غازي مسعود
الحوار المتمدن-العدد: 3279 - 2011 / 2 / 16 - 19:48
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
(هذه ترجمة كاملة لمقالة رتشارد دوكنز Richard Dawkins المُعنونة “Viruses of the Mind” المنشورة في مجلة Free Inquiry الصادرة عن Council for Democratic and Secular Humanism، مجلد 13، عدد 3، صيف 1993.)
"تعتمدُ جميعُ الميمات السماوية memes 1 [انظر ملاحظات المترجم في نهاية المقالة] على العقل البشري للوصول إلى غايتها، ولكن العقل البشري نفسه عملٌ فنيٌّ تُنْتِجُهُ الميمات حين تعيد بناء دماغٍ بشريٍ كي تجعله سَكناً أفضل لها. وأثناء هذه العملية، يتمُّ تعديل سُبل الدخول إلى الدماغ البشري والخروج منه لتناسب الظروف المحلية، كما يتم دعمها بأدوات مصطنعة متنوعة تعزِّز إعادة إنتاج العقل البشري والولاء له: فالعقول الصينيّة الأصليّة native تختلف دراميّاً عن العقول الفرنسية الأصلية، وتختلف العقول المُتعلِّمة عن العقول غير المُتعلِّمة. وبالمُقابل، تُقدِّم منظوماتُ المعتقداتِ للعضويّات التي تسكُنُها مخزوناً من الفوائد لا يمكن إحصاء محتوياته – كما تُدخِلُ في تلك العضويّات بعض الأحصنة الطروادية لتضمنَ تحقيق الهدف."
دانيال دينيت**
"علف الاستنساخ"
***
تؤمن طفلةٌ جميلةٌ، قريبةٌ منّي، وتفاحةُ عين والدها، ويبلغ عمرها السادسة، بأن "توماس مُحرك الدبابة" 2 شخصٌ حقيقي. وتؤمن بـ"الأب كريسماس" 3، وتطمحُ، حين تكبرُ، أن تُصبِحَ "جِنِّية أسنان" 4. وتؤمن أيضاً، مع أصدقائها في المدرسة، بزعم الراشدين المُحترمين الوقورين أن جِنِّيات الأسنان والأب كريسماس موجودون فعلاً. وهذه الطفلة في عمرٍ يجعلُها تؤمن بأي شيء تقولُه لها. فإذا قلت لها إن الساحرات يمسخن الأميرات إلى ضفادع، فسوف تُصدِّقُك. وإذا أخبرتها أن الأطفال السيّئين سوف يُشْوون إلى الأبد في جهنَّم، فستصاب بكوابيس. وقد اكتشفتُ مؤخراً أن هذهِ الطفلةَ الحلوةَ البريئةَ البسيطةَ البالغةَ من العمر ستة أعوام قد أُرْسِلَت، من دون موافقة والدها، إلى راهبة كاثوليكية رومِيَّة، لتُلقِّنها تعليمات أسبوعية. ولذا أسأل: ما الذي ستحظى به هذه الطفلة؟
تتشكَّلُ أيةُ طفلةٍ بالتطور لتتشرَّبَ ثقافة أهلها. وبشكل أوضح، تتعلَّمُ أساسيات لُغتِهِم خلال بضعة شهور. وقبل أن تصِلَ نصف حجمِها الراشد، تَنْقُلُ الأدمغةُ الأكبرُ من دماغها إليها قاموسَ كلمات كبير لتتكلَّم به، وموسوعة معلومات لتتكلم عليها، وقواعد نحوٍ ومعنى لتنظيم كلامها. فحين تُعادُ برمجتُك لتتشرَّبَ معلومات مفيدة، بمعدَّلٍ عالٍ، من الصعب عليك أن تقوم، في الوقت نفسه، بإغلاق دماغك على معلومات خطيرة أو مُضرَّة. فمع عديد البايتات العقلية 5 التي يجب أن يخزنوها في مُخِّك، وعديد الكودونات الفكرية 6 التي يجب أن ينسخوها، لا غرابة أن تكون أدمغةُ الأطفال ساذجة، منفتحة تقريباً على أي اقتراح، عرضة للانتهاك، فريسة سهلة للمونيين 7 والعِلْمُلوجيين والراهبات. فمثلهم مثل مرضى فقدان المناعة، يتعرض الأطفال بشكل كبير للإصابات الفكرية التي قد يتخلص الراشدون منها دون عناء كبير.
ويتضمن الحمضُ النووي DNA أيضاً تعليماتٍ برمجيَّةٍ طفيليَّة. والآليَّة الخلوية cellular جيدة جداً في نَسْخِ الحمض النووي. وحيثما تعلَّق الأمر بالحمض النووي، يبدو أن شغفاً يمتلُكُه لينسخَ، تماماً مثل شغف طفلٍ بتقليد لغة أبويه. إلى جانب ذلك، يبدو أن الحمصَ النووي شَغِفٌ بأن يُنْسَخَ. ونواةُ الخليَّة فردوسٌ للحمض النووي، تطِنُّ فيه آلاتُ نسخٍٍ مُعقَّدةٌ سريعةٌ دقيقةٌ.
والآليَّة الخلوية صديقةٌ جداً لاستنساخ الحمض النووي إلى حدِّ أن خلاياها الصغيرة العجيبة تلعب دور المُضيف لطفيليات الحمض النووي – فيروسات، فيرويدات 9، بلازمِدات 10، وكل ما هبَّ ودبَّ من جَوّابين جينيّين آخرين. ويقوم الحمض النووي الطُفيلي حتى بدمجِ نفسه بسلاسة في الكروموسومات نفسها. أما "الجينات القافزة" 11 وامتدادات "الحمض النووي الأناني" 12 فَتُقَطِّعُ نفسها أو تنسخ نفسها من الكروموسومات وتُلْصِقُ نفسها في أي مكان آخر. ويكاد يكون من المستحيل تمييز الجينات السرطانيَّة من الجينات الشرعية 13 التي اندمجت فيها. ففي الزمان التطوّري، يوجد، ربما، انتقالٌ متواصل من الجينات "السويَّة" 14 إلى الجينات "الخارجة على القانون" 15، وعودة، مرة أخرى، إلى السويَّة (دوكنز 1982). فالحمض النووي مجرَّدُ حمضٍ نووي. والشيء الوحيد الذي يُميِّز الحمض النووي الفيروسي من الحمض النووي المُضيف هو منهجه المُتوقَّع في المرور إلى أجيال مُستقبليَّة. والحمض النووي الشرعي المُضيف مجرد حمض نووي يتطلَّع إلى المرور إلى الجيل اللاحق عبر الطريق الأرثوذكسي المُتمثل بالحيوان المنوي والبويضة. والحمض النووي "الخارج على القانون" مجرد حمض نووي يتطلَّع إلى طريق أسرع، غير إجباري، للوصول إلى المستقبل، عبر عطسة أو بقعة دم، وليس عبر حيوان منوي أو بويضة.
بالنسبة لمعلومات موجودة في قرص مرن 16، يُعتبر الكمبيوتر فردوساً تَطُنُّ آليتُه تماماً كما تطِنُّ نواة الخليَّة بشغف لتنسخ حمضاً نوويَّاً. فالكمبيوترات والأقراص وقارئات الأشرطة 17 المرتبطة بها مُصمَّمة بثقة عالية بالعقل. وكما في جُزيئات الحمض النووي، لا "تُريدُ" البايتات المُمغنطة أن تكون منسوخة تماماً وطبق الأصل. ورغم ذلك، يُمكنُكَ أن تكتُبَ برنامجاً كمبيوتريَّاً يخطو خطواتٍ لنسخِ نفسه. وليس نسخ نفسه داخل كمبيوتر واحد فقط بل وينتشر إلى كمبيوترات أخرى. والكمبيوترات جيدةٌ جداً في نسخ البايتات، وجيدةٌ جداً، وبإخلاص، في طاعة التعليمات الموجودة في تلك البايتات، فهي جاهزة دائماً لاستقبال برامج النسخ الذاتي: منفتحة بالطول والعرض على طُفيليَّات البرامج. ويعرف أي ساخرٍ مُطَّلِع على نظرية الجينات الأنانيّة ومنظومات المعلومات أن الكمبيوترات الشخصية الحديثة، بحركة الأقراص المرنة والرسائل الإلكترونية الكثيفة فيها، كانت تسعى للمشاكل فقط. والشيء المفاجئ الوحيد في وباء فيروسات الكمبيوتر الراهن أن أمده طال جداً.
فيروسات الكمبيوتر: نموذج لعلم وباء معلوماتي
فيروساتُ الكمبيوتر قطعُ مُشَفَّرَة تُلصِقُ نفسها في برامج شرعيَّة موجودة أصلاً وتُخَرِّبُ أعمالَ تلك البرامج العاديَّةَ. وقد تتنقَّل في الأقراص المرنة التي يتبادلها الناس، أو في الشبكات. وهي تتمايز تكنيكيَّا من "الديدان" 18، فالديدان برامج كاملة بحدِّ ِذاتها، تتنقَّل، عادةً، في شبكاتٍ متنوعة [وقادرة على نسخ نفسها]. أما ما يختلف عن الفيروسات فهي "أحصنة طروادة" 19، وهي صنفٌ ثالثٌ من البرامج المُدمِّرة، ولا تقوم ذاتيَّاً بنسخ ذاتها بل تعتمدُ على بَشَرٍ ينسخونها لجاذبية مضمونها الإباحي أو ما شابه ذلك. والقيروسات والديدان برامج تقول فعلاً، بلغة كمبيوتريَّة، "انسخني." وقد تقوم بأشياء أخرى تجعلُ حضورَها ملموساً وربما يُرضي غرورَ مؤلِّفَيْها السريّين. وقد تكون هذه الأعراض الجانبيَّة "فكاهيَّة" (مثل الفيروس الذي يجعل مُكبِّر الصوت المُثَبَّت في كمبيوتر ماكنتوش يلفظ كلمتي "لا تفزع،" بما لهما من أثر نقيض متوقّع)؛ أو مُضرَّة (مثل فيروسات شركة آي بي إم IBM الكثيرة التي تمحو القرص الثابت 20 بعد إعلان يظهر على الشاشة يُحذِّرُ من المصيبة القادمة، ويُلفظُ بضحكة مكتومة)؛ أو سياسيَّةً (ففيروسات شركة الاتصالات الإسبانيَّة و ’بيجنغ’ تحتجان على ارتفاع أسعار الهواتف وعلى ذبح الطلبة على التوالي)؛ أو، بكل بساطة، غير مقصودة (فالمُبرمج غير كفؤٍ للتعامل مع مُكالماتِ نظام مُتدني المستوى مطلوبةٍ لكتابة فيروس فعَّال أو دودة). فدودة الإنترنت التي شلَّت معظم القدرة الكمبيوترية للولايات المتحدة الأمريكية في الثاني من تشرين ثاني 1988، لم يكن القصد منها أن تكون مُضرَّة (جداً) ولكنها فلتت من السيطرة وأوقفت، خلال أربع وعشرين ساعة، ذاكرة نحو ستة آلاف كمبيوتر، ودعمت نفسها بنسخِ نُسخٍ مُضاعفة منها نفسها.
"وتنتشر الميمات الآن حول العالم بسرعة الضوء، وتتناسخ بمعدلات تبدو خلايا ذبابات الفواكه والخميرة بالمقارنة بها جامدة. وهنَّ يقفزن بمرونة قائقة من واسطة انتقال إلى أخرى، ومن وسيلة إلى وسيلة، ويُثبتنَ أنهن غير قابلات للحَجْر تقريباً" (دينيت، في الصحافة). والفيروسات ليست مقصورة على وسائط الإعلام الإلكترونية مثل الأقراص وخطوط البيانات. وفي طريقه من كمبيوتر إلى آخر، قد يمر فيروس في حبر الطباعة، أو أشعة خفيفة في عدسة عين بشرية، أو نبضات العصب البصري، أو تقلصات عضلات إصبع. وقد أُدينت مجلةٌ من مجلات عشّاق الكمبيوتر، على نطاق واسع، لأنها طبعت نص برنامج فيروس لفائدة قرائها. وفي الواقع، هذا هو النداء الذي يجب أن توجهه فكرة الفيروس إلى عقليَّة طفوليَّة مُعيَّنة: إن نشر أي نوع من المعلومات بعنوان "كيف تفعل ... كذا" لتصميم برامج فيروس هو بحق فعلٌ غير مسؤول.
وأنا لن أنشر أية شيفرة فيروس. ولكن توجد خِدعٌ معيَّنة لتصميم فيروس فعَّال، معروفة بما فيه الكفاية، وحتى واضحة، لن يَضُرَّ ذكرها، كما يتعيَّن عليَّ أن أفعل لتطوير موضوعي. وتنشأ جميعاً عن الحاجة لتجنُّب اكتشافها وهي تنتشر.
