|
نظرية المؤامرة... تنفض عن نفسها الغبار
عادل امين
الحوار المتمدن-العدد: 3272 - 2011 / 2 / 9 - 00:36
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
في مقابلة مع قناة العربية، في السادس من شباط الجاري، كال أحد قياديي الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر، وهو نائب مسؤول الإعلام في الحزب، بما يكفي من الأتهامات من أن أيادي وأموالاً أجنبية وخارجية تقف وراء انتفاضة الشعب المصري، بهدف تقويض وهدم الدولة المصرية، وقبله كان المسؤولون التونسيين، في نظام زين العابدين بن علي أيضاً قد إتهموا جهات أجنبية وخارجية، بالوقوف خلف إنتفاضة الشعب التونسي التي أطاحت بذلك النظام، وقبل أيام أخذ بعض المسؤولين العراقيين، ممن هم في قمة السلطة بأعادة نفس الإسطوانة ، نغمة نظرية المؤامرة، بأن أيادِ وأموالاً اجنبية وخارجية وكذلك السياسية والحزبية تقف وراء المظاهرات التي اندلعت في بعض المدن العراقية، التي طالبت بتوفير الخدمات ومكافحة البطالة وتحسين ظروف المواطنين المعاشية...الخ وربما سنسمع النغمة ذاتها من أفواه مسؤولي الدول الأخرى إذا تعرضوا لإنتفاضات جماهيرية مشابهة تهدد مواقعهم السلطوية . الشرطية (فادية) التي صفعت شهيد الإنتفاضة التونسية( بوعزيزي) لم تكن تعلم أنها تصفع بفعلتها هذه كامل النظام الذي تنتمي هي إليه وتعصف به، ولم تكن تعلم أن تلك الصفعة كانت الشرارة التي ألهبت ليس جسد الشهيد البو عزيزي، لا بل أشعلت نظامها وأنظمة المنطقة بالجملة، وأيقضت مارد الغضب في أجساد شعوب الدول العربية، التي وصلت في معاناتها لحد أصبحت فيه صداقة الموت أهون من تحمل تلك المعاناة، تلك الصفعة كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، لأن الأوضاع في هذه البلدان كانت حبلى بالإنتفاضة أساساً، ولم تكن تحتاج إلى أكثر من شرارة لتلهبها، فلم تكن بحاجة لا إلى أيادِ ولا أموالِ أجنبية لتحركها . إن ممارسات الفئات الحاكمة في هذه البلدان، هي التي أوصلت الأوضاع الى ما عليها الآن وأوصلت الجماهير والشرائح الواسعة من شعوبها إلى المعاناة التي عليها الآن، من حالات الفقر، البطالة، الفساد الإداري، المحسوبية والتحزب في التوظيف، سوء الخدمات، توسيع الهوة الطبقية بين شرائح المجتمع، نهب المال العام، الإغتناء غير المشروع، الثروات غير المعقولة للمسؤولين التي تعد بعشرات المليارات من الدولارات، في الوقت الذي يعيش فيه المواطن المصري على سبيل المثال ب(730) دولار سنوياً، وأزمات السكن، البيوت التي تنعدم فيها مستلزمات الحياة الإنسانية...الخ، ويرافق كل تلك المأساة القمع والإرهاب، يعني على المثل العراقي( جهنم وخبز شعير) الجوع والإستبداد و تكميم الأفواه، تلك الأمور هي التي ايقضت هذه الشعوب، وفجرت فيها صرخة الحياة،أن ممارسات النخب الحاكمة وعوائلها وحاشيتها في إمتصاص قوت ودماء الجماهير المغلوبة على أمرها، هي التي خلقت ظروف ومستلزمات تلك الإنتفاضات ومهدت لتلك الثورات الجماهيرية السلمية، فعندما تحين ساعة انفجار الغضب الجماهيري، آنذاك الشعوب ليست بحاجة لا إلى المال الأجنبي ولا اليد الأجنبية، فاذا كان الإعلام العالمي يتابع الأحداث في كل