|
ثلاثون عاماً
عدنان الظاهر
الحوار المتمدن-العدد: 3275 - 2011 / 2 / 12 - 23:31
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
ثلاثون عاماً أولاً / قبيل سقوط حسني مبارك أجل ، ثلاثون عاماً مرّت والحكم العسكري الدكتاتوري جاثم بكل ثقله وتسلّطه على صدور ورقاب الشعب المصري فأذلّه وأهانه وشكك حتى بآدميته وأهليته لحق المواطنة في بلد مصر . حرمه حتى من حق التظاهر في شوارع الوطن للتعبير عن آرائه ووجهات نظره المخالفة لفلسفة النظام وتوجهاته السياسية واحتكر السلطة التنفيذية وأحكم سيطرته عليها بأجهزة القمع المختلفة من شرطة وقوات أمن مركزي وعناصر مخابرات واستخبارات فخنق أنفاس بنات وأولاد مصر وآبائهم وأمهاتهم وغيّب مَن غيب وقتل مَن قتل ليواصل عمليات نهب ثروات مصر وتهريبها للبنوك الأجنبية وكان ولدا حسني مبارك من أبرز عناصر السرّاق والناهبين هؤلاء . وجهان لعملة واحدة : الطغيان وتكميم الأفواه وغياهب السجون من جهة ونهب ثروات وأموال مصر من الجهة الثانية . وجهان غير قابلين للإنفصال أبداً : من يستبد ويظلم يسرقْ كأنه لم يظلم ويقتل إلاّ ليسرق وينحرف ويشوّه القانون والدستور وقد فعل مبارك ذلك عدة مرات إذ غيّر بعض مواد دستوره ليبقى رئيساً مدى الحياة حتى يزوره مَلَكُ الموت عزرائيل ويأخذ منه روحه وما فيها من عفونة ونتانة . ثلاثون عاماً وحسني مبارك وزمرة فاسدة خبيثة في معظم عناصرها تحيط به حوط الخاتم بالبنان تفيد منه ويفيد منها مرتبطين بعقد مُبرم سريٍّ غير مُعلن كأنه عقد حياة أو موت ... وهذا سر تشبثه بالبقاء في السلطة رغم ما رأى بأم عينيه الكليلتين كم من الضحايا سقطت وكم من الدماء سالت في معارك التحرير التي خاضتها وقادتها جموع شباب مصر وشابّاتها مباركين ومؤيدين من قبل آلاف رجال ونساء مصر . متشبثون حتى النهاية وقد وقعت هذه النهاية المُشينة لحسني البارك في وضح نهار اليوم المبارك على مرأى ومسمع العالمين داخل وخارج مصر . يندمون ولكنْ بعد فوات الأوان ، يراجعون أنفسهم ومجمل مواقفهم ولكنْ ( لاتَ ساعة مَندمِ ) . يعترفون بما اقترفوا من جرائم وخطايا بحق شعوبهم المغلوبة على أمرها بقوى الشرطة والأمن والقوات المسلحة ويعتذرون حين يخسرون مواقعهم ومراكز نفوذهم وقد غدوا هم المغلوبين على أمرهم ... يعتذرون عمّن ظلموهم وقيدوهم وأجاعوهم وحرموهم من حقوقهم الأولية وغيبوهم في السجون وأسالوا دماءَهم تحت التعذيب في سجون النظام . هؤلاء هم حكام مصر وهذا هو حالهم اليوم ليسوا سوى جرذان مجارٍ لتصريف المياه القذرة يداورون ويناورون ويتملصون ويعتذرون ويتبرأون من كل ما فعلوا بالشعب والوطن من جرائم وخروقات للشرعية وأحكام الدستور الذي يتكلمون اليوم عن قدسيته وضرورة المحافظة عليه كأنهم ما خالفوا أحكامه ولا شوّهوه ولا غيّروه كي يخدم أهدافاً معينة منها إدامة حكم رمزهم ومثالهم وتأبيده حتى يحلَّ يوم أَجَلهم المحتوم . يتباكون اليوم على دستور لم يحترموه بل ووضعوه سويةً مع ضمائرهم تحت أحذيتهم وسخّروه لخدمة جشعهم وتكديس المال الحرام . ثلاثون عاماً عانى فيها شعبُ مصرٍ ما عانى واحتمل ما لا يُطاق أيريد مبارك اليوم وزمرة المافيا المحيطة به أنْ ينسى هذا الشعب المظلوم المسحوق الجائع العاطل عن العمل ... أنْ ينسى ويعفو ويسامح ويترك الثورة في منتصفها وهي في أسبوعها الثاني والثالث ؟ لمنْ يتركُ الشعبُ الثائرُ ثورته ولمّا تأتِ اُكُلها بعدُ ؟ أيتركها لوجوه خط مبارك الثاني من المتقلبين المنافقين الذين أعدّوا لكل مناسبة وحقبة ما يناسبها من ألوان وأقنعة وبدلات ووجوه ؟ تنحّى مبارك أو فوّضَ أو هرب إلى خارج مصر ولكن ماذا عن النظام الذي ترك وراءَهُ وكان له رمزاً ورئيساً مزمناً لا يزول كالجَرَب الجلدي أو القَدَر ؟ لمن خلّف هذه التركة ومن سيديرها بعده ومن يتولى أمرها ؟ أليسوا كلهم على شاكلة واحدة ومن طينة واحدة وطبقة واحدة أثرت وطغت وتسلّطت وتجبّرت وفرّطت بكرامة وأمن مصر والعرب والمسلمين ؟ فيا شاعرنا المتنبي ! قم اليومَ من قبرك المجهول واشهدْ ثورةَ الشعب المصري فإنه اليوم شعب الشابة الشهيدة سالي والنماذج الثورية الرائعة من أمثال زياد العلمي ونور زكريا ووائل غنيم وأسماء محفوظ وملايين مثلهم . قمْ فمصرٌ اليومَ غير مصرَ كافورٍ الإخشيدي ونواطيرُ مصرٍ اليوم هم ثوار وحرس حماية وأمن جمهورية ميدان التحرير وهي التي لا تنامُ كما نامت زمان حكم الإخشيدي . ثانياً / بعد سقوط وهرب مبارك / 12.02.2011 نفضت مصرُ أثوابَ الذل وقد انتفضت وقامت عزيزةً بهيّةً وسهرت وغنّت في ميادينها وشوارعها وبيوتها وطوّقت قصر القاتل السارق الهارب الناهب ومكاتبَ أجهزة إعلامه التي سخّرها لتزييف الحقائق وإخفائها عن عِلم الشعب المصري . تساقطت رؤوسُ حزبه اللاوطني واللادمقراطي فغيّروا مواقفهم وشرعوا يتزلفون للشعب ويبررون ووجوهم كالحة صفراء صفيقة مثل وجوه البغايا . كما غيّرت أكبر صحف النظام لغاتها وصارت تنشر أخبار الثورة والصور الكبيرة لما جرى في ميدان التحرير والمدن المصرية الكبيرة الأخرى مثل الإسكندرية والسويس والإسماعيلية وسواها المنتشرة هنا وهناك . سقط مبارك وسقط معه نائبه وكبير رجال أجهزة مخابراته عمر سليمان ساعة أنْ تنحّى وعهد بسلطاته للمجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة. فرحت مصر وخلت ساحة التحرير من ثائريها أو أوشكت وعادت الحياة إلى شوارع وطرقات القاهرة وواصل النيل جريانه كما فعل لآلاف السنين لكنَّ الهاجسَ الثوريَّ لدى بعض الشباب ما زال يَقِظاً ساهراً تنتابه شكوك في نوايا العسكر وقياداته العليا خاصة وقد طلب المجلسُ العسكريُّ الحاكمُ في بيانه الرابع من آخر وزارة شكّلها قبيل سقوطه حسني مبارك أنْ تبقى تمارس صلاحياتها رغم كل ما فيها من عيوب وثغرات وقد ضمّتْ عناصرَ من أسوأ ما في مصر من إمّعات ودُمى محسوبة على قيادات حزب حسني مبارك مثل وزير الإعلام أنَس الفقي . هذه هي آخر ( مأثُرة ) أنجزها حسني مبارك وهو يُحتضرُ في ساعات نَزَعه الأخيرة . أشدّ ما أوجع قلبي اليوم موضوعٌ آخرُ جاء في أمر تكليف قيادة المجلس العسكري الحاكم لحكومة الفريق أحمد شفيق أنْ تستمر في إدارة وتمشية أمور الدولة . فلقد أكّدت القيادة العسكرية