وسوف يتم قريباً اكتشاف أي فيروس ينسخُ نفسه بكفاءة عالية داخل كمبيوتر واحد، لأن مؤشرات اعتراضه سوف تصبح واضحة جداً لا يمكن إغماض العين عنها. ولهذا السبب، تقوم عديد برامج الفيروس بعملية فحص مُسبقة، قبل إصابة أي نظام، لتتأكد أنها ليست موجودة فعلاً في ذلك النظام، وللمناسبة، يَفتحُ هذا العملُ الطريقَ لدفاعٍ ضد فيروسات تشبه برامج تحصين immunization. ففي الأيام التي سبقت وجود برامج مضادة للفيروسات، قُمت أنا نفسي بالرد على إصابة مُبكِّرة لقُرصي الثابت، وذلك بعملية "تطعيم" vaccination بسيطة. فبدلاً عن حذف الفيروس الذي اكتشفته، قُمت، بكل بساطة، بإيقاف تعليماته المُشفَّرة عن العمل، تاركاً "قذيفة" [فشكة] الفيروس، بـ"اسمه" الخارجي المُميَّز، سليماً. نظريَّاً، كان على فيروسات لاحقة، من نوع الفيروس الذي وصل نظامي، أن تتعرف على اسم نوعِها وأن تمتنع عن إصابة نظامي إصابة مُضاعَفَة. والحق أنني لا أعرف إن كان هذا التحصين الذي قمت به قد عَمِلَ، ولكن، في تلك الأيام، ربما كان من المفيد "تصفية" الفيروس وترك قذيفة كهذه، بدلاً عن، بكل بساطة، إزالة رتاجه وذخيرته وسبطانته. وفي هذه الأيام، من الأفضل إحالة المشكلة إلى احد مُحترفي كتابة البرامج المضادة للفيروس.
إلى ذلك، سوف يتم اكتشاف أي فيروس خطرُ جداً بسرعة ويوضعُ حدٌّ له. وفيروس يُخرِّبُ فوراً وبشكل مُريع كلّ كمبيوتر يجدُ نفسَه فيه لن يجد نفسَه في كمبيوترات عديدة. قد يكون له تأثيرٌ مدهش في كمبيوتر واحد: يمحو أطروحة دكتوارة كاملة أو شيئاً يساويها في تفطير القلب – لكنه لن ينتشر كوباء.
ولذا، تُصمَّمُ بعض الفيروسات ليكون لها تأثيرٌ طفيف يكفي ليكون عصيَّاً على الاكتشاف، ولكنه قد يكون، رغم ذلك، مُضرَّاً جداً. ويوجدُ نوع من الفيروسات يقوم، بدلاً عن محو أجزاء القرص بالجُملة، بمهاجمة جداول بيانات، ويقوم بتغييرات عشوائية قليلة في الكميَّات (المالية) التي اُدخلت في السطور والأعمدة. وتتجنَّب فيروسات أخرى الاكتشاف لأنها أُطلِقت احتماليَّاً لتمحو، على سبيل المثال، واحداً فقط من ستة عشر قرص ثابت مُصابة. وفوق ذلك، تُوظِّفُ فيروسات أخرى مبدأ القنبلة الموقوتة. فمعظم كمبيوترات اليوم "واعية" بالوقت، وأُطلقت فيروسات لتظهر في جميع أنحاء العالم، بتاريخ مُحدَّد مثل 13 شباط أو "يوم كذبة نيسان". ومن وجهة النظر الطُفيليَّة، لا يهم مقدار المُصيبة التي ستنجم عن الهجوم، ما دامت فرصٌ هائلةٌ أُتيحت للفيروس لينتشر أولاً، وهذا تشابهٌ مُقلق مع نظرية مِداوار/ وليامز عن الشيخوخة؛ فنحن ضحايا جينات مُميتة وشبه مُميتة تنضُجُ فقط بعد أن يكون وقتٌ هائل قد أُتيح لنا لنعيد إنتاج أنفسنا (وليامز 1957). ودفاعاً، تذهب بعض الشركات إلى مدى أبعد لتضع جانباً "كناري عامل منجم" 21 واحد بين أسطولها من الكمبيوترات، وتُطور رُزنامتها الداخلية أسبوعيّاً يحيث تقوم أية فيروسات من نوع القنبلة الموقوتة بكشف نفسها مُسبقاً قبل اليوم الموعود.
مرة أخرى، وكما هو مُتوقع، أدَّى وباءُ فيروسات الكمبيوتر إلى سباقَ تسلّح. فالبرامج المضادة للفيروس أصبحت تجارة مُدويَّة. وتوظِّف هذه البرامج الترياقيَّة – "إنترفيرون" 22، "لقاح"، "حارس البوابة" 23 ، وأخرى – ترسانة خِدع متنوعة، بعضها مكتوب وفي البَالِ فيروسات مُحددة معروفة مُسمَّاة. وأخرى تعترض أية محاولة للتدخل في مناطق الذاكرة الموجودة في نُظُم حساسة، وتقوم بتحذير المُستخدِم.
ويمكن، نظريَّاً، استخدام مبدأ الفيروس لأغراض غير ضارة وحتى لأغراض مفيدة (تمبلباي 1991). فليس من الخيال أن نتصوَّر زمناً تكون فيه الفيروسات، السيئة والطَّيبة، قد أصبحت في كل مكان، إلى حدٍّ يمكننا معه التكلُّمُ على بيئة مكوَّنة من جماعة فيروسات وبرامج شرعيَّة تتعايش معاً في المجال السيليكوني. وفي الوقت الحاضر، يتم الإعلان عن برامج كمبيوتر كبرامج متوافقة، لنقل، مع "النظام 7" 24. وفي المستقبل، قد يتم الإعلان عن المُنتجات باعتبارها "متوافقة مع جميع الفيروسات المُسجَّلة في إحصاء الفيروسات العالمي لسنة 1988، وهي حصينة على جميع الفيروسات الخطرة، فاستفد استفادة كاملة من التسهيلات التي توفِّرها هذه الفيروسات الحميدة إن كانت موجودة ...." وقد يقوم برنامج معالجة نصوص wordprocessing، لنقل، بتسليم وظائف معيَّنة، من مثل عدِّ الكلمات وسلسلة عمليات البحث، إلى فيروسات صديقة تخترقه مباشرة من خلال النص.
وإذا نظرنا أبعد إلى المستقبل، سنجد أن مجموعة متكاملة من أنظمة برمجيات قد تتطور، ليس من ناحية التصميم، بل من ناحية ما يشبه نمو جماعات بيئيَّة، كاالغابات الاستوائية الماطرة. وقد تنمو عُصَب من الفيروسات المتوافقة تماماً بالطريقة نفسها التي بمكن بها اعتبار خرائط جينوم عُصَب من جينات متوافقة تماماً (دوكنز 1982). وفي الواقع، كنتُ حتى قد اقترحت أن نعتبر خرائط جينوم خاصة بنا مستوطنات جينيَّة عملاقة (دوكنز 1976). فالجينات تتعاون في ما بينها في خرائط جينوم لأن الانتخاب الطبيعي قد فضَّل تلك الجينات التي تزدهر في حضور جينات أخرى حدث أن كانت شائعة في مجموعة جينات. وقد تتطور مجموعات جينيَّة مختلفة إلى مُركَّبات متنوِّعة من جينات متوافقة تماماً. وأنا اتخيَّلُ زمناً قد تتطور فيه فيروسات كمبيوتر، بالطريقة نفسها، لتتوافق مع فيروسات أخرى، ولتُشكِّل جماعات أو عُصَب.
ولكن، مرة أخرى، قد لا يكون الأمر كذلك! فأنا أجِدُ التكهن مدعاة للقلق أكثر منه مُثيراً.
في الوقت الحاضر، لا تتطور فيروسات الكمبيوتر بثبات. فقد اخترعهُنَّ مُبرمِجون بشر، وإذا تطوَّرن يتطوَّرن كما تتطور السيَّارات والطائرات. فالمُصمِّمون يقودون سيّارةَ هذا العام وقد عُدِّلت تعديلاً طفيفاً عن سيارة العام الماضي، وربما يواصلون بوعي، بهذا القدر أو ذاك، إنتاج سيارات على نهج سيارات أعوام قليلة سابقة – تسطيح أكثر لشبكة الرادييتر أو أي أمر آخر. ويحلمُ مُصمِّمو فيروس الكمبيوتر بخِدع أكثر مكراً ليتفوقوا على مبرمجي البرامج المضادة للفيروس. ولكن فيروسات الكمبيوتر لا تتغيَّر وتتطور – إلى الآن – بالانتخاب الطبيعي. قد تفعل ذلك في المستقبل. وسواء تطورت بالانتخاب الطبيعي، أو طوَّرها مصممون بشر، فقد لا يُشكل ذلك فَرقاً كبيراً في أدائها اللاحق. ومهما كان نوع التطور، نتوقع أن تصبح فيروساتٌ متوافقةً تماماً مع فيروسات أخرى تزدهر، في الوقت نفسه، بين جماهير الكمبيوتر.
تنتشر فيروسات الحمض النووي وفيروسات الكمبيوتر للسبب نفسه: فأية بيئة تظهر للوجود حيث توجد آليَّة أُعدَّت جيداً لتنسخها وتنشرها ولتطيع تعليمات متجسدة في فيروسات. وهاتان البيئتان هما، بالتتالي، بيئة الفسيولوجيا الخلويَّة والبيئة التي توفّرها مجموعة كبيرة من الكمبيوترات وآليَّات معالجة البيانات. فهل توجد أيَّة بيئات أخرى تشبه هاتين البيئتين، أيَّة فراديس نَسْخٍ طنّانة؟
العقل المُصاب
سبقَ وألمعتُ إلى السذاجة المُبرمجة في الطفلة، المفيدة جداً لتعلّم اللغة والحكمة التقليديَّة، وخرَّبتها يدُ الراهبات والمونيين ومن شابههم. وبشكل أعم، نتبادل جميعنا معلومات. نحن لا نقوم، بالضبط، بإدخال أقراص مرنة في فتحات موجودة في جماجمنا، بل نتبادل جُمَلاً، بواسطة أُذننا وأعيننا. ويُلاحِظُ كلٌّ منا أساليب آخرٍ وهو يتحرك ويلبِس، ويُؤثِّر واحدنا بآخر. نستمع إلى جلجلات إعلانيّة، ويُفترضُ أننا اقتنعنا بها، وإلا لما صرف رجال أعمالٍ دهاة مبالغ مالية طائلة ليلوثوا الهواء بها.
فكِّر بالمزيتين اللتين يطلبهما فيروس، أو أية الناسخات طُفيليَّة، من وسط صديق، المزيتين اللتين تجعلان الآليَّا الخلوية صديقة جداً للحمض النووي الطُفيلي، واللتين تجعلان الكمبيوترات صديقة جداً لفيروسات الكمبيوتر. هاتين المزيتين هما، أولاً، استعدادٌ لنسخ معلومات بدقة، ربما مع بعض أخطاء يمكن إعادة إنتاجها بدقة؛ و، ثانياً، استعدادٌ لطاعة تعليمات مُشفَّرة في معلومات ليتم نسخها.
الآليّات الخلويَّة والكمبيوترات الإلكترونية تُبدعُ في كلا هاتين المزيتين الصديقتين للفيروس. فكيف تُقارَنُ العقول البشرية بها؟ كناسخات مخلصات من المؤكد أنهن أقل كمالاً من الخلايا أو الكميوترات الإلكترونية. ورغم ذلك، ما زلن جيدات جداً، وربما مخلصات كفيروس آر إن أي RNA 25 ، ولكنهن لسن جيدات بجودة الحمض النووي، بكل ما فيه من إجراءات لتصحيح الكتابة تمنعُ تدهور النص. والاثباتُ على إخلاص الأدمغة كناسخاتِ بيانات، وبخاصة أدمغة الأطفال، تُقدِّمه اللغةُ نفسها. فقد كان البروفسور هغنز [بطل مسرحية برنارد شو "سيدتي الجميلة"] قادرا بالأُذن وحدها أن يعرف الشوارع التي ترعرع اللندنيون فيها. ولكن القَصَصَ ليس دليلاً على أي شيء، فكل امرئ يعرف أن مهارة هغنز القَصَصِيَّة مجرد مُبالغة في شيء يستطيع جميعنا أن يفعله. فأي أمريكي يستطيع أن يُميِّز لهجة أقصى الجنوب من لهجة الغرب الأوسط، ولهجة نيوإنجلاند من لهجة هِلبيلي. وأي نيويوركي يستطيع أن يميز لهجة برونكس من لهجة بروكلين. ويمكن قول الشيء نفسه عن أي بلد. وما تعنيه هذه الظاهرة يتلخص في أن الأدمغة البشرية قادرة على النسخ الدقيق جداً (وإلا لن تكون لهجات، لنقل، نيوكاسل [في بريطانيا] مستقرة بما فيه الكفاية ليُمكنَ التعرُّف عليها) ولكن مع بعض الأخطاء (وإلا لما كان للنطق أن يتطور، ولورث جميع متكلمي لغة ما اللهجات نفسها ، بشكل متطابق تماماً، من أسلافهم الأبعدين). فاللغة تتطور لتمتعها باستقرار كبير وتغيّر طفيف، وهذان مُتطلّبان أساسيان لتطور أي نظام.
