|
أمريكا ـ الكيان الصهيوني : حدود التماهي
سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 980 - 2004 / 10 / 8 - 09:21
المحور:
القضية الفلسطينية
باستخدامه امتياز حق الاعتراض وامتناع المملكة المتحدة وألمانيا عن التصويت على مشروع القرار الذي يطالب الكيان الصهيوني بالكف عن حرب الإبادة التي يمارسها جيش الاحتلال بأحدث ما أنتجت العقلية العسكرية الأمريكية ، حتى المحرم منها دولياً ضد الشعب الفلسطيني ، تصنف الدولة الأمريكية نفسها عدواً أساسياً للشعب الفلسطيني وقضيته وبالضد من إرادة الأغلبية الدولية.
فعلى مدار عمر الصراع العربي ـ الصهيوني كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة ، الديمقراطية منها أو الجمهورية تتبارى في أيهما الأكثر دعماً وإسنادا وحرصا على أمن وتفوق كيان العدو الصهيوني الطارئ في أرضنا ، حيث عملت تلك الإدارات المتعاقبة على تسخير مجلس الأمن ليشكل مظلة وسياج أمان وحماية للدولة الصهيونية من خلال امتياز حق الاعتراض الأمريكي في مجلس الأمن ، الذي طالما اتكأت الدولة العبرية على شبكة الحماية تلك في كل عدوان تقوم به على الأمة العربية .
لتشكل أمريكا والدولة الصهيونية الاستثناء الشاذ على كل قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وشرعة حقوق الإنسان ، عندما يتعلق الأمر بموضوع الصراع العربي ـ الصهيوني والقضية الفلسطينية .
فالدولة العبرية شكلت كياناً فوق القانون وفوق الإدانة أو النقد أو حتى " التكشيرة " ، يفعل ما يريد طالما توفرت له حماية حق الاعتراض الأمريكي في مجلس الأمن ، هذا المجلس الذي من أولى مهامه حماية الأمن والسلم الدوليين والتي على أساسهما قامت الأمم المتحدة .
فالإدارة الأمريكية ( أي إدارة ) ، سخرت عن سبق إصرار وترصد ما وسعها مجلس الأمن وعلى مدى الستة عقود التي هي كل عمر الأمم المتحدة ، لكي يكون في خدمة العدوانية الأمريكية وبالضرورة في خدمة الكيان الصهيوني ، ذلك أن امتياز حق الاعتراض ، مكن الدول دائمة العضوية من جعل مجلس الأمن ، ومن ثم الأمم المتحدة مطية لمصالحها وبما يخالف قواعد القانون الدولي والأعراف الدولية وحقوق الشعوب .
وغير بعيد عن الذاكرة ، حيث لا زالت قرارات مجلس الأمن طازجة فيما يتعلق بالسودان " عقابا " له على ما اختلقته المخيلة الأمريكية عن " تطهير عرقي " في دار فور ، أو فيما يتعلق بسوريا ولبنان بذريعة تعدي المشرّع اللبناني ( مجلس النواب ) على الدستور ، الذي هو من أخص شؤونه ، حيث تقف الإدارة الأمريكية هذه المرة تدافع عن الدستور اللبناني ، ضد ما تدعيه من انتهاك لمواد الدستور على خلفية التمديد للرئيس اللبناني غير المقبول من أمريكا ، ضاربة عرض الحائط بميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي وبكل الأعراف الدولية المستقرة في التعامل بين الدول المستلقة عندما تعالج شؤونها الداخلية .
ويتلاشى هذا الحرص الزائف تماما عندما تمارس النازية الجديدة في فلسطين حملة الإبادة المنظمة والمنهجية ضد الشعب الفلسطيني ، والمثل الصارخ على ذلك ما يجري حاليا في شمال لقطاع غزة ، ليحل بدلا منها الدعم والإسناد وتقديم كل ما من شأنه استمرار هذا الكيان الخارج على القانون في عدوانه وحربه على الأمة العربية .
