|
الإقتصاد السياسى للتخلف (2)
محمد عادل زكى
الحوار المتمدن-العدد: 3289 - 2011 / 2 / 26 - 00:24
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الإقتصاد السياسى للتخلف ((الجزء الثانى)) الفصل الأول المرتكزات النظرية، والأدوات الفكرية تمهيد وتقسيم : الإشتراك فى الغَرضِ هو ما يَجمع مباحث هذا الفصل، والذى نعتبره فى الواقع فصلاًً جوهرياًً، مفصحاًً عن مُجمل مذهبنا(فى المُرتَكزات النظرية والأدوات الفكرية) على الرغم مما يبدو"ظاهرياًً "مِن عدم إرتباط فيما بين أجزائه، مِن جهة إمكان أن يُشكل كُُل واحد منهم فى ذاته مَحلاً لبحثٍ موسع؛ إلا أن الواقع يَكشف عن إرتباطهم بالتحليل كأدواتٍ فكرية وكمُرتَكزات نظرية، لا غنى عنها، نستعين بها فى تحليل وتشريح الظاهرة الإجتماعية مَحل البحث، فالمبحث الأول يَنشغل بتَحديد أََولىّ لما نَعنيه بعنوان الأطروحة بالأساس، وبعبارة أخرى: ماذا نعنى بالإقتصاد السياسى؟ حينما نقول أننا نَدرس الإقتصاد السياسى؟ أو نَبحث فى الإقتصاد السياسى للتخلف؟ أما الثانى فيهتم بكيفية التحليل وألياته. يهتم بالمرتكزات والمقومات، والثالث يَهتم بحقل التحليل وسياقاته. فالمبحث الأول على هذا النحو إذاًً إنما يَنشغل بتحديد العِلم الذى نبحث فيه ومِن خلاله فى الظاهرة، وعن القوانين الموضوعية الحاكمة لها على الصعيد الإجتماعى، وإنما إبتداءً مِن إستخدامه، أى العِلم، فى سبيل تفكيك الظاهرة وفحصها وإعادة تركيبها على نحو عِلمى، إذ لا نهدف مُطلَقاً، فى أطروحتنا تلك، تحديد العِلم المجرد بالدخول فى نظريات المعرفة، كما لم يَكن فى البال بالأساس تعريف عِلم الإقتصاد السياسى، أو الحديث عنه مجرداًً فى ذاته. إذ أننا وفى سياق التحديد الوظيفى للإقتصاد السياسى نَنشَغل بمعاينة العمود الفقرى الذى تتمفصل حوله جميع الظواهر الإقتصادية والإجتماعية مَحل التحليل، ومِن ثم نلتزم منهجياًًًً بعدم مغادرة القيمة، العمود الفقرى كما أسلفنا، ونحن فى سبيلنا الباحث فى ظاهرة التخلف بوجه عام، كظاهرة رئيسية، وفى سبيلنا الباحث، كذلك، فى الظواهر المرتبطة بتلك الظاهرة الرئيسية، والتى تطرح نفسها فى لحظة تاريخية معينة. أما المبحث الثانى فيُعالج الكيفية التحليلية "التى تَعمل مِن خلالها الذهنية" وهى فى طريقها كى تُنتِج الفكرة. أما المبحث الثالث فيهتم بمُعاينة حقل التحليل تاريخياًًً وجغرافياًًًً. المباحث الثلاثة على هذا النحو إذاًً إنما تهدف إلى أن تَكون جسماً نظرياً يَتَمكن مِن تقديم نفسه كمدخل مناسب لبحث أكثر تقدماًًًً، ومِن خلال التسلح بأدواته الفكرية الثلاثة نتقدم فى سبيلنا لتحليل الظاهرة الإجتماعية محل البحث. مفهوم ذلك أن المرتكزات التى ستطرح نفسها فى فصلنا الأول هذا، إنما تَطرح نفسها كوسائل لبناء جسم نظرى معين، وبلوغ غايات مُحددة، وليست هى الغاية، إذ ليست مطلوبة فى ذاتها؛ فنحن، مثلاًً، لا ندرس السلع وقيمها، ومُحدِدَات أثمانها فى ذاتها؛ وإنما ندرسها كى تَكون لدينا أدوات فكرية (تَرتكز على الوعى بماهية رأس المال، والتراكم، ورأس المال الثابت ورأس المال المتغير، ورأس المال الأساسى، ورأس المال المتداول، والقيمة والثمن والربح والأجرة، وثمن الإنتاج وثمن التكلفة،..... ) تساعدنا على فهم وتحليل، مُتعمق، بشأن السلعة والصراع الإجتماعى الدائر حولها، والتى ستكون أمامنا حين الذهاب إلى فنزويلا. النفط. كما أننا لا ننشغل بدرس مُحدِدَات عِلم الإقتصاد السياسى، بل والمضى خطوات أََبعد بتجريد ما عداه مِن صفة العِلم، إلا لكى نَدرس الوضع الإجتماعى الراهن فى فنزويلا، والذى يمدنا الإقتصاد السياسى كعِلم إجتماعى بالأدوات الفكرية اللازمة ونحن فى سبيلنا لهذا الدرس، إذ قد تُمكننا تلك الأدوات مِن التعامل مع العديد من الإشكاليات التى تطرح نفسها ومنها إشكالية تحالف قوة العمل مع رأس المال، بما يحوى ذلك من إمكانية إعادة طرح الأفكار التى التعامل معها إلى وقت قريب كمسلمات نهائية. وما نقول به بشأن السلع وقيمها وأثمنها، وبشأن الإقتصاد السياسى وموضوعه ومُحدداته، إنما يَصدُق بشأن الحقل التاريخى والجغرافى للتحليل العلمى للظاهرة الإجتماعية محل البحث؛ إذ أن دراسة الخمسمائة عام الماضية، أى دراسة تاريخ الرأسمالية، لا يُمثل لنا مَحلاًً لإهتمام مباشر، بل كُُل ما يهمنا هو النظر"التاريخى" للبلد، وللظواهر الإجتماعية التى تَتَبلور فيه، كالناظر إلى الصورة الكبيرة مِن بعيد، كى تكون الرؤية تاريخياً وآنياًً أكثر وضوحاً ونقاءً؛ فلا ننظر إلى فنزويلا كبلد معزول، بل تتسع رؤيتنا وتمتد كى ترى فنزويلا وهى أحد الأجزاء المكونة لخريطة العالم الأكبر؛ والذى إندمجت فنزويلا فيه؛ قسراًً، كأحد الأجزاء المتخلفة الممدة الأجزاء الإستعمارية بالمواد الأولية. ما هو الإقتصاد السياسى؟ الإقتصاد السياسى للتخلف. ربما يبدو عنواناًً غير سائغ لدى البعض، وربما يَرجِع ذلك للبناء اللغوى للعنوان ذاته، ولربما يَرجِع، وهو الراجح، إلى ضبابيةِ الوعى بشطرى العنوان(الإقتصاد السياسى/التخلف) مِن الوجهة الإصطلاحية، أو على الأقل وجود بعض الأفكار ولكنها مبنية على أساس مِن الفهم الإنطباعى المشوش، الأمر الذى يَقودنا منهجياًً إلى ضرورة مُعالجة ما الذى نعنيه بالإقتصاد السياسى(بتميَّيزه عن الإقتصاد. النظرية الرسمية) مِن خلال تحديده كعِلم إجتماعى. إن سعينا للتعرف على ماهية الإقتصاد السياسى، إنما يتماهى مع سعينا لإستخلاص مجموعة الأدوات الفكرية التى تُمكنا مِن الإقدام على تحليل الظواهر الإجتماعية وردها إلى الكُُُل الذى تنتمى إليه؛ فنحن حين نتوصل إلى تحديد عِلمنا على الصعيدين الموضوعى والمنهجى، نكون أمام مستو ثانٍ يتعين بلوغه، وهو مستوى إستخلاص الأدوات الفكرية الصحيحة والفعالة والتى يمدنا بها العِلم، دون إخصاءه؛ لمصلحة طبقة إجتماعية أو نظام سياسى!! وفى المستوى الثالث يتم إعمال الأدوات، على الصعيد الواقعى، فى الظاهرة، ومظاهرها، بغية تفكيكها بتشريحها لتعديتها إلى الكُُل الذى تنتمى إليه. تفكيكها بغية إعادة تركيبها ذهنياًً على نحو عِلمى. وبالجملة فنحن نبحث عن، وفى، العِلم الذى يُمكننا مِن فهم وتحليل ظاهرة التخلف كظاهرة رئيسية، تتبلور من خلالها الظاهرة التى نذهب إلى تحليلها فى فنزويلا. أى تحالف قوة العمل مع رأس المال. وسنجد لدينا (عِلمين!!) الإقتصاد، والإقتصاد السياسى. فالشائع أن "عِلم الإقتصاد"و"عِلم الإقتصاد السياسى" يتمتعا بصفة العِلم. الأمر الذى يُلزمنا، أولاًً، أن نُحدد أيهما نستعين به فى سبيلنا للبحث عن الظاهرة. وذلك بالتأكيد بعد تمييزهما عن بعضهما. أزمة فهم الأزمة فلعل الأزمة تُعَبِر دائماًً عن نفسها مِن خلال أزمة مقابلة تتمثل فى أزمة الفهم، ومِن ثم أزمة فى التحليل، بما يستصحب أزمة فى المعالجة والحل. أزمة فهم الأزمة(1)إذاًًًً هى الأزمة وليست الأزمة فى ذاتها، فالأزمة فى ذاتها دائماًًً ما تكون قابلة للتعامل معها كلياًًًً أو جزئياًًًً وعلى مستويات مختلفة مِن التناول ومِن الحل، وهو الأمر المستحيل طالما عجزنا عن فهم طبيعة الأزمة نفسها، وخصائصها الذاتية، وشروطها الموضوعية. فعلى سبيل المثال البسيط جداًً، والذى يُجسد وببساطة مَقُُولتنا: أزمة فهم الأزمة، وكما سنرى فيما يلى مِن الخطوات الفكرية التى سنمشيها سوياًًًً عبر فصول ومباحث الأطروحة، فحينما نَشبت أزمة النَفط الشهيرة فى ثمانينات القرن الماضى، تم التعامل معها على أساسٍٍ مِن كونها أزمة طاقة، أو أنها تكمن فى الدولار، أى أزمة نقدية، وذلك على الرغم مِن أن الأزمة كانت، ولم تزل، أزمة هيكل......أزمة نظام. أيضاًًً، تعتيم آخر، لم يكن بدون توافر السطحية والإبتذال، فحينما تبدت وإنتشرت ظاهرة الصناعات اليدوية، كصناعة الأحذية مثلاًً، فى بعض الأجزاء المتخلفة مِن الإقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر، فيتنام، على سبيل التمثيل، وتسويقها على الصعيد العالمى، كسلع تخص إستهلاك الطبقة العليا مِن المجتمع؛ لإرتفاع أثمانها بالنسبة لصناعة الآلة، أو الصناعات المحلية، تبدت فى المقابل التفسيرات الثورية!! والمدعية لنفسها النفاذ إلى بواطن الظاهرة؛ ذهاباًً إلى تفسير الظاهرة على أساس مٍن إندفاع رأس المال إلى تلك المناطق الفقيرة مِن العالم، وإستخدام عمالة رخيصة، تمكنه، أى رأس المال، مِن جنى الأرباح الطائلة مِن وراء الحصول على المزيد والمزيد مِن القيمة الزائدة. تتبدى أزمة فهم الأزمة هنا فى إلغاء الصراعات الطبقية بداخل المجتمع المندَفَع إليه والمتغلغَل فيه رأس المال، وتصوير المجتمع كوحدة واحدة متجانسة، (كلهم واحد) على الرغم من أن رأس المال هذا لن يندفع إلى منطقة ما مِن مناطق العالم الرأسمالى إلا وهو ضامن وجود وهيمنة الطبقة الموالية له، ومِن هنا فإن رأس المال لم يندفع كما يُقال، بل يُعاد توزيعه مِن خلال الطبقات الحاكمة المهيمنة فى الأجزاء المتخلفة، إن تلك الطبقات المسيطرة داخلياًًًًً تكون اليد الأولى حين جنى الربح. مثال آخر، الإقتصاد الإسرائيلى. فعادة ما يُدرس هذا الإقتصاد كإقتصاد دولة، لها موازنة عامة ونفقات عامة وإيرادات عامة، وميزان للمدفوعات ودخل قومى وناتج قومى، وخطط تنموية....إلى آخر تلك المظاهر المحِددَة لشكل وأداء الإقتصَاديات القومية. وهذا بالضبط ما يرفضه فن ترتيب الأفكار الذى يتعامل مع الإقتصاد الإسرائيلى على أساس من كََونِه إقتصاد "مشروع" دولة، وليس إقتصاد دولة. وحينئذ يتعين أن يسير التحليل فى إتجاهٍ مختلف تماماًً، وهو الذى يأخذ فى إعتباره العناصر الصحيحة المتَعين تحليلها وهى النفقات والإيرادات مع تساؤلات خاصة عن مَن الذى يتحمل النفقات؟ ومَن الذى يسيطر على الإيرادات؟ ومَن، مِن ثم، الذى يجنى الأرباح؟ بل وحتى حينما تناقلت وكالات الأنباء العالمية المسألة الفنزويلية، وهذا مثال آخر، ورئيسى فى مجرى التحليل، فقد هَرَعت بعض فصائل اليسار على وجه التحديد، بلا منهج واعٍٍ، لتأييد الإجراءات الراديكالية، دونَ الوعى بما يَحدث أو حدثَ بالأساس، فطالما تعلق الأمر، لديهم، بمؤسسة حُكم تُصرِح بأنها تتبنى أفكار ماركس ولينين وتروتسكى، وتقوم بتأميم الملكيات الخاصة، وتتحدى الولايات المتحدة الأمريكية، فالأمر على هذا النحو يستحق التأييد وإصدار البيانات وتنظيم المظاهرات، دون أدنى محاولة إنشغال بما أفرزته المسألة على صعيد التطور الجدلى الإجتماعى ذاته، وهو الأمر الذى، إذ ما تم تدبره، يُقدم نتائج مدهشة فى سبيل قيام اليسار بإعادة طرح نفسه، بيد أن الإنشغال بالنتائج الجاهزة ونظريات كراسات التعميم، هو الحال السائد فى ظل غياب المنهج الواعى. المنهج والقادر على إسعاف مَن أصابهم الإرتباك حينما أبصروا تحالفاًًً جديداًًً، شكلاًًً ومضموناًًً، وهو ذلك التحالف بين قوة العمل وبين رأس المال فى فنزويلا!! المثير حقاًًًً أن هذه المسألة تم التعامى عنها تماماًًًً والتستر عليها، بتعلية الصوت لجذب الإنتباه نحو مسائل سطحية توحى ظاهرياًًًً بإنتصار الإشتراكية على الأرض الفنزويلية. على الرغم مِن أن المسألة الفنزويلية نفسها مِن الثراء بالقدر الذى يُصبح باهتاًً معها كُُل الأحاديث عن إنتصار الإشتراكية. فالذى إنتصر فى فنزويلا، كما سنرى، المنهج، فن ترتيب الأفكار، وليس النظرية القابلة بطبيعتها للتطور. مثال آخر، وهو مُبسط كذلك للتدليل على ما نقول به مِن كمون الازمة فى فهم الأزمة، فطالما يتم تحويل"القيمة"، والقيمة الزائدة هى المقصودة، مِن الأجزاء المتخلفة إلى الأجزاء المتقدمة، فإنه يُصار إلى القول بأن بروليتاريا الأجزاء المتقدمة مدعوة إلى التضامن مع بورجوازيتها بغية الحفاظ على الوضع العالمى القائم، وإذا كان تحويل القيمة هذا إنما لا يُقلص فحسب تعويض العمل، وإنما هامش الربح المحلى كذلك، فيُصار إلى القول هنا أيضاًً بأن بروليتاريا الأجزاء المتخلفة مدعوة للتضامن مع بورجوازيتها فى صراعهما ضد الخارج. ولكن فى الحقيقة الأمر مختلف، وإنما قيل بذلك إبتداءً مِن مغادرة فن ترتيب الأفكار، فلا شك فى أن بروليتاريا الأجزاء المتقدمة تَتَلقى، لقاء إنتاجية مساوية، تعويضاًً وسطياًً أرفع مِن ذلك الذى يتلقاه العاملون فى الأجزاء المتخلفة. بيد أن الرأسمال، وتلك مساهمة سمير أمين، ولكى يُصارع ميل الربح للإنخفاض فى الأجزاء المتقدمة نفسها، كقانون موضوعى، يستورد يداًً عاملة منشؤها الأجزاء المتخلفة، فيدفع لها أجراًً أقل ويكلفها بأعمال أشق، ويستعملها فضلاًً عن ذلك لكى يضغط على سوق العمل، لديه، فى الأجزاء المتقدمة. وبالتالى لا يَصح على الإطلاق الحديث، على الأقل آنياًً، عن تضامنات مِن تلك الأنواع غير المفهومة أو على الأقل غير المبررة عِلمياًً. والأمثلة عديدة، ويَضيق المقام هنا للخوض فيها. ومِن ثم فإن الأمر يَقودنا كى نتعرف على الطريقة التى تُستعمََل، وبالأدق الذى يجب أن تُُستعمََل، مِن خلالها الذهنية فى سبيلها للتعامل مع إشكالية نظرية ما تشكلت على أرض الواقع فى لحظة تاريخية معينة. وهذا تحديداًً ما ينشغل به المبحث الثانى الذى يُُعالِِج قضايا المنهج وفن ترتيب الأفكار. عالم السلع ولعله، كذلك، مِن الأسباب الرئيسية لكمون الأزمة فى أزمة فهمها، إنما يَرجِع إلى تلف كبد الحقيقة العلمية، وغياب الأعمدة الرئيسية التى يُشيَّد عليها البناء النظرى للفكرة المنتَجة على الصعيد الإجتماعى والإقتصادى والسياسى. فطالما تم تجاهل النظرية الكمية والنظرية الموضوعية فى القيمة، فغالباًً ما يظهر الخلل، ولو بشكل جزئى. ونحن هنا لا ندعى إمتلاك ناصية الحقيقة الإجتماعية على الإطلاق، وسنجعل خطوات التحليل هى التى تتولى قيادتنا. فلا يُنكِر أحد أننا نعيش فى عصر السلع، عصر الإنتاج السلعى، الإنتاج يتم خارج السوق ولكن مِن أجل السوق، الإنتاج مِن أجل المبادلة. ولا يُنكِر أحد أن جميع السلع الموجودة ما هى سوى"إستخراج وفصل وضم" لعناصر مادية موجودة سلفاًً فى الطبيعة، وتلك المواد لا تفنى ولا تُُُستحدث من العدم. السلاح. النفط. المخدرات. السيارات. الجنس،...كُُُلها سلع معروضة فى السوق، فهناك سوق السلاح وسوق النفط، وسوق المخدرات، وهكذا،.....ويُمكن القول، وفقاًً لماركس، بأن ثروة المجتمعات التى يَسودها الأسلوب الرأسمالى للإنتاج، تَبرُز بوصفها تكديساًً هائلاًً مِن السلع، بينما تَبرز كُُُل سلعة على حده كشكل أولى لهذه الثروة. وطالما نحيا العصر السلعى، أى أن السلع هى محور حياتنا اليومية، فلا بد مِن فهمها والتعامل معها، نظرياًً، قبل أن تَطرح نفسها فى السوق مُعبرة عن نفسها فى مظهر نَقدى. هو الثمن. السلعة فى مرحلة العملية الإنتاجية هو الأمر الذى يعنينا إذاًً، إنها المرحلة التى تقوم فيها قوة العمل بتفعيل وسائل الإنتاج(مواد العمل، وأدوات العمل) تفعيلاًً سلعياًً مِن أجل السوق. الأهم إذاًًًًً لدينا هو الذهاب إلى حقل الإنتاج، الذى تتم فيه عملية فَصل وضم وإستخراج المواد الموجودة سلفاًً فى الطبيعة، بواسطة قوة العمل الخالقة للسلع. ومِن ثم فلن ننشغل بحقل التداول إلا فى مرحلة تالية لتحليل حقل الإنتاج الذى يَشهد مولد نمط الإنتاج الرأسمالى. والسلعة التى ستطرح نفسها فى أطروحتنا هنا هى سلعة كََكُل السلع التى تُطرَح فى الأسواق، إذ لها سوقها الخاص، ولها أثمان، تنخفض وترتفع، ولها إحتكارات، وتدور حولها الأزمات، كما أنها تُنتَج بمعرفة (قوة العمل)التى تََستخدم(مواد عمل) و(أدوات عمل) فى سبيل التنقيب والإستخراج والتحويل والإستغلال والإستهلاك. تلك السلعة هى (النفط) ولذا يكون مِن الضرورى منهجياًً ليس فقط التعرف عليه تعرفاًً ذاتياًً، وإنما التعرف على الشروط الموضوعية لإنتاجه وتجديد إنتاجه، أى قبل تداوله كسلعة. كمُنتََج نهائى أو شبه نهائى فى الأسواق المحلية و/أو العالمية، وهو الأمر غير الممكن بدون فهم العلاقة الجدلية التى تطرح نفسها فى حقل القيمة/الثمن. الأمر الذى يستوجب التعرف على النفط مِن جهات محددة: وبصفة خاصة قيمته وثمنه. 500 عام من الإنحطاط وحيث أن البلد الذى سيكون مَحل الدراسة فى أطروحتنا، بإعتباره مسرحَ الأحداث، يُمكن تحديده جغرافياًً، كما وأن أمكن تحديد الأحداث زمنياً وتاريخياًً، فهنا يَلزم وضع مَحل التحليل (فنزويلا، والسودان كذلك) فى سياق حقل مُحدد(عالم الـ 500 عام الماضية وإمتدادها الآنى) يتم التعامل مِن خلال حدوده تلك مع مَحل البحث وظواهره الإجتماعية، وهو الأمر الذى يَستلزم النظر إلى فنزويلا(والسودان كذلك) كأحد الأجزاء المتخلفة مِن الإقتصاد الدولى المعاصر الذى تَكون عبر خمسمائة عام مِن النهب والهمجية والمذابح وحروب الإبادة، وإزالة حضارات مِن على خريطة العالم، خمسمائة عام مِن الإنحطاط!! حقاًً، 500 عاماًً لم تخلف سوى كوكب يهذى!! ومِن ثم وجب التعامل مع الدولة محل البحث(فنزويلا، والسودان كذلك) إبتدءً مِن هذا، أى التعامل النظرى معها مِن خلال الوعى بالعملية التاريخية، المكوِِِِِنة لظاهرة التخلف الإجتماعى والإقتصادى والسياسى والإدارى والثقافى...والتى تمت خلال 500 عام، وليس التعامل الآنى بصفتها دولة مُنعزلة، بلا تاريخ، كما يَشِيع، بشكل نهائى، فى النظريات الرسمية الأكاديمية التى تتعامل مع الإقتصاديات القومية كإقتصاديات حديثة النشأة تعيش بمعزل عن بعضها البعض، بل ويَصل الأمر إلى تلقين أكاديمى يتحدث للطلاب عن إقتصاديات قومية لا تعيش فقط بمعزل، وإنما لا تقيم أدنى مبادلات أو علاقات إقتصادية أو تجارية مِن أى نوع فيما بينها، حتى بدون إعتبار ذلك حيلة منهَجية، يُمكن مِن خلالها فهم الإقتصاديات الوطنية وطبيعتها وخصائصها وإستيعابها كخطوة فكرية أولى لفهم العلاقات الجدلية بين تلك الإقتصاديات على الصعيد العالمى. النظرية الرسمية حينما تقدِم الإقتصاديات القومية إنما تَفترض بشكل نهائى الإنعزال؛ ولا تذهب مطلقاً إلى فهم هذا الإنعزال، على المستوى النظرى، على أساس مِن كونه مرحلة فكرية أولى، تتبعها مرحلة فكرية تالية تنشغل بدراسة العلاقات الجدلية بين تلك الإقتصاديات. ولكن هذا ما لا يمكن تلقينه، لمخالفته الفكر الرسمى!! وحتى حين إفتراض العلاقة بين الدول، فإن الدراسة تأخذ إتجاه لا يؤدى سوى إلى نفس نتائج إفتراض الإنعزال؛ إذ تدرس العلاقات الإقتصادية الدولية كعمليات تبادل فى إطار دائرة التبادل الدولى، تجريداًً من هيكل الإقتصاد الدولى فى تطوره، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تدرس العلاقات الإقتصادية الدولية كعلاقات تبادل وكأنها تقوم بين إقتصاديات وطنية متجانسة من حيث نمط التطور ومستواه، وإذا وجد الوعى بالتفاوت الكيفى بين مستويات تطور الإقتصاديات الوطنية الداخلة فى التبادل الدولى، أخذ هذا التفاوت كمعطى، دون إثارة كيفية تحققه فى إطار عملية تطور الإقتصاد الدولى، عقب ذلك يكرس جل الوقت لدراسة النظريات التى تشرح، دون وعى، التبادل الدولى: أساس قيامه. كيف تتحدد الأثمان الدولية إبتداءًً من الطلب والعرض الدوليين. كيف توزع "مزايا" التبادل الدولى بين الدول، وهكذا يسير الدرس نحو وثنية الفكر السطحى المعاصر. إن إلقاء النظر على هذا النحو على مُجمل الأحوال والأوضاع التى تَبلورت وهيمَنت، ولم تزل، خلال الـ 500 عام الماضية بإعتبار فنزويلا أحد البُلدان التى عاشت وعانت وتعيش وتعانى خلال تلك الحقبة، هو مِن الأمور الجوهرية التى لا يَستقيم البحث بدونها، فلا بد مِن دَرس البلد فى سياق العالم الكونى الذى تعيش فيه زمانياًً ومكانياًً. ومن الوجهة العلمية فلا يمكن فهم الحركة العامة لإقتصاد ما فى أية مرحلة من مراحل تطوره فى التاريخ المعاصر إلا فى إطار الركة العامة للإقتصاد الولى العاصر، الذى هو بطبيعته، على الرغم من التغيرات الهيكلية والزمنية التى طرأت وما زالت تطرأ عليه، إقتصاد ذو طبيعة رأسمالية. وربما سنواجه بعض الصعوبات فى سبيل عرض هذا المبحث، نظراًً لأن اللجوء، بشكل نهائى، إلى الأرقام والإحصائيات، وقد إستخدمناهما فى مواضعهما، وبالإضافة إلى أنه غير قاطع اليقين على الرغم مِن الإمكانية التى يحملها الرقم فى ذاته، وبالإضافة إلى أنه مزعج إلى أقصى حد؛ فهو لا يؤدى بنا إلا إلى ترجمةٍ رقمية، لا تكفينا، للفساد والكساد والإفلاس والإنحطاط والمجاعات والفقر، نعتبره غير مُعبِر عن الذى نَوَد أن نقوله حقيقة، الأمر الذى سيقودنا (دون إهدار الرقم بالتأكيد) إلى الحرف واللغة غير المتحفظة التى تَفرِض نفسها فرضاًًًً؛ كى نُعبر بها عن ما نود قوله فعلاًًً، والمجاهرة به دون مواربة، وهو ما سننشغل به فى المبحث الثالث الذى يهتم بالتعرف على كيف يستطيع عالم اليوم، وفنزويلا، والسودان كذلك، أحد أجزائه، أن يُجيب على سؤالين محددين: ما الحياة؟ وما الهدف منها؟ وعلى ذلك ينقسم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث على النحو التالى: المبحث الأول: الإقتصاد السياسى، كعلم إجتماعى. المبحث الثانى: فن ترتيب الأفكار وقضايا المنهج. المبحث الثالث: 500 عام من الإنحطاط !!
المبحث الأول : الإقتصاد السياسى كعِلم إجتماعى كى يمكننا البحث فى ظاهرة إجتماعية معينة، فلابد مِن أن يتوافر لدينا الحد الأدنى مِن الأدوات الفكرية التى تمكننا مِن إجراء هذا البحث، والأدوات الفكرية تلك، لن نتمكن مِن إستعمالها إلا إذ ما كانت مُقدَمة مِن عِلم. وليست مستخلصة مِن مجموعة مِن التصورات الشخصية، أو مستفادة مِن حفنة أراء حرة؛ الأمر الذى يتعين معه البدء مِن حيث العِلم الذى سنستخدم أدواته فى سبيلنا الباحث فى الظاهرة محل الدراسة، ولذا سيكون مطلبنا النظرى هنا منشغلاًً بالعِلم. العِلم الذى يمدنا بأدوات فكرية تمكننا مِن تشريح وتفسير، بل وتغيّير، الظاهرة المعنية، والظاهرة التى سنطرحها للمناقشة على العِلم فى مبحثنا هى السلع، مِن جهة قيمتها وثمنها، فما الفارق بين القيمة وبين الثمن؟ وعلى أى أساس تُحدد القيمة؟ وعلى أى أساس تحدد الأثمان؟ المطالب التى يتكون منها مبحثنا تسعى للتعرف على كُل ذلك، إبتداءًً مِن البحث عن العِلم الذى يمدنا بالأدوات الفكرية التى تعيننا حال بحثنا حين الذهاب إلى فنزويلا، والسودان كذلك، ومروراًً بالأدوات الفكرية نفسها، وإنتهاءًً بفهم وتفسير الظواهر التى تطرح نفسها على العِلم وأدواته الفكرية بغية الكشف عن جوهرها وعن طبيعتها، وعن القوانين الموضوعية التى تحكمها. على هذا الأساس يتفرع مبحثنا إلى: المطلب الأول: ما الإقتصاد السياسى؟ المطلب الثانى: القيمة والثمن. المطلب الثالث: " مداخلة" الشركات دولية النشاط. المطلب الرابع: التصور الهيكلى لتاريخ القيمة والثمن.