والشرط الثاني لبيئة صديقة للفيروس – إطاعة برنامج تعليمات مُشفَّرة – أقل ضرورة للأدمغة من ناحية كميَّة وأكثر ضرورة للخلايا وللكمبيوترات. فنحن نطيع أحياناً أوامر بعضنا، ولكننا أيضاً لا نطيعها أحياناً أخرى. ورغم ذلك، من الحقائق الثابتة في العالم كله، أن الأغلبية العظمى من الأطفال يتَّبعون دين آبائهم وليس أي دين آخر موجود. فتعليمات الركوع والسجود والتوجه إلى مكّة، وهزِّ الرأس إيقاعياًًًً أثناء التوجه إلى حائط المبكى، والارتعاش كالمجانين، ونطق "كلمات غير مفهومة" – وقائمةُ مثل هذه الأنماط من الأفعال الميكانيكيَّة التي يفرضها الدين طويلة – يُطيعها الناس، إن لم يكن وهُمْ صاغرين تماماً، ففي الأقل باحتمالٍ عالٍ.
وأقل مظهريَّة من ذلك، وأكثر شيوعاً، وبخاصة، مرة أخرى، بين الأطفال، هو "الهوسُ". فالهوس مثالٌ صارخٌ على سلوكٍ مَدينٍ لعلم الأوبئة أكثر منه لاختيار عقلاني. فألعاب "اليويو" و"الهولاهوب" و"عصي البوغو"، والسلوك النمطي المرتبط بها، تكتسح المدارس، وبشكل أكثر تحديداً، تقفز من مَدرسةٍ إلى أخرى، بطرق لا تختلف كثيراً عن انتشار وباء الحصبة. فقبل عشرة أعوام، ما كُنْتَ ترى شخصاً يلبس قُبَّعَةَ بيسبول مقلوبة إلى الخلف. أما اليوم، فقبَّعة البيسبول المقلوبة منتشرة في كل مكان. أنا لا أعرف بالضبط المدى الجغرافي الذي انتشرت فيه قبَّعات البيسبول المقلوبة، ولكن من المؤكد أن علم الأوبئة أحد المهن الصالحة قبل غيرها لدراسة ذاك الانتشار. لسنا طبعاً بحاجة للدخول في جدالات عن "الحتمية"؛ ليس علينا أن نزعم أن الأطفال مُجبرون على تقليد موضة قُبَّعات زملائهم. يكفي أن سلوكهم، بلبس القبَّعة، مُتأثِّر، إحصائياً، وفي الواقع، بسلوك زملائهم في لبس القبَّعة.
ومهما كان تافهاً، يُقدِّم الهوسُ لنا دليلاً ظرفياً على أن العقول البشرية، وربما بخاصة عقول الشبَّان، مليئة بالمزايا التي اخترناها لتكون مرغوبة لطُفيليٍّ معلوماتي. وفي أقل القليل، العقل البشري مُرشَّحٌ مقبولٌ للإصابة بشيء يشبه فيروس الكمبيوتر، حتى وإن لم يكن تماماً بيئةَ طُفيليٍّ حالمٍ كما الحال مع نواة خلية أو كمبيوتر إلكتروني.
ومن المثير للفضول حقاً أن يتساءل المرء كيف سيكون العقل، من الداخل، إذا وقع ضحية "فيروس." قد يكون هذا الفيروس طقيلياً مُصمَّمٌاً قصداً ليشبه فيروس كمبيوتر اليوم الحاضر. أو قد يكون طفيلياً تغيَّر طفرةً وتطوَّر غريزيَّاً. ومهما كانت الحال فنحن، خصوصا إذا كان الطفيلي المُتطوِّر سليلاً مشابهاً لخط طويل من الأسلاف الناجحين، أحرارٌ في توقع أن يكون "فيروس العقل" النموذجي جيد جداً في عمله، أي ينسخُ نفسه بنجاح.
وسيكون للتطور التدريجي لطفيليات العقل الأفعل بُعدان. فالطفرات الجديدة الأفضل في الانتشار (سواء كُنَّ عشوائيات أو صمَّمهن البشر) سوف يصبحن أكثر تعدّداً. وسوف تتحد الأفكار التي تزدهر في حضور واحدها مع الآخر، أفكار يدعم واحدها الآخر، تماماً مثلما تفعل الجينات، وكما توقعتُ أن تفعل الكمبيوترات، ربما، ذات يوم. فنحن نتوقع أن تتنقل الناسخات معاً من دماغ إلى دماغ على شكل مجموعات متوافقة. وسوف تُقيمُ هذه المجموعات اتحاداً بينها، يكون مُستقرَّا بما يكفي ليستحق اسماً جماعياً مثل الكاثوليكيّة الروميَّة أو الفودو 26 ، ولا يهمُّ كثيراً إذا شبَّهنا المجموعة كلها بفيروس واحد، أو كل واحد من أجزائها المُكوِّنة بفيروس واحد. فالتشابه، في أية حال، ليس بذاك القدر من الدِّقة، كما التشابه الذي بين فيروس كومبيوتر ودودة كمبيوتر ولا يجب أن نشغل بالنا به كثيراً. ما يهمُّ هو أن العقول بيئات صديقة لأفكار أو معلومات طفيليَّة تنسخ ذاتها، وأن العقول تُصابُ عادة بشكل واسع.
ومثلها مثل فيروسات الكمبيوتر، تميل فيروسات العقل الناجحة إلى أن تكون عصيّة على اكتشاف ضحاياها لها. فإذا كُنتَ واحدا من ضحايا فيروسات العقل، فالأرجح أنك لن تعرفها، وحتى قد تُنكر وجودها بقوة. وإذا قبِلتَ أن من العصي عليك اكتشاف فيروس ما في عقلك، فما المؤشرات التي سوف تبحث عنها لتحذَرَ منه؟ سوف أجيب عن هذا السؤال بتصور كيف سيصف كتاب مدرسي طبي الأعراض النمطيّة لمُصابٍ مُعَانٍ (مُفتَرِضَاً افتراضاً تعسفيَّاً أن المصابَ ذكرٌ).
1. يجدُ المريض نفسه، عادةً، مكرهاً، باقتناع داخلي عميق، على الاعتراف بوجود شيء ما حقيقي، أو دقيق، أو صحيح: اقتناعٌ لا يبدو أنه مدينٌ بأي شيء لدليل أو سبب، ولكن، ورغم ذلك، يشعر بأن ذلك الشيء قوي ومُقنعٌ كليَّاً. ونحن الأطباء نقول إن مثل هذا الاقتناعَ "إيمانٌ".
2. عادةً ما يُقوِّمُ المرضى قوة الإيمان ورسوخه تقييماً إيجابياًً، رغم أنه غير قائم على دليل. وفي الحقيقة، قد يشعرون بأنه كلما قلَّت الأدلَّة كلما زادت قيمة الإيمان.
وتملك هذه الفكرة المُفارِِقَةُ القائلةُ إن فقدان الدليل على الإيمان فضيلة إيجابية، شيئاً من جودة برنامج مُكْتَفٍ بذاته، لأنه ذاتي المرجعيَّة (انظر الفصل المعنون "حول الجُمَل الفيروسية والبنى الذاتية" في هوفستادتر 1985). فحالما يتم الإيمان بطرحٍٍ ما فإنه يُضْعِفُ المعارضةَ له أوتوماتيكيَّاً. وسوف تكون فكرةُ "فقدان الدليل فضيلة" فكرةً مُساعدةً جيدةً ترتبط بالإيمان نفسه داخل نخبة من البرامج الفيروسية التي يدعم بعضها بعضاً.
3. ويتمثَّل مؤشِّرٌ ذو صلة، قد يقدِّمه أيضاً مُعَذَّبٌ بالإيمان، بالاقتناع بأن "اللغز"، بحد ذاته، شيءٌ جيد. فليس فضيلة أن نحلَّ الألغازٍ. بل يجب، بدلاً عن ذلك، أن نتمتع بها، وحتى يجب أن نشرب نخب عدم قابليتها للحل.
ويمكن لأي رغبة في حلِّ لغز أن تكون مناقضة جداً لانتشار فيروس عقلي. ولذا، لن يكون مفاجئاً إذا كانت فكرة "إبقاء اللغز على حاله أفضل من حلِّه" عضواً مُميَّزاً في عُصبة فيروسات يدعمُ بعضها بعضاً. خذ على سبيل المثال لُغْزَ تحوّل مادة إلى مادة أخرى. فمن السهل، وليس غريباً، أن تؤمن، بشكل رمزي أو مجازي، بتحوَّل خمر الشكر إلى دم المسيح. ورغم ذلك، يزعم المبدأ الكاثوليكي الرومي عن تحول مادة إلى مادة أخرى أكثر من ذلك. فـ"جوهر مادة الخمر الكلِّّي" يتحول إلى دم المسيح ؛ ومظهر الخمر الذي يبقى "مجرد صدفة،" "غير ملازم لأي جوهر" ( كيني 1986 ص 72). ويجري تعليم مبدأُ تحول مادة إلى مادة أخرى، عاميَّاً، على أنه يعني أن الخمر يتحوّل "حرفيَّاً" إلى دم المسيح. وسواء أكان في شكله الأرسطي الخفيّ أو في شكله العاميّ الأوضح، يمكن طرح الزعم بتحوِّل مادة إلى مادة أخرى فقط إذا الحقنا خطراً جديَّاً بالمعاني العاديَّة للكلمات، مثل كلمتي مادة وحرفيَّاً. فإعادة تعريف الكلمات ليست إثماً، ولكن، إن استخدمنا كلمات مثل جوهر كلّي وحرفيّاً، كما في هذه الحال، فما الكلمة التي سوف نستخدمها حين نريد أن نقول، حقاً وواقعيَّاً، أن شيئاً ما قد حصل فعلاً.؟ فكما لاحظ أنتوني كيني عن حيرته حين كان طالب لاهوت شاب، "بقدر ما أستطيع أن أقول، قد تكون آلة الطباعة خاصتي تحولت (ماديَّاً) إلى بنجامين دزرائيلي ... [رئيس وزراء بريطاني أسبق (1804-1881].
فالكاثوليك الروم الذين يُجبرهم إيمانهم بسُلطةٍ معصومةٍ من الخطأ على قبول أن الخمر يتحوّل ماديّا إلى دم، رغم كافة المظاهر البيِّنة التي تشير إلى استحالة ذلك، يشيرون إلى "لغز" تحول المادة إلى مادة أخرى. فتسمية الأمر لغزاً يجعل كل شيء معقولاً، وكما ترى، يكون هذا القول صالحاً، في الأقل، لعقل جُهِّزَ تماماً للإصابة بعدوى. وبالضبط يتم استخدام الحيلة نفسها في "لغز" الثالوث [المسيحي]. فليس المَنْوِي أن تُحلَّ الألغاز، بل أن تثير الخوف. وفكرة "اللغزُ فضيلة" تأتي لتساعد الكاثوليكي الذي من دونها لا يطيق أن يؤمن بالهراء الذي تمثله مقولة تحول مادة إلى مادة أخرى وفكرة "الثلاثة في واحد." ومرة أخرى نقول إن الإيمان بأن "اللغز فضيلة" يدور في دائرة ذاتية المرجعيَّة. فكما كان يُمكن لهوفستادتر أن يقول، يقومُ غموضُ الإيمان نفسه بدفع المؤمن إلى إدامة اللغز.
ويتمثَّلُ عَرَضٌ آخر من أعراض الإصابة بفكرة "اللغز فضيلة" بقول تيرتوليان "إنها فكرة مؤكدة لأنها مستحيلة". وتلك هي الطريقة التي يكذبُ الجنون بها. ويكاد المرء أن يغويه الاقتباس من "الملكة البيضاء" للويس كارول الذي رد على قول أليس "لا يستطيع المرء الإيمان بأشياء مستحيلة،" بالقول "أجرؤ على القول إنّك لم تقومي بممارسات كثيرة. ... حين كنتُ في عمركِ، فعلت ذاك لنصف ساعة كل يوم. لماذا آمنتُ أحياناً بستة أشياء مستحيلة قبل الفطور." أو الاقتباس من عمل دوغلاس آدمز، "الناسك الكهربائي،" وهو أداة تقتصد العمل، مبرمجةً لتقوم عنك بالإيمان، وكانت قادرة على "الإيمان بأشياء كان الناس يجدون صعوبة بالإيمان بها في مدينة سولت ليك [في الولايات المتحدة الأمريكية]" وأبدت، في اللحظة التي تمَّ فيها تقديمها للقارئ، ونقيضاً لكل برهان، إيماناً بأن كل شيء في العالم ظلٌّ من ظلال اللون الوردي. ولكن الملكات البيض والنُّساك الكهربائيين يصبحون أقلَّ بعثاً على الضحك حين تُدْرِكُ أن هؤلاء المؤمنين الخبراء لا يمكن تمييزهم من اللاهوتيين المُبجَّلين في الحياة الواقعية. ومرة أخرى، يقول تيرتوليان، "يجب أن نؤمن بذاك لأنه عبثي". ويقتبس السير توماس براون من تيرتوليان مؤيداً إياه، ويذهب إلى مدى أبعد منه حين يقول، "يبدو لي أنه لا يوجد في الدين ما يكفي من المستحيلات لتعزيز الإيمان." و"أرغب بممارسة إيماني في أكثر النقاط صعوبة: فأن تمدحَ موضوعات عادية مرئيَّة ليس إيماناً، بل اقتناعاً."
