فؤاد ابو لبدة
الحوار المتمدن-العدد: 3274 - 2011 / 2 / 11 - 14:59
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
بعد ساعات من الترقب والانتظار وصدور البيان الأول الصادر عن هيئة أركان الجيش الذي أعلن فيه حالة الانعقاد الدائم وتلك الحالة من الانعقاد لا تتخذ إلا في حالات الحرب أو تعرض البلاد لأخطار خارجية أو داخلية وجملة من التوقعات والتكهنات لما سيؤول إليه الخطاب الثاني لمبارك وما تلاه من خطاب أخر لنائبه عمر سليمان ليأتي حسب توقعاتنا وفهمنا لطبيعة النهج البرجوازي ليس مخيبا للآمال وعكس التوقعات التي تصبو اليها الجماهير الثائرة بعد أن قدمت مئات الشهداء وآلاف الجرحى وحسب , بل إعلان حالة من التحدي والعناد لجماهير شعبه والتظاهر بمظهر الحمل الوديع الذي تتكالب عليه قوي خارجية تعمل علي فرض أجندتها علي الساحة المصرية وكأنه لا يري إلا بعين واحدة تلك العين التي تري النظام والحزب الوطني والعين الاخري مغمضة عن رؤية الجماهير وإرادتها القوية ,وان هناك أملاءات أجنبية من شانها أن تهدد الأمن القومي ,مشيرا إلي الإدارة الأمريكية في الوقت الذي يعتبر فيه مبارك الحليف الاستراتيجي لها ويتلقي مساعدات أمريكية تقدر بمليار وثلاثمائة مليون دولار سنويا واهما نفسه وبنزعة نرجسية انه الوحيد الذي يعمل لأجل الوطن وما دون ذلك هوامش .
يأتي الخطاب الثاني لمبارك ليعزف علي وتر العاطفة وسيمفونية المشاعر وكأنه في دعاية انتخابية ليستهل خطابه بتفهمه لمطالب الشباب المنتفضة وإبداء الحزن والألم والاعتذار لأهالي الشهداء واعدا محاسبة من قام بالتجاوزات التي حدثت الأربعاء الماضي ليذكر الجماهير ببطولاته في حرب اكتوبر1973 وانه بطل السلام ومحرر طابا وصاحب الانجازات وأطلق جملة من الوعود والتغييرات الدستورية لبعض مواد الدستور المواد
عبر ما ترفعه إليه اللجنة التي أوصي بتشكيلها بالخطاب الأول وتحديدا تلك التي تتعلق بالرئاسة وتحديد المدد الزمنية لولاية الرئيس وربطها بسقف زمني والعمل علي إطلاق يد القضاء للبث في الطعون المقدمة له حول شرعية بعض النواب في الانتخابات التشريعية الأخيرة وإلغاء المادة 179 في خطوة لإنهاء قانون الطوارئ الذي رافق مبارك منذ بداية حكمه لمصر , إضافة لتفويض نائبه باختصاصات رئيس الجمهورية علي نحو يحدده القانون,وهذا يعني ان التفويض لا يعدو كونه إجراء شكلي حيث أن القانون لا يجيز لنائب الرئيس تغيير مواد الدستور او حل مجلسي الشعب والشورى أو إقالة الحكومة وتعييرها , ووفقا للتعديلات الجديدة للمادة 82 والتي لا تمنح نائب الرئيس إلي صلاحيات من المذكورة أعلاه , وبذلك تبقي الصلاحيات المصيرية في يد مبارك وما جاء بالخطاب لا يلبي ادني طموحات الشعب المصري . وبذلك قد يكون مبارك قد ضرب عصفورين بحجر واحد فهو التف علي المطالب الجماهيرية وأوقعهم في شرك الجدل الفقهي القانوني واسقط خيار التوريث الذي كانت ترفضه الجماهير جملة وتفصيلا , وأيضا ضمن الاعتماد علي جهاز المخابرات كجهاز امني في الدولة بعد ان سقط جهاز امن الدولة ودمرت مقراته في أكثر من محافظة ولا يلقي قبولا جماهيريا بوصفه ارتكب الكثير من الانتهاكات بحق المدنيين .
