|
تعريف مبسط للعلمانية
إسماعيل حسني
الحوار المتمدن-العدد: 3283 - 2011 / 2 / 20 - 15:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يكثر الحديث هذه الأيام عن العلمانية، بين مؤيد ومعارض، بينما لا يستطيع أكثر الناس تحديد ما يعنيه المصطلح على وجه الدقة، لهذا نحاول في السطور القليلة القادمة أن نقدم شرحا مبسطا لمعنى المصطلح ومدلولاته. العالماني هو الشخص الذي يهتم بأمور العالم المادي، أي يرتزق من خلال عمل يؤديه في أي شأن من شئون العالم المادي (الدنيا)، كالنجار والطبيب والقاضي والفنان والمعلم. وهو عكس الشخص الكهنوتي الذي يهتم بأمور العالم الآخر "اللاهوت"، أي يكسب رزقه من خلال العمل في هذا المجال، مثل المشايخ والقساوسة والحاخامات وسائر رجال الدين، والعرافين والسحرة والمنجمون ومن إليهم. بهذا المعنى البسيط يكون كل الناس في الأصل عالمانيون، سواء كانوا متدينون أو غير متدينين، فالطبيب شخص عالماني، ولكنه إذا قرر أن يتفرغ للعبادة أو للدراسات الدينية، وأن يرتزق بشكل كامل من خلال الإهتمام بشئون العالم الآخر فإنه يتحول إلى شخص كهنوتي، أي غير عالماني. من هنا نفهم أن لفظ العالمانية قد جاء من كلمة عالم وليس من كلمة علم. ذلك أن رجال الدين كانوا يحكمون أمورالعالم المادي وأمور العالم الآخر (الدين) بأحكام مشتقة من الكتب الدينية، فلما ثبت في الكثير من الأحيان خطأ ما تصدره الكنيسة من أحكام مثل القول بأن الأرض مسطحة، وأنها مركز العالم، وأن الشمس هي التي تدور حول الأرض، وغيرها، طالب الناس رجال الدين بالتوقف عن حكم العالم من خلال الكتب السماوية، وترك الناس يحكمون العالم المادي بقوانين هذا العالم التي بدأ العلم في اكتشافها في مختلف مجالات الحياة العلمية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية. وكانت انطلاقة الفكر العلماني هي بداية عصر النهضة والحضارة الحديثة. أي أن العالمانيون يقولون دعونا نحكم العالم بقوانين العالم، ونحكم الدين بقوانين الدين، لأن الخلط بينهما يؤدي إلى التخلف والجمود. فالدين مطلق، ثابت، لا يقبل القسمة، أما العالم فهو نسبي، متغير تحكمه الحركة الدائمة، والخلط بين المطلق والنسبي يؤدي إلى إحدى حالتين، إما سيطرة المطلق على النسبي مما يؤدي لجمود العقل وعدم التطور، أو تحطيم النسبي للمطلق إذا كان النسبي من القوة بمكان، مثل انتشار الإلحاد بعد اكتشافات كوبرنيكيس وجاليليو وكريستوفر كولمبس وغيرهم. إذن فالعالمانية مجرد أداة لتنظيم المجتمع، ومنع الخلط بين المطلق والنسبي، أو بين أحكام الدين وأحكام العالم الدينيوي، وذلك لمصلحة كل من الدين والدنيا. هذه الأداة إذا استخدمها نظام استبدادي معادي للحرية كالأنظمة الشيوعية السابقة مثلا، فإنه سينكر حرية العقيدة كما ينكر سائر الحريات الفردية الأخرى، مما يؤدي لإضعاف العقائد الدينية والتضييق على المؤسسات الدينية، وإذا استخدمها نظام ليبرالي يقدس الحريات الفردية السياسية والدينية والإقتصادية مثل الأنظمة الليبرالية في أوروبا وأمريكا، فحينها تنتعش الحرية في كل مجالات الحياة، ويتمتع المواطنون بحرية التعبير، وحرية المشاركة السياسية، وحرية النشاط الإقتصادي، وحرية ممارسة العقيدة الدينية. ويؤدي النظام العالماني خدمات جليلة للمؤسسات الدينية، فهو يعتقها من سيطرة المؤسسة السياسية، ويمنحها بحكم القانون الإستقلالية الكاملة في شئونها الإدارية والمالية والدعوية، مما يعيد ثقة المؤمنين فيها لاستقلالها عن السلطة ويؤدي لازدهار هذه المؤسسات وازدياد قدرتها على الدعوة والتبشير. ولعله من العار أن يرانا العالم نطالب بتدعيم النظام العالماني في الهند والصين ودول أوروبا وأمريكا من أجل حماية حقوق الأقليات الإسلامية في هذه البلاد، ثم نتنكر له في بلادنا لمجرد أننا نشكل أغلبية عددية. هذه هي العلمانية أو الدولة المدنية التي تهاجم ليل نهار من الأنظمة الإستبدادية ومن رجال الدين، لأنها تقضي على كل أنواع الإستبداد السياسي والديني، وتمنع المشايخ والكهنة من العمل في بلاط السلطان، وتخلق مجتمع الحرية والعدالة والمساواة، مما يتعارض مع مصالح هؤلاء ورغباتهم في التسلط والسيطرة وجني الثروات.
#إسماعيل_حسني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إغتيال معلمة في مدرسة أم المؤمنين عائشة
المزيد.....
-
ماما جابت بيبي..استقبال تردد قناة طيور الجنة بيبي على القمر
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على النايل
...
-
رئيس بلدية رفح يناشد الدول العربية والاسلامية إغاثة المنكوبي
...
-
وزير الدفاع الأسبق: يكشف العقيدة الدفاعية للجمهورية الاسلامي
...
-
-ترامب سينقذ العالم من الإسلام المتطرف- – جيروزاليم بوست
-
قائد الثورة الاسلامية في تغريدة: كل فلسطين من النهر الى البح
...
-
الآغا خان الرابع زعيم قاد الطائفة الإسماعيلية النزارية 68 عا
...
-
إيهود باراك: خطة ترامب بشأن غزة -خيال-
-
كلمة الرئيس الايراني بزشكيان امام سفراء الدول الاسلامية في ط
...
-
الاحتلال يحتجز مركبة ويستولي على كاميرات مراقبة في جنين وسلف
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|