وأشعر أن شيئاً أكثر إثارة من مجرد جنون صرف أو هراء سوريالي يجري هنا، شيئاً يقرُبُ من الإعجاب الذي نشعر به حين نشاهد بهلواناً يمشي فوق حبل مشدود ويتقاذف عشر كرات في الوقت نفسه. ويبدو الأمر كما لو أن المؤمنين يكسبون امتيازاً بتصديقهم لأشياء أكثر سخافة مما نجح خصومهم في تصديقه. فهل يختبرُ – يُدرِّبُ – هؤلاء الناس عضلاتهم الاعتقادية، يُدرِّبون أنفسهم على الإيمان بأشياء مستحيلة كي يتمكنوا فقط من التقدم خطوة باتجاه الاعتراف بالأشياء غير المُحتملّة التي يُدْعَوْنَ عادة للإيمان بها؟
بينما كنتُ أكتب هذه المقالة، نقَلت صحيفة الغارديان البريطانية (29 تموز 1991)، بالصدفة، مثالاً جميلاً. جاء ذلك في مقابلة صحفية مع حاخام يقوم بمهمة غريبة، ألا وهي اختبار أنواع المنتجات الغذائية ليقرِّرَ إن كانت كوشر [حلالاً] أم لا، وذلك بالعودة إلى جميع مكوَّنات المنتوج، حتى الصغيرة جداً منها، وفحصها فحصاً دقيقاً. وكان في وقت إجراء المقابلة في وضع متأزم، لأن عليه أن يُقرِّر أن يذهب إلى الصين أم لا ليفحص المنثول الموجود في الحلويات المُضادة للسُّعال. قال " هل حاولت أبداً أن تفحص المنثول الصيني ... كان من الصعب علينا جداً التأكد من حقيقته، وبخاصة منذ أن أرسلنا رسالتنا الأولى إلى المُنْتِجِ الصيني، فجاءنا الرد بأفضل إنجليزية صينيَّّة: ’لا يحتوى المنتوجُ على أي كوشر ...’ ومؤخراً فقط بدأت الصين في الانفتاح على المُحقِّقين في طعام الكوشر. لا بد وأن المنثول لا غبار عليه، لكن لا يمكنك مطلقاً أن تكون متأكداً إلا إذا قُمت بزيارة الصين." ولدى المُحققين في طعام الكوشر خط هاتفي ساخن يمكنك بواسطته معرفة آخر وأحدث الإنذارات الحمراء حول أي شك في أي منتوج وتُحذِّرك من شراء أنوع معيَّنة من الشوكولاتة أو زيت كبد سمك الكود، على سبيل المثال. ويتحسَّرُ الحاخام لأن الخُضر [المدافعين عن البيئة] لم يعودوا يهتمّون بالألوان والنكهات الاصطناعية التي تُضاف إلى الأغذية، مما "يجعل الحياة بائسة في مجال الكوشر، لأن عليك أن تفحص جميع هذه المنتجات بنفسك." وحين سأله الصحفي لماذا يهتم لهذه الممارسة التي لا معنى لها، يُوضِّح بدقة أنَّ المسالة بالضبط هي عدم وجود مسألة:
"أنَّ مُعظم قوانين الكوشر أوامرُ إلهيَّة لا يُعطى سببٌ لها، وهذه هي المسألة مئة بالمئة. من السهل جداً جداً عدم قتل الناس. من السهل جداً. وأن لا تسرق أمرٌ أصعب قليلاً، لأن المرء يجد نفسه أمام إغراء السرقة أحياناً. لستُ بحاجة إلى دليل عظيم كي أؤمن بالله أو لسببٍ لأنفِّذ إرادته. ولكن، إن قال لي أن لا أشرب فنجان قهوة بالحليب مع خليط اللحمة والبازيلاء أثناء تناول طعام الغداء، فذاك اختبار. والسبب الوحيد لقيامي بذلك هو أنني أُمرت أن أفعل ذلك. وهذا أمر يصعُب القيام به."
قالت لي هيلينا كرونين أنه قد يُوجد هنا شبهٌ بنظرية آموتس زهافي عن الإعاقة والانتخاب الجنسي وتطور الرموز (زهافي 1975). ورغم قدم العهد بها، وحتى تسخيفها (دوكنز 1976)، تم مؤخراً إعادة الاعتبار لنظرية زهافي (غرافن 1990أ، ب)، ويُنظر إليها الآن بجديَّة من قبل البيولوجيين التَّطوريين (دوكنز 1989). يقول زهافي إن الطواويس، على سبيل المثال، تُطوِّر مراوحها [ذيولها] المُرهقة السخيفة، بألوانها واضحة السخافة (للمُفترسين)، بالضبط لأنها مُرهِقة وخطيرة، ولذا مثيرة للإناث. وفي الحقيقة، يقول الطاووس: "انظري كم أنا قوي وأتمتع بصحة جيدة، فأنا قادر على التَّجول بهذا الذَّيل السخيف."
ولتجنُّب سوء الفهم الذي تسببه اللغة الذاتية التي يحبُّ زهافي أن يطرح نقاطه بها، أودُّ أن أضيف أن إيمانَ البيولوجي بشخصنة أفعال الانتخاب الطبيعي غير الواعية أمرٌ لا جدال فيه هنا. فقد حوَّل غرافن الحجَّة إلى نموذج رياضي دارويني أرثوذكسي. ونجح في الأمر. ولا يوجد هنا زعمٌ بعالميةِ ووعي الطواويس والطاووسات. إذ يمكن أن يكونوا مُبرمجين سلفاً أو يتصرَّفون بقصد، كما قد يحلو لك (دينت 1983، 1984). أكثر من ذلك، نظرية زهافي عامَّة بما فيه الكفاية كي لا تحتاج مساندة داروينيَّة. فوردةٌ تُعلنُ عن مادة النكتار الموجودة فيها لنحلة "تشُكُّ" بوجود المادة، يمكن أن تستفيد من مبدأ زهافي. ولكن الأمرَ ممكنٌ أيضاً لبائع يسعى إلى التأثير على زبونه.
وأساس فكرة زهافي أن الانتخاب الطبيعي يُفَضِّلُ الشك الواقع بين الإناث (أو بين مُستقبِلي الرسائل الإعلانية بعامة). فالطريقة الوحيدة لذَكَرٍ (أو أي مُعْلِنٍ) ليُؤصِّل تباهيه بقوته (نوعيته، أو أي أمر كان) هي أن يثبت بأنها حقيقيَّة، وذلك بتحمُّلِ إعاقة مُكلِفة حقاً- إعاقة لا يستطيع تحملها إلا ذكرٌ قوي فعلاً. ويمكن تسمية هذه الإعاقة "مبدأ التأصيل المُكلِف." ولنذهب الآن إلى النقظة المهمة. هل يمكن تفضيل بعض المعتقدات الدينية ليس رغم كونها سخيفة بل بالضبط لأنها سخيفة؟ يستطيعُ أي واهنٍ في الدين أن يؤمن بأن الخبز يُمثِّل، رمزياً، جسدَ المسيح، ولكن الأمر يحتاج كاثوليكيَّاً عنيداً ليؤمن بشيء غبي بغباء مفهوم تحوّل مادة إلى مادة أخرى. فأنت، إن استطعت أن تؤمن بذلك يمكنك أن تؤمن بأي شيء، وهؤلاء الناس (لاحظ قصة الرسول توما الذي لُقِّب بالشكّاك) مُدرَّبون على أن يروا ذلك فضيلةً.
دعنا نعود الآن إلى قائمة مؤشراتنا التي قد يتوقّع شخصٌ ابتُلي بفيروس إيمان في عقله، وبعُصبة أخرى مصاحبة من الإصابات الثانوية، أن يختبرها.
4- قد يجد المُصابُ نفسه يتصرَّف دون صبرٍ ضد المؤمنين بأديان مناقضة أخرى، وحتى يقوم، في حالات متطرِّفة، بقتلهم او يُبرِّر موتهم. وقد يكون بالمثل عنيفاً في تصرُّفِهِ ضد المرتدين (أي الناس الذين كانوا مؤمنين ذات زمن ثم تركوا دينهم)؛ أو ضد الهراطقة (أي الناس الذين يتبنّون صيغة مختلفة من الدين – أحياناً بشكل أساس، وفي الأغلب باختلاف بسيط فقط. وقد يشعر أيضاً بالعداوة تجاه أنماط أخرى من الفكر يُحتملُ أن تكون مناقضة لما يؤمن به، من مثل المنهج العلمي العقلي الذي قد يشبه برنامج كمبيوتر مضاد للفيروسات.
وليس التهديد بقتل الروائي المُمَيَّز سلمان رشدي إلا آخر مثال من أمثلة محزنة كثيرة. ففي اليوم نفسه الذي كتبتُ فيه هذه المقالة، وُجِدَ المُترجم الياباني الذي ترجم رواية سلمان رشدي "آيات شيطانيَّة" مقتولاً.، وذلك بعد اعتداء شبه مُميت على المترجم الإيطالي للكتاب نفسه. وللمناسبة، يبدو أن "التعاطف" الواضح مع المسلمين الذين "تضرَّروا" وأبداه أُسقف كانتربري وقادةٌ مسيحيون آخرون (ويقترب، في حال الفاتيكان، من الدعم الجنائي الكامل) مظهرٌ من مظاهر ذاك العَرَض الذي شخَّصناه سابقاً: الوهم بأن الإيمان، مهما كانت نتائجه بغيضة، يجب أن يُحترم، لأنه، بكل بساطة، دين.
وطبعاً، الجريمةُ تطرُّفٌ. ولكن يوجد حتى عَرَضٌَ أكثر تطرُّفاً، وهو الانتحار خدمة كفاحية للإيمان. مثل نملة جندية مُبرمجة للتضحية بحياتها للحصول على نُسخ جرثومية من الجينات التي قامت بالبرمجة، أو مثل شاب عربي أو ياباني تمّ تعليمه أن الموت في حرب مقدسة هو الطريق الأسرع إلى الجنَّة . وسواء أكان القادة الذين يستغلونة يؤمنون حقاً بهذا فذلك لا يُقلِّلُ من وحشية القوة التي يمارسها "فيروس المهمة الانتحارية" نيابة عن الإيمان. وطبعاً، الانتحارُ، مثله مثل الجريمة، نعمة تُشوِّشُ الذهن: فالذين سيصبحون مرتدين قد يتمردون، أو قد يعامِلون بازدراء ديناً ينظرون إليه كدين غير واثق من ذاته بما فيه الكفاية ليحتاج هذه التكتيكات.
وبشكلٍ أكثر وضوحاً، إذا ضحَّى أفراد كثيرون بأنفسهم فقد يقلُّ عدد المؤمنين. وكان هذا الأمر صحيحاً في مثال سيء السمعة لانتحار يقوم على الدين، رغم أن الموت في هذه الحال لم يكن موتاً "كاميكازي" [لطيّار ياباني] في معركة. فالطائفة المُسمّاة طائفة "هيكل الشعب" لم تعد موجودة بعد أن قاد قائدها، القسيس جيم جونز، أتباعه من الولايات المتحدة إلى "الأرض الموعودة" في "جونز تاون"، في غابات غويانا، حيث أقنع أكثر من 900 منهم، الأطفال أولاً، أن يشربوا سيانيد. وقد تمّ التحقيق بهذه المجزرة تحقيقاً شاملاً على يد فريق من صحيفة "سان فرانسيسكو كرونيكل" (كِلدَف و جيفرز 1978).
"دعا "الأبُ" جونز رعيَّته لتجتمع معاً وأخبرهم بأن الوقت قد حان للذهاب إلى الجنَّة.
ووعدهم، "سوف نلتقي في مكان آخر."
وظلَّت الكلمات تندفع من مُكبِّر الصوت.
"توجد كرامة عظيمة في الموت. وأن يموت كل امرئ فذاك تعبيرٌ عظيم."
وللمناسبة، لا يفوت عقل عالم الاجتماع المُدَرَّب اليقظ أن جونز قام، في الأيام الأولى من نشأة طائفته بـ"إعلان نفسه الشخص الوحيد المسموح له ممارسة الجنس" (ويُفترض أن الجنس سُمِحَ أيضاً لشركائه). تقوم سكرتيرة بترتيب اللقاء [الجنسي]. تستدعي إحدى النساء وتقول، "يكره أبونا أن يفعل هذا، ولكنَّ به حاجة مُلحَّة، فهل تسمحين ...؟" ولم تكن ضحاياه إناثٌ فقط. يروي أحد الأتباع الذكور، الذي كان عمره سبعة عشر عاماً حين كانت جماعة جونز لا تزال في سان فرانسيسكو، كيف أُخِذَ إلى فندق، لقضاء عُطلة أسبوعية قذرة، حيث تلقَّى جونز "خصماً مالياً رهبانياً للقسيس جيم جونز وابنه." وقال الصبي نفسه:
"كنت خائفاً جداً منه. كان أكثر من أبٍ. كنت على استعداد لقتل والدَيَّ من أجله."
