الأجزاء المتخلفة مِن الإقتصاد الرأسمالى الدولى المعاصر؛ فإنه يُمكن القول بأنه ومنذ بداية الستينات مِن القرن الماضى وفى ظل الثورة العلمية والتكنولوجية والتدويل المستمر للإنتاج؛ فقد تلاحقت الظواهر المتناقضة فى المجال الزراعى, فمِن جانب، حدث تطور كبير فى أساليب الزراعة, بحيث تَضَاعف الناتج المادى الزراعى فى السبعينات أكثر مِن مرتين. ومِن جانب آخر تزايد نقص الغذاء فى أغلبية البلدان النامية فى الوقت الذى إزدادت فيه عدم المساوة فى توزيع موارد الزراعة بين الدول وبفضل مُنجزات الهندسة الوراثية المتلاحقة فى ميدان الزراعة التى سُميت بالزراعة الكثيفة والتى تزامنت مع تدفق رأس المال، وعُززت بسلطان الدولة ودعمها المستمر فى الأجزاء المتقدمة مِن الإقتصاد الرأسمالى الدولى المعاصر, نجد أنفسنا بصدد ظاهرة تُسهم وبفاعلية فى تغيير النمط الراهن لتقسيم العمل الدولى فى الإنتاج الزراعى على الصعيد العالمى, وهو الأمر الذى أفضى فى النهاية وبعد التطورات التي حدثت فى الستينات ثم السبعينات إلى البدء فى عملية إعادة نشر الزراعة عالمياًً ونقل قطاعات منها مِن الجنوب الى الشمال وهى العملية التى أخذت فى التشكل مع مطلع الثمانينات مِن القرن الماضى؛ فمن المعروف، على سبيل المثال، أن حبوب الكاكاو تُنتَج فى كُُل مِن أفريقيا وأسيا وأمريكا اللاتينية، وهى مُكوِِن هام(إضافة إلى إستخدامها فى التجارة العالمية للشيكولاته) فى المنتجات الدوائية وصناعة أدوات التجميل باهظة الاثمان فى الغالب؛ وبدلاًً مِن إستيرادها يجرى الآن البحث(وقد نَجح فعلاًً)عن إمكانية تخليق نوعية أرقى منها معملياًً, كذا الحال وكما سنرى أدناه بصدد الأصماغ العربية الآخذة فى التدهور كماًً وكيفاًً. (ب) الغابات: تُعتبر الغابات مورداًً طبيعياًً ومتعدداًً, وتُغطى تلك الغابات أكثر مِن 120 مليون فدان مِن مساحة السودان الكلية (600مليون فدان) وتلعب دوراًًً متعاظماًًً فى حماية الأراضى الزراعية وبخاصة فى إقليم دارفور، وكردفان، كما تلعب دوراًًً هاماًًً فى حماية مناطق الزراعة جنوب النيل الأبيض، القضارف والنيل الأزرق. وتُعتبر الغابات مأوًً للحياة البرية والتي يُعتبر السودان مِن أهم مصادرها؛ فمحميات (الدندر: على الحدود السودانية الأثيوبية)، و(الردوم: وتقع جنوب دارفور) تُعتبر مصادر لأنواع مِن الحيوانات ذات العائد الاقتصادى كالأفيال والنمور، والتى أخذت أعدادها فى التناقص نتيجة العدوان المنظََم على الطبيعة والتهديد المستمر للحياة البيولوجية بالصيد والقنص الجائر فى سبيل الحصول على العاج أو الجلود، التى كانت لوقت قريب تطرح فى السوق العالمى, كسلعة باهظة الثمن, وتتهافت عليها الصفوة, وقد خفت حدة هذا الطلب على العاج والجلود تماشياًًً مع حملات حماية حقوق الحيوان فى المجتمعات الغربية. ويُسهم قطاع الغابات بحوالى 3% مِن الناتج المحلى الإجمالى، وتُرسخ الغابات قواعد العمل التقليدية (وتسودها علاقات أقرب إلى السخرة أو إلى القنانة) لدى سكان الريف (المنهَِك والمأجور غالباًً عيناًً) خاصة فى مناطق الزراعة التقليدية، كذلك تُعتبر الغابات المرعى الطبيعى والدائم للثروة الحيوانية فى البلاد؛ حيث توفر حوالى 70% مِن الغذاء للحيوانات.
الصمغ العربى: يُعتبر الصمغ العربى أحد المنتجات الرئيسية للقطاع الغابى فى السودان، وتُشرف على العملية الإنتاجية (أحد الهيئات الحكومية) وهى الهيئة القومية للغابات، وذلك بمتابعة الإنتاج وتجميعه الذى يُباع مُباشرة لشركة الصمغ العربى المحدودة (تأسست فى عام 1969 على يد حوالى خمسة آلاف مِن المساهمين السودانيين، بالإضافة إلى وزارة المالية السودانية التي تملك 30% مِن رأس مال الشركة) فعلى حين يتوقف دور الهيئة القومية للغابات فى السودان، كجهة حكومية، على الإشراف والتجميع, تَنهض شركة الصمغ العربى بعملية التسويق بتعامل مباشر مع السوق الدولية. وقد بَلََغت جُملة مًشتريات شركة الصمغ العربى مِن الهيئة القومية للغابات (التي تملكها الحكومة. حكومة مَن؟) حوالى 15.864 طن وشملت حوالى 7.953 طن مِن الهشاب (شجرة الهشاب هى شجرة طولها حوالى 4-7 متر و تعيش حوالى 25-30 سنة، تنتج الشجرة الصمغ بعد أن يقوم السكان المحليون بإجراء عملية (طق الصمغ) وذلك بخدش لُُحاء الشجرة بألة حادة مخصصة لهذا الغرض، تقوم الشجرة بعدها بفرز الصمغ عبر هذه الفتحات وتنتج الشجرة الواحدة مِن 200 إلى 300 جرام مِن الصمغ) و7911 طن مِن الطلح (وتُعد الصحراء بيئته الطبيعية) فى عام 2004 مقابل 15838 طن فى عام 2003 بنسبة زيادة قدرها نحو 0.2% وقد بلغت جملة صادر الشركة مِن الصمغ العربى حوالى 13.994 طن فى عام 2004 مقابل 30.285 طن فى عام 2003 بنسبة نقصان 53%. حيث بلغت جُملة الكميات المصدَرة مِن صمغ الهشاب حوالى 9.364 طن، وهى تُُعادل حوالى 66.9 % مِن صادرات الصمغ العربى أما صمغ الطلح فقد بلغت الكمية المصدَرة منه حوالى 4.630 طن أى ما يُعادل حوالى 33.1% مِن جُملة الصادر. ويمكن حصر أهم المشاكل والمعوقات التي تواجه إنتاج وتسويق الصمغ العربى إبتداءًً مِن الوعى بعدة أمور: أولها: إنخفاض مستوى الإستهلاك العالمى فى ظل ظهور البدائل الصناعية, إذ كان حوالى 60 ألف طن فى الستينات إنخفض الآن إلى حوالى 40 ألف طن نتيجة لتلك البدائل الصناعية. وثانياًً: المنافسة الخارجية؛ حيث زادت حصص الدول الأفريقية المنتِجة (وكذلك التى كانت غير منتِجة!) والمعروفة بتجارة وإنتاج الصمغ العربى مثل (تشاد، ونيجيريا، وأثيوبيا وأريتريا) بِفعل تدخل رأس المال الدولى؛ حفاظاًً على إنهيار ثمنه العالمى المستمر. ثالثاًً: الأسعار المنخفضة التى يعرضها المصنعون السودانيون المحليون لمنتجاتهم بالخارج؛ عِلماً بأن السوق الخارجى للصمغ كََسلعة دولية إنما يُسيطر عليه عدد محدود مِن الشركات مما يُشكل نوعاًًً مِن المضاربة الخاسرة غالباًً وضغطاًًً على أسعار الصادر مِن تلك السلعة. رابعاًً: التهريب والضرائب والرسوم: الإتحادية والولائية والمحلية. خامساًً: إنخراط السودان فى معاهدات دولية تضع مواصفات قياسية جديدة للمادة الخام؛ ولم تكن تلك المعاهدات ولا المواصفات القياسية الجديدة فى صالح السودان إطلاقاًً؛ إذ وقْع السودان على إتفاقيات فى صالح الدول المنتجة للأصماغ الأقل جودة؛ الأمر الذى طُُرحت معه كُُل الأمور على نحو معكوس؛ وربما غير مسبوق على صعيد التبادل الدولى، والذى هو بالأساس غير متكافىء. والمقصد المباشر مِن وراء ذلك هو كسر الميزة النسبية التي تَتَمتع بها السودان فى التبادل على الصعيد الدولى. وهو الأمر الذي يسعى رأس المال إلى تحقيقه دوماًً عبر سلسلة طويلة ومتصلة ومُُنظمة مِن عمليات خَلق بؤر التوتر وإيجاد دائم للبدائل والحفاظ على إنهيار أسعار المواد الأولية، ومنها الصمغ العربى؛ المركََب الرئيسى فى المشروبات الغازية التى تنتجها كبرى الشركات العابرة للقارات. والأن وبعد تَوتر العلاقات بين الخرطوم وواشنطن، المستهلك الأكبر، الأمر الذى أدى إلى إنخفاض عائدات الصمغ مِن (19 مليون) دولار فى عام 2005 ، بعد أن حقق (53 مليون) دولار فى عام 2002. وبعد أن بات حصاد الصمغ العربى فى غرب السودان أمراًً أكثر صعوبة، إن لم يكن مستحيلاًً. فالأسر التى إضطرت للنزوح بسبب النزاع المستعر فى إقليم دارفور تقطع أشجار الهشاب بغرض إستخدامها كحطب للوقود، وبعد إنخفاض المقابل المدفوع مِن قِبل الحكومة للمزارعين إلى أرقام هزلية، بعد كُُل ذلك فلا شك فى أن الصمغ العربى السودانى، المستَثنَى فى إتفاقيات الحظر الدولية المفروضة على الخرطوم؛ لأهميته الكبرى للأجزاء المتقدمة مِن الإقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر. لا شك أنه فى خطر!! (ج) الثروة الحيوانية: ساهم قطاع الثروة الحيوانية بحوالى 19.8% فى إجمالى ناتج القطاع الزراعى، وذلك فى السنة الأخيرة مِن سنوات الفحص، بجانب مساهمته فى تحقيق الأمن الغذائى السودانى بتوفير اللحوم الحمراء والدواجن والأسماك والألبان. الأمر الذى يجعلنا نتعقب النمو فى حجم القطيع القومى السودانى: إذ شهدت الفترة محل التحليل؛ نمواًً فى القطيع القومى وإستقراراًًً فى حجمه مع الرعاية البيطرية التي شملتها حملات التطعيم والتقصى الحقلى للأمراض ووفرة الدواء البيطرى العلاجى(الذي جلبه رأس المال الدولى)لدى شركات القطاع الخاص، الأمر الذى ساهم فى الحد مِن الوبائيات عبر الوحدات البيطرية المتحركة، والممولة مِن رأس المال الدولى كذلك. وقد زادت أعداد القطيع مِن 133.6 مليون رأس فى عام 2003 إلى 135.9 مليون رأس فى عام 2004 بزيادة قدرها 0.2% وحافظ إنتاج اللحوم الحمراء على مستواه مِن 1663 ألف طن فى عام 2003 إلى 1672 ألف طن فى عام 2004 بنسبة 0.5% وقد ساهمت الثروة الحيوانية فى سد إحتياجات البلاد(طبقاًً لأرقام مؤسسة الحكم) مِن اللحوم الحمراء والألبان ومشتقاتها بجانب منتجات الدواجن والأسماك؛ إذ بلغ الصادر مِن الحيوانات الحية خلال عام 2004 حوالى 750 رأس مِن الأبقار فقط(وترجع تلك الضألة إلى الأهمية الشديدة فى الذهنية السودانية، وبخاصة فى الجنوب) و1595723رأس مِن الضأن و95066 رأس مِن الماعز و117044 رأس مِن الأبل، بينما بلغت صادرات اللحوم حوالى 5661.9 طن. ويمكن إجمال أهم المشاكل التى تواجه هذا القطاع على النحو التالى: أولاًً: عدم إجراء مسح شامل للثروة الحيوانية منذ عام 1975- 1976 والذى تم إجراؤه عن طريق المسح الجوى (العشوائى والبدائى) والذى لم يتم التدقيق فى بياناته. ثانياًً: تدهور المراعى وإنكماشها وعدم توافر مياه الشرب الصالحة للحيوان. ثالثاًً: مشاكل حيازة الأراضى وغياب سياسات تنظيم إستخداماتها, وما يَستصحب ذلك مِن إثارة إشكالية الصراعات القبلية وبسط النفوذ(على الأرض بما فيها وبمَن عليها) فى مرحلة أولى؛ كى تطرح فى مرحلة أولى، مكرر، إشكالية الصراع بين الطبقات المكونة للقبيلة ذاتها. رابعاًً: إنتشار الأمراض المستوطنة والوافدة والتاريخ المرضى للجنوب السودانى زاخر بالمأسى عقب تدمير الإنعزال الصحى الطبيعى مع أول تعارف برأس المال الدولى. الأمر الذى تساوق مع إستمرار وجود الآفات الزراعية والأمراض الحيوانية، وعدم إعتماد برامج وقائية للحماية منها. خامساًً: ضعف آليات ومصادر التمويل الوطنية مع إرتفاع كلفة التمويل وقصر مدته وإقتصاره على تغطية عمليات الإنتاج على الإنتاج مِن أجل التصدير. أى مِن أجل السوق العالمى؛ وبالتبع الإندماج المباشر فى منظومة الأثمان الدولية والتبادل غير المتكافىء. سادساًً: إرتفاع تكلفة الإنتاج، مع إرتفاع نسبة الفائض، إضافة إلي الأعباء الضريبية السائدة على المدخلات وتعدد الرسوم(ضرائب العبور) والجبايات على حركة الحيوان. كُُل ذلك مِن جهة، ومِن جهة أخرى: إنخفاض أسعار بعض المنتجات الزراعية، مما يَنعكس سلباًً على قرار الإنتاج فى ذاته. وكذلك إرتفاع تكاليف وسائل الإنتاج، وإنخفاض مُعدلات مستوى الميكنة الزراعية. وعدم توفر التقاوى والبذور المحسنة والمبيدات بالشكل الكافى. مع إستمرار الضعف فى البُنىَ الخدمية والتسويقية للنشاط الزراعى. أضف إلى ذلك إنعدام الإرتباط بين القطاعات الإقتصادية المكونة لمفهوم الناتج القومى. سابعاًً: ضعف تنظيم الأسواق، وضعف القدرة على تطويرها. ثامناًً: إنعدام آلية التنسيق بين الجهات الحكومية المعنية وذات الصلة بالثروة الحيوانية (المراعى، المياه، البحوث... إلخ). تاسعاًً: تأثير الوضع الأمنى المرتبك فى دارفور؛ حيث تََتََواجد بإقليم دارفور أكثر مِن خُمس الثروة الحيوانية فى السودان. (ثانيا) القطاع الصناعى: ويشمَل القطاع الصناعى كُُلا مِن الصناعات التحويلية، والكهرباء، والتعدين، والتشييد والبناء. وتشمل القطاعات الفرعية التالية: الصناعات الغذائية، والغزل و النسيج، ومنتجات الجلود، والصناعات الكيماوية، وصناعة مواد البناء، والأخشاب والمواد الخشبية والاثاثات، والصناعات الهندسية، والطباعة والتغليف والورق والمنتجات الورقية، والصناعات المعدنية الأساسية، والصناعات التعدينية غير الأساسية، وصناعة الآليات والمعدات، وصناعات تحويلية أخرى, ونقتصر على بيان أهمها على النحو التالى: تبلغ الطاقة الإنتاجية لمصانع السكر فى السودان مجتمعة نحو 655 ألف طن تمثل (شركة سكر كِنانة) نسبة 45.8% منها أى أكثر مِن 300 ألف طن، وقد شهدت صناعة السكر نمواًً مضطرداًً خلال المواسم 1999- 2000،و2003- 2004 حيث بلغت جُملة إنتاج السكر للموسم 2003- 2004 حوالى 755 ألف طن مقارنةً بحوالى 728 ألف طن للموسم 2002- 2003 بنسبة زيادة بلغت حوالى 4% أَنتجت منها (شركة سكر كِنانة) حوالى 398 ألف طن فى موسم 2002-2003 مقارنةً بحوالى 428 ألف طن فى موسم 2003- 2004 بنسبة زيادة بلغت 7% وذلك نسبة لإرتفاع الإنتاجية. كما بَلغ إنتاج الشركة السودانية لإنتاج السكر حوالى 327 ألف طن فى موسم 2003- 2004 مقارنةً بحوالى 330 الف طن للموسم 2002-2003 بنسبة نقصان بلغت 1% . ومِن جهة أخرى، تُعتبر صناعة الأسمنت مِن الصناعات الهامة والرئيسية حيث يَتَركز الإنتاج بمصنع عطبرة ( تم إنشائه عام 1947 كقطاع خاص وذلك بشركة مساهمة برؤوس أموال أغلبها أجنبية. وفى عام 1970 تم تأميمه وضمه إلى مؤسسات القطاع العام الصناعى. ثم صدر قرار جمهورى عام 1983 بتحويله إلى شركه خاصة سميت "شركة ماسيبو للأسمنت" وفى أواخر العام 2002 تمت خصخصة الشركة وتم بيعها للشركة الأفريقية للتنمية والإستثمار، ومقرها دبى ويملكها سليمان الراجحى، وصالح كامل، وإبراهيم الأفندى، وفى أواخر العام 2003 تم بيع الشركة الافريقية للتنمية والإستثمار، لسليمان الراجحى؛ ومِن ثم ألت الشركة إليه، كما يُوجد إلى جوار مصنع عطبرة، مصنع(ربك) وقد بلغت جُملة إنتاج المصنعين حوالى 170 الف طن، 199 ألف طن، 205 ألف طن، 265 ألف طن للأعوام 2001، 2002، 2003، 2004 على التوالى، هذا وقد شَهدت الأعوام الأخيرة التالية على أعوام حقل التحليل سعى رأس المال الدولى لرفع إنتاجية المصانع مع البدء فى تنفيذ برامج تأهيل مصنع عطبرة. وربما تكون أهم المشاكل والمعوقات فى حقل تلك الصناعة تَتَعلق بضعف آليات النقل البرى والمناولة بميناء بورسودان وبُطء وتعثر (الورادات) مِن قطع غيار ومُدخلات الإنتاج عبر ميناء بورسودان ومطار الخرطوم ذى الامكانات الهزيلة. ويُعتبر قطاع الصناعة الدوائية مِن الصناعات التي لا تَتَمكن مِن تلبية إحتياجات الشعب السودانى المحلية إلا فى بعض الأنواع مِن الأدوية التقليدية، أو التى سَمَحت الشركات الرأسمالية العملاقة بإمكانية إنتاجها محلياًً. وتبلغ تكلفة إستخدام السودان للدواء فى العام (250) مليون دولار أى ما يُمثل (3%) مِن جملة إستخدام الدواء فى العالم حيث يَبلُُغ إستخدام الفرد نحو (4) دولارات فى العام. قطاع الغزل والنسيج: ونتيجة للمشاكل الهيكلية وضعف القدرات التنافسية فى الأسواق العالمية وإرتفاع تكلفة الإنتاج؛ فقد ظل الإنتاج فى قطاع الغزل والنسيج فى تدنٍٍ مُستَمر, عاكساًً صورة واضحة لتخلف نُظم الإستغلال فى الأجزاء المتخلفة مِن الإقتصاد الرأسمالى الدولى, فبعد مرحلة طويلة مِن النسج اليدوى، دخلت صناعة النسيج فى مرحلة ثانية بإنشاء مصنع النسيج السودانى بالخرطوم عام 1961بتمويل أمريكى، كما تم إنشاء شركة الخرطوم للغزل والنسيج وكان المصنعان بمثابة المتكفل بكساء الشعب السودانى بنسبة كبيرة جداًً مِن الاقمشة الشعبية والدمورية والدبلان والملايات المطبوعة وغيرها مِن الأقمشة، تم بيع المصنعين لشركة كويتية. وتوقف إنتاجهما قبل تطبيق الخطة الخمسية 1970-1975 والتى شملت إنشاء المصانع الحالية للغزل والنسيج بالقطاعين العام والخاص، وقُُدرت التكلفة الإجمالية لهذه المصانع بمبلغ (3) مليار دولار كتكلفة إنشائية آنذاك، وتبلغ الطاقة التصميمية لهذه المصانع 60 ألف طن مِن الغزول و350 مليون متر فى العام، وكانت تؤمن الإكتفاء الذاتى مِن الأقمشة الشعبية، وأغلب هذه المصانع اليوم متوقف والذى يَعمل منها لا تتعدى إنتاجيته 5% علي الأكثر. قطاع الزيوت: بلغ إنتاج الزيوت النباتية للعام 2004 حوالى 120 ألف طن بينما بلغ 90 الف طن للعام 2003 بنسبة زيادة بلغت 33 %. وأهم المشكلات التي تواجه هذا القطاع تكمن فى عدم إنتظام الكهرباء وغياب الإستثمارات الجديدة على الرغم مِن تنامى الطلب المحلى. قطاع الطاقة والتعدين: يُسيطر على إنتاجه وتسويقه، كونسرتيوم مكون مِن شركات (صينية 40% وماليزية 30% وكندية 25% ، إضافة إلى الحكومة السودانية 5%)بعد إنسحاب شركة "شيفرون" فى العام 1984، التى كانت تملك حقوق إمتياز الإستخراج منذ عام 1974 (أثناء حكم جعفر النميرى) التى حفرت 90 بئراًً فى مساحة قدرها (42 مليون هكتار). بلغ إجمالى إنتاج النفط السودانى نحو (105)مليون برميل خلال العام 2004، وبلغ نصيب الحكومة منه حوالى 74.9 مليون برميل بنسبة 71% مِن إجمالى الخام المنتََج. بينما بلغ الإنتاج الكلى مِن الخام خلال العام 2003 حوالى(95.7)مليون برميل، بلغ نصيب الحكومة منه 62.1 مليون برميل بنسبة 65% مِن إجمالى الإنتاج. وتُعزى الزيادة الملحوظة فى نصيب الحكومة خلال العام 2004 إلى الإرتفاع فى حجم الإنتاج الكلى مِن الخام وأسعاره، حيث بلغ متوسط الإنتاج اليومى حوالى 287 ألف برميل مقابل متوسط يومى 263 ألف برميل خلال العام 2003. إضافة إلى الإرتفاع الكبير فى الأسعار العالمية خلال العام 2004، والتى كان لها الأثر فى توزيع الأنصبة. ولقد زادت عائدات صادر النفط الخام فى عام 2004 بنسبة قدرها 53% أما البنزين فقد زاد بنسبة قدرها 70% والغاز المخلوط بنسبة 100% بينما إنخفض الغاز الطبيعى بنسبة قدرها 43% مقارنة بالعام 2003 وتحتل صادرات النفط المرتبة الأولى فى هيكل الصادرات إذ يُمثل 78% مِن إجمالى الصادرات خلال العام 2004(الأمر الذى يُُذكْْر بتاريخ طويل مِن السلعة الواحدة) وقد بلغ إجمالى العائد المقدر مِن الكميات المصدرة لصالح الحكومة خلال العام 2004 نحو 1876.0 مليون دولار أمريكى. ويُمكن ملاحظة النمو الكبير الذى طرأ على أداء صادر خام النفط خلال العام 2004 مقارنة بالعام 2003 ويرجع هذا إلى: إرتفاع نصيب الحكومة مِن الكميات المصدَرة مِن 42.2 مليون برميل فى عام 2003 إلى 50.8 مليون برميل فى عام 2004 بمعدل نمو بلغ 20%. والواقع أن نصيب الحكومة لا شك رقمياًً أنه زاد ولكن تلك الزيادة ليست نتاج صراع جدلى مع الشركات المستثمرة بقدر ما هى نتاج طبيعى للزيادة المضطردة فى إنتاج الزيت نفسه. ويُمكننا هنا إضافة سبباًً آخر وهو إرتفاع مستوى الأسعار العالمية، آنذاك، مِن 27.8 دولار أمريكى للبرميل فى المتوسط فى عام 2003 إلى 38.6 دولار أمريكى للبرميل. وطبقاًً لأرقام حديثة نسبياًً فإنه يُمكن القول بأن الإقتصاد السودانى وحتى النصف الثانى مِن عام 2008 شهد زيادة ملحوظة فى إنتاج النفط، تلك الزيادة تزامنت مع إرتفاع سعر النفط العالمى، كما أن شهد هذا القطاع تدفقات كبيرة مِن الإستثمار الأجنبى المباشر. ومع أرقام 2008 كذلك فقد بلغ نمو الناتج المحلى الإجمالى أكثر مِن 10 %سنوياًًً فى عامى 2006 و 2007.بدأت السودان بتصدير النفط الخام فى الربع الأخير مِن عام 1999. قطاع الكهرباء: شهد التوليد الكهربائى خلال الفترة المعنية نمواًًً مضطرداًًً حيث وصل التوليد الكهربائى الكُُلى حوالى 3279.9 جيجا واط/ ساعة فى عام 2003 منها حوالى 3074.1 جيجا واط/ساعة داخل الشبكة وحوالى 205.8 جيجا واط /ساعة خارج الشبكة. وإرتفع التوليد إلى حوالى 3794.7 جيجا واط/ ساعة فى عام 2004 بزيادة قدرها 15.7% مقارنة بعام 2003 منها حوالى 3505.9 جيجا واط/ساعة داخل الشبكة وحوالى 288.8 جيجا واط/ساعة خارج الشبكة. وبلغ إستهلاك الكهرباء للعام 2004 حوالى 2496.2 جيجا واط/ساعة بنسبة زيادة بلغت 8% عن العام 2003 والذى بلغ حوالى 2391.6 جيجا واط/ساعة. وترجع هذه الزيادة إلى زيادة الإستهلاك فى القطاعين السكنى والصناعى. ويُمكن حصر مشكلات هذا القطاع فى أمرين: أولهما ضعف تمويل صناعات قطاع الكهرباء. ثانيهما إتساع الإقليم السودانى؛ الأمر الذى يزيد من تكلفة صناعة الكهرباء مِن جهتى التجديدات الطويلة للشبكة والتوليد عند الأطراف البعيدة. ووفقاًً لأرقام حديثة نسبيا ًيُمكن أن نَذكُُر أن: الإنتاج بلغ 4341 بليون كيلو واط (2007) والإستهلاك: 3438كيلو واط (2007) قطاع المياه: الفجوة ما زالت كبيرة بين إمدادات المياه والأهداف الكمية التى وُضعت لسد الحاجة مِن مياه الشرب. وطبقا لمؤسسة الحكم فإنه يُمكن القول بأن عام 2000 عام تمت فيه نقلة كمية لتوفير مياه الشرب وصولاًًً إلى معدل 20 بليون لتر للفرد فى اليوم فى الريف و 80 لتر للفرد فى اليوم بالنسبة إلى المدينة بحلول عام 2007 وهو الأمر الذى تنفيه الأرقام الحالية؛ على الرغم مِن إنصات السودان الجيد إلى صوت رأس المال الدولى فى منظمة الصحة العالمية. هذا وقد زادت موارد المياه ونسبة التغطية بفعل إدخال بعض التوسعات الرأسية والأفقية فى شبكات التوزيع بالاضافة إلى رفع عدد المشتركين والمستفيدين مِن خدمات المياه. ولعل الأرقام تُنبىء عن حالة مِن الحراك فى هذا القطاع؛ إذ تم تنفيذ، وفقا لأرقام مؤسسة الحكم، حوالى 35.4% مِن محطات المياه والآبار والحفائر والمرشحات المقررة فى إطار البرنامج الوطنى للمياه لعام 2004؛ حيث تم حفر مائة بئر جوفية وتشييد 8 سدود و25 حفير و6 مرشحات وتشييد محطة مياه واحدة. كما تم الإنتهاء مِن مراحل تصميم محطة تنقية مياه ولاية الخرطوم وتجهيزات الموقع وحماية النهر بنسبة 100% وتم تشييد 66% من الأحواض المطلوبة. أيضاًً إكتملت المراحل النهائية لتشييد محطة تحلية مياه بورسودان لإنتاج 10 ألف متر مكعب فى اليوم. وفى المناطق القاحلة تم تشيّيّد 10 حفائر وتأهيل 10 حفائر أخرى بإستخدام قروض الصين(التى تعد حليفاًً وشريكاًً إستيراتيجياًً مهماًً بالنسبة للسودان) الجدير بالذكر أن القائمين على تنفيذ برنامج المياه فى السودان قد تعللوا (بشح الموارد!!) حين التحدث حول دراسات توفير المياه لولايات النيل الأزرق ودارفور الكبرى والنيل الأبيض. قطاع التعدين: تقوم الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية فى السودان بإجراء البحث والتنقيب (لاحظ: البحث والتنقيب,لا الاستخراج)عن المعادن كما تقوم بإعداد الخرائط الجيولوجية (بمعاونة الخبراء الأجانب بالطبع) وهذا القطاع بطبيعة تكونه التاريخى تُهمين عليه الشركات الدولية العملاقة على الصعيد العالمى وهو مِن تلك الوجهة يُثير التساؤلات حول مَن الذى يَستأثر بناتج الأرض؟ السؤال له وجاهته مِن جهة أنه يُثير بالتوازى عدة أسئلة جوهرية, وربما حساسة, مِن طراز مَن هو صاحب الأرض؟ ومَن هو صاحب الدولة؟ ومَن هو صاحب الشركة المستًخرِِِجة لما فى بطن الأرض السودانية؟ وهل تلك هى حقاًً اللحظة التاريخية التي يَطفو فيها على السطح، كما الشأن فى فنزويلا، ونيجريا، وغيرهما. . . ولئن كان مِن زاوية مختلفة نسبياًً، الصراع بين الريع (كظاهرة تاريخية) وبين الربح (كظاهرة تاريخية مقابلة)؟ (ثالثا) قطاع الخدمات : (أ) الطرق والجسور: لا ريب فى أن قطاع الطرق والجسور يؤدى دوراًً هاماًً فى عملية التنمية الاقتصادية (على الأقل كما تطرح نفسها فى مرحلة التعليم الأساسى) حيث أنه يربط مراكز الإنتاج بتجمعات الإستهلاك وموانئ التصدير ويساعد على تنمية (وإن كانت تنمية غير متوازنة كقانون رأسمالى عام) المناطق التى تَمُر بها الطرق, ويَشمل هذا القطاع الطرق القومية العابرة لأكثر مِن ولاية والممولة تمويلاًً غالباًً تمويلاًً أجنبياًً... بيد أن شُح الموارد (كما يتردد فى لغة الخطاب الرسمية) إضافة إلى الأبعاد الأمنية لرأس المال الدولى، يقفان عائقاًً أمام ربط أقاليم السودان ربطاًً حديثاًً مِن خلال شبكة طرق تَتَكفل بذلك. (ب) قطاع النقل والإتصالات: يَضم قطاع النقل فى السودان كُُل مِن: هيئة السكة الحديد وهيئة النقل النهرى وهيئة الموانى البحرية وشركة الخطوط البحرية السودانية وشركة الخطوط الجوية السودانية وهيئة النقل البرى. ويُمكن القول بأن هذا القطاع الجزئى إنما يُكرس جُل مظاهر التخلف، فوسائل النقل ذاتها متهالكة، والطرق غير معبدة، والمطارات تفتقد التنظيم، وكذلك الموانىء، أضف إلى ذلك عدم فاعلية القطاع فى ربط أجزاء الإقليم . الشركة السودانية للإتصالات(سوداتل): إستمرت الشركة السودانية للإتصالات (سوداتل) فى تحسين وتطوير خدماتها منذ تأسيسها فى عام 1993. وصارت مِن أكبر الحقول الإستثمارية فى السودان وأُُدرجت أسهمها بالأسواق المالية الدولية, كما تُعتبر أسهمها الأكثر تداولاًً فى سوق الخرطوم للأوراق المالية منذ العام 1997. وبجانب خدمات الهاتف تقوم الشركه بتقديم خدمات المعلومات الأخرى مثل خدمات شبكة الإنترنت والدوائر المؤجرة والتجارة الأكترونية...إلخ. ويَشهد حقل الإتصالات صراعاًً جدلياًً بين قوى رأس المال الدولى فى سبيل السيطرة على الجديد فى عالم التكنولوجيا, الأمر الذى يَعنى، كما ذكرنا سلفاًً بالمتن، أن تطور المجتمع السودانى، وكافة المجتمعات، مِن تلك الوجهة يَرتبط بمدى التطور الحاصل فى الصراع الإجتماعى مِن أجل الحصول على الجديد فى مجال التكنولوجيا وليس مرتبطاًً بالتطور الحاصل فى مجال التكنولوجيا نفسها, أى العكس تماماًً لما هو سائد, على الأقل, فى الفكر الأكاديمى... والفكر الأكاديمى ليس بالضرورة هو الفكر الصحيح كما يقول أستاذى العلامة/محمد دويدار. ومِن جهة أخرى مُكملة للإستعراض الرقمى والإحصائى السالف عاليه، فإنه يَجدر بنا السير خطوات فى سبيل إختبار صحتها النسبية، بمعاينتها، وتحديثها، فى ضوء تقرير وكالة الإستخبارات الأمريكية (CIA) والذى جاء بموقعها الالكترونى: https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook الناتج المحلى الإجمالى (تعادل القوة الشرائية) 92 بليون دولار أمريكى (2009 ) الناتج المحلى الإجمالى (سعر الصرف الرسمى) 54 بليون دولار أمريكى الناتج المحلى الإجمالى ( معدل النمو الحقيقى) 4,2 % (2009) الناتج المحلى الإجمالى/ للفرد (تعادل القوة الشرائية) 2300 دولار ( 2009) الناتج المحلى الإجمالى -- التكوين حسب القطاع: الزراعة : 32,1 % الصناعة : 29,4 % الخدمات : 38,5 % القوى العاملة : 12 مليون (تقديرات 2007) القوى العاملة وفقا للهيكل : الزراعة : 80 % (2009) الصناعة : 7 % الخدمات : 13 % (1998) معدل البطالة: 18,7 % (2002)
السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر: 40 % (2004) الإستثمار (الإجمالى الثابت) 20,7 % من الناتج المحلى الإجمالى (2009 تخمين) الدين العام: 103,7 % من الناتج المحلى الإجمالى (2009) 100 % من الناتج المحلى الإجمالى (2008) معدل التضخم (أسعار المستهلك) : 11,2 % (2009) المخزون النقدى: 62.56 مليار دولار (31 ديسمبر 2008) المخزون من أشباه النقود : 42.64 مليار دولار (31 ديسمبر 2008) الزراعة: القطن والفول السودانى، والذرة الرفيعة والدخن ، القمح ، الصمغ ، وقصب السكر ، والكسافا (التابيوكا) ، والمانجو، والبابايا، والموز، والبطاطا الحلوة ، والسمسم ؛ والأغنام والماشية. الصناعات : النفط ، وحلج القطن، والمنسوجات، والأسمنت، والزيوت الصالحة للأكل ، والسكر والصابون ، والأحذية، والمواد الصيدلانية ، والأسلحة. معدل نمو الإنتاج الصناعى: 3,2 % (2009) النفط -- الإنتاج : 486700 برميل / يوم (2009) نفط -- إستهلاك : 84000 برميل / يوم (2009) النفط -- الصادرات : 303800 برميل / يوم (2007) نفط -- إحتياطيات: 68 بليون برميل (1 يناير 2009) الغاز الطبيعى -- الإنتاج : (0) متر مكعب (تقديرات 2008) الغاز الطبيعى -- الإستهلاك : (0)متر مكعب (تقديرات 2008) الغاز الطبيعى -- الإحتياطيات المؤكدة: 8495 مليار متر مكعب (يناير 2009) الصادرات: 7.56 مليار دولار (2009) 11,60 مليار دولار (2008) الصادرات -- السلع: النفط، ومنتجاته، والقطن والسمسم والفول السودانى، والثروة الحيوانية، والصمغ العربى، والسكر. صادرات -- أهم الشركاء: الصين 58,29% ، اليابان 14.7 %، 8,83 % اندونيسيا والهند 4,86% (2009) الواردات : 8,253 مليار دولار (2009) الواردات -- السلع: المواد الغذائية والسلع المصنعة ، ومعدات التكرير والنقل والأدوية والكيماويات والمنسوجات والقمح. الواردات -- أهم الشركاء: الصين 21,87 % ، المملكة العربية السعودية 7.22 % ، مصر 6,1 % ، 5,53 % الهند ، الإمارات العربية المتحدة 5،3 %(2009) الإحتياطيات من النقد الأجنبى والذهب: 879 مليون دولار (2009) الدين الخارجى: 36,27 مليار دولار (2009) أسعار صرف العملات: جنيه سودانى (جنيه) لكل دولار أمريكى: 2.34 (2009) ، 2.1 (2008) ، 2.06 (2007) ، 2.172 (2006) ، 2.4361 (2005) هكذا ننتهى مِن الجزء الأول مِن خطوتنا الفكرية الأولى، بإتمامنا التعرف على مُجمل الهيكل الإقتصادى، وصولاًً إلى تكوين الوعى حول "الإقتصاد" فى السودان، مِن حيث هيمنة الزراعة عليه، إذ يُعد الإقتصاد السودانى إقتصاداًً زراعياًً مِن الدرجة الأولى، وتخلفه وتبعيته وبدائيته خصائص جوهرية واضحة، لا لغلبة قطاع الزراعة على القطاعات الأخرى، وإنما لسماح نمط الإنتاج وعلاقاته بتسرب فائض القيمة مِن الريف إلى المدينة، فى مرحلة أولى، ثم مِن داخل السودان إلى خارجها، فى مرحلة ثانية، على نحو لا يَسمح بتراكم رأسمالى يوظََف بداخل الإقتصاد السودانى، ويتبدى ذلك فى هيمنة الزراعة، والفلاحة وما يتصل بهما، على مُجمل النشاط الإقتصادى فى المجتمع، وذلك دون إرتباط ما بين قطاع الزراعة هذا وبين القطاع الصناعى تحديداًً، الأمر الذى يَجعل السودان أحد المتخصصين فى إمداد الأجزاء الأخرى (متقدمة ومتخلفة لا فرق) بالمواد الأولية المحمَلة بقيمة زائدة ، مِن نفط وصمغ وقطن تحديداًً، بالإضافة إلى الثروة الحيوانية. تلك السلع حينما يجرى تصديرها؛ لتغذية صناعات فى بلدان أخرى أكثر تعقيداًً وتطوراًً فى الغالب، فإنما تتم مِن خلال عملية مُنظمة للتبادل غير المتكافىء، محملة بقيمة زائدة. عمل مُُكدس. فإذ ما إفترضنا، كما إفترضنا سلفاًً، لإعتبارات التبسيط، أن السودان بدأ سنة إنتاجية ما بنقد يبلغ (3 مليار) وحدة، بواقع (1 مليار) للزراعة) و(1 مليار) للصناعة، و(1 مليار )للخدمات، فإنه فى نهاية الفترة(السنة محل التحليل) سيكون لديه (6 مليار) وحدة، موزعين كالأتى: (3 مليار) أصل المبلغ المبدوء به الإنتاج، و(3 مليار) قيمة زائدة، بإفتراض أنها تبلغ 100%،فوفقا للبيانات المتاحة فلن يقوم السودان بإستخدام (3 مليار) قيمة زائدة فى سبيل التركيم الرأسمالى المطلوب للخروج من حلقة التخلف، إذ سيقوم بضخ تلك القيمة الزائدة فى مسام الأجزاء المتقدمة من الإقتصاد الرأسمالى العالمى الذى يعتمد عليها فى المواد الغذائية والسلع المصنعة، ومعدات التكرير والنقل والأدوية والكيماويات والمنسوجات والقمح. وأدوات الإنتاج بوجه عام؛ أضف إلى ذلك بعض المظاهر الأخرى التى تُعتنق على أساس مِن كونها التخلف بعينه، وما هى سوى مظاهر، كبدائية أساليب الإنتاج وأدواته مثلاًً، الأمر الذى يَقودنا إلى إستكمال تلك الخطوة المنهجية الأولى بالإنتقال إلى الجزء الثانى منها، وفيها نَعتنى بفحص الكُُل الجغرافى على النحو التالى: (2) الجغرافيا يَحتل السودان الجزء الشمالى الشرقى مِن قارة أفريقيا. بين دائرتى4و 22 شمال خط الإستواء وخطى الطول 22 و 38 ويمتد طول الحدود البحرية على ساحل البحر الأحمر إلى حوالى 670 كلم، وتحده دولتان عربيتان هما (مصر وليبيا) و7 دول أفريقية (تشاد، وجمهورية أفريقيا الوسطى، والكونغو الديمقراطية، وأوغندا، وكينيا، وأثيوبيا، وأرتريا) ولقد ساعد هذا الموقع الوسطى السودان كى يكون المعبر الرئيسى بين شمال إفريقيا العربى وجنوبها الإفريقى. كما أن الإقليم كان حتى منتصف القرن التاسع عشر، الممر الرئيسى لقوافل الحجاج إلى أماكن الحج فى الشرق العربى، وكذلك الممر الرئيسى للتجار مِن غرب إفريقيا إلى شرقها. تَبلُُغ مساحة السودان حوالى 2.5 مليون كلم مربع، وهو بذلك أحد أكبر الدول العربية والإفريقية كما يأتى فى المرتبة الحادية عشر بين بُلدان العالم الأكبر مساحة. ونتيجة لكبر المساحة هذه تباينت بيئات السودان وتنوعت ثرواته وموارده الطبيعية، كما تعددت أجناس سكانه وأعراقهم وثقافاتهم، وستكون تلك الحقيقة التاريخية رئيسية فى مجرى تحليلنا؛ من جهة تكوين الوعى بصدد دمج عدة قبائل وأعراق وثقافات وديانات مُختلفة (عربية عاربة، ومستعربة، وأثيوبية، ومسيحية، وإسلامية، ووثنية) ومتناقضة، ومتنافرة أحياناًً، فى قطعة جغرافية واحدة وتحويطها بسياج إستعمارى يُفرض، بعدما إفترض، إمكانية إندماج تلك الأعراق والقبائل فى بعضها البعض، بتنازل كُُل منها عن قدر مِن سيادته ونفوذه وعاداته ودياناته وثقافاته للآخر!! ومِن قبله تنازل عن كُُل ذلك للمستعمِر!! سيكون مِن العسير للغاية مُحاولة فهم إشكاليات الإنفصال والصراعات القبلية بعيداًً عن فهم تاريخية ترسيم الحدود الإستعمارية. الحدود التى وضعت قبائل وديانات وأعراق وثقافات مختلفة، لا رابط فعلى بينهم، فى قفص صيد كبير!! إن موقع السودان، إضافة إلى كونه من أسباب الثراء مِن جهة الموارد الطبيعية، فإنه سيكون وبالاًً على السودان؛ مِن جهة أخرى، إذ سيجعله أحد محاور التنافس الاستعمارى القديم فى إفريقيا. ولن يَختلف الأمر كثيراًً مع الإستعمار "المنهجى" "الحديث" إذ لم يَزل السودان يُمثل أحد أطماع الإستعمار الحديث، خاصة بعد أن أخذت موارد العالم الطبيعية فى التناقص الشديد، وأصبحت مشكلة الغذاء فى المستقبل هاجساًًً يؤرق العالم الرأسمالى المعاصر(بشقيه المتقدم والمتخلف). وبشأن أرض السودان، فأراضى السودان: عبارة عن سهل رسوبى مُنبسط قليّل الإنحدار تَتَخلله مُرتفعات تُغطى أقل مِن 5 % مِن مساحته الكلية؛ أهمها جبال الأماتنوج فى الجنوب( مع الحدود الأوغندية، وقد أعلن البيان الرئاسى أن "جون قرنق" مات نتيجة إصطدام المروحية التى كان على متنها بجبال الأماتنوج) وتلال البحر الأحمر فى الشرق، وجبال النوبة فى جنوب كردفان (فى عام 2002طالب سكان منطقة جبال النوبة فى السودان بحكم ذاتى فى منطقتهم لمدة 6 سنوات يتقرر بعدها مصير المنطقة بين الإنفصال أو البقاء ضمن حدود السودان مثل ما تم الإتفاق عليه فى هذا الشأن بالنسبة لسكان الجنوب) وجبل الميدوب (يبلغ إرتفاع جبل ميدوب حوالى 6,000 قدم ويَعيش فيه مجموعات بدوية أو شبه بدوية تَعتمد فى حياتها على تربية الإبل وهم يتجهون بإبلهم جنوباًًً وصولاًً إلى الوديان العظيمة لـغربى دارفور مثل وادى أزوم، ووادى بارى حيث تتوفر المياه فى مواسم الجفاف، كما يرتحلون شمالاًًً الى التربة الرملية حيث تنمو بعد سقوط الأمطار فى المنطقة المعروفة بـ الجزو، أنواع مِن العشب جيدة تستمر مُخضرة حتى شهر ديسمبر، وتُمثل هذه المنطقة بيئة صالحة لرعى الإبل دون الحاجة لمياه إضافية) وجبل مرة (يَقع جنوب غرب السودان فى ولاية غرب دارفور، ويَمتد مئات الأميال مِن كاس جنوباًًً إلى ضواحى الفاشر شمالاًًً، ماراًًً بدارزغاوة"أقصى شمال دارفور" وُيغطى مساحة 12,800 كم، ويُعد ثانى أعلى قمة فى السودان حيث يَبلغ إرتفاعه 10,000 قدم فوق مستوى سطح البحر، ويَتكون مِن سلسلة مِن المرتفعات بطول 240 كلم وعرض 80 كلم، تتخللها الشلالات والبحيرات البركانية). نهر النيل: يَتميز نهر النيل وروافده بموارد مائية هائلة تُغطى حوالى 25000 كلم مربع ويُقدر الإيراد السنوى لنهر النيل بحوالي 58.9 مليار متر مكعب يُساهم فيه النيل الأزرق بحوالى 58.9%، ويلعب النيل دوراًً حيوياًً فى حياة السكان الإقتصادية والإجتماعية والثقافية وفى علاقات السودان الخارجية خاصة مع دول حوض النيل. تُستغل مياه النيل وروافده فى الرى وتوليد الكهرباء مِن خزانات الرصيرص وسنار وخشم القربة وفى الملاحة وصيد الأسماك، وبموجب إتفاقية مياه النيل لعام 1959(التى جاءت فى غير مصلحة السودان) فقد مُنحت مصر55,5 مليار متر مكعب سنوياًً مِن مياه النيل، والسودان 18.5 مليار متر!! والنيل كذلك مِن جهة أخرى يُعد أهم ظاهرة جيمورفولوجية( أى العِلم الذى يدرس شكل الأرض، والتغيرات التى تطرأ عليه لتبيان التاريخ الجيولوجى) فى السودان ويمتد حوالى 1700 كلم مِن الجنوب إلى الشمال، كما يُغطى حوض النيل وروافده فى السودان حوالى 2.5 مليون هكتار، وتتكون سهول السودان مِن أنواع مختلفة مِن التربة أهمها: (1) التربة الرملية فى إقليم الصحراء وشبه الصحراء فى شمال وغرب السودان وهى تربة هشة قليلة الخصوبة تُستغل فى زراعة الدخن والفول السودانى والسمسم، كما تُعتبر من المراعى الهامة للإبل والضأن والماعز. (2) التربة الطينية فى أواسط وشرق السودان، وهى تُمثل أهم مناطق زراعة القطن. ومعظم إنتاج السودان مِن الذرة، الذى يُعد المحصول الغذائى الرئيسى، كما ذكرنا سافا، يتم فوق هذه التربة . (3)مجموعة التربات الحديدية الحمراء فى جنوب السودان، وتَتَميز بإنخفاض خصوبتها. لذلك فإن نَمط الزراعة المتنقلة ظل أكثر نُظم إستخدام الأرض مُلائمة لهذه التربة. (4)مجموعة التربات الرسوبية السلتية على ضفاف الأنهار والأودية ودلتا طوكر والقاش وتَتَميز هذه التربات بخصوبتها العالية لتجددها السنوى. (5) التربة البركانية الخصبة فى جبل مرة. وبالإضافة لمنظومة النيل؛ يَزخر السودان بالعديد مِن البحيرات الداخلية والأودية الموسمية التي تلعب دوراًًً هاماًًً فى حياة السكان الإقتصادية، خاصة فى شرق البلاد وغربها. ويُقدر مخزون المياه الجوفية بحوالى 9000 مليار متراًً مكعباًً تَتَوزع بين حوضين جوفيين. يستغل السودان حاليًًا حوالى 2 مليار متر مكعب مِن المياه الجوفية لأغراض الرى والإستخدامات المدنية. ويعتبرالبحر الأحمر منفذ السودان الملاحى إلى العالم الخارجى( يعنى الإنفصال حتمية مرور الجنوب فى أرض الشمال، وصولاًًً إلى البحر)وبه موانى بورسودان وسواكن وأوسيف بالإضافة إلى مراسى أخرى صغيرة متعددة. ويمُلك السودان ثروة هائلة مِن الأسماك؛ إذ بالإمكان إنتاج أكثر مِن 140.000 طن سنوياًً منها 35.000 طن مِن البحر الأحمر و100.000 طن مِن نهر النيل وفروعه، و5.500 طن مِن بحيرة النوبة. ووفقاًً للتقسيم تبعاًً للأقاليم الجغرافية، فيُمكن تصنيف الأقاليم الجغرافية السودانية إلى الأتى: (1) المنطقة الصحراوية: وهى تَقع شمال خط عرض 16 وتُقدر بحوالى 29% مِن المساحة الكلية ويندر فيها هطول الأمطار، وتنحصر الزراعة على جانبى النيل برفع المياه بالطلمبات ورى الحياض وإستخدام محدود للمياه الجوفية. وتسود زراعة النخيل، والقمح، والبقوليات، والخضر، والفاكهة، والتوابل. (2) المنطقة شبة الصحراوية: وهى تمتد بين خطى 14و16 شمالاًً وتُقدر بنحو 20% مِن المساحة الكلية، وتتميز بالغطاء النباتى الضعيف، كما تتسم بتقلبات الأمطار مما يعرضها لموجات مِن الجفاف والتصحر، وتصلح لمرعى القطعان المتحركة. (3) منطقة السافنا خفيفة الأمطار بالأراضى الرملية: وتقع بين خطى عرض 12و14 درجة شمالاًً، وتتفاوت كمية الأمطار فيها بين 300و400 ملم، وتغطى حوالى 13% من المساحة الكلية، وتتعرض لموجات مِن الجفاف والتصحر، ويتكون الغطاء النباتى مِن النباتات الرعوية الحولية والمعمرة وبعض الأشجار، كما تَسود فيها الزراعة التقليدية المروية بمياه المطر. (4) منطقة السافنا متوسطة الامطار بالأراضى الطينية: وتمتد بين خطى 10و12 درجة شمالاًً لتشمل السهول الطينية الوسطى فى مساحة تقدر بنحو 14% مِن المساحة الكلية، وتتفاوت الأمطار فيها بين 400و880 ملم، وتُمَارس فيها الزراعة المطرية الألية والزراعة التقليدية والإنتاج الغابى، وبصفة خاصة: الصمغ العربى. (5) منطقة السافنا غزيرة الأمطار: تمتد بين خطى 4 و 10 درجة شمالاًً وتشكل 14% تقريباًً مِن المساحة الكلية وتتفاوت الأمطار فيها مابين 800 و 1500 ملم، بها مساحات واسعة لغابات أشجار الأخشاب القيمة كالماهوجنى، ومساحات رعوية كبيرة وأراضى تصلح للتوسع الزراعى. (6) المناطق البيئية المتميزة: وتشمل جبل مرة، والأماتونج، والدونكوتانا، وهضبة الألوم التى تصلح لزراعة البن والشاى، وغيرها مِن المحاصيل الإستراتيجية، وتشمل أيضاًً حوض نهر النيل ومنطقة السدود. وبوجه عام، تُقدر المساحة الصالحة للزراعة فى السودان بحوالى200 مليون فدان (84 مليون هكتار) والمستغل مِنها حالياًً 40 مليون فدان يروى منها(4 مليون فدان) بالرى الصناعى، و(36 مليون فدان) بمياه المطر. وبالنسبة للمُناخ: فالسودان يَسوده المناخ المدارى، والذي يَتميز بإرتفاع درجات الحرارة مُعظم أيام السنة، والتدرج مِن جاف جداًً فى أقصى الشمال إلى شبه الرَطب فى أقصى الجنوب. وتَصل درجات الحرارة أقصى مُعدلاتها فى فصل الصيف حيث يَصل المعدل اليومى فى شهرى مايو ويونيو إلى أكثر مِن43 درجة مئوية، تقريباًً، فى شمال السودان وإلى حوالى 34 فى الجنوب. وتنخفض درجات الحرارة خلال فترة الصيف فى شهرى يوليو وأغسطس بمعدل مِن 5:8 درجة، بسبب هطول الأمطار. وتصل درجات الحرارة إلى أدنى مُعدلاتها فى شهرى ديسمبر ويناير. ويقتصر هطول الأمطار على فصل الصيف. وتسود سمات الصحراء فى أقصى الشمال حيث يَقل المطر السنوى 50 ملم وتزيد كمية الأمطار وكذلك طول المطر الزراعى تدريجياًًً نحو الجنوب حيث يصل المتوسط السنوى للأمطار 1400 ملم وطول الموسم الزراعى فى أقصى الجنوب. ويعتبر هطول الأمطار المتقطع وتكرار موجات الجفاف التى تتفاوت فى طولها وحدتها خاصة فى الأجزاء الوسطى والشمالية، أحد الخصائص المناخية الهامة فى السودان. ولقد كانت أقصى موجات الجفاف فى القرن الحالى هو جفاف الساحل(1968-74) وجفاف (1983-1985) والذى إتخذ بعداًًً مأساوياًًً وإمتدت آثاره لتشمل البيئة الطبيعية والبنيات الإقتصادية والإجتماعية. وأخيراًً نذكر أنه وطبقاًً لنص المادة رقم (108) مِن الدستور السودانى (1998) تُقسم جمهورية السودان إلى ولايات ولكُُل ولاية عاصمة؛ وذلك على النحو التالى: ولاية أعالى النيل وعاصمتها ملكال، ولاية البحر الأحمر وعاصمتها بورسودان، ولاية بحر الجبل وعاصمتها جوبا، ولاية البحيرات وعاصمتها رمبيك، ولاية الجزيرة وعاصمتها ود مدنى، ولاية جونقلى وعاصمتها ملكال، ولاية جنوب دارفور وعاصمتها نيالا، ولاية جنوب كردفان وعاصمتها كادقلى، ولاية الخرطوم وعاصمتها الخرطوم، ولاية سنار وعاصمتها سنجة، ولاية شرق الاستوائية وعاصمتها كبويتا، ولاية شمال بحر الغزال وعاصمتها أويل، ولاية شمال دارفور وعاصمتها الفاشر، ولاية شمال كردفان وعاصمتها الأبيض،ولاية الولاية الشمالية وعاصمتها دنقلا، ولاية غرب الاستوائية وعاصمتها يامبيو، ولاية غرب بحر الغزال وعاصمتها واو، ولاية غرب دارفور وعاصمتها الجنينة، ولاية غرب كردفان وعاصمتها الفولة، ولاية القضارف "سنار" وعاصمتها القضارف، ولاية كسلا وعاصمتها كسلا، ولاية نهر النيل وعاصمتها الدامر، ولاية النيل الأبيض وعاصمتها ربك، ولاية النيل الأزرق وعاصمتها الدمازين، ولاية واراب وعاصمتها واراب، ولاية الوحدة وعاصمتها بانتيو. ولكُُل ولاية والٍٍ يَنتخبه الشعب لمدة أربع سنوات، وذلك بعد ترشيح رئيس الجمهورية، طبقا لنص المادة رقم(56) من دستور(1998) ومسئولية الوالى فردية (م 61 ف 4) ويُسأل مباشرةًً أمام رئيس الجمهورية (م 62) ويَقوم الوالى مَقام رئيس الجمهورية، كما يَقوم الوزير الولائى مَقام الوزير الإتحادى، كما تَسرى على كُُل مجلس ولاية ذات الأحكام الدستورية السارية على المجلس الوطنى (م 98). ها نحن الأن وقد مشينا خطوتنا الفكرية الأولى، بجزئيها، ولدينا، كحد أدنى، معالم "إقتصاد" البلد مِن جهة، وجغرافيته مِن جهة أخرى، تلك المعالم أو الخطوط العريضة تُمكننا، ولو مرحلياًًً، مِن إستيعاب السودان كأحد الأجزاء التابعة والمتخلفة مِن الإقتصاد الرأسمالى العالمى، فمِن الواضح بإستقراء الأرقام والإحصائيات عاليه أن الإقتصاد السودانى، إقتصاد هش، زراعى متخلف، متآكل الهيكل، تابع بكُُل ما تَفرضه وتعنيه الكلمة، لا تقيم قطاعاته الإقتصادية فيما بينها أى نوع مِن المبادلات، أضف إلى ذلك قيام السودان بإستيراد الطعام، على الرغم مِن إعتباره مِن أكبر الدول العربية من جهة الهيكل الزراعى، الأمر الذى يقودنا إلى الخطوة الفكرية الثانية، والتى تَنشغل بالكُل التاريخى. الخطوة الفكرية الثانية الكل التاريخى: سنعمد هنا إلى تجاوز الحديث، الموسع، عن الكُُُل الأقدم(فهو لا يعنينا مباشرة) إبتداءًً مِن حضارة الكرمة والتى إنتشرت أثارها مِن منطقة دنقلى شمالاًً وحتى جزيرة أرجو جنوباًً، وحضارة كوش التى إمتدت مِن 1580 و 750 ق.م، وحضارة مروى (الأصول التاريخية للرق فى السودان) وبعد مروى حقبة لا يُعرف عن أخبارها إلا معلومات ضئيلة، حيث حَكم البلاد مجموعات سكانية لم يَتمكن علماء الآثار مِن معرفة إنتمائها العرقى، ويسمونها المجموعة الحضارية، ويَمتد عصر هذه المجموعة مِن سقوط مروى فى القرن الرابع الميلادى إلى ظهور المسيحية فى السودان فى القرن السادس الميلادى وسيادة مذهب اليعاقبة والمذهب الملكانى، ثم مواجهة التوسع الإسلامى على يد صلاح الدين الأيوبى، وستكون إتفاقية البقط (التى تم توقيعها فى العام 652بين عبد الله بن أبى السرح، حاكم مصر فى زمن الخليفة عثمان بن عفان وبين قليدروث، ملك النوبة) مِن قبيل الحكايات التى تروى للبرهنة على الإجتياح الإسلامى العربى للمجتمعات المستقلة، وللتدليل على ترسيخ الإسلام، من خلال خلفائه، لثقافة الإسترقاق. إن تجاوزنا الحديث عن تلك المراحل التاريخية، المهمة بلاشك والجوهرية، إنما يرجع إلى الرغبة فى الولوج مُباشرة إلى درس الهيكل (المتعين دراسته) وليس (التاريخ) الذى بَرع فيه البعض، أو تستروا به، بدعوى الحديث فى الإقتصاد السياسى، إستكمالاًً لمسيرة الإبتذال، والهزل العِلمى. والأبحاث التافهة. إن إهتمامنا بالتاريخ يَتعين أن يقف عند الحدود التى تبلورت عندها الظاهرة المتعين فهمها، وهكذا أفهم معنى"ما هو تاريخى" فى عِلم الإقتصاد السياسى. ولذا يتعين البدء مِن أول عدوانية للرأسمال الأجنبى(أجنبى عن الوطن) على الإقتصاد المعاشى بكامل خصوصيته فى السودان، تلك العدوانية التى تَمثلت فى: السيادة العثمانية المصرية على السودان فى الفترة من العام(1821) وحتى الإحتلال البريطانى لمصر فى العام( 1882)وهى الفترة التى كانت فيها مصر تحت السيادة العثمانية، وعملت فيها الدولة العثمانية على توسيع نفوذها بالتوسع جنوباًً، بالتعاون مع حاكم مصر محمد على، الباحث عن الذهب والرقيق(الجنود) وهو الأمر (أى تجارة الرقيق) الذى تم تجريمه مع الإستعمار الأوروبى لمصر، والذى غمتد إلى السودان، مع عدم غياب الدور المصرى؛ إذ ظل الدور المصرى قائماًً ولكنه كان محدوداًً وشكلياًً. الزبير بن رحمة فى هذه المرحلة التاريخية، تحديداًً الفترة من 1856 وحتى 1913، ظهرت أهم شخصية سودانية فى القرن التاسع عشر، إنه الزبير بن رحمة، وسبب إختيارنا العام 1856 يرجع إلى أنه تاريخ أول ظهور للزبير بن رحمة على الساحة السودانية، تحديداًً الجنوب، وبحر الغزال على وجه الدقة، ففى هذا التاريخ، 14/9/1856 إلتحق الزبير بالعمل عند على بن عمورى، أحد أشهر التجار آنذاك، فى رحلاته التجارية ما بين الخرطوم وبين بحر الغزال، ولم يكن هذا الإلتحاق إلا رغبة من الزبير، كما يروى المؤرخون، فى مرافقة إبن عمه محمد بن عبد القادر، الذى ألحق من قبل نفسه بخدمة القوافل المتجهة جنوباًً، ولم يجل بذهن الزبير أن تلك الرحلة، ستمثل له مرحلة جديدة من حياته إذ سيتخطى دور التاجر، إلى تقلد دور الزعيم(الشعبى، والرسمى كذلك) بعد أن مثلت الرحلة الأولى تلك بداية سلسلة طويلة ومتصلة من رحلات الجنوب، تلك الرحلات التى تعكس بوضوح طبيعة الصراعات القبلية الجدلية بين القبائل، إذ كانت الصراعات والغزوات والحروب هى مميزات نمط الحياة، وبصفة خاصة فى الجنوب، فقد كانت القوافل دائما محل نهب من القبائل المختلفة، الأمر الذى يعنى تأهب القوافل وضرورة إستعدادها الجيد لأعمال السطو تلك التى قد تمارسها معهم أحد قبائل الجنوب، وبالفعل، بزغ نجم الزبير بن رحمة كشخصية كاريزمية قادرة على خوض المعارك والإنتصار فيها، من خلال قيادة مقتدرة على إتخاذ القرار الصائب الحكيم، فتمكن من أن يجمع حوله العديد من الأتباع والمريدين، حتى بلغ جيشه أعداد تمكنه من أن يحل دور الدولة المصرية فيما بعد فى إخضاع الجنوب، وبصفة خاصة قبائل الفور، وقد كانت نواة هذا الجيش (500) فرداًً من المحكوم عليهم بالإعدام، وكذلك من العبيد الفارين من أسيادهم. وعادة ما يُقدم الزبير ولد رحمة، تاريخياًً، إما كأشهر نخاس فى القارة الأفريقية آنذاك، أو محارب شجاع يمقت تلك التجارة، ولكل إتجاه براهينه التى لا تعنينا، إذ كُل ما يعنينا، مع وجود براهين النفى والإثبات، أن الجنوب السودانى كان معقل القنص البشرى وتصديره إلى مصر أو أوروبا. القوات البريطانية فى السودان وحينما أخذت دولة محمد على فى الضعف والتفكك وتحول الوجود المصرى إلى شكل خارجى ليس إلا، فقد كانت الأتاوات الجائرة والضرائب الباهظة سبباًًً مباشراًً لقيام الثورات ضد الحكم المصرى العثمانى فى السودان، ففى عام 1881نَجح المهدى فى ثورته، وطرد الجيش المصرى العثمانى، وأقام حكومة سودانية وطنية، وإستمرت الدولة المهدية مِن1889 حتى 1898 وحققت وحدة نسبية للسودان، بما فى ذلك منطقة الجنوب. وبدخول القوات البريطانية إلى السودان بأوامر مِن اللورد كرومر المعتَمد البريطانى فى مصر إنهارت الدولة المهدية، بمعاونة الجيش المصرى فى ظل حكومة الخديوى، حيث كان الوجود المصرى إسمياًًً وشكلياًًً، والوجود الإنجليزى، كثانى عدوانية مباشرة لرأس المال الإجنبى بعد عدوانية دولة محمد على، كان هو الحاكم الفعلى فهو الذى يَحكم البلاد ويَنهب ثرواتها ومقدراتها. الحكم الثنائى وفى عام 1899 وقعت مصر وبريطانيا إتفاقية ثنائية بينهما لحكم السودان، وفى ظل الإستعمار الإنجليزى للسودان المصحوب بإدارات مصرية، تَمكنت، مرة ثانية، الحركة المهدية مِن تحريك مشاعر المواطنين وإثارة نقمتهم ضد الإنجليز، وحثهم على الثورة، ومِن أهم تلك الثورات ثورة عام 1924 التي إشتهرت بثورة عام 1924 وشملت أغلب البلاد، وفى عام 1936 وقِعَت إتفاقية بين مصر وبريطانيا تُكرس إتفاقية عام 1899 التي حكمت بريطانيا مِن خلالها السودان بإدارة مصرية، وإستمر الشعب السودانى فى حراكه الإجتماعى الرافض للإستعمار، والذى تلاقى مع تحول ذهنية الإستعمار نفسه مِن إستعمار عسكرى دموى، إلى إستعمار منهجى ثقافى، أقوى فى إمتصاص الموارد، وأجدى لإطباق التبعية. ففى 19/12/1955، أعلن إسماعيل الأزهرى (1901-1969) زعيم الحزب الإتحادى مِن داخل البرلمان السودانى، إستقلال السودان، ولكن قبل أن نذهب إلى مرحلة ما بعد إعلان الإستقلال فإنه يتعين أن نرى بوضوح الصورة قبل الإستقلال، تحديداًً منذ الهجمة الإستعمارية الأولى بقيادة الجيش المصرى؛ فلقد دخل الأتراك السودان فى عام 1821 بتكليف مِن والى مصر محمد على باشاhttp://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%86%D8%A7%D8%A6%D9%8A - cite_note-0 الذى أراد الحصول على الذهب والرجال المحاربين مِن أجل توسعاته الإستعمارية فكان إتجاهه إلى إستعمار السودان، والذى كان يُعرف آنذاك بـ دولة الفونج. ما قبل الإستقلال إنتصر إسماعيل باشا بن محمد على، فى كُُل المعارك التى خاضها وإستطاع الدخول إلى سنار عاصمة المملكة والقضاء على آخر ملوكها محمد ود عدلان. وبعد ستين عاما مِن الحكم التركى للبلاد قام محمد أحمد المهدى، لمحاربة الأتراك مدعياًً بأنه المهدى المنتظر ووقعت أولى معاركه مع الجيش التركى بقرية الجزيرة أبا عام 1881 وأستطاع بعد معارك عديدة أن يُسيطر على الخرطوم عاصمة البلاد فى يناير 1885 (وقتل جوردون، الحاكم العام) وبعد شهور قليلة مات المهدى ودُفن بمدينة أم درمان، كى يَتولى الحكم بعده خليفته عبد الله التعايشى، وسط معارضة واسعة مِن أنصار المهدى وأهله الذين رأوا فى الخليفة شخصاًً غير مناسب طبقياًً، لكن التعايشى تمكن بمزيد مِن العنف مِن إحكام قبضته على البلاد، وإتسمت فترة حكمِه بالإضطراب والعنف والقلاقل، ولم يكن مَقتل جوردون، ليمر دون إن يشتعل الموقف فى بريطانيا والمطالبة بالإنتقام؛ وبالفعل تم إرسال حملة قوامها 10 ألف جندى مصرى، وبقيادة الضابط الإنجليزى كتشنر وبمباركة اللورد كرومر المعتمد السامى البريطانى بالقاهرة تحرك الجيش نحو السودان ولم يلق أى معارضة تُذكََر، وكانت أولى معاركه الحقيقية مع جيش المهدى هى معركة (كرارى) التى إنتصر فيها الجيش المصرى، عام 1889، ولكن بعد أمجاد وأساطير، يحكيها البعض، عن الصمود والشجاعة والتفانى فى الدفاع عن الوطن!! وفى عام 1899 تم توقيع إتفاقية الحكم الثنائى بين بريطانيا ومصر، وتم بموجبها إعلان إلغاء سيادة الدولة العثمانية فى السودان. وفى عام 1924 تم اغتيال السير لى ستاك حاكم عام السودان فى شارع أبى الفداء بالقاهرة، إثر ذلك بدأت الأزمة بين الحكومة المصرية والبريطانية، إذ قررت الأخيرة مسئولية الأولى فى الحادث وترتب عليها إخراج الجيش المصرى مِن السودان. ومما زاد تعقد الوضع هو تضامن عدد مِن الضباط السودانيين مع المصريين وإندلعت فى البلاد ما سُمى بثورة 24 بقيادة على عبد اللطيف وآخرون. تم إخماد الثورة وقتل قادتها وأسر على عبد اللطيف، ثم نفيه لاحقاًً إلى مصر وتم طرد الجيش المصرى، شكليا، مِن السودان، للمرة الثانية. الثورة المهدية: فى مارس 1881، وعلى أرض جزيرة "أبا" (150 ميلاًً جنوب الخرطوم) جاءت "محمد أحمد بن عبد الله" الرؤيا لمرات عديدة والتى إختاره فيها النبي (ص) ليكون المهدى المنتظر. وفى أول الأمر أسرّ بأمر هذه الرؤية لصفيه"عبد الله بن محمد طرشان"، ثم لحلقة صغيرة من تلاميذه، قبل أن ينطلق إلى "الأبيّض" العاصمة التركية- المصرية لكردفان، وهناك أعلن على الملأ أنه المهدى المنتظر، ودعا الأعيان والناس فى عاطفة جياشة إلى نبذ هذا العالم من أجل عهد جديد سيأتى للتقوى والعدل. وقد اجتذبت دعوته هذه وشخصيته الكاريزمية أنصاراًً كثيرين أدوا له يمين البيعة سراًً. وبعد عودته إلى "أبا" بعث برسائل إلى الزعماء السودانيين فى الشمال يزف فيها إليهم نبأ أنه حقاًً المهدى المنتظر. كان"محمد أحمد عبد الله" دنقلاوياًً فى الأربعين من عمره، وقد عرف منذ طفولته بالتدين العميق والعلم الغزير فى نطاق الطريقة الصوفية السمانيّة التى رأى أنها قد أصبحت دنيوية للغاية، فتركها إلى جزيرة "أبا" حيث عاش حياة الزهد والتعبد، ولذا تم إعتباره من الإصلاحيين(المجددين) وقد منح نفسه ثلاثة ألقاب"إسلامية" فهو الإمام، وخليفة رسول الله، والمهدى المنتظر. وبفضل الإنتصارات الساحقة المتتالية التى أحرزها المهدى وأتباعه على قوات الترك "الجهادية" المكروهة؛ والمزودين بالبنادق والمدافع؛ ترسخت الدعوى المهدية(الأنصار) وتمكنت من الإنتشار وضم العديد من الرجال المتدينين وتجار الرقيق والعرب(البقارة). وبالنسبة لرجال الدين والفقهاء الذين حازوا على نفوذ كبير فى الريف السودانى، فقد كانوا منذ زمن طويل يستهجنون الحالة التى بلغها الإسلام، وخصوا بذلك الإسلام التقليدى الذى جاء به الأتراك واعتبروه نوعاًً من الزندقة. وقد وجد هؤلاء الآن الفرصة مواتية لتنقية الإسلام فى السودان؛ باعتبار أن المهدى حينما تكلم عن الفساد والحكم الفاسد فقد كان يعنى الفساد الفقهى لا السياسى. وهناك جماعة ثانية أيدت المهدى وضمت بعض المنخرطين بشكل أو بآخر فى تجارة الرقيق. وكان معظمهم من الجعليين، أو مثل المهدى نفسه من الدناقلة الذين فقدوا أرباحهم، بعد أن أعلن رسمياًً إلغاء الرق، والأن أصبح من الممكن لهم إخفاء بواعثهم الإقتصادية والسياسية وراء إصلاح إسلامى يتغاضى، عن الرق. كما تمثلت جماعة ثالثة فى البدو "البقارة" بكردفان ودارفور، وقد كانوا أقوى الجماعات التى عُُدت من أنصار المهدى. وإذ تصبح الحركة المهدية أمراًً واقعاًً وإذ يصبح التمرد حالة سائدة؛ تُقرر بريطانيا بعد تردد الموافقة على فكرة أن يقوم الخديو بتعبئة حملة مصرية من عشرة آلاف جندى تحت قيادة ضابط بريطانى فى الجيش الهندى هو الكولونيل "وليم هيكس"، بيد أن الخلاف قد دب بينه وبين معاونيه من المصريين، وتمكن الأنصار من إبادة الحملة تقريباًً عند "سواكن" جنوب الأبيض. وإذ تمر الأيام وتترسخ الدعوى المهدية كما تبرز أوجه المصلحة والتناقض بين التشكيلات البشرية المنخرطة بداخلها، حتى يظهر "جوردون" تارة أخرى على الساحة حاكما عاماًً ، كى يُُقتل وتتحول مدينة الخرطوم فى الساعات الأولى من صباح 26 يناير 1885 