|
بعض من أزمات الفقة المعاصر ... -ركاكة فتاوى المرأة-. ابن باز كنموذج فاقع !!.
عبد الخالق السر
الحوار المتمدن-العدد: 980 - 2004 / 10 / 8 - 11:00
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
في ظل الانبساط الحضاري المادي وتسارع وتيرة تطوره يتبدى للمراقب حيرة ومأزق الفقه الإسلامي المعاصر بمرجعيته القروسطية المؤسسة على المذاهب الأربعة. وهي حيرة لها أسبابها الموضوعية من حيث تشعب مناحي الحياة وتكاثف تعقيدات تفاصيلها غير المطروقة أصلاً في هذه المرجعيات الكلاسيكية. وتتكاثف الأزمة حين يصر الفقه الإسلامي المعاصر أن يكون أسيرا لسطوة هذه المرجعيات والتي فيما يبدو أنه تم تأبيدها بوصفها مرجعيات مقدسة لا يمكن تجاوزها أو القفز عليها في أي محاولة لمعايشة الواقع واستنباط أحكام تتوافق مع وقائعه وليس من وقائع الماضي كما هو حاصل الآن ومجسد، حتى وان كان هذا لا يتفق مع مجمل تفاصيل حيواتنا المعاصرة والمتغيرة بحكم الحتمية التاريخية. وعمق الأزمة يتمثل في هذه الرؤية النمطية والمستبطنة لا وعينا حيال من ننيبهم في "تجويز" مستجدات الحياة المعاصرة وتسويغها لنا دينياً من خلال فتاويهم كضوء أخضر يجعلنا ننطلق في شئوننا الحياتية دون وجل من خوف التلوث بالمعاصي!!! ومكمن الأزمة هو ذلك التواضع المعرفي بالشأن الحياتي لعلة تكمن في جهلهم التام بشروط هذه الحياة وذهولهم عنها، حيث أنهم ما زالوا يفترضون أن كل أسرار الكون والحياة البشرية كجزء منه تتموضع بالضرورة داخل بطون هذه المرجعيات الكلاسيكية باعتبارها نصوصاً مقدسة هي الأخرى وتحوي علوم الأولين والآخرين وبالتالي تنصب كل جهودهم في حفظها واجترارها وتجشأها في كل ما يتعلق بتفاصيل الحياة المعاصرة وتعقيداتها المستمرة. هذا دون أن يخطر ببالهم أن هذه الحياة التي نعيشها بكل رؤاها ومفاهيمها هي نتاج علوم وضعية مادية بحتة وهي خلاصة جهود العقل البشري في سعيه الدؤوب لتطويع الطبيعة.
هذا التباين المعرفي من شأنه أن يكشف لنا ذلك الوضع الغريب والشاذ لما ظل يعرف بـ"الفتاوى الدينية" من حيث أنها في الغالب الأعم تأتي هشة ساذجة في تصديها لكثير من الظواهر الحياتية المعاصرة سواء كانت علمية أو تقنية وذلك دون وضع أدنى حد لاعتبار المعايير التي أنتجتها. ورغم أنه وضع شاذ كما أبنا إلا أنه وضع طبيعي في شقه الآخر لأنه يتسق تماماً مع جملة المكون المعرفي للفقيه طالما أنه يستند على مرجعية معرفية بعيدة تماماً عن تلك التي شكلت هذه الظواهر الحضارية مسار الجدل. وهذا يفسر إلى حد ما ذلك الارتباك المصحوب بتسرع دائم حيال التطرق لتسويغ هذه الفتاوى دينياً طالما أن الذهنية المنتجة لهذه الفتاوى في حالة هجرة دائمة وأبدية نحو الماضي وبالتالي تعجز عن قراءة واقعها وفق الشروط المعرفية المنتجة له. والنتيجة كما هي شاخصة في واقعنا المعاصر ادعاء زائف بالإحاطة المعرفية لكل تفاصيل الحياة وبشكل أقرب للأسطورية منها إلى المقدرات المحدودة للإنسان مهما تعاظمت. خلق كل هذا وضعاً كاريكاتورياً لهؤلاء الفقهاء يتفنون من خلاله في اجتراح الفتاوى التي هي أقرب إلى النكات منها إلى الاطروحات الجادة. والأمثلة على ذلك لا حصر لها، وعلى سبيل المثال فتاوى "طلوع الإنسان إلى القمر، عدم الاعتراف بدوران الأرض حول الشمس، اختراع الراديو والتلفاز، الإنترنت أو الفضائيات 00الخ". ولأن مسيرة التاريخ أو حقائق العلم لا تتوقف أو تتبدل حسب مزاج الأغبياء كان لا بد لهؤلاء الفقهاء أن يتراجعوا ويلحسوا فتاويهم المتطرفة بمرور الزمن أو العمل على التبرير أو التلفيق والإتيان بما ينقض سابق تلك الفتاوى دون حرج أو استحياء كما هو حادث الآن.
