|
يحدث في غزة الآن ..يحدث بالفعل
سامح المحاريق
الحوار المتمدن-العدد: 979 - 2004 / 10 / 7 - 10:05
المحور:
القضية الفلسطينية
أعرف بوضوح من يرى ويلمس لحم الحقيقة ميل القتلة إلى التنطع الفلسفي قبيل ارتكاب مجازرهم ، لسرقة المبررات وتحسين صورتهم أمام ومضات آلات التصوير التي تحنط وجه القاتل ، أما أن يمضي القاتل إلى التزود البلاغي لاقتراف أسماء لجرائمه فهو ما يثير أردأ وأوجع الضحك، ذلك الضحك الذي ينتهي باختناق الدموع في الصدر وابتداء العويل ..
في 11 نيسان 1996 انطلقت عملية ((عناقيد الغضب)) والتي أطلقها بيريز قبل الانتخابات الاسرائيلية ليثبت لجمهوره أنه ليس بأقل دموية من صقور الليكود ، وأنه لن يعود حمامة مرة أخرى طالما تعلق الموضوع بلحمنا المستباح ، ووصلت الجريمة إلى ذروتها في 17 نيسان مع جريمة قانا .. وللعلم فإن قانا لم تكن عملية عرضية بل كانت في إطار هجوم استهدف عشرات القرى في جنوب لبنان ، حاولت قوات جيش الدفاع تخهجير أهلها من خلال قانا وعمليات استهداف سيارات الاسعاف وحتى مواقع الأمم المتحدة ..
من يتذكر زينة جحا ؟؟ أعرف أنها ليست في شهرة مواطناتها العديدات في قنوات الأغاني وبرامج المسابقات التي تستهويكم أكثر من كلماتي .. ولكنني أقول ليس من أجلكم ولكن كيلا أختنق ..
زينة جحا ابنة العشر سنوات ، لم أنته بعد،، حنا جحا ابن الثلاث سنوات ، أنتظروا ومريم جحا التي كانت تبلغ شهرين من العمر ، هؤلاء الأطفال تفحموا في سيارة الاسعاف التابعة للأمم المتحدة ، تفحموا والعالم يتفرج على عناقيد الغضب الدموية ..
هؤلاء أتذكرهم ولكنني لا أنسى أيضا الأسر التي دفنت تحت أنقاض البيوت في النبطية ، وقانا التي مثلت الذروة في سيناريو الدم الذي خطه رجل مثقف مثل شيمون بيريز
ولأن شارون لا يتمتع بذات الذائقة الأدبية التي يمتلكها بيريز .. فقد إختار اسما يليق بفيلم يصلح للعرض في دور سينما من الدرجة الثالثة ، وقد وجد ضالته فها نحن الآن نتفرج على فيلمه ولكن لا أحدا ينادي ( بيبسي .. شاي ) وحده العجز والذل والخزي إلى آخر معجم الانكسار يجترنا ونحن مسمرون أمام شاشة الأخبار لا نستطيع إمساكا بالجرح الممتد من صحراء الرمادي إلى بحرك يا غزة ..
تدخل اليوم العمليات التي يرتكبها الجيش الاسرائيلي في قطاع غزة أسبوعها الثاني ، عشرات القتلى ومئات الجرحى وصور ملونة لبنات فلسطين وبكائهن الفجائعي ، الذي تفننت الفضائيات بتسجيله خصيصا لنا من خلال أفضل الكادرات المتاحة ، لكي تزيد من إثارة المذبحة ..
وكأن من يموتون هناك ليسوا من دم ولحم هو منا بل فزاعات حقول ، وكأن الدموع التي تحرق خدود الصبايا في غزة ليست إلا للتزين ..
بمناسبة الزينة والأمور الهامشية هل انتهت جامعة الدول العربية الفاضلة والمؤدبة والتي تخجل من الصوت العالي كونه ينم عن قلة الذوق واللياقة من إعداد مشروعها لمجلس الأمن ليتكرم سيادته حفظه الله من التفكير في إدانة اسرئيل ولو على استحياء ..
لن أسرد الجرائم مرة أخرى فقد توقفت عن متابعة الأخبار إلا لماما ، ولكم في غيري مرجعية وشورى أما أنا فأدين لغزة بشيء في قلبي ..
مدين لغزة بحبي الذي لم أعبر عنه حتى اللحظة ، مدين لغزة بلحظات الكبرياء التي أهدتني إياها كثيرا كما حنان الأم لولد عاق يجيد استخدام أجهزة الموبايل وضبط أجهزة التكييف على درجة الحرارة التي تناسب جلسة هادئة أمام التلفزيون ولا بأس بقليل من البطاطا ، أعتذر لأني نسيت كيف انتفخت بالمجد وأنا أجمع هواء الكون في صدري بعد قرائتي لتلاميذ غزة .. والتصفيق يصك أذني ويرفعني إلى السماء بعد أن واجهت الميكرفون لأقرأ أمام جمع الناس قصيدة نزار
يا تلاميذ غزة .. علمونا ..بعض ما عندكم ..فنحن نسينا .. علمونا ..بان نكون رجالا ..فلدينا الرجال .. صاروا عجينا.. كم كنت عدوانيا أمامك أيها الكون ، غاضبا بما يليق بالمراهق الذي كنته آنذاك ,, متصاعداً كحجارة أبابيل تفيض بها أزقة الفقراء في غزة تجاه غرور ونزق الجيب العسكرية ..