إلى أنقاض بعد أن أبيدت الحامية المصرية، وأعلن الأنصار عن أنفسهم بمنتهى القوة. ولم تمض أيام كثيرة عقب الإستيلاء على الخرطوم حتى مات المهدى ليخلفه عبد الله، الذى كان عليه أن يواجه صعوبات عديدة، منها إحتواء الأعداء الداخليين، ومنها مشكلات الحدود الشرقية مع إثيوبيا. ولم تمض كذلك سنون كثيرة على وفاة المهدى حتى تفسخ الأنصار ودب فى صفوفهم الإختلاف والعداء، الأمر الذى ساعد على إنتهاء الدولة المهدية، ففى الأول من سبتمبر 1898 أقام "كتشنر" معسكره على الضفة الغربية من النيل أسفل سهل "كرارى". وفى فجر اليوم التالى اقتحم حوالى ستين ألفاًً من الأنصار الأسلاك الشائكة (فى بسالة نادرة، كما يقول روبرت كولينز) فى مواجهة قصفات مدافع "مكسيم" الفتاكة، فضلاًً عن وابل الطلقات من الزوارق المسلحة. وحينما بدا الضعف على الأنصار أصدر "كتشنر" أوامره بالتحرك، فتقدمت الفرق البريطانية- المصرية دون توقف، ومع الصباح المتأخر كانت المعركة قد إكتملت، حيث قتل من الأنصار ما يزيد على أحد عشر ألف مقاتل، بالإضافة إلى ستة عشر ألفاًً آخرين لحقت بهم إصابات خطيرة، فى حين بلغت خسائر الفرق البريطانية والمصرية والسودانية مجتمعة أقل من 50 قتيلاًً، وعندما أدرك الخليفة أن هذا ليس يومه توارى عن الأنظار فى غرب السودان الشاسع. وعبر "كتشنر" وحملته النيل باتجاه القصر المدمر فى الخرطوم لإقامة قداس تذكارى للقائد تشارلز جورج جوردون. وهكذا إنتهت الدولة المهدية فى السودان. يبقى أن نشير إلى أن المهدية فى سبيل إقامة دولتها أباحت سبى المسلمين المتنكرين لدعوتها بعد أن قررت أن إنكار المهدية والكفر سواء، ويُسترق بحد السيف كُُل مَن لم يهده الله إلى الاسلام مِن غير المسلمين أو يُنكر الإعتراف بالمهدى المنتظر، مسلماًً كان أم غير مسلم. وبهذا إتجهت المهدية بالجهاد وسبى الحرب إتجاهاًً غاية فى التطرف المبكر، ومع تمكنها من فرض هيمنتها الكاملة على الشمال، لم تنجح المهدية فى تحقيق سيطرة تامة على الجنوب، إذ توقفت سيطرتها جنوباًًً عند مناطق فى بحر الغزال وأعالى النيل، وبوجه عام فإن أكثر ما يتذكره الجنوبيون مِن المهدية هو سعيها لفرض وإطلاق العنان مِن جديد لتجارة الرقيق. تلك النظرة السلبية للمهدية لدى أهل الجنوب سبقها فترة تَوَسم الجنوبيون فيها الخير، وحسبوا أن المهدية جاءت كى تُنقذهم مِن عسف الأتراك. الحركات الوطنية فى السودان ويُمكن القول بأن الحركات الوطنية التى نمت كانت تحمل سمات ملفتة للنظر، فلقد إنقسم السوانيون إلى إستقلاليين يُريدون الإستقلال عن مصر والإنضمام إلى دول التاج البريطانى، وإلى إتحاديين يريدون وحدة وادى النيل ودولة واحدة تحت التاج المصرى. وبما أن السودان قد شكلته الطائفية على نحو أو آخر، فإنها سارعت، أى تلك الطائفية، كى تُشارك فى الوضع الجديد؛ فقامت طائفة الأنصار برئاسة عبد الرحمن المهدى بإحتضان الأحزاب الإستقلاية وعلى رأسها حزب الأمة(رئيسه الحالى: الصادق المهدى)وقامت طائفة الختمية بزعامة على الميرغنى، بإحتضان الأحزاب الإتحادية وعلى رأسها حِزب الأشقاء (فيما بعد: الوطنى الإتحادى، ثم الإتحادى الديمقراطى، وكان الأزهرى أول من تولى رئاسته). مؤتمر الخريجيين ويمكن القول، كذلك، بأن الحركة الوطنية السودانية ومنذ نوادى الخريجين، ومروراًً بـ مؤتمر الخريجين(كان ميلاد مؤتمر الخريجين من أبرز الأحداث الإجتماعية والسياسية التى شهدها السودان فى الأعوام الممتدة ما بين 1936م - 1948. فقد تزعم هذا المؤتمر الحركة الوطنية الجديدة وبث بذور الوعى الاجتماعى والسياسى وإتخذ مِن قضية نشر التعليم قناعاًًً باشر من خلاله عملية التوعية السياسية من أجل الاستقلال. وكان للأساتذة الدور البارز فى توجيه الفكر السودانى لا مِن حيث التعليم فحسب بل مِن حيث خلق النشاط الأدبى والذى تمثل فى ظهور الصحافة الأدبية فى السودان والتى مِن خلالها نادت هذه الطبقة الجديدة بتحرير الفكر السودانى مِن قيود العادات المتأخرة والتقليدية الفاسدة وأوهام الخرافات التى ليست من الدين فى شىء ودعت إلى إقامة وحدة وطنية على أساس مِن التفكير الإجتماعى الحديث البعيد عن الولاء للتقليديين الغارقين فى خصوماتهم المحلية الموروثة، وفى سبيل تحقيق هذه الأهداف عمدت إلى أساليب النضال السرية والعلنية، وكانت نوادى الخريجين متعددة النشاطات، وكان نادى أم درمان رأسها المتوج بحكم وجوده فى العاصمة وبحكم الصلات الواسعة التى أقامها مع مفكرى البلدان العربية والاجنبية فكان مركزاًًً لمحاضرات المستشرقين الأجانب، والسياسيين والنقاد العرب، وملتقى رجال الفكر والأدب مِن السودانيين والمصريين ومنبراًًً للنثر والشعر فى مختلف المناسبات، ومنه ظهر قادة الرأى السودانى فى الصحافة والأدب والسياسة أمثال محمد أحمد محجوب، وعبد الحليم محمد، ومحمد يوسف مصطفى، ومعاوية محمد، وعلى نور، وغيرهم ممن كان لهم طابع واضح فى التفكير السودانى منذ بداية الثلاثينات حتى عهد الإستقلال) نقول: منذ نوادى الخريجين، ومروراًً بـ مؤتمر الخريجين كانت الحركة السياسية السودانية منقسمة إلى ثلاثة أقسام: القسمان الكبيران إتجه كل منهما إلى طائفة مِن الطوائف الكبيرة (الختمية، الأنصار) وكان لكُُل منهما إتجاه سياسى إما (الوحدة مع مصر) وبدرجات متفاوتة بين الوحدة والإتحاد، والإتحاد الإسمى، وإما الإستقلال، وبدرجات متفاوتة (إستقلال تحت التاج البريطانى) أو ضمن (التعاون البريطانى) أما القسم الثالث، فكان يرى الإستقلال التام عن مصر، وكذلك عن التاج البريطانى، وبعد أن بدأ النشاط السياسى لمؤتمر الخريجين، ظهرت الإنقسامات بصورة كبيرة وتدريجياًًً بدأت الحركات السياسية والأحزاب تنشأ بعيداًً عن المؤتمر حتى أفرغت المؤتمر مِن عضويته ومِن ثم مضمونه، إلى أن إغلق أبوابه نهائياًً فى 1953. فى 4 نوفمبر 1945 أُُعلن عن قيام حزب إستقلالى آخر وهو الحزب الجمهورى، وبميلاد هذا الحزب نشأت علاقة جديدة بين الأحزاب والمستعمِر؛ لأن الحزب قرر الإتجاه إتجاها "جهاديا"، الأمر الذى إستلزم المواجهات الدامية بين الأحزاب الوطنية والإستعمار البريطانى، وظهر(محمود محمد طه) كمناضل ثورى، وأول معتَقََل سياسى، بعدها بدأ الناس يألفون التوجهات"الجهادية" ضد الإستعمار، وبدأت حملات الإعتقالات التى طالت رجال المؤتمر والأحزاب فيما بعد. ولخشية إنجلترا مِن إنفراد مصر بالسودان، بعد أن وعدت بمنح المستعمرات إستقلالها عقب إنتهاء الحرب العالمية الثانية، فقد لعبت دوراًً مهماًً فى سبيل ترسيخ مفهوم وأهمية الإستقلال، ونجحت، طبقاًً للروايات السائدة، فى إستقطاب الرئيس الراحل (إسماعيل الأزهرى) وفى عام 1952 حدث الإنقلاب العسكرى على الملكية فى مصر، إيذاناًً بإعادة رسم الخريطة السياسية فى كُُل المنطقة. وفى أول يناير عام 1956 قرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إستقلال السودان. وعلى الفور أََعلن الأزهرى، بيان الإستقلال السياسى الرسمى. كى تَسقط السودان فى بئر، أعمق، مِن القمع والفساد والديكتاتورية والطغيان على يد الحكام المتتابعين، وفى مقدمتهم الرئيس السابق جعفر نميرى (1930- 2009) والرئيس الحالى(عمر البشير) إبتداءًً مِن قيام الجنرال إبراهيم عبود، بالإنقلاب العسكرى ضد الحكومة المدنية المنتخبة فى مطلع عام 1958، ثم إندلاع ثورة أكتوبر عام 1964، التي أطاحت به، وتشكيل حكومة وطنية برئاسة الصادق المهدى. بعد ذلك بخمس سنوات تم الإنقلاب العسكرى الذى قاده جعفر النميرى فيما عُرف بثورة مايو 1969، حيث حَكم السودان منذ عام 1969 حتى عام 1985 بالحديد والنار فى ظل قانون الطوارئ والأحكام العرفية التى طبقها طوال هذه الفترة، الأمر الذى معه قام عبد الرحمن سوار الذهب، بإنقلاب عسكرى عليه، أنهى حكمه العسكرى العرفى للبلاد. وبعد فترة وجيزة لا تتعدى العام، تنازل الفريق عبد الرحمن سوار الذهب، فى واقعة غير مسبوقة على مستوى العالم العربى، مِن محيطه إلى خليجه، عن السلطة لحكومة مدنية ترأسها زعيم الحركة المهدية فى السودان الصادق المهدى، إستمرت فى مهامها كحكومة مدنية إلى حين قيام عمر حسن أحمد البشير، بالإنقلاب العسكرى فى عام 1989، وإعلان قيام حكومة إنقاذ وطنى، والتى عَجزت عن إيقاف الحرب الأهلية طوال عقد التسعينات مِن القرن العشرين (حصدت الحرب الأهلية فى جنوب السودان (1955-1972 و1983-2003) ما يزيد عن مليونى قتيل، وأعداداًً أخرى لا تحصى مِن الجرحى والمعوقين، وكان نصيب الهجرات الداخلية الناجمة عنها ضعف أعداد القتلى، فقد تَشرد، على الأقل، أربعة ملايين سودانى وأصبحوا لاجئين داخل وطنهم. أما مَن ضاقت بهم الحياة فى الوطن وقرروا النزوح إلى البلدان المجاورة، فقد بلغ عددهم 420 ألف لاجئ. هذا العدد الكبير مِن القتلى والجرحى والمهجرين لم يكن فقط مجرد إحصائية؛ وإنما خَلََق ضغائن وعداوات كثيرة، وتسبب فى مشكلات إقتصادية، وإجتماعية سلبية لم يَعهدها المجتمع السودانى بهذه الكثرة مِن قبل، منها تزايد الأنشطة الخارجة عن القانون مثل السطو العصابى على الماشية، وتهريب العاج والذهب والأحجار شبه الكريمة، وإختزان السلع لبيعها (فى الأسواق السوداء) (وإنتشار تجارة الأسلحة بين المليشيات). وفى ظل هذه الحكومة أيضاًً (حكومة البشير) إندلعت أسوأ الحروب، فقد إشتعل الصراع، وتفاقمت الأزمة فى إقليم دارفور(المضمة إلى السودان عام 1917، بعد أن كانت سلطنة مستقلة، وتلك ملحوظة غاية فى الأهمية) وأدت إلى حدوث إنشقاقات جديد ونشوء حركات عسكرية مُسلحة ضد الحكومة السودانية (القاطنة الشمال) مع مطلع عام 2004، والتى كان أخرها الإضطرابات التي عمت بعض المدن السودانية، وبالذات فى الجنوب والعاصمة الخرطوم، بعد مقتل جون قرنق، زعيم الجنوب. وبعد جهد كبير، وتدخل رأس المال الدولى، تم توقيع إتفاق سلام مع الحركة الإنفصالية الجنوبية فى ديسمبر 2004، يَقضى بإعطاء مهلة مُدتها 6 سنوات تبدأ منذ توقيع الاتفاق، يشترك الجنوبيون خلالها فى السلطة، ثم يجرى إستفتاء شعبى فى المناطق الجنوبية فى نهاية مدة السنوات الست المقررة فى الإتفاق، يُقرَر خلاله مستقبل الجنوب بالإنفصال عن الدولة الأم، أم بإبقائه مع الدولة الاتحادية بحكم ذاتى موسع. (تم الإنتهاء مِن كتابة النص، قبل التعرف على أحداث الإستفتاء ونتائجه، إن تم !!) الأن وقد إنتهينا مِن خطوتنا الفكرية الثانية بتكوين الوعى حول الكُُل التاريخى، وصولاًً إلى الآنى على الصعيد الإجتماعى والسياسى، إبتداءًً مِن عدوانية الإستعمار المصرى وقانون حركته الذى يدور حول السوق والتبادل، الساعى خلف الذهب والعبيد، ومروراًً بالعدوانية المباشرة لرأس المال البريطانى(وفرض المحصول الواحد) وإنتهاءًً بالسقوط فى بحار الجوع والفقر والمرض، والقمع الفكرى. فيتعين أن نسير خطوتنا الفكرية الثالثة ببحث التكوين الإجتماعى ذاته، وإنما إبتداءً مِن تكونه التاريخى وبُعده الجغرافى السابق التعامل معهما، وصولاًً كذلك إلى الآنى، وذلك على النحو التالى: الخطوة الفكرية الثالثة التكوين الإجتماعى فى تطوره عبر الزمن
وفقاًً للتصنيف الإستعمارى البريطانى، والذى تعامل مع الجنوب كأمتداد طبيعى للمستعمرات البريطانية فى شرق القارة، كما تعامل مع الشمال كإمتداد طبيعى لمصر . فقد تم تقسيم المجتمع السودانى إلى خمس طبقات متميزة: (1) الطبقة الأولى: وتَضم، بالضرورة، المستعمِر، أصحاب الجنسية البريطانية. (2) ويَحتل أصحاب الجنسيات الأوروبية الأخرى، العاملين فى السودان المرتبة التالية مباشرة. (3) أما أصحاب الجنسية المصرية والجاليات الشرقية الأخرى، فيأتون فى الترتيب الطبقى الثالث. (4) ثم، فى الطبقة الرابعة، سكان النهر، ويُعرفون بإسم الجلابة الشماليين. وكانوا الطبقة الاولى مِن السكان السودانين. (5) وأخيراًً الأهالى، وهم الطبقة الثانية مِن سكان السودان ويُمثلون الطبقة الخامسة. وبينما قََدم التصنيف الإستعمارى الطبقات الثلاث الأولى(بريطانى، أوروبى، مصرى وشرقى)فى التعامل والوظائف فقد قام بقسمة السودان إلى شطرين(طبقتين) هما جلابة الشمال، مِن جهة، وباقى الشعب مِن جهة أخرى. ولم تَتَغير تلك الطبقية فى السودان بَعد الخروج الشكلّىّ للإستعمار البريطانى فى 1956، فلم تزل الطبقية مُهيمنة تحت ظِلال القمع والقهر والجوع والفقر والمرض، ولئن حَدث التعديل على النحو التالى: الطبقة الأولى: الشماليون، ويُمثلون نحو (4%) مِن السكان، وهم مَن بيدهم السلطة ويديرون الدولة ويتحكمون فى الطبقات الأخرى، وهم جلابة الشمال (أسهموا بدور فعال فى نقل الكثير من المناطق الجغرافية السودانية مِن الإقتصاد المعاشى إلى إقتصاد السوق) فى التصنيف الإستعمارى البريطانى، إذ يُسيطر الشماليون(كطبقات تابعة لرأس المال الدولى) على دواوين الحكم وإدارة المؤسسات بالدولة، وللتعاون الذى حدث بين جلابة الشمال والإحتلال البريطانى؛ فقد تكفل الإحتلال بتأهيلهم وتعليمهم هم وأبناءهم. وتم تسليم الأمر إليهم بموجب مؤتمر جوبا عام (1947)، (يتطابق الأمر بشكل ملفت مع ما حدث فى فنزويلا، وتََكََون الطبقات المهيمنة فى ركاب رأس المال الإستعمارى، والذى سلمها الإستعمار حين خروجه مَقاليد الأمر، كى تكُُون أداته الرئيسية فى إِِستكمال أََعمال النهب المنظم) يلى جلابة الشمال أو أهل الصفوة، الجاليات الشرقية، ويُطلق عليهم (الحلب أوالغجر) وهم يُشاركون الطبقة الأولى فى الهيمنة على الثروة. ويبلغ نسبة الحلب 1 % مِن نسبة السكان، وهم ذوى البشرة البيضاء فى الغالب. وهم المسيطرُون على التجارة الإجمالية فى السودان، ويُديرون المصارف، وشركات التصدير والإستيراد. وتُعتبر الحلب طبقة غاية فى الثراء، وتَجد صعوبة بالغة فى الإنسجام مع باقى طبقات الشعب. ويُمثل الأقباط المصريون والسوريون الغالبية فيهم. يَلى الجلابة والحلب، العرب السود أو الأفارقة مِن ذوى الأصول العربية، كََطبقة ثالثة، وتَبلغ نسبة العرب السود أو الأفارقة مِن ذوى الأصول العربية 20 % مِن سكان السودان وهم مِن ذوى البشرة السمراء فى الغالب. والعِرق الزنجى ما يميزهم. ومُعظمهم رعاة إبل أو أبقار وأغنام، ويعيشون على هامش المجتمع السودانى، إذ يعيشون فى وضع إجتماعى وإقتصادى متخلف. وينتشرون فى الأقاليم الطرفية فى السهول الغربية والوسطى وفى الشرق، ولا يشاركون فى الدولة السلطة أو الثروة بشىء على الإطلاق، وغالبية العرب يعيشون بدو فى الشرق، فى حالة رفض للدولة، ومع ذلك فقد تم إستخدامهم كجنود مرتزقة فى حرب الإبادة ضد الجنوب، كما إستخدمتهم الدولة فى حربها فى إقليم دارفور، فالعرب السود يُمثلون القسم الغالب مِن مرتزقة "الجنجويد" المتهمين بإرتكاب جرائم حرب بشعة ضد الإنسانية فى السكان الأصليين. وفى الطبقة الرابعة. يأتى الزنج المسلمون، وهم مِن السكان الأصليين مِن ذوى الثقافة العربية. ويَبلغ نسبة الزنج المسلمين 50% وعلى الرغم مِن غالبيتهم العددية يتميزون بالجهل والفقر الشديدين، ويتشاركون مع العرب السود فى طريقة التدين والتمازج العرقى. ويتصف الإسلام السودانى ببعد صوفى إمتزج بالطرق الدينية المتعددة ذات الصلة بغرب إفريقيا، وتُعد تلك الطبقة مِن أكثر الطبقات ليس فقط تميزاًً فى الفقر والجهل، وإنما فى الإضطهاد والفصل العنصرى كذلك. وفى نهاية التراتبية الإجتماعية يأتى الزنج من غير المسلمين وهم كذلك مِن السكان الأصليين. ويمثلون نحو (25%) مِن السكان، وغالبتهم يَسكنون الغابات الجنوبية والجبال الوسطى. ويُشكل الزنج مِن المسلمين وغير المسلمين الأغلبية السكانية. ولا يُمكن تبرئة تلك الطبقة (الزنج المسلمون) مِن التعاون مع جلابة الشمال فى حرب الخمسين عاماًً ضد الجنوب، ولربما كانت هناك خطة سرية مِن الطبقة الأولى وتشاركها بقية الطبقات فى إبادة الطبقة الخامسة ومحوها مِن الوجود، هكذا يَعتقد الزنوج غير المسلمين فى الشطر الجنوبى. إذ تعتبر الطبقة الخامسة طبقة منبوذة إجتماعياًً، ولا يَربط بينها وبين الطبقة الاولى أى رابط، مما يدفع بذلك الشطر الجنوبى إلى الإنفصال. ومِن جهة التصنيف القبلى؛ فإن تِسع مجموعات قبلية تَنحصر بداخلها التشكيلات الإجتماعية: مجموعة القبائل النوبية فى أقصى الشمال. ومجموعة القبائل العربية فى الوسط والنيل الأبيض وجزء مِن الإقليم الشمالى. ومجموعة قبائل البجا فى الشرق. ومجموعة قبائل كردفان فى الغرب. ومجموعة قبائل الفور فى الغرب (100% يدينون بالإسلام) ومجموعة قبائل المابات والانقاسنا جنوب النيل الازرق. ومجموعة القبائل النوباوية فى النصف الأسفل لوسط السودان (تابعة إدارياًً لاقليم كردفان) ومجموعة القبائل النيلية الجنوبية (دينكا، شُلك، نوير) فى الجنوب، ومجموعة القبائل الزنجية الجنوبية فى الجنوب. وفى هذا السياق يتعين الوعى : - بأن السودان قد عاش، وحتى إمتداد الإدارة المصرية إليه 1820، دون حكومة أو إدارة موحدة. - قامت سلطنة سنار فى السودان الشرقى، وإمتد نفوذها من دنقله شمالاًً إلى فيزوجلى جنوباًً، ومن سواحل البحر الأحمر شرقاًً إلى النيل الأبيض وحدود كردفان غرباًً. - إنضوت تحت لواء سلطنة سنار منذ القرن السادس عشر الممالك والمشيخات الإسلامية فى حوض النيل الأزرق. وقد ظلت هذه السلطنة الوطنية قائمة حتى أخذ الضعف يدب فى كيانها فى آواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. - قامت فى غرب السودان سلطنة دارفور، التى عاصرت السلطنة السنارية، ويرجع الفضل فى تأسيسها إلى العناصر العربية الأصل التى هاجرت من شمال غرب أفريقيا إلى هذا الإقليم، حيث إختلطت بجماعات الفور الزنجية القاطنة هناك. - بلغت سلطنة دارفور أوج عظمتها فى القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر. - جرت عادة سلاطين الفور على القيام بالحملات العسكرية على المقاطعات الزنجية المجاورة على شكل غزوات لأغراض إقتصادية أهمها الحصول على الرقيق وغيره من السلع والغلات ذات القيمة التجارية، عملية نهب منظمة إذاًً. - إرتكز البنيان السياسى والإقتصادى لسلطنة دارفور على تجارة موسعة للعبيد. - ظلت دارفور تتمتع بكامل إستقلالها حتى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، حتى تم إخضاعها للإدارة المصرية عام 1874 على يد الخديوى إسماعيل. - قامت فى غرب السودان مملكة تقلى فى المرتفعات التى عرفت بإسمها شمال شرق شمال شرق منطقة الجبال التى تقطنها قبائل النوبة فى الركن الجنوبى من إقليم كردفان. - ومملكة تقلى وإن لم تصل إلى ما وصلت إليه سلطنة الفونج أو سلطنة الفور من إتساع الرقعة وعظم النفوذ إلا أنه كان لها من الأنظمة والتقاليد الموروثة فى الحكم والإدارة، إلى جانب قوة مركزها التجارى وعلى وجه الخصوص تجارة الرقيق، ما ضمن لها البقاء قروناًً من الزمن. - إلى جانب تلك الممالك والسلطنات، دخلت بعض أجزاء السودان تحت النفوذ التركى إبتداءًً من القرن السادس عشر تمثلت فى شمال النوبة. - كذلك تمكن الأمراء المماليك، بعد أن زالت دولتهم نهائياًًً فى مصر على يد محمد على، من دخول السودان الشمالى والسيطرة على دنقله وما حولها فترة من الزمن. ولكى تكتمل الصورة نسبياًً يتعين أن نشير إلى أن ن هناك حالة (تُمثل نقطة مركزية) مِن الإحتقان التاريخى(تدعمها الثقافة القبلية، والنزعة الطائفية) لا يُمكن أبد التعامى عنها، تلك الحالة التى تُمثل الإنعكاس القوى والمباشر للأرث العبودى، المعنوى على أقل تقدير، لكُُل مِن الشمال، كأسياد قناصين، والجنوب، كعبيد مقتَنَصين، وليس فى تلك التصنيفة أى نوع مِن الإختزال للتاريخ، فثقافة الرق والعبودية والإسترقاق، مِن جهة، لم تزل ترسم الصورة الإجتماعية الكلية، بين شمال(سيد) وجنوب(عبد) بين (أبيض) وبين (أسود) ومِن جهة أخرى فالحفاظ على نهر النيل وجريانه مِن الجنوب إلى الشمال، كان الأساس الذى إرتكز عليه الإستعمار فى عدم تقسيم السودان إلى شمال وجنوب، والأن "النفط"، فإذا كان العرب والزنوج تقاتلوا فى الماضى حول المراعى، فإنهم اليوم يتقاتلون مِن أجل النفط المتمثل فى إحتياطيات تصل إلى ثلاثة مليارات برميل، يقع أغلبها فى منطقة حدودية مُتنازع عليها بين الشمال والجنوب؛ فهل تترك حكومة الشمال(إنفاق عسكرى 3 بليون دولار فى عام 2000- ونحو 112500 جندى) نقول هل تترك حكومة الشمال الجنوب كى يذهب بنفطه(60% مِن إجمالى نفط السودان، 15% فى دارفور) ؟ أم سيتبلور الصراع الجدلى بين الربح والريع تارة أخرى ولكن على أرض مختلفة فى قارة مختلفة؟ أضف إلى ذلك الصراعات القبلية الداخلية فى جنوب السودان ذاته(55 قبيلة).
وعلى سبيل الإجمال، نلخص أهم الأحداث، بإيجاز زمنى منذ بداية الثمانينات وحتى الأن، على النحو التالى: (1983حكومة الشمال تُعلن تطبيق الشريعة الاسلامية على الجنوب. (1983- 1984) كرد فعل تم تشكيل الجيش الشعبى لتحرير السودان، والحركة الشعبية لتحرير السودان. 1986 يتولى الصادق المهدى يصبح رئاسة الوزراء. 1989 إنقلاب عمر حسن البشير. 1992 جيش الشمال(الحكومى) يسيطر على بعض أجزاء الجنوب، ومقر الجيش الشعبى. 1996 بقاء البشير فى السلطة. 1997 بدء محادثات السلام فى نيروبى. 2002 محادثات ماشاكوس بكينيا، والتوقيع على إتفاق بشأن الدِيّن والعقيدة، وتقرير المصير. 2003 إجتماع قرنق مع النائب الاول للرئيس السودانى على عثمان محمد طه. 2004 الحكومة والجيش الشعبى لتحرير السودان يوقعان اتفاقاًً حول كيّفية تقاسم ثروات البلاد عند انتهاء الحرب. 2005 توقيع إتفاق إنهاء الحرب الأهلية (الإتفاق يقضى بتقاسم عائدات النفط بين الشمال والجنوب، وتشكيل حكومة إئتلافية وإجراء إنتخابات عام 2010. كذلك سيكون مِن حق الجنوب ومنطقة أبيى الغنية بالنفط التصويت فى إستفتاء يجرى عام 2011 على إنفصال محتمل) 9يوليو 2005 جون قرنق زعيم الجنوب يؤدى اليمين كنائب أول للرئيس السودان، عقب إتفاق نيفاشا، ولكى يلقى حتفه بعد 11 يوماًً فى حادث تحطم طائرة هليكوبتر ومقتل 100 شخص فى أحداث الشغب التى إندلعت لأيام بعد مقتله. 11أغسطس2005 سلفا كير آخر الاعضاء المؤسسين للحركة الشعبية لتحرير السودان الأحياء يؤدى اليمين كنائب أول للرئيس. 11أكتوبر 2007 الحركة الشعبية لتحرير السودان تََسحب أعضائها مِن الحكومة الإئتلافية .27 ديسمبر 2007 (16) وزيراًً من الحركة الشعبية لتحريرالسودان يؤدون اليمين ويعودون للحكومة المركزية وينهون رسمياًً الأزمة. مايو 2008 إشتباكات فى منطقة أبيى الغنية بالنفط قرب حقول للنفط يطالب بها الشمال والجنوب ومقتل 90 شخصاًً على الأقل ونزوح 50 ألفا من ديارهم وحرق بلدة أبيى. تُقرر نشر قوة مشتركة بين الشمال والجنوب.
وبعد الإستقلال لم تنتبه، بمعنى آخر لم تُرد النخبة الحاكمة، بل والمفكرة، التعرض لفض الإشكال التاريخى، وتصفيته مِن محتواه المتأجج والعدائى، والنتيجة إستمرار العلاقة الطبقية بين الأسياد (الشمال) وبين العبيد (الجنوب) ولم تزل تلك الوضعية محل إعتبار فلا يستطيع الجنوبى التخلى عن صورة جده (العبد) فى بلاط (السيد الشمالى) وعندما بدأ الجنوبيون يطالبون ببعض حقوق المواطنة، بإعتبار أن ذلك مِن قبيل الحق المشروع، لم تجد الخرطوم فى تلك المطالب إلا تعدياًًً صارخاًً على خصوصيات الشمال(كصفوة) بل تعدياًً على حق الشمال التاريخى فى أن يُقرر بمفرده مصير السودان بأكمله، وفى ظل تلك الثقافة الشمالية الإستعلائية، وإدعاء إمتلاك ناصية الحقيقة الإجتماعية والدينية كذلك، تبلور رد فعل الجنوب فى التمسك الصارم بخصائصه الثقافية ودياناته المحلية وعاداته الموروثة. مِن المهم فهم دور الحدود الإستعمارية فى جمع عدة تشكيلات إجتماعية مختلفة ومتنافرة أحياناًً فى حيز جغرافى واحد . كما يَكون على درجة مُعيَّنة مِن الأهمية فى مجرى الرصد والتحليل الوعى، بالصراعات المسلحة التى تقودها قوى نشأت ونمت فى إطار مِن الكراهية والدموية وصنمية العقيدة، إذ هناك جيش الرب، والجيش الشعبى لتحرير السودان، كرد فعل لإجراءات القمع والإبادة وفرض الإسلام على الأجزاء المسيحية والوثنية فى الجنوب، وبخاصة الجيش الشعبى لتحرير السودان، المعضدد بحركة واسعة النشاط لنفس الغرض،أضف:"العدل والسلام، المقر فى بريطانيا" ولا يُمكن غض البصر عن الحزام الفرنكفونى، إبتداءًً مِن تشاد، ومرورا بالنيجر، ومالى، وإنتهاءًً بالسنغال، الذى لن تَتَخلى عنه فرنسا بسهولة، ولذا قامت بإستقطاب عبد الواحد نور" حركة تحرير السودان"، فى مقابل إستقطاب بريطانيا" خليل إبراهيم"، ومِن جهة لا تُُغفل كذلك هناك الولايات المتحدة التى تَمد جسور التعاون مع الحركات الإنفصالية. إضافة: نصوص معاهدة مشاكوس: الاعتراف بالسيادة الوطنية للسودان بالإضافة إلى حق سكان جنوب السودان وحاجتهم فى التعبير عن طموحاتهم بالمشاركة فى جميع مستويات الحكم والربط بين مؤسسات الحكم المختلفة. تطوير العدالة والمساواة بين الناس وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية. إجراء إنتخابات عامة نزيهة خلال الفترة الإنتقالية. إقامة مجلس تشريعى مِن شقين وضمان تمثيل عادل لسكان جنوب السودان فيهما. التأمين على مشاركة جميع السودانيين وسكان جنوب السودان فى الخدمة المدنية ومجلس الوزراء ومشاركة الجنوبيين فى المستويات الرفيعة والمتوسطة. إجراء تعداد سكانى خلال الفترة الإنتقالية. وضع أسس عامة لتقسيم الثروة والثروات الطبيعية. تأسيس عدد مِن اللجان المستقلة. وضع أسس عامة للعلاقات بين الحكومات. بما يتطلب مراجعة الدستور وتطبيق إتفاقية السلام. تخصيص حصة مِن الوظائف للأغلبية فى المناطق المحددة فى مختلف مستويات الحكومة. تأسيس حكومة وحدة وطنية خلال الفترة الانتقالية والقيام بحملة إعلامية فى جميع أنحاء السودان للتعبئة لصالح اتفاق مشاكوس. أما النقاط المتبقية التى ما زال الحوار جارياًً حولها فى السياق المتعلقة ببنية الحُُكم التى تَقدم بها الوسطاء فيجب أن تُُشكل نقطة إنطلاق إلى محادثات مقبلة. إلتزام الوسطاء بالإستمرار فى البحث للتوصل لإتفاق سلام نهائى وشامل دون تحيز لأى طرف مِن الأطراف. الإلتزام بمواصلة المحادثات فى يناير 2003 بروح جديدة ورغبة حسنة، بهدف تحقيق المبادئ أعلاه والوصول إلى سلام نهائى وشامل بالسودان فى أقصر وقت ممكن. إتفق الطرفان كذلك فى وثيقة منفصلة على تمديد مذكرة وقف العدائيات إلى 31 مارس 2003 ومواصلة الإجتماعات المجدولة حسب أعمال لجنة مراقبة وقف العدائيات لتطبيق هذا الاتفاق. http://www.aljazeera.net/NR/exeres/2E07B36B-53FE-4E8E-8A42-FCE63885CE30.htm - TOP الخطوة الفكرية الرابعة الصراع الإجتماعى الراهن وإذ ننتهى هنا مِن خطوتنا الفكرية الثالثة، بعد أن عاينا الهيكل الإقتصادى، وتعرفنا على الكُُل الجغرافى، والتاريخى، وصولاًً إلى التعرف على التشكيلات السكانية والإجتماعية وعلاقاتها المتناقضة، فإن الطريق الأن يبدو مُمهداًً نحو تكوين الوعى بشأن حقيقة وطبيعة الصراع الإجتماعى الراهن فى السودان، ومآله، ويُمكن مِن ثم تقديم إجابات للكثير مِن الأسئلة الحائرة من نوعية: ما الذى يَحدث فى السودان؟ وما هو موضوع الإنفصال هذا؟ وهل سينفصل(*) جنوب السودان عن شماله فعلاًً؟ وما هى النتائج المتصور ترتبها على ذلك؛ إن حدث؟ وما الذى دفع المسألة لمثل هذا الطريق؟ ومَن المسئول عن كُُل تلك الصراعات القبلية وحروب الإبادة الداخلية؟ ومَن المستفيد؟ ومَن الخاسر؟ ولماذا لم يكن هناك سودانيين، شمالى وجنوبى، على يد الإحتلال البريطانى، طالما عامل الإستعمار الجنوب كإمتداد للمستعمرات فى شرق أفريقيا، والشمال كإمتداد لمصر؟ وغيرها من الأسئلة التى تتعلق بتاريخ السودان ومستقبله فى ضوء حاضره، الذى تفوح منه رائحة الفساد وإدعاء إمتلاك الحقيقة. فإننا إذ نصل إلى تلك المرحلة الفكرية، وقد صار لدينا بعد رحلتنا الطويلة تلك مجموعة مِن الأدوات الفكرية، التى تسعفنا فى إستيعاب المسألة السودانية بكل تناقضاتها الداخلية، فإننا نُخلى الساحة للبحث وللباحثين بغية إثراء الحوار، بعد أن عرضنا الخطوط العريضة التى تُمثل منهجنا المقترح للبحث. فقط نستطيع إبراز بعض الملاحظات المنهجية المفيدة فى سبيل تكوين الوعى حول الصراع الإجتماعى الراهن، ومآله، تلك الملاحظات تتبدى فى: أولاًً: لا يمكن فهم الصراع، من الأساس، دون الوعى بفكرة (القفص الكبير) الذى وُُُضعت بداخله أعراق وثقافات وديانات مختلفة تمام الإختلاف ثم أطلق على هذا القفص إسم (السودان).