مكان، فالعالم أصبح بيتاً صغيراً، ليس كما كان قبل عقود، فاذا استخدمت وسائل الإتصالات الحديثة في عقد صفقات غير مشروعة للفئات المتسلطة على رقاب شعوبها، فنفس الوسائل كفيلة بكشف تلك الصفقات وعفونة تلك الفئات الحاكمة . تونس ، بنفوسه العشرة ملايين، وبأمكانياته الإقتصادية الشحيحة، والتي بالأساس منهوبه من قبل الفئات الحاكمة، لم تستطع أن تشكل خطورة على دولة ما، أو جهة خارجية أو أجنبية، كي تصرف تلك الجهة الأموال لتقويض البلد، أما مصرفحكامها يشكلون صمام الأمان لإسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة، وهما قلقتان ومرعوبتان من مجريات الإنتفاضة، اما تصريحات القادة الإيرانيين حول الثورة الإسلامية، فلم تجد لها الآذان الصاغية بين الثائرين، وعلى العكس فأن الجماهير الثائرة في ميدان التحرير نأت بنفسها عن أية ثورة اسلامية مزعومة، ونأت بنفسها حتى عن الأحزاب التقليدية التي لم تقدم لها شيئاً على مدى عقود ٍطويلة، فأن وصم الإنتفاضة الجماهيرية في تونس ومصر والمظاهرات في المدن العراقية للمطالبة بتوفيرالخدمات بالمؤامرة و بوقوف الأيادي الاجنبية خلفها، ما هو إلا محض هذيان، فالجماهير سئمت من ممارسات الحكام، ونفد صبرها وهي منتهكة الكرامة، وحكامها يعيشون في عالمِ آخر، عالم مصالحهم ونهب المال العام و..و.. فتلك الجماهير ليست بحاجة سوى إلى تلك الشرطية التونسية التي صفعت الشهيد البوعزيزي وذلك الشرطي المصري الذي أزهق بكرباجه روح الشهيد خالد سعيد و ذلك المسؤول الذي أوعز لجلاوزته بإطلاق الرصاص على المظاهرة السلمية في مدينة (الحمزة الشرجي) في محافظة الديوانية، التي خرجت تطالب بتوفير الخدمات وإيفاء المسؤولين بوعودهم الإنتخابية، وإلى شرطي آخر سيهوى بكرباجه على رأس شهيد مجهول في بلد آخر، لتهب الجماهير هناك أيضاً لتطالب بإسترجاع وطنها المباح ومنهوب بأيدي اللصوص والجلادين . إن محاولات الشحذ لإحياء نظرية المؤامرة ونفض الغبار عنها لإتهام المظاهرات الجماهيرية بالمؤامرة الخارجية ،هي محاولة يائسة وحالة من الهذيان الذي يصيب العقول المريضة.
#عادل_امين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حركة الأنصار سينمائياً
-
العراق المتوسط
-
نعم لاتحاد الشعب...لكن
-
الحزب الشيوعي العراقي والتحالفات المجدية
المزيد.....
-
-غير أخلاقي للغاية-.. انتقادات لمشرع استخدم ChatGPT لصياغة ق
...
-
بالأسماء.. مقاضاة إيرانيين متهمين بقضية مقتل 3 جنود أمريكيين
...
-
تحليل.. أمر مهم يسعى له أحمد الشرع -الجولاني- ويلاقي نجاحا ف
...
-
مكافأة أمريكا لمعلومات عن أحمد الشرع -الجولاني- لا تزال موجو
...
-
تفاصيل مروعة لمقابر سوريا الجماعية.. مقطورات تنقل جثث المئات
...
-
يقدم المعلومات الكثيرة ولكن لا عاطفة لديه.. مدرسة ألمانية تض
...
-
الجيش الإسرائيلي يستهدف مستشفيي كمال عدوان والعودة شمال قطاع
...
-
قلق من تعامل ماسك مع المعلومات الحساسة والسرية
-
ساعة في حوض الاستحمام الساخن تقدم فائدة صحية رائعة
-
ماكرون يزور القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي ويتوجه إلى إ
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|