ولأن "الفتوى" نفسها ليست حالة تجريدية كما يحاولون أن يوهموا البسطاء من السواد الأعظم للأمة بقدر ما أنها حالة "تاريخانية" أي أن ذهنية منتجها لها صلة وثيقة بالواقع الثقافي- الاجتماعي الذي ينتمي إليه، مما يفسر لنا هذا التباين في الاهتمامات الفقهية ودرجة أولوياتها كل حسب البيئة التي ينتمي إليها الفقيه. فمثلاً يمكن للمرء أن يستشف بسهولة دواعي الاهتمام منقطع النظير بفتاوى المرأة من قبل فقهاء مجتمعات الخليج لما لذلك من ارتباط وثيق بواقعهم الاجتماعي-الثقافي والذي تحتل فيه المرأة أدنى الدرجات.
وللتدليل على مدى مأزق فقه الفتاوى المعاصر سوف نأخذ بعض النماذج الفقهية "لشيخ الإسلام الأكبر" – كما يطلق عليه- المرحوم عبد العزيز بن باز ، واختيارنا له يتم من واقع شهرته الكبيرة على محيط العالم الإسلامي بمتطرفيه ومعتدليه على السواء. علماً بأنه رجل ضرير أي ناقص الحواس الأساسية التي تميز الرجل الطبيعي من المعاق، وبالتالي يستمد تواصله المعرفي سماعياً لا بصرياً ورغم ذلك نجده كامل اليقين والقطعية في كل ما يصدر منه من فتاوى!!!!!. ولنأخذ بعض النماذج:
فتوى رقم 1678 وتاريخ 13/10/1397هـ
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث والافتداء على الاستفسار المرسل من أحد السائلين وهو: - السؤال: ما حكم لبس الكعب العالي للمرأة، ووضع المناكير بأضافر المرأة وأيهما أفضل المناكير أم الخضاب، وما حكم وضع الحناء للمرأة أثناء الحيض؟
الجواب: لبس الكعب العالي لا يجوز لأنه يعرض المرأة للسقوط، والإنسان مأمور شرعاً بتجنب الأخطار بمثل عموم قول الله (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) "1" 00 وقوله تعالي (ولا تقتلوا أنفسكم) "2" كما أنه يظهر قامة المرأة وعجيزتها بأكثر مما هي عليه، وفي هذا تدليس وإبداء لبعض الزينة التي نهيت عن إبدائها المرأة المؤمنة بقول الله سبحانه وتعالى: ( ولا يبدين زينتهم إلا لبعولتهن أو آبائهن أو 000 الخ الآية) – الاختصار من عندنا- أما المناكير فلا تجوز لما فيها من منع وصول الماء في الوضوء والغسل إلى الأظافر وأما الحناء للمرأة أثناء الحيض فلا نعلم مانعاً منه كحال الطهر. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو عضو نائب الرئيس الرئيس عبد الله بن منيع عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن باز
هذا نوع من الفتاوى مثير وخطير في نفس الوقت. لأنه يكشف عن سذاجة مفرطة في تفسير الآيات القرآنية قائمة على تفسير عموم اللفظ مهدرة كامل السياق التاريخي وخاصية التأويل وأسباب النزول. ولك ان تتخيل عزيزي القارئ ربط آيات تحمل في طيها ألفاظ "هجامة" – على حد تعبير عبد الله بولا- من شاكلة "قتل و "تهلكة" لمجرد لبس حذاء عالي الكعب وليس قنبلة أو دبابة!!!. ولكن ما هو أنكى وأدهى هو ذلك التعبير السافر في الربط ما بين المرأة والبضاعة المشتراة في الفقرة المنوه عنها بخط أسفلها واستخدام لفظ كثيف الدلالة في هذا الصدد وهو "تدليس" -أي غش -وهنا في سياق استخدامه يشبه المرأة بالبضاعة. وناتج هذا الغش كما تفضل "لا فض فوه" هو رفعها "عجيزتها" أكثر مما ينبي به الوضع الطبيعي من غير "كعب عالي"!!!!. ولكن حتى نكون أكثر انصافاً يجب علينا أن نشير للواقع الاجتماعي الذي ترزح تحت نيره المرأة السعودية حتى نفهم هذا الترخص حد الابتذال في فتاوى ابن باز من حيث أنه مجتمع ذكوري بدوي تمثل المرأة فيه مستودع النقيصة والخطيئة. وبالتالي نستطيع أن نفهم تلك التلقائية الوصفية التي ينطلق منها ابن باز في وصفه للمرأة من واقع مرجعيته الثقافية- الاجتماعية.