المطلب الأول: ما الإقتصاد السياسى؟ العِلم الفريد والملفت للنظر فى عباراتٍ شديدة الوضوح والتعبير، عن أزمة الماهية التى يُعانيها الإقتصاد السياسى" عند البعض" كعِلم إجتماعى، كََتبت روزا لوكسمبورج:"الإقتصاد السياسى عِلم فريد مُلفت للنظر، تبدأ الخلافات والصعوبات معه منذ الخطوة الأولى، أي منذ أن يُطرح هذا السؤال البديهى: ما هو، بالضبط، غرض هذا العِلم؟ إن العامل البسيط، الذى ليست لديه سوى فكرة مبهمة عن العِلم الذي يلقنه الإقتصاد السياسى، يعزى عدم يقينه إلى النقص الحاصل فى ثقافته الخاصة. غير أنه يشاطر، بمعنى مِن المعانى، سوء حظه كثيراًً مِن العلماء والمثقفين الذين يكتبون مجلدات ضخمة، ويلقون فى الجامعات عشرات المحاضرات أمام الشبان، حول الإقتصاد السياسى. إذ مِن واقع الأمر أن معظم أخصائيى الإقتصاد السياسى، ومهما بدا هذا أمراًً غير قابل للتصديق، ليست لديهم سوى فكرة مشوشة للغاية عن الغرض الحقيقي للإقتصاد السياسى. وأحيانًًا يُعطََى، وبكُُل بساطة، للإقتصاد السياسى، التعريف التالى: إنه "عِلم العلاقات الإقتصادية بين البشر". والواقع أن أولئك الذين يستخدمون مثل هذه المعادلة، يَعتقدون أنهم بهذا إنما يتفادون عقبات إدراج «الإقتصاد القومى» داخل الإقتصاد العالمى، وذلك عبر تعميم المشكلة بشكل مُبهم، وعبر التحدث عن إقتصاد البشر."(2) ما هو العِلم؟ عِلم الإقتصاد السياسى. هكذا يتردد؛ إذا نحن ظاهرياًًً، على أقل تقدير، أمام عِلم ، فهل هو عِلم حقاًً؟ وما هو العِلم؟ إنطلاقاًً مِن رفض التعريفات، والإعتماد على التحديدات يُمكننا القول بأن العِلم هو طريقة تفكير لتفسير ظاهرة مُعينة تُميز نفسها بمنهج وموضوع خاص، ومِن ثم الكشف عن القوانين الموضوعية الحاكمة للظاهرة. ولا يمكن الحديث عن وجود عِلم دون وجود الظاهرة؛ فالظاهرة هى السبب الرئيسى وربما الوحيد الذى يؤدى إلى ظهور الطريقة التى مِن خلالها يسعى الذهن مِن أجل تفسيرها والكشف عن قوانينها الموضوعية؛ فيمكن القول بأن عِلم الفلك، على سبيل المثال، مِن أسبق العلوم ظهورأً؛ إذ نشأ كى يُفسر ويُقيّم القوانين والشروط الموضوعية للعديد مِن الظواهر(المتكررة) التى أرقت الذِهن البشرى منذ بداياته الأولى، مِن رعد وكسوف وخسوف وأمطار إلى آخر تلك المظاهر الطبيعية (المتكررة) التى إستلزمت تبلور طريقة تفكير معينة شكلاًًً وموضوعاًً تنهض بتفسير الظاهرة وتُحدد لها الشروط والقوانين الموضوعية. أحدد هنا العِلم ولا أعرفه، أحدده بتحديد إنعكاسه المباشر وهو التفكير العِلمى. وذلك تجاوزاًً لكون العِلم: مجموعة القوانين والشروط الموضوعية المستنبطة والتى تفسر ظاهرة معينة. فطالما كان تحديد العِلم مِن خلال ما يَكشف عنه أكثر إيجابية فمِن الأوفق الركون إلى تحديده فى حالته الديناميكية، ومِن ثم القول بأن العِلم هو طريقة التفكير، تعبيراًً عن العِلم والتفكير العِلمى معا، لعدم إمكانية فصل الموضوع عن المنهج إلا كحيلة منهجية لإعتبارات التبسيط ودَرس كل منهما على إستقلال. ولكن، ومنعاًً للإرتباك حينما نَنتقل إلى التعامل مع عِلمنا، فسنَعمد إلى تفصيل التحديد على النحو التالى، تاركين، مؤقتاًً، ما نفضله مِن تحديدات ديناميكية. أولا : العِلم، وبالطبع نقصد هنا العِلم الإجتماعى: فهو مجموعة القوانين الحاكمة لظاهرة إجتماعية ما، والوصول إليها بالبحث فى، وعن، شروطها الموضوعية. ثانيا: أما التفكير العِلمى: فهو الطريقة التى يتبعها الذهن مِن أجل البحث أو الكشف عن تلك القوانين الحاكمة للظاهرة، بحثاًً فى، وعن، الشروط الموضوعية التى تَحكُم الظاهرة. ثالثا: لا يوجد، ولن يوجد عِلم، بدون "ظاهرة واضحة وجوهرية ومتكررة"، فالذى يُنشىء العِلم هو الظاهرة المتكررة وليس العكس، فالذى يُنشىء عِلم الإقتصَاد السياسى للنقود هو هيمنة النقود فى التعامل اليومى بين البشر، والذى يُنشىء الإقتصاد السياسى للمصارف والمؤسسات المالية، هو ظهور المصارف والمؤسسات المالية، وليس العكس، كما وأن أنشأ الخسوف والكسوف والرعد والبرق(كظواهر طبيعية متكررة تحتاج إلى تفسير) عِلم الفلك، وعلوماًًً أخرى، وليس عِلم الفلك أو عِلم الجغرافيا مثلاًً، هما مَن قاما بإنشاء الرعد أو البرق، أو السهول والأودية وممرات السيول. وهكذا حينما يتحول الإنتاج، مِن الإنتاج بغية الإشباع المباشر، ويُصبح بقصد التداول. بقصد البيع. بقصد الربح، كظاهرة منتظمة ومتكررة الحدوث، فيتعين حينئذ ظهور مجموعة مِن القوانين الموضوعية التى تَحكُم ظاهرة الإنتاج السلعى تلك، ومن ثم إقتصاد المبادلة النقدية المعممة. الإقتصاد، والإقتصاد السياسى مجموعتان لدينا مِن التصورات والرؤى والأفكار، يقدمان نفسهما على مائدة البحث (كعِلم) المجموعة الأولى، وتسمى نفسها "عِلم الإقتصاد"، والثانية وتنتظم تحت ما يُصطلح عليه بـ"عِلم الإقتصاد السياسى". ولا شك فى أن طُرقاًًً متعددة يمكن سلوكها لتمييزهما عن بعضهما البعض(3)، كالإرتكان للتاريخ لمعرفة متى نشأ الإقتصاد السياسى، ومَن هو الذى أطلق عليه(كعِلم) مسماه. وهكذا بشأن "الإقتصاد". طريقة كتلك ربما تحوى بين جنباتها ما مِن شأنه أن يُنشىء إقتصاد سياسى، وإقتصاد. كعِلمين قائمين ومنجَزين، وتُصبح المسألة محسومة(ظاهرياًً بالتأكيد)؛ إذ سينتمى الأول إلى المدرسة الفرنسية (بوردون، ولويس بلانكى، وبيير بواجيلبر، وآن جاك تورجو، وفرانسوا دوفيرجيه، . . .وغيرهم) والثانى ينتمى إلى المدرسة الإنجليزية(الإقتصاد السياسى الكلاسيكى، بعد تفريغه مِن محتواه الإجتماعى على يد النيوكلاسيك) ويتبدى الفارق بين الإثنين، بين الإقتصاد السياسى وبين الإقتصاد، فى أن الأول يُخالف الثانى بقيامه بدراسة المجتمعات فى حركتها وتطورها عبر الزمن، ومِن ثم تكون(مؤسسة الحكم) واقعة فى دائرة إهتماماته، وهو الأمر الذى تفادته المدرسة الإنجليزية، التى هيمنت فى العالم الإنجلوسكسونى؛ وجعلت الإقتصاد أقرب ما يكون إلى العلوم الطبيعية كالفيزياء، بإضافة (ics) إلى مصطلح "الإقتصاد"، الأمر الذى يَعنى، مِن ضمن ما يَعنى، تصفية مُتعمدة للإقتصاد من محتواه الإجتماعى. فهل الأمر فعلاًً كذلك؟ الظواهر والعلم أعتقد أن هناك ثمة خللٍٍ ما، هذا الخلل هو الذى أوحى بوجود(عِلم)إقتصاد، و(عِلم) إقتصاد سياسى، ومِن ثم أََمكن وضع نظريات كُُل منهما فى دائرة النقد. وأصبح الفارق الوحيد بينهما يَكمن فى التسمية ليس إلا. . . فالإثنان، إبتداءًً من هذا الخلل، إذاًًً لهما صفة العلم!! وكُُل ما يقدمانه مِن تفسيرات أو يضعناه مِن قوانين إنما يَقع مُباشرة فى حقل النقد كعِلم!! الأمر الذى يتعين معه أن نطرح على كُُُل مِن (العِلمين!!) سؤالاًً حول ظاهرة إجتماعية معينة ونرى مَن بإمكانه الإجابة، وليس فقط الإجابة، وإنما الإجابة الصحيحة، ومِن ثم إستحقاقه لصفة العِلم، إبتداءً مِن إثباته لقدرته على تقديم التفسيرات العِلمية للظواهر الإجتماعية، ومِن ثم أمكن التعامل معه فى حقل النقد، وفى الحالة العكسية فلن نكون إلا أمام مجموعة مِن الأفكار أو التصورات المرتبة غالباًً، ولكنها لا ترتقى كى تَقع فى حقل النقد والتقييم، وتظل دوماًً فى مرحلة ما قبل النقد. ولا يُسمح لها بأكثر مِن ذلك. كما قلنا أعلاه أن الفلك، على سبيل المثال، لم يَظهر كعِلم إلا لفهم وتفسير الكسوف والخسوف والرعد والبرق . . .إلخ، كظواهر إستدعت منظومة فكرية ما، تفسرها وتكشف عن قوانينها وشروطها الموضوعية. وسوف نفترض هنا، كحيلة منهجية، أن هناك(عِلم) إقتصاد. وعلى الجانب الآخر (عِلم) إقتصاد سياسى، ونبحث عن الظواهر التى إستدعت ظهور الإقتصاد لتفسيرها وتعديتها إلى الكُُل الذى تنتمى إليه، فكما إفترضنا ظهور الإقتصاد كعِلم، فسنفترض ظهور الإقتصاد السياسى كذلك كعِلم إستلزمته مجموعة مِن الظواهر التى إحتاجت التفسير. ذهنية الإقتصاد، وذهنية الإقتصاد السياسى (عِلم) الإقتصاد. مالذى يَنشغل به هذا (العِلم!!) مِن ظواهر؟ ربما يذهب البعض؛ رداًً على هذا السؤال، بأن السؤال بحاجة إلى إعادة صياغة، لأن الإجابة عليه تَستلزم "كلاماًًًً كثيرا". نقول لمن يقول ذلك: إن السؤال فى الواقع ليس فى حاجة إلى التعديل، وإنما ربما تَقصد أن تقول يحتاج إلى تبسيط. إتفقنا بغية التبسيط، ولنطرح السؤال الأبسط: ما الذى يُحدد ثمن السلعة؟ وهذا السؤال على درجة عالية مِن الجوهرية والأهمية حينما نذهب إلى فنزويلا، وكذلك السودان، بل سيكون مدخلنا، ووسيلة ذهابنا الأساسية، ليس معنى ذلك أن موضوع "الإقتصاد" هو نظرية الأثمان، وإنما يعنى السؤال طرح موسع "لذهنية" العِلم الذى نُحاول الكشف عن الظواهر التى يدرسها، الذهنية التى تدعى صفة العلم. الذهنية التى يتم التعامل بها، أى التى يقوم العِلم مِن خلالها وبمقتضاها بالتعامل مع جميع الإشكاليات التى تثور وتحتاج إلى تحليلات والظواهر التى تحتاج إلى تفسيرات عِلمية على الصَعيد الإجتماعى، ومِن ثم يُمكن مِن خلال تعيين تلك الذهنية الوصول إلى تَصور عام عن "الإقتصاد"كعِلم. وهل فعلاًً هو "عِلم"؟ ويُوجَه نفس السؤال إلى الإقتصاد السياسى، وسنبدأ به، أدناه: فالسؤال المطروح إذاًً بشأن ثمن السلعة هو بمثابة المحك المباشر للتعرف على الذهنية، وليس الإجابة على السؤال نفسه؛ فعلى سبيل المثال، حينما تَطرح(فى حقل العقيدة الإسلامية)سؤالاًً على أحد الأشخاص بشأن إقتناء التماثيل، مِن جهة الحكم الشرعى، فهل فعل الإقتناء هذا يُعد حلالاًً أم حراماًً؟ أنت هنا لا تستفتيه ولا تطلب إجابة على سؤال يؤرقك، وربما كان كُل ذلك، ولكن فى المقام الأول أنت مِن خلال إجابته تتمكن مِن الكشف عن الذهنية التى يَصدُر عنها، ومِن ثم يُمكن فى الغالب وببساطة شديدة أن تعرف آرائه وتصوراته بخصوص باقى الظواهر.....مِن عمل المرأة، والحجاب، مروراًً باللحية والجلباب، وإنتهاءًً بتكفير الحاكم، بل والمحكومين (أنا وأنت) وهكذا إلى آخر الإشكاليات التى تتعامل معها ذهنية التحريم. وحتى بالفرض الجدلى أن الأمر يحوى مِن التعميم الشىء الكثير؛ ولا يُنسَب لساكت قول، طبقاًً للقاعدة الأصولية، وليس مِن العِلمى إفتراض إجابات غير مُعلنة!! نقول وما الحال إذ ما كانت الإجابات مُعلنة؟ محفورة فى كتب مارشال، ومنجر، وفريدمان، وساملسون، وجوارتينى، وغيرهم مِن إقتصادييّى العرض والطلب، والفكر الحدى. ومُشَاهَدة فى أعين ضحايا صندوق النقد الدولى؟ ولذا سنعمد إلى السؤال الجوهرى المعنى بثمن السلعة، كى نستكشف الذهنية. أتعامل هنا مع "الإقتصاد" كمجموعة مِن الأفكار والأراء الواقعة فى مرحلة ما قبل النقد، فإلى أن نتسلم إجابات عِلمية (صحيحة) على أسئلتنا المثارة بشأن الظواهر الإقتصادية التى تطرح نفسها على الصعيد الإجتماعى، فنحن لسنا بصدد عِلم. وفيما يلى سوف نَعمَد إلى إعادة طرح الإصطلاحين:الإقتصاد، والإقتصاد السياسى، طرحاًً موضوعياًً، بالبحث فى مدى عِلمية كُُل منهما مِن خلال مدى القدرة على التفسير العِلمى للظواهر الإجتماعية التى تطرأ على كُُل منهما، وسنفترض أن الظاهرة المراد تفسيرها هنا هى الأثمان التى تظهر فى السوق كتعبير نقدى عن سلعة ما، فما الذى يُحدد ثمن سلعة ما؟ بالقطع لا نقصد هنا، مباشرة، ثمن السلعة الذى يَظهر فى السوق والذى يرتفع وينخفض على حسب الأحوال. إنما نقصد تحديد الثمن الوسطى الذى تتأرجح حوله تلك الأثمان إرتفاعاًً وإنخفاضاًً. فالسلع دوماًً ما تَشهد تقلبات عديدة تارة بالإرتفاع وتارة بالإنخفاض؛ بيد أن هذا الإنخفاض والإرتفاع إنما يدورا دوماًً حول محور معين، هذا المحور الذى تدور حوله تلك التقلبات هو: الثمن الوسطى، أو الثمن العادل، كما يَقول المدرسيون. فما الذى يَتحدد على أساسه الثمن العادل؟ ولأننا نريد إجابة عِلمية فتلك الإجابة إنما تستصحب طرح مدى عِلمية كُُُل من "الإقتصاد" و"الإقتصاد السياسى". ولنبدأ بالإقتصاد السياسى. هل الإقتصاد السياسى عِلم؟ فقط نُذكِر بأننا لا نَنشغل بالإجابة على هذا السؤال إلا إبتداءًً من البحث عن العِلم الذى يسعفنا بأدواتهِ الفكرية فى سبيلنا لدراسة الصراع الإجتماعى الراهن فى فنزويلا، والسودان من بعده. هل الإقتصاد السياسى عِلم؟ فى كتابِِهِ القيّم والأصيل"مبادىء الإقتصاد السياسى"، قام أستاذنا الدكتور/محمد دويدار، بالتصدى لهذا السؤال، وطرَح السؤال الأولى: هل الإقتصاد السياسى عِلم؟ وإنطلق بخطواته المنهجية الواثقة المعهودة نحو الإجابة، وبعد أن حدد معنى العِلم(أبستمولجياًًً، أى معرفياًً) وصولاًً إلى تحديد موضوع الإقتصاد السياسى المنشَغِل بدراسة العملية الإنتاجية بين الإنسان والطبيعة مِن جهة، وبين الإنسان والإنسان مِن جهةٍ أخرى، يُمكن القول، مع أستاذنا العلامة الدكتور/ محمد دويدار(4)، بأن الإقتصاد السياسى يَكُُون عِلماًً إذ ماتجمعت له العناصر المكونة للعِلم مِن جهة: (الموضوع) و(المنهج) و(الحد الأدنى مِن المعرفة اليقينية) تلك العناصر يتعين أن تكون حين توافرها موضع إختبار للتيقن مِن صحتها على أرض الواقع بسؤالها عن ثمن السلعة، فما هو، أولاًً، نصيب الإقتصاد السياسى مِن تلك العناصر؟ فبشأن الموضوع؛ فأستاذنا الدكتور/ محمد دويدار، يرى أن للإقتصاد السياسى موضوع مُحدد يتعلق بالعلاقات الإجتماعية التى تأخذ مكاناًً بوساطة الأشياء المادية والخدمات، وهو ما يُميزها عن غيرها مِن العلاقات الإجتماعية كالعلاقات فى داخل الأسرة والعلاقات السياسية، وغيرها. كما أن الظواهر الإقتصادية التى يتعلق بها موضوع الإقتصاد السياسى، تحكمها قوانين موضوعية تُُمثل خصيصة حقيقية لهذه الظواهر، يزيد على ذلك أن هذه القوانين مُستقلة عن إرادة الإنسان بمعنى آخر، هذه القوانين تَحكم الظواهر الإقتصادية دون إعتداد بإرادة الأفراد ولا بوعيهم أو عدم وعيهم بهذه القوانين؛ وذلك لسببين: أولهما: إن الظروف الإجتماعية التى تباشر فيها جماعة معينة نشاطها الإقتصادى، ظروف محددة تاريخياًً؛ فكُُُل جيل يتلقى مِن الأجيال السابقة تراثاًً، بالمعنى العام، ومِن العلاقات الإقتصادية، ومِن قوى الإنتاج، ومِن المعرفة العلمية والفنية المتراكمة عبر الأجيال، كُُل ذلك يُمثل بالنسبة لهذا الجيل نقطة البدء فى عملية الإنتاج، يُضاف إلى ذلك أن عملية الإنتاج هى فى ذات الوقت عملية للإنتاج ولتجدد الإنتاج، بمعنى أن الإنتاج فى خلال فترة معينة، ولتكن السنة الحالية، يُحقق فى نفس الوقت شروط الإنتاج فى الفترة التالية، ولتكن السنة التالية، وهو ما يَعنى أن الإنتاج فى خلال فترة ما يَعتمد على تحقق شروطه فى الفترة السابقة. وثانيهما: إن النتيجة الإجتماعية للنشاط الاقتصادى هى مُحصلة لتفاعل الجديد مِن النشاطات الفردية المتشابكة، الأمر الذى يُعطى لهذه النتيجة الإجتماعية تفرداًً عن كُُل عمل من الأعمال الفردية التى ساهمت فى تحقيقها فيما لو أُُخذ هذا العمل على حده، فعلى الرغم مِن أن كل مَن قام بجزء مِن النشاط قد ساهم فى تحقيق النتيجة الكلية، إلا أن هذه الأخيرة تبرز كنتاج لتفاعل النشاطات المختلفة للأفراد والمجموعات الإجتماعية، وهو ما يُعطى هذه النتيجة إستقلالاًً معيناًً عن إرادة الأفراد الذين يُمارسون النشاط الإقتصادى فى المجتمع. ومِن جانبا، فقد سبق، فى محاولة للتطوير، وأن ذكرنا أننا نُحدد الإقتصاد السياسى، على نحو مختلف، بإعتباره:"العِلم المنشغل بدراسة النظرية الكمية والنظرية الموضوعية فى القيمة، والتناقُُضات الكامنة فيها، والتى تَتَطور على أساسِها، أى التناقُُُُضات، الظاهرةُُ الإجتماعية مَحل البحث"، موضوع الإقتصاد السياسى، لدينا، إذاً هو القيمة، فى تطورها الجدلى، وإننى أعتنق هذا التحديد لموضوع الإقتصاد السياسى، كعِلم إجتماعى مُنشغل، فى المقام الأول، بالقيمة وتطورها الديالكتيكى، بالتأسيس على الحجج الأتية: (1) إن الظواهر الإجتماعية التى تبلورت، وتكررت، حتى صارت من القواعد العامة، والتى نشأ الإقتصاد السياسى كى يُفسرها ويَكشف عن القوانين الموضوعية التى تحكمها، هى ظواهر تعتمد بالأساس على "القيمة"،كمياًً وموضوعياًً، فلولا "الإنتاج الرأسمالى، وتجدده" أى الإنتاج مِن خلال نمط الإنتاج الرأسمالى، وتجدد هذا الإنتاج، ما كان للإقتصاد السياسى الوجود المستقل عن باقى العلوم الإجتماعية. (2) وذلك، وكما أسلفنا، بأن الظواهر التى طرحت نفسها لم تكن لتتعرف عليها المجتمعات السابقة على الرأسمالية، فلم يكن هناك "رأس مال، كعلاقة إجتماعية"، ولم يكن هناك" تضخم"، ولم يكن هناك ما يسمى بـ "التراكم" ولم يكن الإنتاج يتم بغرض البيع فى السوق، ولم يكن العمل سلعة ، ولم يكن "الربح" ليتكون فى حقل الإنتاج، بل ولم يكن هناك ما يسمى بـ "الربح " إلا فى حدود ضيقة، وتخص العمل التجارى، الذى يقوم بالأساس على الشراء مِن أجل البيع، والعكس، ولكن الشراء أو البيع إنما يكونا لسلع نهائية الصنع. شراء السلع ثم بيعها، وليس تصنيعها ثم بيعها، كان الذى يُمثل القاعدة. (3) ولأن كُُل تلك الظواهر لم تكن إلا مع ظهور الرأسمالية كنمط إنتاج سائد، فقد كان لابد مِن ظهور عِلم يفسر ويَرُد تلك الظواهر إلى الكُُل الذى تنتمى إليه، ومِن ثم ظهر الإقتصاد السياسى، كعِلم، كى يُفسر، فى المقام الأول:" الظواهر الرأسمالية، بمعنى آخر:كى يفسر الظواهر الإجتماعية التى تتعلق بقوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج وتطورهما الجدلى فى سياق الرأسمالية كنمط للإنتاج" وعلى وجه التحديد كى يُفسر ذلك التعديل الطفيف، والعميق جداًً فى نفس الوقت، الذى طرأ على نص الصيغة (ن - ب – Δ ن) إلى حيث نص الصيغة (ن- و أ، ق ع - س- Δ ن) وكى يُفسركذلك جميع الظواهر التى تتماس مع نص الصيغة الأخيرة، مِن أرباح، وأثمان، وفوائد، وأجور، وريع. وهكذا أفهم الإقتصاد السياسى، كعِلم مُنشغل بالإنتاج وتجدد الإنتاج والوحدة الإنتاجية(مِن الفرد حتى الدولة، مروراًً بالمؤسسات دولية النشاط) ولا يقتصر مفهوم العامل على حقل الصناعة، كما فهمت أوروبا وأفهمت العالم، وإنما ينسحب المفهوم، أياًً ما كان المسمى، على العاملين فى قطاع الزراعة والعاملين فى قطاع الخدمات. طالما نشطت الصيغة (ن- و أ، ق ع- س- Δ ن) إذ مع الرأسمالية تحول الطبيب والمعلم والشاعر والكاهن، إلى شغيلة فى عداد المأجورين. (4) فالصيغة (ن- و أ، ق ع- س- Δ ن) والتى بمقتضاها، كما سنرى، تتحول النقود (ن) إلى أمرين: وسائل إنتاج(و أ) تتمثل فى مواد العمل، وأدوات العمل، أما الأمر الثانى فهو: قوة العمل(ق ع)، تتحول النقود إلى قوة عمل بدفع الأجرة. وحينما يجتمع للرأسمالى، ومِن ثم لعماله الأجراء، الوسائل اللازمة للإنتاج، ينقطع التداول؛ ويبدأ الإنتاج. الإنتاج مِن أجل السوق، وبإنتهاء العملية الإنتاجية تُطرح السلعة فى السوق، وحينئذ تعود (ن) إلى الرأسمالى، ولكنها محملة بـ(Δ) الذى يسمونه الربح(سندرس مصدره فيما بعد) فيُصبح لدى الرأسمالى ليس (ن) فقط، وإنما (ن) +(Δ) ووفقاًً للصيغة العامة تلك وقانون الحركة الحاكم لأداء الرأسمالية، فسوف يقوم أحد الأشخاص بجمع شتات الحرفيين ويضعهم فى مكان واحد ويوفر لهم مواد العمل وأدواته ويدفع لهم الأجرة، وليس عليهم سوى الإنتاج، وإنما لأجل السوق(وقانون الحركة هذا، إنما يعمل فى مؤسسات فورد، وروتشيلد، كما يعمل فى أحقر "ورشة" لصنع أربطة الأحذية فى أحط أحياء القاهرة أو كاراكاس، دون فارق) (5) والصيغة تلك والتى تُعد القانون العام للرأسمالية، لا يُمكن فهمها إلا إبتداءًً مِن فهم القيمة والكشف عن القوانين الموضوعية التى تحكم عملها، كما تحكم تطورها عبر الزمن. فقانون القيمة بمفرده هو القادر على الإجابة على سؤال كيف تعمل الرأسمالية؟ وكيف تجدد نفسها؟ (6) ماذا نُنتِج؟ وكيف نُنتِج؟ وكيف نوزع المنتَج؟ تلك مِن أهم الأسئلة التى ظهر عِلم الإقتصاد السياسى كى يُجيب عليها، وجميعها لا يُمكن الإجابة عليها إلا إبتداءًً مِن الوعى بقانون القيمة الذى على أساسه تقوم العملية الإنتاجية بأسرها، وإنما إبتداءًً مِن الصيغة العامة التى تمثل قانون الحركة الحاكم لأداء الرأسمالية (ن- و أ، ق ع- س- Δ ن) (7) الإقتصاد السياسى إذاًً هو عِلم نمط الإنتاج الرأسمالى، فهو ينشغل أساساًً بملف الإنتاج، الذى يخضع للقانون العام الحاكم لأداء النظام الرأسمالى، وما القيمة، والقيمة الزائدة،كمياًً وموضوعياًً، سوى مُرتكز النظام، على صعيد كُُل مِن الإنتاج وتجدد الإنتاج. (8) الصيغة (ن- و أ، ق ع- س- Δ ن) التى تُُمثل عصب نمط الإنتاج الرأسمالى، وتمثل فى نفس الوقت ركيزة رئيسية فى موضوع علم الإقتصاد السياسى، فقط التى تتمكن مِن تقديم أدوات فكرية نتمكن من خلال التسلح بها حين توجهنا صوب الظاهرة المراد تفسيرها، فالصيغة العامة الحاكمة لحركة الرأسمالية كنمط إنتاج، تمدنا بـعدة أدوات فكرية تقع مباشرة فى حقل الظواهر التى نشأ عِلم الإقتصاد السياسى كى يفسرها، فهى تمدنا على سبيل المثال بـ"القيمة، والقيمة الزائدة، والثمن، والرأسمال، الثابت منه والمتغير، والأساسى منه والدائر، وثمن الإنتاج، وثمن التكلفة، والربح، والأجر كثمن لقوة العمل،....." وهكذا أفهم موضوع وأدوات عِلم الإقتصاد السياسى. وعن المنهج: فإن الباحث فى عِلم الإقتصاد السياسى يَستخدم المنهج العام للبحث العِلمى، مِن جهة وصف وتقسيم الظاهرة، وفرض الفروض، وإستعمال الإستقصاء، وأخيراًً التيقن مِن عدم إرتباك النظرية وتناقضها الداخلى فيما بين عناصرها؛ وذلك بمواجهتها بالواقع، إذ أن الخط المنهجى المقترَح لا يُمكن أن يُمَثل سوى فرضية منهجية تَعين إختبارها والتأكد مِن صحتها على أرض الواقع، وإذ يَجد الناظر فى عِلم الإقتصاد السياسى نفسه عاجزاًً عن إستخدام التجربة، كما فى العلوم الطبيعية، فإنه يَستعيض بالتجريد(5) والذى يعنى العلو بالظاهرة عن كُُل ما هو ثانوى. أما بشأن الحد الأدنى من المعرفة اليقينية: فالإقتصاد السياسى، يُعطينا بحالته الراهنة حداًً أدنى مِن المعرفة اليقينية التى تِصلح أساساًً لتفسير الظواهر الإقتصادية، والتنبؤ المعقول بحركاتها المستقبلة، والأمر هنا يَتعلق بمجموع القوانين الإقتصادية النظرية التى توجد تحت تصرفنا والخاصة بالأشكال التاريخية المختلفة للعملية الإقتصادية، والتى قد ثبت التحقق مِن صحتها على الصعيد العِلمى، وهو الأمر الذى يستتبع إستبعاد النظريات التى ثبت عدم صحتها بمواجهتها بالواقع الإقتصادى فى حركته التاريخية، والتى يُرد عدم صحتها إلى سوء تَصور أصحابها لموضوع ومنهج العِلم فى إرتباطهما العضوى. وعليه، فنحن أمام عِلم يصل عمره إلى خمسمائة عام، وليس منذ الأزل، إذ هو العِلم الذى ينشغل بالقوانين والشروط الموضوعية لظواهر الرأسمالية غير الشفافة( الأثمان، الأسواق، القيم، الأرباح...... ) وحتى يُمكن إستدعاء هذا العِلم كى يتولى تفسير الظاهرة يتعين مِن البداية معرفة الأساس الذى يُبنى عليه، هذا الأساس هو، كما ذكرنا وسنتابع البرهنة فيما يأتى، الإنشغال بدراسة النظرية الكمية والنظرية الموضوعية فى القيمة، والتناقضات الكامنة فيها، والتى تتطور على أساس منها، أى التناقضات، الظاهرة محل البحث، إذ بدون الإنطلاق مِن القيمة لا يمكن الوصول إلى شىء سوى أن كُُل شىء متوقف على كُل شىء!! بدون الوعى بالقيمة، كمياًً وموضوعياًً، لا يُمكن الوصول إلى مفهوم السوق، كما لا يُمكن التعامل مع الأثمان، ولا يُمكن كذلك فهم علاقات التبادل، وإقتصاديات المبادلة النقدية المعممة، بل ولا يُمكن إستيعاب باقى المظاهر التى ستطرح نفسها فى لحظة تاريخية معينة وفى ظروف معينة، كالتضخم، والكساد، والركود، والفائض، والعجز، إلى آخر المظاهر الإقتصادية التى تبلورت مع المرحلة الرأسمالية وأدت بشكل رئيسى إلى تبلور الإقتصاد السياسى، كعِلم إجتماعى. إذاًً، ما الإقتصاد السياسى؟ الإقتصاد السياسى إذاًً عِلم، وهو (عِلم) ظواهر(نمط الإنتاج) (الرأسمالى) وهذا بشأن الإقتصاد السياسى. فما هو الحال بشأن"الإقتصاد"؟للإجابة يتعين الأن إختبار مدى قدرتهما(الإقتصاد السياسى، والإقتصاد)على تفسير الظواهر؛ بإختبارهما على أرض الواقع. والمحك الذى إخترناه هو ثمن السلعة؛ فما الذى يُحدد ثمن السلعة؟ والسؤال بكلمات أكثر دقة: ما الذى يُحدد الثمن العادل للسلعة؟ المطلب التالى، الثانى، يتولى إستعراض الإجابة.
المطلب الثانى: القيمة والثمن ثمن السلعة ما الذى يُحدد ثمن السلعة(6)إذاًً هو ما سنجعله محكاًً لفهم الذهنية التى تسود"الإقتصاد" و"الإقتصاد السياسى"، ومِن ثم إمكانية الحُكم بمدى إستحقاقهما لصفة العِلم، كلاهما، أو أحدهما. لدينا الأن "سلعة" ولدينا "ثمن" ولا يُدرَس الثمن، ولا السلعة ذاتها فى حقل الطب أو الفلك، وإن أمكن دراستهما فى عدة علوم إجتماعية أخرى، كالقانون والإدارة على سبيل المثال،"فالإقتصاد" يُقدم نفسه، وكذا الإقتصاد السياسى، ها هنا كعِلم قادر على تقديم إجابة. حتى مرحلة ما قبل تقديم الإجابة على السؤال، كما قلنا سلفاًً، لسنا أمام عِلم، وإن كنا إزاء مجموعة مِن الأفكار أو حفنة مِن الأراء الحرة، ولا يعنى ذلك أن مُجرد إعطاء إجابة يُكسِب تلك الأفكار أو الأراء صفة العِلم، فإنه يتعين، إضافة إلى الإجابة، أن تكون قادرة على إعطاء التفسير(الصحيح) للظاهرة( دون إدعاء إمتلاك الحقيقة) مع مراعاة ان أخذ الوقائع بعين الإعتبار، لا يعنى أننا أمام نظرية عِلمية؛ إذ النظرية العِلمية هى التى تنطلق مِن الوقائع، وتنجح فى دمجها فى بنيان يُمكن فهمه والتعامل معه بوعى. ثمن النفط الفنزويلى فما الذى يُحدد ثمن سلعة معينة، ولتكن تلك السلعة هى "النفط الفنزويلى" ، فى سوق ما؟ أى فى السوق الدولية للنفط؟ "مبادىء عِلم الإقتصاد" تقول لنا أن ثمن السلعة يتحدد وفقاً لإعتبارات المنافسة. أو تلاقى قوى العرض والطلب، وحين نسأل ما الذى يُحدد العرض؟ تكون الإجابة: إن الذى يُحدد العرض هو سلوك المنظِم فى السوق، وحين السؤال عن الذى يُحدد الطلب؟ تكون الإجابة ان الذى يُحدد الطلب هو إحتياجات، بل ورغبات وأهواء، المستهلك، وفى إجابة أكثر تطوراًً، فى أحسن الأحوال، يَرجع تَكون الثمن إلى نفقات إنتاج السلعة. ولكن ما هو نصيب تلك الإجابة على السؤال المعنى بثمن السلعة مِن الصحة؟ الإجابة على السؤال غاية فى الأهمية إذ أنها قد تُكسب "الإقتصاد" صفة العِلم، وقد تخلعها عنه. قبل البدء فى تتبع الخط المنهجى لكُل مِن" الإقتصاد"و" الإقتصاد السياسى" فى سبيلهما لتقديم إجابة حتى نتبين مدى قدرتهما على تفسير الظواهر على أرض الواقع، ومِن ثم مدى إستحقاق صفة العِلم؛ وبالتبع اللجوء إليه بغية إستخدام أدواته الفكرية التى تسعفنا فى سبيل بحث الظاهرة، قبل البدء يتعين أن نرشدهما (الإقتصاد، والإقتصاد السياسى) إلى مجموعة مِن الأفكار الرئيسية المتعيَن الإعتماد عليها لتقديم إجابة، والتى تتلخص فى: - إن قوة العمل لم تكن دائماًً سلعة. والعمل لم يكن دائماًً عملاًً مأجوراًً. ففى الحقبة التاريخية المعتمِدة على عَمل العبيد، فالعبد لم يكن يبيع قوة عمله لمالكه ، كما أن الثور لا يبيع عمله إلى الفلاح. فالعبد يُباع، بما فيه قوة عمله، مِن مالكه، بيعاًً تاماًً. وهو سلعة يُمكن أن تنتقل مِن يد مالك الى يد مالك آخر. فهو نفسه سلعة، ولكن قوة عمله ليست سلعته هو. وحينما تطور نمط الإنتاج من نمط الإنتاج العبودى إلى نمط الإنتاج الإقطاعى، وظهر القن فلم يكن القن يبيع الا قسماًً مِن قوة عمله. وليس هو الذى يتقاضى أجراًً مِن مالك الأرض، إنما هو الذى يدفع جزية لمالك الارض. أما العامل الحر، فهو بالعكس يبيع نفسه بنفسه؛ فالعامل لا يخص مالكاًً مُحدداًً، وليس مِن لوازم الأرض، ولكن، كما يقول ماركس، 8، 10، 12، 15 ساعة مِن حياته اليومية تخص مَن يشتريها. - إن الرأسمال ليس مبلغاًً مِن النقود، إنما هو علاقة إجتماعية، ومجموعة مِن المقادير الإحتماعية. فكُُل المنتجات التى يتألف منها هى سلع، نتاج إستخراج وضم وفََصل مواد أولية موجودة سلفاًً فى الطبيعة. - إن نفقة إنتاج قوة العمل هى النفقات الضرورية، لجعل العامل عاملاًً، ولإبقائه عاملاًً. وإن إستهلاك العمال يؤخذ فى الحسبان المحاسبى، شأنه شأن إستهلاك الألة. - إن الرأسمال يَفترض العمل المأجور، والعمل المأجور يَفترض الرأسمال. فكُُل منهما شرط الآخر. وبقدر ما ينمو الرأسمال المنتِج، وبقدر ما يتسع تقسيم العمل وإستخدام الألات، بقدر ما تَنتشر المزاحمة بين العمال، وبقدر ما ترتفع مؤشرات البطالة. - مع إدخال الماكينات يبدأ العامل فى الصراع ضد وسيلة العمل ذاتها، والتى هى الشكل المادى لوجود الرأسمال؛ فما أن ظهرت وسيلة العمل بشكل الماكينة حتى أصبحت مزاحِمة للعامل نفسه. يقول ريكاردو:" إن العمل والماكينات فى مزاحمة دائماًً" ويقول ماركس:" ومع الماكينات يظهر للمرة الأولى التمرد العفوى ضد وسيلة العمل". مفاد ذلك أن عمال النفط فى فنزويلا، إنما يبيعون قوة عملهم للرأسمالية (الوطنية و/أو العالمية المستثمِرة) مُستعملين رأسمالاًً مكدساًً؛ ومنتجين له فى نفس الوقت، ولقاء ذلك فهم يتحصلون مِن الرأسمال على أجرة. وعمال النفط الفنزويلى حينما ينتجوا قيمة زائدة، فالقيمة الزائدة تلك لا تستفيد بها سوى الشركة المنتِجة (الأجنبية، غالباًً) والمساهمين فى رأسمالها، دون البلد المنتِج، كما أن النفط ذاته لا يُستخدم فى سبيل تغذية صناعات وطنية معينة، وإنما يوجه صوب تغذية قطاعات صناعية متطورة ومعقدة فى الأجزاء المتقدمة من الإقتصاد الرأسمالى الدولى المعاصر. يتبدى هنا تسرب القيمة الزائدة فى أروع صوره!! يطرأ هنا سؤال إضافى، ظاهرياًً، على حين أنه فى الحقيقة يُعد أحد أوجه السؤال الرئيسى الخاص بمحددات ثمن السلعة: فهل ما يَتحصل عليه عمال النفط فى فنزويلا يُعد تعويضاً عادلاً لقوة عملهم، والتى يُؤخذ إستهلاكها فى الحسبان المحاسبى، شأنه شأن إستهلاك الألة؟ يتعين لأجل الإجابة أن نتعرض لعدة مفاهيم بشأن الأجرة، وقوة العمل، كسلعة، إضافة إلى القيمة والثمن بالطبع. فما هى الأجرة؟ الأجرة وفقاًً لما جرى معالجته عاليه، هى قِسم مِن سلعة (س) موجودة سلفاًً، يشترى به الرأسمالى(إكسون موبيل، شل، الشركة الوطنية، بتروليوس دى فنزويلا) كمية معينة مِن قوة عمل مُنتِجة. فهى إذاًً ليست (حصة) العامل فى السلعة التى أنتجها. وسوف نعالجها كمياً حين معالجة أجور عمال النفط فى فنزويلا بطرح السؤال بشأن مدى حصول عمال النفط على تعويض عادل لقاء بيعهم لقوة عملهم!! فما هى قوة العمل؟ قوة العمل(ق ع) إذاًً هى سلعة(س) يبيعها مالكها، الأجير، إلى الرأسمالى. لماذا؟ ليعيش. فالعامل يَعمل كى (يَعيش) والعمل لديه ليس جزءً مِن حياته، إنما هو، كما قال ماركس، بالأحرى تضحية بحياته. ولذا فإن ناتج نشاطه ليس هو هدف نشاطه، خلافاًً لما كان قبل هيمنة نمط الإنتاج الرأسمالى، الذى كان الإنتاج فيه يتم خارج دائرة التبادل النقدى المعمم. أى قبل التداول السلعى على نطاق متسع، الإنتاج ليس بقصد الإشباع المباشر وإنما بقصد السوق. التبادل النقدى. الربح. وطالما كنا فى السوق، فلننظر إلى أثمان السلع. كى نتعرف على أمرين: الكيفية التى يتحدد بها ثمن النفط فى سوق النفط، والأجرة فى قطاع النفط الفنزويلى. فما الذى يُحدد ثمن سلعة ما؟ مع مراعاة أن قوة العمل سلعة.لدينا ثلاث إجابات، أولهم:وهى التى يقدمها "الإقتصاد"، والثانية يقدمها"الكلاسيك"،أدم سميث تحديداًً، والثالثة يقدمها" عِلم الإقتصاد السياسى"، ولنرى ذلك بشىء مِن التفصيل: الإجابة الأولى (( وهى التى يتبناها " الإقتصاد" )) تقول: إن الذى يُحدد الثمن هو: المنافسة. (أ) بين البائعين..................................................... تخفض الثمن................................................... العرض (ب) بين الطالبين.....................................................ترفع الثمن ...................................................... الطلب (ج) بين البائعين وبين المشترين............................ يحدث التوازن.................................................... التوازن معنى ذلك، تبعاًً لهذه الإجابة، ان الأثمان تَتَحدد فى السوق. فى دائرة التداول. لا دائرة الإنتاج، بتفاعل قوى العرض مع قوى الطلب، فما الذى يُحدد قوى العرض؟ وما الذى يُحدد قوى الطلب؟ أفضل الإجابات هنا على السؤالين تلقينا مباشرة خارج العِلم، وعلى أحسن تقدير خارج حدود الإقتصاد السياسى، ويُصار إلى الحديث حول عِلم النفس، بشأن الطالبين، وفن الإدارة بشأن العارضين. والنفط الفنزويلى كسلعة كما ذكرنا سلفاًً لا يشذ عن ذلك، فهو سلعة تتأرجح أثمانها إرتفاعاًً وإنخفاضاًً، وتحتاج إلى تفسير الثمن الذى يُمثل محور هذا التأرجح، وليس التأرجح فى ذاته. الإقتصاد إذاًً، طبقاًً لإجابته على السؤال المتعلق بثمن السلعة، يُفسِر تأرجحات الأثمان، وليس الأثمان، بذهابه إلى تحديد الثمن مِن خلال تفاعل قوى العرض، التى تتحدد إبتداءًً مِن طلب السوق، وقوى الطلب، التى تتحدد إبتداءًً مِن إحتياج المستهلك. وعلى هذا النحو نُمسى فى حاجة للمضى خطوات أبعد مِن ذلك؛ إذ لا يَتمكن" الإقتصاد" مِن تقديم إجابة على السؤال الرئيسى، بل أنه فى الواقع يُقدم إجابة على سؤال مُختلف تماماًً؛ وذلك لأنه لا يملك، بالأساس، إجابة على السؤال الرئيسى؛ إذ كُُل ما يقدمه هو من قبيل التصورات الحرة والأراء العامة حول تأرجحات الأثمان فى السوق، وليس الأثمان ذاتها. وبالتبع فلن نَتمكن معه مِن معرفة ثمن قوة العمل كسلعة مِن باب أولى. مِن العلم الإجتماعى إلى فن التسيير مِن الواضح أعلاه ان الإجابات المقدمة، مِن قبل"الإقتصاد" إنما تنشط فى حقل التداول ليس إلا، وليس لها أدنى علاقة بحقل الأنتاج. الأمر الذى يعنى إنتفاء قدرة"الإقتصاد"على تقديم تفسيرات عِلمية للظواهر الإقتصادية. إذ يُفسر الظواهر بالظواهر، حتى يُصبح كُُل شىء لديه مُُتوقف على كُُل شىء. الإقتصاد إذاًً لا يتعامل مع حقل الإنتاج. الإقتصاد إذاًً ليس عِلماًً. وإن جاز إعتباره فناًً، أقصى ما قد وصل إليه هو فكرة أو رأى لا يتعداهما إلى حدود عِلم إجتماعى. وبخاصة حينما تكون الذهنية الميكانيكية والآنية هى المسيطرة، ولا تتمكن مِن الذهاب أبعد لفحص الهيكل، أو الغوص أعمق مِن أجل إستيعاب ناقد للظاهرة، فلم يُقدم " الإقتصاد" إجابة خاطئة أو صحيحة، بل لم يُقدم إجابة بالأساس!! الأمر الذى يدفعنا إلى محاولة إيجاد سنداًً لبقاء "الإقتصاد" حتى الأن مدعياًً أنه عِلم، هذا السند قال به سمير أمين، فى كتابه الفذ عن "التراكم على الصعيد العالمى"، إذ رأى أن عِلماًً "للتسيير"وليس"للإقتصاد" هو الذى يَركن إليه منظروا الرأسمالية والإمبريالية العالمية، لكنهم يغلفونه بغلاف العِلم للمزيد مِن التدليس والتضليل، فقد كتب سمير أمين:" مات "العِلم" الإقتصادى الجامعى إذاًًً كعِلم إجتماعى ميتة العجز لصرفه النظر عن النظرية الموضوعية للقيمة. لكنه خلف وراءه فناًً فى التسيير. فالملاحظة التجريبية"للإرتباطات" القائمة بين الظاهرات تتيح صياغة جعبة من تقنيات العمل تتفاوت فى مدى فعاليتها. فبمقدار ما تكون مفاهيم العِلم الحدى، التى تدعى" الأزلية" لنفسها، مستقاة مِن ملاحظة نمط الإنتاج الرأسمالى. بمقدار ما يكون بوسعها إتاحة المجال لصياغة فن فى التسيير الإقتصادى، وهو فن لا شك فى عيبه ونقصانه لأنه يقوم على الملاحظة الوضعية بلا نظرية، سواء على الصعيد الميكرو- إقتصادى(فن تسيير المؤسسة) أو على الصعيد الماكرو- إقتصادى(فن السياسة الإقتصادية الوطنية) فالتحولات البنيوية داخل نمط الإنتاج الرأسمالى نفسه، تجعل فن التسيير هذا أمراًً لازماًً. طبيعة الإشكالية فى هذا الفن تصعيد بعض المقادير الإقتصادية إلى حدها الأقصى(الربح،أو الإنتاج)تحت وطأة بعض الصعوبات المعينة (لا سيما صعوبات ندرة الموارد)فى زمن معين، وفى نظام معين(هنا نمط الإنتاج الرأسمالى، الذى غالباًً ما يُُصار إلى إهمال ذكره) تحول دون أن نرى فى هذه المجموعة مِن (التقنيات)بديلاًً للعِلم الإجتماعى:فالفن ينبثق عن عِلم،ظاهراًً كان العِلم أم ضمنياًً،والعِلم المضمر هنا هو العِلم الحدى.إن أدلجة ما هو إقتصادى وحدها، وهذه هى الإقتصادوية، هى التى تتيح إنشاء عِلم مِن ما لا يمكن أن يكون عِلما على الإطلاق" (7) لا جدوى إذا مِن البحث عن أدوات فكرية يملكها هذا "الإقتصاد" كى نستخدمها فى سبيلنا الباحث عن تفسير الظواهر المراد فهمها وتفسيرها وردها إلى الكُُل الذى تنتمى إليه، وبمعنى أدق: لا جدوى من البحث عن أدوات فكرية يملكها هذا الإقتصاد، لنستخدمها فى سبيلنا الباحث فى الظاهرة محل الدراسة فى فنزويلا.فالإقتصاد لا يتمكن مِن تقديم إجابة صحيحة، بل لا يُقدم إجابة أصلاًً أو فرعاًً، فهو كفن للتسيير لا يعرف مُطلقاًً حقل الإنتاج، الحقل الذى يتم فيه التفاعل ما بين قوة العمل وبين وسائل الإنتاج، وهى الفترة التى ينقطع فيها التداول بغية إنتاج السلعة."الإقتصاد" إذاًً يتربص، عن عمد، حتى إنتهاء العملية الإنتاجية كى يتنكر ويظهر بمظهر العِلم القادر على إعطاء نظريات، وإرساء قواعد عِلمية للظواهر الإقتصادية، إبتداءً مِن دائرة التداول، إبتداءً مِن الظاهر، دون الذهاب إلى أبعد مِن ذلك. ولذا سيكون مُضللاًً جداًً الإلتجاء إليه، ولأدواته، كى نتعرف على: ما الذى يُحدد ثمن النفط وقيمته، وما الذى يُحدد ثمن قوة العمل... فلن توصلنا أدوات هذا "الإقتصاد" إلى أى شىء حقيقى طالما نبت"كََفن" يبدأ مِن التداول، وليس الإنتاج. فلا هو ولا أدواته لديهما الوعى بأساس التراكم، مع إدعائهما الإنشغال بالتراكم، ولا هو ولا أدواته لديهما الوعى بأساس تجدد الإنتاج، مع إدعائهما الإنشغال بتجدد الإنتاج، ولا هو ولا أدواته لديهما الوعى بأساس الربح، والتى يتخذ على أساس منه قرار الإنتاج، مع إدعائهما الإنشغال بالربح؛ وهكذا. الإقتصاد إذاًً نسخة مزورة مِن العلم الإجتماعى الذى ينشغل، ضمن ما ينشغل، بالعلاقات الإقتصادية بين البشر. وهكذا؛ وطالما تقف عاجزة مجموعة التصورات والأراء والتحليلات تلك أمام تفسير ظاهرة ما؛ فيتعين أن تظل كمجموعة مِن التصورات والأراء والتحليلات، خارج حقل النقد العِلمى، ولا تتعدى ذلك إلى الدخول فى نطاق العِلم. لا فائدة إذاًً ترتجى مِن وراء البحث فى مراجع "الإقتصاد" كى نتمكن مِن فهم الظاهرة الإجتماعية المراد فهمها وتحليلها. وتبقى حتى الأن المسألة مطروحة بلا إجابة مُحددة عن ثمن السلعة، وبخاصة السؤال المطروح حول ثمن السلعة التى سنجدها مركز الصراع حينما نتوجه صوب فنزويلا. النفط. وربما الصمغ العربى قبل فقد الميزة النسبية، فنحن بحاجة إلى تفسير ليس فقط للظاهرة التى فرضت نفسها على الصعيد الإجتماعى الفنزويلى مِن تحالف بين قوة العمل وبين رأس المال، وإنما كذلك فهم أساس تحديد الأثمان: وبصفة خاصة ثمن النفط، وثمن قوة العمل أى الأجرة التى يتحصل عليها عمال النفط فى فنزويلا. ما الذى يُُحدد كُُلاًً منهما؟ الإجابة الثانية: نفقة الإنتاج. الإجابة الثانية تقول: إن تقلبات العرض والطلب تُعيد دائماًً مِن جديد سعر سلعة ما إلى مستوى نفقات إنتاجها. إن السعر الفعلى لسلعة ما، إنما هو حقاًً دائما أدنى أو أعلى مِن نفقات إنتاجها، ولكون الإرتفاع والهبوط يتكاملان، حتى إذ ما جمعنا حصيلة الإرتفاع والإنخفاض فى الصناعة، فى حدود فترة زمنية معينة. تبين لنا أن السلع تتم مبادلتها بعضها ببعض وفقاًً لنفقات إنتاجها، أى أن نفقات إنتاجها هى التى تحدد ثمنها. تلك هى الإجابة الأكثر تقدماًً، لكنها أيضاًً تقف عاجزة، عن تفسير أثمان عناصر الإنتاج ذاتها. فلا تُعطى تفسيراًً لأثمان كُُل مِن: قوة العمل، ومواد العمل، وأدوات العمل. وتكتفى بعمليات حسابية تتمثل فى جمع وقسمة الأثمان وإستخراج المتوسطات الحسابية دونما تفسير لأثمان العناصر ذاتها، الأمر الذى لا يمكن قبوله، ويدفع المرء إلى التقدم خطوات أبعد كى يتعرف، تعرفاًً عِلمياًً، على: ما الذى يُحدد ثمن السلعة؟ تصور آدم سميث لدى آدم سميث(8)، فإن سعر السلعة، أو قيمة مبادلتها، إنما يتكون مِن: الأجر، والربح، والريع. ومِن هنا فإنه بالإمكان رد القيمة التبادلية إلى: رأس المال المتغير(13)، وهو ذلك الجزء المدفوع كأجرة، مُضافاًً إليه القيمة الزائدة(ر م م) + (ق ز) وهذا الذى يُستفاد مما يقول به آدم سميث فى ثروة الأمم، حيث يذهب إلى القول، فى الفصل السادس مِن الكتاب الأول، بأن :" القيمة التى يقوم العمال بإضافتها إلى المواد تنقسم إلى شطرين: الأول، وهو الذى يُدفع كأجر، أما الثانى، فهو الأرباح"، وفى الفصل الثالث مِن الكتاب الأول، يقول:" إن العمال فى مجال الصناعة يأخذون أجورهم مِن سيدهم، الرأسمالى، وهم فى ذلك لا يجعلونه فى الحقيقة يُُنفِِق شيئاًً؛ حيث أن هذه الأجور، عادة، ما تُُدفع من الأرباح". “The manufacturer has his wages advanced to him by his master, he in reality, costs him no expense, the value of those wages being generally restored, together with a profit ……” ثم يضيف بشأن رأس المال، إن رأس المال يلعب دورين: أولهما: دور الإيراد بالنسبة للعمال، وثانيهما: دور الرأسمال بالنسبة للرأسمالى، وبعبارة أخرى: إن ذلك الجزء مِن الرأس مال الذى دُفع للعمال، ويُمثل لهم كإيراد، صار بهذه المثابة بعد أن لعب فى البداية دور الرأسمال. ”The portion of the stock which is laid out in maintaining productive hands……… after having served in the function of a capital to him the employer constitutes revenue to the labourers…..…” وفى موضع آخر من نفس الفصل، يقول أدام سميث:" كُُل المنتج السنوى للأرض والعمل فى جميع البلاد يتجزء، بالطبيعة، إلى جزءين: أولهما: وهو فى المقام الأول يُمثل الجزء الأعظم وهو الذى يحل محل رأس المال. أما الثانى: فيمثل إيراداًًً، إما لصالح الرأسمال ويكون ربحاًً، أو لمالك الأرض ويكون ريعاًً" فقط جزء واحد من رأس المال، كما أخبرنا آدم سميث، هو الذى يستخدم فى شراء الأيدى العاملة المنتِجة، الذى يلعب دورين: دور الإيراد، ودور الرأسمال. هذا الجزء هو رأس المال المتغير(ر م م) هنا الرأسمالى يُحول الجزء مِن رأسماله المحمل بالقيمة إلى قوة عمل. إلى رأس مال متغير. وبفضل هذا التحول يقوم كُُل رأس المال بلعب دور رأس المال الصناعى. على حين أن العامل، بائع قوة العمل، يأخذ قيمته فى شكل أجور. هنا قوة العمل سلعة. سلعة على أساس قيام العامل ببيعها كى يستطيع الحياة. سميث، بعد أن قام بتوضيح ان قيمة المنتَج فى مجال الصناعة تظهر فى الصيغة (ر م م) + (ق ز) ينتقل للحديث عما يحدث فى مجال الزراعة: حيث يقول:" العمال الزراعيون يجددون إنتاج رأس المال الزراعى. وكُُل الربح، بل وحتى إنتاج الريع لمالك الأرض" ولكن سميث، يرى ان هذا التحديد يتم مِن خلال رأس المال المتغير فقط. ”In Agriculture the labourers besides the reproduction of a value equal to their our consumption, or to the variable capital which employs ,them together with its owners profits… further over and above the capital of the farmer and all its profits regularly occasion the reproduction of the rent of the landlord”. ولما كان الريع والربح عند أدم سميث، هما جزئين يشكلا القيمة الزائدة، فإنه بالإمكان إعتبار ثمن السلعة فى المنتهى، ومن ثم قيمة مبادلتها، مكوناًً من رأس المال المتغير مضافاًً إليه القيمة الزائدة. ويؤخذ على سميث، فى هذا الشأن، أمرين: أنه يتحدث عن الأجزاء المكونة دون الإنشغال بتحليل تكون كُُل منهم، كما أنه وبعد أن قام بتحديد الأجزاء المكونة لقيمة السلعة على نحو صائب، إرتد واعتبر الأجزاء المكونة مصادر، فهو يقول فى الفصل السادس مِن الكتاب الأول:"الأجور والربح والريع، هى ثلاثة مصادر أصلية لكُُل إيراد وكُُُل قيمة مبادلة" . “Wages, profit, and rent the three original sources of all revenue as well as of all exchangeable value” القيمة/ العمل (( وهى التى يتبناها الإقتصاد السياسى كعِلم إجتماعى)) إن الرأس مال، وكما لاحظ ماركس، يتألف مِن (مواد أولية) و(أدوات عمل) و(وسائل معيشة مختلفة) تُستَخدم لإنتاج مواد أولية جديدة وأدوات جديدة ووسائل معيشة جديدة. وكُُل هذه الأجزاء التى تؤلف الرأس مال إنما هى(مِن صنع اليد البشرية) مِن منتجات العمل، مِن العمل المكدَس. فالعمل المكدَس الذى يُتَخذ وسيلة لإنتاج جديد، هو رأس مال. ومِن جهة أخرى، فإن تحديد الثمن بنفقات إنتاج السلعة مُماثل لتحديد الثمن بوقت العمل الضرورى لإنتاج تلك السلعة. لماذا؟ لأن نفقات الإنتاج تتألف أولاًً: مِن المواد الأولية، ومِن أدوات الإنتاج، أى مِن مُنتجات كَلف إنتاجها قدراًً معيناًً مِن أيام العمل، وهى تتألف ثانياًً: مِن العمل المباشر الذى يُقاس بالوقت. القيمة من الوجهة الموضوعية الثمن موضوعياًً على هذا النحو، كما يفهمه الإقتصاد السياسى، هو المظهر النقدى لقوة العمل الضرورية المبذولة إجتماعياًً خلال وقت معين مِن أجل إنتاج سلعة معينة. القيمة من الوجهة الكمية وبالنظر إلى القيمة مِن الوجهة الكمية، فهى تُقدر بِعدد وحدات النقد المدفوعة مقابل إنفاق قوة عمل معينة خلال وحدات زمنية معينة(ساعة، يوم، أسبوع، شهر). قيمة قوة العمل الثمن إذاًً يُحدَد على أساس عَدد ساعات العمل الضرورى المنفََقة فى سبيل إنتاج تلك السلعة، ولن يكون ذلك سوى مِن طبائع الأشياء، فالإنتاج، إبتداءًً مِن مواده، وإنتهاءًً بأدواته، مِن صنع العمل البشرى، الذى هو المقياس المشترك بين مواد العمل وأدواته. فإذ ما كان إنتاج (قميص) مثلاًً، يتطلب (5) ساعات مِن العمل الضرورى، وعلى أساس مِن أن ساعة العمل تساوى مثلاًً فى حقل تلك الصناعة (5) وحدات مِن النقد، فإن (5 × 5 = 25) أى أن الثمن العادل للقميص يبلغ (25) وحدة مِن النقد. ولكن أين قيمة باقى العناصر؟ أين ثمن مواد العمل، بإفتراض أنها تساوى 500 وحدة؟ وأين ثمن أدوات العمل، بإفتراض أنها تساوى 1000 وحدة؟ تلك الأثمان سوف تظهر (بنفس قيمتها)التى دخلت بها العملية الإنتاجية، فلن يباع القميص بثمن قدره(25) وحدة، إذ سوف يطرحه الرأسمالى فى السوق على نحو مختلف، كما يلى: 25(أجر) + 10(متوسط إستهلاك مواد العمل) + 10(متوسط إستهلاك الألة) = 45 (وحدة) ولكن الرأسمالى طبقاًً لتلك الحسابات لم يكسب شيئاًً، إذ دخل العملية الإنتاجية بمبلغ نقدى معين، وخرج بنفس المبلغ، وهو لا يستطيع أن يولِد الربح من الألة، أو من مواد العمل. فماذا يفعل الرأسمالى؟ ليس عليه الأن سوى النظر إلى تلك السلعة العجيبة المطروحة فى السوق. قوة العمل. فيطيل (أيام) و(ساعات) العمل إلى الحدود التى تسمح له، كما سنرى، بتحقيق الربح، والتراكم الرأسمالى، حينئذ يباع القميص طبقاًً للحسابات التالية: 25 (أجر)+ 25(قيمة زائدة)+ 10( متوسط إستهلاك مواد العمل) + 10(متوسط إهلاك الألة) = 70(وحدة) وعلى هذا النحو إنما يَتحدد ثمن البرميل الواحد من النفط على أساس عدد ساعات العمل الضرورية المنفَقة فى سبيل إنتاجه، أما الإرتفاع والإنخفاض فيُمكن بشأنهما حينئذ إستدعاء نظريات السطح والظاهر، والتى تقدمها لنا مجموعة الأفكار والتصورات الذهنية العامة، دون الوصول إلى صفة العِلم، والتى تندرج تحت مسمى "الإقتصاد". فيُمكن الكلام عن الإحتكارات أو تغير الأذواق، أو تأثير الإعلام وإلى غير ذلك مِن الأراء والتصورات التى لا تنتمى إلى حقل العِلم. وتحتفظ بوجودها فى حقل الأراء الحرة المناسِبة لحفلات التعارف!! نعود ونقول: فهل يَتلقى"عمال نفط فنزويلا(البتروليتاريا الفنزويلية) تعويضاًً عادلاًً؟ إنه السؤال السابق طرحه. فبعد أن أخبرنا عِلم الإقتصاد السياسى ما الذى يُحدد ثمن السلعة، إذ أَََجابنا بأن ثمن البرميل الواحد مِن النفط فى سوق النفط، شئنا أم أبينا، إنما يَتحدد بعدد ساعات العمل الضرورى التى أنفقها عمال النفط(فى مجموعهم) مِن أجل إنتاج تلك السلعة. فهل يتلقى عمال النفط فى (مجموعهم) تعويضاًً عادلاًً (2370 بوليفار(14)/ شهريا)؟ يلاحظ أن الحد الأدنى للأجور يبلغ 1223,89 بوليفار شهرياًً. نحن هنا نفتح ملف الأجرة بعد أن تعرفنا على ماهيتها وعلى أهم ما يتصل بها، بيد أن الولوج إلى الإجابة عن السؤال المطروح دون الإلمام الواعى بالسلعة، والقيمة، والثمن؛ إنما نراه مفقِداًً إيانا أحد الخطوات الفكرية الهامة. ولذلك سيكون مِن الأفضل إعادة فتح الملف الموازى، بل الأساسى، المتعلق بالقيمة والثمن؛ مرجئين الإجابة لحين تكوين الوعى الهيكلى الناقد بشأن السلعة والقيمة والثمن، مع عدم إغفال أن قوة العمل إنما يطرحها أصحابها فى سوق العمل كسلعة. ولنبدأ بفهم وتحليل قيمة السلعة. والتى تنقسم إلى قيمتين: إستعمال، ومبادلة. فعلى أساس مِن الوعى بماهية ثمن النفط الفنزويلى والوعى بقيمة إستعماله وقيمة مبادلته، يُمكن التقدم فى سبيل فحص الأجرة التى يتلقاها عمال النفط هناك، ومدى إعتبارها تعويضا عادلاًً عن قوة العمل المنفََقة فى سبيل الإنتاج. قيمة الإستعمال تبرز ثروة المجتمعات، كما ذكرنا سلفاًًً وفقاًًً لماركس، التى يَسودها نمط الإنتاج الرأسمالى بوصفها تكديساً هائلاً مِن البضائع، بينما تبرز كُُُُل بضاعة على حدة كشكل أولى لهذه الثروة.وإن السلعة هى فى بادىء الأمر مادة خارجية، شىء، يُلبى بفضل خصائصه، حاجة مِن الحاجات البشرية، وطبيعة هذه الحاجة لا تُغير مِن الأمر شيئاًً، كما أن القضية لا تنحصر فى كيف يُلبى الشىء المعنى الحاجة البشرية: بصورة مباشرة للمعيشة، أى كمادة للإستعمال، أم بصورة غير مباشرة كوسيلة للإنتاج. ويُمكن النظر، إلى كُُل شىء نافع، مثل الحديد والورق...إلخ، مِن وجهتى نظر: مِن الجانب الكيفى ومِن الجانب الكمى. فكُُل مِن هذه الأشياء هو مجموع للكثير مِن الخصائص ولذلك يُمكنه أن يكون نافعاًً بمختلف جوانبه.وإن الكشف عن هذه الجوانب المختلفة، وبالتالى عن الأساليب المتنوعة لإستخدام الأشياء هو عمل مِِن عوامل التطور التاريخى. ويصح قول الشىء ذاته فيما يتعلق بإيجاد المقاييس الإجتماعية، فالإختلاف فى مقاييس السلع إما أنها تعود إلى إختلاف طبيعة المواد موضع القياس، وإما أنها إصطلاحية. إن منفعة الشىء تجعل منه حائزاًً لقيمة إستعمالية، ولكن هذه المنفعة، كما يقول ماركس، ليست مُعلقة فى الهواء، فهى لكونها مَشروطة بخصائص جسد السلعة، لا توجد بدون هذا الأخير؛ ولذلك فإن جسد السلعة، كالحديد والورق والذهب...إلخ هو بحد ذاته قيمة إستعمالية، ولدى النظر فى القيم الإستعمالية يقتضى الأمر دائماًً تحديدها كمياًً، مثلاًً: برميل من النفط، طن مِن حديد، متر مِن القماش، جرام مِن الذهب إلخ، وتُشكل القيم الإستعمالية للسلع موضوع عِلم خاص هو عِلم السلع، ولا تتحقق القيمة الإستعمالية إلا مِن خلال الإستعمال أو الإستهلاك. وأن القيم الإستعمالية تشكل المضمون المادى للثروة مهما كان الشكل الإجتماعى لهذه الثروة، وفى ظل شكل المجتمع الرأسمالى الذى نحياه حالياًًًً، تُعتبر القيم الإستعمالية فى الوقت نفسه حاملات مادية للقيمة التبادلية. قيمة المبادلة وتبدو القيمة التبادلية قبل كُُُل شىء كعلاقة كََمية، كنسبة يجرى بموجبها تبادل قيم إستعمالية مِن نوع ما بقيم إستعمالية مِن نوع آخر. فإن سلعة مُعينة، كيلو مِن القمح مثلاًً تجرى مبادلته بمقدار (س) مِن الأرز، و (ص) مِن الحرير، و (ع) مِن الفضة، وما إلى ذلك، وبإختصار: بسلع أخرى بأكثر النسب تبايناًً، وبالتالى فليس للقمح قيمة تبادلية واحدة، بل لها، كسلعة، الكثير جداًً مِن القيم التبادلية، ولكن بما أن (س) مِن الأرز، و (ص) مِن الحرير، و (ع) مِن الفضة، إنما تشكل القيمة التبادلية للكيلو مِن القمح، فإن (س) من الأرز، و (ص) من الحرير، و (ع) مِن الفضة، وما إليها، يجب أن تَكون قيماًً تبادلية قادرة على أن تحل محل بعضها البعض، أى أن تكون متساوية فيما بينها. ومِن هنا ينجم، أن القيم التبادلية المختلفة للسلعة تعبر عن شىء واحد. ولنأخذ سلعتين للتمثيل المبسط، وليكن الحرير والفضة، فمهما تكن علاقتهما التبادلية يُمكن على الدوام التعبير عنها بمعادلة تَتَعادل فيها كَمية معينة مِن الحرير مع كََمية معينة مِن الفضة، مثلاًً: مبادلة (10) أمتار مِن الحرير بـ(5) جرام مِن الفضة. فعلام تَدُل هذه المعادلة؟ إن تلك المعادلة إنما تدل على وجود أمر مشترك مقداره واحد. إن كلاًً مِن هذين الشيئين، الحرير والفضة، مساو لشىء ما ثالث، لا هو الأول ولا هو الثانى، وبالتالى لابد وأن يكون كُُل منهما بإعتباره قيمة تبادلية، قابلاًً للإرجاع إلى هذا الشىء الثالث. وهذا الشىء المشترك لا يُمكن أن يكون متمثلاًً فى خصائص هندسية أو فيزيائية أو أية خصائص طبيعية أخرى للسلع، فخصائص السلع الجسدية لا تُؤخذ فى الإعتبار على وجه العموم إلا بقدر ما تتوقف عليها منفعة السلع، أى بقدر ما تجعل مِن السلع قيماًً إستعمالية، وفى هذا الشأن يَنقل كارل ماركس، عن باربون، قوله:"إن نوعاًً من البضائع هو صالح تماماًً كأى نوع آخر إذا كانت قيمتهما التبادليتان متساوييتين، ولا فرق أو إختلاف بين الأشياء التى لها قيم تبادلية متساوية؛ فكََمية مِن الحديد أو الرصاص بمائة جنيه لها نفس القيمة التبادلية كما لكمية مِن الفضة أو الذهب بمائة جنيه". مصدر القيمة ومقياسها وفى مجتمعنا الراهن، المجتمع الرأسمالى، تُنتَج كُل السلع، ومنها النفط الفنزويلى، مِن السلع بهدف البيع، ونتيجة لإنهيار الإقتصاد الطبيعى، الذى تُنتَج فيه المنتجات بهدف الإشباع المباشر للحاجات، فقد تبلور الإقتصاد السلعى، الذى تُنتَج فيه السلع مِن أجل البيع، المتزامن مع ظهور الملكية الفردية لوسائل الإنتاج، أثر تفسخ الإقطاع الأوروبى وهيمنة سيادة نمط الإنتاج الرأسمالى؛ فالمؤسسة الرأسمالية تقوم بإنتاج كُُُل منتجاتها بغرض البيع، ومع نمو الرأسمالية صار صغار المنتجين مِن الفلاحين يبيعون الجزء الأكبر مِن إنتاجهم فى السوق، وفى ظل الرأسمالية تُباع وتُشترى كُُل وسائل الإنتاج ومواد الإستهلاك تقريباً؛ ومِن ثم يُصبح الإقتصاد السلعى الإقتصاد المهيمن بفضل التطور الحاصل فى التقسيم الإجتماعى للعمل، كشرط أول لتلك الهيمنة، وبفعل ظهور الملكية الفردية لوسائل الإنتاج، كشرط ثان. هكذا نجد الرأسمالية يَسود فيها إنتاج السلع، أى الإنتاج مِن أجل السوق، ومِن ثم التبادل والبيع، الأمر الذى يقودنا للتعرف على خصائص السلعة ذاتها. فلكى يكون نتاج العمل سلعة فلا بد، أولاًًً، أن يُشبع حاجة إنسانية، وثانياً، أن يَكون نتاج العمل هذا؛ مما يُمكن مبادلته بشىء آخر. وهذا التبادل إنما يتم وفقاًًًً لنسب كمية معينة، فمثلاًً يُتبَادل جوالاًًً مِن القمح بزوج مِن الأحذية، هكذا نجد أنفسنا أمام قيمة المبادلة، والتى هى قدرة السلعة على التبادل مع سلعة أخرى بنسبة كمية معينة، وتلك خصيصة جديدة يكتسبها الناتج عبر مراحل التطور التاريخى. قيمتان لدينا إذاًً: قيمة إستعمال، وقيمة مبادلة. وعند التبادل يساوى بين أشياء ذات قيم إستعمالية، التى هى قدرة الشىء على إشباع حاجة إنسانية، مختلفة ومتنوعة؛ ولهذا السبب تحديداًً يتم التبادل، فلن يُقدِم أحدٌ على مبادلة كيلو جرام مِن السكر بكيلو جرام مِن السكر نفسه، ولن يجول بخاطر أحد، كما يقول ليونتيف، أن يقوم بييع حذاءه لكى يشترى بهذه النقود مثل ذلك الحذاء. ومِن جهة أخر، فعادة ما تتذبذب العلاقات الكمية التى تتبادل بها السلع، فبعض السلع تنخفض أثمانها وبعضها الآخر على العكس يزداد؛ بيد أن مهما كبر هذا التذبذب، فإن الكيلو جرام من النحاس، على سبيل المثال، يَظل دائماًً أغلى من الحديد، وأرخص من الفضة، وأكثر رخصاًً من الذهب. إذاًً هناك أساس ما، شئنا أم أبينا، يتميز بالثبات يتم التبادل على أساسه هذا، فكيف يتحدد هذا الأساس؟ يتعين الوعى هنا الفارق ما بين أساس التبادل وشروطه. إن أية مقارنة عددية تتطلب وجود خاصية مشتركة للمواد المقارنة. وكثيراًً ما نقوم بالمقارنة بين أشياء متنوعة للغاية، ولكن مِن الضرورى أن يَكون فى هذه الأشياء أشياء مشتركة، ومن الضرورى كذلك أن يكون هذا الشىء المشترك قابلاًً للقياس، تلك الخاصية ليست فى الوزن، وليست فى الحجم، وليست فى الصلابة، فإن للكيلو جرام مِن النحاس وللإثنين كيلو جرام مِن الحديد، حجماًً ووزناًً وخصائص طبيعية أخرى مختلفة عن بعضها تمام الإختلاف، كما أن هذه الخاصية ليست فى مدى النفع لكلتى السلعتين، لأن نفعهما مختلف كذلك تماماًً. ومن ثم يظهر العمل البشرى هنا كى يُعبر عن نفسه كمقياس عام، فالسلع التى لها قيم إستعمالية مُختلفة لها خاصية مُشتركة واحدة فقط وهى أنها جميعاًً نتاج العمل البشرى، وهذه الخاصية يُمكن قياسها؛ فالعمل يُقاس بكمية الزمن المنفَََق على إنتاج السلعة، فكمية العمل المبذول فى إنتاج السلعة، إذاًًً، هى التى تُحدد النسب التى تَتَبادل بها بعض السلع بالبعض الآخر. بيد أن الأمر ليس سطحياًً هكذا، إذ المُعتد به فى هذا الشأن هو وقت العمل اللازم إجتماعياًً وفقاًً للفن الإنتاجى السائد فى فترة زمنية معينة طبقاًً لمتوسط مهارة المنتِج. العمل البشرى العمل البشرى إذاًً هو مصدر كُُل الثروات ومقياس كُُل القيم، بحيث أن شيئين تَطلب إنتاجهما نفس العمل يمتلكان نفس القيمة، ويُمكن بالتالى مبادلتهما ببعضهما ما دامت القيم متساوية بشكل عام، قابلة للتبادل. النفط الفنزويلى إذاًً يتحدد سعر البرميل الواحد منه على أساس كََمية العمل المبذولة فى سبيل إنتاجه. هكذا يُنفِق عمال النفط قوة عملهم فى سبيل الإنتاج، وإنما إبتداءً مِن أجر معلوم. الأجرة. فإذ ما كانت السلعة الرئيسية والدائر حولها الصراع إنما يتحدد ثمنها الوسطى (فى السوق الدولية) شئنا أم أبينا على أساس مِن عدد ساعات العمل المبذولة على نحو ما ذكرنا، لقاء أجر مُحدد، فما الذى يُحدد أجر عمال النفط الفنزويليين؟ إن الذى يُحدد هذا الأجر هو (حد الكفاف) وقت العمل الضرورى اللازم لإنتاج وسائل العيش، يجب الوعى وكما ذكرنا أن تحديد الأجرة إنما يتوقف على ما هو ذاتى فى السلعة، وما هو موضوعى يخص المنتِج، فإن الأجرة تأخذ فى حسابها (المنتَج والمنتِج) وليس المنتِج فقط. وحينما ينظر إلى المنتَج والمنتِج فإننا نكون بصدد البحث عن تأرجحات أثمان قوة العمل فى السوق، فى حين أننا حين ننظر إلى المنتِج وتكلفة تكوينه نكون أمام الثمن الوسطى لقوة العمل. العمل البشرى على هذا النحو يتراكم، ويُختَزن فيما يُسمى برأس المال، وبتتبع مجرى تطور رأس المال، بتتبع الفكرة القائلة بأن الرأسماليين يتحصلون على الربح عبر التبادل، فهم يشترون بأموالهم سلعاًً يبعونها فيما بعد مقابل مبلغاًً مِن المال أكثر مِن تكلفتها. فعلى سبيل المثال يَشترى الرأسمالى قطناًً بمبلغ (100 وحدة) ويبيعه مقابل (110 وحدة) ولكن المسألة تحتاج إلى المزيد من البحث، فالذى يُطلق عليه ربحاًً هو فى حقيقته قيمة زائدة. فالفرضية الأساسية أن القيم المتساوية هى وحدها القابلة للتبادل، فإن شراء القطن وبيعه مِن جديد لا يُنتج قيمة زائدة. ولكن فى ظل الشروط الإجتماعية الراهنة، يَجد الرأسمالى، فى السوق، وكما ذكرنا، سلعة لها خاصية غريبة تَتَميز بأن إستخدامها يُصبح مصدراًً لقيمة جديدة، هذه السلعة هى قوة العمل، الأمر الذى يقودنا إلى إعادة التعرف على ماهية قوة العمل. إن قيمة أى سلعة تُقاس بالعمل الإجتماعى اللازم لإنتاجها. وقوة العمل موجودة على شكل "عامل حى" بحاجة إلى كمية مُعينة مِن وسائل العيش لنفسه ولعائلته تؤمّّن إستمرار وجود قوة العمل حتى بعد الموت. مِن هنا فإن وقت العمل الضرورى اللازم لإنتاج وسائل العيش يُمثل قيمة قوة العمل. وحينما يدفع الرأسمالى للعامل(عامل النفط الفنزويلى) أجراًً أسبوعياًً، فإنه يَشترى بذلك حق إستخدام قوة العمل طوال هذا الأسبوع. فالرأسمالى، وكما سنرى، يشرع الأن فى تشغيل العامل، ولكن العامل فى وقت معين يكون قد أنجََز عملاًً يُمثل أجره الأسبوعى، ولنفترض أن الأجر الأسبوعى للعامل(عامل النفط الفنزويلى) يُمثل عمل ثلاثة أيام، فإذا باشر العامل(البتروليتاريا)صباح السبت عمله(الضرورى)فإنه يكون قد عوض الرأسمالى(إكسون موبيل، أو توتال، أو بتريوس دى فنزويلا) فى مساء الإثنين القيمة الكاملة للأجر. فهل يَكف العامل عن الإنتاج؟ لا، إطلاقاًً، فلقد إشترى الرأسمالى قوة عمل أسبوع ويجب على العامل(عامل النفط الفنزويلى) أن يتابع العمل طوال الأيام الأربعة الباقية. هذا العمل الزائد عن المتفق عليه(فى العلاقة الحقوقية الزائفة) هو مصدر القيمة الزائدة.... مصدر الربح....مصدر النمو المطرد لتراكم رأس المال، الذى يُحاول البعض تشيِّئه، على الرغم مِن كونه علاقة وليس شيئاًً، فرأس المال علاقة إجتماعية معينة، علاقة بين الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج وتجديده، وبين غير المالكة، أما الأشياء، وهى المبانى والآلات والمواد الخام والمنتجات المصنعة، فإنها لا تُعتبر فى حد ذاتها مِن قبيل رأس المال، فالنظام الإجتماعى المعين هو الذى يجعل هذه الأشياء وسائل للإستغلال، أى رأس مال. وبدون تلك القيمة الزائدة التى لا يَتمكن الرأسمالى(إكسون موبيل، وشل، وشيفرون، والشركة الوطنية فى فنزويلا،....) مِن إقتطاعها مِن وسائل الإنتاج الأخرى، سيغلق الرأسمالى مصنعه؛ لأن الربح الناتج بأكمله سيكون (صفراًً) فقط نشير هنا إلى أنه وبالمثل بشأن عمال النفط الفنزويلى، حينما يعملون بالأجرة لدى رأس المال لفترة زمنية معينة (ولتكن شهراًً) فإنهم فى فترة زمنية محددة(ولتكن 15 يوماًً مثلاًً) يقومون بتعويض الرأسمالى(الشركة الدولية المستثمِرة، إكسون موبيل)أو(الشركة الوطنية، بتريولس دى فنزويلا)عن الأجر المدفوع، بخلق قيمة مساوية للمبلغ النقدى المدفوع؛ ولكنهم وبعد هذا التعويض لا يكفون عن العمل، إذ إشترت الشركة الأجنبية، دولية النشاط، أو الشركة الوطنية عملََهم لمدة شهر، وحين إنتهاء الشهر يُصبح فى يد الشركة الدولية أو الشركة الوطنية مبلغاًً مِن النقود (ن) لا يساوى فقط المبلغ المبدوء به الإنتاج والمتَخذ قراره على أساس منه، وإنما يصبح لديها (Δ ن) أى مبلغ النقود وقد حُمّل بقيمة أزيد مِن القيمة التى دخل بها العملية الإنتاجية (وذلك كُُله قبل مرحلة التداول) وسنرى ذلك فيما بعد بشىء مِن التوسع. عمال النفط فى فنزويلا لا يتقاضون إذاً المقابل العادل لقوة عملهم، وإن كانوا يحتلون موقعاًً أكثر تقدماً نسبياًً، فالعمال يعملون من أجل الشركة(الوطنية، أو الأجنبية) ويقومون بإنتاج المنتَج، بعد قبض الأجرة، وتسليمه إلى المنتِج الذى يقوم بطرحه فى الأسواق، لكى يتحصل على (Δ ن) الشركة الرأسمالية إذاًً، أجنبية كانت أم وطنية، تعمل طبقاًً لقانون حركة معين أساسه القيمة الزائدة، وهو المتعلق بالصيغة العامة (ن-و أ، ق ع-س-Δ ن) السؤال الذى يجب أن يثور هنا، لفهم التسرب، وهو على العموم يُعد من قبيل التسرب الجزئى على المستوى القومى، هو عن الكيفية التى يُستخدم مِن خلالها هذا الفائض، وأماكن ضخ تلك القيمة الزائدة، التى تظهر عادة فى شكل تدفقات خارجية!! أعتقد إن حدود الإجابة تقتضى الوعى بالأمرين التاليين: - الأمر الأول: تُهيمن على سلعة النفط الفنزويلى إستخراجاًًً وتسويقاًًً الشركات دولية النشاط، تلك الشركات العملاقة ورؤوس أموالها الضخمة إنما تقع مراكزها فى الأجزاء المتقدمة مِن الإقتصاد الرأسمالى العالمى. وهى، كما سبق وأن ذكرنا، دوماًًًً ما تسعى إلى تعميق الدور الذى تلعبه أجزاء القارة المختلفة كمورد رئيسى للمواد الأولية، دون أى مشاركة مِن هذه الأجزاء فى عملية التجارة فى أى مرحلة مِن مراحلها، مع الحفاظ دائماًً على إثارة القلق فى أسواق تلك المنتجات، حفاظاًً على التوترات المستمرة فى ثمنه العالمى وإمكانية التلاعب به. - الأمر الثانى: الشركة الوطنية إنما هى شركة تابعة للرأسمالية العالمية ومندمجة فيها، ومِن ثم خاضعة لقانون الحركة الحاكم لأدائها الإستعمارى الكونى بوجه عام. ولقد رأينا أنه لمن الأفضل أن نتناول إشكاليات الأمرين بمزيد مِن الدرس، بتخصيص المطلب التالى بشكل مُستقل، معتبرين إياه مداخلة أكثر منه تسلسلاًً منهجياًً للخط النظرى الرئيسى للأطروحة.
