أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد عصيد - إحراق النخب















المزيد.....

إحراق النخب


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 3286 - 2011 / 2 / 23 - 20:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليس من عادتي أن أتعامل بالعواطف والإنفعالات مع الأحداث والوقائع السياسية، غير أنني لا أنكر هذه المرة انفعالي الشديد الذي بلغ حدّ الشعور بالغثيان، وأنا أستمع إلى تعليقات بعض ممثلي الأحزاب السياسية المغربية على مسيرة الشباب يوم 20 فبراير المنصرم.
فأن تقاطع هذه الأحزاب تظاهرة الشعب المغربي المطالب بالتغيير، هو أمر طبيعي بسبب موقع بعضها في الحكومة المسؤولة جزئيا عن الوضع الحالي، وهو أمر طبيعي بعد ما آلت إليه هذه الأحزاب من تردٍّ وتآكل وضعف مصداقية، وهي التي ظلت تعبث في المجال السياسي المغربي منذ 2007 بمجموع أصوات انتخابية لا يتعدّى 19 في المائة موزعة على أزيد من ثلاثين حزبا، كما أنه أمر طبيعي بالنظر إلى سلوكها السياسي الذي يطفو على السطح في أشكال التلاسن والهراش والصراعات الصبيانية والدسائس التي لم تعد تحسب حسابا حتى للمصالح العليا للبلاد، والتي لا تهمّ أحدا من أفراد الشعب المغربي، كالتي تقع بين حزب البام وحزب الإستقلال وحزب العدالة والتنمية، مما يدلّ على مدى الإفلاس الذي بلغته الساحة السياسية المغربية التي أفرغت من كلّ مدلول جدّي. وهو أيضا أمر طبيعي بالنظر إلى العلاقة التي أصبحت تربط الأحزاب السياسية بالسلطة العليا، والتي تتمثل في انتظار "إشارات الملك"، الذي يعطيها الضوء الأخضر للتحرك، فالأحزاب معذورة لأنها لم تتلق إشارات الملك للنزول إلى الشارع لكي تتقدم إليه بمطالب، وقد يعني ذلك ضمن ما يعنيه أن النظام ليس مستعدا بعد لسماع صوت الشعب من أجل التغيير، رغم كل الظروف الخطيرة التي يجتازها العالم في السياق الراهن.
كل هذا أمر طبيعي لا نجد صعوبة في فهمه، ولكن أن يقوم البعض بمحاولة تبرير عدم قدرته على النزول إلى الشارع بأقاويل هدفها النيل من الشباب الذي أخذ المبادرة بالدعوة إلى التظاهر، ومحاولة الحط من قيمة الفاعلين الجدد في الساحة وتشويه صورتهم، فقط لأنهم ليسوا منخرطين في اللعبة بنفس قواعدها البئيسة، فهذا ينمّ عن تخلف كبير في الوعي السياسي وعن ضعف في الحس التاريخي، لأن ذلك يدلّ دلالة واضحة على أن القيادات العجوز لم تكتشف بعد أنها خارج السياق الراهن.
لقد أصبح واضحا إلى حد كبير شلل الأحزاب السياسية التي ربطت مصيرها بالنظام ورهنت مواقفها وسلوكها السياسي بإيقاعه، مما نزع عنها قوة المبادرة، وجعلها تمارس السخرة الإدارية بشكل مذلّ.
لكن هل هذه الأحزاب مسؤولة لوحدها على ما صارت إليه ؟ في الواقع إن النظام السياسي الملكي يتحمل قسطا كبيرا من المسؤولية في ما آل إليه أمرها، وهو الذي برع فيما نسميه "إحراق النخب" الحليفة له، ونزع المصداقية عنها بتوريطها في السلطة بدون أية صلاحيات فعلية، ووضع متاريس المخزن أمامها مما يجعلها تخرج خالية الوفاض من تجربة الحكم والتسيير، والمشكل الذي سيواجه بلدنا مستقبلا هو التالي: إذا تمّ إحراق جميع النخب الجيدة والمحترمة في البلاد في طاحونة هذه اللعبة، فمن الذي سيقوم بدور الوسيط المطلوب بين مطالب الشعب والنظام؟ ألن يجد النظام السياسي نفسه وجها لوجه مع الشارع المهتاج والصاخب؟ لماذا تستعمل السلطة الأحزاب السياسية كما نستعمل ممسحة الأحذية، وتلقي بها وتبحث عن غيرها في كل مرة، ألم يؤدّ ذلك إلى قتل الحياة السياسية المغربية التي أصبح ميؤوسا من حالها بشكل مثير للشفقة؟