والعدوانية الأمريكية هذه لا يمكن فهمها إلا في سياق العلاقة العضوية بين دولة الاحتلال ، باعتبارها جزء من نسيج عرقي وثقافي وحضاري ينتمي إلى عالم آخر هو الغرب الاستعماري بكل إرثه البغيض في منطقتنا ، ولا عجب عندها أن يمتنع المندوب الألماني والبريطاني عن التصويت على مشروع القرار المقدم إلى مجلس الأمن ، تحت مبرر عدم توازن المشروع المقدم من قبل المجموعة العربية ، الذي كان يجب حسب رأي تلك الدولتين أن ينص على إدانة الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال ، لأنه يدافع عن نفسه .
هذا الاحتلال الذي كلف الشعب الفلسطيني خلال السنوات الأربع الماضية آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى وآلاف الأسرى ، وتدمير كل شيء في الضفة والقطاع ، ألا يشكل عدوانا وإبادة منهجية ، يقوم بها الكيان الصهيوني بغطاء أمريكي ـ أوربي ، فيما تعجز المؤسسات الدولية عن القيام بأخص واجباتها تجاه الشعب الفلسطيني ، بإجبار الكيان الصهيوني الامتثال لعشرات القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية والصراع العربي ـ الصهيوني .
لقد تعاملت الإدارة الأمريكية مع مجلس الأمن منذ انتهاء ما سمي بالحرب الباردة ، باعتباره أحد الإدارات الملحقة بالخارجية الأمريكية ، أمام رضا البعض وعجز البعض الآخر من الدول دائمة العضوية التي ينحصر اهتمام كل منها في مصالحها الذاتية الضيقة ، بصرف النظر عن علاقة ذلك بمبادئ العدالة والإنصاف أو بميثاق الأمم المتحدة ذاته .
ولا بأس هنا أن نعود إلى الوراء قليلا لنذكّر بأحد السوابق المهمة في عمل مجلس الأمن ، فنستحضر ذلك الحرص الأمريكي المزعوم حول حماية الأمن والسلم الدوليين ، عندما عملت على نقل سلطة أخذ القرار بحماية السلم والأمن الدوليين من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ، تحت مسمى الاتحاد من أجل السلام ، لعجز الإدارة الأمريكية حينها عن تمرير ما تريد في مجلس الأمن ، عند عرض المسالة الكورية عليه أمام حق الاعتراض السوفيتي مطلع الخمسينات من القرن الماضي .
ومع ذلك يجب أن لا ننجر إلى نفس الثنائية التي يتذرع بها الكيان الصهيوني والعدو الأمريكي والدول الأوربية المنحازة بشكل فاضح وغير أخلاقي للدولة الصهيونية حول ما يسمى بالعنف المتبادل ، ومن ثم فإن حديث مندوب فلسطين في مجلس الأمن ، من أن المنظمات الفلسطينية وجيش الاحتلال الصهيوني كلاهما يستهدف المدنيين في الجانبين ، وهي سقطة لا يمكن قبولها .
وفي المقابل إن حديث وبيانات بعض الفصائل عن " القصف بالصواريخ " بمسمياتها المختلفة ، هي مقاربة غير موضوعية وتفتقد للعلمية عندما تتحدث عن " صواريخ " بتدرجها المختلف ، وكأن لدى الأطراف الفلسطينية ترسانة من السلاح النوعي ، في حين أنها لا تعدو أن تكون قذائف يدوية الصنع محدودة التأثير مقارنة بترسانة العدو الصهيوني والترسانة الأمريكية المفتوحة أمام طلبات جيش الاحتلال الصهيوني ، ومع التسليم بأن حقنا في الدفاع عن أنفسنا بكل الوسائل حق مشروع كفلته القوانين والمواثيق والشرائع الدولية ، و هو إضافة إلى كونه حقا فهو بالدرجة الأولى واجب ، يحتمه شرط الاحتلال الذي يستوجب شرط المقاومة ، لذلك يجب أن ندقق في صياغة لغتنا ومفاهيمنا لتكون في خدمة معركتنا المفتوحة مع العدو.
