|
لاتدنسوا بغداد بهذه القمة
شاكر الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 3271 - 2011 / 2 / 8 - 12:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا ندري هل إن مايصرح به الرئيس العراقي ،جلال الطالباني ، ينبع من أدراك حقيقي لمضامين هذه التصريحات أو فهم لما ستثيره من ردود أفعال على أقل تقدير، ام أنها تصريحات تتناسب مع الموقف والمناسبة التي يتواجد فيهما ؟ (أن بغداد في شوق لكم ) هكذا خاطب جلال الطالباني الحكام العرب وهو يحضهم لحضور القمة العربية المفترض عقدها في بغداد في شهر آذار القادم ونقول من المفترض ، إذ ان كل شيء رهن الأفتراض ، موافقات الحكومات ، مستوى التمثيل والحضور والأهم من كل ذلك الأوضاع المحيطة بهذه القمة او التي ستعقد في ظلها وتحيط بها ، فما حدث في تونس من سقوط لنظام دكتاتوري مرعب او ما يحدث في مصر الآن من ثورة شعبية وحراك سياسي وأجتماعي كبير من أجل أسقاط دكتاتور آخر يتلاعب بمصير ومقدرات الشعب المصري منذ ثلاثين سنة ، تدفع الجميع لأعادة ترتيب أوراقهم التي يريدون وضعها على طاولة النقاشات او الخطابات التي سيلقونها في قمتهم المفترضة . إن السؤال الذي يتردد في أذهان الكثير منا لماذا يريدون عقد قمة عربية في بغداد وما الذي ستضيفه قمة لهذه المدينة ولأهلها وللعراقيين جميعا . هل تبحث بغداد او حكامها والسلطات فيها عن شرعية ومكانة مفقودة لاتتحقق ولا تستعاد الا بعقد قمة يحضرها الحكام والملوك العرب ؟ كيف ينظر المواطن العراقي لملك او رئيس وزعيم من شاكلة ملك السعودية والرئيس اليمني او الليبي او حسني مبارك وهو يصارع من أجل البقاء في كرسي الحكم ،على سبيل المثال لا الحصر ، وهم يدنسون أرض بغداد بعد أن نفضت هذه المدينة وأهلها غبار حكم طاغية ودكتاتور أحال حياتهم الى جحيم ؟ لا أحد يمتلك القدرة على فهم تصريح كهذا سوى من أطلقه . عن أي بغداد وعن اي شوق يتحدث أو يصرح جلال الطالباني ؟ ما الذي يجعل مدينة كبغداد تشتاق للقاء حكام وملوك وأمراء أقل ما يقال عنهم أنهم حفنة من المنبوذين في شعوبهم ودولهم ، حفنة من محتكري السلطة واسياد القمع والأستبداد والمتلذذين بأذلال الشعوب التي يحكمونها كقطعان من العبيد وفاقدي الأرادة ؟ أية رسالة سيحملونها لبغداد وأهلها ، هل سيدافعون عن تطلعات العراقيين نحو الحرية والحياة الكريمة ومطالباتهم بالمساواة الأقتصادية والحقوقية والثقافية ؟ هل سيفرحون لأن العراق تخلص من سلطة دكتاتور يتسابقون كلهم للوصول الى درجة بطشه وأرهابه بحق العراقيين وهم الذين امدوه بكل اسباب البقاء والقمع والمتاجرة بدماء العراقيين خلال سنوات حروبه الكارثية ؟ فحين كنا نحترق وتتطاير اشلائنا في محرقة الحرب كانوا يتغنون بأمجاده وحروبه فأحالوه الى بطل ومنقذ أمة . ما الذي يمكن ان يضيفه حكام يدعمون الأرهاب ويعززون من الأنقسامات الطائفية والقومية ويعلنون العداء السافر للعراق ولأهله ومستقبله ولتجربته السياسية الجديدة رغم كل اشكالاتها ؟ لاندري كيف يمكن لبغداد ان تشتاق لملك او أمير أو رئيس قتل وروع أهلها وارسل المفخخات والقتلة من أجل مصالح سياسية معينة ؟ ما الذي ستضيفه هذه القمة في سجلات التاريخ سوى أن مجموعة من الطغاة واللصوص قد ألتقوا في بغداد وهم يعيشون أحرج مراحل حكمهم ودكتاتورياتهم وهم يتلمسون مدى الرفض الذي تطلقه الشعوب التي يحكمونها في وجوههم ؟ فثمة شعوب أطلقت العنان لمطالبها بالحياة الكريمة والحرية والعدالة الأجتماعية والعيش خارج أسوار القمع والاستبداد والانفراد بالسلطة والتحكم بمقدرات الشعوب وأنتاج مواطنة مشوهة وممسوخة من خلال ارتكاز هذه الحكومات على مشاريع تعزيز الهويات العنصرية من طائفية وقومية . وإذا كان أحد هؤلاء الطغاة قد فر هاربا امام حركة وأنتفاضة شعبية تطالب بإعادة الأعتبار للأنسان ولكرامته وأنه الأساس في مسيرة البناء والرفاهية والتنمية ، فإن المتبقي من طغاة وحكام باتوا يجلسون على كراس حكم واهية ومتداعية وجميعهم بأنتظار اندلاع أنتفاضات وثورات غضب إن لم تسقطهم فأنها تعيد ترتيب الاوضاع السياسية والأقتصادية والاجتماعية لصالح المواطن وحريته وتجعله في موقع صاحب القرار في تحديد مصيره وحياته . نحن ازاء أناس ، هم ملوك وحكام وأمراء يحكمون مئات الملايين من البشر في دول العالم العربي ، أناس أمتلكوا القدرة على الأستلاب وفرض العبودية والأذلال بحق المواطنين لكنهم يمتهنون عدم الفهم ، أي فهم مطالب من يخضعون لسلطاتهم بدرجة كبيرة وهائلة وان وصولهم الى لحظة الفهم الحرجة هذه لايحتاج سوى ثورة أو أنتفاضة على أقل تقدير. حتى يحين موعد أنعقاد قمة المفترضة في بغداد فلا احد يعلم كم حاكما او رئيسا سوف يزول بعد ان احكم اغلاق كل منافذ الفهم والعيش في ابراج حصينة ومنيعة تحوطها هواجس الأمن والمؤامرات والأيغال في ممارسة الأستبداد وسرقة ثروات الشعوب والتلاعب بمقدراتها ومصائرها ويستمدون شرعية زائفة تعتمد العنف وتزييف الحقائق . وحتى موعد عقد هذه القمة أيضا فأننا نقول للساسة في العراق الذين يطبلون للمكسب الكبير الذي سيتحقق لبغداد ومكانتها حين عقد هذه القمة : طالما تحدثتم عن الحرية والتخلص من الدكتاتورية والأستبداد وطالما تاجرتم بدماء ضحايا مرحلة الحكم الدكتاتوري وصورتم أنفسكم كنتاج لمرحلة جديدة في العراق هي مرحلة الديمقراطية والحريات السياسية وحرية التعبير عن الرأي وتتفاخرون بأن عدوى الديمقراطية والتغيير سوف تنتقل الى بلدان شتى لترسم ملامح مرحلة جديدة . لا تشوهوا بغداد بهذه القمة ولاتدنسوا طرقاتها وفضاءاتها بمواكب ملوك وحكام يذكروننا بمرحلة حكم دكتاتوري متوحش ونسخ مشوهة ومثيرة للأشمئزاز من صورته وممارساته الأجرامية بحقنا التي لانمتلك القدرة على تجاهلها أو نسيانها ولانستطيع التطلع للمستقبل دون ان نلتفت للوراء خوفا من تكرار ما تعرضنا له ، مثلما لانمتلك القدرة على نسيان الجرائم التي يقومون بها ويرتكبونها بحق شعوبهم وتعاملهم معها كأنها ملكية خاصة وخالصة لهذه الملك والرئيس المنبوذ أو ذاك .
#شاكر_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة التونسية في عيون قذافية
-
زين العابدين بن علي : دكتاتور آخر يتهاوى
-
في الدفاع عن العلمانية
-
صراع العلمانية والدين وضرورة بناء الدولة المدنية الديمقراطية
...
-
عن مذابحنا و صراع الكراسي وتوازن الأكراد
-
الدولة العراقية : أوهام الخطأ ..!
-
كلمات في تأبين سردشت عثمان وتأبين حال الصحافة في العراق *
-
الموت أختناقا : فضيحة أخرى في عالم المعتقلات والسجون العراقي
...
-
جريمة أختطاف وقتل الصحفي سردشت عثمان ومستقبل حرية الصحافة في
...
-
في تفسير أكذوبة المسافة الواحدة
-
حتى لا يتحول العراق الى لبنان آخر
-
لمصلحةِ مَن يجرى هذا الأستفتاء ؟
-
قمة سَرت التي لاتسر
-
أيها الساسة ،أياكم ولعبة الشارع
-
إنتخابات العراق... قراءة من الخارج
-
عن المخاوف من عودة حزب البعث الى السلطة في العراق..
-
مسدسات المالكي
-
حرب الرموز
-
في الدفاع عن دولة المواطنة - الجزء الثاني
-
في الدفاع عن دولة المواطنة -الجزء الأول
المزيد.....
-
جنسيات الركاب الـ6 بطائرة رجال الأعمال الخاصة التي سقطت وانف
...
-
الدفعة الرابعة في -طوفان الأحرار-.. 183 فلسطينيا مقابل 3 إسر
...
-
-كتائب القسام- تفرج عن أسيرين إسرائيليين وتسلمهما للصليب الأ
...
-
بعد 50 يومًا من التعذيب.. فلسطيني يعود بعكازين إلى بيته المد
...
-
توأم الباندا في حديقة حيوان برلين: التفاعل بين الأم وصغيريهْ
...
-
دراسة تكشف حقيقة الفرق في الثرثرة بين الرجال والنساء
-
هل صورك الخاصة في أمان؟.. ثغرة في -واتس آب- تثير قلق المستخد
...
-
تاكر كارلسون يصف أوكرانيا بـ -مصدر الجنون-
-
لا يوم ولا مئة يوم: ليس لدى ترامب خطة سلام لأوكرانيا
-
الصداقة مع موسكو هي المعيار: انتخابات رئيس أبخازيا
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|