ثورة الشعب المصري قادمة

اكنار احسين

الحوار المتمدن-العدد: 3274 - 2011 / 2 / 11 - 13:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

ها هو الشعب المصري يقوم بانتفاضته سائرا على منوال الشعب التونسي ، وليؤكد للذين يبخسون الشعوب المقهورة ويشكون في قدراتها، كون الشعب المقهور ، الواقع تحت أحذية الاستبداد وشروط عيش لاانسانية، كالنهر لا ينسى مجراه مهما مر من الزمن ، ومهما أنجزت أسوار صينية بذلك المجرى المستلب . وبالفعل هذا هو الشعب ، كتل بشرية متنوعة و مختلفة، يستحيل على كل نظام سياسي مستبد أن يتحكم في مجرى هذا الشعب . و فيضان النهر هو من فيضان معاناة الشعب المقهور، و حين يفيض النهر ينتفض و يطالب بمجراه الطبيعي، بعد أن يدمر كل المجاري الاصطناعية. كذلك حين تفيض معاناة الشعب المقهور، تخرج الكتل البشرية إلى الشارع و تطالب بتوقيف معاناتها و محاسبة جلاديها .
لقد فعلها الشعب المصري البطل، و استنار بالدرس النضالي التونسي. فعلها الشعب المصري، الذي لم يعد لديه ما يخسره، و أكد نسبيا صحة القول ب "حلول عصر الشعوب ". و بالفعل فلا أحد يستطيع ، لا الحكومات ولا حتى البرلمانات ، إيقاف شره و جشع الشركات المتعددة الجنسيات، سوى الجماهير الشعبية التي تكتوي بالسياسة الاقتصادية النيوليبرالية السائدة اليوم في العالم.
فإذا كان الرأسماليون يعتقدون بأن إبقاء السياسيين في نعيم ظلال رؤوس أموالهم ، لتأبيد سيطرتهم على الشعوب، الرازحة تحت وطأة الفقر والأمية وفقدان الكرامة ، وإخضاعها لعمليات غسل دماغ كلما دعت الضرورة إلى ذلك ، فان اعتقادهم ذاك يؤسس له الوهم ، إذ بينت أمثلة من التاريخ المعاصر كون إرادة الشعوب أقوى من كل ذلك .
تتهاوى الأنظمة المستبدة والقاهرة لشعوبها كأوراق الشجر اليابسة تباعا . هذه الأنظمة التي تحولت إلى أداة في يد الامبريالية العالمية ، إلى مرشد استثماري للرساميل الأجنبية والشركات العابرة للقارات ، أو وسيط في نهب ثروات الشعوب الوطنية . تتهاوى تلك الأنظمة المسنودة من الامبريالية ، وتتنكر بلدان هذه الأخيرة بالمطاح بهم من المستبدين الهاربين .
فتحب بلدان الجنوب أسواقها في وجه السوق العالمية، وصار الرأسمال هو سيد الموقف، وأصبح العرض والطلب هما لغة الساعة.دخلت الأنظمة المستبدة لتلك البلدان في مسلسل الخوصصة ، فخوصصت الشركات الوطنية والقطاعات الاجتماعية ، الأمر الذي فاقم من صعوبة تحقيق التنمية الشاملة بتلك البلدان ، بل صار الأمر مستحيلا في ظل النهب والاستغلال الممنهجين والشاملين لثروات العالم ، اللذان تمارسانه الامبريالية العالمية بقيادة الصهاينة .
الشعب المصري يعاني كما الشعوب الأخرى، التي لم تعد تتحمل فاتورة الخوصصة وجشع الرأسماليين . يعاني من نتائج سياسة التقويم الهيكلي، الذي أبدع النظام المصري في تنفيذها، دون مراعاة للملايين من المصريين الذين يعيشون تحت عتبة الفقر، والذين لا يجدون مأوى يأويهم حر الصيف وبرد الشتاء غير المقابر أو المدافن .
الخدمات الاجتماعية المصرية جلها مخوصص عبر التدبير المفوض أو التفويت . التلاميذ المصريون بالمدارس الحكومية لا يتلقون سوى حدا أدنى من التعليم، لا يكفي سوى لولوج سوق الشغل ليصيروا موضوع استغلال في المستقبل .المرضى المصريون ذوي الأصول الفقيرة ، وما أكثرهم ،لا يستطيعون الوصول إلى الخدمات الصحية الجيدة والمجانية ، يموتون عند أبواب المستشفيات .الماء والكهرباء لمن استطاع الحصول عليهما ، تشعل أسعارها النار في دخل الأسر المصرية الهزيل أصلا ، إلى جانب غلاء أسعار المواد الأساسية . وفي عالم الشغل تسريح العمال مستمر وجيوش المعطلين يتضخم، والتشغيل يكون بشروط المشغل المالك لكل السلطة في المجال.الشباب معطل والنساء المصريات يتكرس استغلالهن المزدوج باستمرار . أما الأطفال فيتعلمون من خلال ألعابهم كيف يعيدون إنتاج الأوضاع السائدة.