المطلب الثالث: الشركات دولية النشاط (كمداخلة) بمراعاة الأمرين الواجب الوعى بهما، و قد أوردناهما لتونا؛ وهما: هيمنة الشركات الرأسمالية العالمية، والتبعية المفروضة على جميع مراحل تجارة النفط مِن جهة الإدارة والإستخراج والتحويل والتسويق. وذلك فى سبيل التعرف على أماكن إعادة الضخ، وتسريب فائض القيمة على الصعيد العالمى، يُحسن بنا التعامل مع هذا المطلب كمداخلة نظرية، وهى تفيد كثيراًً فى تدبر أكثر دقة لما ستتناوله الأطروحة مِن عناصر فكرية تخص النفط الفنزويلى والشركات دولية النشاط المهيمنة على إنتاجه وتسويقه، تلك المداخلة تنشغل بالتعرف (وبإيجاز) على الخطوط العريضة التى تُشكل تلك الشركات وتحكم نشاطها. الشركات الإمبريالية (المشروعات دولية النشاط) الشركات الإمبريالية هى شركات ضخمة مُُمتدة عالمياًً، تملك تقنية عالية ومتطورة، وتسمى دون دقة بالشركات متعددة الجنسيات، وتسميها الأمم المتحدة "الشركات عبر الوطنية"، http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%84%D8%BA%D8%A9_%D8%A5%D9%86%D8%AC%D9%84%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%A9وتمارس نشاطها على عدة أقاليم لدول مختلفة.ولتلك الشركات، التى ساهمت فى تشكيل معالم الإقتصاد الرأسمالى المعاصر، مجموعة من الخصائص، أهمها: التوسع الجغرافى ومِن ثم رؤيتها للعالم كوحدة واحدة، كسوق واحد يلزم إمتصاص مدخراته، وإستثمارها فى الأنشطة المتعددة التى تمارسها وجوباًً لتقليل إحتمالات الخسارة، الأمر الذى يتطلب نوعاًً من الإحتكار، الفردى أو مِن خلال إقامة التحالفات أو الإندماجات. وتتبدى أهم خصائص تلك الشركات فيما يلى: أولاًً: الإحتكار: السمة الرئيسية لتلك الشركات هى العمل مِن خلال هياكل وبرامج إحتكارية، إذ تتمتع هذه الشركات بمجموعة مِن المزايا الإحتكارية، وترجع هذه السمة إلى أن هيكل السوق الذى تعمل فيه هذه الشركات، يأخذ شكل سوق إحتكار القلة فى الأغلب الأعم، المرتبط بإحتكار التكنولوجيا الفائقة، وتتبدى السمة الإحتكارية لتلك الشركات على صعيد كُُل من التمويل، ومروراًً بالإدارة، والتكنولوجيا، وإنتهاءًً بالتسويق. فالتمويل المفتوح يعتمد بالأساس على عنصر الثقة؛ فتتمكن تلك الشركات مِن الإقتراض بأفضل الشروط، مِن الأسواق المالية العالمية نظراًًً لوجود تلك الثقة، والتيقن من سلامة وقوة مركزها المالى. ولكى تنمو السمة الإحتكارية (المعتمدة على النشاط الإحتكارى) وتستمر فإنه يتعين وجود الهيكل التنظيمى القوى والذى يكون على أعلى مستو من الكفاءة، ويسمح بتدفق سليم للمعلومات وسرعة فى الإتصالات بين المركز وبين الفروع على الصعيد العالمى. تلك المزايا ترتبط إرتباطاًً وثيقاًً بدوام التدريب وتجهيز الكوادر على مستويات العمل المختلفة. وأهم ما تسعى إليه تلك الشركات هو التقنية المتطورة بإستمرار، بهدف الحد مِن دخول منافسين جُدد وفرض وضعها الإحتكارى، ولذلك تجد هذه الشركات إستمرارها الإحتكارى فى التجديد والحفاظ على جودة المنتَجات وتطويرها المستمر. ومِن خلال الشبكات التوزيعية والتسويقية العالمية، تعمل تلك الشركات على توفير منتجاتها، وطرحها فى السوق فى أفضل الأشكال. إذ تهتم تلك الشركات بأبحاث السوق وقياس درجة إستجابة الأذواق، بعد توجيهها، والتركيز على أساليب الترويج والدعاية(15) والإعلان لمنتجاتها لضمان طلب متزايد ومستمر عليها ثانياًًً: التوسع الجغرافى: مِن أهم الخصائص التى تُميز الشركات دولية النشاط هى كِبر مساحة السوق التي تغطيها وإمتدادها الجغرافى خارج الدولة الأم، بما لها مِن إمكانيات هائلة فى التسويق، وفروع وشركات تابعة فى أنحاء العالم. ولقد ساعدها على هذا: الإنتشار التقدم التكنولوجى الهائل، ولاسيما فى مجال المعلومات والإتصالات. ثانياًً: إقامة التحالفات الإستراتيجية والإندماجات: وهى تُعتبر مِن أهم الأليات التى تعمل من خلالها الشركات دولية النشاط والتى تسعى دوماًً إلى إقامة تحالفات إستراتيجية فيما بينها ومِن أجل تحقيق مصالحها الإقتصادية المشتركة وتعزيز قدراتها التنافسية والتسويقية. ويُمكن القول بأن هذه التحالفات هى نتاج المنافسة المحتدمة والتى صارت سمة أساسية للأسواق المفتوحة وثورة الإتصالات والمعلومات؛فالتحالفات الإستراتيجية بين الشركات المتشابهة تتم فى الصناعات المتماثلة بدرجة أكبر، وفى بعض الأحيان يأخذ هذا التحالف شكل الإندماج(ستنادرد أويل أوف نيو جرسى وموبيل، وستنادرد أويل أوف نيو كاليفورنيا وتكساكو، بنك اليابان الصناعى وفوجى بنك و بنك واى إيشى كانجيو 1259 مليار دولار، بى. إن. بى وباريبا:688 مليار دولار) وهذا يَظهر بوضوح فى مجال البحث والتطوير بما يحتاجه إلى تمويل ضخم، ومن الأمثلة على هذا التعاون، التمركز الأوروبى لبحوث الحاسب الألى والمعلومات والإتصالات التى تشترك فيه ثلاثة شركات أوروبية كبرى تُنتج الحاسبات الآلية، وهى بول آلان،وتى إس إل، وسمنز، وقد يتحول التحالف الإستراتيجى أيضاًًً إلى شركات تابعة مشتركة، للشركات دولية النشاط. ولأن تلك الشركات تنظر إلى العالم كوحدة واحدة فهى تسعى دوماًً لإمتصاص المدخرات على الصعيد العالمى لإستثمارها، وتستخدم فى سبيل ذلك مجموعة من الإجراءات؛ كطرح الأسهم الخاصة بها فى كُُل من الأسواق المالية العالمية الهامة وكذلك الأسواق النامية، وغيرها. وتعتمد تلك الشركات، عند الإقدام على عمليات كبرى مثل شراء أسهم شركة منافسة بالقدر الذى يَسمح بالسيطرة على إدارتها مثلاًُ، إلى الإقتراض مِن البنوك دولية النشاط، كذلك، وبمعدلات عالية. كما تستقطب تلك الشركات الجزء الأعظم مِن تدفقات الإستثمار الأجنبى المباشر وتوجهه أساساًًً إلى أسواق الدول الصناعية التي تُمثل ثلاثة أرباع السوق العالمية. أضف إلى ذلك إلزام كُل شركة تابعة بأن توفر محلياًًً أقصى ما يُمكن لتمويل متطلباتها، مِن خلال وسائل مختلفة مثل المشروعات المشتركة، وطرح الأسهم الخاصة بتلك الشركات فى الأسواق المالية العالمية، والإقتراض مِن الجهاز المصرفى المحلى وغيرها. تتساوق تعبئة المدخرات تلك مع تعبئة الكفاءات: حيث تتميز المشروعات دولية النشاط بعدم تقيدها بتفضيل مواطنى دولة معينة عند إختيار العاملين بها حتى أعلى المستويات، فالمعيار الغالب الذى تأخذ به هو معيار الكفاءة. وتعتبر شركات النفط العالمية الكبرى مِن أقدم المشروعات دولية النشاط. وقد شهدت السوق العالمى للنفط مراحل مختلفة لسيطرة عدد محدود مِن شركات النفط العملاقة على جانب كبير من تلك الأسواق؛ ففى خلال الفترة من 1928 وحتى 1938، تم توقيع عدة إتفاقيات بين ثلاث شركات كبرى تهدف تقسيم العالم بين كارتل: ستاندارد أويل أوف نيوجيرسى(إكسون موبيل حالياًًًً) وشل، وبريتش بتروليوم(الإنجلو/إيرانيان) ثم إنضم إلى هذا الكارتل: ستاندارد أوف نيويورك وستاندارد أوف كاليفورنيا وجولف وتكساكو، وأضيف إليهم منذ أواخر الخمسينات الشركة الفرنسية للنفط. ولقد كان هذا الكارتل حتى عام 1949، يسيطر على 97% من إنتاج النفط فى النصف الشرقى للكرة الأرضية، وعلى نحو 80% من إنتاج أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبى(16). ولقد كانت شركات النفط العالمية تلعب أدوارها المباشرة و(السرية) فى تخطيط وتنفيذ الأمور من خلال عقد الإتفاقيات الطويلة الأمد بالشكل الذي يضمن لها الحصول على أكبر قدر من المنافع من الدول المنتجة والمستهلكة للنفط، سالكة فى ذلك كل الطرق، حتى القضاء على الشركات الصغرى وتهديد أمن النفط. وقد كان يُسيطر على سوق النفط إلى ما قبل الخمسين سنة الماضية سبع شركات كبرى(7، الأخوة السبعة) منها (5) شركات أمريكية وهى(ستاندرد أويل أف نيو جرسى، موبيل أويل، تكساكو، شركة الخليج، ستاندرد كاليفورنيا، شل، البترول البريطانية. وكانت شركة (ستاندرد أوف جرسى) من أولى الشركات الامريكية وأكبرها وأقدمها، فقد كانت تنتج النفط فى 14 دولة وتكرره فى 36 دولة وتبيعه فى مائة دولة.
الشركة ملاحظات ستاندرد أويل اوف نيوجرسى إيسو Standard Oil of New Jersey شركة النفط القياسية بنيوجرسى Esso
إندمجت مع موبيل لتشكيل شركة إكسون موبيل Exxon Mobil
رويال دتش شل Royal Dutch Shell شركة بريطانية هولندية
انجلو- بيرسيان أويل كامبنى أبك Anglo-Persian Oil Company
شركة النفط البريطانية الفارسيةلاحقاًً عرفت بأنجلو-إيرانيان أويل كامبنى أيوك شركة النفط البريطانية الإيرانية APOC Anglo-Iranian Oil Company AIOC
شركة بريطانية إيرانية عرفت لاحقاًً بـ (Standard Oil of Indiana)
ستاندرد اويل كومبانى اوف نيويورك سوكونى Standard Oil Co. of New York شركة النفط القياسية بنيويورك أصبحت شركة موبيل
إندمجت مع إيسو لتشكيل شركة إكسون موبيل ExxonMobil
ستاندارد أويل اوف كاليفورنيا "سوكال" Standard Oil of California Chevron الشركة القياسية للنفط بكلفورنيا عرفت فيما بعد بـ شيفرون إندمجت مع شركة تكساكو لتكون شيفرون تكساكو Chevron Texaco ثم خرجت تكساكو لتعود شيفرون .
جلف أويل Gulf Oil
فى 1985 معظم "جلف أويل" إندمج مع شركة شيفرون (Chevron) وجزء أصغر أصبح ضمن شركة بى بى ومزارع كمبرلاندBP and Cumberland Farms
تكساكو Texaco
إندمجت مع شركة شيفرون (Chevron) فى عام 2001 وعرفت لبعض الوقت ب"شيفرون تيكساكو" لكن فى 2005 عادت إلى إسم شيفورن (Chevron) ولا تزال شركة شيفرون تكساكو الاسم التجارى ولقد أنشأت كُُل هذه الشركات فروعاًً لها لأدارة عمليات (التسويق، والتوزيع، والتكرير) وتبيع الشركات الأصلية النفط لفروعها بأسعار مختلفة عن أسعار السوق وتتقاسم الأرباح فيما بينهما، وكانت الشركات الكبرى تستغل هذه العلاقة بينها وبين فروعها فى الضغط على الدول المنتِجة للنفط. فمثلاًً كان يتم التلاعب بأسعار خام النفط، حيث يُعلنون بشكل مفاجئ خفض سعر بيع الخام فى ميناء التصدير، وعلى حين يفترض تكبد تلك الشركات للخسائر نتيجة هذا الإنخفاض، إلا أن الدولة المنتِجة للنفط هى التي تخسر، أما الشركة فأنها تبيع الخام للشركات الفرعية التى تتولى نقله وتكريره وتسويقه وبيعه فى النهاية للمستهلك بسعر مرتفع وتكون الحصيلة النهائية للشركة الأصلية بفروعها. الجدير بالذكر أن الشركات العملاقة تلك عندما تُحارب دولة أو شركة أخرى فإنها تحاربها فى قسوة وفى ضراوة وتسطيع أن تؤدى الى إفلاس دول وخراب شركات، وبحكم ما تملكه هذه الشركات مِن رؤوس أموال وأرباح تسطيع أن تُخفض الأسعار إلى الحد الذى تفقد فيه بعض ما لديها من فائض، وتؤدى فى نفس الوقت إلى إفلاس الشركات الصغيرة التى لا تتحمل أعباء بيع النفط بتلك الأسعار المنخفضة. وعملاًً فقد أدت تكرار عمليات التلاعب بأسعار النفط من قبل الشركات الكبرى الى إفلاس الشركات الصغرى مما أرغم الشركات الصغرى على أن تخضع وتنحنى لسياسات وتوجهات الشركات الكبرى. تفسير السلوك الإقتصادى للشركات دولية النشاط مِن الأمور التى إنشغل بها العديد مِن الإقتصاديين، ولم يزل هذا الإنشغال يُمثل مبحثاًً هاماًً فى حقل العلاقات الإقتصادية الدولية، تفسير(17)(18)سلوك المشروعات دولية النشاط، ومِن ثم تفسير طريقة الإنتاج الرأسمالية على الصعيد العالمى، بما يوحى بإختلاف طريقة الإنتاج الرأسمالية على الصعيد العالمى عنها داخلياًً، ومِن أجل إعطاء ذلك التفسير، ظهرت العديد مِن التصورات النظرية، والإجتهادات الفكرية، إلا أن الإتجاه(19) الأقرب إلى الدقة هو الذى بدأ مِن رؤية واضحة لحقيقة أن خلف كُُل رأس مال دولى توجد دولة تسانده بشتى الوسائل فى (توسعه، وصراعه) مع رؤوس الأموال الأخرى وفى صراعه مع قوى المنتجين المباشرين فى الداخل أو فى الخارج، والتجربة التاريخية تثبت أن وراء كُُل شركة دولية تمارس نشاطها فى إقليم واحد أو أكثر من إقليم، توجد دولة بكيانها السياسى وقوتها العسكرية(20) فعندما قامت مصر بتأميم قناة السويس فى يوليو1956، وجدت مصر نفسها فى مواجه مع دولتين(الدولة البريطانية، والدولة الفرنسية) وذلك فى مرحلة اولى، كى تجد نفسها، فى مرحلة ثانية، أمام ثلاثة جيوش(بريطانيا، وفرنسا، والغدة السرطانية: إسرائيل) وتجارب بلدان أمريكا اللاتينية (جواتيمالا 1954، وتشيلى1973) وغيرها تؤكد على ذلك. ومن الممكن أن نضيف ما ذهب إليه نعوم تشومسكى، فى الدولة المارقة، حين عبر عن الشركات دولية النشاط، وهو يستخدم عموماًً مصطلح متعددة الجنسية، بقوله:" ومن جانب أكثر جوهرية يمكن لنا أن نصفها كمجموعة شركات عملاقة عادة ما تكون مرتبطة ببعضها بتحالفات إستراتيجية وتدير إقتصاداًً عالمياً.... وتميل نحو حكم القلة فى معظم القطاعات وتعتمد بشدة على قوة الدولة لجعل المخاطرة والثمن ذات طبع إجتماعى ولإخضاع العناصر المتمردة أو غير المطاوعة" الأمر الذى يعنى، وفقاًً لهذا الإتجاه: - إعتبار تلك الشركات أداة فعالة فى سبيل ترسيخ هيمنة الدولة على الصعيد السياسى العالمى، فقوة الإقتصاد الوطنى لبلد ما إنما تُقاس بأمرين: أولهما: بالقدرة التنافسية فى السوق الدولية إبتداءًً من الإنتاجية النسبية للعمل، ومن ثم دوره فى الإقتصاد الدولى، مقيساًً بمدى إتساع دائرة سيطرته فى السوق الدولية. ثانيهما: بالناتج الوطنى الإجمالى، ووزن ذلك الناتج فى الناتج العالمى، بصفة عامة، وبالناتج الصناعى، تحت تأثير التصور الأوروبى، بصفة خاصة. وبناتجها من المنتجات الصناعات عالية التكنولوجيا، بصفة أخص، وفى ظل الشكل السائد لتنظيم المشروع الدولى، الشركات دولية النشاط، يتعين أن نضيف، لقياس قوة الإقتصاد الوطنى، نصيب شركات الدولة وتوابعها فى الخارج فى الناتج الذى تنتجها الشركات دولية النشاط(21) - إعتبار تلك الشركات وسيلة (غير عسكرية) فى تحقيق مجموعة مِن الأهداف القومية على الصعيد العالمى، وعلى عدة مستويات: الإقتصادى، والسياسى، والإجتماعى، والثقافى. - الصراع من أجل تحقيق الهيمنة الإقتصادية، ومن ثم بسط النفوذ السياسى، على الصعيد العالمى لأحد رؤوس الأموال، يُعد أحد مُحددات تراكم رأس المال، بما يجعل مساندة الدولة القومية متساوقاًً مع نشاط الشركة دولية النشاط. - إتجاه الشركات دولية النشاط نحو المزيد من الإندماج فيما بينها، ومِن ثم المزيد مِن تمركز رأس المال على الصعيد العالمى، الأمر الذى يقوى توجهاتها العالمية، ويثير إمكانية الصدام مع الإتجاهات القومية لدولة ما أو مجموعة من الدول. الأمر الذى يحوى إمكانية الصدام فيما بين الدول ذاتها. - قيام تلك الشركات بلعب الدور المحورى فى عملية إمتصاص الفوائض(وعلى رأسها الفوائض النفطية) التى تُنتَج فى الأجزاء المتخلفة، وضخها فى مسام الإجزاء المتقدمة، فالشركات الأمريكية دولية النشاط، على سبيل المثال، تقوم بإنفاق 70% من دخلها فى الولايات المتحدة الأمريكية. - يتوسع السوق فى الإقتصاد الرأسمالى باستمرار لأن البحث عن الربح، يولد التنافس، ولأن التنافس(22) هذا يدفع كُُل وحدة إقتصادية إلى أن تراكم وتتوسع وتذهب مِن أجل ذلك إلى أبعد الأماكن بحثاًً عن المواد الأولية بخسة الأثمان، وبحثاًً كذلك عن السوق المناسب لتصريف تلك المنتجات، إن نفس الألية التى وسعت السوق المحلية هى التى تدفع بالوحدة الإقتصادية إلى البيع فى الخارج، وربما تدفعها إلى بعض من التمركز المكانى. إن الإضافة التى نقوم بها هنا، تتركز فى فهم العلاقة الجدلية بين الشركات فيما بينها، مِن جهة وبين البلدان وبين تلك الشركات، مِن جهة أخرى، على أساس من الوعى بأن تلك الشركات، وبغض النظر عن ملكيتها(لأشخاص أم لحكومة) فى سبيل توسعها، فإن الصيغة العامة(23) التى تحكم أدائها على الصعيد العالمى؛ تتحصل فى: (ن - ق ع -"قوة عمل"+ و أ"وسائل إنتاج"- س-Δ ن) إذ تقوم الشركة بإنفاق مبالغ نقدية(مركََمة) من أجل شراء وسائل إنتاج ودفع أجرة، كى تتحصل على سلع(أو خدمات) تُباع فى الأسواق، وإنما بمبالغ تفوق المبالغ المبدوء بها العملية الإنتاجية. نفس الصيغة التى تحكم طريقة الإنتاج الرأسمالية على الصعيد الداخلى، هى ذاتها التى تحكم عملها على الصعيد العالمى، ولن يكون الإنشغال بمباحث النفقات المقارنة، وكثافة رأس المال، وإنتاجية العمل، ورخص وسائل الإنتاج، ومحدودية رأس المال المتغير(الأجرة) المدفوع لعمال الأجزاء المتخلفة، لن يكون، دون الإنطلاق من الصيغة العامة، إلا مِن قبيل الفوضى النظرية التى يتم حشو أدمغة الطلاب بها. يتعين علينا أن نستبقى مجموعة الأفكار التى طرحت نفسها فى هذا المطلب، لحين الذهاب إلى فنزويلا للتعرف على أداء الشركات النفطية هناك، قبل التأميم، وبعده. فقط نذكر ملحوظة ستكون مفيدة فى مجرى التحليل، تلك الملحوظة تتعلق بالوعى الزائف الذى يُغلف النظر إلى بعض المسائل، فيتردد مثلاًً أهمية تنمية السياحة. لما؟ لأنها تمتص بطالة، وتُدر عملة أجنبية. ونفس الأمر بصدد الشركات دولية النشاط، فهى توظف العمالة الوطنية، بخلق فرص العمل على نحو متعدد. بيد أن الأمر وإن بدى كذلك ظاهرياً؛ فهو، فى التحليل النهائى، غير صحيح؛ فالذى يقول بأهمية السياحة، يذكر قدرتها على تشغيل العاطلين، وقدرتها كذلك على جلب عملات أجنبية، ولكنه، نفس الشخص، ينسى أن هذا السائح، منذ أن يصل المطار قادماًً، وحتى يعود إليه مغادراًً، إنما يُنمى صناعات وخدمات فى أجزاء أخرى تماماًً من الإقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر، فهو يأكل خبزاًً، صُنع مِن دقيق مستورد، ويتناول وجبات غذائية بداخل فروع المطاعم العالمية المحتكرة للمنتَََج، ويركب سيارات للإنتقال أو التنزه أجنبية الصنع، أو على أقل تقدير تم تجميع أجزائها محلياًً، وهو كذلك يُُقيم فى فنادق تمثل أحد الفروع للسلسلة الفندقية الأضخم على الصعيد العالمى، ويتعامل مع فروع شركات الخدمات المنتشرة فى طول البلاد وعرضها وهى فروع تابعة لمجموعات مالية أكثر تطوراًً وتعقيداًً فى الخارج. نفس التحليل يصدق بشأن الشركات دولية النشاط، وأثرها المحدود بالنسبة لخلق الدخول ومعدل النمو فى البلد المتخلف التابع، إذ أن معظم الإتفاقيات التى تبرمها الشركات دولية النشاط تتم فى المركز، وبالنسبة للتكنولوجيا فإنها تأتى من الخارج وترجع مِن ثم عوائدها إلى الخارج. بل والسلع الوسيطة فإنها تأتى هى الأخرى مِن الخارج، بالشراء أو التأجير مِن الشركة الأم، الأمر الذى يَحول جزءًً من رأس المال نحو الخارج. وطبقاًًً لتقرير مجلة فورشن، عن أكبر مائة شركة فى العالم، لعام 2008، من جهتى الإيرادت والأرباح، تصدرت شركة وال مارت القائمة بإيرادات قدرها (378,799)مليون دولار، وأرباح قدرها(12,731) مليون دولار، وتلتها شركة إكسون موبيل، بإيرادات قدرها (372,824) مليون دولار، وأرباح قدرها(41) مليون دولار، وفى المركز الثالث، جاءت شركة شل، التى حققت إيرادات بلغت(355,782) مليون دولار، وأرباح قدرها(31,331) مليون دولار، وفى المركز الرابع، جاءت شركة بريتش بيتريوليوم، بإيرادات بلغت (291,438) مليون دولار، وأرباح قدرها (21) مليون دولار، وجاءت شركة تويوتا فى المركز الخامس وقد حققت إيرادات قدرها(230,201) مليون دولار، وأرباح بلغت نحو(15,042) مليون دولار.
دور الشركات دولية النشاط فى تشكيل التجارة العالمية حتى مراحل قريبة من خطواتنا الفكرية التى مشيناها حتى الآن، كنا نردد أن الشركات دولية النشاط، حينما تقوم بنشاطها الموسع على إقليم سياسى لدولة معينة، وعلى وجه التحديد حينما تستخرج النفط أو المعادن من أرض تلك الدولة، فهى لا تُُنمى بما تستخرجه أو بمقابله النقدى صناعات وليدة بداخل الدول المستخرَج من أرضها النفط أو المعدن، وإنما تُرسِل به إلى مراكز صناعية كى تتم تغذية قطاعات أكثر تطوراًً وتعقيداًً فى الأجزاء المتقدمة، ولا يكون للبلدان تلك سوى الريع، الذى تركن إليه، فى الغالب، الطبقة الحاكمة مِن أجل الحفاظ تثبيت الوضع الإجتماعى الراهن(وبخاصة فى دول مجلس التعاون) دون أن تَسمح، أو يُسمح لها، بتحويل الفوائض النفطية إلى رأس مال. التقرير الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، حول الشركات عبر الوطنية والصناعات الإستخراجية والبيئة(24)، للعام 2007، ربما يُُساند وجهة نظرنا، حينما يرسم صورة شبه واضحة للوضع الإقتصادى العالمى الراهن، وبوجه خاص من زاوية تدفقات الإستثمار الأجنبى المباشر، والتى يتم نحو (84%) من عملياته من خلال الشركات دولية النشاط، التى تُُسهم على نحو فعال فى تشكيل وإعادة تشكيل الخريطة الإقتصادية. يتعين هنا الوعى بالتصنيف الذى إعتنقه التقرير، إذ صنف التقرير البلدان على النحو التالى: البلدان المتقدمة: وتشمل: البلدان الأعضاء فى منظمة التعاون والتنمية، بخلاف المكسيك، وجمهورية كوريا، وتركيا، بالإضافة إلى البلدان الجُُدد الأعضاء فى الإتحاد الأوروبى، والتى ليست أعضاء فى منظمة التعاون والتنمية (قبرص، إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا، مالطة، سلوفينيا) علاوة على إسرائيل، وأندورا، وسان مارينو، وموناكو. الإقتصادات الإنتقالية: وتشمل: جنوب شرق أوروبا، ورابطة الدول المستقلة. البلدان النامية: وتشمل عموماًً جميع الإقتصادات غير المذكورة تحديداًً. وطبقاًً للتقرير فقد شهدت تدفقات الإستثمار الأجنبى المباشر (الداخل) على الصعيد العالمى إرتفاعاًً نسبياًً، فبلغ حجمها نحو (1303) مليار دولار، وهذا الرقم يقارب الرقم القياسى البالغ (1411) مليار دولار، الذى سُُجل عام 2000. وأرجع التقرير تلك الزيادة إلى تزايد أرباح الشركات فى جميع أنحاء العالم وما أسفر عنه من إرتفاع أسعار الأسهم الذى أدى إلى زيادة فى قيمة عمليات الإندماج والشراء عبر الحدود. ولم تزل الحركة الإقتصادية الدولية فيما بين الأجزاء المتقدمة تشهد إرتفاعاًً مستمراًً، فقد مثلت التدفقات (مِن وإلى) الإقتصادات المتقدمة، على النحو المذكور، أرقاماًً مرتفعة تفوق (مِن وإلى) الأجزاء الأخرى مِن الإقتصاد العالمى(الإنتقالية والنامية) إذ قُُدرت التدفقات الداخلة إلى الأجزاء المتقدمة بنحو (857,5) مليار دولار، والخارجة بنحو(1022,7) مليار دولار، على حين قُُُدّّرت التدفقات الداخلة إلى البلدان النامية بمبلغ(379,1) مليار دولار، والخارجة (174,8) مليار دولار. وكما ذكرنا أن الشركات دولية النشاط يتم من خلالها ما يقارب من (85%) من قيمة التدفقات على الصعيد العالمى.
الدول التدفقات الداخلة بالمليون دولار التدفقات الخارجة بالمليون دولار المتقدمة 857,5 1022,7 النامية 379,1 174,8 وتعتبر عمليات الإندماج والشراء عبر الحدود، التى تضاعفت فى أمريكا الشمالية، وتركزت فى المملكة المتحدة، من أهم الظواهر التى طرحت نفسها على الصعيد العالمى؛ حينما زادت تلك العمليات من الإندماج أو من الشراء زيادة بارزة فى العام 2006، من حيث القيمة (23%) ومن جهة الحجم(880) مليار دولار، ومن حيث العدد(14%) بواقع (6,974). أما بالنسبة لإنتاج السلع والخدمات مِن قبل الشركات دولية النشاط، خارج بلدان المنشأ، فقد زادت فى عام 2006 زيادة أسرع مما فى السنة السابقة. ويقدر أن المبيعات والقيمة المضافة، والصادرات لدى نحو(78000) شركة من الشركات دولية النشاط، ونحو(780000) فرع من فروعها الأجنبية، قد زادت بنسبة (18%) و(16%) و(12%) على الترتيب. وشكل ذلك ما يعادل (10%) من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، وثلث الصادرات العالمية، وظلت الصين تستضيف العدد الأكبر من الفروع الأجنبية فى العالم. ومن جهة هيكل التدفقات، فقد مثلت الخدمات معظم الرصيد من الإستثمار الأجنبى المباشر الداخل فى عام 2005، بما قارب الثلثين، على حين إنخفضت حصة القطاع الصناعى إلى (30%) ولم يتدفق إلى القطاع الزراعى أكثر من (10%) القطاع نسبة التدفق% الزراعة أقل من 10 الصناعة 30 الخدمات أكثر من 60 وعلى الرغم مِن هيمنة الشركات التابعة للأجزاء المتقدمة على المشهد العام، فقد زاد عدد الشركات التابعة لإقتصادات نامية المدرجة فى قائمة أكبر (100) شركة فى العالم من الشركات عبر الوطنية غير المالية من (5) شركات، إلى (7) شركات. أما الترتيب فى قائمة أكبر(100) شركة من الشركات عبر الوطنية فى العالم فقد ظل مستقراًً نسبياًً، إذ تملك شركة (جنرال إليكتريك: الولايات المتحدة) وشركة(فودافون) وشركة(جنرال موتورز) أكبر الأصول الأجنبية، ورغم عدم حدوث تغير فعلى منذ عام 2004 فى الأصول الأجنبية لأكبر (100) شركة مِن الشركات دولية النشاط، فقد زادت المبيعات والعمالة فى الخارج. والجدول أدناه يوضح أصول ومؤشر التدوليل للشركات الخمس الأولى فى قائمة الـ(100) شركة، من الدول المتقدمة(جدول1) والخمس الأولى من البلدان النامية(جدول2) الجدول رقم (1)
الشركة الجنسية النشاط مؤشر التدويل الأصول بالمليون دولار المبيعات بالمليون دولار General Electric الولايات المتحدة أجهزة كهربائية وإلكترونية 77,5 673342 149702 Vodafone المملكة المتحدة إتصالات 36.7 220499 52428 General motors الولايات المتحدة سيارات 57,6 476578 192604 Britich petr co المملكة المتحدة نفط 69,3 206914 253621 Chell Group المملكة المتحدة وهولندا نفط 52,6 219516 306731 يحسب مؤشر التدويل على أساس عدد الشركات التابعة الأجنبية مقسوماًً على عدد الشركات التابعة
الجدول رقم (2)
الشركة الجنسية النشاط مؤشر التدويل الأصول بالمليون دولار المبيعات بالمليون دولار Hutchison هونج كونج متنوع 90,4 77018 31101 Petronas ماليزيا نفط 71,4 73203 44353 Cemex المكسيك منتجات معدنية غير فلزية 96,6 26439 14961 Singtel سنغافورة إتصالات 95,6 20748 7906 Samsong جمهورية كوريا أجهزة الكترونية وكهربائية 88,6 74834 79117 يحسب مؤشر التدويل على أساس عدد الشركات التابعة الأجنبية مقسوماًً على عدد الشركات التابعة ولقد بات من الواضح حجم الترحاب الذى تلقاه الشركات دولية النشاط من قبل الحكومات التى أخذت على عاتقها تمهيد الأجواء الإستثمارية المثلى لتلك الشركات إما عن طريق خفض الضرائب(كما فى مصر وغانا وسنغافوره) أو عن طريق تحرير بعض المجالات الخدمية والصناعية، كما فعلت إيطاليا بشأن الخدمات المصرفية، وبتسوانا، والرأس الأخضر بشأن الإتصالات، وجمهورية لاو الديموقراطية الشعبية، ومالى بشأن الأعمال المصرفية، والجدول أناه يوضح عدد البلدان الذى أدخلت تعديلات تشريعية وهيكلية، وعدد تلك التغيرات.
البند 1998 1999 2000 2001 2002 2003 2004 2005 2006 عدد البلدان 60 65 70 71 72 82 103 93 93 عدد التغييرات 145 139 150 207 247 242 270 205 184 وبشأن التدفقات الأجنبية المباشرة على الصعيد القارى، فالجدول التالى يوضح مقدار التدفق الداخل ومقدار التدفق الخارج على صعيد القطاعات القارية، ويمكن القول بأن ثمة زيادة لحقت بتدفقات الإستثمار الأجنبى المباشر الداخلة إلى 32 بلداًً فى أفريقيا، وتدفق إلى بعض الدول ما تجاوز البليون دولار، ففى مصر التى تُُعتَبر المتلقى الأكبر فى القارة تجاوز حجم التدفق 10 مليار دولار، إستُثمَر منها 80% فى التوسع وفى المشاريع التأسيسية فى أنشطة غير نفطية، ولكن لم يخبرنا تقرير الأمم المتحدة أين ذهب باقى التدفق وقدره 2 مليار دولار!!
القطاع القارى التدفقات الداخلة بالمليار دولار التدفقات الخارجة بالمليار دولار أفريقيا 36 8 جنوب شرق أسيا 200 103 غرب أسيا 60 14 أمريكا اللاتينية والكاريبى 84 43 وبوجه عام فإن البلدان المتقدمة لا تزال تجتذب جُُل تدفقات الإستثمارات الأجنبية المباشرة فى قطاع الصناعات الإستخراجية، فى الوقت الذى تتسم فيه أسواق المعادن العالمية بتوزيع جغرافى غير متكافىء للإحتياطيات والإنتاج والإستهلاك. فبعض الدول النامية، والإقتصادات التى تمر بمرحلة إنتقالية"وفقاًً للتقرير" هى منتجة صافية ومصدرة رئيسية لمختلف المعادن، فى حين أن البلدان المتقدمة والإقتصادات الناشئة سريعة النمو هى المستهلكة والمستوردة الرئيسية لها، وهذا الخلل إنما يثير العديد من الإشكاليات الصعبة؛ فالبلدان المستوردة والمستهلكة إنما يشغلها دوماًً الإمداد المستمر للنفط والمعدن الذى تعتمد عليهما الصناعات المعقدة والمتطورة لديها، فى حين يمثل الوصول إلى الأسواق الشغل الرئيسى للدول المنتِجة، بمعنى أدق المنتَج لها. ومن جهة أخرى فقد كان لمشاركة الشركات دولية النشاط فى قطاع الصناعات الإستخراجية تاريخ من التجارب المتفاوتة؛ ففى أوائل القرن العشرين، كانت هذه الصناعات تسيطر على النصيب الأكبر من الإستثمار الأجنبى المباشر، وكان ذلك نتيجة مباشرة للتوسع الدولى للشركات التابعة للقوى الإستعمارية، ومع حركات التحرر أخذت تلك السيطرة تأخذ أشكالاًً وصور مختلفة، أهم ما يميزها السيطرة على التكنولوجية المنتجة، وعلى الرغم من أن كثيراًً من الدول تفرض نسبة 51% من الملكية إلا أن ذلك لا يمنع ولن يمنع الشركات دولية النشاط على صناعة النفط والمعادن إبتداءًً من الإستكشاف وإنتهاءً بالبيع وجنى الأرباح، ولن يكون التصحيح الهيكلى الداخلى إلا الشرط الأساسى والضرورى والوحيد للهروب من حالة التخلف. فالشركات الكبرى تستخرج النفط، وتقوم بتكريره وفصل عناصره، كما تقوم ببيعه. لمن؟ للإجزاء المتقدمة. لماذا؟ لكى تقوم تلك الأجزاء بإستخدام هذه العناصر فى سبيل صناعات معقدة ومتطورة إلى حدود لا تتمكن منها الأجزاء المتخلفة. إن الشركات الخاصة على وجه التحديد، وفى جميع المراحل بدءًً من الإستكشاف وإنتهاءً بالبيع وجنى الأرباح كما قلنا، تظل تمثل أكبر الشركات من حيث الأصول الأجنبية، فعلى سبيل المثال؛ أدرجت عشر شركات من هذه الشركات الخاصة على قائمة الأونكتاد التى تضم أكبر 100 شركة من الشركات دولية النشاط، إلا أنه من حيث الإنتاج، لم تعد الشركات دولية النشاط التابعة للدول المتقدمة تندرج ضمن أكبر الشركات فى العالم، ففى عام 2005، كانت الشركات الثلاث التى تعد أكبر منتجة للنفط والغاز فى العالم هى جميعها شركات مملوكة للدولة وتوجد مقارها فى بلدان نامية أو إقتصادات تمر بمرحلة إنتقالية، وهذه الشركات هى: آرامكو(المملكة العربية السعودية) والإتحاد الروسى(روسيا) النفط الإيرانية الوطنية(إيران) وعلى الرغم من الشركات المملوكة للدولة والتى توجد مقارها فى بلدان نامية وإقتصادات تمر بمرحلة إنتقالية تسيطر على معظم الإنتاج العالمى من النفط والغاز؛ فإن درجة التدويل متواضعة جداًً بالمقارنة مع الشركات المملوكة ملكية خاصة، والواقع أنه لم يكن لدى أى شركة من الشركات الثلاث المملوكة للدولة، والتى هى أكبر الشركات المنتجة، أى إنتاج أجنبى ذو شأن فى عام 2005، فى حين أن الإنتاج فى مواقع أجنبية قد شكل ما نسبته 70% من مجموع إنتاج الشركات الثلاث الكبرى المنتجة للنفط والمملوكة ملكية خاصة. إن الدوافع والعوامل المحددة لإستثمارات الشركات عبر الوطنية فى قطاع الصناعات الإستخراجية تختلف بحسب الأنشطة والصناعات والشركات، كما يقول التقرير، فدوافع السعى إلى الحصول على الموارد الطبيعية تهيمن على الإستثمارات الأجنبية المباشرة، فقد تسعى الشركة دولية النشاط(عبر الوطنية) إلى الحصول على الموارد من أجل تلبية إحتياجاتها هى لأغراض ما تقوم به من عمليات متممة للإنتاج كأنشطة التكرير أو الصناعات التحويلية، ولبيع المعادن مباشرة فى أسواق البلدان المضيفة أو بلدان المنشأ أو الأسواق الدولية، أو لتأمين المتطلبات الإستراتيجية لبلد منشئها(كما تحددها حكومة البلد) فيما يخص موارد الطاقة أو المعادن الاخرى. وقد كان هذا الإعتبار الأخير دافعاًً رئيسياًً للتوسع فى الخارج من جُُل الشركات دولية النشاط المملوكة للدولة فى أسيا على سبيل المثال. الشركة بلد المنشأ ملكية الدولة% الحصة من الناتج العالمى BHP Billiton أستراليا - 4.8 Rio Tinto المملكة المتحدة - 4,6 CVRD البرازيل 12 4,4 إن ملكية تلك الشركات دولية النشاط، للدولة أم للأشخاص، لا يغير مِن الأمر شيئاًً، وتظل الألية ذاتها التى تعمل مِن خلالها الشركات تعكس محورية رأس المال كعلاقة إجتماعية مِن الأوجه الأتية: - تهيمن الأجزاء المتقدمة على العملية الإنتاجية بأسرها، وتجتذب جُل التدفقات على الصعيد العالمى. - لا يُعد القطاع النفطى قطاعاًً كثيف العمالة، ومِن ثم: - تتبدى صراعات علاقات الإنتاج فى حقل الصراع على التكنولوجيا، للدرجة التى تخفى الصراعات الداخلية بين قوى الإنتاج ذاتها. - سيادة الأجزاء المتقدمة على مجمل العملية الإنتاجية فى القطاع النفطى، تستصحب سيادة أثمان قوة العمل فى الأجزاء المتقدمة، الأمر الذى معه: - تعكس الأجور فى هذا القطاع علاقات الإنتاج الرأسمالية، وتدويل العملية الإنتاجية بوجه عام، وبالأخص من جهة إرتفاع الأجر النسبى، الذى جعل البتروليتاريا فى وضع إجتماعى أفضل نسبياًً، الحد الأدنى للأجور يبلغ 3000 دولار(للعامل المتوسط) لقاء 21 يوم عمل. ليس بالنظر إلى جانب الطلب على السلعة، الذى يقابله عمالة هائلة معروضة. وإنما لإرتفاع تكلفة إنتاج (البتروليتارى: الفنى والحرفى) مهنياًً وتدريباًً ودراسياًً ومعيشياًً....إلخ ما تتطلبه عملية (تكوين البتروليتارى) كى يتمكن من الإنخراط فى نص الصيغة (ن- و أ، ق ع- س- Δ ن) ولعب دوره المحدد فى العملية الإنتاجية من خلال قوانينها الموضوعية. - إستخراج فإستهلاك محلى، أو تصدير محدود، دون توسع على الصعيد العالمى، تلك هى محددات أداء البلدان التى تملك قطاع الإستخراج بنسبة 100% - إعتماد الشركات المملوكة للدولة فى الأجزاء المتخلفة، على مجريات الأمور من جهة التكنولوجيا فى الأجزاء المتقدمة. - تظهر الصين، والأجزاء الممثلة فى جنوب وشرق، وجنوب شرق أسيا، كإقتصاديات أخذة فى النمو، الأمر الذى يثير عدة مسائل: مدى الإندماج الذى قامت به الدول"الإشتراكية" فى السوق الرأسمالية العالمية، وهل يحمل ذلك فى طياته التخلى عن الإشتراكية(25) ذاتها؟ مدى إستفادة الأجزاء المتخلفة(ومنها مصر) من ذلك النمو. مدى إمكانية القيام بفك الروابط، وتكوين روابط جديدة مع تلك الإقتصاديات الصاعدة. ولاشك أن التعامل مع كُُُل عنصر من العناصر المطروحة يحتاج إلى مزيد من الفحص والبحث، ولكنه الأمر الذى يخرج عن حدود أطروحتنا. فقط نطرح تلك العناصر إستكمالاًً للفكرة الموجزة التى قدمنها فى المطلب عن الشركات دولية النشاط.