لأن السؤال هل نخوض حربا إعلامية دعاوية من أجل إحداث التراكم المطلوب في الرصيد الشعبي لهذا الطرف أو ذاك ، أم أننا مع شعبنا نخوض معركة وجود يقدم وقودها " لحم ودم " وحياة بكاملها ؟ ولأننا نخوض معركة وجود مفتوحة فإن من حقنا أن نستخدم فيها كل أشكال الكفاح وفق ضرورات اللحظة وشرطها ، وهو ما يتطلب أن تسمى الأشياء بأسمائها في الواقع والفعل ، دون هذا التضخيم الضار في الغالب .
ومع أن العدو لا يحتاج إلى ذرائع لأن وجوده في فلسطين هو في البدء غير مشروع يجب إجتثاثه ، فإن الضرورة تستدعي أن يقرر المجتمع وبشكل موحد عبر كل قواه المكافحة وكل ألوان طيفه السياسي والفكري ، كيف يمكن أن يتم استثمار قدرات هذا الشعب المكافح بشكل خلاّق ؟ حيث لا مجال لترف الوقت أو الامكانات ، وبما يصون الجميع وقادر على إحداث التراكم الكفاحي الضروري من أجل الوصول إلى النقلة النوعية باتجاه دحر العدوان ، كمقدمة لا بد منها لهزيمة مشروعه في كل فلسطين .
فالشعب الفلسطيني الذي يخوض معركة الوجود حتى اللحظة منفردا ، لا يواجه في دفاعه عن حقه في الحياة في وطنه التاريخي الكيان الصهيوني الغاصب فقط ، وإنما يواجه كيانا عضويا واحدا هو الكيان الصهيوني وأمريكا ، حيث تتجاوز العلاقة بينهما حدود العلاقة بين دولتين إلى علاقة تكاد فيها الحدود تزول ، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني ، حيث يبلغ التماهي بينهما ذروته .
ومن ثم فمن العبث النظر إلى أمريكا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية بمعزل عن هذه القراءة ، التي أكدها الواقع وتجربة أكثر من ستة عقود من العداء الأمريكي المباشر لقضايا أمتنا ، حيث العداء المنفلت من أي موضوعية وبما يتجاوز الدور الذي يفترض أن تقوم به كقوة عظمى ، وعضو دائم في مجلس الأمن ، مهما تغلف بغير ذلك .
ذلك خطاب نوجهه إلى أولئك الذين لا زالوا يراهنون على دور أمريكي أقل انحيازا وعدوانية ، أن أنظروا في ما تركته طائرات الأباتشي وقنابل الموت الأمريكية في يد جيش النازيين الجدد ، كيف حولت أجساد أطفالنا إلى أشلاء ، دون أن تتحرك ضمائر ساكني البيت الأبيض ، وبعد : يبقى السؤال مطروحا هل من فرق بين الكيان الصهيوني وأمريكا ؟ شعبنا يعرف الإجابة ، ويبقى أن يعي الآخرون ذلك
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانتفاضة شمعة أخرى : عزم أقوى ... صمود أشد
-
الإرهاب : أشكال مختلف ومسمى واحد
-
عمليات الاختطاف في العراق : استعداء مجاني لشعوب العالم
-
الإدارة الأمريكية: والتباكي على الدستور اللبناني
-
شعث من لقاء شالوم إلى خيمة الاعتصام : اللى استحوا ....!!!!
-
القدس تصلي وحدها
-
حمى السوبر ستار وتغييب الوعي
-
حق العودة والتعويض : في ميزان القانون الدولي
-
الوطن : بين القسمة على واحد والقسمة على الجميع
-
رأي محكمة العدل الدولية في جدار الفصل العنصري: انتصار للشرعي
...
-
أحياء ...أموات
-
الفجر يأتي... ولومتأحراً
-
الفجر يأتي ... ولو متأخراَ
-
الدم الغض ... وأضعف الإيمان
-
اللغة والمفاهيم : بين شرط اللحظة وشرط الحق والتاريخ
-
المبادرة الأمنية المصرية: بين النوايا الطيبة وإرادة شارون
-
استفتاء الليكود : غير الشرعي يستفتى ...على غير المشروع
المزيد.....
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|