|
ما تكوين عقل الانتفاضة التونسية؟
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 3277 - 2011 / 2 / 14 - 15:07
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
-1-
سبق أن قلت في مقال (أحفاد بورقيبة ينتفضون) قبل أسابيع مضت، أن ما حدث في تونس، من الصعب أن يحصل له مثيل في العالم العربي. وأن ما حصل ويحصل الآن في مصر، حادث مختلف عما حصل في تونس. وشرحت الأسباب التاريخية، والسياسية، والثقافية، التي تتمتع بها تونس والتي أهلَّتها لأن تقوم بما قامت به حتى الآن، منذ نهاية ديسمبر الماضي. ومن الأسباب التي ذكرتها أن انتفاضة الشعب التونسي، هي نتاج الفكر السياسي والاجتماعي التونسي. فتونس هذا البلد الصغير بحجم أرضه، والصغير بعدد سكانه، أنتج من الفكر العربي الحداثي والليبرالي في النصف الثاني من القرن العشرين، ما لم ينتجه أي بلد عربي آخر أكبر منه، كمصر مثلاً. فدور المفكرين التونسيين الليبراليين الجُدد كمحمد الشرفي، ومحمد طالبي، ومنجية السواحي، وعبد المجيد الشرفي، والعفيف الأخضر، وسلوى الشرفي، وعبد الوهاب المؤدب، ومحمد شريف فرجاني، وهشام جعيط، ورجاء بن سلامة، والحبيب الجنحاني، وإقبال الغربي، وفتحي بن سلامة، وأمل قرامي، ومحمد الحداد، وغيرهم وغيرهن كثيرون وكثيرات، من مثقفي ومثقفات تونس ومفكريها. وهؤلاء وغيرهم، هم مثقفو ومفكرو عصر التنوير التونسي في النصف الثاني من القرن العشرين، ومطلع الألفية الثالثة. وهم فكر الانتفاضة التونسية، كما كان روسو وفولتير ومونتسكيو وتوم بين وغيرهم، فكر الثورة الفرنسية والأمريكية.
-2-
لفت نظري ما قاله المفكر والأكاديمي التونسي محمد الحداد، الأستاذ في الجامعة التونسية، وأستاذ كرسي اليونسكو لعلم الأديان المقارن، من أن الشباب التونسي الذين قاموا بالانتفاضة التونسية لم يقرءوا التراث السياسي العالمي أو الإسلامي، ولم يعرفوا أعلامه، وكتابه، ومفكريه. مما يعني أن ما كتبه مفكرو تونس الذين ذكرناهم قبل قليل لم يقرأه أحد في تونس. وأن كل ما كُتب كان هباء منثوراً لم يفد الانتفاضة، ولم ينتفع به المنتفضون.
لقد أكد الحداد على أن "ثقافة ووعي الشباب التونسي، تشكلا من خلال مصادر الإنترنت. وقال إن تلك الانتفاضة استطاعت أن تمضي بخطوات أوسع عندما كانت تلقائية وعفوية."
وأضاف الحداد في برنامج (اضاءات) الذي بثته فضائية العربية أن:
"الشباب التونسي تعلم الحرية من الحياة لا من الأيديولوجيات. فالتجربة الجديدة التي قدمتها الانتفاضة التونسية، هي أن الثورات في السابق، كانت تنبع من الخلفيات الأيديولوجية، لكنها اليوم جاءت من شباب، ربما بعضهم لا يعرف اسم كارل ماركس، ولا سيد قطب."
فمن أية أيديولوجيا تعلَّم الفرنسيون القيام بثورتهم عام 1789؟
ومن أية أيديولوجيا تعلَّم الأمريكيون للقيام بثورتهم، ونيل استقلالهم عام 1776؟
الثورة الوحيدة، التي كانت ذات أيديولوجيا محددة، هي الثورة البلشفية في روسيا ،1917 التي تبنت الأيديولوجيا الماركسية.
أما الثورة الفرنسية، فقد اقتاتت واشتعلت بفضل أفكار روسو، وفولتير، ومونتسكيو وغيرهم. وحفظت هذه الأفكار في الحرية والعدالة والمساواة.
وأما الثورة الأمريكية، فقد اقتاتت واشتعلت، بفضل أفكار الفيلسوف السياسي البريطاني الأمريكي توم بين، و جون لوك، وتوماس جيفرسون، وصموئيل آدامز، وغيرهم.
