أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - روجيه عوطة - أوديب في ميدان التحرير














المزيد.....

أوديب في ميدان التحرير


روجيه عوطة

الحوار المتمدن-العدد: 3276 - 2011 / 2 / 13 - 22:47
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


رغم ما يقال عن أن الشبكة الإفتراضية تشتت الرغبات وتحولها تحويلا ً رقمياً، إلا أن رغبات الشارع المصري ظهرت بشكل أقوى من ما كانت عليه أمام شاشة الحاسوب. في عالم الإفتراض، تشتت الليبيدو الجماعي ليعود ويجتمع في نسيج رغبوي يتعامل مع العلامات القامعة بفعل أكثر تمردا ً على واقع المحن والإستغلال.
في مصر، الرغبة تسيطر على الشارع بشكل جديد، إذ تدفع كل من تجوّهر في الهامش الى الوقوف وجها ً لوجه ضد المتن.
سؤال الثورة ليس بحثا ً في الـ"لماذا" بل حفرا ً في "الكيف" المرتبط إرتباطا ً كاملا ً بتسارع الأحداث الخالقة لجو لا يمكننا إلا أن نصفه بالأوديبي المضاد لعقدة نقص تاريخية تجذرت في وعي كل الشعوب، التي اعتُبرت فاقدة لحس التحرك النقدي، المتموقع منذ إرهاصات الوعي في جسد حاله كحال المجتمع المهمش، جسد رغبته طارئة، وواقعه يفتح الباب لسكيزوفرينيا الكشف عن إخفاء الرغبة في خطاب يرتد الى بنى معرفية تحددها السلطة بآليات فكر حديدي يكره الإختلاف لأنه مشبع بالقوة الإيروسية الضاغطة على الوحدة المؤسساتية للسلطة القامعة.
من شأن الوعي المضاد أن ينصف المضطهدين، يُشَرِّح الإستغلال ويكشف مصدره الظالم، فيصير لأوديب فكر متشاءم ربما، ولكنه متفاءل بإرادته الغير ملوثة بالذنب بل الدؤوبة على تحقيق "العدالة الشعرية"، برموز تُخلَق من تساؤل حر، إذ ينظر إليها فكر المتن-الأب أنها مجرد عمل سوريالي لا جدوى منه، فأوديب قبل أن يُلعَن بالذنب كان شاعرا ً، وفي ميدان التحرير أوديب يكتب شعرا ً ضد عقدته المقترنة بخط تاريخي مستقيم، يمنعه من التحاقه بخطه التاريخي المكسور لأنه محكم الرغبات، المؤطرة في التصرفات اليومية، ففن الحياة فن الرغبة خارج التنميط، الذي يجعل من الفرد صنيعة السلطة فقط لا غير.
صيرورة الهامش الأوديبي، الذي نشهده اليوم في مصر، بثقافته وشعره وفنه، يمظهر عمل اللاواعي بتكاثر الرغبات، تعدديا ً وتفكيكياً، وليس عبر التقسيم والتراتبية الهرمية، التي خطّت خانات السلب في الحياة الفكرية اليومية، وحدّت من إقتراب الشارع من الإختلاف بجعل الرغبات حشوا ً في خدمة الأحادية الأبوية الثابتة، أي حدّت من اقتراب الرغبة من إبداع واقعها. لا تجمع التراتبية مكونات الهامش الأوديبي، بل ما يجمعها هو فعل التحرك نحو فك الفردنة كشكل من أشكال صناعة التماثل الإجتماعي مع صورة الأب.
الجسد الأوديبي له حصته في ما يحصل، فالناظر الى بعض اليافطات، يجد فيها حس رغبوي كبير، فبالإضافة الى أنها تعبر عن مطالب سياسية وإقتصادية، تحمل معنى جسدي أيضاً، إذ نجد فيها العلاقة بين الرغبة والجسد، كتلك التي كان يحملها أحد المتظاهرين، كتب عليها:"إرحل أيها الديكتاتور أريد أن أحلق شعري"، ما يدلنا على التعطيل الفيزيولوجي لوظائف الجسد ورغباته الأكثر بساطةً، فالسلطة القامعة تحوّل أجساد المقموعين الى زومبيات، كأوديب عندما أصابته عقدة موت الأب، فتحول الى جسد بلا أعضاء، جسد يسكنه جسد الأب الميت. أجساد الثائرين في مصر لا يسكنها سوى رغبات إبداعية، عفوية، لا تتناقض لأنها لا تشكل تابعا ً للمتطابق مع متن حالة الطوارئ الإجتماعية والجسدية أيضاً.