المطلب الرابع: التصور الهيكلى للقيمة والثمن بعد أن فرغنا مِن مداخلتنا بصدد الشركات دولية النشاط؛ بأن وقفنا على أهم خصائصها، كما تعرفنا على مقادير هيمنتها على العالم (بأكمله) وإمكانيتها الرأسمالية الإمبريالية الهائلة، التى تستطيع بمقتضاها تخريب شركات وأمم، وتجويع وتشريد الكثير مِن البشر. فإننا نتصل مع فكرتنا المركزية تارة أخرى، رجوعاًً إلى القيمة والثمن، وإنما بالتقدم خطوات أكثر تقدماًً فى سبيل فهم القيمة الزائدة ودورها فى التراكم الرأسمالى على الصعيدين الداخلى والدولى. إن فائض القيمة، وكما رأينا، الذى تجنيه تلك الشركات، إنما يُمتص مِن الأجزاء المتخلفة فى مُجملها(فنزويلا، نيجريا، دول مجلس التعاون، الجزائر،....) مِن ناحية، ومِن عمال النفط على الصعيد العالمى، مِن ناحية أخرى، وذلك كى يُعاد ضخها مرة ثانية ولكن فى مسام الأجزاء المتقدمة مِن الإقتصاد الرأسمالى الدولى المعاصر. فما تفعله الشركة الدولية المستثمرة فى قطاع النفط الفنزويلى، لا يَخرج عن الإطار العام لسلوك تلك الشركات ولا يخرج عن أهدافها أو إستراتيجياتها، فهى تضخ رأسمالها فى فنزويلا مُستخدمة عمال النفط(البتروليتاريا) كى يلد الرأسمال المضَخ، قيمة زائدة، فى مرحلة الإستخراج والتحويل والتكرير، وليكشف البيع عن تلك القيمة الزائدة. وحتى بعد التأميم تظهر الدولة بمؤسساتها، ومنها المؤسسة العسكرية، كرأسمالى، تظهر فى سوق العمل، كما تظهر فى سوق وسائل الإنتاج كشارية لكل من قوة العمل ووسائل الإنتاج، وسيكون التساؤل مشروعاًً بل لازماًً بشأن توزيع الربح الناتج عن تلك العملية الإنتاجية، فالدولة لا تأخذ ضريبة على الربح، بل تأخذ الربح كُُُله. وتلك من الأمور التى سوف نعالجها لاحقاًً. بعد أن فرغنا مِن هذا، تعين علينا العودة تارة أخرى إلى أسئلتنا المنهجية المثارة والمتعلقة بالمرتكزات النظرية والأدوات الفكرية بشأن العِلم والثمن والقيمة والأجرة، ولكننا سوف نعامِل إشكالياتنا تلك بشكل أكثر هيكلية تماشياًً مع منهجنا العام وإلقاء لمزيدٍ من الضوء حول العناصر الفكرية الرئيسية التى ستواجهنا فى فنزويلا، والسودان كذلك، فلقد توقفنا منهجياًً فى المطلب الثالث عند حدود التعامل مع تحديد الأثمان والأجرة، وصولاًً إلى القيمة الزائدة؛ الأمر الذى نعود إليه تارة أخرى، وبعد تكوين الوعى، ولو البسيط بما يقتضيه سياق الدراسة،بشأن طبيعة نشاط الشركات الدولية النشاط التى تهمنا لتمحور جُل الصراع الإجتماعى الراهن فى فنزويلا حولها وحول أدائها فى داخل الأراضى الفنزويلية وخارجها. البدايات الأولى وفى سبيل التقدم خطوات أبعد فكرياًً وللمزيد مِن الحصول على رؤية أكثر عمقاًً، فإنه يتعين أن نذهب بعيداًً إلى حيث البدايات الأولى، فمن خلال الرؤية الهيكلية نتمكن ليس فقط مِن تفسير الظواهر وفهم شروطها وقوانينها الموضوعية، وإنما مِن خلالها كذلك يمكننا تغيير الظاهرة نفسها. إحتاجت العائلة الأولى، ومنذ البدايات الأولى، عقب إنفصالها عن مملكة الحيوان، فى سبيلها لإكتساب معاشها، ومِن ثم تجديد إنتاج نفسها، على الأقل إلى أمور ثلاثة تتعلق بالعمل الإنسانى (قوة عمل ومواد عمل وأدوات عمل) وتمدنا الدراسات المتعمقة فى عِلم الأجناس، كأبحاث مورجان، حول البدايات الأولى بمادة خصبة بشأن أعمال الزراعة والتدجين والصيد، والإتجاه نحو السكن فى القرى. الأمر الذى قاد إلى التوجه ناحية إمتلاك ناصية إنتاج وسائل المعيشة الضرورية كالآنية واللوازم المنزلية الخشبية، والحياكة اليدوية (بلا أداة حياكة) مِن ألياف الشجر، والسلال مِن الألياف اللبية أو مِن القصب وكالأدوات الحجرية المصقولة. فى هذه اللحظة التاريخية، وابتداءًً مِن علاقات الإنتاج السائدة، التي لم تَتَعرف بعد على الملكية الفردية كنظام يُمكن مِن السيطرة على العملية الإنتاجية أو يُبرر الإستئثار بالفائض الإجتماعى، فلا يُمكن طرح إشكالية قيمة الأشياء ولا إشكالية أثمانها. لا القيمة إذاًً، ولا الثمن منذ الأزل، بل هما ظاهرتان إجتماعيتان، يُمكن معهما طرح السؤال حول خصيتيهما العرضية، والدور المحدد تاريخياًً. الفائض وتقسيم العمل وحيث يتخذ قرار الإنتاج بشكل جماعى يُتخذ قرار التوزيع بشكل جماعى، وحيث يَنعدم الفائض الإجتماعى، يتحدد الهدف مِن وراء الإنتاج ويتبلور فى عمليه إجتماعية ترمى إلى تكوين أسس الاقتصاد الطبيعى، فلا يُتصور طرح إشكالية التداول أو إشكاليه السوق. وإذ يحدث الفائض(عرضاًً) تتم المبادلة(عرضاًً كذلك) ولن يكون من الضرورى ظهور ( المعادل) فالعائلة التى أنتَجت بشكل عرضى فائضاًً، سيكون من المناسب لها مبادلته(بأى)شئ أخر مِن عائلة أخرى(أنتجت فائضاًً كذلك) أكثر نفعاًً لها، بدلاًً مِن إهداره، ولكن ابتداءًً مِن ذلك فقط. فالمبادلة، حتى الآن فى تلك المرحلة التاريخية إستثناء، وإستثناء مؤقت. الوفرة، إذاًً، شرط التبادل وليس الندرة(عكس ما يقال تماماًً للطلاب) إذ أن فعل التخلى مقرون بحدوث فائض. إبتداءً مِن هذا الفائض كان تقسيم العمل، داخل العائلة الواحدة( إذ يتخصص البعض فى الفلاحة والبعض الآخر فى صنع القوارب) وبين العائلات المختلفة (كأن تتخصص عائله فى الرعى وأخرى فى الحدادة) ولقد كانت تلك الوفرة مرتبطة فى المقام الأول، وتلك نقطة مركزية فى مجرى تحليلنا، بالفائض فى المواد التي يتمكن من خلاله البشر من تجديد إنتاج أنفسهم؛ فسيكون بلا جدوى بذل الجهد فى سبيل صنع قارب أو فأس بدلاًً من السعى خلف الطعام. المنطقى إذاًً هو الترتيب التالى: يقوم جدُنا الأول هذا بالحصول على طعامه (الذي تمثل فى البدايات الأولى فى إستخدام الجذريات والدرنيات)فإذ ما أكل، شرع يحاكى الطبيعة، ومن خلال صراعه الجدلى معها، يبدأ فى صنع ما يعينه (هو) من أدوات فى التحصل على طعامه بشكل أفضل وربما أسرع، وحينما يطمئن جدنا إلى مأكله، يبدأ فى صنع أدوات لغيره. وما ينطبق على جدنا هذا، ينطبق على العائلة التي كان جدنا ينتمى إليها، وربما كان رئيسها. إبتداءًً من الفائض، وتقسيم العمل، نَتَمكن مِن إستدعاء عدة أفكار خاصة بالسوق والتبادل والمعادل كى يطرحوا أنفسهم فى هذه اللحظة التاريخية (التي قد تكون فى سومر وأكد أو بابل أو طيبه أو حتى ريف مصر حتى أواخر القرن السابع عشر) فالسوق صار محدداًً حيوياًً لمجمل النشاط الإقتصادى فى المجتمع وبخاصة النشاط الإنتاجى، فقرار الإنتاج (الذي لم يُُعد متوقفاًً على ما تحتويه السلعة من قيمة إستعمالية فقط، أى صلاحية الناتج لإشباع حاجه إنسانية معينة) أصبح يُتخذ إبتداءًً مِن علاقات الطلب والعرض السائدة. وبات التبادل وسيلة هامة فى سبيل التحصل على عناصر الإنتاج وتجديد الإنتاج: الإنسان ووسائل الإنتاج. ومن باب أولى التحصل على أسباب العيش. مساهمات وفى ضوء تقدم التبادل وإحتلاله مرتبة متميزة، فقد لزم البحث عن الأساس الذى بمقتضاه قام جدُنا الأول بالتخلى عما أنتج فى سبيل الحصول على إنتاج شخص أخر. فى مجرى ذلك البحث قدم تاريخ الفكر الاقتصادى حتى النصف الثانى مِن القرن السابع عشر مساهمات جديرة بالإهتمام والتحليل، كمساهمة أرسطو(26)والإكوينى(27)ووليم بتى(28)وكانتيون(29)وكانت صحيحة، ولكنها كانت غير كافية(باستثناء مساهمة إبن خلدون(30)التى بلغت ضفاف فائض القيمة) الأمر الذى تعين معه الإنتظار حتى مجئ العمل الخلاق لآدم سميث، وديفيد ريكاردو(31)تمهيداًً لماركس(32)العجوز، الذى إستوعب سيسموندى(33)وبردون، وفرانسوا كينيه(34)كي يُعلن، وبكل قوة، تقدم العمل كى يَحتل المرتبة الأولى؛ فعلى أساسه يتحدد المعادل. إذاًً قام جدنا هذا بمبادلة ناتجه بناتج جدنا الآخر على أساس(العمل) كيفياًً كمُتجسد فى الناتج، وكمياًً فى عدد ساعات العمل المنفقة فيه. يتعين هنا الوعى بعدم الخلط بين تحديد القيمة بكميه العمل المنفق على إنتاج سلعه ما وبين تحديد قيم السلع بقيمة العمل ذاته، كما أكد أستاذنا الجليل الدكتور/محمد دويدار، على ذلك؛ إبتداءًً مِن هذا المعادل، كفكرة، وتَعيّنِه الكيفى والكمى، تبرز على صعيد الواقع تاريخياًً إشكالية الشكل الذى تتخذه القيمة فى مجرى التداول، وعليه يتعين التفرقة وبوعى بين القيمة (كجوهر إجتماعى) وبين الشكل الذى تتخذه فى مجرى التبادل، أى ما يُصطلح عليه بقيمة المبادلة، وإذ ما تم التعبير عن قيمة سلعة ما بالنسبة لسلعة أخرى فى هيئة وحدات السلع، الذهب والفضة، التى تلعب دور النقود، نكون بصد الأثمان، التى تجد أصولها التاريخية فى الشكل المتمدد الذى يعكس التزايد الكمى لعدد السلع. وحينما يتطور"الإقتصاد" مِن الإقتصاد الطبيعى إلى الإقتصاد النقدى، نصبح إزاء ظاهرة إقتصاد المبادلة النقدية المعممة، ظاهرة الإقتصاد الرأسمالى الذى تبلور تاريخياًً إبتداءًً مِن منتصف القرن الخامس عشر، حينما حدث تعديل طفيف، ولكنه عميق جداًً، فى نص الصيغة الحاكمة لحركة رأس المال التجارى(ن- س- Δ ن)والتى تَعنى قيام شخص ما بتحويل نقوده، بفعل الشراء، إلى سلع(وهو الناتج الذى إكتسب تاريخياًً تلك الصفة)ثم بيعها، ثم تحول هذه السلع من خلال عملية البيع إلى نقود(Δ ن) تارة أخرى، ولكن فى هذه المرة تكون مُحملة بما يفوق معادلها(ن) . تجلى التعديل فى قيام نفس الشخص، فى مرحلةٍ تاريخية تالية، بشراء العناصر المكونة للسلعـة، وحينئذ تصبح الصيغة وبعد تعديلها (ن - ق ع -"قوة عمل"+و أ"وسائل إنتاج"- س- Δ ن)إنها نفس اللحظة التاريخية التى تم معها جمع شتات الحرفيين بوضعهم فى مكان واحد يعملون فيه عمالاًً بالأجرة، كى يحدث الإنفصال التاريخى بين الإنسان ووسائل تجديد إنتاجه... إنها اللحظة التاريخية التى ظهر معها فائض القيمة كظاهرةٍ تدور فى فلكها جميع الظواهر الإقتصادية، وبصفة خاصة الظواهر التى تثور بسبب أو بمناسبة علاقات الإنتاج فى علاقتها الجدلية مع قوى الإنتاج. الأن، وبعد أن وقفنا، بشكل تجريدى، عند أهم العناصر التى تحكم وعينا الهيكلى بالسلع والقيم، مبادلةًًً وإستعمالاًً، والأثمان والأجرة والسوق، جاز أن نعود للسؤال عما إذا كانت بروليتاريا النفط (البتروليتاريا) فى فنزويلا تتلقى تعويضاًً عادلاًً مقابل بيعها لقوة عملها!! والإجابة التى تقول بالنفى، وفقاًً لما تبدى عبر خطواتنا الفكرية، نقول تكمن أهمية الإجابة فى إرشادنا إلى العلة فى التحالف ما بين (البتروليتاريا) وبين الرأسمالية. فالمفترض مِن زاوية ما أن يمضى التحليل على النحو التالى: فإذ ما كانت البتروليتاريا تتلقى تعويضا عادلاًً؛ فلا غرابة إذاًً فى التحالف، بل سيكون غاية فى التناغم، والغرابة ستكون فى عدم التحالف؛ إذ يسعى تشافيز للنيل منهما (البتروليتاريا) و(الرأس مال) فلا يجدان مناصاًً مِن التحالف فى مواجهة العدو الواحد المشترك!! أما إذ لم تكن تلك البتروليتاريا تتلقى المقابل العادل، فسيكون مِن المتعين المضى قدماًً فى سبيل حل هذا اللغز!! لغز أم إنتصار أم ظاهرة عادية؟ التحالف بين قوة العمل وبين رأس المال!! فهل نحن، فعلاًً، أمام أحد الألغاز؟ أم أمام ما يُُمثل إنتصاراًً لمنظرى الإمبريالية؟ أم نحن أمام ظاهرة عادية، وإنما إبتداْْءًً من فهم واضح لمعنى التطور الجدلى للمجتمعات؟ العلامات كُُلها تشير إلى شىء يستحق النظر فى قطاع النفط فى فنزويلا!! فالرأسمال يستغل البتروليتاريا(عمال النفط) ولا يدفع لهم المقابل العادل لإستهلاكه لقوة عملهم، وإلا فعليه إغلاق المصنع؛ فلن يتمكن من إستخلاص أية قيمة من أدوات العمل أو مواده، فهو ليس أمامه سوى تلك السلعة العجيبة القادرة على توليد القيمة الزائدة، الطريق الملكى للتراكم الرأسمالى، أضف إلى ذلك الإستغلال، وبتصفح أى كتاب فى الأمن الصناعى، سنجد: الأمراض الكارثية التى تصيب العاملين فى هذا القطاع، فمن المعروف إصابة العمال فى صناعات النفط بالتسمم المزمن ببعض المعادن الثقيلة والمواد الصناعية الأخرى نتيجة التعرض لها على صورة أتربة أو أدخنة أو أبخرة تتطاير فى جو العمل وتنتج الإصابة عن طريق التنفس أو بترسبها على الجلد، ومن أبرز تلك المعادن الثقيلة: الرصاص: الذى يُسبب فقر الدم وسرطان الجلد وتليف الكبد. والزئبق: الذى يسبب شلل الأعصاب الطرفية وإلتهابات الفم واللثة وزيادة إفراز اللعاب والغثيان المستمر، إضافة إلى حركات غير إرادية فى الرأس واللسان والشفتين واليدين. والنيكل: وهو السبب الرئيسى لسرطان الرئة. وكلوريد الكربون: ويسبب: الصداع وإضطراب النظر وفقدان الإتزان والإرتباك، وإلتهابات فى الكلية والكبد والجلد. أضف إلى ذلك المخاطر التى يتعرض لها عمال النفط، والتى تتبدى فى: المخاطر الطبيعية بتعرض العاملين فى مجال النفط إلى التعرض للشمس أي للحرارة أثناء عمليات الحفر فى العراء سواء فى الصحراء أو فى البحار، التعرض للضوضاء، الإهتزازات الناجمة مِن الحفر، التعرض للإشعاع إلى جانب التعرض إلى الضوء المبهر وللكهرباء فى عمليات اللحام، مسببة لأمراض عديدة كضربة الشمس والأنيميا وسرطان الدم، وسرطان الجلد، وعتامة عدسة العين، والمخاطر الكيميائية عن طريق الغازات والأدخنة والأبخرة والأتربة التي تتصاعد فى جو العمل. وتسبب الغازات أضراراًً بالغة تصل إلى حد الإختناق والإلتهابات، قد تتسبب فى حرائق أو إنفجارات لأن مستخرجات البترول مواد ملتهبة ومتفجرة. وهناك كذلك المخاطر الآلية التى تتعلق بالعمليات المتممة فى الورش الملحقة بالمنشئات البترولية بهدف صيانة آلآتها. وهناك كذلك المخاطر النفسية والتى تكمن فى عدم تكيف العامل مع جو العمل المعزول عن الأهل والأصدقاء فى أماكن نائبة بالصحراء أو البحار مما يُسبب للعامل الشعور بالغربة والوحدة والضياع، أضف إلى ذلك الشعور الدفين بالإغتراب إثر إقصائه عن الناتج الذى أنتجه بيديه. عمال النفط إذاًً فى فنزويلا ليس بينهم وبين شركتهم أو بينهم وبين رأس المال المستثمِر علاقة مودة، بل المفترض أن تسودها التوتر والإرتباك، والمطالبات المستمرة بالمزيد من التأمينات الصناعية والصحية، فى ضوء كُُل تلك المخاطر الصحية. والمزيد مِن المطالبات برفع الأجور، وتخفيض عدد ساعات العمل!! فما طبيعة هذا التحالف؟ وما الذى أدى إليه كيفياًً على هذا النحو؟ فهل نحن، فعلاًً، أمام أحد الألغاز؟ أم أمام ما يُُمثل إنتصاراًً لمنظرى الإمبريالية؟ أم نحن أمام ظاهرة عادية، وإنما إبتداْْءًً من فهم واضح لمعنى التطور الجدلى للمجتمعات؟ بل وحتى وبعد التأميم وإنتقال ملكية الشركة الأم إلى الدولة، لم يزل اللغز قائماًً، بل يزداد تعقيداًً، فالدولة التى قامت بالتأميم تدعى إنتهاج المبادىء الإشتراكية الثورية، وقيامها بإعادة توزيع ثروات النفط التى كانت تسيطر عليها الشركات الإمبريالية العالمية، وفى نفس الوقت تناصب العمال العداء!! يُُصبح مِن الضرورى هنا أن نبدأ مِن حيث يبدأ رأس المال(المكدس بالطبع) إذ يتوجه صاحبه، الرأسمالى، إلى الأسواق: سوق مواد العمل، وسوق أدوات العمل، وسوق قوة العمل؛ مِن أجل الشراء. أى أنه يُحول نقوده (ن) إلى وسائل إنتاج (وأ) وقوة عمل(ق ع) وبالمثل فإن الشركة الدولية النشاط العاملة فى حقل النفط الفنزويلى، بل حتى الشركة الوطنية، إنما تتوقف إمكانية إنتاجها على مقدار ما تستحوز عليه من (ن) والتى تستخدمها فى شراء كُُل من وسائل الإنتاج(و أ) وقوة العمل(ق ع) وإذ ما أتم الرأسمالى(المستثمِر) فعل الشراء، فإنه يخرج من السوق ومعه مشترياته؛ متوجهاًً إلى حيث مصنعه، كى تبدأ عملية أخرى هى عملية الإنتاج(ج)؛ فتقوم قوة العمل(ق ع) بتحويل وسائل الإنتـاج (و أ) إلى سلعة (س) يتعين هنا أن تكون وسائل الإنتاج، كمياًً، متمتعة بدرجة عالية من الكفاية كى تسمح بامتصاص كمية ملائمة من العمل، وكى تتحول إلى ناتج، وعندئذ يصير لدى الرأسمالى كََمية مِن العمل تزيد عما هو ضرورى للتعويض عن قيمة قوة العمل، ولديه فى نفس الوقت وسائل الإنتاج اللازمة لتفعيل كمية العمل. وفى المرحلة الثالثة، حينما تنتهى العملية الإنتاجية، يتوجه الرأسمالى مرة أخرى إلى السوق حاملاًً هذه المرة السلعة التى تم إنتاجها، والمكونة مِن (ق ع + وأ) كى يُحول تلك السلعة إلى وحدات نقد (ن) تُمثل المبلغ الأصلى الذى بدأ به فعل الشراء الأول. وبالإضافة إلى (Δ ن)تمكنه بفضل الفائض مِن شراء جديد لـ (ق ع ، و أ) قبل مغادرة السوق، ومِن ثم التمكن من عملية إنتاجية جديدة. فتصبح الصيغة العامة، وكما أسلفنا بعد تعديلها: (ن – (ق ع)+(و أ)–س- Δ ن) أى أن تظهر الشركة الدولية النشاط فى السوق كمشترية للمصاطب البحرية والكلابات والحفارات.... إلى أخره من أدوات العمل(أ ع)، وكمشترية لقوة عمل عمال النفط فى فنزويلا لمدة زمنية معينة فى مقابل اجر محددة. وما أن يشرع العمال فى العمل حتى يكون بين أيديهم مادة العمل(م ع) النفط. هنا تكتمل الدائرة. الشركة الدولية النشاط ذات رؤوس الأموال القومية(التابعة للإجزاء المتقدمة) تضخ (ن) فى سوق: قوة العمل(ق ع) وسوق وسائل الإنتاج(و أ) بما تحتويه من أدوات عمل( أ ع ) ومواد عمل (م ع) وحينما تتوافر شروط العملية الإنتاجية بتوافر شروطها الموضوعية الكامنة فى توافر الحد الأدنى من رأس المال المكدس، والفائض المستخدَم فى البدء فى عملية إنتاجية جديدة تكونت شروطها سلفاًًً فى عملية إنتاج سابقة. حينما تتوافر تلك الشروط يتوقف التداول... حيث بدء الإنتاج... تكف الشركة الدولية أو الشركة الوطنية عن الظهور بمظهر المشترى فى السوق، بل تتخذ موقف المنتظر لحين إنتهاء العملية الإنتاجية، فتنهض مرة أخرى إلى السوق كبائعة للمنتَج؛ ولكى تحصل ليس فقط، كما ذكرنا على (ن) بل مُضافة إليها قيمة زائدة، فهى لا تتحصل فقط على: (ن) وإنما على: (ن + Δ ن). وحيث أن قوة العمل(ق ع) إنما توجد فى شكل العمل الحى الذى يحتاج إلى كمية ما مِن وسائل المعيشة لذاته ولأسرته، مما يضمن شرط تجدده" قوة العمل" فإن وقت العمل اللازم لإنتاج وسائل الإعاشة تلك يُمثل قيمة قوة العمل. ومِن خلال علاقة تعاقدية يتم الإتفاق بين العامل وبين الرأسمالى على بيع قوة العمل مقابل مبلغا من المال(الأجرة) والتى سبق وأن قلنا أنها قسم مِن سلعة(س) موجودة سلفاًً، يشترى به الرأسمالى كََمية معينة مِن قوة عمل منتجة. فهى إذاًًً ليست (حصة) العامل فى البضاعة التى أنتجها. وبإفتراض أن مدة التعاقد أسبوع؛ فإن الرأسمالى يدفع للعامل أجره كُُل أسبوع، ويشترى منه إستخدام عمله لمدة أسبوع، عقب إبرام هذا الإتفاق يبدأ العامل فى الإنتاج، وفى وقت معين سيقدم كمية مِن العمل موازية لأجره الأسبوعى. فإذ ما افترضنا أن أجر العامل الأسبوعى يتمثل فى ثلاثة أيام عمل، فإن العامل، كما سبق وأن ذكرنا فى المطلب السابق، إذ ما بدأ العمل يوم السبت، فإنه سيكون مساء الإثنين قد "عوض" الرأسمالى عن "القيمة الكاملة" للأجر المدفوع. ولكن هل يحق للعامل حينئذ الكف عن العمل خلال الأيام المتبقية من الأسبوع؟ لا . لا يجوز للعامل الكف عن العمل خلال الأيام المتبقية من الأسبوع؛ فلقد اشترى الرأسمالى عمل العامل لمدة أسبوع. وعلى العامل أن يستمر فى العمل خلال الأيام الثلاثة المتبقية من الأسبوع. هذا العمل الفائض الذى تقدمه البتروليتاريا فى فنزويلا إلى الشركات الدولية النشاط أو للشركة الوطنية، هو مصدر الأأاا ى-ت ربح الذى تنفرد به إحداهما أو كلتاهما، وهو كذلك أساس التركيم الرأسمالى.(35) العلاقة إذا بين (البتروليتاريا) الفنزويلية وبين الرأسمال المستَثمَر، إنما يحكمها القانون العام الذى يُخضع عملية الإنتاج وتجدد الإنتاج إلى مجموعة من القواعد المحددة على الصعيد الإجتماعى كشروط موضوعية للإنتاج وتجدده، هذا القانون يتمثل فى نص الصيغة: (ن- و أ، ق ع- س- Δ ن) كما أسلفنا فالشركة المستَثمِرة(أجنبية كانت أم وطنية) إنما تَحكم حركتها تلك الصيغة، شاءت أم أبت، ولا يمكنها أن تتعامل خارج نطاق هذا القانون مطلقاًً؛ وإلا حكمت على نفسها بالإلقاء خارج الكوكب. فالعامل الفنزويلى حينما يحصل على بوليفار، فليعلم أنه أنتج على الأقل مثله، ولكنه لا يعود إليه، وإنما يذهب إلى الشركة المستثمِِرة، وليس كى تعيد ضخه فى الداخل لتنمية القطاعات الوطنية المختلفة؛ وإنما تضخه فى الأجزاء المتقدمة وبخاصة البلد الأم. لقد تعاملنا أعلاه؛ وفقاًً للمعاجة التى جرت، مع صيغة القانون العام الحاكم للحركة على الصعيد الداخلى والصعيد العالمى فى آن واحد، بشكل مُجمل، الأمر الذى سننطلق منه فى سبيل بحث أكثر تقدماًًً، ولنبدأ بوحدات النقد(ن) التى بدأت بها الشركة المستثمِِرة عملية الإنتاج، التى تبدأ فعلياًًً منذ ظهورها فى السوق كمشترٍٍ لوسائل الإنتاج وقوة العمل، ولن ننشغل بتاريخية النقود ذاتها، وعمليات تزييف القيمة المستمرة التى برع فيه العواهل والملوك والحكام. والأن فلننتقل إلى التحول الكيفى لذلك الرأسمال (الوطنى أو الدولى) المستَثمِر فى قطاع النفط الفنزويلى، فسيبدأ الرأسمالى فى شراء قوة العمل ووسائل الإنتاج، ولندرس فعل الشراء هذا مِن جهات ثلاث: أولا: شراء قوة العمل (ق ع): الشراء هنا يتم فى سوق مختلفة عن السوق التى يتم فيها شراء وسائل الإنتاج ويظهر العامل هنا كبائع للرأسمالى الشارى. ومحل العقد. محل البيع هو قوة العمل(ق ع) حينئذ يتم "تثمين" هذه القوة وترجمتها إلى أجر. على أساس منه يقوم العامل المأجور، بائع قوة عمله، بمعانقة ألته المحبوبة فى سبيل الناتج. السلعة. حتى الأن، نحن أمام نفس الصيغة التى نعالجها: فلنفترض أن الشركة المستَثمِرة (دولية كانت أم وطنية) قامت بشراء (الحفارات والكلابات والمصاطب والأنابابيب، والمكثفات، ومواسير الحفر وأنابيب الإستخراج، إلى آخر ذلك من وسائل إنتاج) بنحو (6 وحدات) وقامت بشراء قوة عمل بنحو(4 وحدات) فلسوف يقوم عمال النفط حينئذ، بعد أن تم (تنقيد) قوة عملها فى مرحلة أولى، وتشيئها، فى مرحلة ثانية، ليس فحسب بإنتاج سلعة أى النفط بإستخدام الوسائل، وإنما إنتاج قيمة زائدة، ومع نمط الإنتاج الرأسمالى، بل ومع نمط الإنتاج الرأسمالى وحده، يقوم عمال النفط فى فنزويلا بإنتاج قيمتين: - القيمة الزائدة المطلقة (ق ز م): وتلك هى النظرية المشهورة، والتى يُُوجه لها الإنتقاد من قبل أساتذة الجامعات دون قراءة حرف واحد منها.وهى تتبدى فى مد يوم العمل إلى ما بعد الحدود التى يُنتِج فيه العامل مُعادل قوة عمله، وهذا الشكل هو مُرتكز النظام الرأسمالى، وفى نفس الوقت، كما يقول ماركس، نقطة إنطلاق. - القيمة الزائدة النسبية(ق ز ن) وهى القيمة رقم (2) التى يقوم عمال النفط فى فنزويلا بإنتاجها بالإضافة إلى السلعة، ومؤداها: إحداث إنكماش فى يوم العمل الضرورى كى يُحقق العامل مُعادل الأجر بصورة سريعة، ويرتبط ذلك بحال أو بآخر بالثورة التكنيكية فى وسائل الإنتاج وتطورها المستمر. ثانيا: شراء وسائل الإنتاج (و إ): وفى سوق مختلفة يَظهر الرأسمالى (الشركة المستَثمِرة) كشار: لوسائل العمل، ومواد العمل. أى وسائل الإنتاج بوجه عام. - وسائل العمل(و ع): وهى الأدوات التى يستخدمها العامل فى سبيله لتفعيل مواد الإنتاج وصياغتها كمنتَج نهائى قابلاًً للبيع(المبادلة النقدية) لكن وسائل العمل تلك أو وسائل الإنتاج ليست فى واقعها التاريخى سوى تركيم إنسانى للخبرات، وعلى مدار التطور البشرى تبلورت وسائل العمل حتى أخذت تندرج فى مجال التصنيع المتسع التى يصنعها العامل المأجور، ويخلق قيمتها. أى أن الحفارات والكلابات والدوارات والمصاطب والأنابيب، والمكثفات، والمرشحات، وإلى آخر كُُل ذلك من وسائل إنتاج إنما تحتوى على عمل بشرى مُكدس، لأنها نتاج عمل إنسانى. - مواد العمل(م ع): وهى تلك المواد التى يستخدمها العامل كى يَخرج المنتَج النهائى، فالبتروليتاريا تستخدم النفط فى سبيل إنتاج المازوت أو البنزين مثلاًً، كما يتعامل عمال الغزل والنسيج القطن فى سبيل إنتاج المنسوجات، النفط والقطن هنا حينما يدخلاًً حقل الإنتاج فإنما يدخلان محملين بقيمة، إذ أنهما نتاج عمل إنسانى، تبدى فى النفط فى الإستخراج، وفى القطن فى الزراعة. ثالثا: إندماج قوة العمل مع وسائل الإنتاج لتفعيلها سلعياًً: يحدث هنا تلاقى إتحادى بين عنصرى السلعة السابق شرائهما، ويبدأ العنصران فى فقدانهما ذاتيتهما الإقتصادية، كى يصيرا رأسمالاًً إنتاجى. والذى معه ينقطع التداول، وإذ ما افترضنا ان رأسمالاًً مكوناًً كما ذكرنا أعلاه، مِن (10) وحدات، يخصص منه (6) وحدات لشراء وسائل العمل، كالحفارات والأنابيب والمواسير. . .إلخ، و(4) وحدات لشراء قوة العمل(أى شراء قوة عمل البتروليتاريا الفنزويلية فى حالتنا)فستقوم البتروليتاريا بإستهلاك وسائل العمل إستهلاكاًً إنتاجياًً، ليس ذلك فقط بل تنقل قيمتها إليها، وتَخلق رأسمالاًً سلعياًً محملاًً بالقيمة الزائدة. وإذ ما قمنا بافتراض أن القيمة الزائدة = 100%، وتمثل (4) وحدات؛ فنحن إذا أمام تعبيرات مختلفة عن التبدل الشكلى لرأس المال على النحو التالى: رأس المال النقدى، والذى بدأت به الشركة المستثمِرة = (5) وحدات. رأس المال الإنتاجى = (6 + 4) = (10) وحدات. رأس المال السلعى = (5 + 1 + 1) = (6) وحدات. ولا يحتاج الرأسمالى(الشركة المستثمِرة، وطنية أم أجنبية) إلا لفعل التداول كى يحصل على مبلغ القيمة الزائدة المنتََجة فى حقل الإنتاج، فعل التداول كاشف إذاًً عن القيمة الزائدة. عن الربح. عن التراكم. وليس مُنشأًً لأى منهم على الإطلاق. إن القيمة الزائدة تلك هى الأساس الذى تعمل عليه(الشركة المستثمِِرة) أو (الدولة المالكة) ومن ثم فلن تقوم الشركة، بغض النظر عن ملكيتها، بالعمل خارج قانون الحركة الحاكم لأداء نمط الإنتاج الرأسمالى، فلا يتحصل العامل، كقاعدة عامة، بخلاف دور الفساد الحكومى، على أجر عادل يتمكن من خلاله التعامل مع سلة السلع الغذائية بشكل يختلف عن سكان مدن الصفيح، فالحال تقريباًً على مستوى العمالة متساو. لن تكون مجريات الأمور فى فنزويلا مفهومة، وبخاصة تلك التحالفات التى لم ترد فى كراسات التعميم كما ذكرنا، إلا بإستخدام منهج التناقض، الذى يلقى الضوء الساطع والمباشر على نظام الحكم البورجوازى الذى يحكم فى فنزويلا، كى نتمكن على هدى من هذا الضوء السير نحو فهم جدلية الصراع الجدلى بين الربح والريع، وسنعالج ذلك لاحقاًً، فقط نكتفى هنا بإعتبار ذلك الصراع بين الربح وبين الريع صراعاًً جعل من ظاهرة تحالف قوة العمل مع رأس المال ضد السلطة ظاهرة طبيعية، فهى لا تمثل أدنى إنتصار لمنظرى الإمبريالية، وليست منتمية إلى حقل الألغاز التى تحتاج من يسكنون وادى عبقر، أنها. تحديد الإقتصاد السياسى بعد التعرف على القيمة والثمن والسوق والشركات دولية النشاط والإقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر بشقيه المتقدم والمتخلف، يتعين علينا الآن الرجوع إلى الأسئلة المركزية التى ننشغل بها فى سبيل الوصول إلى ذلك العِلم الذى أستطيع من خلال أدواته الفكرية أن أفهم الظاهرة وأحللها من خلالها كذلك على نحو عِلمى، فبعد أن تعرفنا على أهم الإشكاليات التى تصادف المرء حال بحثه عن العِلم الذى ينشده كى يستخدم أدواته من أجل فهم الظاهرة، وبعد الوصول إلى ذلك العلم الذى يتحدد فى وجوده وهدفه بالقيمة، إبتداءًً من كوننا أمام ذلك العِلم الإجتماعى الذى يَنشغل بدراسة النظرية الكمية والنظرية الموضوعية فى القيمة، والتناقُُضات الكامنة فيها، والتى تَتَطورعلى أساسِها، أى التناقُُُُضات، الظاهرةُُ الإجتماعية مَحل البحث،فنحن إذاًً ندرس الظاهرة، التى تكونت فى فنزويلا على الصعيد الإجتماعى إبتداء من عِلم معين نتسلح به من أجل ذلك الدرس، فسنستخدم إذاًًً عِلم الإقتصاد السياسى، وأدواته الفكرية، والذى ينشغل بالقيمة. بالإنتاج. وعلى وجه الدقة ينشغل بالإنتاج الرأسمالى. إذ إطمئننا إلى ذلك يتعين أن ننتقل إلى المرتكز الثانى الذى نرتكز عليه فى أطروحتنا والخاص بفن ترتيب الأفكار، وهو ما سننتقل إليه فى المبحث التالى.