الحاكمة اليوم نيابةً عن مبارك على تعهدها بالمحافظة على المعاهدات التي وقعتها مصر ! المقصود بالطبع وبالدرجة الأولى طمأنة إسرائيل وأمريكا على أنَّ معاهدات كامب ديفيد والأخرى المعقودة مع الولايات المتحدة الأمريكية ستبقى في حرز حريز وسوف لن ينالها أيُّ تغيير ! تجاوبت هذه القيادة المؤقتة إذاً مع طلبات وإشارات أوباما التي دأب على تكريرها في خطابات يومية . ساهمت أنجيلا ميركل ، المستشارة الألمانية ، في توجيه مثل هذه الضغوط على الحكومة المصرية المؤقتة والمجلس العسكري وكانت أكثر من أوباما صراحة وصفاقةً إذْ طلبت أنْ يحافظ النظام الجديد على أمن إسرائيل ! مصر تحافظ على أمن إسرائيل ؟ هل هذا منطق مقبول أمْ أنَّ السياسة عهرٌ في عهرٍ ؟ مَن الذي يجب أنْ يحافظَ على أمن مَنْ ؟ مصر أم إسرائيل التي تغزو وتقتل وتتآمر وتحتل أراضي جيرانها وتهوّد القدس والضفة الغربية وتعرّقلُ قيام دولة فلسطين وهي المُتخمة بشتى أنواع الأسلحة النووية التي لا تملكها مصر ولا أيّ بلدٍ في الشرق الأوسط ؟ هذان موقفان أتحفّظُ عليهما ويساورني بعض الشك بشأنهما وأرجو مُخلصاً أنْ لا يدعهما الشباب الثائر يمرّان رهواً هكذا وأنْ يواصل رصد الظواهر والسياسات والتصريحات التي يدلي بها الناطق الرسمي للمجلس العسكري الحاكم وللحكومة . ما أسباب إحجام مبارك عن تشكيل حكومة مدنية إئتلافية تضم كافة الأطياف السياسية المؤثّرة في الساحة والمعروفة لدى الشعب المصري بدل تسليم السلطة للجيش بإنقلاب عسكري خطط له ونفّذه ثم تنحّى ورحل ؟ أهو ولاؤه الأصل وإنتماؤه بالإحتراف أو خوفه من الشعب وتعاليه عليه وانتقامه منه ؟ هذه في نظري آخر وأكبر وأخطر جريمة نفّذها حسني مبارك بحق مصر وشعبها قبل أنْ ينفقَ ويؤولَ إلى مجرّد جيفةٍ وفطيس . ملاحظة : إستقال من وزارة أحمد شفيق وزير الثقافة الدكتور جابر عصفور وبيّن ظهر اليوم في فضائية العربية أمام حافظ الميرازي أسباب إستقالته . شكراً دكتور جابر .
#عدنان_الظاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مع الشاعر سامي العامري
-
مع سلام إبراهيم في روايته الأخيرة - الحياة ... لحظة -
-
مقابلة مع مُرشّحة البرلمان العراقي قرطبة عدنان الظاهر
-
حول الدايالكتيك الإلهي وقضايا أخرى
-
للثامن من آذار / يوم المرأة العالمي
-
بأيِّ ذنبٍ قُتلتْ ؟ شهداء الحلة في إنقلاب شباط 1963
-
إنقلاب 8 شباط 1963 البعثي الفاشي الدموي
-
على جفن البنفسج / نصوص للسيدة نبال شمس
-
حول دوائر أحزان القاسمي والناقد السوري
-
باعتني بنقودي لصديقتها وقراءة لرواية سلام إبراهيم الجديدة :
...
-
حول مقال نادين البدير
-
مزمار ومقهى دينا سليم
-
تعقيبات على كتاب عن تأريخ الحلة لنصف قرن من الزمان
-
رواية الأرسي لسلام إبراهيم
-
ماركسيست ستالينيست أمريكانيستو
-
الحاتي وإبن الرومي والملاّ عبود الكرخي
-
سيدوري في مملكة الحيوان
-
مع صديق وأمورٍ ساخنةٍ أخرى / الزيدي وغزّة ...
-
أعياد الميلاد / لغزّة اليوم وذكرى الطفل محمد الدرّة
-
حصانُ الدرويش
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|