وما هو استثنائي في حال القسيس جيم جونز ليس سلوكه الاستعبادي بل قبول أتباعه له قبولاً ما فوق بشري. ولو أخذنا بالاعتبار هذه السذاجة المُذهلة، فهل يستطيع أي شخص أن يشك في أن العقول البشرية جاهزة للإصابات الخبيثة؟
ومن المُسلَّم به، أن القسيس جونز خدع بضعة آلاف من الناس فقط. ولكن قضيته ليست إلا غيض من فيض. فشغف الناس بأن يخدعهم قادة دينيّون مُنتشرٌ جداً. كان معظمنا مستعداً أن يراهن بأن لا أحد يستطيع أن يفلت إذا ظهر على التلفزيون وقال بكل هذا العدد الكبير من الكلمات، "ارسلوا لي نقودكم، كي أستطيع أن استخدمها في إقناع بلهاء آخرين كي يرسلوا نقودهم لي أيضاً." ورغم ذلك، تستطيع اليوم أن تجد، في كل مدينة كبيرة من مدن الولايات المتحدة الأمريكية، قناة تلفزيونية إنجيلية واحدة، في الأقل، مُكرَّسة كليَّاً لاستغلال خدعة الثقة الشَّفافة هذه. وتراهم يفلتون بما يفعلون وهم يحملون أكياساً مليئة. في مواجهة بلهاء بهذا الحجم الهائل، يصعُبُ أن لا يشعر المرء بتعاطف مع الذين يقعون ضحية هذه الخدع المُزيَّنة. فإلى أن تدرك بأن ليس كل البلهاء أغنياء، فإن الإنجيليين يسمنون على عث الأرامل. وحتى سمعت أجدهم يثير مبدأ أصنِّفه مع مبدأ زاهافي عن التأصيل المُكلِف. قال ذاك الشخص بإخلاص حميم إن الله في الحقيقة يُقدِّر التَّبرع فقط إذا كان كبيراً جدَّاً، بحيث يضرُّ. كان الفقراء العجائز يُعلَّقون حرفيَّا بالتروس ويُعذَّبون ليعترفوا كم كانوا سعداء حين قدَّموا قليلَهم كلَّه إلى فسيس ما.
5. قد يلاحظُ المريضُ أن المعتقدات الخاصة التي يحملها لا يدلُّ عليها دليل، ولذا تبدو مدينة كثيراً لعلم الأوبئة. وقد يتساءل، لماذا أتمسَّك بهذه المعتقدات وليس بتلك؟ هل ذلك لأنني استطلعتُ أديان العالم جميعها واخترت الدين الذي تبدو مزاعمه أكثر اقناعاً؟ بالتأكيد لا. فهو الدين نفسه الذي اعتنقه والداك وجدَّاك. ومن دون شكٍّ فإن الكاتدرائيّات الشاهقة والموسيقى الصاخبة والقصص المثيرة والحكايات الرمزية تُساعد قليلاً. ولكن، ومن دون شكٍّ أيضاً، فإن العامل المُقرِّر هو صُدفة الميلاد. فالمعتقدات التي تؤمن بها بعاطفة متـأججة كان يمكن أن تكون منظومة معتقدات مختلفة جداً، وبعامة متناقضة، لو حدث أن وُلدت في مكان آخر. وهذا أمرٌ يتعلَّق بعلم الأوبئة وليس بدليل.
6. إذا كان المريض أحد الاستثناءات النادرة ويتَّبع ديناً يختلف عن دين أبائه، فشرحُ ذلك يظل شرحاً وبائياً. فمن المحتمل أنه استطلع دون عاطفة أديان العالم واختار أكثرها إقناعاً. ولكن من ناحية إحصائية فالاحتمال ألأكثر أنه تعرَّض، بخاصة، لما قاله وكيلٌ أكثر قدرة – مثل جون وزلي، أو جيم جونز أو القديس بولص. نحن نتكلم هنا على انتشار أفقي، كانتشار الحصبة. قبل ذلك، كان علم الوباء يدور حول انتشار عمودي، كما في مرض ارتجاف الإعصاب عند هنتنغتون.
7. قد تكون مشاعر المريض الداخلية، وبشكل مدهش، ذكرى مشاعر عادية مرتبطة بحب جنسي. وهذه قوة عارمة موجودة بشكل استثنائي في الدماغ، وليس مُدهشاً أن بعض الفيروسات تطورت لتستغلَّها. فرؤيا القديسة تيريزا الأفيلية الشهيرة عن النشوة الجنسية غريبة جداً كي يُقتطفُ منها مرة أخرى. وبجديَّة أكثر، وببدائية أقل، يقدم الفيلسوف أنتوني كيني شهادة مثيرة للبهجة الصافية التي تنتظر أؤلئك الذين يتمكنون من الإيمان بلغز تحوّل مادة إلى مادة أخرى. فبعد أن يصف ترسيمه راهباً كاثوليكياً روميَّا، مُخوَّلاً بالاحتفال بقداس، يمضي ليقول إنني أتذكر بوضوح:
"... بهجة الشهور الأولى التي كنت أثناءها أملك سلطة إقامة قدّاس. وعادة كنت أنهض ثم أقفز من سريري مُبكِّراً، مُستيقظاً تماماً، تملؤني الإثارة لفكرة ما امتزت للقيام به . قليلاً ما تليت قداساً جماعيَّاً جماهيرياً: في معظم الأيام احتفلت وحيداً عند مذبح جانبي مع طالب كليّة سنة أولى ليقوم بدور المُعاوِن والرعيّة في الآن نفسه. ولكن ذاك لم يُقلِّل أبداً من جديّة التضحية أو صلاحية البَركة."
"وكان لمسُ جسد المسيح، وقُرب الراهب من يسوع، أكثر ما أسَرني. كُنت أحملق في الجمهور بعد أن أنطق كلمات البركة، فأرى عيونهم رائقة كعيون مُحِبٍّ ينظر في عيون محبوبته ... وتبقى تلك الأيام المبكرة لرهبنتي في ذاكرتي كأيام إنجاز وسعادة تهزني؛ شيءٌ غالٍ، ورغم ذلك هشٌّ جداً ليبقى.، مثل علاقة غرامية رومانسية انتهت بسرعة بعد زواج غير ملائم."
والدكتور كيني صادق بشكل مؤثر إلى حد أنه شعر، كراهب شاب، وكأنما كان في حب مع الجمهور المبارك. فيا لهذا الفيروس الذكي الناجح الذي أصابه! وللصدفة، وفي الصفحة نفسها، يُرينا كيني أيضاً كيف أن الفيروس انتقل بعدوى – إن لم يكن حرفياً ففي الأقل بمعنى ما – من راحة يد الأسقف المصاب إلى قمة رأس الراهب الجديد: "إذا كانت العقيدة الكاثوليكية صحيحة، إذاً يستمدُّ كل راهب، رُسِّمَ بشكلٍ قويم، أوامرَه من خط طويل متواصل من الأيدي الموضوعة على رأسه، من خلال الأسقف الذي رسَّمه، يعود إلى الحواريين الإثني عشر ... فلا بد من وجود سِجِّل لوضع الأيدي على الرؤوس يتواصل لقرون طويلة. وما يدهشني أن الرهبان لم يكونوا أبداً مشغولين بتتبع خط أسلافهم الروحيين بهذه الطريقة، ليجدوا الذين قام أسقُفُهم بترسيمهم، ومن رسَّمَهُ. وهكذا إلى أن يصلوا إلى يوليوس الثاني أو سِلستين الخامس أو هيلدبراند أو، ربما، غريغوري العظيم." (كيني ص 101). وهذا ما يدهشتي أنا أيضاً.
هل العلم فيروس؟
كلا. كلا إلا إذا كانت برامج الكمبيوتر جميعها فيروسات. فالبرامج الجيدة المفيدة تنتشر لأن الناس يقوِّمونها ويوصون بها ويتبادلونها. أما فيروسات الكمبيوتر فتنتشر فقط لأنها تُجسِّد تعليمات مُشفَّرة: "انشرني." والأفكار العلمية، مثلها مثل الميمات، خاضعة لنوع من الانتخاب الطبيعي.، وقد يبدو هذا الأمر شبيهاً فيروس مصطنع. ولكن القوى الانتخابيَّة التي تتفحَّص الأفكار العلمية ليست قوى تعسفيَّة أو نَزَوِيَّة، بل قواعد ضابطة مشحوذة جيداً، ولا يُفضلن السلوك الذاتي الذي لا فائدة منه. إنهن يُفضلن كل قيم المنهجية المعيارية التي وُضعت في الكتب المدرسية: القابلية للاختبار، الدعم بالدليل، الضبط، القابلية للقياس، الاتساق، الذاتية الموضوعية [الظاهرة التي تقع بين الموضوعية والذاتية. ظاهرة أختُبرت ذاتيَّاً، لكن من قبل أكثر من ذات واحدة]، القابلية للتكرار، الشمولية، الاستقلال عن الوسط الثقافي، وهكذا. ولكن الإيمان ينتشر رغم كل واحدة من هذه القيم.
وقد تجدُ عناصرَ وبائيةً في عملية انتشار الأفكار العلميَّة، ولكنها ستكون، بعامة، وبائيَّة وصفيَّة. فالانتشار السريع لفكرة جيدة بين الجماعة العلمية قد يبدو حتى مثل وصف لوباء الحصبة. ولكن حين تتفحص الأسبابَ الأساسَ تجدُ أنها أسبابٌ جيدة، تُلبِّي المعايير التي يطلبها المنهج العلمي. في تاريخ انتشار الدين لن تجد إلا القليل من هذه المعايير أما الباقي فوبائي، بل وبائي جوهرياً. والسبب في أن الشخص (أ) يؤمن بشيء وأن الشخص (ب) يؤمن بشيء اخر هو، بكل بساطة وفقط، أن (أ) وُلِد في قارة وأن (ب) وُلد في قارة أخرى. وفي الحالين، فإن القابلية للاختبار والدعم بدليل وبقية معايير المنهج العلمي فلا تُأخذ بالاعتبار حتى من بعيد. في المُعتَقد العلمي، يأتي علم الوباء لاحقاً ويصف تاريخ قبوله. أما في المُعتقد الديني، فعلم الوباء هو السبب الجذري.
خاتمة: لحسن الحظ، الفيروسات لا تَكْسَبُ كل مرة
يخرجُ عديدُ الأطفال سالمين من أسوأ ما يُمكن للراهبات والملالي أن يُلقوه عليهم. فلقصةِ كيني الشخصيَّة نهايةً سعيدة. فهو في النهاية يُدين أوامره لأنه لم يعد يحتمل من بعد التناقضات الواضحة في المذهب الكاثوليكي، وهو الآن باحثٌ مُحترم جداً. ولكن المرء لا يستطيع إلا أن يُلاحظ أن أصابته كانت قوية جداً إلى حد أن قهرها استغرق من رجل حكيم وذكي – يحتل الآن منصب رئيس الأكاديمية البريطانية، وليس أقل – ثلاثة عقود. فهل أنا مفرط في خوفي على روح طفلتي البريئة ذات الأعوام الستة؟
ملاحظات المترجم
* وُلد رتشارد دوكنز Richard Dawkins سنة 1941 في بريطانيا، وهو عالم أحياء وعالم في نظرية التطور. من أعماله: "صانع الساعات الأعمى"، "أسباب جيدة للإيمان ورديئة"، "هل العلم دين؟"، "هل يقتل العلمُ الروحَ؟".
** دانيال دينيت Daniel Dennett، ولد في مدينة بوسطن الأمريكية، 28 آذار 1942، وهو فيلسوف أمريكي مشهور يتركّز بحثه على فلسفة العقل وفلسفة العلم وفلسفة علم الأحياء، وخصوصاً حين تتعلق هذه الحقول بالبيولوجيا التطوّريّة وعلم المعرفة.
(1) ميم (جمعها ميمات) meme, memes، ولها معنيين: ثقافي ومعلوماتي. ثقافياً هي وحدة من وحدات الأفكار أو الرموز أو الممارسات الثقافية ويمكنها الانتقال من عقل إلى آخر بواسطة الكتابة والكلام والإيماءات. ومعلوماتيّاً هي وحدة تصف مفهوماً ينتشر بسرعة عبر الإنترنت.
(2) "توماس مُحرِّك الدَّبابة" Thoman the Tank Engine، قطار بخاري خيالي له شكل إنساني أبدعه القس دبليو. في. أودراي في سلسلة كتبه عن سكك الحديد. وأصبح مسلسلَ أطفال تلفزيونيّاً بريطانيّاً شهيراً بعنوان "توماس محرك الدَّبابة وأصدقاؤه" (ثم اختُصِر العنوان لاحقاً إلى "توماس واصدقاؤه")، أما نسخته الأمريكية فعُنونت "محطة الزمن المُشِع".
(3) الأسماء الأب كريسماس أو سانتا كلوس أو سانت نيكولاس، تشير إلى الشخصية نفسها.
(4) "جنيَّة الأسنان" Tooth Fairy، شخصية خُرافية صُوِّرت كجنيَّة تعطي الأطفال نقوداً مقابل أي سن حليب سقط من أفواههم.
(5) البايت Byte هو وحدة شائعة الاستخدام لقياس سعة التخزين في الكمبيوتر، بغض النظر عن نوع المعلومات المخزنة أو وسيلة التخزين.
(6) الكودون Codon ، الشيفرة الثلاثية التي يتم بواسطتها بناء سلسلة من الببتيدات (وحدة البناء الأساسية في البروتينات).
(7) المونيون Moonies تعبير نقدي لأعضاء كنيسة التوحيد يقوم على اسم مؤسسها صن مايونغ مون.