المبحث الثانى : فن ترتيب الأفكار وقضايا المنهج " إن تحصيلَ العِلوم إنما يَقتضى مِن الإنسان أموراًً أربعة: هى: الطلب، والبحث، والأداة، والزمان. أما الطلب: فهو سعىٌ إلى بلوغ غاية وكُُل طالب فلسفة يبغى معرفة الحق، ولذلك سُمى الفلاسفة طُُلاب الحكمة، والمتعلمين مِن أى نوع طلاباًً، ولو بَطل الطلب ما بلغ الإنسان الأرب. أما عن البحث: فهو تفتيش عن الأمور الخفية، حتى إذا عثرَ الباحث عليها كشف عنها، وعرفها. ولا بحث إلا بمشقة وتكلف، فالمعرفةُُ ثمرة البحث، والبحث نتيجة الطلب. والأداة وسيلة يَصطنعُها الباحثُ عن الحقائق، والزمان ضرورة لا مناص منها لكُُل شىء إنسانى ما دام يَخضع للحركة والنمو، والتفكير مِن أقيّسة وبراهين حركة؛ لأنه إنتقال مِن معلوم إلى مجهول. والحركة تتم فى زمان" الكندى(36) ------------------------------------------- ما الذى نحتاجه كى نُُشيد بناءًً؟ لا شك فى كوننا بحاجة، إضافة إلى الأرض الصالحة للبناء، إلى مواد عمـل(تتمثل فى الطوب والرمل والأسمنت. . .إلخ)وأدوات عمـل(كالروافع والخلاطات،. . . إلخ)ونحتاج كذلك إلى قوة عمل تتمكن من خلال تلك الأدوات أن تستعمل هذه المواد فى سبيلها لتشييد ذلك البناء على هذه الأرض. ومن المعلوم بالبديهة أنه كلما صلحت الأرض للغرض وقويت كلما علا البناء ورسخ. ولست منشغلاًً ها هنا بالنظر فى تهيئة الأرض غيرالصالحة، إذ لذلك مجالاًً أرحب وحديثاًً أوسع، وإن وددت أن تتمكن من إستخلاص خطوطه العريضة مما سنسير فيه معا عبر المراحل الفكرية لتلك الأطروحة . هذا عن تشييد البناء، فماذا عن إنتاج الفكرة؟ وإن شأن إنتاجها لشأن تشييد ذلك البناء مع إختلاف التركيب العضوى لكُُل منهما، فمواد العمل المطلوبة لإنتاج الفكر تتمثل فى ذلك الكم المعرفى المختزن و/أو المكتسب والذى ينشغل الإنسان الواعى بتحصيله بوعى خلال حياته، وعلى أسس وأصول وجب إحترامها وتعين تدبر أهميتها قبل تخطيها وتدميرها عن جهل بعد أن فشى الرفض الجاهل للقيم وأصول الأشياء بلا تساؤل عن المعانى التى تحملها الضوابط قبل الرفض... أما الأدوات وهى التى تمثل شغلنا الشاغل، فتتبلور فى ذلك الطريق الذى يسلكه الذهن فى سبيله لإنتاج المعرفة، هذا الطريق يُُسمى بالمنهج الذى هو فن ترتيب الأفكار. على حين إذاًً تتمثل مواد العمل فى الطوب والرمل والأسمنت فى بناء منزل، والروافع والخلاطات كأدوات لا يتم البناء بدونها، فإن الأفكار كى تُنتَج هى الأخرى بحاجة إلى مواد وأدوات، فلا توجد فكرة ولا يمكن أن يوجد فكر ما بمعزل عن الأفكار السابقة ولا يمكن أن توجد فكرة لا تعتمد على فكرة موازية أو سابقة عليها ولا تعدو الفكرة الجديدة إلا نقداًً أو تطويراًً لها أو توضيحاًً. فالأفكار التى يحصلها الذهن هى موضوع المواد، أما ترتيبها على نحو يؤدى إلى فكرة صحيحة، لا تدعى ملكيتها لناصية الحقيقة الإجتماعية، فذاك هو المنهج، أو الطريق الذى يسلكه الذهن فى سبيله إلى إنتاج المعرفة. إن لب الطريق على هذا النحو إنما يتناغم مع مبدأ رئيسى كى يشكلان معاًًً معالم الطريق الذى يسلكه الذهن فى سبيله لإنتاج فكرة ما بشأن ما، وبخاصة بشأن قضايا حائرة تائهة كتلك المرتبطة بمسألة وجودنا الإجتماعى ذاته مع نمط حياة غير عقلانى على الإطلاق، تقوده رأسمالية متوحشة. إن المبدأ الرئيسى منطوقه يقول ببساطة: أن صحة حل مسألة ما إنما يرتبط بمدى صحة طرحها. الأزمة فى أحد أبعادها تتبدى هنا وتتبلور مِن خلال تجاهل إنتهاج المبدأين التاليين: الأول: أن صحة حل مسألة ما، إنما يرتبط بمدى صحة طرحها، الثانى: لزوم العلو بالظاهرة محل الملاحظة عن كُُُُل ما هو ثانوى وغير مؤثر، وسيكون فى الأعم معطل ومشوش. فلعل المعالجات الفكرية العقيمة لجُُل القضايا المطروحة، بل والتحرك الخاطئ والمرتبك، جداًً، على أرض الواقع إنما يجدان مردهما فى التعامى عن المبادئ البديهية أعلاه. إن الأزمة تقدم نفسها على المسرح الإجتماعى فى صورتين مأساويتين، الأولى: مشهد العربة وهى أمام الحصان، ومطالبة الحصان بجرها! أما المشهد الثانى، فهو لا يقل سخافة عن سابقه وهو مشهد حلب الثور! وكأن الذهنية العربية الإسلامية، قد حلا لها المشهدين بعد أن إعتادتهما. إن أمراًًً كهذا لهو أمر طارىء على تلك الذهنية التي مثلت لحظات تنبيه وإستيقاظ للبشرية فى مرحلة تاريخية محددة زمانياًًً ومكانياًًً، وذلك ليس من قبيل العنصرية كإتجاه تعليبى جاهز بل من قبيل الإنبهار بلحظات تدفق الفكر البشرى فى أحد لحظات تاريخ الحضارة الإنسانية. ففى نفس اللحظة التاريخية التى سُحق فيها الضمير البشرى الأوروبى بين رحى صنمية الفكر الكنسى وعسف الملكية الإقطاعية، برق الفكر العربى والإسلامى فى سماء الظلام وأنارت مصنفات فحوله حقبة هامة وإنتقالية فى الفكر البشرى وتاريخ الإنسانية، ويمكن تلخيص حالة أوربا آنذاك من خلال عبارات شديدة التعبير كتبها تولستوى: "خذوا كُُل المراجع العلمية للقرون الوسطى ولسوف ترون: أى قوة إيمانية ومعرفة راسخة لا يرقى إليها الشك لما هو حق وما هو باطل فى هؤلاء البشر!كان من اليسير عليهم أن يعرفوا أن اللغة الإغريقية هى الشرط الوحيد اللازم للتعليم، لأنها لغة أرسطو الذى لم يشك أحد فى صدق أحكامه على مدى بضعة قرون بعد وفاته. وكيف كان للرهبان ألا يطالبوا بدراسة الكتاب المقدس القائم على أسس لا تتزعزع. كان من اليسير على لوثر أن يطالب مطالبة بتية بدراسة اللغة العبرية، عندما كان يَعلم عِلم اليقين أن الله ذاته قد كشف الحقيقة للبشر بهذه اللغة. من السهل أن نفهم أن المدرسة كان يجب أن تكون دجمائية، عندما كان وعى البشر النقدى لم يستفق بعد،وأنه كان من الطبيعى أن يحفظ التلاميذ عن ظهر قلب الحقائق التى كشف عنها الله وأرسطو، والروائع الشعرية لفرجيل وشيشرون. فلبضعة قرون بعدهم لم يكن بوسع أحد أن يتصور حقيقة أكثر صدقاًً أو رائعة أكثر روعة مما أتوا به...كان من اليسير على مدرسة القرون الوسطى أن تعرف ما الذى ينبغى تعليمه... عندما كان المنهج واحد لا بديل له، وعندما كان كله يتركز فى الإنجيل وفى كتب أغسطين وأرسطو..." (37) إن النور الذى إنبعث من بخارى إلى الأندلس فى حقبة تاريخية معينة، لم يكن إنعكاساًً لسيل من الأفكار، وإن كان كذلك، وإنما إنعكاساًً للطريقة التى تنتج بها تلك الأفكار، فالعلامة إبن خلدون، يقول فى مقدمته:" ولو إقتصر المعلمون على المسائل المذهبية فقط، لكان الأمر دون ذلك بكثير، وكان التعليم سهلاًً، ومأخذه قريباًً" (38) إبن خلدون يتحدث عن الأسس الجوهرية التى ينهض عليها هذا العِلم أو ذاك، ويجد أن صعوبة التعلم إنما تكمن فى التفاصيل والفرعيات التى تشوش على الفهم وتعطل التحصيل، وبالطبع لا تُُُهمل التفاصيل والفرعيات والثانويات، وإنما تُعامل بوصفها هذا كتفصيلات وفرعيات وثانويات، غير مؤئرة فى الظاهرة محل البحث، فالفرعيات والأمور الثانوية تأتى فى المرتبة الثانية بعد الإستيعاب العميق للأصول الجوهرية، الأمرالذى جعل إبن المقفع، يُوجه رسالته إلى الطريقة التى يتعين إتباعها حتى يمكن الفهم والوعى، فقد ذهب فى الأدب الكبير، إلى:"ياطالب العلم إعرف الأصول والفصول؛ فإن كثيراًً من الناس يطلبون الفصول مع إضاعة الأصول فلا يكون دركهم دركاًًً، ومن أحرز الأصول إكتفى بها عن الفصول، وإن أصاب الفصل بعد إحراز الأصل فهو أفضل"(39) وذهب أبو حيان التوحيدى فى الإمتاع والمؤانسة، إلى حدود وضع قاعدة فى التجريد إذ يقول:" إن أقرب الطرق وأسهل الأسباب هو معرفة الطبيعة والنفس والعقل والاله، فإنه متى عرف هذه الجملة بالتفصيل، وأطلع على هذا التفصيل بالجملة، فقد فاز الفوز الأكبر، ونال الملك الأعظم، وكفى مؤونة عظيمة فى قراءة الكتب الكبار ذوات الورق الكثير، مع العناء المتصل فى الدرس والتحصيل والنصب فى المسألة والجواب، والتنقير عن الحق والصواب".(40) ولعل من أكثر الدعاوى سطحية وإستفزازاًًً فى نفس الوقت، تلك التى تأتى على غرار الأمراض الموسمية التقليدية، فتظهر حالة "إحياء الفكر العربى" أو" التواصل مع التراث الإسلامى" بين كُُل حين وآخر، وتجد لها مريدين ومروجين ومشجعين من(كُُل)الإتجاهات فيما عدا من لا يرون فى الإنتاج الفكرى العربى إلا ماكان منظوراًًً إليه من منظار السلف الصالح، كما يرونهم هم... وهم فقط!! أقول تظهر تلك الحالة، وعند نقطة إنتهاء منحنى فورانها لا يقدم أصحابها فى مؤتمراتهم وكتاباتهم سوى أحباراًًً حالكة على خلفيات أحلك. كما أن الحالة ذاتها لا تتمكن إلا من تقديم أمرين لا ثالث لهما: أولهما زخم كمى بشأن عبقرية مفكر عربى ما كإبن رشد، الإنتقائى غالباًً: إبن رشد "البرهان" وليس "بداية المجتهد ونهاية المقتصد، مثلاًًً، وكيف تمكن ببراعة من الإنتصار للعقل فى عصور التخلف، وستنبت من هنا أطروحات فرعية ترى الخلاص عند إبن رشد (البرهان)، أو كيف أن المقريزى هو أول من عبر وبإقتدار شديد، وتلك حقيقة، عن هيكل الأزمة الإقتصادية وحلل أسبابها وعلاقاتها الجدلية الداخلية، أو كيف أن إبن خلدون قد سبق آدم سميث فى تقديمه لنظرية فى التجارة الخارجية. وعلى الرغم من أن هذا السبق هو مجرد وهم فى خيال من يقولون به، إلا أنه لا بأس من دسه فى الإحتفالية وترديده ببغائياً. أما ثانيهما: وهى عن الأولى متولدة من جهة التنائى أكثر وأكثر عن عبقرية الفكـر العربى الذي علم العالم. إن العرب قد علموا العالم العِلم والمعرفة، أو أن علوم العرب ومعارفهم قد إنتشلت أوروبا من مستنقع الجهالة والرجعية والتخلف، أو أن علوم العرب لولاها ما قامت لأوروبا قائمة إلا بعد أحقاب تاريخية أكثر طولاًًً. . . كُُل تلك العبارات إلا جوفاء المضمون خاوية المحتوى ليس لها مكان داخل إطار ماهو عِلمى مع إحتفاظها وبكل قوة بموقعها فى التاريخ الإنتقائى العصابى، إنه التاريخ الذى ينشغل بالإستنتاجات الجاهزة كى يُلقى بها فوراً فى كراسات التعميم، وكى تتشرب به الرأس الملقَََنة فى هذه الصناعة أو تلك. إن العرب قد علموا العالم كيف يُفكر. تلك هى الإجابة التى نفترض صحتها على السؤال المطروح والمعنى بماهية ما خلفه العرب للعالم، ولتقريب الأمر نسأل وهو على ما أظن سؤال سبق طرحه كثيراًًً وخاض فيه من خاض ومن أنحاء شتى، وقد كنت لحين فترة وجيزة غير مقتنع بكل الإجابات المقدمة له، هذه السؤال يتعلق بالنظر فى أسباب جهل الواقع العربى القديم للمسرح مثلاًًً كأحد ألوان الأدب وباب من أبواب الفن ؟ ولقد وجدت فى قوة التجريد الإجابة. إن المسرح ينهض على التفاصيل وكذلك الرواية، على حين إن الذهنية العربية تشكلت على نحو تجريدى، تلك الذهنية هى التى إنطلقت بعقلية العرب كى تعلو بالظواهر عن كُُُل ما هو ثانوى، هذا الثانوى يُوجد فى الرواية ويوجد فى القصة وهو من باب أولى فى المسرح أوجد. ولذا نأت الذهنية العربية عن تلك الثانويات. ومن ثم لم يكن ليوجد أدب المسرح أو أدب الرواية، على الرغم من كون المجتمع العربى مجتمع حكاء بطبيعته. لقد عبر ماركس، بدقة بعد مئات الأعوام عن منهجه فى رأس المال حين قال:"لأنه لا يمكن لتحليل الأشكال الإقتصادية إستخدام المجهر أو الكواشف الكيمياوية. بل يجب على قوة التجريد أن تحل محل هذا وتلك" (41) ولقد تشكل لدى ابتداءً مِن هذا، وإنطلاقاًً من موقف رافض لصنمية الفكر والرأى، تشكل الإيمان الراسخ بشرعية الجهاد بلا هواده للإنتصار لعلو منزلة المنهج فى الطرح؛ ولأجل ذلك أضحت قضيتى التى إنشغلت بها دوماًًً هى الدفاع عن أهمية الإنتباه إلى الطريقة التي يستعملها الذهن لقيامه بتقديم إجابة، أكثر مِن الإهتمام بالإجابة نفسها. فحينما تقف ناظراًً إلى أبراج النفط فى ماراكايبو، أو إيبى، أو خليج العرب، فأنت تشاهد حقول النفط، تشاهد عمال فى حركة دائمة، تشاهد مصاطب وأنابيب وكلابات ومواسير، وتشاهد النفط المتدفق من جوف الأرض، تشاهد تلك اللهفة فى الأعين حين يُعلن النفط عن قدومه، الإتصالات تتم على أعلى مستويات الإدارة فى الولايات المتحدة، أو بريطانيا، لا تتوقف، تقارير صاعدة وقرارات نازلة، العقود تُبرم، فهناك عقود المقاولة من الباطن، وعقود النقل عبر البحر، النقل عبر البر، وعقود توريد المواد الغذائية للعمال الذين يمضون الأيام المتواصلة فى مواقع الحفر بحثاًًً أو إستخراجاًً للنفط، ها نحن لدينا عاملاًً قد أصيب، وها نحن لدينا تسرباًً ما فى الحقل النفطى، ولدينا مشكلة تتعلق بإنخفاض أسعار النفط، ولدينا بادرة أزمة ترتبط بالأجور...كُُل تلك الأمور، وغيرها، تستطيع وأنت واقف فى ماراكايبو ، أو إيبى، أو خليج العرب، أن تستوعبها على الصعيد الذهنى، فتتداعى أمامك صور عديدة إبتداءًً من عاملنا المصاب هذا، ومروراًً بالإتصالات المكثفة والسريعة وربما الهستيرية مابين موقع الإنتاج وبين الإدارة فى المركز، ومرورواًً كذلك بصورة النفط حين تفجره من جوف الأرض وبجانبه العمال فى حالة إستعداد قصوى للبدء فى مرحلة إنتاجية تالية، وإنتهاءًً بالأصوات المرتفعة والتشنجات العصبية فى بورصة النفط العالمية. لكن هناك ثمة صورة أخرى أكثر أهمية ولها الأولوية فى الظهور لفهم كُل هذا الصراع المستمر الدائر حول البير، تتلخص الصورة فى المعادلة البسيطة التى ذكرناها سلفاًً وقولنا أنها تمثل القانون العام الحاكم لأداء الرأسمالية على الصعيد العالمى والداخلى، الصيغة التى تقول(ن- و أ، ق ع- س- Δ ن) إذ من خلال التجريد، والعلو بالظاهرة عن كُُل ما هو ثانوى (كعاملنا المصاب، والإتصالات العصابية، والتقارير، والقرارات، والمرتبات، . . . ) نتمكن من إستيعاب الكيفية التى تعمل من خلالها شركات النفط العالمية، إذ أنها تظهر فى السوق، كما أسلفنا كذلك، كشارية لكُُل من مواد العمل، وأدوات العمل، ومواد العمل، ولكى تنسحب من السوق فى المرحلة التالية التى يبدأ فيها الإنتاج فينقطع التداول، ثم تظهر تارة أخرى فى السوق، وإن كان سوق مختلف، كبائعة للسلعة المنتجة(بنزين،جاز،كيروسين،إلخ) التجريد فقط هو الذى يُمكِن الباحث مِِن تحليل الأشكال الإقتصادية، بعد أن يُرشد إلى ما هو مِن أصول المسألة وما هو من فروعها وثانوياتها. وهكذا أفهم التجريد، وهكذا أرتكز عليه كطريقة يتبعها الذهن من أجل تقديم إجابة على الأسئلة التى تطرح نفسها على الذهن فى لحظة زمنية معينة. وفى الطرح الذى نقدمه هنا، إنما ننتهج منهجاًً تجريدياًً فى المقام الأول، ولا نهتم بالتفاصيل إلا فى مرحلة تالية لإستيعاب الكُُل والهيكل والتاريخ. ففى فنزويلا وكما سنرى يتركب منهجياًً طرحنا من حزمة فكرية، تبدأ بإستيعاب التاريخ وتمر بفهم ناقد للتطور الجدلى للمجتمع وتنتهى ليس فقط بالنجاح على الإسئلة التى تثيرها الظاهرة، وإنما كذلك بالنجاح فى رد الظاهرة الإجتماعية إلى الكل الذى تنتمى إليه. ونفس المنهجية ستكون حين ذهابنا إلى السودان لإختبار مدى صحة المنهج ذاته. إن مَن ينظر إلى أن المنهج يسمو فى الطرح على أساس من كونه من أبواب الشكل الذى قد يصل لديه إلى مرحلة الذى لا يضر تركه كما لا ينفع إتيانه، إن نظراًًًً كهذا يتعين أن لا يطيل النظر فيما أكتب، إذ ما أكتب إياه لا يعنيه، إذ أنه هو الشكلانى، ولن يجد لدى بضاعته، وليبحث عنها عند التيارات المهيمنة فى حقل الدوجما...إن شكلانية صديقنا هذا إنما ترد لعدم قدرته على إستيعاب جدلية الشكل والمضمون، وأنَّ له ذلك وهو أسير النظرة الخطية ولا يملك جسارة مغادرتها... وأنَّ له ذلك، من باب أولى، وأصحابنا الواعون بتلك الجدلية قد ذبحوها يوماًً ما على أبواب الحزب الأوحد فى موسكو، ولم يزالوا يقدمونها قرباناًً فى أوروبا، ويمثلون بأشلائها فى عالمنا العربى. المبحث الثالث : 500 عام من الإنحطاط !! ما الحياة؟ وما الهدف منها؟ عالم اليوم، بشقيه المتقدم والمتخلف، فقط هو القادر على الإجابة؛ يُجيب: لا أعرف! وكيف يعرف بعد أن صار عبر خمسمائة عام من الإنحطاط لا يعرف سوى الهذيان؛ بعدما أصر على الإنتحار الجماعى، ولعل هنا المناسبة جيدة كى ننتقل نقلة نوعية ونتقدم خطوة فكرية إبعد كى نتعرف على الحقل الذى تُبلور الظاهرة محل البحث نفسها من خلاله، ونقوم بدورنا بدرسها فيه رفضاًً للنظريات المدرسية التى تُُقطع أوصال النظرية الإقتصادية وتصفى الإقتصاد السياسى من محتواه الإجتماعى، وتفترض، بدون داعى، إنعزال الإقتصاديات القومية. فيجب هنا أن نتعرف على الحقل الذى نقوم بالتحليل فيه بالتعرف على المعالم الأساسية التى تحدد وجهه؛ وبعدما أصيب عالم اليوم، وفنزويلا البوليفارية أحد أجزائه، بشقيه المتقدم والمتخلف، مركزه وأطرافه، بالتخلف العقلى بتصريح من بوخر وسومبارت وجوارتينى وفريدمان، وبطانتهم من علماء الإقتصاد الأفاضل فى كامبردج وجورج واشنطن. لقد صمت فينا صوت الحياة، وغفل بداخلنا ضمير الإنسان حتى كاد الإنسان أن ينسى أنه إنسان بعد أن فقد عبقرية مشيته المستقيمة حين ألف السجود للطغاه فزحف على بطنه من الفاقه والجوع...أو تحول إلى حشرة كافكا(42). إن حشرة كافكا هى التجسيد الرائع لعالم يترنح إنسانه بعد أن صارت الحياة بلا معنى وبلا هدف وبلا مشروع حضارى لمستقبل أمن. كيف يعرف عالمنا اليوم معنى الحياة والهدف منها وقد مهد له دانتى(43) حين فصل تاريخياًًً، وبمنطق أرسطو المقدس بين الحـياة والدين، وإختزل له ديكارت(44)الإنسان إلى ألة مفكرة؛ المشاعر، الأحاسيس، العواطف، كلها صارت عمليات عقلية تخضع مع التطور التكنولوجى إلى القياس الدقيق على أحدث أجهزة بيل جيتس، ويمكن حسابها طبقاًً لسعر الصرف العالمى. كيف يعرف عالمنا اليوم معنى الحياة والهدف منها وقد أعلن له نيتشه(45) أن الناس هم الذين أقاموا الخير والشر فابتدعوهما وما إكتشفوهما ولا أنزلا عليهما من السماء...إبتداءًً من اللامعنى صار الإلحاد إبداعاًً والدين أسطورة والرسل مرتزقة...حتى الإلحاد صار مسخاًً...إبتداءًً من اللامعنى لعن فاوست كل شىء صالح على الأرض وإتبع مارجريت...إبتداءًً من اللامعنى واللاهدف أمسى الإنسلاخ عن حضارة الإنسان حداثة، وهجر التراث الإنسانى المشترك تجديداًً، أما وحدة المعرفة الإنسانية فقد باتت عتها. كيف يعرف عالمنا اليوم معنى الحياة والهدف منها، وقد همس له حلاق أشبيليه"إن للذهب قدرة على تفتيح مدارك الإنسان". كم هى عبارة مهذبة مقارنة بما صاح به كولومبس(46) فى جاميكا:" الذهب شىء مدهش. من يملكه يملك كل شىء، من يملكه يملك كل ما يرغب فيه، بل بالذهب يستطيع المرء أن يدخل الأرواح إلى الجنة". إبتداءًً من اللامعنى صار الهوس العقلى مرحاًً فى موسيقى الهارد روك والميتال والتكنو والفانكى، ولقد أمسى الخواء تجريباًً، وتدمير المعنى واللون إنطباعية، وإهدار الشكل والأبعاد تكعيباًً، والإختزال والتسطيح أسموه تجريداًً. ومع اللامعنى تجرعنا مر تراث الدين الوضعى.. التراث الذى جرد النصوص الخلاقة من قوتها المتسائلة فى معنى حياتنا والهدف منها، حتى صرنا لا نميز بين وقت الفراغ وبين الوقت الفارغ، لإن تجريد تلك النصوص من قوتها تلك إنما تم فى نفس اللحظة التى تحولت فيها من نقطة بداية إلى خط نهاية العابر له مرتد. ولنتقدم خطوة فكرية إبعد كى نتعرف آنياًً على عالمنا الحقيقى، وفنزويلا البوليفارية أحد أجزائه، بالتعرف على معالمه الرئيسية التى تكشف بلا مواربة عن إتفاق جماعى... ولكن على الإنتحار... إن هذا الكوكب بمن فيه يتجه مسرعاًً صوب الأعماق، أعماق الإنحطاط...إنها سكرة الموت. موت عصر، وميلاد عصر. فهل من الضرورى أن نسحق تحت عجلة حتميته؟ ومن كان لا يروق له قولى فلينظر إلى الخواء فى الفن، وإلى الإضمحلال فى الأخلاق، وإلى الهمجية فى الإقتصاد، وإلى القمع فى السياسة.... فلينظر إلى التحلل فى الرغبة الجماعية... وإلى النهضة فى الفردية والأنانية... فلينظر إلى الأحادية فى المعرفة، وإلى الثيوقراطية فى الإيمان، وإلى الهوس فى الدين، وإلى الصنمية فى الرآى... فلينظر إلى إدعاء إمتلاك الحقيقة الإجتماعية، ورفض الآخر من باب أنه آخر، فلينظر إلى الحروب... إلى الإبادة... إلى طمس حضارات، وإزالة ثقافات من على خريطة العالم. حقاًً هذا هو العالم الذى أفرزه عالم الخمسمائة سنة الماضية، أنه العالم، وفنزويلا البوليفارية أحد أجزائه، الذى شرع يرنم ترانيم هلاكه على مذبح الإله الأبطش: الرأسمالية، بقيادة كاهن معبدها: إقتصاد السوق، وفى هستيريا جماعية أطلق خدام المذبح (المرصع بالدولار) بخور الجنائز بعد أن تُُليت عليه إصحاحات من كتاب الإنحطاط فى معابد وول ستريت وفروعها فى طوكيو وبرلين وباريس... ها هى الآلهة اليونانية العائدة فى صيغة هندية، تعود من جديد. إله السوق. إله الرأسمالية. إله الإمبريالية، الثلاثة فى واحد(أمين) إنهم فى إله واحد نهم متعطش إلى مزيد من دماء الشعوب التى إختلطت بأوراق (النقد) فى خزائن (صندوق) الموت الحامل لعرش أسياد العالم ومفسديه، محركى الفتن فيه وجلاديه. طليعة الإنحطاط(أمريكا، كما يسميها جارودى) وخدام معابدها. الجات...البنك الدولى... صندوق النقد، ثلاثة عناصر فى مركب عضوى واحد. سام... يسرى ببطء حتى يتغلغل بلا هوادة فى كُُل خلية من خلايا إقتصاد عالمنا ولا يغادرها إلا وهى فى دمائها غارقة... إنه المركب الذى يتجرعه زعافاًً كُُل من آمن بعقيدة الوحدانية. وحدانية السوق الكريم!! الموزع بالعدل!! وإتبع الكاهن الأعظم: إقتصاد السوق الواحد الأحد!! أزمة المديونية...أزمة الطاقة...أزمة النقد، تلك هى قرابين المذبح الدولارى، وأضحية العيد الرأسمالى، المسمى بالأزمة الدورية. البطالة... الجوع... الفقر... الكساد... الإفلاس، تلك هى آلهة الفتك العوالى الساكنة فى سماء عالم دنس"اليد". يد الإنسان، التى بفضلها إنفصل عن مملكة الحيوان... تلك هى النتائج الحتمية لعبادة صنم التداول ليقرب إلى الأرباح زلفى، بعد الإطاحة بالنصوص المقدسة الحقيقية التى جاء فيها: أن الأرباح لا تلدها عذراء؛ فهى تتكون فى مجال الإنتاج بتفاعل قوة العمل مع وسائل الإنتاج، وأن الثمن هو المظهر النقدى للقيمة، ولا، ولم، يفترض أن يكون تعبيراًً صادقاًً عنها، إن الأزمة فى بعد كبير من أبعادها تكمن فى القطيعة بين القيمة والثمن على المستوى الأول، وتتبدى فى الثمن نفسه فى المستوى الأول مكرر. هى إذاًً النتائج الطبيعية لمسخ علم الإقتصاد السياسى. إنها نتائج أولية لسيادة ثقافة واحدة، وهيمنة حضارة وحيدة ليس بإمكانهما سوى صناعة نعشاًً... يلفظ العالم بداخله أنفاسه الأخيرة. التخلف...التنمية، مفردان لا يجوز فهمهما إلا مِن خلال شروح كهنة المؤسسات الدولية للإبادة الإنسانية، فلقد سطر فى كتاب الإنحطاط أن التخلف هو أن تحيا عاصياًً لرب السوق، مارقاًً عن شريعته المدونة فى ملاحق الجات المقدسة. التنمية هى محبته والفناء فيه... التخلف هو الفرار من الهلاك، أما أن تهرول نحوه فتلك هى التنمية... التنمية التى تمتلىء أحشائها بالمزيد من ضحايا البطالة والجوع والفقر والمرض. ولنتقدم خطوة أخرى(47) كى نقترب أكثر من رؤية عالم اليوم وهو عاجز عن الإجابة على السؤالين الجوهريين: ما الحياة؟ وما الهدف منها؟ - تبلغ ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم ما يُُعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة، كما أن ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم تتجاوز نسبتها دخل 41% من سكان العالم مُُجتمعين. - يعيش نحو 85% من سكان العالم فى الدول النامية. - بلغ نصيب الفرد فى عام 2005 من إجمالى الناتج القومى فى الأجزاء المتخلفة نحو 1750 دولار سنوياًً، على حين بلغ هذا النصيب 35130 دولار سنوياًً فى الأجزاء المتقدمة. - مليار شخص يعيشون على أقل من دولار واحد فى اليوم. - 100 مليون طفل جنوب الصحراء فى سن التعليم الأساسى خارج المدرسة، ويموت سنوياًً أكثر من عشرة ملايين طفل قبل أن يكملوا عامهم الخامس. - أكثر من مليار شخص حول العالم لا يتمكنون من الوصول إلى مصدر مياه عذبة ونظيفة، وغالبيتهم من سكان الريف. - يعيش فوق كوكب الأرض أكثر من 6 مليار من البشر يبلغ عدد سكان الدول النامية منها 4.3 مليار، يعيش منها ما يقارب 3 مليارات تحت خط الفقر، المقدر بدولارين فى اليوم ، ومن بين هؤلاء هنالك 1.2 مليار يحصلون على أقل من دولار واحد يومياًً. - تمتلك الدول الصناعية 97% من الامتيازات العالمية كافة، وأن الشركات دولية النشاط تملك 90% من إمتيازات التقنية والإنتاج والتسويق، وأن أكثر من 80% من أرباح إجمالى الاستثمار الأجنبى المباشر فى البلدان النامية يذهب إلى 20 دولة غنية. - فى البلدان النامية نجد أن نسبة 33.3% ليس لديهم مياه شرب آمنة أو معقمة صالحة للشرب والاستعمال، و25% يفتقرون للسكن اللائق، و20% يفتقرون لأبسط الخدمات الصحية الإعتيادية، و20% من الأطفال لا يصلون لأكثر من الصف الخامس الابتدائى، و20% من الطلبة يعانون من سوء ونقص التغذية. - تبلغ ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم ما يعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة فى العالم، كما أن ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم تتجاوز نسبتها دخل 41% من سكان العالم مجتمعين. وتوضح الدراسات أنهم لو ساهموا بـ 1% من هذه الثروات لغطت تكلفة الدراسة الابتدائية لكل الأطفال فى العالم النامى. - بينما يموت 35 ألف طفل يومياًً بسبب الجوع والمرض ويقضى خمس سكان البلدان النامية اليوم وهم يتضورون جوعاًً، تقل المساعدات المخصصة للدول الفقيرة عن طريق منظمة الأمم المتحدة عما تنفقه تسعة من البلدان المتقدمة على غذاء القطط والكلاب فى ستة أيام فقط. - مليار جائع فى العالم معظمهم أطفال بإفريقيا وآسيا. - يُسيطر20% من سكان العالم على 80% من الموارد الطبيعية. - يسيطر 20% من سكان العالم 83% من الثروة، و82,7 من المنتَج العالمى، و81,2% من التجارة العالمية، و96,6 من القروض التجارية، و80,6 من المدخرات، و80,5 من الإستثمارات، و94% من بحوث العمليات. - طبيب لكل 647 فرد فى سويسرا. وطبيب لكل 57300 فرد فى بوركينافاسو. - يموت يومياًً 50 ألف شخص لأسباب مرتبطة بالفقر. - يموت طفل كُُل 3 دقائق بسبب الفقر. - يبيت 800 مليون إنسان لا يتمكنون من الأكل بشكل يومى. - 880 مليون إنسان لا يتمتعون بالخدمات الصحية. - الجوع وسوء التغذية يوديان بحياة نحو 6 ملايين طفل سنوياًًً. الدولة نصيب الفرد من الدخل القومى بالدولار (2005) بوروندى 100 جمهورية الكونغو الديموقراطية 120 ليبريا 130 إثيوبيا 160 مالاوى 160 غينيا بيساو 180 إريتريا 220 سيراليون 220 رواندا 230 النيجر 240 الدول الأشد فقراًً فى العالم - يعانى نحو 852 مليون شخص سوء التغذية فى مختلف أرجاء العالم، بمن فيهم 815 مليون فى البلدان النامية و28 مليون فى البلدان التى تمر بمرحلة إنتقالية و9 ملايين فى البلدان الصناعية . - يعيش نحو 75 فى المائة من فقراء وجياع العالم فى المناطق الريفية من البلدان الفقيرة. وتُمثل هذه المناطق موطناًًً لغالبية الفقراء البالغة أعدادهم 11 مليون طفل ممن يموتون قبل بلوغهم سن الخامسة من العمر، بمن فيهم 8 ملايين طفل رضيع و530 ألف إمرأة تلقى حتفها أثناء الحمل والولادة، و300 مليون إصابة بمرض الملاريا الحادة وأكثر من مليون حالة وفاة بسبب الملاريا. - عبر بوفييه عن تطور "سوق الفن" حسب المواصفات الأمريكية بقوله:" الجهل فى الرسم قد أُُُرسيت قواعده، وكلما كان الفن جاهلاًً إعتبروه رائداًً"(47) ليس مهما أن تدرس أو ترسم، كل ما يهم هو أن تبحث عن أشياء جديدة، مهما كانت، حتى إن كانت لوحات من براز الإنسان، إذ أن المقياس أصبح مالياًً ولم يعد جمالياًً. إن النظرية الإستهلاكية الأمريكية(المشبعة بقوانين السوق) دخلت عالم الفن، وحددت قواعد"سوق الفن" .فالمعيار الوحيد هو الغرابة، وإجتذاب المتحذلقين من المشتريين، وإدخال التبذير فى "سوق الفن" . تماماًً كما عبر أحد التجار:" يجب، وبأى شكل إدخال الطريقة الأمريكية: إن الأشياء عندما تتقادم تصبح متخلفة فى عالم الأعمال الفنية. يجب أن نعلم مقتنىِّّ وجامعى اللوحات إلقاء اللوحة فى صندوق القمامة حين تصبح قديمة، مثلها مثل السيارة أو الثلاجة، عندما تأتى لوحات أخرى جديدة لتحل محلها".وفى عام 1991 باعت صالة كريستى الشهيرة "لوحة" للرسام كونينج، أحد المشاهير الذين تم تسويقهم إعلامياًً، مع فرساتشى، وكلفن كلاين، وأرمانى، وغيرهم من أجل إفساد الذوق العالمى، بيعت بـ(44) مليون و(880) ألف فرنك، بينما توقف ثمن لوحة للفنان الأصيل رافائيل عند (8) مليون و(668) ألف فرنك. الدولة نسبة إنتشار الإيدز (%) سوازيلاند 33 بوتسوانا 24 ليسوتو 23 زيمبابوى 20 ناميبيا 20 جنوب إفريقيا 19 زامبيا 17 موزمبيق 16 مالاوى 14 جمهورية إفريقيا الوسطى 11 - إن من يعلنون أنفسهم مدافعين عن "حقوق الإنسان" على الصعيد العالمى، مثل مجموعة السبعة، والذين إجتمعوا لمكافحة الإرهاب، هم الذين شربوا نخب الإرهاب فى كؤوس من جماجم البشر، وإنتشوا حتى أطاحوا بكل ما هو مقدس. هم فى الحقيقة رؤساء الدول الأكثر إرهاباًً فى تاريخ العالم وحاضره؛ وهم أبشع المعتدين على حقوق الإنسان. وليس تاريخهم القديم وحده هو الدليل على ذلك (إبادة الهنود، وإستعباد الزنوج، وتلك خصوصية أمريكية، وشن الحروب وإستعمار دول وقارات) وإنما جرائمهم تتواصل، مثل البشاعة الأمريكية فى فيتنام حين إستخدم النابلم على نطاق واسع، هم كذلك المسئولون عن قتل ما يزيد عن 250 ألف طفل لا تزيد أعمارهم عن خمس سنوات فى المستشفيات وخارجها، بإصرارهم على فرض الحصار على العراق، والأن إشعال نار الفتنة وتركه، إن حدث، خرباًً. فضلاًً عن خبراء التعذيب فى رواندا؛ مما أسفر عن 400 ألف قتيل. كذلك توريد السلاح للحكومات الدكتاتورية وتمويلها، لا لشىء سوى لحفظ السلام والأمن والأمان، وهى الأهداف النبيلة التى تتحقق على رفات الشعوب. . . ملايين القتلى وملايين الجرحى. هم الذين ساندوا سفاح جواتيمالا(جراماجو) وطاغية كوريا الجنوبية(تشون) والعميل الزائيرى(موبوتو سيسى سيكو) وهم الذين وضعوا (شامورو) على العرش فى نيكاراجوا، وأطاحوا (بمحمد مصدق) فى إيران، و(سوكارنو) فى إندونيسيا، و(باريستد) فى هاييتى، وهم أيضاًً الذين أداروا مذبحة ريوسومبول على الحدود السلفادورية الهندوراسية. وهم ذاتهم الذين توجهوا إلى أفغانستان وأشعلوا نار الحرب كى يتمكنوا من ضبط أسواق الأفيون، والتحكم فى إنتاجه الدولة إجمالى الدين الخارجى بالمليار دولار الصين 249 البرازيل 222 روسيا الإتحادية 197 الأرجنتين 169 تركيا 162 إندونيسيا 141 المكسيك 139 الهند 123 بولندا 99 المجر 63 الدول العشر الأعلى مديونية فى العالم هذا هو عالم اليوم، وفنزويلا أحد أجزائه ولسوف نرى فيما يأتى حجم الفساد المستشرى هناك، وما ذكرنا لا يُمثل سوى جزءًً يسيراًً تتمكن مِِن الإضافة إليه كما تريد، عليك فقط أن تمسك بواحد من آلاف التقارير الصادرة، دورياًً، عن المنظمات أو المؤسسات الدولية المعنية، عن أحوال الجوع والفقر والمرض والتنمية، وسيصيبك الإندهاش لتجاهل تلك التقارير من قبل النظرية الرسمية، ولسوف تتيقن من أن هذا العالم لا يستطيع بحال أو بآخر التقدم لإعطاء إجابة بشأن ما الحياة؟ وما الهدف منها. الأمر الذى يُحتم علينا البحث عن الخلاص من خلال مشروع حضارى لمستقبل أمن. مستقبل أكثر إنسانية. مستقبل يطمح خلاله الإنسان إلى أكثر من وجوده. مستقبل يبدأ من نهاية الإقتصاد السياسى للرأسمالية. وبزوغ علم الإقتصاد السياسى للإشتراكية، التى باتت مطلباًً ملحاًً فى تلك "المرحلة الهابطة للنظام الرأسمالى"، وفقاًً لتعبير أستاذنا الدكتور محمد دويدار.