كم كنت منتفخا ببطولاتكم وأنا هناك أعرف فيما أعرفه أسماء لاعبي كرة القدم وممثلات السينما في هوليود ، وأستذكر دروسي في غرفة آمنة ودافئة تماما ، أنا اللص التافه لأعاجيبكم ومعجزات العلو وخيلاء المنطلق كفرس أفلت من اليرموك بإتجاه فوهة الدبابة الميتة القلب ..
غزة ليست مدينة ناعمة ، لا ولا هي بالمزدانة لزائريها أو الواقفة بغنج على ناصية التاريخ وأزقته ، ولا هي بالخانعة الهادئة المستسلمة لقضائها ، فهي غزة هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب سيد قريش وكنانة العرب ، وهي سيدة المدن العربية واسطة عقد الحضارة الذي تريده أمريكا منفرطا كما قلوبنا التي لا هوى لها ولا هوية إلا التباكي ، وشتان بين التباكي والبكاء .. بين الوضيع والرفيع ، اللص والسيد الذي لا يرام ولا يضام ..
لم تخلق غزة لتركع إلا لله وهي تزف إلى السماء بشارة الصمود من مآذنها ، وهتافات أبنائها وهم يزفون شهداءهم بأن الله أكبر .. لم تخلق غزة لتساوم أو تفتح أرضها للباغي راضية مرضية .. لم يعمدها هاشم لتسقط هكذا دون أن تدمي الغازي المتغطرس وتمرغ أنفه في ترابها الزكي بنسائم المغيب البحري الذي يستأمنها في حمى أبنائها كل ليلة ..
غزة الحانية المعطاء برغم فقرها ، تلم بثوبها الأسود الكتاني في كل مساء أشلاء المقاومين وجراحاتهم ، غزة الفقراء في حي الدرج وحي الزيتون ، غزة المخيمات المكتظة بجينات الجرح وشفرته الوراثية في جباليا والنصيرات والشاطئ وبريج ..
غزة القاهرة الظافرة المنصورة ، على طرقاتها كتب المحتل للذاهبين من جنوده هناك (ديرخ عزازيل) أي طريق جهنم .. غزة الحرة ومهما تعربش الجوع على جسدها الناحل فإنني أعدكم لن تأكل غزة بثديها ..
حتى البحر لن يبتلعها لأنه يخاف غزة المجنونة الثائرة الغاضبة ,, فلن تستريحوا ،، وحتى المزيد من القوة التي خمنتم أنها تنفعكم لن تجدي ،، فلن تستريحوا ،، وحتى إن أحرقتم ترابها فهي مسورة محروسة منذورة لوعد الله ، فلن تستريحوا ، يا قادة جيش الدفاع ولن تجدوا حلول فشلكم هناك في جحيمها .. ولن تستريحوا يا جيش التنطع على أرائك غرفات الجلوس ومتابعة لحم أبناء دمكم .. يضيع هكذا .. ألم تنتهي الجامعة العربية من إعداد مشروعها حتى هذه السطور ؟؟ ألم يصرخ أحد حتى الآن من المخرز المغروس في اليد .. إذن فلتسمحوا لي بالصراخ...
جهنكم بوابة الفردوس لنا ، والطريق الشرعي الذي سيسلكه شهداؤنا إلى أماكنهم من جنة الرب كأنهم في لحظة خروج الروح من سجن الجسد ، لمسوا سندسها وعبوا صدورهم بريحانها ..
ألم تزكم أنوفكم أيها السادة رائحة الميتة ..؟؟ هل كلكم بريئون من غزة .. ؟؟
حسنا إن تتبرؤا من غزة الآن ،، فإنني متورط فيها مع سبق الإصرار والترصد والتعمد .. إن تصكوا آذانكم عن جيشان العزم في صدور المقاومين ،، فاسمحوا لي على الأقل أن أقف على رأس الخراب لأسرق قليلا من المجد وأنا أنشد لهم ..
أناديكم أشد على أياديكم أبوس الأرض تحت نعالكم وأقول: أفديكم وأهديكم ضيا عيني ودفء القلب أعطيكم فمأساتي التي أحيا نصيبي من مآسيكم أناديكم أشد على أياديكم أبوس الأرض تحت نعالكم وأقول: أفديكم
لا تقلقوا لا تنفعلوا .. لن يتفردا بالمجد وحدهم سيأتون ليقتسموا معنا رائحة النصر وخبز الكبرياء ، لن يكون الشهداء والجرحى والأرامل واليتامى أنانيين ونرجسيين مثلنا .. لن يكون مثلنا وليسوا مثلنا ، فلا تفزعوا .. كل ما يريدونه منا لو أننا نخجل قليلا .. لو أننا نملك ولو حتى حق الصراخ ..
#سامح_المحاريق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المنابر من الأزهر إلى الانترنت
-
حديث في النخب العربية - الجزء الثاني
-
النخب العربية
-
الكبش
-
سراديب السماء ..
-
الورقة البيضاء
-
السلاسل الحجرية .. موزاييك نصي قلق
-
ليل بدونك
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|