فؤاد ابو لبدة
الحوار المتمدن-العدد: 3275 - 2011 / 2 / 12 - 10:01
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
الجماهير هي محركة التاريخ وهي أداة التغيير وصانعة الانتصارات ومحققة الانجازات وتنقل المجتمع من حالة الحراك الاجتماعي الي حالة التحريك الشامل في طبيعة المجتمع العضوي الذي يعج بالمفاصل الحركية المتطورة دوما وفقا لعملية الحراك المستمرة دوما لتواكب السير بعجلة التاريخ التي لن يكتب لها الرجوع للخلف أو المراوحة بنفس المكان , بل السير دوما للأمام , ان طبيعة الانتقال من عملية الحراك الاجتماعي إلي التحريك حني يؤتي ثماره ويحقق الأهداف المرجوة لا بد ان تتوافر فيه العامل الذاتي والعامل الموضوعي .
أولا - العامل الذاتي وهو يتمثل في نضوج الوعي الجماهيري وإيمانهم بالتغيير والانتقال من واقع سيئ يعاني منه الجماهير إلي واقع أفضل يضمن لهم الحياة بكرامة ومجتمع مدني يكفل لهم إشاعة الديمقراطية وإطلاق الحريات الفردية والجماعية , ومما لا شك فيه ان هذا العامل أصبح ناضجا في جميع مجتمعاتنا العربية بشكل عام وان كان بنسب متفاوتة من قطر لأخر ووصل أشده في تونس ومصر لتنطلق من الأولي رياح التغيير وتستقر في مصر وتنهي حالة من الحكم الدكتاتوري استمر ثلاثة عقود والتي نتمنى أن تعصف تلك الرياح بباقي الأنظمة الديكتاتورية التي تميل إلي تعزيز دور المؤسسة الأمنية التي تتقن عملية الملاحقة والسجن لأصحاب الأفكار والأقلام الحرة وعسكرة المجتمع وتجعل منه مجتمع بوليسي ومقيد للحريات والقيود التي يضعها النظام أمام الأحزاب المعارضة وعرقلتها وإعاقتها عن الأداء بواجباتها نحو قيادة الجماهير وكذلك القيود التي توضع للحد من حرية الصحافة والنشر , لدرجة أن السيكولوجية العامة التي أصبحت تحكم المواطن العربي يصطلح علي تسميتها سيكولوجيا الإنسان العربي المقهور , الذي يمارس عليه القهر الاجتماعي ممن هو اعلي منه سلطة لنجد الرئيس يمارس القهر علي مرؤوسيه وصاحب المنشاة علي العمال والمعلم علي تلاميذه والزوج علي الزوجة وتلك الأخيرة علي الأبناء .
ما وصلت إليه الجماهير المصرية من نضج ومن منطلق فهمها العفوي للقانون الجدلي العلمي " التراكمات الكمية تؤدي الي تغيرات نوعية " جعلها تترجم تلك السيكولوجية إلي تحدي القهر الاجتماعي وتحويله إلي عنف ثوري لتغيير الواقع السيئ بدل من الاستسلام والخنوع للأمر الواقع وتسلحوا باردة قهر قاهريهم واستبدلوا ثقافة "برغماتية بدنا نعيش " التي تمكنت منهم ثلاثة عقود إلي ثقافة " بدنا نغير النظام " وكان لهم ما أرادوا بثورة شعبية استحقت التقدير والاعتزاز وأعطت أنموذجا رائعا في التاريخ الحديث والمعاصر .
ثانيا - العامل الموضوعي ويتمثل في إيجاد حزب ثوري وبرؤية فكرية صائبة يتبني مطالب ويقودها نحو الانتصار بالثورة , وأكثر الأحزاب مؤهلة للقيام بهذا الدور هي الأحزاب التي تمثل الطبقة العاملة , كون هذه الأخيرة هي أكثر فئات الشعب معنية بالتغيير لأنها خلقت من رحم المعاناة وليس إمامها شيء لتخسره سوي التخلص من واقع القهر والاضطهاد والاستغلال , وكون هذه الجماهير عادة ما يكون جهدها مشتت ومبعثر ويغلب عليها طابع العاطفة في اتخاذ قراراتها وتميل إلي العنف الثوري نظرا لطبيعة الحياة المأساوية التي تمر بها تلك الطبقة كونها تبذل جهدا ذهنيا وعضليا مقابل قوت يومي قد لا يكفي لسد الاحتياجات الأساسية في ظل السياسة الرأسمالية التي تنتهجها أنظمتنا العربية والقائمة علي الاحتكار والمنافسة والمضاربة , لذا الجماهير هنا بحاجة إلي حزب عمالي ثوري ووفقا لرؤيته العلمية وقراءته الناضجة للأمور والمنبثقة من فكر علمي يستطيع قيادة تلك الجماهير وتوحيد هذا الجهد الجبار المشتت والمبعثر وتوجيهه وتنظيمه وقيادة دفة السفينة كي ترسي بهم إلي بر الأمان ودحر النظام الفاسد وتحقيق الانتصار .