الهوامش (1) بشأن ذات الأزمة، على الصعيد السياسى؛ أنظر: مقالتنا: ملاحظات حول منهج طرح قضية الديمقراطية فى النظم السياسية العربية، مجلة "النهج" مركز الدراسات والأبحاث الإشتراكية فى العالم العربى، العدد 332. (2) ". . . . . . أدى تطور المصانع فى لانكشاير إلى خلق مزارع هائلة للقطن مِن جنوب الولايات المتحدة. ولقد إستقدمت أمريكا أيضا، مِن أفريقيا السوداء، أيد عاملة رخيصة الأجر تقوم بالإعمال الصعبة والمميتة فى مزارع القطن، وقصب السكر والرز والتبغ. وفى أفريقيا عرفت تجارة الرقيق ازدهاراًً لا مثيل له، حيث طُُوردت جماهير السكان داخل "القارة السوداء"بعد أن بِيعت قبل زعمائها، وألقى القبض عليها وسيقت براًً وبحراًً عبر مسافات شاسعة، لكي تباع مجدداًً فى أمريكا. لقد كان هذا عبارة عن "هجرة حقيقة" أرغمت الشعوب السوداء على القيام بها. بحيث أنه كان ثمة، فى نهاية القرن الثامن عشر، نحو 297 ألف زنجى فى أمريكا... ولقد إرتفع هذا العدد بشكل مُذهل ليصل إلى نحو أربعة ملايين عام 1861. . . . كانت التجربة الثانية فى مصر، حيث عمد خديوى مصر إسماعيل باشا، إلى التشجيع على إقامة مزارع القطن بسرعة، للإستفادة من حرب الإنفصال الأمريكية. ولقد أدى هذا إلى حدوث ثورة حقيقية فى علاقات الملكية فى الريف المصرى. لقد سُرق مِن الفلاحين، جزءً كبيراًً مِن أراضيهم وأعلنت الأراضى المسروقة ملكاًً للخديوى، وحُوِِلت إلى مزارع قطن فسيحة. ثم جىء بألوف الفلاحين، بالقوة، ليعملوا، فى المزارع، على إقامة السدود وحفر الأقنية ودفع المحاريث. بيد أن إسماعيل باشا عمد إلى استدانة المال مِن المصارف الإنجليزية والفرنسية لكى يتمكن مِن الحصول على المحاريث البخارية وعلى غيرها مِن الآلات الحديثة المستوردة مِن بريطانيا. ولقد إنتهى الأمر بهذه المضاربة الهائلة إلى الإفلاس بعد عام واحد، حين عقدت إتفاقية الصلح فى الولايات المتحدة، وهبطت أسعار القطن خلال بضعة أيام إلى ربع ما كانت عليه قبلاًً. وكانت نتيجة عهد القطن هذا بالنسبة إلى مصر، دماراًً متسارعاًً للإقتصاد الفلاحى، وتدهوراًً مذهلاًً للأوضاع المالية، ومِن ثم إحتلالاًً سريعاًً لمصر مِن قبل الجيش الإنجليزى. فى تلك الأثناء كانت صناعة القطن تُسجل مكاسب جديدة. فحرب القرم التي أوقفت عام 1855 صادرات روسيا مِن القنب والكتان، سببت فى أوروبا الغربية، أزمة خطيرة فى عالم الصناعة النسيجية، وبهذا أخذت صناعة القطن تزدهر أكثر فأكثر على حساب الكتان. وفى ذلك الوقت نفسه حدث فى روسيا إنقلاب سياسى هام، إثر تدهور النظام القديم خلال حرب القرم: لقد أُُلغى الرق، وبدأت تطبق إصلاحات ليبرالية، وأدخل نظام التبادل الحر، كما أخذت خطوط السكك الحديدية تتطور سريعاًً. وبهذا إنفتحت أسواقاًً جديدة وواسعة، فى وجه المنتجات الصناعية، فى أرجاء الإمبراطورية الروسية كافة، وكان القطن الإنجليزى أول بضاعة تدخل السوق الروسية. وفى سنوات الستين كذلك فتحت عدة حروب دموية، الصين بأسرها فى وجه التجارة الإنجليزية. وهكذا أضحت إنجلترا مُسيطرة على السوق العالمية، حيث شكلت صناعة القطن قرابة نصف الصادرات الإنجليزية إلى هذه السوق. وكانت ستينات وسبعينات القرن التاسع عشر، سنوات إزدهار الأعمال الأكثر نجاحاًً بالنسبة إلى الرأسماليين الإنجليز، ولقد كان ذلك العهد أيضا هو العهد الذى نحا فيه أولئك الرأسماليون، باتجاه التنازل بعض الشىء للعمال، مقابل ضمان الحصول على "قوة أذرعتهم" . . . سرعان ما تغيرت الأوضاع. ففى أرجاء القارة الأوربية، حيثما كانت إنجلترا تُصدِر مصنوعتها القطنية، بدأت مصانع القطن تنهض هنا وهناك بدورها. ومنذ 1844، أخذت ثورات الجوع التى قام بها عمال النسيج فى سيليسيا وبوهيميا، تعطى الإشارات الأولى لثورة آذار 1848. هذا بينما بدأت الصناعة تزدهر وتتطور، حتى فى المستعمرات الإنجليزية نفسها، بحيث أن مصانع القطن فى بومباى (الهند) شرعت بسرعة فى منافسة المصانع الإنجليزية، وساهمت، فى سنوات الثمانين، بتحطيم إحتكار إنجلترا للسوق العالمية. . . . وتسلل حتى إلى أبعد زوايا الأرض وأكثرها تخلفاًً، تضامناًًً إقتصادياًً بين البشرية البروليتارية المعاصرة. إن البروليتاريا الإيطالية التى طردتها رأسمالية بلادها مِن ديارها، تهاجر إلى الأرجنتين وكندا، حيث تجد طغمة رأسمالية جديدة مستعدة تمام الإستعداد، مستوردة مِن الولايات المتحدة أو مِن إنجلترا. والبروليتارى الألمانى الذي يبقى فى بلده راغباًً فى أن يقتات ويعيش بشكل شريف، إنما هو مرتبط خطوة خطوة، وفى السراء والضراء بتطور الإنتاج والتجارة فى العالم بأسره. هل تراه سيعثر على عمل أم لا؟ أو ترى أجره سيكفيه لإعالة زوجته وأطفاله؟ أتراه سيكون محكوماًً عليه بالفراغ القسرى بضعة أيام كل أسبوع، أم سيدخل حجم العمل الإضافى ليعمل ليل نهار؟ إنه اضطراب دائم يعيش فيه تبعاًً لمحصول القطن فى الولايات المتحدة، تبعاًً لمحصول القمح فى روسيا، تبعاًً لاكتشاف مناجم ذهب أو ماس جديدة فى أفريقيا، تبعاًً للإضطرابات الثورية فى البرازيل، وللصراعات الجمركية، وللقلاقل الدبلوماسية، وتبعاًً للحروب ذات الرحى الدائرة فى أرجاء قارات العالم الخمس. إن لا شىء أدعى إلى الدهشة اليوم،ولا شىء أكثر أهمية وحسماُُ بالنسبة إلى الحياة السياسية والاجتماعية الراهنة، من التناقض بين القاعدة الاقتصادية المشتركة، التي توحد يومياًً، وبشكل أكثر صلابة، كُُل الشعوب فى شمولية كبيرة، وبين البنية الفوقية السياسية للدول التى تسعى إلى فصل الشعوب بشكل مصطنع بواسطة الحدود المصطنعة، والحواجز الجمركية والمذهبية العسكرية، وإعتبارها، أى الشعوب، قطاعات غريبة عن بعضها البعض، ومعادية لبعضها البعض. غير أن هذا كله ليس ذا وجود بالنسبة إلى بوخر وسومبارت وشركائهما! فهم لا يرون سوى الإقتصـاد القومى. إن الأسـاس الذى يرتكـز عليـه الاقتصاد السياسى اليوم، ما هو سـوى تضليل علمى يعمـل لصالح البرجوازية ." أنظر: روزا لوكسمبورج، ما هو الإقتصاد السياسى، دار إبن خلدون. بيروت. 1977 (3) "فى عصر المدرسة الكلاسيكية وخلال الفترة الأخيرة مِن القرن الثامن عشر والتاسع عشر فكان المصطلح الشائع لعِلم الإقتصاد هو الإقتصاد السياسى، وكان السبب فى شيوع هذا المصطلح هو إهتمام رجال الإقتصاد بالعوامل السياسية والإجتماعية فى خلفية بحثهم للمشاكل الإقتصادية الكبرى التى عاصروها . . . لقد كان مفهوم الإقتصاد السياسى شائعاًً وغالباًً فى فترة المدرسة الكلاسيكية، ولكنه لم يكن المفهوم العِلمى الوحيد للإقتصاد فى آواخر القرن التاسع عشر، فقد كان هناك إقتصاديين مََََن كان يحاول ((عزل)) الظاهرة الإقتصادية عن السياسة والمجتمع تماماًً، كما تم تجريدها وعزلها عن المسائل الفلسفية والأخلاقية مِن قبل، وظهر هذا الإتجاه واضحاًً فى فترة المدرسة النيوكلاسيكية". هذا الرأى التدريسى المبسط جداًً، وربما يَحوى حقائق تاريخية،للدكتور/عبد الرحمن يسرى، تطور الفكر الإقتصادى، 1996، الطبعة الرابعة، دون ناشر محدد (ص10) وتشيع وبقوة تلك العنونة، الإقتصاد، ويُتخذ هذا الإتجاه، بعد فهم خاطىء لموضوع الإقتصاد، كطريقة عامة للتلقين فى الجامعات المصرية، فعلى سبيل المثال يُمكن الرجوع إلى كتاب كُُل مِن: الدكتورنعمة الله نجيب، أسس علم الإقتصاد، مؤسسة شباب الجامعة. الإسكندرية 1990،الدكتوركامل بكرى، مبادىء الإقتصاد، الدار الجامعية. بيروت 1987. وأنظر كذلك: الدكتورإسماعيل هاشم، الإقتصاد التحليلى، الكتاب الثانى، دار الجامعة المصرية. الإسكندرية 1969. وتلك المؤلفات ما هى سوى نماذج لألاف مثلها تمتلىء بها رفوف وأروقة مكتبات الجامعات المصرية. (4) أستاذنا الدكتور محمد دويدار، مبادىء الإقتصاد السياسى، دار المعرفة الجامعية. الإسكندرية 1997( وقد تُرجم الكتاب إلى الفرنسية والإنجليزية والبرتغالية) (5) سوف نعالج "التجريد" بشىء مِن التوسع فيما يلى مِن خطواتنا الفكرية، إذ سيكون مَحل إهتمام فى المبحث الثانى. (6) يتعين هنا أن يكون واضحاًً فى الذهن، بل ودوماًً، وجوب التفرقة بين المعنى اللغوى وبين المعنى الإصطلاحى للكلمة ، وبطبيعة الحال فإن ما ننشغل به فى أطروحتنا هو المعنى الإصطلاحى للكلمة. الثمن، والقيمة، كََجوهر إجتماعى، بنوعيها: قيمة الإستعمال، والتى تعنى صلاحية السلعة لإشباع حاجة معينة، وقيمة المبادلة والتى تعنى صلاحية السلعة للمبادلة بسلعة أخرى، الأمر الذى يُوجب الوعى بالفارق بين القيمة فى ذاتها وبين المظهر النقدى الذى تتخذه حين التداول، المعبر عنه بإصطلاح الثمن ... أما القيمة فى اللغة فإنما وردت على نحو أن يدفع الرجل إلى الرجل الثوب فيقومه بثلاثين درهما، ثمن يقول: بعه، فما زاد فهو لك، فإن باعه بأكثر مِن ثلاثين بالنقد فهو جائز. القيمة واحدة. والقيم وأصله الواو لأنه يِقوم مقام الشىء، والقيمة ثمن الشىء بالتقويم. أنظر: إبن منظور، لسان العرب، المطبعــة الأميرية، القاهرة 1939، الجزء الخامس، ص 402، ووافق المعنى نفسه ما أورده عبد الله البستانى فى معجمه "فاكهة البستان" المطبعــة الأمريكانية، بيروت 1930 ص 1312، وفى اللغة الفرنسية، واللغة الإنجليزية لا يختلف المعنى كثيراًً، بل يكاد يطابقه، حيث القيمة، فى الفرنسية والإنجليزية، تعنى الثمن، الثروة، ولئن كان المعنى أكثر وضوحاًً فى قاموس اكسفورد؛ حيث الإشارة إلى عنصرى المنفعة والمبادلة، وتوضيح المعنى مِن خلال قدرة السلع على شراء بعضها البعض. E. Clifton&J.mc Laughlin, Nouveau Dictionnaire, Librairie Grainer presres, Paris1904, p 626, Jean-Paul Colin, Dictionnaire Des Difficultés du Française, Les Usuels du Robert, Paris 1977, p775. H.Fowler&F.Fowler, The concise Oxford dictionary. Oxford at the charendon press.U.K 1939, p1361) وبالإضافة إلى المعطى فى المعاجم اللغوية فعادة ما يتم تناولها، أى القيمة، على أساس مِن كونها تُمثل بعض الصفات الإنسانية المحمودة فى إطار ما يُسمى بالقيم الإجتماعية، للمزيد مِن التفاصيل عن هذا التناول الفلسفى والتفسيرات البيولوجية والإجتماعية والإنسانية، وإعتبارها مِن قبيل المثل العليا، يُمكن الرجوع إلى: توفيق الطويل، أسس الفلسفة، الطبعة الثالثة، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة1958، وانظر كذلك: الدكتور زكريا ابراهيم، مبادىء الفلسفة والأخلاق، مطبعة الفجالة. القاهرة1962، وفى دراستها ،اى القيمة ، تحت إصطلاح "الأكسيولوجيا" ويحوى قيمة الحق والأخلاق والجمال، أنظر: الدكتور على عبد المعطى، المدخل للفلسفة، دار المعرفة الجامعية. الإسكندرية 1994، ص361 وما بعدها. (7) الدكتور سمير أمين، التراكم على الصعيد العالمى، نقد نظرية التخلف، تعريب: حسن قبيسى، دار إبن خلدون. بيروت، بدون تاريخ نشر محدد (ص34-39) (8) أبو علم الإقتصاد، وفقاًً للرأى الغالب، ولد أدم سميث، فى الخامس من شهر يونيه عام 1723 بمدينة كيركالدى باسكتلندا، مات أبوه قبيل ولادته ببضعة أشهر، فربته أمه، وكان ميالاًً إلى العزلة، مفكراًً متأملاًً. التحق بجامعة جلاسكو فى عام 1737، وتميز فى الرياضيات والفلسفة، وفى عام 1740 أوفد إلى اكسفورد لمدة سبع سنوات، عاد بعدها إلى كيركالدى، وقد قرر أن لا ينخرط فى سلك القساوسة، وفى سن الخامسة والعشرين ينتقل آدم سميث إلى أدنبره ملقياًً محاضرات فى الأداب والبلاغة، ولكى يعين أستاذاًً للمنطق بجامعة جلاسكو فى عام 1751، ثم أستاذاًً للفلسفة الأخلاقية عام 1752، وكان الإقتصاد يدخل آنذاك ضمن دراسة الفلسفة، وفى عام 1759ينشر آدم سميث كتابه " نظرية المشاعر الأخلاقية" ولذيوع صيته فى أوروبا؛ فقد دعى كى يقوم بالتدريس لدوق بوكلييه، وأقام فى فرنسا من أجل ذلك ما يقارب من ثمانية أشهر، مكنته من التعرف على فكر الفيزوقراط عامة، وفكر فرانسوا كينيه بوجه خاص، حتى عاد إلى كيركالدى؛ كى يعكف على كتابة مؤلفه الشهير" دراسة فى طبيعة وأسباب ثروة الأمم" والذى اعتاد الإقتصاديون على تسميته بثروة الأمم، وفى ذلك المؤلف الذى تتضمن فكر أدم سميث، ومَثَل إنطلاقة الفكر الكلاسيكى، خمسة كتب: تتناول مسائل الإنتاج والتوزيع(الكتاب الأول والثانى) وبحث تاريخى لتطور الثروات فى مختلف الأمم(الكتاب الثالث) ودراسة لنظرية التجاريين والنظام الزراعى الذى قال به الطبيعيون(الكتاب الرابع) ويعالج فى (الكتاب الخامس) إشكاليات المالية العامة ،انظر لمزيد من التفصيل الكتاب القيم الذى وضعه إريك رول، فى تاريخ الفكر الإقتصادى، وكذلك مؤلف بلنشار، دروس فى الإقتصاد السياسى، ومؤلف تشارلز ريست، وتشارليز جيد، تاريخ المذاهب الإقتصادية: Eric Roll, A history of Economic Thought, Faber&Faber.London 1973.pp142-145. G.Blanchard, Cours D économique Politique, pedon &J.Allier, paris1929, p 30 Charles Gide&Charles Rist, Histoire des Doctrines Economiques, Libraries du recueil, Paris 1949, p55 وما يميز مذهب سميث فى تلك اللحظة التاريخية من تاريخ الفكر الإقتصادى انه قائم على كون إنتاجية العمل تتوقف فى الأساس على تقسيم العمل بين الأفراد، كما وأن للفرد ميلاًً وإتجاهاًً إلى العمل وإن ذلك يُعد صفة لصيقة بالطبيعة الإنسانية، ومِن هنا فإن التخصص وتقسيم العمل يعد أساساًً للتراكم الرأسمالى؛ وتمكن سميث من نقل تصوره هذا حول التخصص والتراكم على صعيد التجارة الدولية، عقب أن وجه سهام النقد الجارحة لفكر التجاريين وسياسة المعدن النفيس، إلا أن سميث لاقى العديد من الصعوبات النظرية ، والتى سوف يتولى ديفيد ريكاردو(1772- 1823) محاولة إزالتها، مدخلاًً تعديلاًً على نظريات أستاذه وبخاصة نظريته فى التجارة الخارجية والتى كانت مؤسسة على النفقات المطلقة، وجعلها مؤسسة على النفقات النسبية. (9) يتكون رأس المال، من جهة التركيب القيمى، إلى قسمين: ثابت، ومتغير. ثابت: وهو ذلك الجزء مِن وسائل الإنتاج(تحديداًًً وسائل العمل، والمواد الخام، والمواد المساعدة)) الذى ينقل جزءًً من قيمته(التبادلية) إلى الناتج، دون إستهلاكه كلياًًً فى"عملية إنتاجية واحدةً"، وتستمد صفة الثبات وجودها مِن أن ذلك القسم مِن الرأسمال ينقل جزءًً مِن قيمته التبادلية(وهو من تلك الوجه يعد رأسمالا متداولاًً) بينما يظل الجزء الآخر ثابتاًً فى وسائل العمل، وبالتالى يبقى فى حقل الإنتاج. مُمثلاًً لرأس مال أساسى، والقسم الثانى هو رأس المال المتغير: وهو لا ينقل فقط قيمته إلى الناتج، وإنما ينقل إليه كذلك قيمة زائدة. وهو ما يتمثل فى قوة العمل. كما ينقسم رأس المال كذلك، من الوجهة التكنيكية، إلى: وسائل إنتاج، وقوة عمل حية، وبهذا المعنى يتحدد تركيب رأس المال بالعلاقة بين كتلة وسائل الإنتاج المستخدمة، من جهة، وكمية العمل اللازمة لإستخدام هذه الوسائل، من جهة أخرى، أنظر: كارل ماركس، رأس المال، المجلد (1)، الجزء (1)، ص (286) والمجلد(1) الجزء(2) ص (159) والمجلد (2) ص(310) (10) البوليفار بعد التعويم صار بين سعرين للصرف أعلى : دولار لقاء4,3 بوليفار، وأدنى: دولار لقاء بوليفار 2,6 دولار، والأخير يتم إستخدمه فى المعاملات التى تكون الحكومة أحد أطرافها. ولقد قررت مؤخراًً فنزويلا كما صرح جورجى جوردانى، العودة إلى سعر الصرف الموحد كى يكون دولار واحد لكل 4,30 بوليفار، وذلك إبتداءًً من يناير 2011. (11) كتب جون برجر:"لما كانت الدعاية تتمتع بنفوذ هائل فهى بالتالى ظاهرة سياسية عظيمة الأهمية، ولكن مراجعها واسعة بقدر ما عرضها محدود لأنها لا تعترف إلا بقوة الإستهلاك؛ فتخضع لها سائر ملكات البشر وحاجاتهم. إنها تراكم الآمال وتنمطها وتبسطها، فتمسى وعداًً مكثفاًً غامضاًً وسحرياًً تعرضه تكراراًً مع كُُل عملية شراء. هكذا ينعدم أى أمل أو إنجاز أو متعة أخرى فى ظل ثقافة الرأسمالية. إن الرأسمالية باقية على قيد الحياة مِن خلال إرغامها الأكثرية الشعبية التى تستغلها على تعريف مصالحها فى أضيق نطاق مُمكن. فى السابق، كان بقاؤها على قيد الحياة مَرهون بالحرمان الشديد للأكثرية الشعبية. أما اليوم فإنه يتحقق بفرض مقياس مزور لما هو جذاب ولما ليس هو بجذاب". أنظر: جون برجر، وجهات نظر، ترجمة: فواز طرابلسى. مركز الأبحاث والدراسات الإشتراكية فى العالم العربى. دمشق 1990 (12) أنظر للمزيد من التفاصيل: بول هارست، وجراهم طومبسون، ما العولمة، تعريب: فالح عبد الجبار، الكويت 2001. وللمزيد من التفاصيل حول هيكل هذه الشركات ونشاطها، راجع: الشركات المتعددة الجنسية، الإقتصاد السياسى للإستثمار الأجنبى المباشر، تحرير: تيودور موران، تعريب: جورج خورى، دار الفارس، عمان 1994. (13) أنظر: الدكتور: مصطفى رشدى شيحة، البناء الإقتصادى للمشروع، الدار الجامعية، الإسكندرية 1980، حيث يرى سيادته إمكانية حصر تلك الإتجاهات المفسرة فى ثلاث مجموعات فكرية، إبتداءًً مِن الأفكار المتأثرة بالأيديولوجية النيوكلاسيكية، ومروراًً بالأفكار الإشتراكية، وإنتهاء بأفكار العالم الثالث. أنظر (ص490- 502) (14) الدكتور: محمود الباز، تفسير السلوك الإقتصادى للمشروع الدولى النشاط، مجلة مصر المعاصرة العددان (411- 412) الجمعية المصرية للإقتصاد السياسى والإحصاء والتشريع. القاهرة 1989. ويقوم سيادته بحصر تلك الإتجاهات المفسرة فى ثلاثة إتجاهات: فهناك أولاًً: التحليل التقليدى الذى يعتمد على المبادىء المستقرة فى مجالات التبادل الدولى، أو مجالات تحليل سلوك المشروع، وهناك، ثانياًً، التحليل فى ضوء توجيهات الظروف الموضوعية والسياسات العامة، ويأخذ هذا الإتجاه من التحليل فى إعتباره بشكل رئيسى إعتبار الإنتاج الدولى وسيلة للإفلات مِن ضغوط القيود الإقتصادية الكُُلية فى الدول الأم، من جهة، وإعتبار نشاط تلك الشركات نشاطاًً مرتهناًً بالتوجهات السياسية العامة للدولة الأم، من جهة أخرى، وهناك ثالثاًً: التحليل الإقتصادى الحديث الذى يعتمد على نظرية التنظيم الصناعى والمزايا الخاصة. انظر(ص111- ص172) (15) ويمثله أستاذنا الدكتور محمد دويدار، محاضرات الإقتصاد الدولى، مرجع سالف الذكر، ص 122 (16) الأستاذ الدكتور محمد دويدار، محاضرات الإقتصاد الدولى، سالف الذكر، هامش ص143 (17) الأستاذ الدكتور محمد دويدار، محاضرات الإقتصاد الدولى، سالف الذكر، ص 153، وفى هذا السياق يذكر أستاذنا الدكتور محمد دويدار، فى عام1995، فى سبيل التعرف على القوة الإقتصادية للشركات دولية النشاط، فإن رقم أعمال (20) شركة دولية النشاط يتجاوز الناتج الصافى الذى تنتجه ثمانون من دول العالم فى عام واحد. وإن أرباح شركة "شل" النفطية تفوق ميزانية عدد من الدول، كالفلبين، وبيرو، على سبيل المثال. أنظر: ص 147. (18) يقول ماركس:" لما كانت التجارة الخارجية تفضى إلى رخص عناصر رأس المال الثابت، فى جانب، ورخص وسائل المعيشة الضرورية التى يتحول إليها رأس المال المتغير، من جانب آخر، فانها تساعد على رفع معدل الربح من خلال رفعها لمعدل القيمة الزائدة وخفضها لقيمة رأس المال الثابت... إن رؤوس الاموال الموظفة فى التجارة الخارجية، يمكن أن تدر معدل ربح أعلى لأنها تتنافس، فى المقام الأول، مع بضائع تنتجها بلدان أخرى فى ظروف إنتاج أقل ملائمة، بحيث أن بلداًً أكثر تطوراًً يبيع بضائعه بما يفوق قيمتها، على الرغم من أنه يبيعها بسعر أرخص من سعر البلدان المنافسة. ويرتفع معدل الربح لأن عمل بلد أكثر تطوراًً يقدر كعمل ذى وزن نوعى أعلى ولأن هذا العمل الذى لا يدفع ثمنه بوصفه عملاًً ذا نوعية أعلى يباع بوصفه كذلك. ويمكن أن ينشأ وضع مماثل بالنسبة للبلد الذى ترسل إليه البضائع وكذلك بالنسبة للبلد الذى ترد منه البضائع؛ فمثل هذا البلد يعطى عملاًً متشيئاََ أكثر مما يأخذ، ويتلقى مع ذلك البضائع المقصودة وهى أرخص له مما لو كان ينتجها بنفسه......" رأس المال، المجلد (3) الجزء(1) ص(340-341) (19) سنتعرض لتلك الصيغة، بشىء من التفصيل، فى المطلب الرابع. (20) جميع الجداول الواردة بشأن التقرير، مصممة على أساس من البيانات التى وردت بتقرير الأونكتاد2007. UNCTAD, World Investment Report 2007 (21) هناك مُعالجات جيدة قام بها كُُلُ مِن: سمير أمين، وبوى دينيه تانه، وكارلوس تابلادا،ووانج هوى، وأوزفالدو مارتينيز، و فرانسوا أوتار، ولين تشون، وويم تيجون، الإشتراكية وإقتصاد السوق، صادرة عن: مركز البحوث العربية، و منتدى العالم الثالث، والمنتدى العالمى للبدائل، ومجلة بدائل الجنوب، مكتبة مدبولى. القاهرة2003. ففى مقالته" النظرية والتطبيق فى مشروع إشتراكية السوق الصينى، يطرح سمير أمين سؤاله: هل إشتراكية السوق بديل عن نظام العولمة الليبرالى؟ كى يصل إلى أن إصلاح النظام الإقتصادى والإجتماعى الصينى، بالرغم من مراحله المتقدمة، لم يكتمل بعد، مما يترك المجال مفتوحاًً للإنتقاء بين خيار رأسمالى بدون قيود، وخيار إشتراكية سوق، يُُُفهم على أنه مرحلة فى المسيرة الإنتقالية الطويلة نحو الشيوعية، ولكى ينتهى إلى أن الخيار المطروح أمام البشرية جمعاء هو الإشتراكية أو الهمجية، وإن الرأسمالية لم يعد بإمكانها طرح آفاق مقبولة إنسانياًً لأنها إستنفذت دورها التاريخى التقدمى، وأن مستوى تنمية القوى الإنتاجية من شأنه أن يسمح بالشيوعية على الصعيد العالمى" (22) أرسطو ) 384 ق.م- 322 ق.م (ولد فى ستاجرا. وهى مستعمرة يونانية وميناء على الساحلhttp://www.marefa.org/index.php/%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A7. و كان أبوه طبيب بلاط الملك امينتاس المقدونى، ومن هنا جاء ارتباط أرسطو الشديد ببلاط مقدونيا الذى أثر إلى حد كبير فى حياته ومصيره. دخل أكاديمية أفلاطون للدراسة فيها وبقى فيها عشرين عاماًً. ولم يتركها الا بعد وفاة أفلاطون. كان من أعظم فلاسفة عصره، وبعد أن درس أرسطو مع طلابه عدداًً من الدساتير اليونانية، قسم هذا الدساتير ثلاثة أنواع مختلفة: ملكية، وأرستقراطية، وتمقراطية، أي حكم أصحاب السلطان، وأصحاب المولد الشريف، والنبهاء. وكل نوع من هذه الأنواع قد يكون صالحاً حسب زمانه ومكانه وظروفه. وكُُل حكم حسن إذا كانت السلطة الحاكمة تعمل لمصلحة الناس جميعاًًً لا لمصلحتها الخاصة، فإذا لم تفعل هذا فكُُل حكم سىء. ومن ثم كان لكل نوع من أنواع الحكم الصالح شبيه فاسد حين يكون حكماًًً لمصلحة الحاكمين لا لمصلحة المحكومين؛ ولقد حاول أرسطو أن يقيم الإنسجام بين الطبيعة وبين القانون، وعنده أن الطبيعة تخضع لنظام عقلى، ومن ثم يوجد قانون طبيعى مشترك بين الجميع، لأنه مؤسس على العقل الموجود لدى كُُل واحد من البشر، وتوجد كذلك عدالة طبيعية وهى سيدة الفضائل، وهى التى ينبغى أن تحقق عن طريق القانون بعض المساواة، وتعد فكرة المساواة تلك من الأفكار الرئيسية التى يحتوى عليها الفقه القانونى لأرسطو، إلا ان فكرة المساواة لديه ليست فكرة مطلقة؛ فلا يمكن أن تسود المساواة فى داخل المدينة، فهذا مخالف للطبيعة التى تتطلب تقسيم سكان المدينة إلى طبقات عديدة، ويوجد فى قمة السلم الهرمى الأغنياء وهم الذين لديهم الوقت للإشتغال بالمسائل العامة، والقانون الطبيعى على هذا النحو يُُسلم بوجود الملكية الخاصة، وينبغى على العكس، إستبعاد العمال اليدويين من الإشتغال بالمسائل العامة، إذ ليس لديهم الوقت الكافى لذلك، ويُعتبر أرسطو الرق مطابقاًً للطبيعة، فما دامت الألة لا تعمل بمفردها وطالما أن المكوك لا يتحرك وحده لنسج القماش، فإنه ينبغى وجود الأرقاء للقيام بهذا الدور، راجع: الأستاذ الدكتور/عبد المجيد الحفناوى، تاريخ النظم القانونية والإجتماعية، منشأة المعارف. الإسكندرية، بدون تاريخ نشر محدد، ص 220 وما بعدها. ولم يميز أرسطو فقط ما بين قيمة الإستعمال وبين قيمة المبادلة، بل حاول أيضا أن يستنتج العلاقة فيما بينهما، وفى كتاب السياسة(والجمهورية أيضا) الذى وضع أرسطو فيه معظم أراءه الإقتصادية، واضح مقدار الإهتمام بمسألة العدل فى تحديد الأثمان والقيمة، والعلاقة المتبادلة فيما بينهما. كما يرفض أرسطو القرض بفائدة لأن النقود لا تنتج شيئا، فلا يمكن إقتضاء ثمار للنقود، كما يحترم أرسطو حقل الإنتاج، ويقلل من شأن حقل التبادل، فهو يقول فى الجمهورية:" يوجد نوعان من فن تكوين الثروة: أحدهما يتعلق بالتجارة، والآخر بالإقتصاد؛ وهذا الأخير ضرورى وجدير بالمديح، أما الأول فيقوم على التبادل ولذلك يندد به عن حق وصواب (لأنه لا يقوم على طبيعة الأشياء، بل على الغش المتبادل) وهكذا يكره الجميع الربا بحق، لأن النقد بالذات يعتبر هنا مصدر الكسب ويستخدم ليس من أجل الغاية التى تم إختراعه من أجلها. فهو قد نشأ من أجل التبادل البضاعى، بينما تصنع الفائدة المئوية من النقد نقداًً جديداًً. ومن هنا تسميتها بالمولود، لأن المولود شبيه بالوالد. إلا أن الفائدة المئوية هى نقد من نقد، ولذا فإن فرع الكسب هذا أشد مناقضة للطبيعة من بين سائر فروع الكسب". مشار إليه لدى كارل ماركس، رأس المال، المجلد(1) الجزء(1) ص(239). وبوصف أرسطو واضع علم المنطق فقد وضع ثلاثة قوانين فى هذا الشأن: أولا: قانون الهوية أو (الذاتية) ينص هذا القانون على أن"الشىء هو نفسه"وهو يعبر عن أبسط الأحكام لأن أبسط الأحكام هو الحكم بأن الشئ هو نفسه مثل أن نقول(الإنسان هو الإنسان)و (المرأة هى المرأة), ورمز هذا القانون (أ هو أ). ويرى أرسطو أن هذا القانون هو أساس التفكير المنطقى لأنه يشير إلى ضرورة التقيد بذاتية مدلول اللفظ الذى نستخدمه فلا نخلط بين الشئ وما عداه، ولا نضيف للشئ ما ليس فيه، وعلى ذلك فهو يؤكد وجود علاقة مساواة بين طرفين متطابقين، مما من شأنه أن يضبط التفكير، ومخالفة هذا القانون يوقعنا فى التناقض، ويؤدى إلى فساد الاستدلال. كما يرى أرسطو أن هذا القانون يجب أن يعمل ليس فى عملية الاستدلال أو البرهان فقط ،لكن فى حياتنا اليومية فلكى نفهم بعضنا بعضاً يجب أن نتحدث بلغة واحدة لا يحتمل أى لفظ من ألفاظها أكثر من معنى. ثانياًً: قانون عدم التناقض: نقيض الشئ هو نفيه ،فنقيض الحكم بأن هذا الشئ " قلم " هو الشئ نفسه" ليس قلماً"، والكلام المتناقض هو الذى ينفى بعضه بعضاًًً, وفى ذلك مخالفة لقانون الهوية لأن إذا كان الشئ هو نفسه بمقتضى قانون الهوية، فلا يجوز، حينئذ، أن نصف الشئ نفسه بصفة أو بنقيض هذه الصفة فى الآن نفسه، وإلا نكون قد وقعنا فى تناقض واضح، ورمز هذا القانون هو (الشئ لا يمكن أن يكون "أ" ولا "أ" فى آن واحد. ثالثاًً : قانون الوسط المرفوع أو الثالث الممتنع إذا كان"الشىء هو نفسه"طبقاًًً لقانون الهوية، وإذا كان لايجوز منطقياً وطبقاً لقانون عدم التناقض أن نصف شيئاًًً واحداً بأنه هو نفسه وليس نفسه, لاستحالة ذلك منطقياًًً حيث لا وسط بين النقيضين، ويترتب على ذلك قانون ثالث هو قانون الوسط المرفوع أو الثالث الممتنع أو المستبعد، ورمز هذا القانون هو (إما أن يكون الشئ "أ" أو لا "أ") . أنظر: كتاب السياسة، نقله عن الأصل اليونانى، وعلق عليه الأب أوغسطين البولسى، اللجنة الدولية لترجمة الروائع الإنسانية، بيروت 1957، وكذلك يمكن الرجوع إلى: الدكتورفاروق عبد المعطى، أرسطو- أستاذ فلاسفة اليونان، دار الكتب العلمية، بيروت1992، أيضا: الدكتور مصطفى النشار، نظرية المعرفة عند أرسطو، دار قباء، القاهرة 2001. (23) هو القديس توما الأكوينى (1225 - 1274) قسيس كاثوليكى إيطالى وفيلسوف. والأكوينى نسبته إلى محل إقامته فى أكوين. كان أحد الشخصيات المؤثرة فى مذهب اللاهوت الطبيعى، له تأثير واسع على الفلسفة الغربية، وكثيرٌ من أفكار الفلسفة الغربية الحديثة إما ثورة ضد أفكاره أو اتفاق معها، خصوصاًًً فى مسائل الأخلاق والقانون الطبيعى ونظرية السياسة. يعتبره العديد من المسيحيين فيلسوف الكنيسة الأعظم لذلك تُسمى باسمه العديد من المؤسسات التعليمية. (24) وليم بيتى (1623-1687) اقتصادى إنجليزى وأحد مؤسسى علم الاقتصاد الكلاسيكى, أول من أشار إلى الريع الفرقى، ويمكن القول بأن وليم بيتى كان باحثاًًً إقتصادياًًً أصيلاًًً وبين فى دراساته خضوع ثمن السلعة الحقيقى للعمل المبذول فى إنتاجها. ولوليم بتى عبارة شهيرة تقول:" ان العمل هو الأب والأساس الفاعل للثروة، بينما الأرض هى الأم". يمكن الرجوع إلى العمل الأصيل والخلاق لأستاذنا الدكتور محمد دويدار،الذى يقوم من خلاله بتقديم وليم بتى، كأحد الرواد الإنجليز للمدرسة التقليدية، مبادىء الإقتصاد السياسى، مرجع سابق، ص 142- 147. (25) تمكن ريتشارد كانتيون (1680 – 1734) أيرلندى، ومُنظِِّر إقتصادى، أول مَن إستخدم مصطلح Entrepreneur المنظم وانتقل إلى الإنجليزية بنفس النطق الفرنسى. ومن المعتقد أن أول مَن نحت المصطلح هو الإقتصادى الفرنسى جان باتست ساى"عام 1800، وهو القائل بأن المنظم هو الذى يقوم بمشروع، وخاصة المقاول أو المتعهد، الذى يقوم بدور الوسيط بين رأس المال والعمل، ويمكن القول بأن ما يميز مساهمة كانتيون، هو تصوراته على صعيد النقود؛ حيث قام بوضع أول أصول منهج الدخل فى النظرية النقدية، فقام بتحليل العلاقاة السببية التى تربط التغيرات فى رصيد النقود بسلسلة التغيرات فى الإنفاق الكلى والدخل والتوظف والأسعار. وبدأ تحليله ببيان التدفق الدائرى للدخل فى مجتمع يعتمد على النشاط الزراعى، فالمزارعون يدفعون إيجارات الأرض للملاك وهؤلاء يقومون بدورهم بالإنفاق على العمل وعلى حيوانات المزرعة والسلع المصنوعة؛ وما يتبقى للملاك يمثل رصيدا متبقياًً أو دخلاًً صافياًً لهم. تلك الأفكار سيتلقفها كينيه، ويتولى شرحها بمزيد من العمق فى كتابه " الجدول الإقتصادى" . (26) راجع الهامش رقم (1) فى: هوامش الفصل التمهيدى. (27) ولد ديفيد ريكاردو فى عام 1772 فى أسرة يهودية من هولندا، جاءت إلى إنجلترا واستقرت بها، وبعد مرحلة من عمره تحول عن اليهودية. أصبح ديفيد ريكاردو سمسارا للأوراق المالية، واستطاع أن يجمع ثروة كبيرة فى وقت ىقصير أهلته من أن يصير مالكا للأراضى، كما ساعدته ثروته على عضوية مجلس اللوردات، وأن يتفرغ للإنتاج الفكرى والمعرفى فى وقت مبكر. وفى عام 1817 يقوم ديفيد ريكاردو بنشر أهم مؤلفاته "مبادىءالإقتصاد السياسى والضرائب" وفى هذا المؤلف الهام يعتبر ديفيد ريكاردو أن الإشكالية الأساسية فى الإقتصاد إنما تتعلق بمسألة تحديد القوانين التى تنظم عملية التوزيع، أنظر فى ذلك : Robert Lekachman, Histoire des Doctrines Economique, Payout. Paris 1960.p153 Robert Heilbroner, The worldly Philosophers, Simon&Schuster, New York, 1961 ولكتاب هيلبرونر، ترجمة عربية قام بها الدكتور/راشد البراوى، تحت عنوان" قادة الفكر الإقتصادى" صدرت فى عام 1963 عن مكتبة النهضة المصرية. القاهرة. ولعل من أشهر النظريات التى قال بها ديفيد ريكاردو هى نظريته فى الريع، انظر فى شرح موجز لها: الدكتور/احمد أبو إسماعيل، الاقتصاد، دار النهضة العربية. القاهرة. 1979 ص 552-572، إلا إن إريك رول، يُُرجع فضله الأول والحقيقى إلى نظريته فى القيمة والتوزيع: أنظر: E.Roll,op.cit.p147، وفى جميع الأحوال فالأمر الذى لا شك فيه ان ديفيد ريكاردو قد ساهم مساهمة جادة وفاعلة فى سبيل إزالة التناقضات التى خلفها آدم سميث، فأولا: حاول ديفيد ريكاردو ان يرفع الغموض الذى اعترى مفهوم الريع، وإيضاح الفارق بينه وبين الربح وبينه وبين الفائدة، كما حاول من ناحية أخرى، ان يعيد صياغة نظرية آدم سميث فى القيمة وذلك من خلال منهج استنباطى، خلافا لمنهج سميث الذى يشبه،كما يقول أستاذى، منهج اسحق نيوتن وهو التوصل إلى حقائق بسيطة عن طريق التعميم الذى يؤدى إلى الفكرة المركبة، فى اختلاف المنهج أنظر: أستاذى الجليل الدكتور محمد دويدار، مبادىء الإقتصاد السياسى، دار المعرفة الجامعية. الإسكندرية 1988، ص 141. (28) كارل ماركس(1818 - 1883) دفن فى مقبرة هاى جيت بلندن. نعاه إنجلز بقوله :" لقد كانت رسالته فى الحياة أن يُُسهم بطريقة أو بأخرى فى قلب المجتمع الرأسمالى....