انه واقع محبط ومحفز على التمرد والاحتجاج ، لا يقتصر على مصر فقط ، بل يشمل كل دول الجنوب بدون استثناء . هذه الدول الواقعة أنظمتها في كماشة الاستعمار الجديد ، تقدم شعوبها قربانا لآلة الاستغلال الامبريالي الضخمة والمخيفة ، في إطار نمط إنتاج اقتصادي رأسمالي يعتمد على الاستغلال .
انفجر الغضب الشعبي وخرج المصريون إلى الشوارع، مطالبين برحيل النظام السياسي السائد ومحاسبة رموزه. انتفضت الجماهير الشعبية المصرية ولم يعد يخيفها أي شيء . لا أجهزة القمع المسعورة، ولا " هبة " مؤسسات الدولة. إنها عازمة على قول كلمتها ومصرة على الاعتصام بالشوارع حتى تحقيق مطلبها، وما مشاهد العنف التي تواكب كل انتفاضة شعبية وعصيان مدني، سوى آخر أوراق النظام، قد تكون واقعية وقد تكون مفتعلة.
في سياق الانتفاضة الشعبية التي تستطيع الوصول إلى خلخلة هرم السلطة القائمة ، بحيث تهوي القمة وترتفع القاعدة ، يكون التنظيم الذاتي أمر ذو أولوية قصوى . انه مسالة حياة أو موت بالنسبة للانتفاضة. والتنظيم الذاتي مصدره الجموعات العامة والمجالس الشعبية المسيرة بشكل ديمقراطي ، يسمح لكل فرد كيفما كان رجلا أو امرأة أو شاب ، يريد المشاركة في النقاش أو التطوع في التنظيم الشعبي .
إن الذين يقولون بان الجماهير الشعبية غير قادرة علة تنظيم نفسها، إنما هم واهمون أو مخادعون. لان الشعب ، أي شعب ، رحم يحبل بالإبداع ويلد المبدعين . فإحساس الجماهير الشعبية بالانتصار على ذاتها أولا، ثم على النظام السياسي القاهر ، الذي يكبلها بالأوهام والصدقات ، ثانيا ، يعطيها الإحساس كذلك بالمسؤولية ، ويحسها ذلك بضرورة اخذ زمام الأمور بيدها . وهكذا يتساوى الجميع ويشارك الجميع في انجاز الثورة الشعبية الديمقراطية .
الهرم الاجتماعي المصري يتزلزل، وميليشيات الثورة المضادة، سواء منها الحاملة للسلاح أو التي تقبع داخل مكاتبها، بالداخل أو خارج البلاد، حيث تصنع القرارات، قد بدأت التحرك ومحاولة إقناع الجماهير الشعبية المصرية الغاضبة العدول عن انتفاضتها.الثورة المضادة مندسة في كل مكان من مصر . في أجهزة القمع ، في العصابات الإجرامية المتواطئة مع النظام ، في الإعلام ، في تفكير بسطاء المصريين ضحايا الجهل والفقر . الثورة المضادة تتقنع بألف قناع، وحين تتحرك فان ما تستهدفه هو قلب الانتفاضة والغدر بها.
لهذا فان الأداة النضالية الحقيقية للشعب المنتفض هي المجالس الشعبية التي ستنتخب أجهزة تنفيذية تنفذ قراراتها، في أفق فرض جمعية تأسيسية تشرع دستورا جديدا ديمقراطيا وشعبيا للبلاد .
وفي ظل غياب حزب ثوري بمصر يقود إلى الانتفاضة الشعبية ، فان على كل التنظيمات السياسية والنقابية والجمعوية أن تتخلى عن أوهامها وتلتحق بتلك المجالس الشعبية ، حيث يكون القرار السياسي بالإقناع والإجماع .
على هذه المجالس الشعبية أن تفرز لجانا شعبية وميليشيات شعبية مسلحة تؤمن الانتفاضة ضد كل ممثلي الثورة المضادة . الاعتصام لا يجب أن يتوقف وكذا الجموعات العامة كما النقاش الديموقرااطي . النشطاء السياسيين والنقابيين والجمعويين يعملون على تاطير تلك الجموعات العامة بالية الديمقراطية، وإلا شملهم الغضب الشعبي . الانتفاضة يجب أن تكون مدرسة للنضال وتعلم أساليبه، لا تقمع فيها الحريات ولا تنتهك فيها الحقوق.الميليشيات الشعبية المسلحة عليها أن تكون قريبة من الجيش حتى يحسم هذا الأخير في أمره، وينضم إلى الانتفاضة ، وبالتالي يتحول إلى حارسها الأمين يأتمر بقرارات المجالس الشعبية .
على المصريين المتعلمون أن يساعدوا إخوانهم غير المتعلمين في التدريب على المشاركة الفعالة في الانتفاضة وفي النقاش الشعبي، على الثوار المصريين خصوصا، أن يكونوا نبراس الجماهير الشعبية الغاضبة، وينخرطوا بقوة في التنظيم الذاتي للثورة الشعبية الديمقراطية.
إن المصريون الأحرار قادرون على انجاز ثورتهم الديمقراطية ، قادرون ، وفي ظل التضامن الشعبي الدولي ، على الانتصار على الامبريالية بمصر ولو جزئيا .

#اكنار_احسين (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات