|
مصر: ثورة أم انقلاب عسكري؟
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 3280 - 2011 / 2 / 17 - 07:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
-1-
أصبحت "المسألة" المصرية، الشغل الشاغل للإعلام العربي والغربي، لأسباب عدة تاريخية وسياسية وجغرافية وسكانية وإبداعية.. الخ. ولعل تاريخ مصر في النصف الثاني من القرن العشرين، وما تم فيها من تحولات وتفاعلات في المحيط الإفريقي والعربي والدولي، هو الذي وضعها في موضع هذا الاهتمام الكبير.
خلال الأسبوعين الماضيين وبدءاً من 25/1/2011، تسارعت الأحداث في مصر بشكل (قطع) أنفاس الجميع من مراقبين ومحللين سياسيين. حتى أن كثيراً من المحللين السياسيين آثروا الصمت، واكتفوا بمراقبة الموقف، إلى أن تنجلي الأمور تماماً. وحتى هذه الساعة، يبدو أن الأمور لم تنجلِ. ويبدو أن التطورات في المسألة المصرية تتابع، تتابع أمواج التسونامي العنيفة.
ولكن الشعور العام في العالم العربي، وفي معظم أنحاء العالم، أن الجميع خائفون على مصر، ويريدون لها السلامة، لكي يسلموا هم جميعاً. فقد شعر الجميع أن سلامة مصر في سلامتهم، واضطرابها في اضطرابهم. وعادت مصر لكي تكون في العالم العربي – على الأقل – الأم الحنون، الذي يغضب من الجميع، ويغضب منه الجميع، ولكنه يحتضن الجميع، ويرأف بهم.
-2-
حقيقةً وصدقاً، لا يعرف المراقب والمحلل السياسي ماذا يقول، ومن أين يبدأ. ويخشى أن يصدر أحكامه، في ظل هذه التطورات المتلاحقة. ولكن هناك عدة نقاط ضوء، كادت أن تكتمل وتُفصح، ويستطيع المحلل السياسي، أن يتحدث عنها بشيء من الوضوح الآن، منها:
1- أن جماعة الإخوان المسلمون أثبتت بأنها من أذكى الأحزاب في التاريخ السياسي البشري والعربي خاصة. وهي قد استفادت من دروس الماضي استفادة كبيرة. وخرجت من (الخضَّة) المصرية الأخيرة بمكاسب كبيرة، على رأسها انتزاع الاعتراف الرسمي من الدولة بشرعيتها، ووجودها، بعد أن أُنكرت، وطُوردت، وسُجنت، وعُذبت، وشُنقت، منذ ستين عاماً؛ أي منذ 1952. وتجلّى ذكاؤها، وحصافتها، في أنها من خلال تصريحات مرشدها العام، والمؤتمرات الصحافية التي عقدتها، وتصريحات القيادي البارز فيها عصام العريان، أن لا مطالب سياسية خاصة بها. وأن مطالبها هي مطالب الشعب المصري كله. وأنها لا تطمع، ولا تطمح بالرئاسة أو القيادة. بل امتنعت تماماً، عن رفع شعاراتها الدينية المعروفة كشعار "الإسلام هو الحل".
2- انكر الإخوان المسلمون أنهم كانوا يقودون المظاهرات. علماً أننا شاهدنا عناصرها في الفضائيات من الرجال الملتحين والنساء المحجبات يقودون المظاهرات. ولعب القيادي الإخواني محمد البلتاجي النائب السابق (نجح في انتخابات 2005، وسقط في 2010) دوراً رئيسياً في الحشد والتنظيم. فجماعة الإخوان المسلمين، هي الحزب الوحيد في مصر، الذي لديه خبرة الحشد والتنظيم والعناصر القادرة على التأثير دينياً وسياسياً، على الشارع المصري – خاصة - لأن معظم عناصره من البسطاء الفقراء المتدينين شعبياً، والعاطلين عن العمل، وسكان العشوائيات، والناقمين على الدولة، من جراء ذلك.
3- وصل حد الدهاء بقيادة الإخوان المسلمين أن قال عصام العريان في المؤتمر الصحافي الذي عقده في 9/2/2011 مع القياديين الإخوانيين الآخرين (محمد مرسي، عضو مكتب الإرشاد والمتحدث الإعلامي باسم الجماعة، ومحمد سعد الكتاتني عضو مكتب الإرشاد والمتحدث الإعلامي باسم الجماعة) أن الإخوان المسلمين يرفضون الدولة الدينية، ولكنهم يسعون إلى إقامة دولة بمرجعية دينية!