ثانياًً: تبدأ العملية التاريخية الدامجة للسودان فى الكُُل الرأسمالى على الصعيد العالمى، وتهيئته كمصدر للقيمة الزائدة، ومن ثم فقد شروط تجديد إنتاجه، مع أول إتصال فعلى مع (قانون الحركة الحاكم لألية عمل النظام الرأسمالى (ن - ق ع -"قوة عمل"+و أ"وسائل إنتاج"- س- Δ ن) على يد عدوانية دولة محمد على، ومن بعدها بريطانيا، الشارعة فى الدخول فى عملية التركيم الرأسمالى والتى تستلزم: (ن) و (ق ع) و ( و أ). الأمر الذى جعل السودان هدفاًً رئيسياًً من أجل الإستحواز على: المعادن، والعبيد، والغذاء. ثالثاًً: يتطور المجتمع السودانى من خلال الصراع على صعيدين: الشمال/الجنوب، والجنوب/الجنوب. والأخير مفهوم فهو، كقاعدة عامة، من أجل الماء والكلأ. أما الأول فهو من أجل بسط نفوذ وهيمنة الشمال على الجنوب الغنى بطبيعة حاله، وبصفة خاصة عقب تفجر النفط.
رابعاًً: إن ظهور الثروة النفطية فى أرض السودان، بالتحديد فى الجنوب، إنما يوجب إستدعاء منهجية فهم ترتكز على الوعى بكون النفط كسلعة قادرة على نوع ما من التركيم الرأسمالى وفقاًً لشروط معينة، إنما يعنى تبلور الصراع، ربما المسلح، فى سبيل الإستحواز على الريع من جهة، والربح من جهة أخرى، وأهم ما يعنى حكومة الشمال هو الإطباق على الإثنين، على حين أن الكل الجنوبى فى حالة من الصراع الجدلى المستمر، بما لا يمكن معه الكلام عن جنوب واحد من أجل التنمية من خلال النقط.
خامساًً: السودان دولة، أو هكذا صارت بفعل التدخل الإستعمارى، ذات موارد هائلة، وتتركز معظمها فى الجنوب، ومعنى إنفصال الجنوب، حرمان الشمال من تلك الموارد فى مقدمتها النفط، فى حين يحرم الشمال من منافذ الوصول إلى العالم بحراًً، فلا بد من المرور فى أرض الشمال وصولاًً إلى البحر الأحمر، ومنه إلى العالم الخارجى. سادساًً: بسبب فقد السودان لشروط تجديد إنتاجه، فهو يعتمد، كأحد الأجزاء المتخلفة، على ما يحدث خارجه فى الأجزاء المتقدمة، التى تتحكم فى مصيره. وما السلطة التى تدعى حب الشعب، والتضحية من أجله، وتسعى إلى أن تستمد من عدوانية الإمبريالية قوة لدى الشارع السودانى، إلا أهم وسائل تسرب القيمة الزائدة إلى خارج المسام، بما يعنى المزيد من التبعية والتخلف.
تلك الملاحظات ندعى فائدتها فى سبيل الإجابة على ما تثيره المسألة السودانية من أسئلة وإشكاليات، ومِن جانبنا، فسنترك الإجابات للمزيد من الحوار، بغية إثراءه، فلم يكن هدفنا من إستخدام المسألة السودانية كنموذج للفحص، إلا النظر فى نموذج موازى يقع بداخل حدود القارة الشقيقة لأمريكا اللاتينية. افريقيا. ومن ثم إختبار صحة المنهج الذى إقترحناه لفحص المسألة الفنزويلية، ومن ثم فهم الوضعية التاريخية لقارتى الفائض، أمريكا اللاتينية وافريقيا، كما أننا لم نهدف إطلاقاًً تقديم إجابة، إن ما نقدمه هو طريق للإجابة، الطريق الذى يمكن لسالكه أن يكتشف المزيد من الإشكاليات الثرية فى مضمونها والقادرة على تكوين الذهنية التى تملك التعامل مع الواقع لا بغرض تفسيره وإنما بغرض تغييره. رفضاًً للإنتحار الجماعى، بقيادة نظام عالمى همجى، وبحثاًً عن مشروع حضارى لمستقبل آمن. أهم المصادر ____________________________________________________________ آلان مورهيد، النيل الأزرق، ترجمة: د. نظمى لوقا، دار المعارف. القاهرة 1966. د. جميل عبيد، المديرية الإستوائية، دار الكتاب العربى للطباعة والنشر، القاهرة 1967. د. جودة حسنين جودة، العالم العربى، دراسة فى الجغرافيا الإقليمية، المكتب الجامعى، الإسكندرية 1998. د. حيدر إبراهيم على، المجتمع المدنى والمجتمع التقليدى فى السودان، مركز الدراسات السودانية، 2001. خديجة صفوت، الإسلام السياسى ورأس المال الهارب: السودان نموذجاًً، سينا للنشر، القاهرة 1994. روبرت كولنز، تاريخ السودان الحديث، ترجمة: د. مصطفى مجدى الجمال، المركز القومى للترجمة. القاهرة 2010 . د. زاهر رياض، إستعمار افريقيا، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة 1965. د. زكى البحيرى، مشكلة دارفور، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2010. سيد أحمد العقيد، دارفور والحق المر، الدار العربية للنشر والتوزيع، القاهرة 2007. د.صلاح الدين الشامى، نهر النيل: دراسة جغرافية تحليلية، منشأة المعارف، الإسكندرية 1995. د. عز الدين إسماعيل، الزبير باشا ودوره فى السودان، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة1998 د. فتحى أبو عيانة، مشكلات السكان فى العالم العربى، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية 1996. د. كمال موريس شربل، الموسوعة الجغرافية للعالم العربى، دار الجيل، بيروت 1998. مبارك على عثمان، السودان: عقد التنمية الضائع، مركز الدراسات السودانية، القاهرة 1993. د. محمد إبراهيم بكر، تاريخ السودان القديم، دار المعارف، القاهرة 1987. د. محمد معتصم سيد، جنوب السودان فى مائة عام، مطبعة نهضة مصر. القاهرة 1972. د. محمد سعيد القدال، تاريخ السودان الحديث، مركز عبد الكريم ميرغنى، الخرطوم، 2002. د. محمد عوض محمد، السودان الشمالى: سكانه وقبائله، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة 1951. محمود محمد قلندر، جنوب السودان: مراحل إنهيار الثقة بينه وبين الشمال، دار الفكر، دمشق، 2004. د. مكى الطيب شبيكة، السودان والثورة المهدية، دار جامعة الخرطوم للنشر، الخرطوم 1978. د. منصور خالد، الفجر الكاذب: نميرى وتحريف الشريعة، دار الهلال، القاهرة 1986. د. منصور خالد، النخبة السودانية وإدمان الفشل، دار الأمين، القاهرة 1993. مجدى أحمد حسين، مصر والسودان، المركز العربى والإسلامى للدراسات.القاهرة 1997. د. نعوم شقير، تاريخ السودان، تحقيق وتقديم: د. محمد إبراهيم أبو سليم، دار الجيل، بيروت 1981. د. نسيم مقار، الأسس التاريخية للتكامل بين مصر والسودان، الهيئة العامة للكتاب. القاهرة 1985. التقرير السودانى السنوى الخامس (2004) تقرير بنك السودان المركزى للعام(2005) والعام (2008) التقرير الإستيراتيجى الإفريقى، مركز البحوث الإفريقية. الطبعة الأولى، جامعة القاهرة، القاهرة 2007 . ماثيو تيج، سلام السودان المرتعش، النسخة العربية لمجلة "ناشيونال جيوجرافك" نوفمبر 2010. أبو ظبى. (www.Aljazeera.net)(www.Arabo.com)(www.Alhadag.com)(www.Coptichistory.org) (www.Islamstory.com) (www.Sudan.gov.sd) (www.Sunanews.net خاتمة "درس الحاضر، فى ضوء الماضى، لفائدة المستقبل"، مبدأ هام، إعتنقناه، وصولاًً إلى منهجية تمكنا من فهم الواقع والتعامل معه بوعى. ولكن أى ماض نقصد؟ وبأى حاضر ننشغل؟ إن الماضى الذى نقصده محدود بالخمسمائة عام الماضية وإمتدادها الحاضر، أى أن الماضى فى حُُكم عِِِلم الإقتصاد السياسى، مُُحدد بتاريخ نشأة الرأسمالية المهيمنة عالمياًً كنمط إنتاج يحكمه قانون موضوعى عام، يتبلور فى نص الصيغة (ن - ق ع -"قوة عمل"+و أ"وسائل إنتاج"- س- Δ ن) وإن الذهاب إلى ما هو أبعد من تاريخ نشأة الرأسمالية، إنما يجب أن يقترن بفهم الفارق بين ما هو (تاريخ) وبين (ما هو تاريخى) فى الإقتصاد السياسى. أما الحاضر الذى ننشغل به فهو الحاضر الذى تكون فى رحم ذلك الماضى، فوقائع الحاضر ليست صدفويةً، وإنما هى، وهذا ما يعنينا، نتاج تطورات جدلية على الصعيد الإجتماعى، عبر الزمن، أدت إلى تبلور ذلك الحاضر بالحالة التى هو عليها الآن، وكما أسلفنا لا يمكن التعامل مع التخلف، على سبيل المثال، كظاهرة وليدة اليوم، وإنما هى نتاج تراكم تاريخى تم خلال خمسة قرون، منذ تكون الرأسمالية كنمط إنتاج مهيمن عالمياًً، ولقد تفاوتت حظوظ البلدان، بشأن الإدماج فى الكُُل الرأسمالى على الصعيد العالمى، فمنها مََن تم إدماجه، كأحد الأجزاء التابعة، منذ أربعة قرون، ومنها مَن أُُُدمج منذ ثلاثة قرون، ومنها من تحول إلى أحد تلك الأجزاء التابعة منذ قرنين من الزمان، وهكذا . . . ولكن تظل دوماًً مجموعة من السمات المشتركة فيما بين تلك البلدان المدمََجة كأحد الأجزاء المتخلفة والتابعة، وأهم تلك السمات تسرب القيمة الزائدة إلى خارج مسام تلك الأجزاء كى تُُُضَََخ فى مسام الأجزاء المتقدمة المتبوعة، ومن ثم يُُُصبح إفتقاد شروط تجدد الإنتاج سمة عامة تجمع جميع الأجزاء المتخلفة. وباللجوء إلى المقارنة، بين قارتى التسرب(أفريقيا، وأمريكا اللاتينية) ومن ثم المقارنة بين نموذجى التخلف فى كُُُل قارة منهما(فنزويلا، والسودان) يمكن دون كبير عناء الوصول إلى سمات عامة مشتركة تجمع بينهما، إبتدأ من الظاهرة الإستعمارية( أسبانيا بالنسبة لفنزويلا، ودولة محمد على، ثم بريطانيا بالنسبة للسودان) ومروراًً بإعتبار كُُل بلد منهما بالنسبة للمستعمِِِر مصدراًً رئيسياًً للمعادن النفيسة، والمواد الأولية وقوة العمل اللازمين لعملية التراكم الرأسمالى فى الأجزاء المستعمِِرة، وبفعل المزيد من السطو المنظم على ثروات كُُُل منهما، وغيرهما، فقد وقعا فاقدين، حالهما حال باقى الأجزاء المتخلفة، لشروط تجديد الإنتاج، والإعتماد شبه الكُُُلى على مجريات الأمور خارج الإقتصاد القومى، بما يفقد المجتمع معه إستقلاليته تجاه الخارج بوجه عام، إستعمارياًً فى مرحلة أولى، ومنهجياًً فى مرحلة ثانية. نقول يجمع ما بين فنزويلا وبين السودان، الظاهرة الإستعمارية وإعتبارهما المصدر الرئيسى لمستلزمات التركيم الرأسمالى، ونضيف، وتلك نتيجة مترتبة على الأمرين، ظاهرة التسرب فى القيمة الزائدة إلى خارج حدود المجتمع بما يعنى، ضمن ما يعنى، تبلور عملية مستمرة من التخلف، عبر الزمن تمتد إلى الحاضر، تستمد وجودها من ذلك التسرب، الذى تدعمه الطبقات الحاكمة، المفقِِد لشروط التنمية المستقلة والإعتماد على الذات. فكما إفترضنا، بالتجريد، أن المجتمع يبدأ سنة إنتاجية معينة بثلاثة مليارات وحدة معينة، ولأن تصور المجتمع فى حالة توقف عن الإنتاج غير ممكن، إذ يلزم الإنتاج وتجدده المستمر، فسيدخل المجتمع السنة ومعه (3) مليار وحدة، مقسمة بواقع مليار لكُُل قطاع إنتاجى(الزراعة، والصناعة، والخدمات) وإذ أن (Δ ن) إنما هى القيمة الزائدة، وبإفتراض أنها تساوى 100%، فى كُُل قطاع، فسيكون لدى المجتمع فى نهاية الفترة (6) مليار وحدة. فما مصير الثلاثة مليارات الزائدة؟ بعد خصم الأجر، والربح، والريع، والدين الدولى، نفترض أنه تبقى (مليار) وحدة، تلك المليار(فى الأجزاء المتخلفة) لا تُُُستخدم فى التراكم الرأسمالى، من أجل التنمية، وإنما تخرج (تتسرب) خارج البلد، إذ ينعدم التكامل بين القطاعات، فى صورة إستيراد للسلع والخدمات التى لم يُُُهيء المجتمع لإنتاجها بالمعنى الواسع للإنتاج. ومن هنا أيضاًً يُُمكن مناقشة أزمة المديونية، التى طوقت الأجزاء المتخلفة، حين ضربت بجذورها فى كُُُل الإتجاهات التى كان من الممكن أن يبدأ المجتمع منها من أجل تنمية مستقلة، وذلك دون إثارة المسئولية التاريخية للطبقات الحاكمة المستدينة، وما يتعلق بذلك، إبتداءًً من: من الذى إستدان؟ ولماذا؟ وأين ذهبت أموال تلك الإستدانة، التى جرت مجتمعاًًت وأجيال نحو هاوية جهنمية؟ ما السبب إذاًً الذى جعل الأجزاء المتخلفة، متخلفة على هذا النحو؟ النظرية الرسمية تقول، تجاهلاًً مآسى الماضى، بضرورة إنتهاج موسع لإقتصاديات السوق والمزيد من الإندماج فى العالم الرأسمالى. فى حين أن ما أوصل الأجزاء المتخلفة إلى ما هى عليه هو بالضبط ذلك الإندماج الذى ترك البلدان خاوية من جُُل الموارد، مشوهة الهيكل، ولا يوجد أدنى إتصال ما بين القطاعات الثلاثة التى يتركب منها. وربما يكون عسيراًً، ما لم يكن مستحيلاًً، الوصول إلى تصورات واضحة عن التخلف فى قارتى التسرب، دون منهجية واضحة تأخذ فى إعتبارها تلك السمات المشتركة، وما وضوح الرؤية إلا الإنعكاس المباشر لوضوح المنهج، ولذا يتعين، حين درس ظاهرة ما فى مجتمع معين، اللجوء إلى فن ترتيب الأفكار فى سبيل إنتاج الفكرة، لفائدة ذلك المستقبل. فحين درس المسألة الفنزويلية(الصراع بين السلطة وبين رأس المال. بين الريع وبين الربح) وحين درس المسألة السودانية كذلك(الصراع بين الشمال وبين الجنوب، وبين الجنوب والجنوب، حول الماء والكلأ والنفط) فإنه يتعين تكوين الصورة الكلية من خلال البصر بالماضى(الإستعمار، ثم إستمرارية التسرب، وفقد شروط تجدد الإنتاج) كى يتم فهم الحاضر، ومن ثم إمكانية تصميم المشروع الحضاري الذى ينشغل بالتنمية المستقلة والإعتماد على الذات. وما الخطوات المنهجية التى مشيناها بصدد درس المسألتين، الفنزويلية، والسودانية، إلا منهجية مقترَََحة تُقدم نفسها كفرضية تدعى إحتوائها إمكانية معينة تتيح إستيعاب ما هو هيكلى وما هو آنى. إذ لا يُُُستساغ إجراء البحث على مجتمع ما دون منهجية واضحة تستمد وجودها من الوعى بالكُُل التاريخى(المحدد بتاريخ الرأسمالية) الذى تبلورت من خلاله الظواهر التى حددت شكل المجتمع فى الحاضر. يبقى أن نذكر ، ختاماًً، مقدار التفاؤل والحماس، الذى يحدونا بتعميم المنهج المقترح، لإجراء البحث فى ظاهرة ما، فى مجتمع معين، فى لحظة تاريخية محددة، إذ نبدأ ، من خلال مرتكزات فكرية معينة ، بفهم الظرف التاريخى للظاهرة وصولاًً إلى أسباب نشأتها وتطورها خلال الزمن، وبعبارة أخرى أكثر دقة وتفصيلاًً، فإن منهجنا المقترح إنما يتركز فى مجموعة من الخطوات الفكرية، التى تنشغل، فى المقام الأول، بالطريقة التى يتبعها الذهن فى سبيله لإنتاج الأفكار الحاكمة للظاهرة محل البحث، وتتلخص تلك الخطوات فى: - البحث فى التاريخ، وإنما إبتداءًً من ما هو تاريخى فى الإقتصاد السياسى. بفحص الظاهرة فى إطار من النظام الإمبريالى الذى أخذ فى الهيمنة إبتداءًً من القرن السادس عشر. وذلك إعتداداًً بالإقتصاد السياسى كعِِِلم ينشغل، ضمن ما ينشغل، بنمط الإنتاج الرأسمالى. - البحث فى الإقتصاد، وإنما بوعى بكونه ليس وليد اليوم، أو صدفوى، وإنما تشكل هيكله، بقطاعاته، عبر فترة زمنية طويلة جداًً. ترتد إلى عدة قرون فى الماضى، خلال تلك الفترة حدث التشوه فى الهيكل، بعد أن سيطر، على المستعمرات تحديداًً، التقسيم الدولى للعمل والإنتاج، فأصبحت المستعمرات المصدر الرئيسى للغذاء (ومن هنا يتشكل الهيكل بغلبة الزراعة على مجمله) والمواد الأولية وقوة العمل(بما يجعل الهيكل قائم على تلك السلعتين، فقط) - البحث فى المجتمع، وإنما بهدف التعرف على أوجه الصراع الطبقى بداخله، الذى على أساسه يتطور المجتمع، يستلزم هذا التعرف تكوين الوعى الناقد بشأن الطبيعة الطبقية لمؤسسة الحكم، ومدى تبعيتها للإمبريالية الدولية، بما يُُقدم مصلحة رأس المال على مصلحة الوطن، فى أغلب الأحيان. كما يستلزم هذا الوعى الإنتباه لمحاولة رأس المال تمييع قضية التناقض والتواطؤ، وذلك بتسويق قولة التواطؤ بين رأس المال وبين السلطة، والتى إستهوت الكثير دون وعى بالهدف الكامن وراء تلك القولة المضللة، فمعنى التواطؤ بين رأس المال وبين السلطة وضع جميع الطبقات فى المجتمع (دون تمييز) فى كفة واحدة قبِِل ذلك التواطؤ فى الكفة الثانية، بما يستتبع طمس معالم التطور الجدلى للتاريخ والمجتمعات. ومن ثم تعين أن يسير الدرس فى إتجاه مختلف يرتكز على الوعى بالصراع، لا التواطؤ كما يروج، ما بين رأس المال وبين السلطة من جهة، والصراع ما بين الطبقات التى يتكون منها المجتمع، فى مرحلة أولى، ثم الصراع بين جزء محدد من تلك الطبقات وبين السلطة، فى مرحلة ثانية، من جهة أخرى. معنى ذلك أن الشعب(بطبقاته المتباينة) داخل الدائرة، وليس خارجها، كما يريد الخطاب الأيدلوجى السائد. تلك الخطوات الفكرية المقترحة لم نطرحها بترتيب معين، إذ الظاهرة هى التى تتحكم غالباًً فى ترتيب الخطوات، فربما تستلزم ظاهرة ما البدء بالإقتصاد كخطوة أولى، فى حين تستوجب ظاهرة أخرى البدء بالتاريخ،وثالثة توجب البدء برصد الواقع والوقائع،وهكذا. المهم فى المنهج الذى نقترحه هو تكامل الخطوات بلا إغفال أو تخطى لواحدة منهم أو أكثر. إن درس الحاضر فى ضوء الماضى لفائدة المستقبل، إنما يعنى الفهم، الواعى، لحركة التاريخ البطيئة والعظيمة، والتى كونت فى رحمها الحاضر بجميع تفاصيله، وتركت لنا تشكيل المستقبل، والإختيار إما الموت وإما الحياة. . . إما الموت إنتحاراًً جماعياًً على ظهر كوكب يعتصره نظام عالمى لا يعرف العدالة أو الرحمة، وإما الحياة بدفع عجلات التاريخ نحو مستقبل لديه مشروعاًً إنسانياًً يستلهم وجوده من تراث الإنسانية المشترك. إما الطموح إلى أكثر من الوجود. وإما الصلاة لئلا يأتى المخرب شتاءًً بعدما قاد المخبولون العميان. ألا طمحنا إلى أكثر من وجودنا؟ فلنطمح إلى أكثر من الوجود.
الإقتصاد السياسى للتخلف ((الجزء الخامس)) الفصل الخامس السودان، كنموذج لإختبار صحة المنهج مقدمة : إتباعاًً لنفس المنهج، يُمكن، على سبيل البرهنة (إختبار المنهج على أرض الواقع) والبحث الموسع فى نفس الوقت، إخضاع المسألة السودانية، على سبيل المثال(على الجانب الآخر مِن العالم. إفريقيا) لنفس المنهج، والذى يَتَمفصل حول قانون القيمة، وإن إدخال بعض التعديلات إنما يكون داخل المنهج نفسه، بترتيب مُختلف نوعاًً ما للإجراءات المنهجية (نفس الإجراءات) وليس تعديلاًً خارج سياق المنهج، أو فى الإجراءات ذاتها. فحين التصدى للمسألة الفنزويلية، قمنا مِن خلال خطوات فكرية معينة، بمعاينة الإداء وصولاًً إلى الهيكل. وهو نفس المنهج الذى نفترضه ونطرحه للإختبار على أرض الواقع للتأكد مِن مدى تمكنه مِن إسعافنا فى فهم الواقع وتطوراته المحتملة، وهو الأمر الذى نُعالجه أدناه، كما عالجنا المسألة الفنزويلية، مِن خلال خطوات فكرية محددة تمكننا من تكوين الوعى بشأن الإشكالية المطروحة، وتَتَمثل تلك الخطوات الفكرية، حين التعرض للمسألة السودانية، كما الحال حين التعرض للمسألة الفنزويلية، وغيرهما من الإشكاليات والصراعات الإجتماعية فى قارتى ((التسرب فى القيمة الزائدة، والتخصص فى المواد الأولية، وتغذية الأجزاء المتقدمة بمادة التراكم)) فى أربع خطوات فكرية: الأولى: التعرف على الواقع الإقتصادى الآنى، بالتعرف على طبيعة وحقيقة الهيكل الإقتصادى(*). الأمر الذى يستلزم التعرف على مُجمل الوضع الجغرافى. الخطوة الفكرية الثانية: مُعاينة الكُُل التاريخى الذى تُرد إليه المسألة، بحثاًً فى الجذور وعنها، وإنما إبتداءً مِن (إقتصاد سياسى) وليس (تاريخ). الخطوة الفكرية الثالثة: التقدم خطوة إلى الأمام بفحص التكوين الإجتماعى فى تطوره التاريخى فى البلد المراد التعرض للإشكالية المثارة بداخله، فإن إستقام لنا الطريق لتلك الخطوات، كان لنا أن نتقدم، وبإطمئنان، نحو خطوتنا الفكرية الرابعة. خطوتنا الفكرية الرابعة: وفيها ننشغل بتكوين الوعى حول طبيعة وحقيقة الصراع الجدلى الراهن، وتطوره على الصعيد الإجتماعى. والمنهج ذاته وخطواته تلك نفسها، يمكن إعمالهما على بلدان قارتى(أفريقيا وأمريكا اللاتينية بوجهٍ خاص، كما أسلفنا) للخصوصية التاريخية التى تشترك فيها بلدان القارتين. وعليه نَتَقدم لفحص المسألة السودانية، وإنما إبتداءًً مِن هدف التيقن مِن صحة المنهج، تبعاًً لما يلى مِن خطوات فكرية، الخطوة الفكرية الأولى: فقط، قبل البدء، يَتعين أن نُبرز تحفظنا على بَعض بل (جُل) الدراسات والكتابات التى تتناول المسألة السودانية، وكما رأينا، وسنرى بمزيد مِن التفصيل، فى المسألة الفنزويلية مِن قارة أمريكا اللاتينية حجم الإهتمام بالكم على حساب الكيف، فيُمكن لأى ناظر فى المسألة السودانية كأحد المسائل المثارة، آنياًً، فى القارة الإفريقية، على الجانب الآخر مِن العالم الرأسمالى المتخلف، أن يُشاهد وبسهولة كماًً غير عادى مِن المعلومات الجغرافية الإبتدائية والمرويات التاريخية السخيفة والنوادر الفارغة والطرف التافهة على طريقة تُسعف المتسابق فى برنامج الإعلامى اللامع جورج قرداحى"مَن سيربح المليون ؟" ولا يُمكن بحالٍٍ أو بأخر تصورها كبحث عِلمى محترم!! الخطوة الفكرية الأولى: الهيكل والجغرافيا (1) الهيكل الإقتصادى: فإنه يُمكن القول بأن الفترة 2000- 2004 (وهى إنتقائية فى المقام الأول مِن جهة كََونها مُتاحة نسبياًً ومتفقة أرقامها تقريباًً فى معظم المصادر التي رجعت إليها) للرصد الإحصائى والتحليل مِن خلال أدوات الإقتصاد الكلى؛ وصولاًً إلى معاينة الهيكل الاقتصادي السودانى, نقول بأنه يُمكن القول بأن تلك الفترة قد شَهِِدت, طبقاًً للأرقام الرسمية التي يَتعين معها الحذر لأمرين: أولهما: إعتناقها المتوسط الذي يُخفى أكثر مما يُُظهر, وثانيهما: أنها صادرة عن مؤسسة (الحُُكم) فى السودان والمنظمات الدولية التي يَستعين بها رأس المال إستقداماًً أو إستبعاداًً، كما نقول دوماًً، مِن أجل مصالحه العابرة للقارات. نقول شهدت تلك الفترة إستقراراًً نسبياًً فى الأداء الإقتصادى بوجه عام, حيث تحققت مُعدلات نمو موجبة (تبعاًً لأرقام مؤسسة الحكم السودانية والمنظمات الدولية المعنية) إذ بَلغت مُعدلات النمو تلك (فى المتوسط) حوالي 6.6% (كى تنخفض إلى 4,2 مع أرقام 2009) وقد تَناغم هذا النمو مع دخول النفط بشكل قوى فى هيكل الإنتاج مع إرتفاع أسعاره العالمية، كما أن تطورت نسبة مساهمته فى الناتج المحلى الإجمالى لتصل إلى ما يقارب مِن 11% فى عام 2004، كذلك تنامت الإستثمارات الخارجية المباشرة التي تُمثل حوالى 7.5% من الناتج المحلى الإجمالى، وتُقدِر الأرقام الرسمية والدولية مُعدل نمو الناتج المحلى الإجمالى بحوالى 7.2% فى العام 2004 ويُرجعه البعض إلى ذلك النمو الحاصل فى قطاعات الصناعة الفرعية لقطاع التشييد وقطاع الكهرباء، إذ بلغ مُعدل نمو القطاع الصناعى بالنسبة إلى الناتج المحلى الإجمالى نحو 13%. ومِن جهة أخرى، فإن: الجفاف...الحروب الأهلية...التصحر...أعمال العنف...التدهور المستمر وبخاصة فى الأقاليم البعيدة، كبحر الغزال، وأعالى النيل, ربما هى الرموز السحرية لفهم العديد مِن المظاهر المتعلقة بالتركيبات السكانية فى السودان ولكن منظوراًً إليها, على الأقل وفقاًً للمراحل المنهجية, مِن جهة السكان كقوة عمل؛ والأرقام تَعكس مجموعة مِن الحقائق التي تَشكلت على أرض الواقع؛ فطبقاًً لإحصاء سكانى, صادر فى عام 2002 عوَل عليه التقرير السودانى السنوى الخامس (وهو مِن ضمن قائمة المصادر التى نستند إليها بشكل رئيسى) فإن الذكور يُشكلون نحو 50.3% مِن إجمالى السكان، والإناث نحو 49.7% كما أن السكان فى المدينة يُشكلون 32% مِن جملة سكان الولايات الشمالية، بينما يُشكل سكان الريف 65% ومجموعات البدو الرحل حوالى 3% فقط، وهذا يعنى أن حوالي 65% على الأقل من السكان (البالغ عددهم 39,1 مليون نسمة؛ طبقاًً لأرقام 2008) لا يزال يعيش فى الريف, ولا يَعكس الإرتفاع فى عدد سُكان المدينة نمواًً حقيقياًً بقدر ما يَعكس تدفق الملايين مِن النازحين مِن الأرياف هرباًً مِن الفقر أو الحرب أو الإضطهاد الدينى أو العرقى، الأمر الذى يعنى عبأًً مضافاًً على عاتق الريف لإطعام العدد المتزايد مِن السكان فى المدينة. والأرقام تَعكس مِن جهة أخرى أن حوالى 46.6% مِن السكان هم مِن الفئات العمرية الأقل مِن 14سنة, والفئة الأقل مِن 5 سنوات وحدها تُشكل حوالى 17% مِن السكان. وإذا أضفنا الى ذلك الفئة العمرية 60 عاماًً فما فوق، فإن هذه الوضعية,لا شك, لها مشاكلها وبخاصة فى مجالات الصحة والتعليم، والتوزيع بوجه عام, وطبقاًً لإحصاء يَعود إلى عام 1993 فإن حجم القوى العاملة يُُقدر بنحو 34% مِن إجمالى السكان بمُعدل نمو أقل مِن مُعدل نمو السكان؛ وحسب أرقام (مؤسسة الحكم فى السودان) فإن إجمالى القوة العاملة يُقدر بنحو 28% مِن السكان فى عام 1998 (2.7مليون فى المدينة, وحوالى 5.7 مليون فى المناطق الريفية) وذلك يُشير الى أن 68% (بلغ 80% مع أرقام 2009) مِن القوى العاملة تعمل فى مجالات الزراعة والرعى والنشاطات المرتبطة بهما, أما البقية فتعمل فى نشاطات صناعية مرتبطة بالزراعة، أو الخدمات. وتشير الأرقام إلى إرتفاع مُعدل البطالة مِن 17% عام1996 إلى 18% عام 1999, وهذه الأرقام لا تَعكس الحقيقة، فى تصورى، وذلك لضعف الإحصاءات الحكومية ولعدم تضمنها البطالة المستترة فى القطاع الزراعى، وفى القطاع الحضرى على السواء. وعن متوسط نصيب الفرد مِن الدخل القومى والذي يُقدر, طبقاًً لأرقام 2004, بحوالى 370 دولار فى العام؛ أى حوالى دولار واحد فى اليوم، وهو ما يُعادل مستوى الكفاف حسب مؤشرات (الأمم المتحدة) ويَقل كثيراًً عن متوسط سبعينات وثمانينات القرن الماضى إذ تراوح هذا النصيب مِن إجمالى الدخل القومى ما بين 400 وبين 500 دولار. وطبقاًً لأرقام 2004، بلغ عدد السكان تحت خط الفقر 40%. وعن نسبة مساهمة القطاع الزراعى فى الناتج المحلى الإجمالى فقد تراجع هذا القطاع كى تصل مساهمته إلى 44.5% بمعدل نمو 4.5% فى عام 2004، مقارنة بنسبة مساهمة قدرها 45.6% ونمو قدره 5.2% فى العام 2003؛ ولكى تنخفض إنخفاضاًً عنيفاََ، طبقا لأرقام 2009، لتُُمثل فقط (32,1%) من إجمالى الناتج المحلى؛ وذلك إنما يَرجع إلى الإنخفاض الذي طرأ على المساحة المحصودة مِن بعض المحاصيل الرئيسية كالقطن وزهرة الشمس، وتناقص مساهمة الثروة الحيوانية التي تأثرت سلباًًً بالصراعات وبالأوضاع الأمنية المرتبكة فى إقليم دارفور. وبشأن القطاع الصناعى السودانى, فانه يُمكن القول طبقاًً للأرقام (الحكومية والدولية) المعلنة بكونه قد شهد مُعدل نمو إيجابى بلغ 13% فى العام 2004 مقارنة بمُعدل قدره 10.5% فى عام 2003 وقد تولد ذلك بصورة خاصة مِن النمو الذي تحقق فى قطاعات التعدين والصناعة التحويلية والبناء والتشييد والكهرباء، مع مزيد مِن سيطرة رأس المال الدولى على هياكل تلك الشركات العاملة فى تلك الحقول الصناعية, وقد إرتفعت مساهمة القطاع الصناعى فى الناتج المحلى الإجمالى إلى حوالى 25.4% عام 2004 مقارنة بنسبة قدرها 24.1% عام 2003. وعن القطاع الخدمى؛ والذى يستوعب (7 %) مِن القوة العاملة، فقد تَمكن هذا القطاع مِن تحقيق مُعدل نمو بلغ نحو 6.6% ، ونسبة مساهمة فى الناتج المحلى الإجمالى قدرها 30.1% عام 2004؛ ولكى يَرتفع ليُحقق مساهمة قدرها 38,5 % مع أرقام 2009، ويرجع ذلك، كما يَتردد فى دوائر الحكم، إلى بعض النمو الحاصل فى القطاعات الخدمية مثل النقل والإتصالات والخدمات الإقتصادية الأخرى. ولنتقدم خطوة إلى الأمام لمعاينة الهيكل بمزيد مِن التفصيل: (أولاًً) القطاع الزراعى: وهو يُعد مِن أهم القطاعات إذ يوظِف نحو 80 % مِن قوة العمل(أرقام 2009) ويُساهم بما يقترب مِن ثُلث الناتج المحلى الإجمالى(32,1%) ويتباين النظام البيئى فى السودان بين سافنا غنية فى أقصى الجنوب إلى بيئة صحراوية وشبه صحراوية فى أقصى الشمال، وتبعاًًً لتباين المناخ يتباين الإنتاج المادى للبشر فى الإقليم السودانى ككُُل؛ إذ تَبلغ مساحة السودان حوالى 600 مليون فدان تُغطى البيئة الصحراوية وشبه الصحراوية حوالى 49% مِن جملة المساحة ويبلغ إجمالى الأراضى القابلة للزراعة حوالى 200 مليون فدان, المزروع منها حالياًًً ( أرقام 2009) أقل مِن 35% يُضاف إلى ذلك مساحات الغابات البالغة 220 مليون فدان والمساحات غير القابلة للزراعة حوالى 180 مليون فدان. (أ) القطاع النباتى: تُشير البيانات المتوفرة إلى أن هناك زيادة مُقدرة فى المساحات المحصودة لكُُل المحاصيل الرئيسية وهى الذرة، والقمح، والدخن(الغذاء الرئيسى فى المناطق الجافة فى أفريقيا) والفول والسمسم، ماعدا محصولّىّ القطن وزهرة الشمس، كما تُشير البيانات إلى أن متوسط الإنتاجية قد تراوح بين 268 كجم فى الذرة، وفى القمح 970 كجم، وفى السمسم 105 كجم، وفى الدخن133 كجم (تحتل السودان المركز السابع على صعيد الدول المنتجة) وفى الفول السودانى 310 كجم، وفى القطن 608 كجم، وفى زهرة الشمس 538 كجم، وذلك فى موسم 2003/2004 ويُقسم القطاع النباتى إلى حبوب غذائية وحبوب زيتية ويُمكن تفصيل ذلك على النحو التالى: (1) الحبوب الغذائية: وتشمل الذرة(المحصول الرئيسى) والقمح، والدخن، ونوضح مساحاتها المزروعة والإنتاج على التفصيل التالى: إرتفعت المساحة المحصودة للذرة مِن 12667 ألف فدان فى موسم 2002-2003 إلى 17453 ألف فدان فى موسم2003- 2004 بنسبة زيادة تقدر بحوالى 37.8% بينما زاد الإنتاج مِن 2825 ألف طن فى موسم 2002-2003 إلى 4690 ألف طن فى موسم 2003- 2004 بنسبة زيادة تصل إلى 66% كما شهدت المساحات المحصودة مِن القمح إرتفاعاًًً ملحوظاًًً؛ إذ إرتفعت مِن 309 ألف فدان فى موسم 2002-2003 إلى 410 ألف فدان فى موسم 2003- 2004 بنسبة زيادة 32.7%، أما الإنتاج فقد إرتفع مِن 330 ألف طن فى موسم 2002-2003 إلى 398 ألف طن فى موسم 2003- 2004 بنسبة زيادة تُقدر بحوالى 20.6%؛ نتيجة للتوسع فى المساحات المزروعة منه. وقد سجلت المساحات المزروعة مِن الدخن(الغذاء الرئيسى فى السودان، بجانب القمح) إرتفاعاًً طفيفاًًً لم يتجاوز الـ 8% إذ بلغت فى موسم 2002-2003 حوالى 5817 ألف فدان و 6285 ألف فدان فى موسم 2003- 2004 أما الإنتاج فقد سجل زيادة بلغت 32.4% كى تُسجل إرتفاعاًً مِن 581 ألف طن فى موسم 2002-2003 إلى 769 ألف طن فى موسم 2003- 2004، بلغ 800 ألف طن مع أرقام 2009، وترجع هذه الزيادة إلى الأمطار الجيدة كماًًً وتوزيعاًًً. (2) الحبوب الزيتية: وتشمل الفول السودانى، والقطن، والسمسم، وزهرة الشمس، ويُمكن إيضاح مساحات وإنتاج الحبوب الزيتية على النحو التالى: بلغت المساحات المحصودة مِن الفول السودانى 2542 ألف فدان فى موسم 2003- 2004. مقابل 2439 ألف فدان فى موسم 2002- 2003 أى بزيادة قدرها 4.2% وزاد الإنتاج مِن 551 ألف طن فى موسم 2002- 2003 إلى 790 ألف طن فى موسم 2003-2004 بنسبة زيادة قدرها 43.4%. كما وأن زادت المساحات المحصودة مِن السمسم مِن 1836 ألف فدان فى موسم 2002- 2003 إلى 3783 ألف فدان فى موسم 2003- 2004 بنسبة زيادة بلغت 106%. وذلك لإرتفاع أسعاره فى المواسم الأخيرة والتوزيع المناسب للأمطار فى مواقع إنتاجه. كما بَلغت المساحة المحصودة مِن القطن لموسم 2003- 2004 حوالى391 ألف فدان مقابل397 ألف فدان فى موسم 2002- 2003، بنسبة نقصان بلغت 1.5%؛ وعلى الرغم مِن إرتفاع المساحة المزروعة منه إنخفض الإنتاج مِن 254 ألف طن فى موسم 2002- 2003 إلى 238 ألف طن فى موسم 2003- 2004، بنسبة إنخفاض قدرها 6.3%. وذلك بسبب السيول والفيضانات التى إجتاحت بعض مناطق الإنتاج. وفى سبيل إستيفاء التصور العام لهذا القطاع فإنه يُمكن القول بأن مشاكله، تَتَلخص فى: ضعف البنية التحتية (الطرق... الرى... المياه... الأوعية التخزينية...) وهو الأمر الذى يأتى متضافراًً مع تعميق الإنفصال المستمر بين الريف (بكُُل خصوصياته الإجتماعية) وبين المدينة (بكُُل تناقضاتها) على نحو متساوق مع تخلف الإستغلال على صعيد النظم الإنتاجية المهيمنة، وعلى صعيد علاقات الإنتاج السائدة؛ بما يُحقق ضخاًً مستمراًً للفائض إلى خارج مسام الإقتصاد القومى السودانى, أضف إلى ذلك تَدهور الغطاء النباتى بسبب القطع الجائر الذى إنعكس سلباًًً على التربة ومعدلات هطول الأمطار بمناطق الزراعة المطرية؛ بيد أن هذا الغطاء قد أخذ، طبقاًً لكلام مؤسسة الحكم السودانية، فى الآونة الأخيرة يَسترد عافيته إلى حد ما بفعل معدلات الأمطار الوفيرة فى السنوات الأخيرة؛ مما أدى إلى تَحسن نسبة الإنبات الطبيعى لبذور الأشجار والشجيرات مع تكثيف الحماية والتشجير والذى أتى بالتوازى مع إرتفاع معدلات الوعى بأهمية الأشجار وحمايتها نتيجة لحملات التوعية والبرامج الإرشادية بقيادة رأس المال الدولى، الساعى دوماًً للبحث عن المواد الأولية والبدائل، فى نفس الوقت. وبمناسبة البدائل تلك. وبمناسبة الحديث عن القطاع الزراعى فى الهيكل الاقتصادى السودانى كإقتصاد يُمثل أحد الأجزاء المتخلفة مِن الإقتصاد الرأسمالى الدولى المعاصر؛ فإنه يُمكن القول بأنه ومنذ بداية الستينات مِن القرن الماضى وفى ظل الثورة العلمية والتكنولوجية والتدويل المستمر للإنتاج؛ فقد تلاحقت الظواهر المتناقضة فى المجال الزراعى, فمِن جانب، حدث تطور كبير فى أساليب الزراعة, بحيث تَضَاعف الناتج المادى الزراعى فى السبعينات أكثر مِن مرتين. ومِن جانب آخر تزايد نقص الغذاء فى أغلبية البلدان النامية فى الوقت الذى إزدادت فيه عدم المساوة فى توزيع موارد الزراعة بين الدول وبفضل مُنجزات الهندسة الوراثية المتلاحقة فى ميدان الزراعة التى سُميت بالزراعة الكثيفة والتى تزامنت مع تدفق رأس المال، وعُززت بسلطان الدولة ودعمها المستمر فى الأجزاء المتقدمة مِن الإقتصاد الرأسمالى الدولى المعاصر, نجد أنفسنا بصدد ظاهرة تُسهم وبفاعلية فى تغيير النمط الراهن لتقسيم العمل الدولى فى الإنتاج الزراعى على الصعيد العالمى, وهو الأمر الذى أفضى فى النهاية وبعد التطورات التي حدثت فى الستينات ثم السبعينات إلى البدء فى عملية إعادة نشر الزراعة عالمياًً ونقل قطاعات منها مِن الجنوب الى الشمال وهى العملية التى أخذت فى التشكل مع مطلع الثمانينات مِن القرن الماضى؛ فمن المعروف، على سبيل المثال، أن حبوب الكاكاو تُنتَج فى كُُل مِن أفريقيا وأسيا وأمريكا اللاتينية، وهى مُكوِِن هام(إضافة إلى إستخدامها فى التجارة العالمية للشيكولاته) فى المنتجات الدوائية وصناعة أدوات التجميل باهظة الاثمان فى الغالب؛ وبدلاًً مِن إستيرادها يجرى الآن البحث(وقد نَجح فعلاًً)عن إمكانية تخليق نوعية أرقى منها معملياًً, كذا الحال وكما سنرى أدناه بصدد الأصماغ العربية الآخذة فى التدهور كماًً وكيفاًً. (ب) الغابات: تُعتبر الغابات مورداًً طبيعياًً ومتعدداًً, وتُغطى تلك الغابات أكثر مِن 120 مليون فدان مِن مساحة السودان الكلية (600مليون فدان) وتلعب دوراًًً متعاظماًًً فى حماية الأراضى الزراعية وبخاصة فى إقليم دارفور، وكردفان، كما تلعب دوراًًً هاماًًً فى حماية مناطق الزراعة جنوب النيل الأبيض، القضارف والنيل الأزرق. وتُعتبر الغابات مأوًً للحياة البرية والتي يُعتبر السودان مِن أهم مصادرها؛ فمحميات (الدندر: على الحدود السودانية الأثيوبية)، و(الردوم: وتقع جنوب دارفور) تُعتبر مصادر لأنواع مِن الحيوانات ذات العائد الاقتصادى كالأفيال والنمور، والتى أخذت أعدادها فى التناقص نتيجة العدوان المنظََم على الطبيعة والتهديد المستمر للحياة البيولوجية بالصيد والقنص الجائر فى سبيل الحصول على العاج أو الجلود، التى كانت لوقت قريب تطرح فى السوق العالمى, كسلعة باهظة الثمن, وتتهافت عليها الصفوة, وقد خفت حدة هذا الطلب على العاج والجلود تماشياًًً مع حملات حماية حقوق الحيوان فى المجتمعات الغربية. ويُسهم قطاع الغابات بحوالى 3% مِن الناتج المحلى الإجمالى، وتُرسخ الغابات قواعد العمل التقليدية (وتسودها علاقات أقرب إلى السخرة أو إلى القنانة) لدى سكان الريف (المنهَِك والمأجور غالباًً عيناًً) خاصة فى مناطق الزراعة التقليدية، كذلك تُعتبر الغابات المرعى الطبيعى والدائم للثروة الحيوانية فى البلاد؛ حيث توفر حوالى 70% مِن الغذاء للحيوانات.
الصمغ العربى: يُعتبر الصمغ العربى أحد المنتجات الرئيسية للقطاع الغابى فى السودان، وتُشرف على العملية الإنتاجية (أحد الهيئات الحكومية) وهى الهيئة القومية للغابات، وذلك بمتابعة الإنتاج وتجميعه الذى يُباع مُباشرة لشركة الصمغ العربى المحدودة (تأسست فى عام 1969 على يد حوالى خمسة آلاف مِن المساهمين السودانيين، بالإضافة إلى وزارة المالية السودانية التي تملك 30% مِن رأس مال الشركة) فعلى حين يتوقف دور الهيئة القومية للغابات فى السودان، كجهة حكومية، على الإشراف والتجميع, تَنهض شركة الصمغ العربى بعملية التسويق بتعامل مباشر مع السوق الدولية. وقد بَلََغت جُملة مًشتريات شركة الصمغ العربى مِن الهيئة القومية للغابات (التي تملكها الحكومة. حكومة مَن؟) حوالى 15.864 طن وشملت حوالى 7.953 طن مِن الهشاب (شجرة الهشاب هى شجرة طولها حوالى 4-7 متر و تعيش حوالى 25-30 سنة، تنتج الشجرة الصمغ بعد أن يقوم السكان المحليون بإجراء عملية (طق الصمغ) وذلك بخدش لُُحاء الشجرة بألة حادة مخصصة لهذا الغرض، تقوم الشجرة بعدها بفرز الصمغ عبر هذه الفتحات وتنتج الشجرة الواحدة مِن 200 إلى 300 جرام مِن الصمغ) و7911 طن مِن الطلح (وتُعد الصحراء بيئته الطبيعية) فى عام 2004 مقابل 15838 طن فى عام 2003 بنسبة زيادة قدرها نحو 0.2% وقد بلغت جملة صادر الشركة مِن الصمغ العربى حوالى 13.994 طن فى عام 2004 مقابل 30.285 طن فى عام 2003 بنسبة نقصان 53%. حيث بلغت جُملة الكميات المصدَرة مِن صمغ الهشاب حوالى 9.364 طن، وهى تُُعادل حوالى 66.9 % مِن صادرات الصمغ العربى أما صمغ الطلح فقد بلغت الكمية المصدَرة منه حوالى 4.630 طن أى ما يُعادل حوالى 33.1% مِن جُملة الصادر. ويمكن حصر أهم المشاكل والمعوقات التي تواجه إنتاج وتسويق الصمغ العربى إبتداءًً مِن الوعى بعدة أمور: أولها: إنخفاض مستوى الإستهلاك العالمى فى ظل ظهور البدائل الصناعية, إذ كان حوالى 60 ألف طن فى الستينات إنخفض الآن إلى حوالى 40 ألف طن نتيجة لتلك البدائل الصناعية. وثانياًً: المنافسة الخارجية؛ حيث زادت حصص الدول الأفريقية المنتِجة (وكذلك التى كانت غير منتِجة!) والمعروفة بتجارة وإنتاج الصمغ العربى مثل (تشاد، ونيجيريا، وأثيوبيا وأريتريا) بِفعل تدخل رأس المال الدولى؛ حفاظاًً على إنهيار ثمنه العالمى المستمر. ثالثاًً: الأسعار المنخفضة التى يعرضها المصنعون السودانيون المحليون لمنتجاتهم بالخارج؛ عِلماً بأن السوق الخارجى للصمغ كََسلعة دولية إنما يُسيطر عليه عدد محدود مِن الشركات مما يُشكل نوعاًًً مِن المضاربة الخاسرة غالباًً وضغطاًًً على أسعار الصادر مِن تلك السلعة. رابعاًً: التهريب والضرائب والرسوم: الإتحادية والولائية والمحلية. خامساًً: إنخراط السودان فى معاهدات دولية تضع مواصفات قياسية جديدة للمادة الخام؛ ولم تكن تلك المعاهدات ولا المواصفات القياسية الجديدة فى صالح السودان إطلاقاًً؛ إذ وقْع السودان على إتفاقيات فى صالح الدول المنتجة للأصماغ الأقل جودة؛ الأمر الذى طُُرحت معه كُُل الأمور على نحو معكوس؛ وربما غير مسبوق على صعيد التبادل الدولى، والذى هو بالأساس غير متكافىء. والمقصد المباشر مِن وراء ذلك هو كسر الميزة النسبية التي تَتَمتع بها السودان فى التبادل على الصعيد الدولى. وهو الأمر الذي يسعى رأس المال إلى تحقيقه دوماًً عبر سلسلة طويلة ومتصلة ومُُنظمة مِن عمليات خَلق بؤر التوتر وإيجاد دائم للبدائل والحفاظ على إنهيار أسعار المواد الأولية، ومنها الصمغ العربى؛ المركََب الرئيسى فى المشروبات الغازية التى تنتجها كبرى الشركات العابرة للقارات. والأن وبعد تَوتر العلاقات بين الخرطوم وواشنطن، المستهلك الأكبر، الأمر الذى أدى إلى إنخفاض عائدات الصمغ مِن (19 مليون) دولار فى عام 2005 ، بعد أن حقق (53 مليون) دولار فى عام 2002. وبعد أن بات حصاد الصمغ العربى فى غرب السودان أمراًً أكثر صعوبة، إن لم يكن مستحيلاًً. فالأسر التى إضطرت للنزوح بسبب النزاع المستعر فى إقليم دارفور تقطع أشجار الهشاب بغرض إستخدامها كحطب للوقود، وبعد إنخفاض المقابل المدفوع مِن قِبل الحكومة للمزارعين إلى أرقام هزلية، بعد كُُل ذلك فلا شك فى أن الصمغ العربى السودانى، المستَثنَى فى إتفاقيات الحظر الدولية المفروضة على الخرطوم؛ لأهميته الكبرى للأجزاء المتقدمة مِن الإقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر. لا شك أنه فى خطر!! (ج) الثروة الحيوانية: ساهم قطاع الثروة الحيوانية بحوالى 19.8% فى إجمالى ناتج القطاع الزراعى، وذلك فى السنة الأخيرة مِن سنوات الفحص، بجانب مساهمته فى تحقيق الأمن الغذائى السودانى بتوفير اللحوم الحمراء والدواجن والأسماك والألبان. الأمر الذى يجعلنا نتعقب النمو فى حجم القطيع القومى السودانى: إذ شهدت الفترة محل التحليل؛ نمواًً فى القطيع القومى وإستقراراًًً فى حجمه مع الرعاية البيطرية التي شملتها حملات التطعيم والتقصى الحقلى للأمراض ووفرة الدواء البيطرى العلاجى(الذي جلبه رأس المال الدولى)لدى شركات القطاع الخاص، الأمر الذى ساهم فى الحد مِن الوبائيات عبر الوحدات البيطرية المتحركة، والممولة مِن رأس المال الدولى كذلك. وقد زادت أعداد القطيع مِن 133.6 مليون رأس فى عام 2003 إلى 135.9 مليون رأس فى عام 2004 بزيادة قدرها 0.2% وحافظ إنتاج اللحوم الحمراء على مستواه مِن 1663 ألف طن فى عام 2003 إلى 1672 ألف طن فى عام 2004 بنسبة 0.5% وقد ساهمت الثروة الحيوانية فى سد إحتياجات البلاد(طبقاًً لأرقام مؤسسة الحكم) مِن اللحوم الحمراء والألبان ومشتقاتها بجانب منتجات الدواجن والأسماك؛ إذ بلغ الصادر مِن الحيوانات الحية خلال عام 2004 حوالى 750 رأس مِن الأبقار فقط(وترجع تلك الضألة إلى الأهمية الشديدة فى الذهنية السودانية، وبخاصة فى الجنوب) و1595723رأس مِن الضأن و95066 رأس مِن الماعز و117044 رأس مِن الأبل، بينما بلغت صادرات اللحوم حوالى 5661.9 طن. ويمكن إجمال أهم المشاكل التى تواجه هذا القطاع على النحو التالى: أولاًً: عدم إجراء مسح شامل للثروة الحيوانية منذ عام 1975- 1976 والذى تم إجراؤه عن طريق المسح الجوى (العشوائى والبدائى) والذى لم يتم التدقيق فى بياناته. ثانياًً: تدهور المراعى وإنكماشها وعدم توافر مياه الشرب الصالحة للحيوان. ثالثاًً: مشاكل حيازة الأراضى وغياب سياسات تنظيم إستخداماتها, وما يَستصحب ذلك مِن إثارة إشكالية الصراعات القبلية وبسط النفوذ(على الأرض بما فيها وبمَن عليها) فى مرحلة أولى؛ كى تطرح فى مرحلة أولى، مكرر، إشكالية الصراع بين الطبقات المكونة للقبيلة ذاتها. رابعاًً: إنتشار الأمراض المستوطنة والوافدة والتاريخ المرضى للجنوب السودانى زاخر بالمأسى عقب تدمير الإنعزال الصحى الطبيعى مع أول تعارف برأس المال الدولى. الأمر الذى تساوق مع إستمرار وجود الآفات الزراعية والأمراض الحيوانية، وعدم إعتماد برامج وقائية للحماية منها. خامساًً: ضعف آليات ومصادر التمويل الوطنية مع إرتفاع كلفة التمويل وقصر مدته وإقتصاره على تغطية عمليات الإنتاج على الإنتاج مِن أجل التصدير. أى مِن أجل السوق العالمى؛ وبالتبع الإندماج المباشر فى منظومة الأثمان الدولية والتبادل غير المتكافىء. سادساًً: إرتفاع تكلفة الإنتاج، مع إرتفاع نسبة الفائض، إضافة إلي الأعباء الضريبية السائدة على المدخلات وتعدد الرسوم(ضرائب العبور) والجبايات على حركة الحيوان. كُُل ذلك مِن جهة، ومِن جهة أخرى: إنخفاض أسعار بعض المنتجات الزراعية، مما يَنعكس سلباًً على قرار الإنتاج فى ذاته. وكذلك إرتفاع تكاليف وسائل الإنتاج، وإنخفاض مُعدلات مستوى الميكنة الزراعية. وعدم توفر التقاوى والبذور المحسنة والمبيدات بالشكل الكافى. مع إستمرار الضعف فى البُنىَ الخدمية والتسويقية للنشاط الزراعى. أضف إلى ذلك إنعدام الإرتباط بين القطاعات الإقتصادية المكونة لمفهوم الناتج القومى. سابعاًً: ضعف تنظيم الأسواق، وضعف القدرة على تطويرها. ثامناًً: إنعدام آلية التنسيق بين الجهات الحكومية المعنية وذات الصلة بالثروة الحيوانية (المراعى، المياه، البحوث... إلخ). تاسعاًً: تأثير الوضع الأمنى المرتبك فى دارفور؛ حيث تََتََواجد بإقليم دارفور أكثر مِن خُمس الثروة الحيوانية فى السودان. (ثانيا) القطاع الصناعى: ويشمَل القطاع الصناعى كُُلا مِن الصناعات التحويلية، والكهرباء، والتعدين، والتشييد والبناء. وتشمل القطاعات الفرعية التالية: الصناعات الغذائية، والغزل و النسيج، ومنتجات الجلود، والصناعات الكيماوية، وصناعة مواد البناء، والأخشاب والمواد الخشبية والاثاثات، والصناعات الهندسية، والطباعة والتغليف والورق والمنتجات الورقية، والصناعات المعدنية الأساسية، والصناعات التعدينية غير الأساسية، وصناعة الآليات والمعدات، وصناعات تحويلية أخرى, ونقتصر على بيان أهمها على النحو التالى: تبلغ الطاقة الإنتاجية لمصانع السكر فى السودان مجتمعة نحو 655 ألف طن تمثل (شركة سكر كِنانة) نسبة 45.8% منها أى أكثر مِن 300 ألف طن، وقد شهدت صناعة السكر نمواًً مضطرداًً خلال المواسم 1999- 2000،و2003- 2004 حيث بلغت جُملة إنتاج السكر للموسم 2003- 2004 حوالى 755 ألف طن مقارنةً بحوالى 728 ألف طن للموسم 2002- 2003 بنسبة زيادة بلغت حوالى 4% أَنتجت منها (شركة سكر كِنانة) حوالى 398 ألف طن فى موسم 2002-2003 مقارنةً بحوالى 428 ألف طن فى موسم 2003- 2004 بنسبة زيادة بلغت 7% وذلك نسبة لإرتفاع الإنتاجية. كما بَلغ إنتاج الشركة السودانية لإنتاج السكر حوالى 327 ألف طن فى موسم 2003- 2004 مقارنةً بحوالى 330 الف طن للموسم 2002-2003 بنسبة نقصان بلغت 1% . ومِن جهة أخرى، تُعتبر صناعة الأسمنت مِن الصناعات الهامة والرئيسية حيث يَتَركز الإنتاج بمصنع عطبرة ( تم إنشائه عام 1947 كقطاع خاص وذلك بشركة مساهمة برؤوس أموال أغلبها أجنبية. وفى عام 1970 تم تأميمه وضمه إلى مؤسسات القطاع العام الصناعى. ثم صدر قرار جمهورى عام 1983 بتحويله إلى شركه خاصة سميت "شركة ماسيبو للأسمنت" وفى أواخر العام 2002 تمت خصخصة الشركة وتم بيعها للشركة الأفريقية للتنمية والإستثمار، ومقرها دبى ويملكها سليمان الراجحى، وصالح كامل، وإبراهيم الأفندى، وفى أواخر العام 2003 تم بيع الشركة الافريقية للتنمية والإستثمار، لسليمان الراجحى؛ ومِن ثم ألت الشركة إليه، كما يُوجد إلى جوار مصنع عطبرة، مصنع(ربك) وقد بلغت جُملة إنتاج المصنعين حوالى 170 الف طن، 199 ألف طن، 205 ألف طن، 265 ألف طن للأعوام 2001، 2002، 2003، 2004 على التوالى، هذا وقد شَهدت الأعوام الأخيرة التالية على أعوام حقل التحليل سعى رأس المال الدولى لرفع إنتاجية المصانع مع البدء فى تنفيذ برامج تأهيل مصنع عطبرة. وربما تكون أهم المشاكل والمعوقات فى حقل تلك الصناعة تَتَعلق بضعف آليات النقل البرى والمناولة بميناء بورسودان وبُطء وتعثر (الورادات) مِن قطع غيار ومُدخلات الإنتاج عبر ميناء بورسودان ومطار الخرطوم ذى الامكانات الهزيلة. ويُعتبر قطاع الصناعة الدوائية مِن الصناعات التي لا تَتَمكن مِن تلبية إحتياجات الشعب السودانى المحلية إلا فى بعض الأنواع مِن الأدوية التقليدية، أو التى سَمَحت الشركات الرأسمالية العملاقة بإمكانية إنتاجها محلياًً. وتبلغ تكلفة إستخدام السودان للدواء فى العام (250) مليون دولار أى ما يُمثل (3%) مِن جملة إستخدام الدواء فى العالم حيث يَبلُُغ إستخدام الفرد نحو (4) دولارات فى العام. قطاع الغزل والنسيج: ونتيجة للمشاكل الهيكلية وضعف القدرات التنافسية فى الأسواق العالمية وإرتفاع تكلفة الإنتاج؛ فقد ظل الإنتاج فى قطاع الغزل والنسيج فى تدنٍٍ مُستَمر, عاكساًً صورة واضحة لتخلف نُظم الإستغلال فى الأجزاء المتخلفة مِن الإقتصاد الرأسمالى الدولى, فبعد مرحلة طويلة مِن النسج اليدوى، دخلت صناعة النسيج فى مرحلة ثانية بإنشاء مصنع النسيج السودانى بالخرطوم عام 1961بتمويل أمريكى، كما تم إنشاء شركة الخرطوم للغزل والنسيج وكان المصنعان بمثابة المتكفل بكساء الشعب السودانى بنسبة كبيرة جداًً مِن الاقمشة الشعبية والدمورية والدبلان والملايات المطبوعة وغيرها مِن الأقمشة، تم بيع المصنعين لشركة كويتية. وتوقف إنتاجهما قبل تطبيق الخطة الخمسية 1970-1975 والتى شملت إنشاء المصانع الحالية للغزل والنسيج بالقطاعين العام والخاص، وقُُدرت التكلفة الإجمالية لهذه المصانع بمبلغ (3) مليار دولار كتكلفة إنشائية آنذاك، وتبلغ الطاقة التصميمية لهذه المصانع 60 ألف طن مِن الغزول و350 مليون متر فى العام، وكانت تؤمن الإكتفاء الذاتى مِن الأقمشة الشعبية، وأغلب هذه المصانع اليوم متوقف والذى يَعمل منها لا تتعدى إنتاجيته 5% علي الأكثر. قطاع الزيوت: بلغ إنتاج الزيوت النباتية للعام 2004 حوالى 120 ألف طن بينما بلغ 90 الف طن للعام 2003 بنسبة زيادة بلغت 33 %. وأهم المشكلات التي تواجه هذا القطاع تكمن فى عدم إنتظام الكهرباء وغياب الإستثمارات الجديدة على الرغم مِن تنامى الطلب المحلى. قطاع الطاقة والتعدين: يُسيطر على إنتاجه وتسويقه، كونسرتيوم مكون مِن شركات (صينية 40% وماليزية 30% وكندية 25% ، إضافة إلى الحكومة السودانية 5%)بعد إنسحاب شركة "شيفرون" فى العام 1984، التى كانت تملك حقوق إمتياز الإستخراج منذ عام 1974 (أثناء حكم جعفر النميرى) التى حفرت 90 بئراًً فى مساحة قدرها (42 مليون هكتار). بلغ إجمالى إنتاج النفط السودانى نحو (105)مليون برميل خلال العام 2004، وبلغ نصيب الحكومة منه حوالى 74.9 مليون برميل بنسبة 71% مِن إجمالى الخام المنتََج. بينما بلغ الإنتاج الكلى مِن الخام خلال العام 2003 حوالى(95.7)مليون برميل، بلغ نصيب الحكومة منه 62.1 مليون برميل بنسبة 65% مِن إجمالى الإنتاج. وتُعزى الزيادة الملحوظة فى نصيب الحكومة خلال العام 2004 إلى الإرتفاع فى حجم الإنتاج الكلى مِن الخام وأسعاره، حيث بلغ متوسط الإنتاج اليومى حوالى 287 ألف برميل مقابل متوسط يومى 263 ألف برميل خلال العام 2003. إضافة إلى الإرتفاع الكبير فى الأسعار العالمية خلال العام 2004، والتى كان لها الأثر فى توزيع الأنصبة. ولقد زادت عائدات صادر النفط الخام فى عام 2004 بنسبة قدرها 53% أما البنزين فقد زاد بنسبة قدرها 70% والغاز المخلوط بنسبة 100% بينما إنخفض الغاز الطبيعى بنسبة قدرها 43% مقارنة بالعام 2003 وتحتل صادرات النفط المرتبة الأولى فى هيكل الصادرات إذ يُمثل 78% مِن إجمالى الصادرات خلال العام 2004(الأمر الذى يُُذكْْر بتاريخ طويل مِن السلعة الواحدة) وقد بلغ إجمالى العائد المقدر مِن الكميات المصدرة لصالح الحكومة خلال العام 2004 نحو 1876.0 مليون دولار أمريكى. ويُمكن ملاحظة النمو الكبير الذى طرأ على أداء صادر خام النفط خلال العام 2004 مقارنة بالعام 2003 ويرجع هذا إلى: إرتفاع نصيب الحكومة مِن الكميات المصدَرة مِن 42.2 مليون برميل فى عام 2003 إلى 50.8 مليون برميل فى عام 2004 بمعدل نمو بلغ 20%. والواقع أن نصيب الحكومة لا شك رقمياًً أنه زاد ولكن تلك الزيادة ليست نتاج صراع جدلى مع الشركات المستثمرة بقدر ما هى نتاج طبيعى للزيادة المضطردة فى إنتاج الزيت نفسه. ويُمكننا هنا إضافة سبباًً آخر وهو إرتفاع مستوى الأسعار العالمية، آنذاك، مِن 27.8 دولار أمريكى للبرميل فى المتوسط فى عام 2003 إلى 38.6 دولار أمريكى للبرميل. وطبقاًً لأرقام حديثة نسبياًً فإنه يُمكن القول بأن الإقتصاد السودانى وحتى النصف الثانى مِن عام 2008 شهد زيادة ملحوظة فى إنتاج النفط، تلك الزيادة تزامنت مع إرتفاع سعر النفط العالمى، كما أن شهد هذا القطاع تدفقات كبيرة مِن الإستثمار الأجنبى المباشر. ومع أرقام 2008 كذلك فقد بلغ نمو الناتج المحلى الإجمالى أكثر مِن 10 %سنوياًًً فى عامى 2006 و 2007.بدأت السودان بتصدير النفط الخام فى الربع الأخير مِن عام 1999. قطاع الكهرباء: شهد التوليد الكهربائى خلال الفترة المعنية نمواًًً مضطرداًًً حيث وصل التوليد الكهربائى الكُُلى حوالى 3279.9 جيجا واط/ ساعة فى عام 2003 منها حوالى 3074.1 جيجا واط/ساعة داخل الشبكة وحوالى 205.8 جيجا واط /ساعة خارج الشبكة. وإرتفع التوليد إلى حوالى 3794.7 جيجا واط/ ساعة فى عام 2004 بزيادة قدرها 15.7% مقارنة بعام 2003 منها حوالى 3505.9 جيجا واط/ساعة داخل الشبكة وحوالى 288.8 جيجا واط/ساعة خارج الشبكة. وبلغ إستهلاك الكهرباء للعام 2004 حوالى 2496.2 جيجا واط/ساعة بنسبة زيادة بلغت 8% عن العام 2003 والذى بلغ حوالى 2391.6 جيجا واط/ساعة. وترجع هذه الزيادة إلى زيادة الإستهلاك فى القطاعين السكنى والصناعى. ويُمكن حصر مشكلات هذا القطاع فى أمرين: أولهما ضعف تمويل صناعات قطاع الكهرباء. ثانيهما إتساع الإقليم السودانى؛ الأمر الذى يزيد من تكلفة صناعة الكهرباء مِن جهتى التجديدات الطويلة للشبكة والتوليد عند الأطراف البعيدة. ووفقاًً لأرقام حديثة نسبيا ًيُمكن أن نَذكُُر أن: الإنتاج بلغ 4341 بليون كيلو واط (2007) والإستهلاك: 3438كيلو واط (2007) قطاع المياه: الفجوة ما زالت كبيرة بين إمدادات المياه والأهداف الكمية التى وُضعت لسد الحاجة مِن مياه الشرب. وطبقا لمؤسسة الحكم فإنه يُمكن القول بأن عام 2000 عام تمت فيه نقلة كمية لتوفير مياه الشرب وصولاًًً إلى معدل 20 بليون لتر للفرد فى اليوم فى الريف و 80 لتر للفرد فى اليوم بالنسبة إلى المدينة بحلول عام 2007 وهو الأمر الذى تنفيه الأرقام الحالية؛ على الرغم مِن إنصات السودان الجيد إلى صوت رأس المال الدولى فى منظمة الصحة العالمية. هذا وقد زادت موارد المياه ونسبة التغطية بفعل إدخال بعض التوسعات الرأسية والأفقية فى شبكات التوزيع بالاضافة إلى رفع عدد المشتركين والمستفيدين مِن خدمات المياه. ولعل الأرقام تُنبىء عن حالة مِن الحراك فى هذا القطاع؛ إذ تم تنفيذ، وفقا لأرقام مؤسسة الحكم، حوالى 35.4% مِن محطات المياه والآبار والحفائر والمرشحات المقررة فى إطار البرنامج الوطنى للمياه لعام 2004؛ حيث تم حفر مائة بئر جوفية وتشييد 8 سدود و25 حفير و6 مرشحات وتشييد محطة مياه واحدة. كما تم الإنتهاء مِن مراحل تصميم محطة تنقية مياه ولاية الخرطوم وتجهيزات الموقع وحماية النهر بنسبة 100% وتم تشييد 66% من الأحواض المطلوبة. أيضاًً إكتملت المراحل النهائية لتشييد محطة تحلية مياه بورسودان لإنتاج 10 ألف متر مكعب فى اليوم. وفى المناطق القاحلة تم تشيّيّد 10 حفائر وتأهيل 10 حفائر أخرى بإستخدام قروض الصين(التى تعد حليفاًً وشريكاًً إستيراتيجياًً مهماًً بالنسبة للسودان) الجدير بالذكر أن القائمين على تنفيذ برنامج المياه فى السودان قد تعللوا (بشح الموارد!!) حين التحدث حول دراسات توفير المياه لولايات النيل الأزرق ودارفور الكبرى والنيل الأبيض. قطاع التعدين: تقوم الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية فى السودان بإجراء البحث والتنقيب (لاحظ: البحث والتنقيب,لا الاستخراج)عن المعادن كما تقوم بإعداد الخرائط الجيولوجية (بمعاونة الخبراء الأجانب بالطبع) وهذا القطاع بطبيعة تكونه التاريخى تُهمين عليه الشركات الدولية العملاقة على الصعيد العالمى وهو مِن تلك الوجهة يُثير التساؤلات حول مَن الذى يَستأثر بناتج الأرض؟ السؤال له وجاهته مِن جهة أنه يُثير بالتوازى عدة أسئلة جوهرية, وربما حساسة, مِن طراز مَن هو صاحب الأرض؟ ومَن هو صاحب الدولة؟ ومَن هو صاحب الشركة المستًخرِِِجة لما فى بطن الأرض السودانية؟ وهل تلك هى حقاًً اللحظة التاريخية التي يَطفو فيها على السطح، كما الشأن فى فنزويلا، ونيجريا، وغيرهما. . . ولئن كان مِن زاوية مختلفة نسبياًً، الصراع بين الريع (كظاهرة تاريخية) وبين الربح (كظاهرة تاريخية مقابلة)؟ (ثالثا) قطاع الخدمات : (أ) الطرق والجسور: لا ريب فى أن قطاع الطرق والجسور يؤدى دوراًً هاماًً فى عملية التنمية الاقتصادية (على الأقل كما تطرح نفسها فى مرحلة التعليم الأساسى) حيث أنه يربط مراكز الإنتاج بتجمعات الإستهلاك وموانئ التصدير ويساعد على تنمية (وإن كانت تنمية غير متوازنة كقانون رأسمالى عام) المناطق التى تَمُر بها الطرق, ويَشمل هذا القطاع الطرق القومية العابرة لأكثر مِن ولاية والممولة تمويلاًً غالباًً تمويلاًً أجنبياًً... بيد أن شُح الموارد (كما يتردد فى لغة الخطاب الرسمية) إضافة إلى الأبعاد الأمنية لرأس المال الدولى، يقفان عائقاًً أمام ربط أقاليم السودان ربطاًً حديثاًً مِن خلال شبكة طرق تَتَكفل بذلك. (ب) قطاع النقل والإتصالات: يَضم قطاع النقل فى السودان كُُل مِن: هيئة السكة الحديد وهيئة النقل النهرى وهيئة الموانى البحرية وشركة الخطوط البحرية السودانية وشركة الخطوط الجوية السودانية وهيئة النقل البرى. ويُمكن القول بأن هذا القطاع الجزئى إنما يُكرس جُل مظاهر التخلف، فوسائل النقل ذاتها متهالكة، والطرق غير معبدة، والمطارات تفتقد التنظيم، وكذلك الموانىء، أضف إلى ذلك عدم فاعلية القطاع فى ربط أجزاء الإقليم . الشركة السودانية للإتصالات(سوداتل): إستمرت الشركة السودانية للإتصالات (سوداتل) فى تحسين وتطوير خدماتها منذ تأسيسها فى عام 1993. وصارت مِن أكبر الحقول الإستثمارية فى السودان وأُُدرجت أسهمها بالأسواق المالية الدولية, كما تُعتبر أسهمها الأكثر تداولاًً فى سوق الخرطوم للأوراق المالية منذ العام 1997. وبجانب خدمات الهاتف تقوم الشركه بتقديم خدمات المعلومات الأخرى مثل خدمات شبكة الإنترنت والدوائر المؤجرة والتجارة الأكترونية...إلخ. ويَشهد حقل الإتصالات صراعاًً جدلياًً بين قوى رأس المال الدولى فى سبيل السيطرة على الجديد فى عالم التكنولوجيا, الأمر الذى يَعنى، كما ذكرنا سلفاًً بالمتن، أن تطور المجتمع السودانى، وكافة المجتمعات، مِن تلك الوجهة يَرتبط بمدى التطور الحاصل فى الصراع الإجتماعى مِن أجل الحصول على الجديد فى مجال التكنولوجيا وليس مرتبطاًً بالتطور الحاصل فى مجال التكنولوجيا نفسها, أى العكس تماماًً لما هو سائد, على الأقل, فى الفكر الأكاديمى... والفكر الأكاديمى ليس بالضرورة هو الفكر الصحيح كما يقول أستاذى العلامة/محمد دويدار. ومِن جهة أخرى مُكملة للإستعراض الرقمى والإحصائى السالف عاليه، فإنه يَجدر بنا السير خطوات فى سبيل إختبار صحتها النسبية، بمعاينتها، وتحديثها، فى ضوء تقرير وكالة الإستخبارات الأمريكية (CIA) والذى جاء بموقعها الالكترونى: https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook الناتج المحلى الإجمالى (تعادل القوة الشرائية) 92 بليون دولار أمريكى (2009 ) الناتج المحلى الإجمالى (سعر الصرف الرسمى) 54 بليون دولار أمريكى الناتج المحلى الإجمالى ( معدل النمو الحقيقى) 4,2 % (2009) الناتج المحلى الإجمالى/ للفرد (تعادل القوة الشرائية) 2300 دولار ( 2009) الناتج المحلى الإجمالى -- التكوين حسب القطاع: الزراعة : 32,1 % الصناعة : 29,4 % الخدمات : 38,5 % القوى العاملة : 12 مليون (تقديرات 2007) القوى العاملة وفقا للهيكل : الزراعة : 80 % (2009) الصناعة : 7 % الخدمات : 13 % (1998) معدل البطالة: 18,7 % (2002)
السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر: 40 % (2004) الإستثمار (الإجمالى الثابت) 20,7 % من الناتج المحلى الإجمالى (2009 تخمين) الدين العام: 103,7 % من الناتج المحلى الإجمالى (2009) 100 % من الناتج المحلى الإجمالى (2008) معدل التضخم (أسعار المستهلك) : 11,2 % (2009) المخزون النقدى: 62.56 مليار دولار (31 ديسمبر 2008) المخزون من أشباه النقود : 42.64 مليار دولار (31 ديسمبر 2008) الزراعة: القطن والفول السودانى، والذرة الرفيعة والدخن ، القمح ، الصمغ ، وقصب السكر ، والكسافا (التابيوكا) ، والمانجو، والبابايا، والموز، والبطاطا الحلوة ، والسمسم ؛ والأغنام والماشية. الصناعات : النفط ، وحلج القطن، والمنسوجات، والأسمنت، والزيوت الصالحة للأكل ، والسكر والصابون ، والأحذية، والمواد الصيدلانية ، والأسلحة. معدل نمو الإنتاج الصناعى: 3,2 % (2009) النفط -- الإنتاج : 486700 برميل / يوم (2009) نفط -- إستهلاك : 84000 برميل / يوم (2009) النفط -- الصادرات : 303800 برميل / يوم (2007) نفط -- إحتياطيات: 68 بليون برميل (1 يناير 2009) الغاز الطبيعى -- الإنتاج : (0) متر مكعب (تقديرات 2008) الغاز الطبيعى -- الإستهلاك : (0)متر مكعب (تقديرات 2008) الغاز الطبيعى -- الإحتياطيات المؤكدة: 8495 مليار متر مكعب (يناير 2009) الصادرات: 7.56 مليار دولار (2009) 11,60 مليار دولار (2008) الصادرات -- السلع: النفط، ومنتجاته، والقطن والسمسم والفول السودانى، والثروة الحيوانية، والصمغ العربى، والسكر. صادرات -- أهم الشركاء: الصين 58,29% ، اليابان 14.7 %، 8,83 % اندونيسيا والهند 4,86% (2009) الواردات : 8,253 مليار دولار (2009) الواردات -- السلع: المواد الغذائية والسلع المصنعة ، ومعدات التكرير والنقل والأدوية والكيماويات والمنسوجات والقمح. الواردات -- أهم الشركاء: الصين 21,87 % ، المملكة العربية السعودية 7.22 % ، مصر 6,1 % ، 5,53 % الهند ، الإمارات العربية المتحدة 5،3 %(2009) الإحتياطيات من النقد الأجنبى والذهب: 879 مليون دولار (2009) الدين الخارجى: 36,27 مليار دولار (2009) أسعار صرف العملات: جنيه سودانى (جنيه) لكل دولار أمريكى: 2.34 (2009) ، 2.1 (2008) ، 2.06 (2007) ، 2.172 (2006) ، 2.4361 (2005) هكذا ننتهى مِن الجزء الأول مِن خطوتنا الفكرية الأولى، بإتمامنا التعرف على مُجمل الهيكل الإقتصادى، وصولاًً إلى تكوين الوعى حول "الإقتصاد" فى السودان، مِن حيث هيمنة الزراعة عليه، إذ يُعد الإقتصاد السودانى إقتصاداًً زراعياًً مِن الدرجة الأولى، وتخلفه وتبعيته وبدائيته خصائص جوهرية واضحة، لا لغلبة قطاع الزراعة على القطاعات الأخرى، وإنما لسماح نمط الإنتاج وعلاقاته بتسرب فائض القيمة مِن الريف إلى المدينة، فى مرحلة أولى، ثم مِن داخل السودان إلى خارجها، فى مرحلة ثانية، على نحو لا يَسمح بتراكم رأسمالى يوظََف بداخل الإقتصاد السودانى، ويتبدى ذلك فى هيمنة الزراعة، والفلاحة وما يتصل بهما، على مُجمل النشاط الإقتصادى فى المجتمع، وذلك دون إرتباط ما بين قطاع الزراعة هذا وبين القطاع الصناعى تحديداًً، الأمر الذى يَجعل السودان أحد المتخصصين فى إمداد الأجزاء الأخرى (متقدمة ومتخلفة لا فرق) بالمواد الأولية المحمَلة بقيمة زائدة ، مِن نفط وصمغ وقطن تحديداًً، بالإضافة إلى الثروة الحيوانية. تلك السلع حينما يجرى تصديرها؛ لتغذية صناعات فى بلدان أخرى أكثر تعقيداًً وتطوراًً فى الغالب، فإنما تتم مِن خلال عملية مُنظمة للتبادل غير المتكافىء، محملة بقيمة زائدة. عمل مُُكدس. فإذ ما إفترضنا، كما إفترضنا سلفاًً، لإعتبارات التبسيط، أن السودان بدأ سنة إنتاجية ما بنقد يبلغ (3 مليار) وحدة، بواقع (1 مليار) للزراعة) و(1 مليار) للصناعة، و(1 مليار )للخدمات، فإنه فى نهاية الفترة(السنة محل التحليل) سيكون لديه (6 مليار) وحدة، موزعين كالأتى: (3 مليار) أصل المبلغ المبدوء به الإنتاج، و(3 مليار) قيمة زائدة، بإفتراض أنها تبلغ 100%،فوفقا للبيانات المتاحة فلن يقوم السودان بإستخدام (3 مليار) قيمة زائدة فى سبيل التركيم الرأسمالى المطلوب للخروج من حلقة التخلف، إذ سيقوم بضخ تلك القيمة الزائدة فى مسام الأجزاء المتقدمة من الإقتصاد الرأسمالى العالمى الذى يعتمد عليها فى المواد الغذائية والسلع المصنعة، ومعدات التكرير والنقل والأدوية والكيماويات والمنسوجات والقمح. وأدوات الإنتاج بوجه عام؛ أضف إلى ذلك بعض المظاهر الأخرى التى تُعتنق على أساس مِن كونها التخلف بعينه، وما هى سوى مظاهر، كبدائية أساليب الإنتاج وأدواته مثلاًً، الأمر الذى يَقودنا إلى إستكمال تلك الخطوة المنهجية الأولى بالإنتقال إلى الجزء الثانى منها، وفيها نَعتنى بفحص الكُُل الجغرافى على النحو التالى: (2) الجغرافيا يَحتل السودان الجزء الشمالى الشرقى مِن قارة أفريقيا. بين دائرتى4و 22 شمال خط الإستواء وخطى الطول 22 و 38 ويمتد طول الحدود البحرية على ساحل البحر الأحمر إلى حوالى 670 كلم، وتحده دولتان عربيتان هما (مصر وليبيا) و7 دول أفريقية (تشاد، وجمهورية أفريقيا الوسطى، والكونغو الديمقراطية، وأوغندا، وكينيا، وأثيوبيا، وأرتريا) ولقد ساعد هذا الموقع الوسطى السودان كى يكون المعبر الرئيسى بين شمال إفريقيا العربى وجنوبها الإفريقى. كما أن الإقليم كان حتى منتصف القرن التاسع عشر، الممر الرئيسى لقوافل الحجاج إلى أماكن الحج فى الشرق العربى، وكذلك الممر الرئيسى للتجار مِن غرب إفريقيا إلى شرقها. تَبلُُغ مساحة السودان حوالى 2.5 مليون كلم مربع، وهو بذلك أحد أكبر الدول العربية والإفريقية كما يأتى فى المرتبة الحادية عشر بين بُلدان العالم الأكبر مساحة. ونتيجة لكبر المساحة هذه تباينت بيئات السودان وتنوعت ثرواته وموارده الطبيعية، كما تعددت أجناس سكانه وأعراقهم وثقافاتهم، وستكون تلك الحقيقة التاريخية رئيسية فى مجرى تحليلنا؛ من جهة تكوين الوعى بصدد دمج عدة قبائل وأعراق وثقافات وديانات مُختلفة (عربية عاربة، ومستعربة، وأثيوبية، ومسيحية، وإسلامية، ووثنية) ومتناقضة، ومتنافرة أحياناًً، فى قطعة جغرافية واحدة وتحويطها بسياج إستعمارى يُفرض، بعدما إفترض، إمكانية إندماج تلك الأعراق والقبائل فى بعضها البعض، بتنازل كُُل منها عن قدر مِن سيادته ونفوذه وعاداته ودياناته وثقافاته للآخر!! ومِن قبله تنازل عن كُُل ذلك للمستعمِر!! سيكون مِن العسير للغاية مُحاولة فهم إشكاليات الإنفصال والصراعات القبلية بعيداًً عن فهم تاريخية ترسيم الحدود الإستعمارية. الحدود التى وضعت قبائل وديانات وأعراق وثقافات مختلفة، لا رابط فعلى بينهم، فى قفص صيد كبير!! إن موقع السودان، إضافة إلى كونه من أسباب الثراء مِن جهة الموارد الطبيعية، فإنه سيكون وبالاًً على السودان؛ مِن جهة أخرى، إذ سيجعله أحد محاور التنافس الاستعمارى القديم فى إفريقيا. ولن يَختلف الأمر كثيراًً مع الإستعمار "المنهجى" "الحديث" إذ لم يَزل السودان يُمثل أحد أطماع الإستعمار الحديث، خاصة بعد أن أخذت موارد العالم الطبيعية فى التناقص الشديد، وأصبحت مشكلة الغذاء فى المستقبل هاجساًًً يؤرق العالم الرأسمالى المعاصر(بشقيه المتقدم والمتخلف). وبشأن أرض السودان، فأراضى السودان: عبارة عن سهل رسوبى مُنبسط قليّل الإنحدار تَتَخلله مُرتفعات تُغطى أقل مِن 5 % مِن مساحته الكلية؛ أهمها جبال الأماتنوج فى الجنوب( مع الحدود الأوغندية، وقد أعلن البيان الرئاسى أن "جون قرنق" مات نتيجة إصطدام المروحية التى كان على متنها بجبال الأماتنوج) وتلال البحر الأحمر فى الشرق، وجبال النوبة فى جنوب كردفان (فى عام 2002طالب سكان منطقة جبال النوبة فى السودان بحكم ذاتى فى منطقتهم لمدة 6 سنوات يتقرر بعدها مصير المنطقة بين الإنفصال أو البقاء ضمن حدود السودان مثل ما تم الإتفاق عليه فى هذا الشأن بالنسبة لسكان الجنوب) وجبل الميدوب (يبلغ إرتفاع جبل ميدوب حوالى 6,000 قدم ويَعيش فيه مجموعات بدوية أو شبه بدوية تَعتمد فى حياتها على تربية الإبل وهم يتجهون بإبلهم جنوباًًً وصولاًً إلى الوديان العظيمة لـغربى دارفور مثل وادى أزوم، ووادى بارى حيث تتوفر المياه فى مواسم الجفاف، كما يرتحلون شمالاًًً الى التربة الرملية حيث تنمو بعد سقوط الأمطار فى المنطقة المعروفة بـ الجزو، أنواع مِن العشب جيدة تستمر مُخضرة حتى شهر ديسمبر، وتُمثل هذه المنطقة بيئة صالحة لرعى الإبل دون الحاجة لمياه إضافية) وجبل مرة (يَقع جنوب غرب السودان فى ولاية غرب دارفور، ويَمتد مئات الأميال مِن كاس جنوباًًً إلى ضواحى الفاشر شمالاًًً، ماراًًً بدارزغاوة"أقصى شمال دارفور" وُيغطى مساحة 12,800 كم، ويُعد ثانى أعلى قمة فى السودان حيث يَبلغ إرتفاعه 10,000 قدم فوق مستوى سطح البحر، ويَتكون مِن سلسلة مِن المرتفعات بطول 240 كلم وعرض 80 كلم، تتخللها الشلالات والبحيرات البركانية). نهر النيل: يَتميز نهر النيل وروافده بموارد مائية هائلة تُغطى حوالى 25000 كلم مربع ويُقدر الإيراد السنوى لنهر النيل بحوالي 58.9 مليار متر مكعب يُساهم فيه النيل الأزرق بحوالى 58.9%، ويلعب النيل دوراًً حيوياًً فى حياة السكان الإقتصادية والإجتماعية والثقافية وفى علاقات السودان الخارجية خاصة مع دول حوض النيل. تُستغل مياه النيل وروافده فى الرى وتوليد الكهرباء مِن خزانات الرصيرص وسنار وخشم القربة وفى الملاحة وصيد الأسماك، وبموجب إتفاقية مياه النيل لعام 1959(التى جاءت فى غير مصلحة السودان) فقد مُنحت مصر55,5 مليار متر مكعب سنوياًً مِن مياه النيل، والسودان 18.5 مليار متر!! والنيل كذلك مِن جهة أخرى يُعد أهم ظاهرة جيمورفولوجية( أى العِلم الذى يدرس شكل الأرض، والتغيرات التى تطرأ عليه لتبيان التاريخ الجيولوجى) فى السودان ويمتد حوالى 1700 كلم مِن الجنوب إلى الشمال، كما يُغطى حوض النيل وروافده فى السودان حوالى 2.5 مليون هكتار، وتتكون سهول السودان مِن أنواع مختلفة مِن التربة أهمها: (1) التربة الرملية فى إقليم الصحراء وشبه الصحراء فى شمال وغرب السودان وهى تربة هشة قليلة الخصوبة تُستغل فى زراعة الدخن والفول السودانى والسمسم، كما تُعتبر من المراعى الهامة للإبل والضأن والماعز. (2) التربة الطينية فى أواسط وشرق السودان، وهى تُمثل أهم مناطق زراعة القطن. ومعظم إنتاج السودان مِن الذرة، الذى يُعد المحصول الغذائى الرئيسى، كما ذكرنا سافا، يتم فوق هذه التربة . (3)مجموعة التربات الحديدية الحمراء فى جنوب السودان، وتَتَميز بإنخفاض خصوبتها. لذلك فإن نَمط الزراعة المتنقلة ظل أكثر نُظم إستخدام الأرض مُلائمة لهذه التربة. (4)مجموعة التربات الرسوبية السلتية على ضفاف الأنهار والأودية ودلتا طوكر والقاش وتَتَميز هذه التربات بخصوبتها العالية لتجددها السنوى. (5) التربة البركانية الخصبة فى جبل مرة. وبالإضافة لمنظومة النيل؛ يَزخر السودان بالعديد مِن البحيرات الداخلية والأودية الموسمية التي تلعب دوراًًً هاماًًً فى حياة السكان الإقتصادية، خاصة فى شرق البلاد وغربها. ويُقدر مخزون المياه الجوفية بحوالى 9000 مليار متراًً مكعباًً تَتَوزع بين حوضين جوفيين. يستغل السودان حاليًًا حوالى 2 مليار متر مكعب مِن المياه الجوفية لأغراض الرى والإستخدامات المدنية. ويعتبرالبحر الأحمر منفذ السودان الملاحى إلى العالم الخارجى( يعنى الإنفصال حتمية مرور الجنوب فى أرض الشمال، وصولاًًً إلى البحر)وبه موانى بورسودان وسواكن وأوسيف بالإضافة إلى مراسى أخرى صغيرة متعددة. ويمُلك السودان ثروة هائلة مِن الأسماك؛ إذ بالإمكان إنتاج أكثر مِن 140.000 طن سنوياًً منها 35.000 طن مِن البحر الأحمر و100.000 طن مِن نهر النيل وفروعه، و5.500 طن مِن بحيرة النوبة. ووفقاًً للتقسيم تبعاًً للأقاليم الجغرافية، فيُمكن تصنيف الأقاليم الجغرافية السودانية إلى الأتى: (1) المنطقة الصحراوية: وهى تَقع شمال خط عرض 16 وتُقدر بحوالى 29% مِن المساحة الكلية ويندر فيها هطول الأمطار، وتنحصر الزراعة على جانبى النيل برفع المياه بالطلمبات ورى الحياض وإستخدام محدود للمياه الجوفية. وتسود زراعة النخيل، والقمح، والبقوليات، والخضر، والفاكهة، والتوابل. (2) المنطقة شبة الصحراوية: وهى تمتد بين خطى 14و16 شمالاًً وتُقدر بنحو 20% مِن المساحة الكلية، وتتميز بالغطاء النباتى الضعيف، كما تتسم بتقلبات الأمطار مما يعرضها لموجات مِن الجفاف والتصحر، وتصلح لمرعى القطعان المتحركة. (3) منطقة السافنا خفيفة الأمطار بالأراضى الرملية: وتقع بين خطى عرض 12و14 درجة شمالاًً، وتتفاوت كمية الأمطار فيها بين 300و400 ملم، وتغطى حوالى 13% من المساحة الكلية، وتتعرض لموجات مِن الجفاف والتصحر، ويتكون الغطاء النباتى مِن النباتات الرعوية الحولية والمعمرة وبعض الأشجار، كما تَسود فيها الزراعة التقليدية المروية بمياه المطر. (4) منطقة السافنا متوسطة الامطار بالأراضى الطينية: وتمتد بين خطى 10و12 درجة شمالاًً لتشمل السهول الطينية الوسطى فى مساحة تقدر بنحو 14% مِن المساحة الكلية، وتتفاوت الأمطار فيها بين 400و880 ملم، وتُمَارس فيها الزراعة المطرية الألية والزراعة التقليدية والإنتاج الغابى، وبصفة خاصة: الصمغ العربى. (5) منطقة السافنا غزيرة الأمطار: تمتد بين خطى 4 و 10 درجة شمالاًً وتشكل 14% تقريباًً مِن المساحة الكلية وتتفاوت الأمطار فيها مابين 800 و 1500 ملم، بها مساحات واسعة لغابات أشجار الأخشاب القيمة كالماهوجنى، ومساحات رعوية كبيرة وأراضى تصلح للتوسع الزراعى. (6) المناطق البيئية المتميزة: وتشمل جبل مرة، والأماتونج، والدونكوتانا، وهضبة الألوم التى تصلح لزراعة البن والشاى، وغيرها مِن المحاصيل الإستراتيجية، وتشمل أيضاًً حوض نهر النيل ومنطقة السدود. وبوجه عام، تُقدر المساحة الصالحة للزراعة فى السودان بحوالى200 مليون فدان (84 مليون هكتار) والمستغل مِنها حالياًً 40 مليون فدان يروى منها(4 مليون فدان) بالرى الصناعى، و(36 مليون فدان) بمياه المطر. وبالنسبة للمُناخ: فالسودان يَسوده المناخ المدارى، والذي يَتميز بإرتفاع درجات الحرارة مُعظم أيام السنة، والتدرج مِن جاف جداًً فى أقصى الشمال إلى شبه الرَطب فى أقصى الجنوب. وتَصل درجات الحرارة أقصى مُعدلاتها فى فصل الصيف حيث يَصل المعدل اليومى فى شهرى مايو ويونيو إلى أكثر مِن43 درجة مئوية، تقريباًً، فى شمال السودان وإلى حوالى 34 فى الجنوب. وتنخفض درجات الحرارة خلال فترة الصيف فى شهرى يوليو وأغسطس بمعدل مِن 5:8 درجة، بسبب هطول الأمطار. وتصل درجات الحرارة إلى أدنى مُعدلاتها فى شهرى ديسمبر ويناير. ويقتصر هطول الأمطار على فصل الصيف. وتسود سمات الصحراء فى أقصى الشمال حيث يَقل المطر السنوى 50 ملم وتزيد كمية الأمطار وكذلك طول المطر الزراعى تدريجياًًً نحو الجنوب حيث يصل المتوسط السنوى للأمطار 1400 ملم وطول الموسم الزراعى فى أقصى الجنوب. ويعتبر هطول الأمطار المتقطع وتكرار موجات الجفاف التى تتفاوت فى طولها وحدتها خاصة فى الأجزاء الوسطى والشمالية، أحد الخصائص المناخية الهامة فى السودان. ولقد كانت أقصى موجات الجفاف فى القرن الحالى هو جفاف الساحل(1968-74) وجفاف (1983-1985) والذى إتخذ بعداًًً مأساوياًًً وإمتدت آثاره لتشمل البيئة الطبيعية والبنيات الإقتصادية والإجتماعية. وأخيراًً نذكر أنه وطبقاًً لنص المادة رقم (108) مِن الدستور السودانى (1998) تُقسم جمهورية السودان إلى ولايات ولكُُل ولاية عاصمة؛ وذلك على النحو التالى: ولاية أعالى النيل وعاصمتها ملكال، ولاية البحر الأحمر وعاصمتها بورسودان، ولاية بحر الجبل وعاصمتها جوبا، ولاية البحيرات وعاصمتها رمبيك، ولاية الجزيرة وعاصمتها ود مدنى، ولاية جونقلى وعاصمتها ملكال، ولاية جنوب دارفور وعاصمتها نيالا، ولاية جنوب كردفان وعاصمتها كادقلى، ولاية الخرطوم وعاصمتها الخرطوم، ولاية سنار وعاصمتها سنجة، ولاية شرق الاستوائية وعاصمتها كبويتا، ولاية شمال بحر الغزال وعاصمتها أويل، ولاية شمال دارفور وعاصمتها الفاشر، ولاية شمال كردفان وعاصمتها الأبيض،ولاية الولاية الشمالية وعاصمتها دنقلا، ولاية غرب الاستوائية وعاصمتها يامبيو، ولاية غرب بحر الغزال وعاصمتها واو، ولاية غرب دارفور وعاصمتها الجنينة، ولاية غرب كردفان وعاصمتها الفولة، ولاية القضارف "سنار" وعاصمتها القضارف، ولاية كسلا وعاصمتها كسلا، ولاية نهر النيل وعاصمتها الدامر، ولاية النيل الأبيض وعاصمتها ربك، ولاية النيل الأزرق وعاصمتها الدمازين، ولاية واراب وعاصمتها واراب، ولاية الوحدة وعاصمتها بانتيو. ولكُُل ولاية والٍٍ يَنتخبه الشعب لمدة أربع سنوات، وذلك بعد ترشيح رئيس الجمهورية، طبقا لنص المادة رقم(56) من دستور(1998) ومسئولية الوالى فردية (م 61 ف 4) ويُسأل مباشرةًً أمام رئيس الجمهورية (م 62) ويَقوم الوالى مَقام رئيس الجمهورية، كما يَقوم الوزير الولائى مَقام الوزير الإتحادى، كما تَسرى على كُُل مجلس ولاية ذات الأحكام الدستورية السارية على المجلس الوطنى (م 98). ها نحن الأن وقد مشينا خطوتنا الفكرية الأولى، بجزئيها، ولدينا، كحد أدنى، معالم "إقتصاد" البلد مِن جهة، وجغرافيته مِن جهة أخرى، تلك المعالم أو الخطوط العريضة تُمكننا، ولو مرحلياًًً، مِن إستيعاب السودان كأحد الأجزاء التابعة والمتخلفة مِن الإقتصاد الرأسمالى العالمى، فمِن الواضح بإستقراء الأرقام والإحصائيات عاليه أن الإقتصاد السودانى، إقتصاد هش، زراعى متخلف، متآكل الهيكل، تابع بكُُل ما تَفرضه وتعنيه الكلمة، لا تقيم قطاعاته الإقتصادية فيما بينها أى نوع مِن المبادلات، أضف إلى ذلك قيام السودان بإستيراد الطعام، على الرغم مِن إعتباره مِن أكبر الدول العربية من جهة الهيكل الزراعى، الأمر الذى يقودنا إلى الخطوة الفكرية الثانية، والتى تَنشغل بالكُل التاريخى. الخطوة الفكرية الثانية الكل التاريخى: سنعمد هنا إلى تجاوز الحديث، الموسع، عن الكُُُل الأقدم(فهو لا يعنينا مباشرة) إبتداءًً مِن حضارة الكرمة والتى إنتشرت أثارها مِن منطقة دنقلى شمالاًً وحتى جزيرة أرجو جنوباًً، وحضارة كوش التى إمتدت مِن 1580 و 750 ق.م، وحضارة مروى (الأصول التاريخية للرق فى السودان) وبعد مروى حقبة لا يُعرف عن أخبارها إلا معلومات ضئيلة، حيث حَكم البلاد مجموعات سكانية لم يَتمكن علماء الآثار مِن معرفة إنتمائها العرقى، ويسمونها المجموعة الحضارية، ويَمتد عصر هذه المجموعة مِن سقوط مروى فى القرن الرابع الميلادى إلى ظهور المسيحية فى السودان فى القرن السادس الميلادى وسيادة مذهب اليعاقبة والمذهب الملكانى، ثم مواجهة التوسع الإسلامى على يد صلاح الدين الأيوبى، وستكون إتفاقية البقط (التى تم توقيعها فى العام 652بين عبد الله بن أبى السرح، حاكم مصر فى زمن الخليفة عثمان بن عفان وبين قليدروث، ملك النوبة) مِن قبيل الحكايات التى تروى للبرهنة على الإجتياح الإسلامى العربى للمجتمعات المستقلة، وللتدليل على ترسيخ الإسلام، من خلال خلفائه، لثقافة الإسترقاق. إن تجاوزنا الحديث عن تلك المراحل التاريخية، المهمة بلاشك والجوهرية، إنما يرجع إلى الرغبة فى الولوج مُباشرة إلى درس الهيكل (المتعين دراسته) وليس (التاريخ) الذى بَرع فيه البعض، أو تستروا به، بدعوى الحديث فى الإقتصاد السياسى، إستكمالاًً لمسيرة الإبتذال، والهزل العِلمى. والأبحاث التافهة. إن إهتمامنا بالتاريخ يَتعين أن يقف عند الحدود التى تبلورت عندها الظاهرة المتعين فهمها، وهكذا أفهم معنى"ما هو تاريخى" فى عِلم الإقتصاد السياسى. ولذا يتعين البدء مِن أول عدوانية للرأسمال الأجنبى(أجنبى عن الوطن) على الإقتصاد المعاشى بكامل خصوصيته فى السودان، تلك العدوانية التى تَمثلت فى: السيادة العثمانية المصرية على السودان فى الفترة من العام(1821) وحتى الإحتلال البريطانى لمصر فى العام( 1882)وهى الفترة التى كانت فيها مصر تحت السيادة العثمانية، وعملت فيها الدولة العثمانية على توسيع نفوذها بالتوسع جنوباًً، بالتعاون مع حاكم مصر محمد على، الباحث عن الذهب والرقيق(الجنود) وهو الأمر (أى تجارة الرقيق) الذى تم تجريمه مع الإستعمار الأوروبى لمصر، والذى غمتد إلى السودان، مع عدم غياب الدور المصرى؛ إذ ظل الدور المصرى قائماًً ولكنه كان محدوداًً وشكلياًً. الزبير بن رحمة فى هذه المرحلة التاريخية، تحديداًً الفترة من 1856 وحتى 1913، ظهرت أهم شخصية سودانية فى القرن التاسع عشر، إنه الزبير بن رحمة، وسبب إختيارنا العام 1856 يرجع إلى أنه تاريخ أول ظهور للزبير بن رحمة على الساحة السودانية، تحديداًً الجنوب، وبحر الغزال على وجه الدقة، ففى هذا التاريخ، 14/9/1856 إلتحق الزبير بالعمل عند على بن عمورى، أحد أشهر التجار آنذاك، فى رحلاته التجارية ما بين الخرطوم وبين بحر الغزال، ولم يكن هذا الإلتحاق إلا رغبة من الزبير، كما يروى المؤرخون، فى مرافقة إبن عمه محمد بن عبد القادر، الذى ألحق من قبل نفسه بخدمة القوافل المتجهة جنوباًً، ولم يجل بذهن الزبير أن تلك الرحلة، ستمثل له مرحلة جديدة من حياته إذ سيتخطى دور التاجر، إلى تقلد دور الزعيم(الشعبى، والرسمى كذلك) بعد أن مثلت الرحلة الأولى تلك بداية سلسلة طويلة ومتصلة من رحلات الجنوب، تلك الرحلات التى تعكس بوضوح طبيعة الصراعات القبلية الجدلية بين القبائل، إذ كانت الصراعات والغزوات والحروب هى مميزات نمط الحياة، وبصفة خاصة فى الجنوب، فقد كانت القوافل دائما محل نهب من القبائل المختلفة، الأمر الذى يعنى تأهب القوافل وضرورة إستعدادها الجيد لأعمال السطو تلك التى قد تمارسها معهم أحد قبائل الجنوب، وبالفعل، بزغ نجم الزبير بن رحمة كشخصية كاريزمية قادرة على خوض المعارك والإنتصار فيها، من خلال قيادة مقتدرة على إتخاذ القرار الصائب الحكيم، فتمكن من أن يجمع حوله العديد من الأتباع والمريدين، حتى بلغ جيشه أعداد تمكنه من أن يحل دور الدولة المصرية فيما بعد فى إخضاع الجنوب، وبصفة خاصة قبائل الفور، وقد كانت نواة هذا الجيش (500) فرداًً من المحكوم عليهم بالإعدام، وكذلك من العبيد الفارين من أسيادهم. وعادة ما يُقدم الزبير ولد رحمة، تاريخياًً، إما كأشهر نخاس فى القارة الأفريقية آنذاك، أو محارب شجاع يمقت تلك التجارة، ولكل إتجاه براهينه التى لا تعنينا، إذ كُل ما يعنينا، مع وجود براهين النفى والإثبات، أن الجنوب السودانى كان معقل القنص البشرى وتصديره إلى مصر أو أوروبا. القوات البريطانية فى السودان وحينما أخذت دولة محمد على فى الضعف والتفكك وتحول الوجود المصرى إلى شكل خارجى ليس إلا، فقد كانت الأتاوات الجائرة والضرائب الباهظة سبباًًً مباشراًً لقيام الثورات ضد الحكم المصرى العثمانى فى السودان، ففى عام 1881نَجح المهدى فى ثورته، وطرد الجيش المصرى العثمانى، وأقام حكومة سودانية وطنية، وإستمرت الدولة المهدية مِن1889 حتى 1898 وحققت وحدة نسبية للسودان، بما فى ذلك منطقة الجنوب. وبدخول القوات البريطانية إلى السودان بأوامر مِن اللورد كرومر المعتَمد البريطانى فى مصر إنهارت الدولة المهدية، بمعاونة الجيش المصرى فى ظل حكومة الخديوى، حيث كان الوجود المصرى إسمياًًً وشكلياًًً، والوجود الإنجليزى، كثانى عدوانية مباشرة لرأس المال الإجنبى بعد عدوانية دولة محمد على، كان هو الحاكم الفعلى فهو الذى يَحكم البلاد ويَنهب ثرواتها ومقدراتها. الحكم الثنائى وفى عام 1899 وقعت مصر وبريطانيا إتفاقية ثنائية بينهما لحكم