إن مقدار الإرتباك الذي ظهر في سلوك الأحزاب السياسية وشبيباتها خلال نهاية الأسبوع المنصرم، تظهر بما لا يدع مجالا للشك عمق الصراع الذي يعتمل داخل هذه التنظيمات الهشة، بما يتنازعها من مطامح متضاربة، فباستثناء حزب الإستقلال، الذي لا يشغله إطلاقا مشكل المصداقية، لأنه يعوض عملية الإحراق التي يتعرض لها من طرف المخزن بتولية أبناء العشيرة في المناصب والعبث بالمال العام، ولسان حاله يقول القول السائر بالدارجة المغربية:"ما طالعاش ما طالعاش !"، باستثناء هذا الحزب فإن كل التنظيمات الأخرى تعاني على ما يبدو من أزمة ضمير، وهي ترى الشعب المغربي يتحرك دون أن تستطيع تمثيله بالفعل داخل دواليب الدولة بسبب الشلل الذي أصابها، والذي أوقعها في شرك اللعبة المخزنية التي تجعل الفاعل السياسي ينتظر "الإشارات" عوض أن يقوم بالمبادرة والفعل، فقد جعلت الملكية التقليدية جميع الأطراف السياسية في موقع "الهيئة الإستشارية"، التي عليها إبداء الرأي للملك عندما يطلب منها ذلك، وهو ما جعل السياسة في أعلى مستوياتها تبدو كملهاة سخيفة.
و من بين أفدح النتائج التي أدى إليها إحراق النخب بالمغرب ضمور الفكر السياسي المغربي، وتحويل العمل السياسي إلى حسابات تقنية صغيرة لا تتعدى العراك حول الكراسي والزعامات الباهتة، فالفاعل السياسي الوحيد الذي هو الملكية، يحتكر السياسة الكبرى لنفسه، و يترك فتات موائد الحكومة والبرلمان الشكلي لكل الأطراف الأخرى.
لقد كان أهم ما برز في تظاهرة 20 فبراير هو تحديد سقف المطالب الشعبية بوضوح ولأول مرة، يريد المغاربة حكومة حقيقية تنتخب لتحكم، و يريدون ملكية برلمانية تفسح المجال لعمل المؤسسات في إطار دولة القانون التي لا تخضع للمزاج الفردي، والتي ينظمها دستور ديمقراطي منسجم لا تفرغه التناقضات من محتواه، لم يطالب المتظاهرون في غالبيتهم العظمى بـ"إسقاط النظام"، طالبوا بـ"إسقاط الفساد" و"إسقاط المخزن"، أي بالتغيير في إطار استمرارية ملكية عصرية، وهو ما يعني أن فرصة الإصلاح الجذري ما زالت قائمة، ولكن لكي يصل المغاربة إلى هذا المبتغى لا بد من نخب جيدة وطبقة سياسية مسؤولة ونشيطة تتمتع بقدر من المصداقية، وهذا هو ما لا يتوفر عليه المغرب للأسف في الوقت الراهن بعد عقود من الإستبداد وثقافة العبودية داخل الأوساط الرسمية، فما العمل؟
تقول مسيرات 20 فبراير التي تحاول السلطات التغطية على مطالبها بإبراز بعض أحداث الشغب المعزولة، إنه لا بدّ من دستور جديد أولا يضمن المساواة والعدل لجميع المغاربة أيا كان لونهم أو أصلهم أو لغتهم أو دينهم، ولجميع جهات المغرب على أساس التوزيع المتوازن للثروة، ثم مزيد من الحريات للجميع لتمكين الكلّ من المشاركة السياسية التي هي حق مبدئي لكل واحد، إذ من المخجل أن تكون لدينا أحزاب محظورة، ثم على أساس ذلك تنظيم انتخابات لا توزع فيها الكعكة على النخب المحلية حليفة المخزن، والتي لم تستطع إرشاء أكثر من 19 في المائة من المصوّتين في مهزلة 2007، ينبغي ضخ دماء جديدة في الحياة السياسية المغربية عبر إحالة طبقة سياسية بكاملها على المعاش، وإفساح المجال أمام نخبة سياسية وثقافية شابة ونظيفة، وصرف النظر بصفة نهائية عن مخطط إحداث حزب للنظام في مواجهة المتطرفين الدينيين، فالذي عليه مواجهة التطرف الديني هو الشعب المغربي عندما تصبح الديمقراطية تربية وسلوكا ونمط وعي يومي.
وبشكل مواز لكل هذا، لا بد من دمقرطة التعليم عبر تطهيره من القيم المتناقضة حدّ الهذيان، وتحريره من رهانات السلطة التقليدية، وجعله في خدمة الإنتقال الفعلي نحو الديمقراطية، وفتح وسائل الإعلام على النقاش العمومي الحرّ والصادق. هذه هي الملامح العامة للمغرب الذي يحلم به متظاهرو يوم 20 فبراير المنصرم، والتي هي بلا شك مطالب سيزداد عدد الذين سيرفعون حناجرهم للمناداة بها، وسيتمسكون بها بقوة وعلى الدوام إلى أن تتحقق.