والسؤال هنا:
هل الدولة المصرية القائمة منذ 1952، لم تكن بمرجعية دينية؟
وماذا يقصد العريان بالمرجعية الدينية؟
هل يقصد العريان بالمرجعية الدينية إقامة الحد الشرعي على شارب الخمر، والزاني، والسارق.. الخ؟
هل يقصد العريان بالمرجعية الدينية، إرغام كافة نساء مصر على ارتداء الحجاب وربما النقاب؟
هل يدمر الإخوان - بدولة المرجعية الدينية - المتحف المصري، كما دمَّرت طالبان تماثيل بوذا في أفغانستان عام 2001؟
هل يريد العريان – بدولة المرجعية الدينية - اعتبار أقباط مصر من أهل الذمة، ومطالبتهم بدفع الجزية، وهم صاغرون؟
إن عبارة إقامة دولة بمرجعية دينية، عبارة غامضة وماكرة وملتوية. وهذا المكر والغموض والالتواء هو المنهاج الإخواني المعروف عنهم منذ عام 1928 . فهم لا يفصحون عادة عما يريدون ويهدفون مثلهم في ذلك مثل شعارهم الغامض: " الإسلام هو الحل".
4- كثير من السُذَّج والبسطاء في الشارع المصري والعربي عامة، يرفضون بعض التحليلات السياسية، التي تكشف عن قوة وتأثير وسيطرة الإخوان المسلمين على الشارع المصري في المظاهرات الأخيرة، التي انتهت بعزل ضابطين سابقين (حسني مبارك، وعمر سليمان) وتثبيت ضابط آخر وهو محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة (وهو يذكرنا باللواء محمد نجيب). وتولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحكم في مصر( وسوف يتبين لنا من هو الرئيس الحقيقي من هذا المجلس) علماً بأن ذكاء الإخوان بلغ حداً، قال معه عصام العريان في مؤتمره الصحفي (9/2/2011) بأنهم "يخشون من انقلاب عسكري." في حين أنهم هم الذين دفعوا الشارع المصري إلى هذا الانقلاب، بسبب تعلية سقف المطالبات، من تعديل بعض مواد الدستور (المادة 76، 77، 88، 93، و189) وإلغاء المادة 179 الخاصة بقانون الطوارئ، والتحقيق في حالات الفساد المالي والسياسي، إلى أن وصلوا إلى المطالبة بتنحية مبارك، علماً أن مبارك كان قد نحّى نفسه، عندما تنازل عن معظم صلاحياته كرئيس إلى نائبة عمر سليمان. مما دفع الجيش إلى التفكير فعلياً وجدياً بالاستيلاء على السلطة، سيما وأن مبارك قد اختار عمر سليمان (اللواء السابق في الجيش ورئيس الاستخبارات) نائباً له. وكان طنطاوي أو أحد قادة الجيش المصري يطمعون بهذا المنصب. وقيل في حينها أن الجيش شعر بشيء من الامتعاض، وامتنع عن كف المتظاهرين المتدفقين على ميدان التحرير، ومجلس الشعب، ومبني رئاسة الوزراء، وأخيراً قصر العروبة، حيث كان يقيم مبارك وعائلته، بعد أن سبق للشرطة أن كفَّت يدها عن الشارع. وهو ما يخفي خلفه صورة، أن ما حدث في مصر هو انقلاب عسكري من نظام جديد بدأ من الشارع إلى الثكنة العسكرية على عكس الانقلابات العسكرية في ماضي أيام العالم الثالث، التي تبدأ من الثكنة العسكرية بخروج الجيش، وتنتهي في الشارع حيث مظاهرات الفرح والابتهاج.
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما تكوين عقل الانتفاضة التونسية؟
-
الإخوان: من مجلس الشعب الى ميدان التحرير
-
العقلانية والخرافة في الفكر السياسي العربي
-
مبارك يدفع ثمن ديمقراطيته غالياً
-
مخاوف من تدمير تراث بورقيبة
-
هؤلاء هم أعداء ثورة بورقيبة
-
مخاطر وسلبيات الهيجان الشعبي
-
ثورة تونس الخضراء
-
أحفاد بورقيبة ينتفضون
-
دحر الإرهاب وتراجع تسييس الدين
-
العراق بين حزب الدعوة وحزب البعث
-
تقدم الليبرالية الإسلامية في الخليج
-
من ثقافة الذاكرة الى ثقافة الإبداع
-
العَلْمانية لشفاء العراق من أمراضه المزمنة
-
لا ليبرالية دون سلطان
-
هل العرب آخر الإرهابيين؟
-
الحرب التي لم تكتمل: الديمقراطية في العراق
-
لا شمس تشرق على الجزيرة العربية كل يوم!
-
ما حاجة العراق لعقد مؤتمر قمة عربي في بغداد؟
-
ضرورة الحل السياسي للقضايا الثقافية
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|