ولأن رغباته هي الواقع، فأوديب يسعى الى هدم كل زيف النظام الذي يعيش فيه، إذ يصاب بالإنفصام عنه، ويدحض التمثلات التي تسكنه وتحيط به من كل الجهات، فانسيابه اللانهائي يشكك في مفاهيم تقييد حركته الفكرية التي تنشأ عن ممارسة التحليل كرغبة تحقيق التعددية وتعزيز الفكر الغير محدد دوره في التمعن والتأمل فقط، بل بالتمدد الدائم داخل كل نسق يجده أوديب مصدرا ً للذاكرة المذنبة، وداخل كل بنية تجعل منه رقما ً لا رغبة له. على إثر الحالة الفصامية هذه، لا يصبح أوديب خارج الجماعة فقط بل خارج عقدته التاريخية، وبالتالي لا تكون أفعاله مجرد ردات فعل، بل أفعال خلاقة. في ميدان التحرير أوديب ليس أوديبياً.
ضد الحقيقة الرغباوية المفروضة عنوة ً على مجتمع الأسفل، يقف اليوم كل ثائر في مصر موقف الأوديبي المضاد لكل شكل من أشكال الإرهاب، أكان الإرهاب التنظيري المحض، صنيعة الوسائل الإعلامية الرسمية، أو الإرهاب التطبيقي القمعي صنيعة الاجهزة الأمنية التي بانت على حقيقتها العنيفة خلال الأيام الأولى للثورة.
هؤلاء الشباب الثائرون على السلطة والمتمردون على كل حالات تحديد وتنميط رغباتهم وحاجاتهم يمتلكون الوعي الكامل الذي يخولهم التصدي لكل أنواع الأحادية في المجتمع المقسوم على عمود الشلل الاقتصادي، الاجتماعي، والسياسي. هذا ما يدفعنا للقول أنهم جعلوا من كل البنى التي تقسّم رغباتهم عدوا ً لا بد من ضحض حقيقته أولا ً والتخلص منه ثانيا ً، فهم ضد هذا الجسم المضلل الذي أوقع الكثيرين في حب السلطة.
يقف أوديب في وسط ميدان التحرير، لا يقوم بفقأ عينيه، بل بالتخلي عن عقدة ذنبه التاريخية، ولأنه غير مذنب يسير في اتجاه تحقيق كل رغباته. لطالما كانت مصر، أم الدنيا، تلد أولادا ً يعاقبون الأب، لكن هذه المرة الأولاد ليسوا مذنبون.



#روجيه_عوطة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرافعة ضد البنى الإبستمولوجية
- عزيزنا الديكتاتور، ليس لك منا تحية ولا راتب تقاعدي
- خواء في بوخاريست
- ريجيم عاطفي بحبوب الليكزوتانيل
- إنطباع بزوغ الغثيان
- تحية من غرفة العناية المشددة
- دائرة الممكن، عمودية الإستعارة وبرج بابل لا يسقط في الآنية
- تسوّل شعري
- المعنى: هدية البحار العجوز
- بورتريه مائي فارغ
- مرآة الدين الضائعة (لا بد للجسد أن يعود الى القبر ليرى مرآته ...
- لن يُستهلك ماركس بعد الآن
- الوجه: نرسيس بلا مرآة
- رحم الأم...بيت الزوج...القبر
- ثنائية لحظة الذروة
- مفتاح السجن في يد السجين
- الماركسية والدين
- هل من سبب للطائفية في لبنان؟


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - روجيه عوطة - أوديب في ميدان التحرير