|
-الحَبَّة والبَارُودْ مِنْ دَارْ القَايْدْ-
كريم الصامتي
الحوار المتمدن-العدد: 3284 - 2011 / 2 / 21 - 19:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تتقطار علينا هذه الأيام كثير من الأسئلة المتعلقة بما يحدث في العالم العربي من انتفاضات واحتجاجات، ما كُنَّا لِنَخَال يوما حدوثها بهذه الحِدَّة والسرعة. هل فعلا كان موت البوعزيزي بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس، ألم يمُت قبل البوعزيزي مئات ومئات المناضلين في العالم العربي ضد القهر والظلم وطغيان الحكام العرب ضد شعوبهم؟ ألم تفنى عظام عدد ليس بقليل من المواطنين العرب في أقبية السجون والمحتشدات؟ بل ألم يقم بعض الحكام العرب بقمع سافر وإبادة ممنهجة للمناطق والجهات والإثنيات التي لم تقدم فروض الولاء لحكمهم الجائر؟ فلماذا بالذات الآن تنتشر عدوى الانتفاضات في كل ربوع الوطن العربي تسري كالنار في الهشيم؟ ألا يحق لنا أن نتسائل عن كون ما يحصل هو مخطط من مخططات الآلة السياسية "الصهيوأمريكية"، التي تعي أكثر من غيرها ضرورة تغيير كراكيزها الحاكمة في الدول العربية والإسلامية، قبل أن تنفلت الأمور من يدها مما يصعب معه وضع اليد على المقود؟ ألم نطالع التقارير في غير ما موقع من مواقع التفكيكات والقراءات التي يقوم بها خبراء غربيين مختصين في تتبع كل صغيرة وكبيرة في ذهن أو في معيش الإنسان العربي. مما يُمكِّن بلدانهم من أن تكون سباقة إلى احتواء كل انفلات أو تغيير جدي داخل هذه الدول غير مخطط له ومفاجئ يمكن أن يعصف بمصالحها و يبعدها عن قيادة هذه الدول. فمن العادي جدا للمتتبع للسياسات الامريكية والغربية تجاه بلدان العالم العربي والإسلامي عموما أن يشك في كل ما يحدث اليوم. الشعوب العربية عبرت عن أنها يمكنها أن تغضب ويمكنها أن تتثور وأن لديها العزة والكرامة والرغبة، وأنه يجري في عروقها الدم العربي الساخن كالصحراء. هذا الأمر هو ما وعته أمريكا ووجدت فيه ضالتها، ففي الوقت الذي كانت تخسر فيه المال والعتاد والأرواح من أجل إسقاط نظام ما، وتجد نفسها في الأخير قد أضاعت أكثر مما ربحت، أو تكتشف أنها نصبت لنفسها كمينا لا تستطيع الانفكاك منه، كما حدث لها في العراق وأفغانستان، وأنها مضطرة لتقديم المزيد من الخسائر وتحمل تبعاتها الداخلية والخارجية. هذه التكلفة الباهضة الثمن لم تعد نافعة، والبديل الجديد هو تثوير الشعوب ضد حكوماتها الفاسدة، التي انتهت مدة عُقْدتها مع أمريكا ولم تعد قادرة على أن تكون بهيمة شغل. وبدل التدخل المباشر للإطاحة بحكام هذه الدول، والتدخل الواضح لتبديل وجوه الأنظمة، وهو أمر لم تنجح فيه أمريكا، إذ وجدت ممانعة كبيرة من طرف هذه الشعوب، التي لم تعد تثق في أمريكا ولا في خطاباتها وشعارتها الداعية إلى حماية الديمقراطية ورعاية حقوق الإنسان. فآخر ما يمكن أن يفكر فيه المعسكر الأمريكي والغربي هو تحقيق الديمقراطية والاستقرار السياسي داخل الوطن العربي والإسلامي. إذن فقد استرشدت إلى هذه الوصفة العجيبة والمجانية، فمن جهة ستشعر الشعوب العربية بأنها قامت بالتغيير بنفسها، وبالتالي سوف تعيش فترة هدوء إلى أن تكتشف بعد سبات طويل مَكْمَنَ الخدعة. ومن جهة أخرى سوف تطفئ موجة الغضب المتزايدة ضد أمريكا وإسرائيل باعتبارهما المدافعين عن جور الحكام العرب وفسادهم. إذن اللوبي "الصهيوأمريكي" يعي جيدا ما يفعل وقد وضع البدائل اللائقة، وهو الآن يحاول تنزيل ما اعتصر في فكر العقل المخباراتي للبيت الأبيض. ويصدق المثل المغربي في توصيف هذا المخطط "الحَبَّة والبَارُود مِنْ دَار القَايْد". والأمر واضح جدا، فهل حقيقةً سوف يحدث تغيير جدري وشامل داخل البلدان العربية والإسلامية، أليست أذيال الأنظمة العربية المخلوعة حية دائما تخيط ألبسة جديدة على مقاس هذه الانتفاضات. أليست "الماكينة" العسكرية التي استحكمت بالهندسة السياسية العامة لهذه البلدان، والتي خبرت كيفية إخماد غضب الجماهير، وتنفيذ الانقلابات على من لا ينصاع لإدارتها أو يعصي لها أمرا، وتمرست على عملية التعاون السري والمعلن مع أمريكا لتنفيذ أهدافها وقمع الأنظمة التي لم لا تتماشى وسياستها، أليست هي هي. نعث ما يحدث في العالم العربي الآن من انتفاضات بــ"الثورة" هو، توصيف مهتز ، وقياس غير مضبوط، فالثورة دائما وعبر محطات التاريخ الإنساسي، كان تستهدف إجتثات الأنظمة الفاسدة وحوارييها، وتتوخى أساسا التغيير الجذري، لا يشمل فقط الحكومات والوجوه، بل إحداث قطيعة بشكل أو بآخر مع النمط الفكري و الإديولوجي للنظام السائد.
#كريم_الصامتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لعل الذكرى تنفع..!
-
الإله مات.. الإله حي
-
النقد النيتشوي للمسيحية*
-
- بلدي وإن جارت علي عزيزة-
-
طموح المغرب التنموي وهواجس الجيران
المزيد.....
-
لا تقللوا من شأنهم أبدا.. ماذا نعلم عن جنود كوريا الشمالية ف
...
-
أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك مجددًا.. ما القصة؟
-
روسيا تعتقل شخصا بقضية اغتيال جنرالها المسؤول عن الحماية الإ
...
-
تحديد مواقعها وعدد الضحايا.. مدير المنظمة السورية للطوارئ يك
...
-
-العقيد- و100 يوم من الإبادة الجماعية!
-
محامي بدرية طلبة يعلق على مزاعم تورطها في قتل زوجها
-
زيلينسكي: ليس لدينا لا القوة ولا القدرة على استرجاع دونباس و
...
-
في اليوم العالمي للغة العربية.. ما علاقة لغة الضاد بالذكاء ا
...
-
النرويجي غير بيدرسون.. المبعوث الأممي إلى سوريا
-
الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يتخلف عن المثول أمام القضاء
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|