-3-
ما زال الوقت مبكراً حتى الآن، لكتابة تاريخ أفكار الانتفاضة التونسية، والعوامل الثقافية التي أثرت فيها. أما ما يقال عن محركات ومهاميز هذه الانتفاضة كالبطالة، والفساد المالي والإداري، ودكتاتورية الرأي الواحد، التي كانت منتشرة في عهد الرئيس بن علي، فذلك ما هو طافٍ من جبل الثلج الذي كان عائماً في المحيط التونسي. أما القسم الأكبر المخفي تحت الماء، فلم يتبين لنا حتى الآن، ويحتاج إلى غواصين كثيرين. وما زال الحكم عليه مبكراً جداً. فقد تمَّ الحكم على الأفكار التي أثرت على الثورة الفرنسية بعد مضي أكثر من ثلاثين عاماً على قيام هذه الثورة كما يقول برنار غروتويزن في كتابه (فلسفة الثورة الفرنسية)، كذلك تم الأمر نفسه مع الثورة الأمريكية التي أشعلها مجموعة من المفكرين الأمريكيين، ومنهم توم بين Paine في كتابيه (حقوق الإنسان)، و (الحصافة Common Sense)، الذي كان بمثابة "إنجيل" الثورة الأمريكية. وكان معظم الأمريكيين يحتفظون بنسخة من هذا الكتاب تحت وسائدهم، ويحفظونه عن ظهر قلب.
-4-
يقول الحداد عن الانتفاضة التونسية:
"إن هذه الانتفاضة لم يطلقها السياسيون ولا حتى المثقفون أو الشعراء، بل كانت ثورة شبابية بامتياز. فقبل حادثة إحراق الشهيد محمد البوعزيزي نفسه بسنوات، كانت قد تنامت في تونس ظاهرة لم يتفطن النظام البائد إلى أبعادها، وهي استعمال الشباب الشبكات الاجتماعية، والفايسبوك تخصيصاً، للتعبير عن آرائهم، فكانوا يستعملون كتابة مرموزة أو يستخدمون اللغة الانكليزية التي لا يتقنها الرقيب، وشيّد الشباب عالمه الافتراضي الوردي بديلاً من العالم السياسي والاجتماعي المحبط الذي كان يعيش فيه، وربما شجع النظام البائد على هذا التوجه كي يجعل المواطنين ينشغلون بالعالم الافتراضي عن العالم الواقعي."
وهذا القول يجانب الصواب، وفيه خفة وسطحية غير معهودة، عن الحداد. لأن لا بذرة تنبت دون أرض. ولا أرض تُنبت دون بذرة. ولا شك أن ثورة المعلومات والاتصالات "عجّلت" في قيام الانتفاضة التونسية. وكانت لها الطاقة الكهربائية، بدلاً من طاقة الفحم الحجري. ولكن البذرة لهذه الانتفاضة، كان قد زرعها الزُرَّاع المثقفون من أمثال الحداد شخصياً وغيره.
-5-
وفي المقالات القادمة، سوف نستعرض أفكار المفكرين التونسيين الحداثيين الذين زرعوا ما حصدته الانتفاضة التونسية. وكان لهم الباع الثقافي الأكبر والمعرفي والأطول، في انطلاق الانتفاضة التونسية وصناعة تونس الجديدة، بكل ما يحفُّ بها من آمال وأحلام. ومن هؤلاء، المفكر التونسي محمد الحداد الذي ينكر أو يتنكر لتأثير فكره وفكر زملائه وأساتذته في تكوين عقل الانتفاضة التونسية.
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإخوان: من مجلس الشعب الى ميدان التحرير
-
العقلانية والخرافة في الفكر السياسي العربي
-
مبارك يدفع ثمن ديمقراطيته غالياً
-
مخاوف من تدمير تراث بورقيبة
-
هؤلاء هم أعداء ثورة بورقيبة
-
مخاطر وسلبيات الهيجان الشعبي
-
ثورة تونس الخضراء
-
أحفاد بورقيبة ينتفضون
-
دحر الإرهاب وتراجع تسييس الدين
-
العراق بين حزب الدعوة وحزب البعث
-
تقدم الليبرالية الإسلامية في الخليج
-
من ثقافة الذاكرة الى ثقافة الإبداع
-
العَلْمانية لشفاء العراق من أمراضه المزمنة
-
لا ليبرالية دون سلطان
-
هل العرب آخر الإرهابيين؟
-
الحرب التي لم تكتمل: الديمقراطية في العراق
-
لا شمس تشرق على الجزيرة العربية كل يوم!
-
ما حاجة العراق لعقد مؤتمر قمة عربي في بغداد؟
-
ضرورة الحل السياسي للقضايا الثقافية
-
نسخة جديدة من (طالبان) في العراق
المزيد.....
-
تضارب بين البيت الأبيض وترامب حول مدة إعادة توطين سكان غزة
-
هل يؤثر تصريح ترامب عن غزة على اتفاق وقف إطلاق النار؟.. مسؤو
...
-
تطوير أرضية للطرق ذاتية الإصلاح تحاكي عملية التئام الجروح
-
خبير يوضح كيف يتم التجسس عبر الهاتف
-
الحيتان القاتلة تصطاد أحد أخطر الحيوانات البحرية المفترسة!
-
علويون في سوريا ينددون بهجمات عليهم ويطالبون بالعدالة بعد سق
...
-
إسرائيليون يسخرون من خطة ترامب للسيطرة على غزة: -غير واقعية-
...
-
وساطة إماراتية بين روسيا وأوكرانيا تنجح بإطلاق 300 أسير
-
اصطدام في 10 دقائق.. الكشف عن سبب -الأخدود العظيم- على القمر
...
-
فيديو يرصد خطف عامل في مصر والفاعل -غير متوقع-
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|