(8) العلمُلوجيا scientology، نظام من المعتقدات والممارسات أسّسها مؤلف القَصَص العلمي إل. رون هَبارد سنة 1952. وُصف هذا النظام بأنه دين. تُعلِّم العلمُلوجيا أن الناس كائنات روحية خالدة نَسيت طبيعتها الحقيقية، وتسعى إلى إعادة تأهيل الناس من خلال الاستشارة والنُصح والدراسة التي تتم جميعاً في دورات يدفع المشارك فيها تبرعاً محدداً.
(9) فايرويد viroid، جُسَيْمٌ مُعدٍ، يشبه الفيروس لكنه أصغر منه.
(10) بلازمِد plasmid، وحدة من وحدات الحمض النووي تنسخ نفسها مُستقلَّة في الخلية.
(11) جينات قافزة Jumping genes أو ترانسبوزونات Transposons، متوالية من الحمض النووي يمكنها أن تتحرك إلى مواقع مختلفة داخل خريطة جينات genome خليَّة واحدة.
(12) حمض نووي أناني Selfish DNA، حمض نووي غير منسوخ وغير مُشفَّر ولا يساهم بأي شيء في تطور حياة العُضويَّة organism.
(13) جين شرعي legitimate gene، جين له تأثيرات على جينات أخرى في العُضوية نفسها.
(14) جين سوي straight gene، جين مُذكَّر يندمج في جين مؤنث، ولا يوجد إلى الآن ما يثبت وجوده الفعلي إلا، كما يُقال، في ذباب الفواكه، هذا إذا قيس بما يقال إنه جين مثليّ الجنس gay gene .
(15) جين خارج على القانون outlaw gene، (عكس الجين الشرعي)، وهو جين ليس له تأثيرات على جينات أخرى في العُضوية نفسها.
(16) قرص مرن floppy disk، قرص وسيطٌ لتخزين البيانات، يتألف من قطعة دائرية رفيعة مرنة (من هنا جاء الاسم) من مادة مغنطيسية مغلفة ضمن حافظة بلاستيكية مربعة أو دائرية.
(17) قارئ شريط tape reader ، أداة كمبيوترية قادرة على قراءة معلومات سُجِّلت على شريط مغناطيسي.
(18) دودة worm المعنى موجود في النص.
(19) أحصنة طروادة Trojan Horses المعنى موجود في النص.
(20) القرص الثابت Hard disk أو Hard drive، أداة غير متحركة لتخزين المعلومات الرقمية في الكمبيوتر.
(21) كناري عامل المنجم Miner’s canary ، إشارة إلى الطيور التي كان يُطيِّرُها عمّال المناجم ليفحصوا بها نقاء الهواء في المناجم قبل أن يدخلوه هم أنفسهم.
(22) إنترفيرون Interferon، بروتين مُضاد للفيروس تنتجه خلايا قام فيروس بغزوها؛ يمنع تكاثر الفيروس.
(23) حارس البوابة Gatekeeper، في عالم الاتصالات، حارس البوابة عملية يتم من خلالها فلترة الأفكار والمعلومات الصالحة للنشر.
(24) نظام 7 أسرع نظام تشغيل لأي جهاز من أجهزة ماكنتوش ما قبل الجيل الثالث.
(25) فيروس آر إن أي RNA virus، (الحمض الريبي النووي) عبارة عن بوليمر حمضي نووي مؤلف من ارتباط تكافؤي لمجموعة من النيكليوتيدات.
(26) فودو Voodoo، عبادة مُمارسة في أجزاء من الأنديز الغربية (بخاصة في هايتي) وولايات جنوبي الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل، وتتسم بالسريَّة.
المراجع
-Browne, Sir T. 1635. Religio Medici I, 9, p. 11
-Dawkins, R. 1976. The Selfish Gene. Oxford: Oxford University Press.
-----. 1982. The Extended Phenotype. Oxford: W.H. Freeman.
-----. 1989. The Selfish Gene. Second Edition. Oxford: Oxford University Press.
-Dennett, D. C. 1983. Intentional systems in cognitive ethology: The "Panglossian paradigm" defended. Behavioral and Brain Sciences, 6, 343-390.
-----. 1984. Elbow Room: The Varieties of Free Will Worth Wanting. Oxford: Oxford University Press.
-Grafen, A. 1990a. Sexual selection unhandicapped by the Fisher process. Journal of Theoretical Biology, 144, 473-516.
-----. 1990b. Biological signals as handicaps. Journal of Theoretical Biology, 144, 517-546.
-Hofstadter, D. R. 1985. Metamagical Themas. Harmondsworth: Penguin.
-Kenny, A. 1986. A Path from Rome. Oxford: Oxford University Press.
-Kilduff, M., and R. Javers. 1978. The Suicide Cult. New York: Bantam.
-Thimbleby, H. 1991. Can viruses ever be useful? Computers and Security, 10, 111-114.
-Williams, G. C. 1957. Pleiotropy, natural selection, and the evolution of senescence. Evolution, 11, 398-411.
-Zahavi, A. 1975. Mate selection--a selection for a handicap. Journal of Theoretical Biology, 53, 205-214.
Publication Information: Article Title: Viruses of the Mind. Contributors: Richard Dawkins - author. Magazine Title: Free Inquiry. Volume: 13. Issue: 3. Publication Date: Summer 1993. Page Number: 34+. COPYRIGHT 1993 Council for Democratic and Secular Humanism, Inc.; COPYRIGHT 2002 Gale Group
Viruses of the mind
by Richard Dawkins
The haven all memes depend on reaching is the human mind, but a human mind is itself an artifact created when memes restructure a human brain in order to make it a better habitat for memes. The avenues for entry and departure are modified to suit local conditions, and strengthened by various artificial devices that enhance fidelity and prolixity of replication: native Chinese minds differ dramatically from native French minds, and literate minds differ from illiterate minds. What memes provide in return to the organisms in which they reside is an incalculable store of advantages--with some Trojan horses thrown in for good measure....
Daniel Dennett
Duplication-Fodder
A beautiful child close to me, six and the apple of her father s eye, believes that Thomas the Tank Engine really exists. She believes in Father Christmas, and when she grows up her ambition is to be a tooth fairy. She and her schoolfriends believe the solemn word of respected adults that tooth fairies and Father Christmas really exist. This little girl is of an age to believe whatever you tell her. If you tell her about witches changing princes into frogs she will believe you. If you tell her that bad children roast forever in hell she will have nightmares. I have just discovered that without her father s consent this sweet, trusting, gullible six-year-old is being sent, for weekly instruction, to a Roman Catholic nun. What chance has she?
A human child is shaped by evolution to soak up the culture of her people. Most obviously, she learns the essentials of their language in a matter of months. A large dictionary of words to speak, an encyclopedia of information to speak about, complicated syntactic and semantic rules to order the speaking, all are transferred from older brains into hers well before she reaches half her adult size. When you are preprogrammed to absorb useful information at a high rate, it is hard to shut out pernicious or damaging information at the same time. With so many mindbytes to be downloaded, so many mental codons to be duplicated, it is no wonder that child brains are gullible, open to almost any suggestion, vulnerable to subversion, easy prey to Moonies, scientologists, and nuns. Like immune-deficient patients, children are wide open to mental infections that adults might brush off without effort.
DNA, too, includes parasitic code. Cellular machinery is extremely good at copying DNA. Where DNA is concerned, it seems to have an eagerness to copy, like a child s eagerness to imitate the language of its parents. Concomitantly, DNA seems eager to be copied. The cell nucleus is a paradise for DNA, humming with sophisticated, fast, and accurate duplicating machinery.
Cellular machinery is so friendly toward DNA duplication that it is small wonder cells play host to DNA parasites--viruses, viroids, plasmids, and a riff-raff of other genetic fellow travelers. Parasitic DNA even gets itself spliced seamlessly into the chromosomes themselves. "Jumping genes" and stretches of "selfish DNA" cut or copy themselves out of chromosomes and paste themselves in elsewhere. Deadly oncogenes are almost impossible to distinguish from the legitimate genes between which they are spliced. In evolutionary time, there is probably a continual traffic from "straight" genes to "outlaw," and back again (Dawkins 1982). DNA is just DNA. The only thing that distinguishes viral DNA from host DNA is its expected method of passing into future generations. "Legitimate" host DNA is just DNA that aspires to pass into the next generation via the orthodox route of sperm or egg. "Outlaw" or parasitic DNA is just DNA that looks to a quicker, less cooperative route to the future, via a sneezed droplet or a smear of blood, rather than via a sperm or egg.
For data on a floppy disk, a computer is a humming paradise just as cell nuclei hum with eagerness to duplicate DNA. Computers and their associated disk and tape readers are designed with high fidelity in mind. As with DNA molecules, magnetized bytes don t literally "want" to be faithfully copied. Nevertheless, you can write a computer program that takes steps to duplicate itself. Not just duplicate itself within one computer but spread itself to other computers. Computers are so good at copying bytes, and so good at faithfully obeying the instructions contained in those bytes, that they are sitting ducks to self-replicating programs: wide open to subversion by software parasites. Any cynic familiar with the theory of selfish genes and memes would have known that modern personal computers, with their promiscuous traffic of floppy disks and e-mail links, were just asking for trouble. The only surprising thing about the current epidemic of computer viruses is that it has been so long in coming.
Computer Viruses: A Model for an Informational Epidemiology
Computer viruses are pieces of code that graft themselves into existing, legitimate programs and subvert the normal actions of those programs. They may travel on exchanged floppy disks, or over networks. They are technically distinguished from "worms" which are whole programs in their own right, usually traveling over networks. Rather different are "Trojan horses," a third category of destructive programs, which are not themselves self-replicating but rely on humans to replicate them because of their pornographic or otherwise appealing content. Both viruses and worms are programs that actually say, in computer language, "Duplicate me." Both may do other things that make their presence felt and perhaps satisfy the hole-in-corner vanity of their authors. These side effects may be "humorous" (like the virus that makes the Macintosh s built-in loudspeaker enunciate the words "Don t panic," with predictably opposite effect); malicious (like the numerous IBM viruses that erase the hard disk after a sniggering screen-announcement of the impending disaster); political (the Spanish Telecom and Beijing viruses protest about telephone costs and massacred students respectively); or simply inadvertent (the programmer is incompetent to handle the low-level system calls required to write an effective virus or worm). The famous Internet Worm, which paralyzed much of the computer power of the United States on November 2, 1988, was not intended (very) maliciously but got out of control and, within twenty-four hours, had clogged around six thousand computer memories with exponentially multiplying copies of itself.
"Memes now spread around the world at the speed of light, and replicate at rates that make even fruit flies and yeast cells look glacial in comparison. They leap promiscuously from vehicle to vehicle, and from medium to medium, and are proving to be virtually unquarantinable" (Dennett, in press). Viruses aren t limited to electronic media such as disks and data lines. On its way from one computer to another, a virus may pass through printing ink, light rays in a human lens, optic nerve impulses, and finger muscle contractions. A computer fanciers magazine that printed the text of a virus program for the interest of its readers has been widely condemned. Indeed, such is the appeal of the virus idea to a certain kind of puerile mentality (the masculine gender is used advisedly), that publication of any kind of "how to" information on designing virus programs is rightly seen as an irresponsible act.
I am not going to publish any virus code. But there are certain tricks of effective virus design that are sufficiently well-known, even obvious, that it will do no harm to mention them, as I need to do in order to develop my theme. They all stem from the virus s need to evade detection while it is spreading.
A virus that clones itself too prolifically within one computer will soon be detected because the symptoms of clogging will become too obvious to ignore. For this reason many virus programs check, before infecting a system, to make sure that they are not already on that system. Incidentally, this opens the way for a defense against viruses that is analogous to immunization. In the days before a specific antivirus program was available, I myself responded to an early infection of my own hard disk by means of a crude "vaccination." Instead of deleting the virus that I had detected, I simply disabled its coded instructions, leaving the "shell" of the virus with its characteristic external "signature" intact. In theory subsequent members of the same virus species that arrived in my system should have recognized the signature of their own kind and refrained from trying to double-infect. I don t know whether this immunization really worked, but in those days it probably was worthwhile "gutting" a virus and leaving a shell like this, rather than simply removing it lock, stock, and barrel. Nowadays it is better to hand the problem over to one of the professionally written antivirus programs.
A virus that is too virulent will be rapidly detected and scotched. A virus that instantly and catastrophically sabotages every computer in which it finds itself will not find itself in many computers. It may have a most amusing effect on one computer: erase an entire doctoral thesis or something equally side-splitting--but it won t spread as an epidemic.
Some viruses, therefore, are designed to have an effect that is small enough to be difficult to detect, but which may nevertheless be extremely damaging. There is one type that, instead of erasing disk sectors wholesale, attacks only spreadsheets, making a few random changes in the (usually financial) quantities entered in the rows and columns. Other viruses evade detection by being triggered probabilistically, for example erasing only 1 in 16 of the hard disks infected. Yet other viruses employ the time-bomb principle. Most modern computers are "aware" of the date, and viruses have been triggered to manifest themselves all around the world, on a particular date such as Friday 13 or April Fool s Day. From the parasitic point of view, it doesn t matter how catastrophic the eventual attack is, provided the virus has had plenty of opportunity to spread first, a disturbing analogy to the Medawar/Williams theory of ageing; we are the victims of lethal and sublethal genes that mature only after we have had plenty of time to reproduce (Williams 1957). In defense, some large companies go so far as to set aside one "miner s canary" among their fleet of computers, and advance its internal calendar a week so that any time-bomb viruses will reveal themselves prematurely before the big day.