السودان، وفى ظل الإستعمار الإنجليزى للسودان المصحوب بإدارات مصرية، تَمكنت، مرة ثانية، الحركة المهدية مِن تحريك مشاعر المواطنين وإثارة نقمتهم ضد الإنجليز، وحثهم على الثورة، ومِن أهم تلك الثورات ثورة عام 1924 التي إشتهرت بثورة عام 1924 وشملت أغلب البلاد، وفى عام 1936 وقِعَت إتفاقية بين مصر وبريطانيا تُكرس إتفاقية عام 1899 التي حكمت بريطانيا مِن خلالها السودان بإدارة مصرية، وإستمر الشعب السودانى فى حراكه الإجتماعى الرافض للإستعمار، والذى تلاقى مع تحول ذهنية الإستعمار نفسه مِن إستعمار عسكرى دموى، إلى إستعمار منهجى ثقافى، أقوى فى إمتصاص الموارد، وأجدى لإطباق التبعية. ففى 19/12/1955، أعلن إسماعيل الأزهرى (1901-1969) زعيم الحزب الإتحادى مِن داخل البرلمان السودانى، إستقلال السودان، ولكن قبل أن نذهب إلى مرحلة ما بعد إعلان الإستقلال فإنه يتعين أن نرى بوضوح الصورة قبل الإستقلال، تحديداًً منذ الهجمة الإستعمارية الأولى بقيادة الجيش المصرى؛ فلقد دخل الأتراك السودان فى عام 1821 بتكليف مِن والى مصر محمد على باشاhttp://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%86%D8%A7%D8%A6%D9%8A - cite_note-0 الذى أراد الحصول على الذهب والرجال المحاربين مِن أجل توسعاته الإستعمارية فكان إتجاهه إلى إستعمار السودان، والذى كان يُعرف آنذاك بـ دولة الفونج. ما قبل الإستقلال إنتصر إسماعيل باشا بن محمد على، فى كُُل المعارك التى خاضها وإستطاع الدخول إلى سنار عاصمة المملكة والقضاء على آخر ملوكها محمد ود عدلان. وبعد ستين عاما مِن الحكم التركى للبلاد قام محمد أحمد المهدى، لمحاربة الأتراك مدعياًً بأنه المهدى المنتظر ووقعت أولى معاركه مع الجيش التركى بقرية الجزيرة أبا عام 1881 وأستطاع بعد معارك عديدة أن يُسيطر على الخرطوم عاصمة البلاد فى يناير 1885 (وقتل جوردون، الحاكم العام) وبعد شهور قليلة مات المهدى ودُفن بمدينة أم درمان، كى يَتولى الحكم بعده خليفته عبد الله التعايشى، وسط معارضة واسعة مِن أنصار المهدى وأهله الذين رأوا فى الخليفة شخصاًً غير مناسب طبقياًً، لكن التعايشى تمكن بمزيد مِن العنف مِن إحكام قبضته على البلاد، وإتسمت فترة حكمِه بالإضطراب والعنف والقلاقل، ولم يكن مَقتل جوردون، ليمر دون إن يشتعل الموقف فى بريطانيا والمطالبة بالإنتقام؛ وبالفعل تم إرسال حملة قوامها 10 ألف جندى مصرى، وبقيادة الضابط الإنجليزى كتشنر وبمباركة اللورد كرومر المعتمد السامى البريطانى بالقاهرة تحرك الجيش نحو السودان ولم يلق أى معارضة تُذكََر، وكانت أولى معاركه الحقيقية مع جيش المهدى هى معركة (كرارى) التى إنتصر فيها الجيش المصرى، عام 1889، ولكن بعد أمجاد وأساطير، يحكيها البعض، عن الصمود والشجاعة والتفانى فى الدفاع عن الوطن!! وفى عام 1899 تم توقيع إتفاقية الحكم الثنائى بين بريطانيا ومصر، وتم بموجبها إعلان إلغاء سيادة الدولة العثمانية فى السودان. وفى عام 1924 تم اغتيال السير لى ستاك حاكم عام السودان فى شارع أبى الفداء بالقاهرة، إثر ذلك بدأت الأزمة بين الحكومة المصرية والبريطانية، إذ قررت الأخيرة مسئولية الأولى فى الحادث وترتب عليها إخراج الجيش المصرى مِن السودان. ومما زاد تعقد الوضع هو تضامن عدد مِن الضباط السودانيين مع المصريين وإندلعت فى البلاد ما سُمى بثورة 24 بقيادة على عبد اللطيف وآخرون. تم إخماد الثورة وقتل قادتها وأسر على عبد اللطيف، ثم نفيه لاحقاًً إلى مصر وتم طرد الجيش المصرى، شكليا، مِن السودان، للمرة الثانية. الثورة المهدية: فى مارس 1881، وعلى أرض جزيرة "أبا" (150 ميلاًً جنوب الخرطوم) جاءت "محمد أحمد بن عبد الله" الرؤيا لمرات عديدة والتى إختاره فيها النبي (ص) ليكون المهدى المنتظر. وفى أول الأمر أسرّ بأمر هذه الرؤية لصفيه"عبد الله بن محمد طرشان"، ثم لحلقة صغيرة من تلاميذه، قبل أن ينطلق إلى "الأبيّض" العاصمة التركية- المصرية لكردفان، وهناك أعلن على الملأ أنه المهدى المنتظر، ودعا الأعيان والناس فى عاطفة جياشة إلى نبذ هذا العالم من أجل عهد جديد سيأتى للتقوى والعدل. وقد اجتذبت دعوته هذه وشخصيته الكاريزمية أنصاراًً كثيرين أدوا له يمين البيعة سراًً. وبعد عودته إلى "أبا" بعث برسائل إلى الزعماء السودانيين فى الشمال يزف فيها إليهم نبأ أنه حقاًً المهدى المنتظر. كان"محمد أحمد عبد الله" دنقلاوياًً فى الأربعين من عمره، وقد عرف منذ طفولته بالتدين العميق والعلم الغزير فى نطاق الطريقة الصوفية السمانيّة التى رأى أنها قد أصبحت دنيوية للغاية، فتركها إلى جزيرة "أبا" حيث عاش حياة الزهد والتعبد، ولذا تم إعتباره من الإصلاحيين(المجددين) وقد منح نفسه ثلاثة ألقاب"إسلامية" فهو الإمام، وخليفة رسول الله، والمهدى المنتظر. وبفضل الإنتصارات الساحقة المتتالية التى أحرزها المهدى وأتباعه على قوات الترك "الجهادية" المكروهة؛ والمزودين بالبنادق والمدافع؛ ترسخت الدعوى المهدية(الأنصار) وتمكنت من الإنتشار وضم العديد من الرجال المتدينين وتجار الرقيق والعرب(البقارة). وبالنسبة لرجال الدين والفقهاء الذين حازوا على نفوذ كبير فى الريف السودانى، فقد كانوا منذ زمن طويل يستهجنون الحالة التى بلغها الإسلام، وخصوا بذلك الإسلام التقليدى الذى جاء به الأتراك واعتبروه نوعاًً من الزندقة. وقد وجد هؤلاء الآن الفرصة مواتية لتنقية الإسلام فى السودان؛ باعتبار أن المهدى حينما تكلم عن الفساد والحكم الفاسد فقد كان يعنى الفساد الفقهى لا السياسى. وهناك جماعة ثانية أيدت المهدى وضمت بعض المنخرطين بشكل أو بآخر فى تجارة الرقيق. وكان معظمهم من الجعليين، أو مثل المهدى نفسه من الدناقلة الذين فقدوا أرباحهم، بعد أن أعلن رسمياًً إلغاء الرق، والأن أصبح من الممكن لهم إخفاء بواعثهم الإقتصادية والسياسية وراء إصلاح إسلامى يتغاضى، عن الرق. كما تمثلت جماعة ثالثة فى البدو "البقارة" بكردفان ودارفور، وقد كانوا أقوى الجماعات التى عُُدت من أنصار المهدى. وإذ تصبح الحركة المهدية أمراًً واقعاًً وإذ يصبح التمرد حالة سائدة؛ تُقرر بريطانيا بعد تردد الموافقة على فكرة أن يقوم الخديو بتعبئة حملة مصرية من عشرة آلاف جندى تحت قيادة ضابط بريطانى فى الجيش الهندى هو الكولونيل "وليم هيكس"، بيد أن الخلاف قد دب بينه وبين معاونيه من المصريين، وتمكن الأنصار من إبادة الحملة تقريباًً عند "سواكن" جنوب الأبيض. وإذ تمر الأيام وتترسخ الدعوى المهدية كما تبرز أوجه المصلحة والتناقض بين التشكيلات البشرية المنخرطة بداخلها، حتى يظهر "جوردون" تارة أخرى على الساحة حاكما عاماًً ، كى يُُقتل وتتحول مدينة الخرطوم فى الساعات الأولى من صباح 26 يناير 1885 إلى أنقاض بعد أن أبيدت الحامية المصرية، وأعلن الأنصار عن أنفسهم بمنتهى القوة. ولم تمض أيام كثيرة عقب الإستيلاء على الخرطوم حتى مات المهدى ليخلفه عبد الله، الذى كان عليه أن يواجه صعوبات عديدة، منها إحتواء الأعداء الداخليين، ومنها مشكلات الحدود الشرقية مع إثيوبيا. ولم تمض كذلك سنون كثيرة على وفاة المهدى حتى تفسخ الأنصار ودب فى صفوفهم الإختلاف والعداء، الأمر الذى ساعد على إنتهاء الدولة المهدية، ففى الأول من سبتمبر 1898 أقام "كتشنر" معسكره على الضفة الغربية من النيل أسفل سهل "كرارى". وفى فجر اليوم التالى اقتحم حوالى ستين ألفاًً من الأنصار الأسلاك الشائكة (فى بسالة نادرة، كما يقول روبرت كولينز) فى مواجهة قصفات مدافع "مكسيم" الفتاكة، فضلاًً عن وابل الطلقات من الزوارق المسلحة. وحينما بدا الضعف على الأنصار أصدر "كتشنر" أوامره بالتحرك، فتقدمت الفرق البريطانية- المصرية دون توقف، ومع الصباح المتأخر كانت المعركة قد إكتملت، حيث قتل من الأنصار ما يزيد على أحد عشر ألف مقاتل، بالإضافة إلى ستة عشر ألفاًً آخرين لحقت بهم إصابات خطيرة، فى حين بلغت خسائر الفرق البريطانية والمصرية والسودانية مجتمعة أقل من 50 قتيلاًً، وعندما أدرك الخليفة أن هذا ليس يومه توارى عن الأنظار فى غرب السودان الشاسع. وعبر "كتشنر" وحملته النيل باتجاه القصر المدمر فى الخرطوم لإقامة قداس تذكارى للقائد تشارلز جورج جوردون. وهكذا إنتهت الدولة المهدية فى السودان. يبقى أن نشير إلى أن المهدية فى سبيل إقامة دولتها أباحت سبى المسلمين المتنكرين لدعوتها بعد أن قررت أن إنكار المهدية والكفر سواء، ويُسترق بحد السيف كُُل مَن لم يهده الله إلى الاسلام مِن غير المسلمين أو يُنكر الإعتراف بالمهدى المنتظر، مسلماًً كان أم غير مسلم. وبهذا إتجهت المهدية بالجهاد وسبى الحرب إتجاهاًً غاية فى التطرف المبكر، ومع تمكنها من فرض هيمنتها الكاملة على الشمال، لم تنجح المهدية فى تحقيق سيطرة تامة على الجنوب، إذ توقفت سيطرتها جنوباًًً عند مناطق فى بحر الغزال وأعالى النيل، وبوجه عام فإن أكثر ما يتذكره الجنوبيون مِن المهدية هو سعيها لفرض وإطلاق العنان مِن جديد لتجارة الرقيق. تلك النظرة السلبية للمهدية لدى أهل الجنوب سبقها فترة تَوَسم الجنوبيون فيها الخير، وحسبوا أن المهدية جاءت كى تُنقذهم مِن عسف الأتراك. الحركات الوطنية فى السودان ويُمكن القول بأن الحركات الوطنية التى نمت كانت تحمل سمات ملفتة للنظر، فلقد إنقسم السوانيون إلى إستقلاليين يُريدون الإستقلال عن مصر والإنضمام إلى دول التاج البريطانى، وإلى إتحاديين يريدون وحدة وادى النيل ودولة واحدة تحت التاج المصرى. وبما أن السودان قد شكلته الطائفية على نحو أو آخر، فإنها سارعت، أى تلك الطائفية، كى تُشارك فى الوضع الجديد؛ فقامت طائفة الأنصار برئاسة عبد الرحمن المهدى بإحتضان الأحزاب الإستقلاية وعلى رأسها حزب الأمة(رئيسه الحالى: الصادق المهدى)وقامت طائفة الختمية بزعامة على الميرغنى، بإحتضان الأحزاب الإتحادية وعلى رأسها حِزب الأشقاء (فيما بعد: الوطنى الإتحادى، ثم الإتحادى الديمقراطى، وكان الأزهرى أول من تولى رئاسته). مؤتمر الخريجيين ويمكن القول، كذلك، بأن الحركة الوطنية السودانية ومنذ نوادى الخريجين، ومروراًً بـ مؤتمر الخريجين(كان ميلاد مؤتمر الخريجين من أبرز الأحداث الإجتماعية والسياسية التى شهدها السودان فى الأعوام الممتدة ما بين 1936م - 1948. فقد تزعم هذا المؤتمر الحركة الوطنية الجديدة وبث بذور الوعى الاجتماعى والسياسى وإتخذ مِن قضية نشر التعليم قناعاًًً باشر من خلاله عملية التوعية السياسية من أجل الاستقلال. وكان للأساتذة الدور البارز فى توجيه الفكر السودانى لا مِن حيث التعليم فحسب بل مِن حيث خلق النشاط الأدبى والذى تمثل فى ظهور الصحافة الأدبية فى السودان والتى مِن خلالها نادت هذه الطبقة الجديدة بتحرير الفكر السودانى مِن قيود العادات المتأخرة والتقليدية الفاسدة وأوهام الخرافات التى ليست من الدين فى شىء ودعت إلى إقامة وحدة وطنية على أساس مِن التفكير الإجتماعى الحديث البعيد عن الولاء للتقليديين الغارقين فى خصوماتهم المحلية الموروثة، وفى سبيل تحقيق هذه الأهداف عمدت إلى أساليب النضال السرية والعلنية، وكانت نوادى الخريجين متعددة النشاطات، وكان نادى أم درمان رأسها المتوج بحكم وجوده فى العاصمة وبحكم الصلات الواسعة التى أقامها مع مفكرى البلدان العربية والاجنبية فكان مركزاًًً لمحاضرات المستشرقين الأجانب، والسياسيين والنقاد العرب، وملتقى رجال الفكر والأدب مِن السودانيين والمصريين ومنبراًًً للنثر والشعر فى مختلف المناسبات، ومنه ظهر قادة الرأى السودانى فى الصحافة والأدب والسياسة أمثال محمد أحمد محجوب، وعبد الحليم محمد، ومحمد يوسف مصطفى، ومعاوية محمد، وعلى نور، وغيرهم ممن كان لهم طابع واضح فى التفكير السودانى منذ بداية الثلاثينات حتى عهد الإستقلال) نقول: منذ نوادى الخريجين، ومروراًً بـ مؤتمر الخريجين كانت الحركة السياسية السودانية منقسمة إلى ثلاثة أقسام: القسمان الكبيران إتجه كل منهما إلى طائفة مِن الطوائف الكبيرة (الختمية، الأنصار) وكان لكُُل منهما إتجاه سياسى إما (الوحدة مع مصر) وبدرجات متفاوتة بين الوحدة والإتحاد، والإتحاد الإسمى، وإما الإستقلال، وبدرجات متفاوتة (إستقلال تحت التاج البريطانى) أو ضمن (التعاون البريطانى) أما القسم الثالث، فكان يرى الإستقلال التام عن مصر، وكذلك عن التاج البريطانى، وبعد أن بدأ النشاط السياسى لمؤتمر الخريجين، ظهرت الإنقسامات بصورة كبيرة وتدريجياًًً بدأت الحركات السياسية والأحزاب تنشأ بعيداًً عن المؤتمر حتى أفرغت المؤتمر مِن عضويته ومِن ثم مضمونه، إلى أن إغلق أبوابه نهائياًً فى 1953. فى 4 نوفمبر 1945 أُُعلن عن قيام حزب إستقلالى آخر وهو الحزب الجمهورى، وبميلاد هذا الحزب نشأت علاقة جديدة بين الأحزاب والمستعمِر؛ لأن الحزب قرر الإتجاه إتجاها "جهاديا"، الأمر الذى إستلزم المواجهات الدامية بين الأحزاب الوطنية والإستعمار البريطانى، وظهر(محمود محمد طه) كمناضل ثورى، وأول معتَقََل سياسى، بعدها بدأ الناس يألفون التوجهات"الجهادية" ضد الإستعمار، وبدأت حملات الإعتقالات التى طالت رجال المؤتمر والأحزاب فيما بعد. ولخشية إنجلترا مِن إنفراد مصر بالسودان، بعد أن وعدت بمنح المستعمرات إستقلالها عقب إنتهاء الحرب العالمية الثانية، فقد لعبت دوراًً مهماًً فى سبيل ترسيخ مفهوم وأهمية الإستقلال، ونجحت، طبقاًً للروايات السائدة، فى إستقطاب الرئيس الراحل (إسماعيل الأزهرى) وفى عام 1952 حدث الإنقلاب العسكرى على الملكية فى مصر، إيذاناًً بإعادة رسم الخريطة السياسية فى كُُل المنطقة. وفى أول يناير عام 1956 قرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إستقلال السودان. وعلى الفور أََعلن الأزهرى، بيان الإستقلال السياسى الرسمى. كى تَسقط السودان فى بئر، أعمق، مِن القمع والفساد والديكتاتورية والطغيان على يد الحكام المتتابعين، وفى مقدمتهم الرئيس السابق جعفر نميرى (1930- 2009) والرئيس الحالى(عمر البشير) إبتداءًً مِن قيام الجنرال إبراهيم عبود، بالإنقلاب العسكرى ضد الحكومة المدنية المنتخبة فى مطلع عام 1958، ثم إندلاع ثورة أكتوبر عام 1964، التي أطاحت به، وتشكيل حكومة وطنية برئاسة الصادق المهدى. بعد ذلك بخمس سنوات تم الإنقلاب العسكرى الذى قاده جعفر النميرى فيما عُرف بثورة مايو 1969، حيث حَكم السودان منذ عام 1969 حتى عام 1985 بالحديد والنار فى ظل قانون الطوارئ والأحكام العرفية التى طبقها طوال هذه الفترة، الأمر الذى معه قام عبد الرحمن سوار الذهب، بإنقلاب عسكرى عليه، أنهى حكمه العسكرى العرفى للبلاد. وبعد فترة وجيزة لا تتعدى العام، تنازل الفريق عبد الرحمن سوار الذهب، فى واقعة غير مسبوقة على مستوى العالم العربى، مِن محيطه إلى خليجه، عن السلطة لحكومة مدنية ترأسها زعيم الحركة المهدية فى السودان الصادق المهدى، إستمرت فى مهامها كحكومة مدنية إلى حين قيام عمر حسن أحمد البشير، بالإنقلاب العسكرى فى عام 1989، وإعلان قيام حكومة إنقاذ وطنى، والتى عَجزت عن إيقاف الحرب الأهلية طوال عقد التسعينات مِن القرن العشرين (حصدت الحرب الأهلية فى جنوب السودان (1955-1972 و1983-2003) ما يزيد عن مليونى قتيل، وأعداداًً أخرى لا تحصى مِن الجرحى والمعوقين، وكان نصيب الهجرات الداخلية الناجمة عنها ضعف أعداد القتلى، فقد تَشرد، على الأقل، أربعة ملايين سودانى وأصبحوا لاجئين داخل وطنهم. أما مَن ضاقت بهم الحياة فى الوطن وقرروا النزوح إلى البلدان المجاورة، فقد بلغ عددهم 420 ألف لاجئ. هذا العدد الكبير مِن القتلى والجرحى والمهجرين لم يكن فقط مجرد إحصائية؛ وإنما خَلََق ضغائن وعداوات كثيرة، وتسبب فى مشكلات إقتصادية، وإجتماعية سلبية لم يَعهدها المجتمع السودانى بهذه الكثرة مِن قبل، منها تزايد الأنشطة الخارجة عن القانون مثل السطو العصابى على الماشية، وتهريب العاج والذهب والأحجار شبه الكريمة، وإختزان السلع لبيعها (فى الأسواق السوداء) (وإنتشار تجارة الأسلحة بين المليشيات). وفى ظل هذه الحكومة أيضاًً (حكومة البشير) إندلعت أسوأ الحروب، فقد إشتعل الصراع، وتفاقمت الأزمة فى إقليم دارفور(المضمة إلى السودان عام 1917، بعد أن كانت سلطنة مستقلة، وتلك ملحوظة غاية فى الأهمية) وأدت إلى حدوث إنشقاقات جديد ونشوء حركات عسكرية مُسلحة ضد الحكومة السودانية (القاطنة الشمال) مع مطلع عام 2004، والتى كان أخرها الإضطرابات التي عمت بعض المدن السودانية، وبالذات فى الجنوب والعاصمة الخرطوم، بعد مقتل جون قرنق، زعيم الجنوب. وبعد جهد كبير، وتدخل رأس المال الدولى، تم توقيع إتفاق سلام مع الحركة الإنفصالية الجنوبية فى ديسمبر 2004، يَقضى بإعطاء مهلة مُدتها 6 سنوات تبدأ منذ توقيع الاتفاق، يشترك الجنوبيون خلالها فى السلطة، ثم يجرى إستفتاء شعبى فى المناطق الجنوبية فى نهاية مدة السنوات الست المقررة فى الإتفاق، يُقرَر خلاله مستقبل الجنوب بالإنفصال عن الدولة الأم، أم بإبقائه مع الدولة الاتحادية بحكم ذاتى موسع. (تم الإنتهاء مِن كتابة النص، قبل التعرف على أحداث الإستفتاء ونتائجه، إن تم !!) الأن وقد إنتهينا مِن خطوتنا الفكرية الثانية بتكوين الوعى حول الكُُل التاريخى، وصولاًً إلى الآنى على الصعيد الإجتماعى والسياسى، إبتداءًً مِن عدوانية الإستعمار المصرى وقانون حركته الذى يدور حول السوق والتبادل، الساعى خلف الذهب والعبيد، ومروراًً بالعدوانية المباشرة لرأس المال البريطانى(وفرض المحصول الواحد) وإنتهاءًً بالسقوط فى بحار الجوع والفقر والمرض، والقمع الفكرى. فيتعين أن نسير خطوتنا الفكرية الثالثة ببحث التكوين الإجتماعى ذاته، وإنما إبتداءً مِن تكونه التاريخى وبُعده الجغرافى السابق التعامل معهما، وصولاًً كذلك إلى الآنى، وذلك على النحو التالى: الخطوة الفكرية الثالثة التكوين الإجتماعى فى تطوره عبر الزمن
وفقاًً للتصنيف الإستعمارى البريطانى، والذى تعامل مع الجنوب كأمتداد طبيعى للمستعمرات البريطانية فى شرق القارة، كما تعامل مع الشمال كإمتداد طبيعى لمصر . فقد تم تقسيم المجتمع السودانى إلى خمس طبقات متميزة: (1) الطبقة الأولى: وتَضم، بالضرورة، المستعمِر، أصحاب الجنسية البريطانية. (2) ويَحتل أصحاب الجنسيات الأوروبية الأخرى، العاملين فى السودان المرتبة التالية مباشرة. (3) أما أصحاب الجنسية المصرية والجاليات الشرقية الأخرى، فيأتون فى الترتيب الطبقى الثالث. (4) ثم، فى الطبقة الرابعة، سكان النهر، ويُعرفون بإسم الجلابة الشماليين. وكانوا الطبقة الاولى مِن السكان السودانين. (5) وأخيراًً الأهالى، وهم الطبقة الثانية مِن سكان السودان ويُمثلون الطبقة الخامسة. وبينما قََدم التصنيف الإستعمارى الطبقات الثلاث الأولى(بريطانى، أوروبى، مصرى وشرقى)فى التعامل والوظائف فقد قام بقسمة السودان إلى شطرين(طبقتين) هما جلابة الشمال، مِن جهة، وباقى الشعب مِن جهة أخرى. ولم تَتَغير تلك الطبقية فى السودان بَعد الخروج الشكلّىّ للإستعمار البريطانى فى 1956، فلم تزل الطبقية مُهيمنة تحت ظِلال القمع والقهر والجوع والفقر والمرض، ولئن حَدث التعديل على النحو التالى: الطبقة الأولى: الشماليون، ويُمثلون نحو (4%) مِن السكان، وهم مَن بيدهم السلطة ويديرون الدولة ويتحكمون فى الطبقات الأخرى، وهم جلابة الشمال (أسهموا بدور فعال فى نقل الكثير من المناطق الجغرافية السودانية مِن الإقتصاد المعاشى إلى إقتصاد السوق) فى التصنيف الإستعمارى البريطانى، إذ يُسيطر الشماليون(كطبقات تابعة لرأس المال الدولى) على دواوين الحكم وإدارة المؤسسات بالدولة، وللتعاون الذى حدث بين جلابة الشمال والإحتلال البريطانى؛ فقد تكفل الإحتلال بتأهيلهم وتعليمهم هم وأبناءهم. وتم تسليم الأمر إليهم بموجب مؤتمر جوبا عام (1947)، (يتطابق الأمر بشكل ملفت مع ما حدث فى فنزويلا، وتََكََون الطبقات المهيمنة فى ركاب رأس المال الإستعمارى، والذى سلمها الإستعمار حين خروجه مَقاليد الأمر، كى تكُُون أداته الرئيسية فى إِِستكمال أََعمال النهب المنظم) يلى جلابة الشمال أو أهل الصفوة، الجاليات الشرقية، ويُطلق عليهم (الحلب أوالغجر) وهم يُشاركون الطبقة الأولى فى الهيمنة على الثروة. ويبلغ نسبة الحلب 1 % مِن نسبة السكان، وهم ذوى البشرة البيضاء فى الغالب. وهم المسيطرُون على التجارة الإجمالية فى السودان، ويُديرون المصارف، وشركات التصدير والإستيراد. وتُعتبر الحلب طبقة غاية فى الثراء، وتَجد صعوبة بالغة فى الإنسجام مع باقى طبقات الشعب. ويُمثل الأقباط المصريون والسوريون الغالبية فيهم. يَلى الجلابة والحلب، العرب السود أو الأفارقة مِن ذوى الأصول العربية، كََطبقة ثالثة، وتَبلغ نسبة العرب السود أو الأفارقة مِن ذوى الأصول العربية 20 % مِن سكان السودان وهم مِن ذوى البشرة السمراء فى الغالب. والعِرق الزنجى ما يميزهم. ومُعظمهم رعاة إبل أو أبقار وأغنام، ويعيشون على هامش المجتمع السودانى، إذ يعيشون فى وضع إجتماعى وإقتصادى متخلف. وينتشرون فى الأقاليم الطرفية فى السهول الغربية والوسطى وفى الشرق، ولا يشاركون فى الدولة السلطة أو الثروة بشىء على الإطلاق، وغالبية العرب يعيشون بدو فى الشرق، فى حالة رفض للدولة، ومع ذلك فقد تم إستخدامهم كجنود مرتزقة فى حرب الإبادة ضد الجنوب، كما إستخدمتهم الدولة فى حربها فى إقليم دارفور، فالعرب السود يُمثلون القسم الغالب مِن مرتزقة "الجنجويد" المتهمين بإرتكاب جرائم حرب بشعة ضد الإنسانية فى السكان الأصليين. وفى الطبقة الرابعة. يأتى الزنج المسلمون، وهم مِن السكان الأصليين مِن ذوى الثقافة العربية. ويَبلغ نسبة الزنج المسلمين 50% وعلى الرغم مِن غالبيتهم العددية يتميزون بالجهل والفقر الشديدين، ويتشاركون مع العرب السود فى طريقة التدين والتمازج العرقى. ويتصف الإسلام السودانى ببعد صوفى إمتزج بالطرق الدينية المتعددة ذات الصلة بغرب إفريقيا، وتُعد تلك الطبقة مِن أكثر الطبقات ليس فقط تميزاًً فى الفقر والجهل، وإنما فى الإضطهاد والفصل العنصرى كذلك. وفى نهاية التراتبية الإجتماعية يأتى الزنج من غير المسلمين وهم كذلك مِن السكان الأصليين. ويمثلون نحو (25%) مِن السكان، وغالبتهم يَسكنون الغابات الجنوبية والجبال الوسطى. ويُشكل الزنج مِن المسلمين وغير المسلمين الأغلبية السكانية. ولا يُمكن تبرئة تلك الطبقة (الزنج المسلمون) مِن التعاون مع جلابة الشمال فى حرب الخمسين عاماًً ضد الجنوب، ولربما كانت هناك خطة سرية مِن الطبقة الأولى وتشاركها بقية الطبقات فى إبادة الطبقة الخامسة ومحوها مِن الوجود، هكذا يَعتقد الزنوج غير المسلمين فى الشطر الجنوبى. إذ تعتبر الطبقة الخامسة طبقة منبوذة إجتماعياًً، ولا يَربط بينها وبين الطبقة الاولى أى رابط، مما يدفع بذلك الشطر الجنوبى إلى الإنفصال. ومِن جهة التصنيف القبلى؛ فإن تِسع مجموعات قبلية تَنحصر بداخلها التشكيلات الإجتماعية: مجموعة القبائل النوبية فى أقصى الشمال. ومجموعة القبائل العربية فى الوسط والنيل الأبيض وجزء مِن الإقليم الشمالى. ومجموعة قبائل البجا فى الشرق. ومجموعة قبائل كردفان فى الغرب. ومجموعة قبائل الفور فى الغرب (100% يدينون بالإسلام) ومجموعة قبائل المابات والانقاسنا جنوب النيل الازرق. ومجموعة القبائل النوباوية فى النصف الأسفل لوسط السودان (تابعة إدارياًً لاقليم كردفان) ومجموعة القبائل النيلية الجنوبية (دينكا، شُلك، نوير) فى الجنوب، ومجموعة القبائل الزنجية الجنوبية فى الجنوب. وفى هذا السياق يتعين الوعى : - بأن السودان قد عاش، وحتى إمتداد الإدارة المصرية إليه 1820، دون حكومة أو إدارة موحدة. - قامت سلطنة سنار فى السودان الشرقى، وإمتد نفوذها من دنقله شمالاًً إلى فيزوجلى جنوباًً، ومن سواحل البحر الأحمر شرقاًً إلى النيل الأبيض وحدود كردفان غرباًً. - إنضوت تحت لواء سلطنة سنار منذ القرن السادس عشر الممالك والمشيخات الإسلامية فى حوض النيل الأزرق. وقد ظلت هذه السلطنة الوطنية قائمة حتى أخذ الضعف يدب فى كيانها فى آواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. - قامت فى غرب السودان سلطنة دارفور، التى عاصرت السلطنة السنارية، ويرجع الفضل فى تأسيسها إلى العناصر العربية الأصل التى هاجرت من شمال غرب أفريقيا إلى هذا الإقليم، حيث إختلطت بجماعات الفور الزنجية القاطنة هناك. - بلغت سلطنة دارفور أوج عظمتها فى القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر. - جرت عادة سلاطين الفور على القيام بالحملات العسكرية على المقاطعات الزنجية المجاورة على شكل غزوات لأغراض إقتصادية أهمها الحصول على الرقيق وغيره من السلع والغلات ذات القيمة التجارية، عملية نهب منظمة إذاًً. - إرتكز البنيان السياسى والإقتصادى لسلطنة دارفور على تجارة موسعة للعبيد. - ظلت دارفور تتمتع بكامل إستقلالها حتى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، حتى تم إخضاعها للإدارة المصرية عام 1874 على يد الخديوى إسماعيل. - قامت فى غرب السودان مملكة تقلى فى المرتفعات التى عرفت بإسمها شمال شرق شمال شرق منطقة الجبال التى تقطنها قبائل النوبة فى الركن الجنوبى من إقليم كردفان. - ومملكة تقلى وإن لم تصل إلى ما وصلت إليه سلطنة الفونج أو سلطنة الفور من إتساع الرقعة وعظم النفوذ إلا أنه كان لها من الأنظمة والتقاليد الموروثة فى الحكم والإدارة، إلى جانب قوة مركزها التجارى وعلى وجه الخصوص تجارة الرقيق، ما ضمن لها البقاء قروناًً من الزمن. - إلى جانب تلك الممالك والسلطنات، دخلت بعض أجزاء السودان تحت النفوذ التركى إبتداءًً من القرن السادس عشر تمثلت فى شمال النوبة. - كذلك تمكن الأمراء المماليك، بعد أن زالت دولتهم نهائياًًً فى مصر على يد محمد على، من دخول السودان الشمالى والسيطرة على دنقله وما حولها فترة من الزمن. ولكى تكتمل الصورة نسبياًً يتعين أن نشير إلى أن ن هناك حالة (تُمثل نقطة مركزية) مِن الإحتقان التاريخى(تدعمها الثقافة القبلية، والنزعة الطائفية) لا يُمكن أبد التعامى عنها، تلك الحالة التى تُمثل الإنعكاس القوى والمباشر للأرث العبودى، المعنوى على أقل تقدير، لكُُل مِن الشمال، كأسياد قناصين، والجنوب، كعبيد مقتَنَصين، وليس فى تلك التصنيفة أى نوع مِن الإختزال للتاريخ، فثقافة الرق والعبودية والإسترقاق، مِن جهة، لم تزل ترسم الصورة الإجتماعية الكلية، بين شمال(سيد) وجنوب(عبد) بين (أبيض) وبين (أسود) ومِن جهة أخرى فالحفاظ على نهر النيل وجريانه مِن الجنوب إلى الشمال، كان الأساس الذى إرتكز عليه الإستعمار فى عدم تقسيم السودان إلى شمال وجنوب، والأن "النفط"، فإذا كان العرب والزنوج تقاتلوا فى الماضى حول المراعى، فإنهم اليوم يتقاتلون مِن أجل النفط المتمثل فى إحتياطيات تصل إلى ثلاثة مليارات برميل، يقع أغلبها فى منطقة حدودية مُتنازع عليها بين الشمال والجنوب؛ فهل تترك حكومة الشمال(إنفاق عسكرى 3 بليون دولار فى عام 2000- ونحو 112500 جندى) نقول هل تترك حكومة الشمال الجنوب كى يذهب بنفطه(60% مِن إجمالى نفط السودان، 15% فى دارفور) ؟ أم سيتبلور الصراع الجدلى بين الربح والريع تارة أخرى ولكن على أرض مختلفة فى قارة مختلفة؟ أضف إلى ذلك الصراعات القبلية الداخلية فى جنوب السودان ذاته(55 قبيلة).