وأن يُُسهم فى تحرير بروليتاريا العصر الحديث الذى كان أول مَن جعلها تعى مركزها وحاجاتها وتدرك الظروف التى يُمكن فى ظلها أن تحصل على حريتها. كان القتال ميدانه. وقد قاتل بعنف وإصرار ونجاح لا يباريه فيها كلها إلا قليل. . . ومن ثم فقد كان أكثر رجل تعرض للعداء فى عصره، ثم مات محبوباًً محترماًً مبكياًً عليه من ملايين العمال الثوريين من زملائه من مناجم سيبريا إلى سواحل كاليفورنيا، وفى كل مكان فى أوروبا وأمريكا. . . إن اسمه وعمله سيخلدان على مر العصور" أنظر: ايسيا برلين، كارل ماركس، تعريب: عبد الكريم أحمد، المؤسسة المصرية العامة. القاهرة 1963(ص215) وقال عنه شومبيتر فى عبارات معبرة:"حقاًً يختفى معظم ما يخلقه العقل أو الخيال بعد أزمنة مختلفة من عمليات الخلق تلك، قد تقصر أو تطول،لكن بعض هذه الآثار لا يختفى أبداًً... فقد تعانى الإحتجاب، ولكنها تعود للظهور تارة أخرى ... وهى روائع عظيمة... وما من ريب أن ذلك ينطبق على رسالة ماركس... " أنظر: J.A.Schmpeter, Capitalism, Socialism, and Democracy.Unin University book, London, 1966 إن ماركس لم ينشىء، بل كشف، لقد كشف ماركس، على الصعيد النظرى، عن أفكار كبرى تُُعبر عن واقع سير هذا العالم وتنظر لقوانين حركته. كشف عن أفكار تبناها، بالكشف كذلك مفكرون سالفون وغابرون، ولكن كان ماركس فى كشفه أشبه بالصانع الماهر الذى يبرع فى تنقية الجوهر النفيس مما يعتريه، ينتزع الجوهر دون أن يستهلك من أجزاءه ما يقلل من قيمته، بل يستخرجه إستخراجاًً جلياًً نقياًً، ولايبخل، كذلك، فى تشكيله على وجه راق براق. تلك أبجديات فهم ماركس والتعامل مع جسمه النظرى، هذا النظر فى مجمله، فى تقديرى، ربما يوفر على إنجلز مشقة الدفاع عن رفيقه تجاه مزاعم يوهان رودبرتوس وناشر مؤلفه كوزاك، الذين زعما أن ماركس قد إستخدم نفس أفكار رودبرتوس. ليس هذا تسليماًً بزعم الزاعمين بقدر ما هو الإنتصار لماركس، فالبرغم من كون تحليلات ماركس قد قطعت شوطاًً أبعد بكثير، إلا أنها وفى التحليل النهائى تأتى على نحو متفق، فى مجموعها، فى مجموعة من الأفكار الفطرية الكبرى المعبرة والكاشفة عن السير الحقيقى لهذا العالم. ولقد كان لدى ماركس الوعى الكامل بذاك البصر، وكذا إنجلز؛ فحينما شرع صانعا البيان فى إعداده كان واضحاًً لديهما انهما يقومان بكشف لا إنشاء. جاء فى البيان الشيوعى:"....هناك حقائق أزلية مثل الحرية والعدالة وغيرهما تشترك فى إمتلاكهما كل الأنظمة الإجتماعية...إن تاريخ المجتمعات حتى أيامنا هذا يتكون من صراعات تأخذ أشكالا مختلفة طبقا لعصورها. ولكن الشكل العام الذى تأخذه هذه الصراعات هو إستغلال جزء من المجتمع لجزء أخر،وهى واقعة مشاعة تشترك فيها كل القرون السابقة (لاحظ هنا قوة التجريد)ومن ثم لن ندهش إذا كان الوعى الإجتماعى لكل القرون، برغم تنوعه وإختلافه، يتحرك داخل أنماط معينة شائعة، أنماط لا تنحل إلا مع إختفاء الصراع بين الطبقات". بيان الحزب الشيوعى، طبعة موسكو 1968، فهل تختفى تلك الطبقية؟ وهل ذلك من الممكن إنجازه؟ تلك مسائل أخرى لن تكون خلافية إلا فى مرحلة تالية، وغير مهمة، على الإتفاق على ما أورده صاحبا البيان فى نصهما. إن إنجلز نفسه وحين يهم بالدفاع عن رفيقه، يقدم دفاعاًً يؤكد منحانا فى الفهم، ولا ينفى مزاعم الزاعمين رودبرتوس وكوزاك؛ فهو يركن إلى أن تاريخ عِلم الكيمياء يُعين فى إستيعاب علاقة ماركس بالمفكرين السابقين عليه، إذ أنه فى أواخر القرن الثامن عشر، كانت نظرية الفلوجستين هى المتربعة من جهة إفتراض مادة ما تقبل الإشتعال بإطلاق حتى كان عام 1774 وفيه وصف بريستلى الهواء الخالى من الفلوجستين، ومن بعده شييله الذى سيطلق عليه الهواء النارى، ولم يكن بريستلى ولا شييله يدركان ماذا وصفا تحديداًً، حتى يأتى لافوزييه كى يكشف عن ذلك العنصر الذى كان غير مثمر فى يد بريستلى وشييله وليسميه أوكسجيناًً. هكذا يدافع إنجلز، وليقول:" إن علاقة ماركس بالمفكرين السابقين عليه من جهة نظرية القيمة الزائدة، هى كعلاقة لافوزييه ببريستلى وشييله". السؤال هنا وهو مهم جداًً: ما الذى كان فعلاًً بيد كل مِن بريستلى وشييله ولافوزييه؟ فى نفس اللحظة التى هيمن فيها الكمى غير الواعى على الكيفى تم إختزال فكر ماركس إلى مادة ووعى ووجود وماهية وصراعات طبقية وتحالفات ثورية....وصارت تلك المفردات مع الوقت، مفردات ذات فهم إنطباعى، تردد فى إيقاعات ذهولية. مفردات لا يمكن أن تخلف سوى الفصام والبلاهة مع قليل التعاطى؛ إذ أن كثيرها مهلك. مفردات(تنتمى إلى عالم الكم الجاهل بعالم الكيف)سدت الطريق أمام النتائج المبهرة لإعتبار ماركس نفسه إمتداداًًً(وفكرياًً طبيعياًً)لأكابر الناظرين فى الرأسمالية وفحول منظريها: أدم سميث وديفيد ريكاردو، وسيظل التساؤل، دوماًً، عما إذا كان كارل تلميذاًًً ريكاردياًًً فاشلاًًً، محل إعتبار طالما أمنا بوحدة المعرفة الإنسانية دونما تقطيع لأوصالها أو مسخ لمعالمها؛ إن العبارة التى تقول"إن المعالم الرئيسية لعالم الإقتصاد اليــوم لم ترسمها رؤية شاملة لعقل منظم، ثم نفذها عن عمـد مجتمع ذكى، بل نفذها جمع من الأفراد كان محركهم الأول قوي غريزية وغير واعية لا تدرك الهدف الذي تتجه إليه "تلك العبارة لم يوردها ماركس وإنجلز فى البيان الشيوعى، إن الذى كتب تلك العبارة هو أدم سميث أستاذ الفلسفة الأخلاقية فى كتابة دراسة فى طبيعة وأسباب ثروة الأمم، أما ماركس فقد كتب، بل بلور كعادته فى رأس المال )ما خطه أدم سميث على إستحياء ربما، وربما بإرتباك) فى الحالتين يسلط ماركس وكعادته كذلك الضوء الساطع على الأماكن المعتمة والأفكار الضبابية حين يكتب"إن إكتشاف الذهب والفضة فى أمريكا، وإقتلاع سكانها الأصليين من مواطنهم وإستعبادهم ودفنهم أحياء فى المناجم وبدايات عزو ونهب الهند الشرقية، وتحويل إفريقيا إلى ساحة محمية لصيد ذوى البشرة السوداء إن ذلك كله يميز فجر عهد الإنتاج الرأسمالى، إن هذه العمليات الرغيدة هي العناصر الرئيسية للتراكم الأولى". إن الكمى غير الواعى، بمعزل عن الكيف، المنهج، هو المسئول الأول والوحيد عن كل قطيعة معرفية فى تاريخ البشر، وهو المتهم الأول والوحيد كذلك فى ذلك الصدع فى وحدة المعرفة الإنسانية، وإنه هو أيضاً الشاهد الأول والوحيد على الأفكار كافة التى تتشرب بها كراسات التعميم فى الاصوليات والفرق والمذاهب كافة، إنها الأفكار التى استهواها الكم؛ فصار طبيعياًًً فقدها الرؤية بتوارى الطريق عنها بعدما تعاشت عنه. (29)جون شارل سيسموندى (1773 - 1842) ولد فى جنيف بسويسرا. وهو كاتب ومؤرخ اقتصادى.وهو مؤرخ معروف بكتاباتهِ فى التاريخ الفرنسى والإيطالى. ولقد هاجم سيسموندى آراء وأفكار المذهب الحر الطبيعى فى كثير من الأراء التى كان يروج لها أنصاره، ودعى إلى الإهتمام بتحسين حالة العمال وتأمين السلامة الصناعية وضمان حالات البطالة والمرض والعجز. وقد مهدت آراءهُ لفكرة الضمان الاجتماعى. وكان لكتبهِ وخصوصاًًً كتاب (المباديء الجديدة للاقتصاد السياسى) الأثر الفعال لتمهيد الطريق للنظرية التاريخية الألمانية، ومن أهم مؤلفاته: المباديء الجديدة للاقتصاد السياسى. وتاريخ إيطاليا فى العصور الوسطى، وهو من أعظم أعمالهِ التاريخية، ظهر الجزء الأول منهُ عام 1807 وأتم الجزء السادس والأخير عام 1818. (30) هو ذلك الطبيب الذى جعل من الإقتصاد السياسى عِلماًً، أنظر: الدكتور/ محمد دويدار، مبادىء الإقتصاد السياسى، مرجع سابق (ص123) تمكن فرانسوا كينيه من الحصول على إجازة الطب فى سن الخامسة والعشرين، ولنبوغه صار طبيب القصر لمدام بمبادور، ثم للويس الخامس عشر، وبفضل هذا النبوغ والتفوق الفكرى أستطاع أن يجتذب البارزين من رجال القصر إلى داره؛ حيث عقدت الندوات التى اتخذ منها وسيلة لنشر أفكاره فى الشئون الإقتصادية، ومن الذين اشتركوا فى ندواته: ميرابو، وروبرت تيرجو، الذى أصبح لفترة وجيزة وزير مالية لويس السادس عسر، وكذلك كان من الذين اشتركوا فى ندواته: بير دى نامور، صاحب التسمية بالطبيعيين، انظر: جورج صول، المذاهب الإقتصادية الكبرى، ترجمة الدكتور/ راشد البراوى، مكتبة النهضة المصرية. 1965 (ص54) وفى كتابه الشهير" الجدول الإقتصادى" الذى نشره فى عام 1758، وضع فرانسوا كينيه التصور العام لفكر الفيزيوقراط(الطبيعين) وبوجه خاص وضع فرانسوا كينيه أولى التصورات المنهجية فى تاريخ الفكر الإقتصادى حول نظرية تجدد الإنتاج، والذى قام بتأصيلها من بعد فى مؤلفه " القانون الطبيعى" الذى نشره فى عام 1765، والذى كان واضحا مدى تأثره بكتاب مونتسكيو فى " روح القوانين" وريتشارد كانتيون فى بحثه عن "طبيعة التجارة" انظر: G.Blanchard, Cour D economie Politique, op, cit, p37 وعن الجدول الإقتصادى فقد قال فيه ماركس:" انه يمثل أول إدراك فكرى لحقيقة طريقة الإنتاج الرأسمالية" . كارل ماركس، رأس المال، المجلد(2) ص(343) ولئن كان اريك رول، يرى:"ان ماركس لم يطلع إلا على القليل من فكر الطبيعيين،كما انه لم يرجع مباشرة إلى مؤلف فرانسوا كينيه،بل إستخدم مرجعا قليل الأهمية هو مؤلف بلانكى الصادر فى عام 1875 المعنون بـ"تاريخ الإقتصاد السياسى فى أوروبا،"انظر: E.Roll, op,cit,p131, ، وقال عنه ميرابو :"ان الجدول الإقتصادى يشكل، بعد ابتكار الكتابة، ووحدات النقد، ثالث الإبتكارات الرئيسية التى حققها العقل البشرى".والأمر الجدير بالذكر ان مذهب الطبيعيين قد أصبح فى فرنسا آنذاك بمثابة عقيدة دينية وتأثرت الجمعية التأسيسية به تأثرت شديداًً حين وضعها للدستور الفرنسى عام 1789، راجع لمزيد من التفاصيل فى هذا الشأن: لابروس، بولوازو، موسنييه، تاريخ الحضارات العام، الفصل الثالث من المجلد الخامس، منشورات عويدات. لبنان 1968. ولإستيعاب الجدول الإقتصادى بوجه عام وفكر الفيزيوقراط بوجه خاص فإنه ويتعين أن يتسلح الباحث بثلاث حزم فكرية تمثل فى الوعى بالتقسيم الطبقى الذى اعتمده كينيه فى جدوله، كما تتمثل فى الفروض التى ينهض عليها الجدول، وتتمثل أخيراًً فى الوعى بمجموعة مِن الأدوات المنهجية والضبط الإصطلاحى؛ فهناك، أولاًً، مصطلح: Avances Annulles وقد عربه أستاذنا الدكتور/محمد دويدار، إلى إصطلاح التسبيقات السنوية، وهو الذى يُمثل ذلك الجزء من رأس المال الذى يُخصص للحصول على المواد الأولية التى يجرى تحويلها فى أثناء عملية الإنتاج، وهناك ثانياًً: Avances Primatives وعربه كذلك أستاذنا الدكتور/ محمد دويدار، إلى إصطلاح التسبيقات الأولية، وهى التى تمثل ذلك الجزء من رأس المال الذى يتمثل فى أدوات الإنتاج المعمرة التى تستخدم فى أكثر من عملية إنتاجية كالمبانى والألات، وهناك أخيرا: التسبيقات العقارية والتى تتمثل فى ذلك الجزء من رأس المال الموجه لإستصلاح الأرض وتحسينها وشق الترع والمصارف. وعن التقسيم الطبقى الذى اعتمده كينيه فى جدوله؛ فالمجتمع لديه ينقسم إلى: الطبقة المنتجة: وحيث أن كينيه يرى ان الزراعة هى النشاط الإنتاجى الوحيد والعمل الزراعى هو العمل المنتج الوحيد؛ فإن الطبقة المنتجة هى تلك الطبقة المنشغلة اساساًً بالإنتاج الزراعى، وهناك الطبقة العقيم: وهى التى تعمل فى أى مجال أو نشاط آخر غير الزراعة والإنتاج الزراعى، ثم تأتى أخيراًً طبقة الملاك: وهى الطبقة الإجتماعية التى تملك الأرض ولا تسهم فى عملية الإنتاج، وتؤهلها تلك الملكية من التمكن من الريع الذى تدفعه لها الطبقة المنتجة. وعن الفروض التى يقوم عليها الجسم النظرى للجدول الإقتصادى، فيمكن إجمالها فى: أولاًً: العمل الزراعى هو العمل الوحيد المنتج، ثانياًً: لا يأخذ الجدول الإقتصادى فى إعتباره سوى المبادلات التى تتم بين الوحدات الثلاث فقط. ثالثاًً: إفترض الجدول ان النظام الإقتصادى يعمل فى ظل المنافسة الحرة، رابعاًً: يفترض الجدول الاقتصادى أداء الإقتصاد القومى بمعزل عن التجارة الخارجية. وتكمن الفكرة الرئيسية فى الجدول فى إتجاه التحليل نحو دائرة الإنتاج لا دائرة التداول، وهو الأمر الذى يستكمله ماركس فيما بعد محللاًً دائرة الإنتاج وتجدد الإنتاج فى النظام الإقتصادى الرأسمالى، وقام بالبحث وهو لديه الوعى بالفارق بين شروط تجدد الإنتاج وبين مقومات هذا التجدد، بين بيع المنتج وبين تفاعل مركباته العضوية. بين مجال التداول وبين مجال الإنتاج. بين درس العلاقات بين العناصر المكونة للسلعة، وبين درس العلاقات فى ذاتها مجردة. انظر: J.Hichs, Value and Capital, Oxford university press. London1976.p117 وللمزيد من التفاصيل حول الجدول الإقتصادى بوجه خاص وفكر الطبيعيين بوجه عام أرجع إلى: أستاذنا الجليل الدكتور محمد دويدار، مبادىء الإقتصاد السياسى، مرجع سابق (ص124-127). (31) Raymonde Barre, Economic Politique. Vol II, presses universitaires, De France, Paris, 1964, “………. les capitalistes acquierent la force travail des travailleurs en leur payant un salaire egal un minimum ainsi define: ils paient donc les travailleurs a la valeur exacte de leur travail (soit 6 heures) Mais ils sont en situation d utiliser les travail- leur pendant un temps plus long (10 heures) que celui correspondant a lentretien du travailleur. Comme les produits obtenus ont une valeux d echange determinee par le travail que y est incorpore It y a une difference entre la valeur de la force de travail(6 heures) et la valeur des produits obtenus par l usage de cette force de travail (10 heures) cett difference(4 heures) constitue la plus- value……..” (32) خليفة جابر بن حيان، أهم أعماله عمقاًً ونفاذاًً للبصيرة، تأتى على شكل أفكار حول النسبية والعلاقات بين الأشياء والزمان والمكان، كما أنه يستخدم نفس النسخة العربية لكلمة "النسبية" والتى بعد مرور ألف عام فيما بعد سوف تشتهر على يد عالم الرياضيات ألبرت اينشتين، إنه أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندى(805 - 873) أُُختلف فى حساب خمس سنوات من عمره وإسمه الكامل هو يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندى، أبو يوسف. وهو من قبيلة كندة التي موطنها جنوب غرب إقليم نجد. ولد بالكوفة، وكان والده أميراًًً عليها ويُُقال عن يعقوب الكندى أنه أتم حفظ القرآن والكثير من الأحاديث النبوية الشريفة وهو فى الخامسة عشر من عمره عندما كان يعيش فى الكوفة مع أسرته الغنية بعد وفاة والده والي الكوفة الذى ترك له ولإخوته الكثير من الأموال. أراد يعقوب أن يتعلم المزيد من العلوم التى كانت موجودة فى عصره فقرر السفر بصحبة والدته إلي البصرة ليتعلم عِلم الكلام وكان هذا العِلم عند العرب يضاهى علم الفلسفة عند اليونان. أمضى الكندي ثلاث سنوات فى البصرة يدرس بها، عرف من خلال دراسته كُُل ما يجب أن يعرف عن علم الكلام، ثم أتم تحصيل العلم على يد أشهر العلماء فى بغداد حيث انتقل مع أمه بعد ذلك الى بيت فى بغداد، التى كانت بحراًًً من العلوم المتنوعة المختلفة فى العصر العباسى، ليزيد من ثقافته وعلمه(من المؤلفات الهامة، والرائعة عن عصر النبوغ الفكرى الإسلامى، راجع: مايكل هاملتون مورجان، تاريخ ضائع، التراث الخالد لعلماء الإسلام ومفكريه وفنانيه، تعريب: أميرة نبيه بدوى،دار نهضة مصر. القاهرة2008) فبدأ بالذهاب إلي مكتبة بيت الحكمة التي أنشأها هارون الرشيد وإزدهرت فى عهد إبنه المأمون وصار يمضى أياماًً كاملة فيها وهو يقرأ الكتب المترجمة عن اليونانية والفارسية والهندية لكن فضوله للمعرفة لم يتوقف عند حد قراءة الكتب المترجمة فقط، بل كان يتمنى أن يتمكن من قراءة الكتب التى لم تترجم بلغاتها الأصلية، لذلك بدأ بدراسة اللغتين السريانية واليونانية وتمكن من إتقان هاتين اللغتين بعد سنتين، وبدأ بتحقيق حلمه، فكوّن فريقاًًً خاصاًًً به وصار صاحب مدرسة فى الترجمة تعتمد على الأسلوب الجميل الذى لا يُغير الفكرة المترجمة، لكنه يجعلها سهلة الفهم وخالية من الركاكة والضعف. وأنشأ فى بيته مكتبة تضاهى فى ضخامتها مكتبة الحكمة فصار الناس يقصدون بيته للتعلم ومكتبته للمطالعة وصارت شهرته فى البلاد عندما كان عمره خمسة وعشرون سنة فقط. دعاه الخليفة المأمون ليلتقي به، فأعجب به وسرعان ما أصبحا صديقين. فيما بعد وضع الكندى منهجاًً جديداًً للعلوم وفََق فيه بين العلوم الدينية والعلوم الدنيوية. وكانت له معرفة واسعة بالعلوم والفلسفة اليونانية. عاصر ثلاثة من الخلفاء العباسيين وهم المأمون، والمعتصم، والمتوكل. كما عاصر الفلكيين بنو موسى، والفلكى سند بن على. وقد بلغ منزلة كبيرة عند المأمون والمعتصم، حتى إن المأمون عهد إليه بترجمة مؤلفات أرسطو وغيره من فلاسفة اليونان. لكن نظراًً لآرائه الفلسفية ووشاية بعض الحاسدين به، فقد أمر المتوكل بمصادرة جميع كتبه؛ غير أنها أعيدت إليه جميعها. أدرك الكندى أهمية الرياضيات فى العلوم الدنيوية فوضع المنهج الذى يؤسس لاستخدام الرياضيات فى الكثير من العلوم، فالرياضيات علم أساسى يدخل فى الهندسة والمنطق والحساب وحتى الموسيقى وقد إستعان الكندى بالرياضيات وبالسلم الموسيقى اليونانى الذى إخترعه فيثاغورث، ليضع أول سلم للموسيقى العربية مسمياًً العلامات الموسيقية. وهو أول من وصف مبادئ ما يعرف الآن بالنظرية النسبية، ففي حين أعتبر علماء الميكانيكا التقليديون (جاليليو ونيوتن) الوقت والفراغ والحركة والأجسام قيماًً مطلقة، قال الكندى إن تلك القيم نسبية لبعضها البعض كما هى نسبية لمشاهدها. و يلقب الكندى أيضاًً بفيلسوف العرب بل مؤسس الفلسفة العربية الإسلامية. كتب أربعة كتب عن إستعمال الأرقام الهندية. كما قدم الكثير فى مجال الهندسة الكروية لمساعدته فى دراساته الفلكية. كما راقب أوضاع النجوم والكواكب خاصة الشمس والقمرـ بالنسبة للأرض وما لها من تأثير طبيعى وما ينشأ عنها من ظواهر. وأتى بآراء خطيرة وجريئة فى هذه البحوث، وفى نشأة الحياة على ظهر الأرض، مما جعل الكثير من العلماء يعترفون بأن الكندى مفكر عميق من الطراز الرفيع. أما فى الكيمياء فقد عارض الفكرة القائلة بإمكانية استخراج المعادن الكريمة أو الثمينة كالذهب من المعادن الخسيسة. وكتب فى ذلك رسالة سماها "رسالة فى بطلان دعوى المدعين صنعة الذهب والفضة وخدعهم"أما فى الفلك فلم يكن الكندى يؤمن بأثر الكواكب فى أحوال الناس، ورفض ما يقول به المنجمون من التنبؤات القائمة على حركات الأجرام. ووجه إهتمامه إلى الدراسة العلمية للفلك وعلم النجوم وأرصادها. ويعدّه بعض المؤرخين واحداًًً من ثمانية أئمة لعلوم الفلك فى القرون الوسطى لمساهته فى تطوير المرصد الفلكى فى بغداد. وقدم الكندى فى علم الفيزياء الكثير فى البصريات الهندسية والفيزيولوجية. كما أن الكندى كان مهندساًًً بارعاًًًً، يُُرجع إلى مؤلفاته ونظرياته عند القيام بأعمال البناء، خاصة بناء القنوات، كما حدث عند حفر القنوات بين دجلة والفرات. ألف الكندى، كعالم موسوعى، وشرح كتباًًً كثيرة، أُُختلف فى تقدير عددها ما بين 230، و270، و300 ما بين رسالة وكتاب؛ تناولت مواضيع مختلفة منها الفلسفة، والفلك، والحساب، والهندسة، والطب، والفيزياء، والمنطق، والمد والجزر، وعلم المعادن، وأنواع الجواهر، وأنواع الحديد، أنظر: رسائل الكندى الفلسفية، دار الفكر العربى، 1950، الدكتورأحمد فؤاد الأهوانى، الكندى فيلسوف العرب، الهيئة المصرية العامة للكتاب. القاهرة 1985، مايكل هاملتون مورجان، تاريخ ضائع، التراث الخالد لعلماء الإسلام ومفكريه وفنانيه، تعريب: أميرة نبيه بدوى،دار نهضة مصر. القاهرة2008) الزركلى، الاعلام، المجلد الخامس، مرجع سابق الذكر. (33) تولوستوى، كتابات تربوية، دار القلم، بيروت 1969 ص(89) (34) إبن خلدون، المقدمة، ص( 501) (35) إبن المقفع، الأدب الكبير، (ص 280) (36) أبو حيان التوحيدى، الإمتاع والمؤانسة، ص (106) (37) كارل ماركس، رأس المال، المجلد (1) ص (33) (38) فرانز كافكا (1883 - 1924) كاتب تشيكى يهودى كتب بالألمانية. يُعد أحد أفضل أدباء الألمانية فى فن الرواية والقصة القصيرة. تعرضت فيما بعد كتبه للحرق على يد هتلر، وتعرضت مؤلفات كافكا لموقفين متناقضين من الدول الشيوعية فى القرن الماضى، بدأت بالمنع والمصادرة وإنتهت بالترحيب والدعم. (39) دانتى أليجييرى (1265 - 1321) كان شاعراًًً من فلورنسا، إيطاليا. أعظم أعماله (الكوميديا الإلهية).ويمكن القول بأن دانتى قام بمثل ما قام به مكيافيللى فى مجال السياسة، فقد خرج على الكنيسة خروجاًًً صريحاًًً، وناقض تقاليدها ، وإبتداءً منه أخذ الأدب الأوربى يحل الإنسان شيئاًًً فشيئاًًً محل الإله، فالإهتمام بالإنسان الذى نبه إليه دانتى ومعاصروه كان المنطلق لمحاولة تأليه الإنسان وتصويره على أنه إله حقيقى، وهي المحاولة التى بدأت فى القرن التاسع عشر، كى تكتمل على يد سارتر، مروراًًً بتأليه الطبيعة الذى دعا إليه عصر التنوير. (40) رينيه ديكارت ( 1596- 1650)فيلسوف فرنسى وعالم رياضيات . عاش معظم شبابه فى هولندا، وقد تأثرت معظم الفلسفة الغربية التالية للعصر الذي عاش فيه ديكارت بكتاباته التى إستمر الكثيرون فى دراستها بعناية حتى يومنا هذا. ويعتبر ديكارت من أهم الشخصيات التى نادت بالمذهب العقلانى فى أوروبا فى القرن السابع عشر؛ وهو المذهب الذي أيّده بعده كل من باروخ سبينوزا وجوتفريد لايبنز. وفى كتابه مقال عن المنهج، حاول ديكارت الوصول إلى مجموعة أساسية من المبادئ التي يستطيع المرء التحقق من صدقها دون أدنى شك. وكى يتمكن من تحقيق ذلك، قام ديكارت بتطبيق منهج الشك المُفرط/الميتافيزيقى؛ والذي يعرف أحيانًا باسم الشك المنهجى: وهو منهج يرفض أية أفكار مشكوك فيها ويعيد إثباتها وترسيخها للوصول إلى أساس قوى للمعرفة الحقيقية وفى البداية، توصل ديكارت إلى مبدأ واحد وهو أن: الفكر موجود، ولا يمكن فصل الفكر عن الشخص الذى قام بعملية التفكير. لذلك، أنا موجود. ولذلك، خلص ديكارت إلى الفكرة التي تقول بإنه إذا كان يشك، فلا بد من وجود شىء ما أو شخص ما تساوره هذه الشكوك. وهكذا، تكون حقيقة الشك فى حد ذاتها إثباتًا لوجوده. (41) فريدريك نيتشه ( 1844 - 1900) فيلسوف وشاعر ألمانى. كتب نصوصاًًً وكتباًًً نقدية حول المبادئ الأخلاقية، والنفعية، والفلسفة المعاصرة، والمادية، والمثالية الألمانية، والرومانسية الألمانية، والحداثة عموماًًً بلغة ألمانية بارعة، تعلم اللغات القديمة. أصيب نيتشه بمرض شديد وشارف على الموت حيث أوصى أخته "أن لا تدعو قسيساًًً ليقول الترهات على قبرى أريد أن أموت وثنياًًً شريفاً"، ولكنه بعد ذلك شفى وذهب إلى جبال الألب ليتعافى وهنالك كتب كتابه الأشهر "هكذا تكلم زرادشت". (42) كريستوف كولومبوس (1451 - 1506) رحالة إيطالى، ينسب إليه إكتشاف العالم الجديد (أمريكا). ولد فى مدينة جنوة فى إيطاليا ودرس فى جامعة بافيا الرياضيات والعلوم الطبيعية وربما الفلك أيضاًًً. عبر المحيط الأطلسي ووصل الجزر الكاريبية فى 12 أكتوبر 1492 لكن إكتشافه لأرض القارة الأمريكية الشمالية كان فى رحلته الثانية عام 1498. ولقد أراد كولومبس تحقيق رغبته فى ثلاثة أمور: الشهرة والثراء. كما أن تعصبه لكاثوليكيته ولد عنده الرغبة فى إيجاد طريق آخر غير الطرق التى تمر ببلاد المحمديين على حد تعبيرهhttp://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D9%88%D9%81%D8%B1_%D9%83%D9%88%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A8%D9%88%D8%B3 - cite_note-1 فى مدوناته البحرية. أضف ثالثاًً :بذله جهداًًً كبيراًًً فى الدراسة البحرية العملية الحديثة فى عصره. كما أقرّ علماء عصره أنّ العبور إلى شبه القارة الهندية وقارة آسيا لا يقتصر فقط على الرحلات المتجهة شرقاً ولكن إمكانية الوصول ممكنة بالإتجاه غرباًًً وذلك لكروية الأرض. وإنطلاقاًًً من وجهة النظر هذه قرر المغامرة معتمداًًً على أحدث خرائط علماء عصره آنذاك، وهو الإيطالى باولو توسكانيلى (1397-1492) وكذلك الألماني مارتين بيكهام (1459-1505) وكلاهما متخصص فى الرياضات والفلك. والحقيقة، التى عرفت فيما بعد، أن كريستوف كولومبس ليس هو الذى إكتشف أمريكا بل توقف فى منطقة معينة من الجزر وواصلها بحار مرافق له يدعى أمريجو وبهذا سميت القارة أمريكا. وحينما رُُفضت فكرته المغامرة التى عرضها على مجلس الشيوخ فى جنوة، وكذلك رفضها من قبل الملك هنرى السابع ملك إنجلترا؛ ورفض دعمه فى رحلته تلك؛ فقد قام بإرسال رسالة إلى مستشار الملك البرتغالي قائلاً: " أنا أعرف أنّ وجود مثل هذا الطريق هو برهان حقيقى على كروية الأرض ولسهولة برهان هذه النظريه قررت إفتتاح هذا الطريق البحرى الجديد وسأرسل إلى جلالتك الخارطة مِن إكتشافى الخاص. سيكون موجود عليها ميناؤكم وجزركم موضحاًًً عليها وجهة الإبحار نحو الغرب والأماكن التى سأكتشفها أثناء الرحلة وأيضاًًً أبعد نقطه يمكن الوصول لها سواء من القطب أو من خط الإستواء والمسافات التى ستعبرونها للوصول إلى البلدان التى قد تحصدون منها الكنوز، لا تتفاجؤا إذا قلت أن بلاد الغرب بلاد الكنوز كما أنهم وكالعاده يسموننا الشرق حيث أن من أبحر باستمرار إتجاه الغرب قد وصل بلاد الشرق عبر المحيط إلى النصف الثانى من الكرة الأرضية. ولكن إذا أرسلتم مكتشفين عبر اليابسه إنطلاقاًًً من نصف الكرة الأرضية التى أنتم فيها فإننا نجد أنّ تلك البلاد التى تم الوصل إليها ما هى إلا الشرق...."" وفى 30 أبريل 1492 وقع الملوك الكاثوليك الإسبان، مع كريستفور إتفاقية، جاء فيها أنّ كولومبوس كمكتشفٍ للجزر والقارات فى البحر والمحيط وإنطلاقاًًً مما سبق سيُمنح رتبة أمير البحار والمحيطات كقرار ملكى يسرى فى جميع أنحاء البلاد. ويُضاف إلى ذلك أنه سيُمنح 10% من الذهب والبضائع التي سيُحضرها معه بدون أية ضرائب. وفى مرفأ بيلوس كانت قد جُهزت ثلاث سفن مختلفة الأحجام: السفينه الأولى: سفينة القيادة سانتا ماريا وهي من نوع كارافيل الجزء الغاطس مِن السفينه 2.8م ٬ الإزاحه الكليّه 227 طن ٬ عدد البحارة84، وكانت هذه السفينه بقيادة الأدميرال(أمير البحر) كولومبس. السفينة الثانية: بينتا وهى من نوع كارافيل. الطول 20.1 م العرض 7.3م الغاطس 2.0م٬ الإزاحه 168.4 طن ٬ الطاقم 65. القبطان والمالك كان مارتين آلونسو بينسون. السفينه الثالثة: كانت نينا وهى من نوع كارافيل. هذه التسمية كانت شائعة حول هذه السفينه إلا أنّ اسمها الحقيقى كان سانتا كلارا الطول 17.3 م، العرض 5.6م، الغاطس 1.9 م٬ الإزاحه 101.2 طن٬ الطاقم 40 بحار.القبطان فيسنتى يانيس بينسون ومالِك السفينه خوان نينيه. وكانت جميع السفن شراعية تبحر اعتماداًًً على قوّه الرياح واِتجاهها. وفى 12 أكتوبر أُكتشِفت ما تسمى اليوم جزر البهاماس إلا أنه أطلق عليها إسم سان سلفادور والتى كانت أولى الخطوات٬ وفى 28 أكتوبر وصلوا كوبا، وقد تم الوصول إلى العديد من الجزر التى لم يخطر على بال أحدٍ وجودها فى تلك الفترة. وفى 16 ديسمبر 1492 عادت السفينتان بينتا ونينا إلى إسبانيا فى رحلة عودة إستغرقت ما يُقارب 3 أشهر حيث وصلتا الميناء الإسبانى فى 15 مارس 1493. وتعد رحلة السفينتين تلك أول الرحلات البحرية التي استغرقت هذه المدة من الابحار المستمر فى ذالك العصر. ولقد كان باعتقاد كولومبس أنه وصل إلى ما يُسمى بالهند الغربية وقد كانت رحلاته موفقة حيث إستطاع إحضار الذهب الكثير٬ وامتلاك العديد من الجزر التي سُميت بالجزر الهندية. ولم يتوقف كولمبوس عند هذا الحد من الإكتشافات فقد كان دوماً تواقاً لاكتشاف ما هو أبعد٬ وعاد ليُبحر ثانية من موانئ اسبانيا بإسطولٍ مكون من 17 سفينه يرافقه 1500 بحار٬ وكانت سفنه مجهزة بتموين يكفيهم ستة أشهر. وكسابقتها لم تبؤ هذه الرحلة بالفشل٬ فقد اكتشف جزراً جديدة ومن ضمنها ما يعرف اليوم بجزر الأنتيل ومن بعدها البحر الكاريبي. كل ذلك فى سبيل بحثه عن الهند ، وفى مايو 1494 م وصل جامايكا٬ والعديد غيرها من الجزر الواقعة شرق القارة الأمريكية. وبذلك قد وصل كولومبوس إلى أهم الإكتشافات وأهم الطرق البحرية الجديدة وتم وضع خرائط ورسومات جديدة، كل هذا ولم يخطر على باله يوماًً أنه لم يصل الهند. وفى 20 مايو 1506 م فى اسبانيا تدهورت صحته. توفى كريستوفر كولومبس فى فايادوليذ فى 1506 فى البيت الذى هو الآن متحف مكرس له. ولقد تقدم الباحث والمؤرخ السورى الدكتور شوقي أبو خليل بأطروحة شيقة فى كتاب له بعنوان "دمشق 93 للهجرة..الشمس فى ضحاها" الصادر عن دار الفكر بدمشق ذاهبا إلى أن العرب فى العهد الأموى الأندلسى إكتشفوا القارة الأمريكية قبل كولومبس بثلاثة قرون على الأقل. إذ يستشهد بما ذكره المستشرق الروسى كراتشكوفسكى عن "مغامرة الفتية المغرورين أى المخاطرين" والتى إنطلقت فى القرن التاسع الميلادى، أي فى عهد حكم الأمراء الأمويين فى قرطبة، حيث يذكر الإدريسى قصتهم على النحو التالى:"ومن مدينة لشبونة كان خروج المغرورين فى ركوب بحر الظلمات، ليعرفوا ما فيه وإلى أين انتهاؤه.. ولهم بمدينة لشبونة بموضع من قرب الحمّة، درب منسوب إليهم، يعرف بدرب المغرورين إلى آخر الأبد، ذلك أنهم إجتمعوا ثمانية رجال كلهم أبناء عم، فأنشأوا مركباًًً حمالاًًً وأدخلوا فيه من الماء والزاد ما يكفيهم لأشهر، ثم دخلوا البحر...." كما أنه يستند كذلك إلى أنه فى عام 1952 ،نشرت صحف البرازيل تصريحاًًً للدكتور ججرز أستاذ العلوم الأثرية الاجتماعية فى جامعة وايتوترستراند فى جمهورية إفريقيا الجنوبية جاء فيه وفق "أرابيان بيزنس": إن كتب التاريخ تخطئ حينما تنسب إكتشاف أمريكا إلى كريستوف كولومبوس، ذلك لأن العرب فى الواقع هم الذين إكتشفوها. ويقول مؤلف الكتاب أبو خليل، لقد أبدع الأمويون الأندلسيون حضارة، أوصلتهم إلى القارة الجديدة قبل كولومبوس بثلاثة قرون على الأقل، فالبكري الأندلسى قرر أن مياه بحر الظلمات، متصلة بأرض الصين، والشريف الإدريسى أشار أن أرضاًًً يابسة فيه كما أن التجارة بين العرب وهنود أمريكا قامت قبل موافاة كولومبوس لها بخمسة قرون. حسب الباحث السورى فإن كولومبوس لما إنطلق من أوروبا، كان مزوداًًً بمصورات وخرائط للعرب، وبها إهتدى إلى تلك الأرض، وإستصحب رجلين من العرب كانا عبرا أمريكا قبل ذلك وعرفا الطريق، وعثر أحد علماء الآثار على ألواح مكتوبة بحروف عربية، ولغة عربية فإتجهت أنظار علماء الآثار إلى استطلاع كنه هذه الحقائق التاريخية التى لا تلبث أن تنطق بأفصح لسان، بفضل العرب على الإنسانية فى الميادين جميعاًًً. للمزيد من التفاصيل حول هذه الأطروحة التى تقول بسبق العرب المسلمين، يمكن مراجعة المواقع الألكترونية الأتية:www.marefa.org/index .www.moheet.com/show http://www.elaphblog.com (43) إعتمدت بشكل رئيسى على أطلس التنمية العالمية، الصادر عن البنك الدولى 2007، وبوجه عام لا تبخل التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية بإمدادنا بسيل من الأرقام المعبرة بوضوح شديد عن الأوضاع السائدة على الصعيد العالمى، ومن ثم يمكن الرجوع لأى تقرير صادر عن الأونكتاد على سبيل المثال، للتعرف على مجمل الوضع الإجتماعى والإقتصادى على الصعيد العالمى، وبخلاف تقارير المنظمات الدولية تلك، والتى لا نجد أى مبرر لإهدارها، على الرغم من صعوبة التوصل إلى ما تبحث عنه بالضبط تلك التقارير فى بعض الأحيان، نوصى بالرجوع إلى المؤلفات الأتية لتكوين تصور عام عن الوضع الحالى على الصعيد العالمى: نعوم تشومسكى، سنة 501 الغزو مستمر، تعريب: مى النبهان، وكذلك: كتابه: الإقتصاد السياسى لحقوق الإنسان، كريس هارمن: الإقتصاد المجنون، فرنسيس لابه وجوزيف كولنز: 10 خرافات عن الجوع فى العالم، روجيه جارودى، أمريكا طليعة الإنحطاط، تعريب: عمرو زهيرى، وكذلك كتابه: كيف صنعنا القرن العشرين؟ تعريب: دار الشروق، ليستر ثارو: الصراع على القمة ، ترجمة : أحمد فؤاد بلبع. (44) مشار إليه لدى: جارودى، كيف صنعنا القرن العشرين؟ دار الشروق. القاهرة 2002
#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإقتصاد السياسى للتخلف (1)
-
الإقتصاد السياسى للتخلف (3)
-
حينما يتأسلم القضاء
-
فى نقد أسطرة الدين
-
خمسائة عام من الإنحطاط
-
كارل ماركس
-
فرضيات جرامشى
-
أزمة فهم الأزمة
-
إعادة إنتاج السلطة
-
رسالة الشيخ الأكبر محى الدين بن عربى، إلى فخر الدين الرازى
-
مَن الذى يبنى إسرائيل الكبرى؟
-
تلخيص العمل المأجور والرأسمال
-
من كتاب (الإقتصاد السياسى للتخلف) ل محمد عادل زكى
-
الديالكتيك، بين إبن خلدون وماو تسى تونج
-
الصراع الإجتماعى فى السودان. منهج مقترح للفهم
-
البتروليتاريا
-
جدلية الصراع الإجتماعى فى فنزويلا
المزيد.....
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|