Again predictably, the epidemic of computer viruses has triggered an arms race. Antiviral software is doing a roaring trade. These antidote programs--"Interferon," "Vaccine," "Gatekeeper," and others--employ a diverse armory of tricks. Some are written with specific, known and named viruses in mind. Others intercept any attempt to meddle with sensitive systems areas of memory and warn the user.
The virus principle could in theory be used for nonmalicious, even beneficial purposes (Thimbleby 1991). Looking into the future, it is not fanciful to imagine a time when viruses, both bad and good, have become so ubiquitous that we could speak of an ecological community of viruses and legitimate programs coexisting in the silicosphere. At present, software is advertised as, say, "Compatible with System 7." In the future, products may be advertised as "Compatible with all viruses registered in the 1988 World Virus Census, immune to all listed virulent viruses, takes full advantage of the facilities offered by the following benign viruses if present...." Wordprocessing software, say, may hand over particular functions, such as word-counting and string-searches, to friendly viruses burrowing autonomously through the text.
Looking even further into the future, whole integrated software systems might grow, not by design, but by something like the growth of an ecological community such as a tropical rain forest. Gangs of mutually compatible viruses might grow up, in the same way as genomes can be regarded as gangs of mutually compatible genes (Dawkins 1982). Indeed, I have even suggested that our genomes should be regarded as gigantic colonies of viruses (Dawkins 1976). Genes cooperate with one another in genomes because natural selection has favored those genes that prosper in the presence of the other genes that happen to be common in the gene pool. Different gene pools may evolve toward different combinations of mutually compatible genes. I envisage a time when, in the same kind of way, computer viruses may evolve toward compatibility with other viruses, to form communities or gangs.
But then again, perhaps not! At any rate, I find the speculation more alarming than exciting.
At present, computer viruses don t strictly evolve. They are invented by human programmers and if they evolve they do so in the same weak sense as cars or airplanes evolve. Designers derive this year s car as a slight modification of last year s car, and they may, more or less consciously, continue a trend of the last few years--further flattening of the radiator grill or whatever it may be. Computer virus designers dream up ever more devious tricks for outwitting the programmers of antivirus software. But computer viruses don t--so far--mutate and evolve by true natural section. They may do so in the future. Whether they evolve by natural selection, or whether their evolution is steered by human designers, may not make much difference to their eventual performance. By either kind of evolution, we expect them to become better at concealment, and we expect them to become subtly compatible with other viruses that are at the same time prospering in the computer community.
DNA viruses and computer viruses spread for the same reason: an environment exists in which there is machinery well set up to duplicate and spread them around and to obey the instructions that the viruses embody. These two environments are, respectively, the environment of cellular physiology and the environment provided by a large community of computers and data-handling machinery. Are there are other environments like these, any other humming paradises of replication?
The Infected Mind
I have already alluded to the programmed-in gullibility of a child, so useful for learning language and traditional wisdom, and so easily subverted by nuns, Moonies, and their ilk. More generally, we all exchange information with one another. We don t exactly plug floppy disks into slots in one another s skulls, but we exchange sentences, both through our ears and through our eyes. We notice each other s styles of moving and of dressing and are influenced. We take in advertising jingles, and are presumably persuaded by them, otherwise hardheaded businessmen would not spend so much money polluting the air with them.
Think about the two qualities that a virus, or any sort of parasitic replicator, demands of a friendly medium, the two qualities that make cellular machinery so friendly toward parasitic DNA, and that make computers so friendly toward computer viruses. These qualities are, first, a readiness to replicate information accurately, perhaps with some mistakes that are subsequently reproduced accurately; and, second, a readiness to obey instructions encoded in the information so replicated.
Cellular machinery and electronic computers excel in both these virus-friendly qualities. How do human brains match up? As faithful duplicators they are certainly less perfect than either cells or electronic computers. Nevertheless, they are still pretty good, perhaps about as faithful as an RNA virus, through not as good as DNA with all its elaborate proofreading measures against textual degradation. Evidence of the fidelity of brains, especially child brains, as data duplicators is provided by language itself. Shaw s Professor Higgins was able by ear alone to place Londoners in the street where they grew up. Fiction is not evidence for anything, but everyone knows that Higgins s fictional skill is only an exaggeration of something we can all do. Any American can tell Deep South from Midwest, New England from Hillbilly. Any New Yorker can tell Bronx from Brooklyn. Equivalent claims could be substantiated for any country. What this phenomenon means is that human brains are capable of pretty accurate copying (otherwise the accents of, say, Newcastle would not be stable enough to be recognized) but with some mistakes (otherwise pronunciation would not evolve, and all speakers of a language would inherit identically the same accents from their remote ancestors). Language evolves, because it has the great stability and the slight changeability that are prerequisites for any evolving system.
The second requirement of a virus-friendly environment--that it should obey a program of coded instructions--is again only quantitatively less true for brains than for cells or computers. We sometimes obey orders from one another, but also we sometimes don t. Nevertheless, it is a telling fact that, the world over, the vast majority of children follow the religion of their parents rather than any of the other available religions. Instructions to genuflect, to bow toward Mecca, to nod one s head rhythmically toward the wall, to shake like a maniac, to "speak in tongues"--the list of such arbitrary and pointless motor patterns offered by religion alone is extensive--are obeyed, if not slavishly, at least with some reasonably high statistical probability.
Less portentously, and again especially prominent in children, the "craze" is a striking example of behavior that owes more to epidemiology than to rational choice. Yo-yos, hula hoops, and pogo sticks, with their associated behavior fixed patterns, sweep through schools, and more sporadically leap from school to school, in ways that differ from a measles epidemic in no serious particular. Ten years ago, you could have traveled thousands of miles through the United States and never seen a baseball cap turned back to front. Today the reverse baseball cap is ubiquitous. I do not know what the pattern of geographic spread of the reverse baseball cap was precisely, but epidemiology is certainly among the professions primarily qualified to study it. We don t have to get into arguments about "determinism"; we don t have to claim that children are compelled to imitate their fellows hat fashions. It is enough that their hat-wearing behavior, as a matter of fact, is statistically affected by the hat-wearing behavior of their fellows.
Trivial though they are, crazes provide us with yet more circumstantial evidence that human minds, especially perhaps juvenile ones, have the qualities that we have singled out as desirable for an informational parasite. At the very least the mind is a plausible candidate for infection by something like a computer virus, even if it is not quite such a parasite s dream-environment as a cell nucleus or an electronic computer.
It is intriguing to wonder what it might be like, from the inside, if one s mind were the victim of a "virus." This might be a deliberately designed parasite, like a present-day computer virus. Or it might be an inadvertently mutated and unconsciously evolved parasite. Either way, especially if the evolved parasite was the memic descendant of a long line of successful ancestors, we are entitled to expect the typical "mind virus" to be pretty good at its job of getting itself successfully replicated.
Progressive evolution of more effective mind-parasites will have two aspects. New "mutants" (either random or designed by humans) that are better at spreading will become more numerous. And there will be a ganging up of ideas that flourish in one another s presence, ideas that mutually support one another just as genes do and as I have speculated computer viruses may do one day. We expect that replicators will go around together from brain to brain in mutually compatible gangs. These gangs will come to constitute a package, which may be sufficiently stable to deserve a collective name such as Roman Catholicism or Voodoo. It doesn t too much matter whether we analogize the whole package to a single virus, or each one of the component parts to a single virus. The analogy is not that precise anyway, just as the distinction between a computer virus and a computer worm is nothing to get worked up about. What matters is that minds are friendly environments to parasitic, self-replicating ideas or information, and that minds are typically massively infected.
Like computer viruses, successful mind viruses will tend to be hard for their victims to detect. If you are the victim of one, the chances are that you won t know it, and may even vigorously deny it. Accepting that a virus might be difficult to detect in your own mind, what telltale signs might you look out for? I shall answer by imagining how a medical textbook might describe the typical symptoms of a sufferer (arbitrarily assumed to be male).
1. The patient typically finds himself impelled by some deep, inner conviction that something is true, or right, or virtuous: a conviction that doesn t seem to owe anything to evidence or reason, but which, nevertheless, he feels as totally compelling and convincing. We doctors refer to such a belief as "faith."
2. Patients typically make a positive virtue of faith s being strong and unshakable, in spite of not being based upon evidence. Indeed, they may feel that the less evidence there is, the more virtuous the belief.
This paradoxical idea that lack of evidence is a positive virtue where faith is concerned has something of the quality of a program that is self-sustaining, because it is self-referential (see the chapter "On Viral Sentences and Self-Replicating Structures" in Hofstadter 1985). Once the proposition is believed, it automatically undermines opposition to itself. The "lack of evidence is a virtue" idea would be an admirable sidekick, ganging up with faith itself in a clique of mutually supportive viral programs.
3. A related symptom, which a faith-sufferer may also present, is the conviction that "mystery," per se, is a good thing. It is not a virtue to solve mysteries. Rather we should enjoy them, even revel in their insolubility.
Any impulse to solve mysteries could be seriously inimical to the spread of a mind virus. It would not, therefore be surprising if the idea that "mysteries are better not solved" was a favored member of a mutually supporting gang of viruses. Take the "Mystery of the Transubstantiation." It is easy and nonmysterious to believe that in some symbolic or metaphorical sense the eucharistic wine turns into the blood of Christ. The Roman Catholic doctrine of transubstantiation, however, claims far more. The "whole substance" of the wine is converted into the blood of Christ; the appearance of wine that remains is "merely accidental," "inhering in no substance" (Kenny 1986 p. 72). Transubstantiation is colloquially taught as meaning that the wine "literally" turns into the blood of Christ. Whether in its obfuscatory Aristotelian or its franker colloquial form, the claim of transubstantiation can be made only if we do serious violence to the normal meanings of words like substance and literally. Redefining words is not a sin, but, if we use words like whole substance and literally for this case, what word are we going to use when we really and truly want to say that something did actually happen? As Anthony Kenny observed of his own puzzlement as a young seminarian, "For all I could tell, my typewriter might be Benjamin Disraeli transubstantiated...."
Roman Catholics whose belief in infallible authority compels them to accept that wine becomes physically transformed into blood despite all appearances refer to the "mystery" of the transubstantiation. Calling it a mystery makes everything O.K. you see. At least, it works for a mind well prepared by background infection. Exactly the same trick is performed in the "mystery" of the Trinity. Mysteries are not meant to be solved, they are meant to strike awe. The "mystery is a virtue" idea comes to the aid of the Catholic, who would otherwise find intolerable the obligation to believe the obvious nonsense of the transubstantiation and the "three-in-one." Again, the belief that "mystery is a virtue" has a self-referential ring. As Hofstadter might put it, the very mysteriousness of the belief moves the believer to perpetuate the mystery.
An extreme symptom of "mystery is a virtue" infection is Tertullian s "Certum est quia impossibile est" (It is certain because it is impossible). That way madness lies. One is tempted to quote Lewis Carroll s White Queen, who, in response to Alice s "One can t believe impossible things" retorted, "I daresay you haven t had much practice.... When I was your age, I always did it for half-an-hour a day. Why, sometimes I believed as many as six impossible things before breakfast." Or Douglas Adams s Electric Monk, a labor-saving device programmed to do your believing for you, which was capable of "believing things they d have difficulty believing in Salt Lake City" and which, at the moment of being introduced to the reader, believed, contrary to all evidence, that everything in the world was a uniform shade of pink. But White Queens and Electric Monks become less funny when you realize that these virtuoso believers are indistinguishable from revered theologians in real life. "It is by all means to be believed, because it absurd" (Tertullian again). Sir Thomas Browne quotes Tertullian with approval, and goes further: "Methinks there be not impossibilities enough in religion for an active faith." And "I desire to exercise my faith in the difficultest point: for to credit ordinary and visible objects is not faith, but persuasion."
I have the feeling that something more interesting is going on here than just plain insanity or surrealist nonsense, something akin to the admiration we feel when we watch a ten-ball juggler on a tightrope. It is as though the faithful gain prestige through managing to believe even more ridiculous things than their rivals succeed in believing. Are these people testing--exercising--their believing muscles, training themselves to believe impossible things so that they can take in their stride the merely improbable things that they are ordinarily called upon to believe?
While I was writing this, the Guardian (July 29, 1991) fortuitously carried a beautiful example. It came in an interview with a rabbi undertaking the bizarre task of vetting the kosher-purity of food products right back to the ultimate origins of their minutest ingredients. He was currently agonizing over whether to go all the way to China to scrutinize the menthol that goes into cough sweets. "Have you ever tried checking Chinese menthol ... it was extremely difficult, especially since the first letter we sent received the reply in best Chinese English, The product contains no kosher.... China has only recently started opening up to kosher investigators. The methol should be OK, but you can never be absolutely sure unless you visit." These kosher investigators run a telephone hotline on which up-to-the-minute red-alerts of suspicion are recorded against chocolate bars and cod-liver oil. The rabbi sighs that the green-inspired trend away from artificial colors and flavors "makes life miserable in the kosher field because you have to follow all these things back." When the interviewer asks him why he bothers with this obviously pointless exercise, he makes it very clear that the point is precisely that there is no point:
That most of the Kashrut laws are divine ordinances without reason given is 100 per cent the point. It is very very easy not to murder people. Very easy. It is a little bit harder not to steal because one is tempted occasionally. So that is no great proof that I believe in God or am fulfilling His will. But, if He tells me not to have a cup of coffee with milk in it with my mincemeat and peas at lunchtime, that is a test. The only reason I am doing that is because I have been told to do so. It is doing something difficult.