وعلى سبيل الإجمال، نلخص أهم الأحداث، بإيجاز زمنى منذ بداية الثمانينات وحتى الأن، على النحو التالى: (1983حكومة الشمال تُعلن تطبيق الشريعة الاسلامية على الجنوب. (1983- 1984) كرد فعل تم تشكيل الجيش الشعبى لتحرير السودان، والحركة الشعبية لتحرير السودان. 1986 يتولى الصادق المهدى يصبح رئاسة الوزراء. 1989 إنقلاب عمر حسن البشير. 1992 جيش الشمال(الحكومى) يسيطر على بعض أجزاء الجنوب، ومقر الجيش الشعبى. 1996 بقاء البشير فى السلطة. 1997 بدء محادثات السلام فى نيروبى. 2002 محادثات ماشاكوس بكينيا، والتوقيع على إتفاق بشأن الدِيّن والعقيدة، وتقرير المصير. 2003 إجتماع قرنق مع النائب الاول للرئيس السودانى على عثمان محمد طه. 2004 الحكومة والجيش الشعبى لتحرير السودان يوقعان اتفاقاًً حول كيّفية تقاسم ثروات البلاد عند انتهاء الحرب. 2005 توقيع إتفاق إنهاء الحرب الأهلية (الإتفاق يقضى بتقاسم عائدات النفط بين الشمال والجنوب، وتشكيل حكومة إئتلافية وإجراء إنتخابات عام 2010. كذلك سيكون مِن حق الجنوب ومنطقة أبيى الغنية بالنفط التصويت فى إستفتاء يجرى عام 2011 على إنفصال محتمل) 9يوليو 2005 جون قرنق زعيم الجنوب يؤدى اليمين كنائب أول للرئيس السودان، عقب إتفاق نيفاشا، ولكى يلقى حتفه بعد 11 يوماًً فى حادث تحطم طائرة هليكوبتر ومقتل 100 شخص فى أحداث الشغب التى إندلعت لأيام بعد مقتله. 11أغسطس2005 سلفا كير آخر الاعضاء المؤسسين للحركة الشعبية لتحرير السودان الأحياء يؤدى اليمين كنائب أول للرئيس. 11أكتوبر 2007 الحركة الشعبية لتحرير السودان تََسحب أعضائها مِن الحكومة الإئتلافية .27 ديسمبر 2007 (16) وزيراًً من الحركة الشعبية لتحريرالسودان يؤدون اليمين ويعودون للحكومة المركزية وينهون رسمياًً الأزمة. مايو 2008 إشتباكات فى منطقة أبيى الغنية بالنفط قرب حقول للنفط يطالب بها الشمال والجنوب ومقتل 90 شخصاًً على الأقل ونزوح 50 ألفا من ديارهم وحرق بلدة أبيى. تُقرر نشر قوة مشتركة بين الشمال والجنوب.
وبعد الإستقلال لم تنتبه، بمعنى آخر لم تُرد النخبة الحاكمة، بل والمفكرة، التعرض لفض الإشكال التاريخى، وتصفيته مِن محتواه المتأجج والعدائى، والنتيجة إستمرار العلاقة الطبقية بين الأسياد (الشمال) وبين العبيد (الجنوب) ولم تزل تلك الوضعية محل إعتبار فلا يستطيع الجنوبى التخلى عن صورة جده (العبد) فى بلاط (السيد الشمالى) وعندما بدأ الجنوبيون يطالبون ببعض حقوق المواطنة، بإعتبار أن ذلك مِن قبيل الحق المشروع، لم تجد الخرطوم فى تلك المطالب إلا تعدياًًً صارخاًً على خصوصيات الشمال(كصفوة) بل تعدياًً على حق الشمال التاريخى فى أن يُقرر بمفرده مصير السودان بأكمله، وفى ظل تلك الثقافة الشمالية الإستعلائية، وإدعاء إمتلاك ناصية الحقيقة الإجتماعية والدينية كذلك، تبلور رد فعل الجنوب فى التمسك الصارم بخصائصه الثقافية ودياناته المحلية وعاداته الموروثة. مِن المهم فهم دور الحدود الإستعمارية فى جمع عدة تشكيلات إجتماعية مختلفة ومتنافرة أحياناًً فى حيز جغرافى واحد . كما يَكون على درجة مُعيَّنة مِن الأهمية فى مجرى الرصد والتحليل الوعى، بالصراعات المسلحة التى تقودها قوى نشأت ونمت فى إطار مِن الكراهية والدموية وصنمية العقيدة، إذ هناك جيش الرب، والجيش الشعبى لتحرير السودان، كرد فعل لإجراءات القمع والإبادة وفرض الإسلام على الأجزاء المسيحية والوثنية فى الجنوب، وبخاصة الجيش الشعبى لتحرير السودان، المعضدد بحركة واسعة النشاط لنفس الغرض،أضف:"العدل والسلام، المقر فى بريطانيا" ولا يُمكن غض البصر عن الحزام الفرنكفونى، إبتداءًً مِن تشاد، ومرورا بالنيجر، ومالى، وإنتهاءًً بالسنغال، الذى لن تَتَخلى عنه فرنسا بسهولة، ولذا قامت بإستقطاب عبد الواحد نور" حركة تحرير السودان"، فى مقابل إستقطاب بريطانيا" خليل إبراهيم"، ومِن جهة لا تُُغفل كذلك هناك الولايات المتحدة التى تَمد جسور التعاون مع الحركات الإنفصالية. إضافة: نصوص معاهدة مشاكوس: الاعتراف بالسيادة الوطنية للسودان بالإضافة إلى حق سكان جنوب السودان وحاجتهم فى التعبير عن طموحاتهم بالمشاركة فى جميع مستويات الحكم والربط بين مؤسسات الحكم المختلفة. تطوير العدالة والمساواة بين الناس وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية. إجراء إنتخابات عامة نزيهة خلال الفترة الإنتقالية. إقامة مجلس تشريعى مِن شقين وضمان تمثيل عادل لسكان جنوب السودان فيهما. التأمين على مشاركة جميع السودانيين وسكان جنوب السودان فى الخدمة المدنية ومجلس الوزراء ومشاركة الجنوبيين فى المستويات الرفيعة والمتوسطة. إجراء تعداد سكانى خلال الفترة الإنتقالية. وضع أسس عامة لتقسيم الثروة والثروات الطبيعية. تأسيس عدد مِن اللجان المستقلة. وضع أسس عامة للعلاقات بين الحكومات. بما يتطلب مراجعة الدستور وتطبيق إتفاقية السلام. تخصيص حصة مِن الوظائف للأغلبية فى المناطق المحددة فى مختلف مستويات الحكومة. تأسيس حكومة وحدة وطنية خلال الفترة الانتقالية والقيام بحملة إعلامية فى جميع أنحاء السودان للتعبئة لصالح اتفاق مشاكوس. أما النقاط المتبقية التى ما زال الحوار جارياًً حولها فى السياق المتعلقة ببنية الحُُكم التى تَقدم بها الوسطاء فيجب أن تُُشكل نقطة إنطلاق إلى محادثات مقبلة. إلتزام الوسطاء بالإستمرار فى البحث للتوصل لإتفاق سلام نهائى وشامل دون تحيز لأى طرف مِن الأطراف. الإلتزام بمواصلة المحادثات فى يناير 2003 بروح جديدة ورغبة حسنة، بهدف تحقيق المبادئ أعلاه والوصول إلى سلام نهائى وشامل بالسودان فى أقصر وقت ممكن. إتفق الطرفان كذلك فى وثيقة منفصلة على تمديد مذكرة وقف العدائيات إلى 31 مارس 2003 ومواصلة الإجتماعات المجدولة حسب أعمال لجنة مراقبة وقف العدائيات لتطبيق هذا الاتفاق. http://www.aljazeera.net/NR/exeres/2E07B36B-53FE-4E8E-8A42-FCE63885CE30.htm - TOP الخطوة الفكرية الرابعة الصراع الإجتماعى الراهن وإذ ننتهى هنا مِن خطوتنا الفكرية الثالثة، بعد أن عاينا الهيكل الإقتصادى، وتعرفنا على الكُُل الجغرافى، والتاريخى، وصولاًً إلى التعرف على التشكيلات السكانية والإجتماعية وعلاقاتها المتناقضة، فإن الطريق الأن يبدو مُمهداًً نحو تكوين الوعى بشأن حقيقة وطبيعة الصراع الإجتماعى الراهن فى السودان، ومآله، ويُمكن مِن ثم تقديم إجابات للكثير مِن الأسئلة الحائرة من نوعية: ما الذى يَحدث فى السودان؟ وما هو موضوع الإنفصال هذا؟ وهل سينفصل(*) جنوب السودان عن شماله فعلاًً؟ وما هى النتائج المتصور ترتبها على ذلك؛ إن حدث؟ وما الذى دفع المسألة لمثل هذا الطريق؟ ومَن المسئول عن كُُل تلك الصراعات القبلية وحروب الإبادة الداخلية؟ ومَن المستفيد؟ ومَن الخاسر؟ ولماذا لم يكن هناك سودانيين، شمالى وجنوبى، على يد الإحتلال البريطانى، طالما عامل الإستعمار الجنوب كإمتداد للمستعمرات فى شرق أفريقيا، والشمال كإمتداد لمصر؟ وغيرها من الأسئلة التى تتعلق بتاريخ السودان ومستقبله فى ضوء حاضره، الذى تفوح منه رائحة الفساد وإدعاء إمتلاك الحقيقة. فإننا إذ نصل إلى تلك المرحلة الفكرية، وقد صار لدينا بعد رحلتنا الطويلة تلك مجموعة مِن الأدوات الفكرية، التى تسعفنا فى إستيعاب المسألة السودانية بكل تناقضاتها الداخلية، فإننا نُخلى الساحة للبحث وللباحثين بغية إثراء الحوار، بعد أن عرضنا الخطوط العريضة التى تُمثل منهجنا المقترح للبحث. فقط نستطيع إبراز بعض الملاحظات المنهجية المفيدة فى سبيل تكوين الوعى حول الصراع الإجتماعى الراهن، ومآله، تلك الملاحظات تتبدى فى: أولاًً: لا يمكن فهم الصراع، من الأساس، دون الوعى بفكرة (القفص الكبير) الذى وُُُضعت بداخله أعراق وثقافات وديانات مختلفة تمام الإختلاف ثم أطلق على هذا القفص إسم (السودان).
ثانياًً: تبدأ العملية التاريخية الدامجة للسودان فى الكُُل الرأسمالى على الصعيد العالمى، وتهيئته كمصدر للقيمة الزائدة، ومن ثم فقد شروط تجديد إنتاجه، مع أول إتصال فعلى مع (قانون الحركة الحاكم لألية عمل النظام الرأسمالى (ن - ق ع -"قوة عمل"+و أ"وسائل إنتاج"- س- Δ ن) على يد عدوانية دولة محمد على، ومن بعدها بريطانيا، الشارعة فى الدخول فى عملية التركيم الرأسمالى والتى تستلزم: (ن) و (ق ع) و ( و أ). الأمر الذى جعل السودان هدفاًً رئيسياًً من أجل الإستحواز على: المعادن، والعبيد، والغذاء. ثالثاًً: يتطور المجتمع السودانى من خلال الصراع على صعيدين: الشمال/الجنوب، والجنوب/الجنوب. والأخير مفهوم فهو، كقاعدة عامة، من أجل الماء والكلأ. أما الأول فهو من أجل بسط نفوذ وهيمنة الشمال على الجنوب الغنى بطبيعة حاله، وبصفة خاصة عقب تفجر النفط.
رابعاًً: إن ظهور الثروة النفطية فى أرض السودان، بالتحديد فى الجنوب، إنما يوجب إستدعاء منهجية فهم ترتكز على الوعى بكون النفط كسلعة قادرة على نوع ما من التركيم الرأسمالى وفقاًً لشروط معينة، إنما يعنى تبلور الصراع، ربما المسلح، فى سبيل الإستحواز على الريع من جهة، والربح من جهة أخرى، وأهم ما يعنى حكومة الشمال هو الإطباق على الإثنين، على حين أن الكل الجنوبى فى حالة من الصراع الجدلى المستمر، بما لا يمكن معه الكلام عن جنوب واحد من أجل التنمية من خلال النقط.
خامساًً: السودان دولة، أو هكذا صارت بفعل التدخل الإستعمارى، ذات موارد هائلة، وتتركز معظمها فى الجنوب، ومعنى إنفصال الجنوب، حرمان الشمال من تلك الموارد فى مقدمتها النفط، فى حين يحرم الشمال من منافذ الوصول إلى العالم بحراًً، فلا بد من المرور فى أرض الشمال وصولاًً إلى البحر الأحمر، ومنه إلى العالم الخارجى. سادساًً: بسبب فقد السودان لشروط تجديد إنتاجه، فهو يعتمد، كأحد الأجزاء المتخلفة، على ما يحدث خارجه فى الأجزاء المتقدمة، التى تتحكم فى مصيره. وما السلطة التى تدعى حب الشعب، والتضحية من أجله، وتسعى إلى أن تستمد من عدوانية الإمبريالية قوة لدى الشارع السودانى، إلا أهم وسائل تسرب القيمة الزائدة إلى خارج المسام، بما يعنى المزيد من التبعية والتخلف.
تلك الملاحظات ندعى فائدتها فى سبيل الإجابة على ما تثيره المسألة السودانية من أسئلة وإشكاليات، ومِن جانبنا، فسنترك الإجابات للمزيد من الحوار، بغية إثراءه، فلم يكن هدفنا من إستخدام المسألة السودانية كنموذج للفحص، إلا النظر فى نموذج موازى يقع بداخل حدود القارة الشقيقة لأمريكا اللاتينية. افريقيا. ومن ثم إختبار صحة المنهج الذى إقترحناه لفحص المسألة الفنزويلية، ومن ثم فهم الوضعية التاريخية لقارتى الفائض، أمريكا اللاتينية وافريقيا، كما أننا لم نهدف إطلاقاًً تقديم إجابة، إن ما نقدمه هو طريق للإجابة، الطريق الذى يمكن لسالكه أن يكتشف المزيد من الإشكاليات الثرية فى مضمونها والقادرة على تكوين الذهنية التى تملك التعامل مع الواقع لا بغرض تفسيره وإنما بغرض تغييره. رفضاًً للإنتحار الجماعى، بقيادة نظام عالمى همجى، وبحثاًً عن مشروع حضارى لمستقبل آمن. أهم المصادر ____________________________________________________________ آلان مورهيد، النيل الأزرق، ترجمة: د. نظمى لوقا، دار المعارف. القاهرة 1966. د. جميل عبيد، المديرية الإستوائية، دار الكتاب العربى للطباعة والنشر، القاهرة 1967. د. جودة حسنين جودة، العالم العربى، دراسة فى الجغرافيا الإقليمية، المكتب الجامعى، الإسكندرية 1998. د. حيدر إبراهيم على، المجتمع المدنى والمجتمع التقليدى فى السودان، مركز الدراسات السودانية، 2001. خديجة صفوت، الإسلام السياسى ورأس المال الهارب: السودان نموذجاًً، سينا للنشر، القاهرة 1994. روبرت كولنز، تاريخ السودان الحديث، ترجمة: د. مصطفى مجدى الجمال، المركز القومى للترجمة. القاهرة 2010 . د. زاهر رياض، إستعمار افريقيا، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة 1965. د. زكى البحيرى، مشكلة دارفور، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2010. سيد أحمد العقيد، دارفور والحق المر، الدار العربية للنشر والتوزيع، القاهرة 2007. د.صلاح الدين الشامى، نهر النيل: دراسة جغرافية تحليلية، منشأة المعارف، الإسكندرية 1995. د. عز الدين إسماعيل، الزبير باشا ودوره فى السودان، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة1998 د. فتحى أبو عيانة، مشكلات السكان فى العالم العربى، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية 1996. د. كمال موريس شربل، الموسوعة الجغرافية للعالم العربى، دار الجيل، بيروت 1998. مبارك على عثمان، السودان: عقد التنمية الضائع، مركز الدراسات السودانية، القاهرة 1993. د. محمد إبراهيم بكر، تاريخ السودان القديم، دار المعارف، القاهرة 1987. د. محمد معتصم سيد، جنوب السودان فى مائة عام، مطبعة نهضة مصر. القاهرة 1972. د. محمد سعيد القدال، تاريخ السودان الحديث، مركز عبد الكريم ميرغنى، الخرطوم، 2002. د. محمد عوض محمد، السودان الشمالى: سكانه وقبائله، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة 1951. محمود محمد قلندر، جنوب السودان: مراحل إنهيار الثقة بينه وبين الشمال، دار الفكر، دمشق، 2004. د. مكى الطيب شبيكة، السودان والثورة المهدية، دار جامعة الخرطوم للنشر، الخرطوم 1978. د. منصور خالد، الفجر الكاذب: نميرى وتحريف الشريعة، دار الهلال، القاهرة 1986. د. منصور خالد، النخبة السودانية وإدمان الفشل، دار الأمين، القاهرة 1993. مجدى أحمد حسين، مصر والسودان، المركز العربى والإسلامى للدراسات.القاهرة 1997. د. نعوم شقير، تاريخ السودان، تحقيق وتقديم: د. محمد إبراهيم أبو سليم، دار الجيل، بيروت 1981. د. نسيم مقار، الأسس التاريخية للتكامل بين مصر والسودان، الهيئة العامة للكتاب. القاهرة 1985. التقرير السودانى السنوى الخامس (2004) تقرير بنك السودان المركزى للعام(2005) والعام (2008) التقرير الإستيراتيجى الإفريقى، مركز البحوث الإفريقية. الطبعة الأولى، جامعة القاهرة، القاهرة 2007 . ماثيو تيج، سلام السودان المرتعش، النسخة العربية لمجلة "ناشيونال جيوجرافك" نوفمبر 2010. أبو ظبى. (www.Aljazeera.net)(www.Arabo.com)(www.Alhadag.com)(www.Coptichistory.org) (www.Islamstory.com) (www.Sudan.gov.sd) (www.Sunanews.net خاتمة "درس الحاضر، فى ضوء الماضى، لفائدة المستقبل"، مبدأ هام، إعتنقناه، وصولاًً إلى منهجية تمكنا من فهم الواقع والتعامل معه بوعى. ولكن أى ماض نقصد؟ وبأى حاضر ننشغل؟ إن الماضى الذى نقصده محدود بالخمسمائة عام الماضية وإمتدادها الحاضر، أى أن الماضى فى حُُكم عِِِلم الإقتصاد السياسى، مُُحدد بتاريخ نشأة الرأسمالية المهيمنة عالمياًً كنمط إنتاج يحكمه قانون موضوعى عام، يتبلور فى نص الصيغة (ن - ق ع -"قوة عمل"+و أ"وسائل إنتاج"- س- Δ ن) وإن الذهاب إلى ما هو أبعد من تاريخ نشأة الرأسمالية، إنما يجب أن يقترن بفهم الفارق بين ما هو (تاريخ) وبين (ما هو تاريخى) فى الإقتصاد السياسى. أما الحاضر الذى ننشغل به فهو الحاضر الذى تكون فى رحم ذلك الماضى، فوقائع الحاضر ليست صدفويةً، وإنما هى، وهذا ما يعنينا، نتاج تطورات جدلية على الصعيد الإجتماعى، عبر الزمن، أدت إلى تبلور ذلك الحاضر بالحالة التى هو عليها الآن، وكما أسلفنا لا يمكن التعامل مع التخلف، على سبيل المثال، كظاهرة وليدة اليوم، وإنما هى نتاج تراكم تاريخى تم خلال خمسة قرون، منذ تكون الرأسمالية كنمط إنتاج مهيمن عالمياًً، ولقد تفاوتت حظوظ البلدان، بشأن الإدماج فى الكُُل الرأسمالى على الصعيد العالمى، فمنها مََن تم إدماجه، كأحد الأجزاء التابعة، منذ أربعة قرون، ومنها مَن أُُُدمج منذ ثلاثة قرون، ومنها من تحول إلى أحد تلك الأجزاء التابعة منذ قرنين من الزمان، وهكذا . . . ولكن تظل دوماًً مجموعة من السمات المشتركة فيما بين تلك البلدان المدمََجة كأحد الأجزاء المتخلفة والتابعة، وأهم تلك السمات تسرب القيمة الزائدة إلى خارج مسام تلك الأجزاء كى تُُُضَََخ فى مسام الأجزاء المتقدمة المتبوعة، ومن ثم يُُُصبح إفتقاد شروط تجدد الإنتاج سمة عامة تجمع جميع الأجزاء المتخلفة. وباللجوء إلى المقارنة، بين قارتى التسرب(أفريقيا، وأمريكا اللاتينية) ومن ثم المقارنة بين نموذجى التخلف فى كُُُل قارة منهما(فنزويلا، والسودان) يمكن دون كبير عناء الوصول إلى سمات عامة مشتركة تجمع بينهما، إبتدأ من الظاهرة الإستعمارية( أسبانيا بالنسبة لفنزويلا، ودولة محمد على، ثم بريطانيا بالنسبة للسودان) ومروراًً بإعتبار كُُل بلد منهما بالنسبة للمستعمِِِر مصدراًً رئيسياًً للمعادن النفيسة، والمواد الأولية وقوة العمل اللازمين لعملية التراكم الرأسمالى فى الأجزاء المستعمِِرة، وبفعل المزيد من السطو المنظم على ثروات كُُُل منهما، وغيرهما، فقد وقعا فاقدين، حالهما حال باقى الأجزاء المتخلفة، لشروط تجديد الإنتاج، والإعتماد شبه الكُُُلى على مجريات الأمور خارج الإقتصاد القومى، بما يفقد المجتمع معه إستقلاليته تجاه الخارج بوجه عام، إستعمارياًً فى مرحلة أولى، ومنهجياًً فى مرحلة ثانية. نقول يجمع ما بين فنزويلا وبين السودان، الظاهرة الإستعمارية وإعتبارهما المصدر الرئيسى لمستلزمات التركيم الرأسمالى، ونضيف، وتلك نتيجة مترتبة على الأمرين، ظاهرة التسرب فى القيمة الزائدة إلى خارج حدود المجتمع بما يعنى، ضمن ما يعنى، تبلور عملية مستمرة من التخلف، عبر الزمن تمتد إلى الحاضر، تستمد وجودها من ذلك التسرب، الذى تدعمه الطبقات الحاكمة، المفقِِد لشروط التنمية المستقلة والإعتماد على الذات. فكما إفترضنا، بالتجريد، أن المجتمع يبدأ سنة إنتاجية معينة بثلاثة مليارات وحدة معينة، ولأن تصور المجتمع فى حالة توقف عن الإنتاج غير ممكن، إذ يلزم الإنتاج وتجدده المستمر، فسيدخل المجتمع السنة ومعه (3) مليار وحدة، مقسمة بواقع مليار لكُُل قطاع إنتاجى(الزراعة، والصناعة، والخدمات) وإذ أن (Δ ن) إنما هى القيمة الزائدة، وبإفتراض أنها تساوى 100%، فى كُُل قطاع، فسيكون لدى المجتمع فى نهاية الفترة (6) مليار وحدة. فما مصير الثلاثة مليارات الزائدة؟ بعد خصم الأجر، والربح، والريع، والدين الدولى، نفترض أنه تبقى (مليار) وحدة، تلك المليار(فى الأجزاء المتخلفة) لا تُُُستخدم فى التراكم الرأسمالى، من أجل التنمية، وإنما تخرج (تتسرب) خارج البلد، إذ ينعدم التكامل بين القطاعات، فى صورة إستيراد للسلع والخدمات التى لم يُُُهيء المجتمع لإنتاجها بالمعنى الواسع للإنتاج. ومن هنا أيضاًً يُُمكن مناقشة أزمة المديونية، التى طوقت الأجزاء المتخلفة، حين ضربت بجذورها فى كُُُل الإتجاهات التى كان من الممكن أن يبدأ المجتمع منها من أجل تنمية مستقلة، وذلك دون إثارة المسئولية التاريخية للطبقات الحاكمة المستدينة، وما يتعلق بذلك، إبتداءًً من: من الذى إستدان؟ ولماذا؟ وأين ذهبت أموال تلك الإستدانة، التى جرت مجتمعاًًت وأجيال نحو هاوية جهنمية؟ ما السبب إذاًً الذى جعل الأجزاء المتخلفة، متخلفة على هذا النحو؟ النظرية الرسمية تقول، تجاهلاًً مآسى الماضى، بضرورة إنتهاج موسع لإقتصاديات السوق والمزيد من الإندماج فى العالم الرأسمالى. فى حين أن ما أوصل الأجزاء المتخلفة إلى ما هى عليه هو بالضبط ذلك الإندماج الذى ترك البلدان خاوية من جُُل الموارد، مشوهة الهيكل، ولا يوجد أدنى إتصال ما بين القطاعات الثلاثة التى يتركب منها. وربما يكون عسيراًً، ما لم يكن مستحيلاًً، الوصول إلى تصورات واضحة عن التخلف فى قارتى التسرب، دون منهجية واضحة تأخذ فى إعتبارها تلك السمات المشتركة، وما وضوح الرؤية إلا الإنعكاس المباشر لوضوح المنهج، ولذا يتعين، حين درس ظاهرة ما فى مجتمع معين، اللجوء إلى فن ترتيب الأفكار فى سبيل إنتاج الفكرة، لفائدة ذلك المستقبل. فحين درس المسألة الفنزويلية(الصراع بين السلطة وبين رأس المال. بين الريع وبين الربح) وحين درس المسألة السودانية كذلك(الصراع بين الشمال وبين الجنوب، وبين الجنوب والجنوب، حول الماء والكلأ والنفط) فإنه يتعين تكوين الصورة الكلية من خلال البصر بالماضى(الإستعمار، ثم إستمرارية التسرب، وفقد شروط تجدد الإنتاج) كى يتم فهم الحاضر، ومن ثم إمكانية تصميم المشروع الحضاري الذى ينشغل بالتنمية المستقلة والإعتماد على الذات. وما الخطوات المنهجية التى مشيناها بصدد درس المسألتين، الفنزويلية، والسودانية، إلا منهجية مقترَََحة تُقدم نفسها كفرضية تدعى إحتوائها إمكانية معينة تتيح إستيعاب ما هو هيكلى وما هو آنى. إذ لا يُُُستساغ إجراء البحث على مجتمع ما دون منهجية واضحة تستمد وجودها من الوعى بالكُُل التاريخى(المحدد بتاريخ الرأسمالية) الذى تبلورت من خلاله الظواهر التى حددت شكل المجتمع فى الحاضر. يبقى أن نذكر ، ختاماًً، مقدار التفاؤل والحماس، الذى يحدونا بتعميم المنهج المقترح، لإجراء البحث فى ظاهرة ما، فى مجتمع معين، فى لحظة تاريخية محددة، إذ نبدأ ، من خلال مرتكزات فكرية معينة ، بفهم الظرف التاريخى للظاهرة وصولاًً إلى أسباب نشأتها وتطورها خلال الزمن، وبعبارة أخرى أكثر دقة وتفصيلاًً، فإن منهجنا المقترح إنما يتركز فى مجموعة من الخطوات الفكرية، التى تنشغل، فى المقام الأول، بالطريقة التى يتبعها الذهن فى سبيله لإنتاج الأفكار الحاكمة للظاهرة محل البحث، وتتلخص تلك الخطوات فى: - البحث فى التاريخ، وإنما إبتداءًً من ما هو تاريخى فى الإقتصاد السياسى. بفحص الظاهرة فى إطار من النظام الإمبريالى الذى أخذ فى الهيمنة إبتداءًً من القرن السادس عشر. وذلك إعتداداًً بالإقتصاد السياسى كعِِِلم ينشغل، ضمن ما ينشغل، بنمط الإنتاج الرأسمالى. - البحث فى الإقتصاد، وإنما بوعى بكونه ليس وليد اليوم، أو صدفوى، وإنما تشكل هيكله، بقطاعاته، عبر فترة زمنية طويلة جداًً. ترتد إلى عدة قرون فى الماضى، خلال تلك الفترة حدث التشوه فى الهيكل، بعد أن سيطر، على المستعمرات تحديداًً، التقسيم الدولى للعمل والإنتاج، فأصبحت المستعمرات المصدر الرئيسى للغذاء (ومن هنا يتشكل الهيكل بغلبة الزراعة على مجمله) والمواد الأولية وقوة العمل(بما يجعل الهيكل قائم على تلك السلعتين، فقط) - البحث فى المجتمع، وإنما بهدف التعرف على أوجه الصراع الطبقى بداخله، الذى على أساسه يتطور المجتمع، يستلزم هذا التعرف تكوين الوعى الناقد بشأن الطبيعة الطبقية لمؤسسة الحكم، ومدى تبعيتها للإمبريالية الدولية، بما يُُقدم مصلحة رأس المال على مصلحة الوطن، فى أغلب الأحيان. كما يستلزم هذا الوعى الإنتباه لمحاولة رأس المال تمييع قضية التناقض والتواطؤ، وذلك بتسويق قولة التواطؤ بين رأس المال وبين السلطة، والتى إستهوت الكثير دون وعى بالهدف الكامن وراء تلك القولة المضللة، فمعنى التواطؤ بين رأس المال وبين السلطة وضع جميع الطبقات فى المجتمع (دون تمييز) فى كفة واحدة قبِِل ذلك التواطؤ فى الكفة الثانية، بما يستتبع طمس معالم التطور الجدلى للتاريخ والمجتمعات. ومن ثم تعين أن يسير الدرس فى إتجاه مختلف يرتكز على الوعى بالصراع، لا التواطؤ كما يروج، ما بين رأس المال وبين السلطة من جهة، والصراع ما بين الطبقات التى يتكون منها المجتمع، فى مرحلة أولى، ثم الصراع بين جزء محدد من تلك الطبقات وبين السلطة، فى مرحلة ثانية، من جهة أخرى. معنى ذلك أن الشعب(بطبقاته المتباينة) داخل الدائرة، وليس خارجها، كما يريد الخطاب الأيدلوجى السائد. تلك الخطوات الفكرية المقترحة لم نطرحها بترتيب معين، إذ الظاهرة هى التى تتحكم غالباًً فى ترتيب الخطوات، فربما تستلزم ظاهرة ما البدء بالإقتصاد كخطوة أولى، فى حين تستوجب ظاهرة أخرى البدء بالتاريخ،وثالثة توجب البدء برصد الواقع والوقائع،وهكذا. المهم فى المنهج الذى نقترحه هو تكامل الخطوات بلا إغفال أو تخطى لواحدة منهم أو أكثر. إن درس الحاضر فى ضوء الماضى لفائدة المستقبل، إنما يعنى الفهم، الواعى، لحركة التاريخ البطيئة والعظيمة، والتى كونت فى رحمها الحاضر بجميع تفاصيله، وتركت لنا تشكيل المستقبل، والإختيار إما الموت وإما الحياة. . . إما الموت إنتحاراًً جماعياًً على ظهر كوكب يعتصره نظام عالمى لا يعرف العدالة أو الرحمة، وإما الحياة بدفع عجلات التاريخ نحو مستقبل لديه مشروعاًً إنسانياًً يستلهم وجوده من تراث الإنسانية المشترك. إما الطموح إلى أكثر من الوجود. وإما الصلاة لئلا يأتى المخرب شتاءًً بعدما قاد المخبولون العميان. ألا طمحنا إلى أكثر من وجودنا؟ فلنطمح إلى أكثر من الوجود.
#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإقتصاد السياسى للتخلف (4)
-
الإقتصاد السياسى للتخلف (2)
-
الإقتصاد السياسى للتخلف (1)
-
الإقتصاد السياسى للتخلف (3)
-
حينما يتأسلم القضاء
-
فى نقد أسطرة الدين
-
خمسائة عام من الإنحطاط
-
كارل ماركس
-
فرضيات جرامشى
-
أزمة فهم الأزمة
-
إعادة إنتاج السلطة
-
رسالة الشيخ الأكبر محى الدين بن عربى، إلى فخر الدين الرازى
-
مَن الذى يبنى إسرائيل الكبرى؟
-
تلخيص العمل المأجور والرأسمال
-
من كتاب (الإقتصاد السياسى للتخلف) ل محمد عادل زكى
-
الديالكتيك، بين إبن خلدون وماو تسى تونج
-
الصراع الإجتماعى فى السودان. منهج مقترح للفهم
-
البتروليتاريا
-
جدلية الصراع الإجتماعى فى فنزويلا
المزيد.....
-
إخفاقات الديمقراطيين تُمكّن ترامب اليميني المتطرف من الفوز ب
...
-
«الديمقراطية»: تعزيز صمود شعبنا ومقاومته، لكسر شوكة العدو، ي
...
-
العدد 578 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: أكتوبر ثورة العدل والحرية
-
برنامج مهرجان طريق الشعب التاسع
-
تأخير محاكمة 13 مناضل من الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة
...
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
في سلطنة عُمان.. بوليفية تُلهم جيلاً جديدًا من الباحثين والع
...
-
السيسي يعيد تشكيل الخريطة العمرانية بقوة السلاح
-
«سيديكو للأدوية» تمنح العمال إجازة إجبارية حتى الخميس المقبل
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|