ولكن في المقابل وحتى نضع الأمور في نصابها وجب علينا أن نستريح قليلاً مع هذه المفردة "تدليس" لنرى كيف يمارس ابن باز تدليساً عظيماً حين يتعلق الأمر هذه المرة بسيادة أمة وليس "كعب عالي" يقتل ويهلك !!!. يقول صالح الورداني في كتابه: (لما حاق الخطر بآل سعود من جيوش صدام التي بناها بأموالهم أصدر ابن باز على الفور فتواه بجواز الاستعانة بالمشركين الأمريكان وغيرهم 000 وهكذا أصبحت القواعد الأمريكية مشروعة في جزيرة العرب بفضل فتوى ابن باز 000 ومن لحظة دخول الأمريكان بلاد التوحيد انتعش آل سعود وطالبوا ابن باز بالمزيد من الفتاوى التي تدعم الوضع الجديد 000 وكان أن قاد الأمريكان آل سعود نحو الاعتراف بإسرائيل وكسر حاجز العداء بينهما، فهب ابن باز معلناً فتواه بجواز الصلح مع إسرائيل .)"*" انتهى. اذن بقليل من التدقيق في فحوى هذا العجز في استخلاص فتاوى لها علاقة وثيقة بالواقع المعاصر تستند الى عقلانية وموضوعية أكثر مما تستند الى السذاجة والتلفيق ، نجد أن الأمر في كثير من جوانبه يعود في المقام الاساسي الى آحادية المكون المعرفي (علوم الدين) دون الأخذ في الاعتبار قيمة العلوم الوضعية ان لم يكن الاستخفاف بها ولعنهاهما الاساس من حيث أنها مدخل للشيطان كما يروج البعض.
ونعود للورداني مرة أخرة لنلقي الضوء على سيرة ابن باز علها تعزز من صحة دعاونا في في هذا الصدد. (أنا عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله آل باز. 0000 وقد بدأت الدراسة منذ الصغر وحفظت القرآن الكريم قبل البلوغ ثم بدأت في تلقي العلوم الشرعية والعربية على أيدي كثير من علماء الرياض من أعلامهم: - الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسين بن الشيخ بن محمد بن عبد الوهاب. - الشيخ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسين بن الشيخ محمد عبد الوهاب قاضي الرياض. - الشيخ سعد بن محمد بن عتيق (قاضي الرياض) - الشيخ حمد بن فراس (وكيل بيت المال بالرياض) - الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ. وقد لازمت حلقاته نحواً من عشر سنوات وتلقيت عنه جميع العلوم الشرعية ابتداء من سنة 1347هـ إلى سنة 1357هـ حيث رشحت للقضاء من قبل سماحته... انتهى)."**"
إذا هذا هو مجمل ما تلقاه ابن باز من معرفة منتظمة ورغم ذلك حق له أن يفتي في مدى صحة دوران الأرض حول الشمس أو "حرمة" إحياء الآثار أو الصعود إلى القمر!!!. وقس على ذلك مئات من "متفيقهي" اليوم ممن يمسكون بيدهم كافة مفاتيح أسرار الوجود ويلعنون سراً وجهراًُ كافة من تسول لهم أنفسهم السواح بعيداً عن ناموسهم!!. ولنا في القرضاوي وعبد الحي يوسف ومن لف لفهم أمثلة فاقعة لبؤس واقعنا وتمكن التخلف منا. _____________________
هوامش: سورة البقرة، من الآية 159 سورة النساء، من الآية 29 سورة النور، من الآية 31 "*" (ابن باز فقية آل سعود) ص 89 – صالح الورداني "**" نفس المصدر ص 31
#عبد_الخالق_السر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تداعيات ثقافة الفقر وأثرها على سلوك مجتمعات القرن الإفريقي ب
...
-
مآلات دولة -الطهارة الفرعونية ... وظاهرة الوهابية كافراز حتم
...
المزيد.....
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
إعلامية كوميدية شهيرة مثلية الجنس وزوجتها تقرران مغادرة الول
...
-
اتهامات بغسيل رياضي وتمييز ضد النساء تطارد طموحات السعودية
-
جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
-
رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر …
...
-
دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
-
السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و
...
-
دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف
...
-
كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني
...
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|