Helena Cronin has suggested to me that there may be an analogy here to Zahavi s handicap theory of sexual selection and the evolution of signals (Zahavi 1975). Long unfashionable, even ridiculed (Dawkins 1976), Zahavi s theory has been recently rehabilitated (Grafen 1990a, b) and is now taken seriously by evolutionary biologists (Dawkins 1989). Zahavi suggests that peacocks, for instance, evolve their absurdly burdensome fans with their ridiculously conspicuous (to predators) colors, precisely because they are burdensome and dangerous, and therefore impressive to females. The peacock is, in effect, saying: "Look how fit and strong I must be, since I can afford to carry around this preposterous tail."
To avoid misunderstanding of the subjective language in which Zahavi likes to make his points, I should add that the biologist s convention of personifying the unconscious actions of natural selection is taken for granted here. Grafen has translated the argument into an orthodox Darwinian mathematical model, and it works. No claim is here being made about the intentionality or awareness of peacocks and peahens. They can be as sphexish or as intentional as you please (Dennett 1983, 1984). Moreover, Zahavi s theory is general enough not to depend upon a Darwinian underpinning. A flower advertising its nectar to a "skeptical" bee could benefit from the Zahavi principle. But so could a human salesman seeking to impress a client.
The premise of Zahavi s idea is that natural selection will favor skepticism among females (or among recipients of advertising messages generally). The only way for a male (or any advertiser) to authenticate his boast of strength (quality, or whatever it is) is to prove that it is true by shouldering a truly costly handicap--a handicap that only a genuinely strong (high quality, etc.) male could bear. It may be called the "principle of costly authentication." And now to the point. Is it possible that some religious doctrines are favored not in spite of being ridiculous but precisely because they are ridiculous? Any wimp in religion could believe that bread symbolically represents the body of Christ, but it takes a real red-blooded Catholic to believe something as daft as the transubstantiation. If you can believe that you can believe anything, and (witness the story of Doubting Thomas) these people are trained to see that as a virtue.
Let us return to our list of symptoms that someone afflicted with the mental virus of faith, and its accompanying gang of secondary infections, may expect to experience.
4. The sufferer may find himself behaving intolerantly toward vectors of rival faiths, in extreme cases even killing them or advocating their deaths. He may be similarly violent in his disposition toward apostates (people who once held the faith but have renounced it); or toward heretics (people who espouse a different--often, perhaps significantly, only very slightly different--version of the faith). He may also feel hostile toward other modes of thought that are potentially inimical to his faith, such as the method of scientific reason that may function rather like a piece of antiviral software.
The threat to kill the distinguished novelist Salman Rushdie is only the latest in a long line of sad examples. On the very same day that I wrote this, the Japanese translator of The Satanic Verses was found murdered, a week after a near-fatal attack on the Italian translator of the same hook. By the way, the apparently opposite symptom of "sympathy" for Muslim "hurt," voiced by by the Archbishop of Canterbury and other Christian leaders (verging, in the case of the Vatican, on outright criminal complicity) is, of course, a manifestation of the symptom we diagnosed earlier: the delusion that faith, however obnoxious its results, has to be respected simply because it is faith.
Murder is an extreme, of course. But there is an even more extreme symptom, and that is suicide in the militant service of a faith. Like a soldier ant programmed to sacrifice her life for germ-line copies of the genes that did the programming, a young Arab or Japanese is taught that to die in a holy war is the quickest way to heaven. Whether the leaders who exploit him really believe this does not diminish the brutal power that the "suicide mission virus" wields on behalf of the faith. Of course suicide, like murder, is a mixed blessing: would-be converts may be repelled, or may treat with contempt a faith that is perceived as insecure enough to need such tactics.
More obviously, if too many individuals sacrifice themselves the supply of believers could run low. This was true of a notorious example of faith-inspired suicide, though in this case it was not "kamikaze" death in battle. The Peoples Temple sect went extinct when its leader, the Reverend Jim Jones, led the bulk of his followers from the United States of the Promised Land of "Jonestown" in the Guyana jungle where he persuaded more than nine hundred of them, children first, to drink cyanide. The macabre affair was fully investigated by a team from the San Francisco Chronicle (Kilduff and Javers 1978).
Jones, "the Father," had called his flock together and told them it was time to depart for heaven.
"We re going to meet," he promised, "in another place."
The words kept coming over the camp s loudspeakers.
"There is great dignity in dying. It is a great demonstration for everyone to die."
Incidentally, it does not escape the trained mind of the alert sociobiologist that Jones, within his sect in earlier days "proclaimed himself the only person permitted to have sex" (presumably his partners were also permitted). A secretary would arrange for Jones s liaisons. She would call up and say, "Father hates to do this, but he has this tremendous urge and could you please. . . ?" His victims were not only female. One seventeen-year-old male follower, from the days when Jones s community was still in San Francisco, told how he was taken for dirty weekends to a hotel where Jones received a "minister s discount for Rev. Jim Jones and son." The same boy said:
I was really in awe of him. He was more than a father. I would have killed my parents for him.
What is remarkable about the Reverend Jim Jones is not his own serf-serving behavior but the almost superhuman gullibility of his followers. Given such prodigious credulity, can anyone doubt that human minds are ripe for malignant infection?
Admittedly, the Reverend Jones conned only a few thousand people. But his case is an extreme, the tip of the iceberg. The same eagerness to be conned by religious leaders is widespread. Most of us would have been prepared to bet that nobody could get away with going on television and saying, in all but so many words, "Send me your money, so that I can use it to persuade other suckers to send me their money too." Yet today, in every major conurbation in the United States, you can find at least one television evangelist channel entirely devoted to this transparent confidence trick. And they get away with it in sackfuls. Faced with suckerdom on this awesome scale, it is hard not to feel a grudging sympathy with the shiny-suited conmen. Until you realize that not all the suckers are rich, and that it is often widows mites on which the evangelists are growing fat. I have even heard one of them explicitly invoking the principle that I now identify with Zahavi s principle of costly authentication. God really appreciates a donation, he said with passionate sincerity, only when that donation is so large that it hurts. Elderly paupers were literally wheeled on to testify how much happier they felt since they had made over their little all to the reverend whoever it was.
5. The patient may notice that the particular convictions that he holds, while having nothing to do with evidence, do seem to owe a great deal to epidemiology. Why, he may wonder, do I hold this set of convictions rather than that set? Is it because I surveyed all the world s faiths and chose the one whose claims seemed most convincing? Almost certainly not. If you have a faith, it is statistically overwhelmingly likely that it is the same faith as your parents and grandparents had. No doubt soaring cathedrals, stirring music, moving stories, and parables help a bit. But by far the most important variable determining your religion is the accident of birth. The convictions that you so passionately believe would have been a completely different, and largely contradictory, set of convictions, if only you had happened to be born in a different place. Epidemiology, not evidence.
6. If the patient is one of the rare exceptions who follows a different religion from his parents, the explanation may still be epidemiological. To be sure, it is possible that he dispassionately surveyed the world s faiths and chose the most convincing one. But it is statistically more probable that he has been exposed to a particularly potent infective agent--a John Wesley, a Jim Jones, or a St. Paul. Here we are talking about horizontal transmission, as in measles. Before, the epidemiology was that of vertical transmission, as in Huntington s Chorea.
7. The internal sensations of the patient may be startlingly reminiscent of those more ordinarily associated with sexual love. This is an extremely potent force in the brain, and it is not surprising that some viruses have evolved to exploit it. St. Teresa of Avila s famously orgasmic vision is too notorious to need quoting again. More seriously, and on a less crudely sensual plane, the philosopher Anthony Kenny provides moving testimony to the pure delight that awaits those that manage to believe in the mystery of the transubstantiation. After describing his ordination as a Roman Catholic priest, empowered by laying on of hands to celebrate Mass, he goes on that he vividly recalls:
. . . the exaltation of the first months during which I had the power to say Mass. Normally a slow and sluggish riser, I would leap early out of bed, fully awake and full of excitement at the thought of the momentous act I was privileged to perform. I rarely said the public Community Mass: most days I celebrated alone at a side altar with a junior member of the College to serve as acolyte and congregation. But that made no difference to the solemnity of the sacrifice or the validity of the consecration.
It was touching the body of Christ, the closeness of the priest to Jesus, which most enthralled me. I would gaze on the Host after the words of consecration, soft-eyed like a lover looking into the eyes of his beloved.... Those early days as a priest remain in my memory as days of fulfillment and tremulous happiness; something precious, and yet too fragile to last, like a romantic love-affair brought up short by the reality of an ill-assorted marriage. (Kenny 1986, pp. 101-102)
Dr. Kenny is affectingly believable that it felt to him, as a young priest, as though he was in love with the consecrated host. What a brilliantly successful virus! On the same page, incidentally, Kenny also shows us that the virus is transmitted contagiously--if not literally then at least in some sense--from the palm of the infecting bishop s hand through the top of the new priest s head: "If Catholic doctrine is true, every priest validly ordained derives his orders in an unbroken line of laying on of hands, through the bishop who ordains him, back to one of the twelve Apostles ... there must be centuries-long, recorded chains of layings on of hands. It surprises me that priests never seem to trouble to trace their spiritual ancestry in this way, finding out who ordained their bishop, and who ordained him, and so on to Julius II or Celestine V or Hildebrand, or Gregory the Great, perhaps" (Kenny 1986 p. 101). It surprises me, too.
Is Science a Virus?
No. Not unless all computer programs are viruses. Good, useful programs spread because people evaluate them, recommend them, and pass them on. Computer viruses spread solely because they embody the coded instructions: "Spread me." Scientific ideas, like all memes, are subject to a kind of natural selection, and this might look superficially viruslike. But the selective forces that scrutinize scientific ideas are not arbitrary or capricious. They are exacting, well-honed rules, and they do not favor pointless self-serving behavior. They favor all the virtues laid out in textbooks of standard methodology: testability, evidential support, precision, quantifiability, consistency, intersubjectivity, repeatability, universality, progressiveness, independence of cultural milieu, and so on. Faith spreads despite a total lack of every single one of these virtues.
You may find elements of epidemiology in the spread of scientific ideas, but it will be largely descriptive epidemiology. The rapid spread of a good idea through the scientific community may even look like a description of a measles epidemic. But when you examine the underlying reasons you find that they are good ones, satisfying the demanding standards of scientific method. In the history of the spread of faith you will find little else but epidemiology, and causal epidemiology at that. The reason why person A believes one thing and B believes another is simply and solely that A was born on one continent and B on another. Testability, evidential support, and the rest aren t even remotely considered. For scientific belief, epidemiology merely comes along afterward and describes the history of its acceptance. For religious belief, epidemiology is the root cause.
Epilogue: Happily, Viruses Don t Win Every Time
Many children emerge unscathed from the worst that nuns and mullahs can throw at them. Anthony Kenny s own story has a happy ending. He eventually renounced his orders because he could no longer tolerate the obvious contradictions within Catholic belief, and he is now a highly respected scholar. But one cannot help remarking that it must be a powerful infection indeed that took a man of his wisdom and intelligence--now president of the British Academy, no less--three decades to fight off. Am I unduly alarmist to fear for the soul of my six-year-old innocent?
References
Browne, Sir T. 1635. Religio Medici I, 9, p. 11
Dawkins, R. 1976. The Selfish Gene. Oxford: Oxford University Press.
-----. 1982. The Extended Phenotype. Oxford: W.H. Freeman.
-----. 1989. The Selfish Gene. Second Edition. Oxford: Oxford University Press.
Dennett, D. C. 1983. Intentional systems in cognitive ethology: The "Panglossian paradigm" defended. Behavioral and Brain Sciences, 6, 343-390.
-----. 1984. Elbow Room: The Varieties of Free Will Worth Wanting. Oxford: Oxford University Press.
Grafen, A. 1990a. Sexual selection unhandicapped by the Fisher process. Journal of Theoretical Biology, 144, 473-516.
-----. 1990b. Biological signals as handicaps. Journal of Theoretical Biology, 144, 517-546.
Hofstadter, D. R. 1985. Metamagical Themas. Harmondsworth: Penguin.
Kenny, A. 1986. A Path from Rome. Oxford: Oxford University Press.
Kilduff, M., and R. Javers. 1978. The Suicide Cult. New York: Bantam.
Thimbleby, H. 1991. Can viruses ever be useful? Computers and Security, 10, 111-114.
Williams, G. C. 1957. Pleiotropy, natural selection, and the evolution of senescence. Evolution, 11, 398-411.
Zahavi, A. 1975. Mate selection--a selection for a handicap. Journal of Theoretical Biology, 53, 205-214.
Darwin authority Dr. Richard Dawkins is the author of The Selfish Gene and The Blind Watchman. He is professor of Zoology at Oxford University.
#غازي_مسعود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