وبالتالي يكون الخطاب الثاني والذي توقع الجميع انه خطاب تنحي لمبارك خطابا عقيما يخرج المواطن المصري من عقم الاجتهاد لما جاء به إلي اجتهاد العقم , لكونه يلتف علي المطالب الجماهيرية ويستخف بثورتها التي تعتبر من انجح الثورات الشعبية في التاريخ الحديث والمعاصر ,ومحاولة لإحداث شرخ في صفوف المعارضة المصرية ما بين من يكتفي بتلك الإصلاحات ويطلب ضمانات تحقيقها من قبل الجيش الذي يعول عليه الجماهير , وما بين رافض لذلك الخطاب واعتبر النظام فاقد للشرعية منذ 25 يناير وان الشرعية الشعبية اعلي من الشرعية الدستورية كون الشعب هو مصدر الدستور وإرادته تعلو أي إرادة أخري , ووفقا لتلك الشرعية الشعبية فان النظام باطل وما بني عليه من إجراءات قانونية وتعديلات وتغييرات هي باطلة من الناحية الشرعية , كما ان الخطاب حاول ان يصور ما يجري في مصر أحداث عابرة وأزمة اعتيادية ولم ينظر إليها أنها ثورة شاملة ومتوازنة وموحدة بمواقفها ومتناسقة بقراراتها , كما أن هذا الخطاب يعتبر جزء من الحرب النفسية بان النظام باقي في الحكم حتى شهر سبتمبر ويراهن علي خلق حالة من الملل والإحباط واليأس في أوساط الشباب ليخفضوا سقف مطالبهم او علي الأقل إيقاف الخطوات التصعيدية القادمة بالزحف نحو مبني الإذاعة والتلفزيون القريب من ميدان التحرير والقصر الجمهوري الذي يبعد 20 كيلو متر عن الميدان وتحميه قوات الحرس الجمهوري التابع لمبارك .
رغم ان الخطاب جاء يخاطب لغة العاطفة واللعب علي المشاعر الا انه احتوي علي كثير من الدهاء والحنكة السياسية والمراوغة وكسب الوقت كونه اعفي مسؤولية النظام من الأحداث الدموية التي شهدتها ساحة الميدان الأربعاء الماضي وكذلك اعفي الحزب الوطني الذي يتزعمه مبارك من أي مسؤولية جنائية او قانونية , علما ان الحزب الوطني يتحمل مسؤولية كبيرة لتلك الأحداث كون قيادته نظمت وجيشت واعدت العدة لبعض المرتزقة والبلطجية لارتكاب جرائم منظمة بحق الجماهير وبذلك يكون النظام قد نصب نفسه بمركز القاضي والجلاد بنفس الوقت .
مما تقدم وفي الوقت الثورة بعد ان دخلت يومها الثامن عشر لمرحلة تصعيدية جديدة بعد ان قامت الجماهير بمحاصرة مجلس الشعب ورئاسة مجلس الوزراء ومنع النواب والوزراء من دخول المقرات استشعر النظام بقوة الثورة واتساع رقعتها لتأخذ صفة الشمولية فلم يعد الأمر يقتصر علي الاعتصامات ومسيرات في ميدان التحرير او محطة الرمل او باقي المدن , لتشرع الجماهير بمرحلة العصيان المدني الشامل في معظم مناحي الحياة وإعلان الإضراب عن العمل في العديد من المؤسسات والشركات الكبرى في مصر ليصل الأمر إلي إعلان الإضراب لآلاف الموظفين في هيئة قناة السويس وموظفين يعملون في المصانع الحربية وعمال الحديد والصلب وعمال شركات الأدوية والغاز والكهرباء , وبذلك التحم النضال المطلبي العمال والموظفين الحكوميين مع النضال المطلبي السياسي للشباب في ميدان التحرير ليعلنون بصراحة انضمامهم للثورة الشعبية بوصفها فن إدارة الصراع الطبقي ,وبعد الموقف المشرف لبضعة ضباط في الجيش المصري وعلي رأسهم الضابط احمد علي شومان الذي قام بتسليم سلاحه لوحدته وانضم لصفوف الجماهير هاتفا معها ومخاطبا رئيس الأركان ووزير الحربية والرئيس مبارك أن يصغوا للجماهير الشعبية التي لن تتراجع عن مطلبها بالتغيير وإسقاط نظام الحكم , واستقالة وزير الثقافة احمد عصفور وان كانت الأسباب صحية في شكلها ورفضا للواقع الحالي في جوهرها وحرصا إلا يسجل التاريخ عليه مشاركته في حكومة التزمت الصمت جراء غزوة الخيول وما قد يقدم عليه مبارك في الأيام القليلة القادمة .
ما بين تشبث وإصرار رأس النظام بالتمسك بالسلطة حتى شهر سبتمبر القادم والجماهير الثائرة التي ترفض بقاء النظام وتطلبه بالتنحي عن الحكم تبقي لعبة عض الإصبع مستمرة ما بينهما بانتظار من يسلم الأول من شدة الألم , ولكن بكل المقاييس الجماهير هي التي ستنتصر لأنها صاحبة الحق والقضية العادلة وهي الأقدر علي المواصلة والانتصار علي البرجوازية التي تمتاز بقصر النفس وعدم الصمود كثيرا أمام الإرادة الجماهيرية التي باتت قريبة من تحقيق الانتصار .
#فؤاد_ابو_لبدة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