#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (4)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة وعودة الإيديولوجيات
- -رعايا- المغرب بين البيعة والديمقراطية من أجل تعاقد سياسي جد ...
- كيف تسرق الثورات؟
- أصوات المغرب غير النافع
- حتى لا يضيع الحلم التونسي الجميل: الحرية أولا !
- الأمازيغ، القذافي وسيادة الدولة المغربية
- التربية وثقافة الحوار
- الأب نويل في بلاد المسلمين
- دموع الوزراء
- الإسلام القسري
- الصحراء السلطة و المجتمع
- صورة المغرب بين -الإجماع الوطني- و الموقف النقدي
- عيد الأضحى والسلوك المدني
- الهوية والتاريخ والسياسة، متابعات
- إلى المدافعين عن العربية: هذه أخطاؤكم فتداركوها!
- الفن و الدين بين الذات و المجتمع إلى الممثلة لطيفة أحرار
- عن التعدد اللغوي ووظائف اللغات بالمغرب رسالة مفتوحة إلى الدك ...
- تعقيب على -إعلان دمشق-: هل تهدد الديمقراطية مستقبل اللغة الع ...
- -تعريب الحياة العامة- مقترح مكانه الطبيعي سلة المهملات
- الأمازيغ و التلفزة المغربية


المزيد.....




- حيوان غير متوقع على طريق سريع يتسبب بحادث قوي لدراجة نارية.. ...
- كوريا الجنوبية: تصويت لانتخاب رئيس جديد بعد اضطرابات الأحكام ...
- شتّتهم الحرب وجمعهم المنفى... أمّ فلسطينية تلتقي أطفالها بعد ...
- 4 أسئلة لـ-اختبار الولاء- لترامب
- أوربان: حل الصراع الأوكراني سيكون ضمن اتفاق بين روسيا والولا ...
- إدانة رجل من مواليد تركيا أحرق نسخة من القرآن في لندن.. فبما ...
- طهران ترد على البيان الختامي لاجتماع المجلس الوزاري للتعاون ...
- مراسلتنا في لبنان: حركة مغادرة كثيفة لعائلات سورية من طرابلس ...
- وزير الخارجية الإيراني من بيروت: نحترم شؤون لبنان الداخلية و ...
- برونو روتايو.. سياسي فرنسي بدأ صحفيا وانتهى وزيرا للداخلية


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد عصيد - إحراق النخب