|
حوار مع الشاعر والكاتب العراقي المغترب - كريم عبد - ماينقصنا في العراق هو ثقافة المستقبل
ثامر الحاج امين
الحوار المتمدن-العدد: 3280 - 2011 / 2 / 17 - 09:23
المحور:
الادب والفن
حوار مع الشاعر والكاتب العراقي المغترب " كريم عبد " ماينقصنا في العراق هو ثقافة المستقبل حاوره: ثامر الحاج امين (العراق لا ادري من اختار لبلادي هذا الاسم الجميل وقطعة السماء التي تسقفها ثم كل هذا العدد من المشانق والانذال !!) بهذة اللوعة والمفارقة المؤلمة ، كتب اشعاره الأولى ، لأنه احب العراق بصدق وعشق الحرية ، وتمرد على كل التزام يحاول النيل من حريته ، لذا عند اشتداد حملة التبعيث في اواخر السبعينيات قال لي : ياصديقي انا لا أملك في هذي الدنيا سوى حريتي ، وسوف لن اقدمها لقمة لأفواه الذئاب ، تركنا وغاب في ظلام المنافي سنوات عدة ، ومن هناك كتب مؤكداً ثباته على ذلك الحب : في المنافي خلف الحدود السود تتبعثر الليالي التي لا تنتهي فيوقظنا صوت حزين مبحوح صوت حزين يأتي من جميع الجهات يعيش العراق ، يعيش العراق هذا جانب من سيرة الشاعر والكاتب العراقي المغترب " كريم عبد " الذي امضى اكثر من ثلاثة عقود في المنافي هارباً من بطش الدكتاتورية ، حالما بوطن تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية . في مطلع السبعينيات حلق ّ في فضاء القصيدة الشعبية الحداثوية ، فكتب ونشر مجموعة قصائد وقفت بعناد وثقة امام التجارب الكبيرة ، ثم انتقل الى عالم قصيدة النثر والتفعيلة حيث اصدر اعماله الشعرية عن دور نشر عربية ( ثم نهدي الكلام 1986) ( اطروحة الندى 1987) ( هدهد الشتاء والصيف 1994) ، كما وظف ّ لغته الشعرية في سياقات سردية اخرى مثل القصة القصيرة فأصدر ( الهواء يوشك على الوجوم 1988) ( عزف عود بغدادي 1993) ( خرزة زرقاء 1997) ( ليالي السيد سلمان ـ قصص مترجمة الى الانكليزية 2010) ولم يتوقف عطاؤه عند هذه الأجناس الأدبية ، بل خاض مجال الكتابة الفكرية والسياسة حيث أصدر ( الدولة غير المثقفة 1996) ( الدولة المأزومة والعنف الطائفي 2002) وفيها تتلمس وطنية هذا الصوت من خلال طروحاته التي انطوت على خبرة روحية وثقافية متميزة ، وعلى هامش زيارته لمدينته " الديوانية " التقيناه في هذا الحوار : * كيف وجدت حال الحياة العراقية بعد هذه السنوات الطويلة من الغياب القسري في المنافي؟ ـ بعد (32) سنة من الغياب و أول ماحطت طائرتي ـ القادمة من لندن ـ في مطار بغداد ، شعرت وكأنني لم اغادر العراق ابداً خصوصا بعدما استقبلتني وجوه اهلي وأقاربي والاطفال الممتلئين بالفرح والبراءة والأمل ،وتعمقت هذه المشاعر بعد وصولي الى " الديوانية " ولقائي ببقية اهلي وأصدقائي ، كما استغربت لاستمرار انقطاع الكهرباء ونقص الخدمات بعد كل هذه السنوات ، ولكن على العموم ان تصل العراق بدون وجه صدام الكريه وبدون جلاوزة الأمن والبعث فهذا وحده يفتح ابواب الأمل وعليك ان تمتلك الثقة بالنفس وبالآخرين لكي ترى الأمور بواقعية وتواصل حياتك مع الآخرين رغم كل السلبيات التي يعرفها الجميع . * كما هو معروف انك جربت الكتابة في أجناس أدبية عديدة ( الشعر ـ القصة ـ الرواية) وكذلك خضت مجال الكتابة الفكرية والسياسية ، اين تجد عطائك الحقيقي من بين كل هذه الميادين الابداعية ؟ . ـ كما تعرف ياصديقي نحن لم نأت الى الأدب من أجل الأدب ولا للثقافة من أجل الثقافة بل كان هاجسنا الأساسي هو احساسنا بغياب العدالة في ظل دولة ظالمة ، تحولت الحياة العراقية الى صعوبات ومخاوف وعثرات فكنا نواجه كل ذلك وكانت الثقافة بالنسبة لنا أداة لتطوير وسائل المواجهة ولجعل الحياة نفسها أقل وحشة ، واذا كان الشعر مدفوع بهواجس لاشعورية فالتوجه نحو الثقافة والفكر ينطوي على ادراك مسبق لضرورة ذلك ، في لبنان حيث عشت الثلاث سنوات الاولى كان لابد ن اعمل لكي اعيش وكانت الصحافة هي الأقرب ، فكان عملي يقتضي احيانا تناول المواضيع العربية بالاضافة الى الشأن العراقي ولكن منذ انتفاضة آذار العظيمة اتجهت لدراسة الأزمة السياسية في العراق ، أزمة الدولة والمجتمع والاحزاب دون ان انقطع عن كتابة الشعر حيث صدرت لي ثلاث مجاميع شعرية ، واذا كنت قد جربت القصة قبل مغادرتي للعراق ولكن بشكل متباعد وبسيط ، ففي دمشق سنة 1987 عانيت من كابوس يقظة ـ ان صح التعبير ـ ناتج عن متابعتي لمآسي الحرب التي كان يعيشها العراقيون ، كنت أتخيل نفسي مقتولاً وعائدا الى البيت في تابوت على ظهر سيارة وكان ثمة فتحة في التابوت ارى من خلالها مايدور في داخل بيتنا ومايحيط به ،وجدت نفسي اكتب قصة " الهواء يوشك على الوجوم " وهذه القصة دفعتني لكتابة مجموعة قصص أخرى عن الحياة العراقية والتفاصيل التي عشتها في بداية حياتي فصدرت مجموعتي القصصية الأولى التي تحمل عنوان القصة المذكورة ، وهذا يعني انني أجد نفسي في كل نص كتبته أدبياً وفكرياً. * نشرت في أواسط السبعينيات في صحيفة طريق الشعب وصحف عراقية اخرى قصائد حب ومازلت تنشر مثلها رغم صعوبة الظروف ،فهل لديك نظرة خاصة عن قصيدة الحب ؟. ـ أعتقد بأن قصيدة الحب هي قصيدة مقاومة ، لأن من نتاج الدكتاتورية هو اطفاء الروح العذبة عند الانسان واستبدالها بالخوف والقلق ، فالدكتاتورية تكاد تفقدنا القدرة على الحب ،لذلك تفقد الشعوب لبعض الوقت في ظل الدكتاتورية احساسها بالأمل وايمانها بالمستقبل مما يضعف المشاعر والنوازع الطبيعية عند الانسان وفي مقدمتها غريزة الحب ، الحب كما نعرف جميعا هو هاجس يومي لدى جميع البشر وعندما نتشبث به انما نتشبث بانسانيتنا وبحقنا بالوجود ، لذلك فأن قصيدة الحب تساعدنا في هذا المسعى . الذي يثير استغرابي في الشعر العربي الحديث عموما هو غياب قصيدة الحب كظاهرة مع ان الشعراء اكثر الناس شغفا بالآخر وربما يدل هذا الغياب على خلل في التوجهات الثقافية في الوسط الأدبي عموماً لأن كتابة قصيدة الحب يعني انك تتواصل مع ذاتك ونوازعك بشكل طبيعي في ظل ظروف غير طبيعية وقاسية اكثر مما يجب احيانا ً وهذه مهمة ، أي مهمة التواصل مع الذات تحتاج الى تدريب وهي مهمة غير سهلة في جميع الأحوال. * في واحدة من قصائدك تقول ( تركت لي ارجوحة مقطوعة في بساتين بغداد ، نسيت شيئا ما في مكان ما ) فهل عودتك هي محاولة رأب الصدع لعوالمك التي عبثت بها سنوات الطغيان ؟ . ـ من الصعب ان نعتبر الأدب بديلاً عن الحياة ، بل هو في الغالب دليل على الخسارة ، فالديوانية التي غادرتها في نهاية السبعينيات لم اجدها ، لقد تغيرت كثيراً ، الأماكن والشوارع والأسواق ، اصدقاء كثيرين غابوا الى الأبد ، قتلو في سجون البعث او في الحروب المشبوهة ، لم ارى بغداد بعد ، ولكن من الواضح ان كل شيء قد تغير فأن العراق الذي غادرته لن اراه ابداً وعلى ان اكتفي بوجود الأصدقاء الطيببين وان ابدأ مع عراق جديد ، عراق مفعم بروح الشجاعة والأمل رغم كثرة الجروح والكدمات ، علي ّ ان اتهيأ لقصائد جديدة ولقصص اخرى . * تشير في كتاباتك الى افتقار الاحزاب السياسية العراقية الى "حاسة التمييز" بين المصالح الحزبية الضيقة وبين الضرورات الوطنية التي بدون ترسيخها لامصالح مضمونة لأي حزب ، هل تعتقد ان هذه الحقيقة ماتزال غائبة عن واقع وممارسة هذه الاحزاب ؟ . ـ نعم هذه الأحزاب تفتقر فعلاً للخبرة الثقافية المفترضة بحركة سياسية تقود الأمور في بلد مهم وخطير بالنسبة للدول القريبة والبعيدة كالعراق ، هناك مصالح ستراتيجية للدول الكبرى والدول الاقليمية في بلادنا مثلما للعراق في تلك الدول ، وهذه المصالح المتبادلة لايمكن ان تستمر وتتطور بشكل طبيعي بدون نظام سياسي يعتمد الشفافية وسلطة القانون والكفاءات الادارية التي تضطلع بادارة دولة كبيرة نسبياً كالعراق ، لقد جاء تسارع الاحداث بعد 2003 بأحزاب لم تفهم من السياسة سوى مقولات زائفة كالمحاصصة والصفقة السياسية اللتان انتجها هذا السلوك المشين المتمثل بالفساد المالي والاداري والشهادات المزورة والضمائر المزورة فأصبحنا مغلوب على أمرنا أمام مهمة مزدوجة وهي المحافظة على النظام الديمقراطي وفضح الفساد والمفسدين على أمل ان نكون فعلاً على طريق التغيير رغم المعوقات المعروفة . * منذ سنوات وأنت متفائل وترى ان الظواهر السائدة في العراق غير ثابتة ولانهائية ، ولايقاس عليها توقعات المستقبل المنظور ، فهل يعني ان العراق مايزال يعيش " اللحظة السياسية المتحركة " ؟ . ـ نعم ، فالحياة بطبيعتها متحركة وتتجدد باستمرار رغم اننا لانرى هذا التجدد ونحس به مباشرة ، نحن الآن في العراق بدأنا ننتقل من ثقافة الانقلابات والمؤامرات التي كانت سائدة ومكرسة لدى الأحزاب العراقية الى ثقافة التبادل السلمي للسلطة من خلال صناديق الاقتراع ، فالنظام الديمقراطي لايعني تحقيق العدالة مباشرة بل يعني تهيئة المناخات في ظل سلطة القانون لجعل الصراع سلمياً بين الاطراف المختلفة كي يثبت كل طرف صحة توجهاته امام المجتمع وهذا يحتاج الى فترة ليست قصيرة كما معروف . ان ما ينقصنا في العراق هو ثقافة المستقبل وتطوير حاسة الأمل لدى المواطن والأحزاب والمسؤولين . اننا مانزال متأثرين بالأربعين سنة الماضية من الدكتاتورية المقيتة شعورياً وفكرياً وعلينا ان نتخلص منها ونحل محلها ثقافة الأمل والايمان بالمستقبل .
#ثامر_الحاج_امين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نخبك ياظلام
-
قراءة في كتاب - الشعر فاعلا اٍرهابياً -
-
ثمة نور خلف ... - أبواب الليل -
-
ضوء من التاريخ في رواية - بسمائيل -
-
رواية -الحياة لحظة- في جلسة نقدية
-
تعسف القوانين .. المادة (200) عقوبة الاعدام انموذجا
-
الثقافة القانونية .. طريق للبناء الحضاري
-
الشاعر - صلاح حسن -.. ينفض رماد مسلته
-
- كلاب الآلهة - .. شهادة بيضاء عن حقبة سوداء
-
-ملتقى الوركاء للثقافة والفنون-..خطوة فريدة
-
هل يفعلها العراقيون.؟
-
-جدل-...اشراقة على عالم الثقافة
-
الجدار الثقافي في الديوانية .. يحتفي بالروائي-سلام ابراهيم-
-
-الارسي- الوجه الاخر للتجربه
-
التكريم يأتي في أوانه
-
قفشات من اوراق كزار حنتوش
-
-اوراق من ذاكرة مدينة الديوانية- .. سيرة مدينة طيبة
-
الروائي -علي عبد العال- العودة الى الرحم
-
في ذكراه الثانية كزار حنتوش..استشراف الموت
-
المستبد .. صناعة قائد في حكم 4 عقود
المزيد.....
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|