ان هذا العامل الموضوعي الذي لم يكن متوفرا حين اشتعلت الثورة المصرية وكان مغيبا تماما بفعل حالة الملاحقة الأمنية المصرية التي كانت تحظر أي حزب ثوري يشتي الوسائل القمعية , سواء كان ملاحقة فرضتها قوة قانون الطوارئ التي كانت تحكم البلاد او قانون الأحزاب الجائر الذي كان لا يترك أي مساحة للأحزاب ويفسح المجال فقط إمام الحزب الوطني الذي يرسم السياسة العامة للحكومات المصرية المتعاقبة او بإطلاق يد المؤسسة الأمنية لتلاحق الناشطين من الأحزاب الثورية وتضييق الخناق عليهم في لقمة عيشهم وعدم تعيينهم في أي وظيفة حكومية او أي مصلحة الا إذا كانوا حاصلين علي عضوية الحزب الوطني وإيداعهم في السجون في حال الاستمرار بالأنشطة السياسية , ان تلك الظروف التي أحالت من وجود الأحزاب الثورية منذ بداية اشتعال الثورة وان كانت قد شاركت بعد انفجارها لا نعتبرها مبرر للغياب لأنها يتوجب عليها أن تتسلح بالمقولة القائلة " اذا كانت الظروف هي التي تحكم الإنسان , فعلي الإنسان أن يخلق ظروف اكتر موضوعية أو اكتر إنسانية "
وهذا ما جعل الثورة المصرية ان تبتكر وتبتدع أساليب وتكتيكات جديدة من الأجدر أن يتم تدوينها في سجل الثورات الشعبية العالمية لاستخلاص الدروس والعبر منها والتي نستطيع ان نجملها بالتالي :
1- اعتماد الثورة في بداية الأمر علي فئة الشباب وامتازت بأنها فئة عمرية متقاربة نسبيا وهذا ما عزز نوع من التجانس والتقارب في الأفكار والالتقاء في أنهم يواجهون نفس المصير المجهول لآلاف من الطلبة الجامعيين ويماثلهم نفس العدد لخريجين جامعيين سينضمون إلي طوابير البطالة التي استفحلت في المجتمع وشح الوظائف وقلة فرص العمل واستشراء الفساد وعدم تكافؤ الفرص وعدم إيجاد الرجل المناسب في المكان المناسب والبيروقراطية وكذلك عدم التكيف مع نظام الدولة البوليسي الذي يتيح لرجل الأمن ان يهدر كرامة المواطن بوصفه فوق القانون .
2- اعتماد الثورة علي التقنيات الحديثة للتواصل فيما بينهم واستخدام الانترنت كوسيلة للتواصل فيما بينهم وتحديدا برامج التواصل الاجتماعي الفيس بوك وتويتر والتي استطاع من خلالها بعض النشطاء للتحريض والتمهيد للقيام بالثورة , وهذا الامر ينبغي علي جميع الأحزاب الثورية الاستفادة منه لان تلك التقنية باتت يستخدمها معظم الشباب ومن فئات عمرية مختلفة وما من بيت يخلو من جهاز الكومبيوتر ووسائل التواصل الاجتماعي .
3- الاستفادة من التجارب والخبرات السابقة , حيث استفادت من الثورة التونسية التي سبقتها بأيام وأسقطت نظام بن علي لتعطيها حزمة من الدفعات المعنوية ودحضت المقولات السابقة التي وصفت الجماهير العربية انها لا تراكم التجارب وانها كبرميل بلا قعر وأثبتت أن العقل الإنساني العربي قادر علي العمل وإطلاق باكورة الإبداع , والعقل الإنساني الذي اشرنا له هنا يختلف عن العقل البشري ,حيث يشار إلي الأخير هنا بأنه ما يحتويه الدماغ البشري من المخ والمخيخ والجهاز العصبي المركزي , بينما يشار إلي الأول هو قيمة ما راكمته البشرية من تجارب وخبرات .
4- اتسمت الثورة رغم قصر المدة الزمنية التي لم تتجاوز العشرين يوما بالشمولية لتمتد وتشمل محافظات عديدة رغم محاولات النظام قطع وسائل الاتصالات الخلوية والانترنت والاتزان والجماعية في اتخاذ القرارات وعدم الانفراد بالقرارات وتوحيد المواقف لجميع أحزاب المعارضة والمشاركة بالثورة وبذلك تكون قطعت الطريق علي النظام للانفراد بكل حزب علي حدا , وتسلحت بالإرادة والعزيمة وطول النفس ولم تثني عزيمتها ما قامت به قيادات الحزب الوطني من إرسال المرتزقة يداهمون الثوار بميدان التحرير او إطلاق النار من قبل جهاز امن الدولة .
5- بادرت الثورة إلي تشكيل اللجان الشعبية في كل مكان لحماية الجماهير وتوفير الأمن لها بعد ان سقطت الأجهزة الأمنية المستبدة وانتهت مهامها بل أنها تحولت لأداة تخريب ولكن فشلت في أداء مهامها أمام الإرادة الشعبية وعمل اللجان الشعبية , كما إنها قامت بتشكيل المستشفيات الميدانية لمعالجة المصابين وتنظيم إداري وتشكيل لجان استشارية كانت أشبه بقيادة عمل يومي لتقود الآلاف في الميدان وتصدر إليهم التوجيهات والتعليمات وامتازت رغم عفويتها بالالتزام التام بالقرارات وكأن الشبان الثائرين منتمين لحزب من عشرات السنين .
6- حافظت الثورة علي علاقة متينة مع الجيش المصري نظرا لما يتمتع به الجيش من مكانة مرموقة لدي الجماهير واستطاعت استمالة الجيش إلي موقفها ومطالبها العادلة وحرصت تمام الحرص علي أن تكون يد الجماهير والجيش سوية .
في النهاية لا يسعنا إلا ان نبرق باسمي التحيات للشعب المصري الرائع ونبارك لهم انتصارهم علي الدكتاتورية والظلم ونشاركهم احتفالهم ومزيدا من الرقي والتقدم نحو الديمقراطية واسترجاع مكانة مصر الدولية كمركز إقليمي متميز ونتمنى ان تتقدم باقي الأنظمة العربية وتبدأ من حيث انتهت مصر وتونس والمجد والخلود لشهداء الحرية والتحرر في مصر والعالم .
#فؤاد_ابو_لبدة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