|
صلاحيات الرئيس تعوق الإصلاح في مصر
حسن الشامي
الحوار المتمدن-العدد: 3270 - 2011 / 2 / 7 - 14:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يدور الحوار حاليا بين السلطات المصرية والأحزاب والقوى السياسية وبعض الشباب المشاركين في أحداث ثورة 25 يناير 2011 بهدف اجراء تعديلات دستورية وسياسية لضمان الانتقال السلمي للسلطة.. باجراء تعديل المادة 76 من الدستور الخاصة بشروط الترشيح لرئاسة الجمهورية وتعديل المادة 77 من الدستور الخاصة بمدة بقاءه في السلطة..
وفي رايي أن المشكلة التي تواجه النظام السياسي في مصر ليست من يحكم مصر ؟ ولكن المشكلة هي كيف تحكم مصر ؟ فلو حدث تحول ديمقراطي بضمان الانتخابات الحرة واطلاق حرية الرأي والتعبير وحرية التنظيمات السياسية وغيرها.. وحتى لو تولى الرئاسة رئيس منتخب ديمقراطيا في انتخابات شفافة ونزيهة فسوف يتحول إلى فرعون جديد أو رئيس ديكتاتور مرة أخرى.. لأن السلطات والصلاحيات التي يختص بها الرئيس طبقا للدستور هي صلاحيات واسعة ومطلقة دون حدود.
لذلك أخشى أن يتناسى المتحاورن في غمار هذه الأحداث أن المشكلة الحقيقة هي صلاحيات الرئيس التي تعوق عملية الاصلاح كلها.
فبعد أكثر من 58 عاما علي ثورة يوليو 1952م ليس لدينا مؤسسات محددة السلطات بينها تناغم أو استقلال .. والمشكلة التي يعاني منها النظام السياسي في مصر ليس الصلاحيات الواسعة التي يمنحها الدستور لرئيس الجمهورية والتي نعترض عليها بما يجعله مهيمنا علي كافة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.. وإنما تكمن مشكلتنا في مصر أن المؤسسات تحولت إلي كيانات تابعة للفرد.. بغض النظر عمن يشغل منصب رئيس الجمهورية.. حيث تكررت هذه الهيمنة في ظل وجود الرئيس عبد الناصر كزعيم لثورة يوليو 1952م وكذلك في عهد الرئيس السادات الذي كان نائبا له وعضوا بمجلس قيادة الثورة ثم رئيسا لمجلس الأمة ثم رئيسا للجمهورية بعد وفاة عبد الناصر ..
وانتقلت الهيمنة نفسها بل أشد وطأة الآن في ظل الحكم الرئيس مبارك.. والذي تسير كل أمور الدولة في عهده طبقا لتوجيهات الرئيس.. ووصل الأمر أن قرار علاج أحد القضاة علي نفقة الدولة لم يجرؤ وزير العدل علي توقيعه حتي تدخل رئيس الجمهورية .. وانهيار منزل ووفاة سكانه لا يتم تعويضهم بسكن بديل دون الرجوع إلي رئيس الجمهورية.. وقرار إعادة تصحيح ورقة إجابة تلميذة في الإعدادية لم يكن وزير التربية والتعليم قادرا علي اتخاذه دون توجيهات رئيس الجمهورية..
فالرئيس هو المهيمن علي كل شئ .. يفعل ما يشاء.. ويمنح ما يشاء.ز ويمنع ما يشاء.. دون الرجوع لاستشارة أحد, أو استنارة من أحد, أو الالتزام بأي قيد دستوري أو قانوني.. وتسير في فلك الرئيس كل مؤسسات الدولة الأخري.. فالقضاء الاستثنائي والعسكري بأوامر منه.. ويجد للأسف من يبرر ذلك من القضاة أنفسهم وفي نصوص أحكام المحاكم الإدارية ومحاكم أمن الدولة وغيرها.. التى دائما ما تحكم بما يرضي الرئيس..
والمشكلة الأخطر في النظام السياسي المصري ليست كل السلطات الممنوحة للرئيس في الدستور, وإنما هذه الهيمنة للأسف الشديد تجد ثقافة سياسية مجتمعية متخلفة لا تقاوم هذا النمط من الحكم.. بل وتتعامل معه كأنه أمر طبيعي لا يحتاج إلي تغيير.. وحينما تشتد المعارضة للنظام الحاكم لا تعدو أن تكون صرخات ضد شخص الرئيس أو أٍسرته أو أحد معاونيه أو وزراءه.. ولا تصل المعارضة إلي إعادة تحديد فلسفة الحكم أو وضع أسس للمساءلة السياسية لمن يحكم..
إن مؤسسة الرئاسة في مصر كيان لا ينطبق عليه وصف المؤسسة التي تعلو علي توجهات الأفراد كما هو الحال في مؤسسة الرئاسة الأمريكية حيث يتمتع الرئيس الأمريكي بصلاحيات واسعة ولكنه غير مهيمن علي المؤسسة الرئاسية ولا السلطات التشريعية والقضائية .. وأن ما لدينا من مؤسسات لا يعدو أن يكون أجهزة تنفذ تعليمات الرئيس... وأصبحت كل كلمات الرئيس الشفهية أوامر تنفذ حتي دون قرار مكتوب.. وبكلمة واحدة تتغير السياسات التي توضع.. وتعدل الموازنة العامة للدولة.. ويعدل الدستور ونظام الانتخاب وكل شيء بإشارة من إصبعه دون أدني تعقيب من أية سلطة وفق إرادة منفردة... ويرجع كل ذلك إلي عدم وجود فرز اجتماعي أو نخبوي في بلادنا وعدم إرساء تقاليد من شأنها الموازنة بين السلطات.
إننا لسنا أمام رئيس جمهورية وإنما أمام ملك فرعون يحظي بقداسة لشخصه ولقراراته بل وهمساته دون أية بادرة للمساءلة أو حتي الاعتراض من أية جهة... والمتعارف عليه في النظم السياسية في العالم كله أن توازن السلطات أو توازن القوة بينها هام جدا لمنع تغول السلطة التنفيذية عليها وضمان استمرار التعاون بينها لتأكيد استقرار الحكم وعدم شيوع المسؤولية أو عدم تحديدها.. كما أن مفهوم الرئيس المسئول بالمعني المؤسسي غير موجود في الدستور المصري حيث إن الرئيس – مهما كان شخصه ـ لا يكتفي بصلاحياته الواسعة الممنوحة له في الدستور.. وإنما يلجأ لطرق خلفية لتأكيد الهيمنة.. وللأسف لم يعد لدينا مفهوم الشعب أو الأحزاب السياسية ذات التوجهات المتباينة أو المعارضة.. بل لدينا مفهوم الرعية بالمعني الأخلاقي وليس بالمعني الدستوري.. أي مفهوم الرعية بالمعني التوجيهي وليس بالمعني المؤسسي..
إن صلاحيات الرئيس الواسعة التي نراها منفذة في الواقع ليست كلها مستمدة من الدستور بل من العرف السائد علي مدي ما يزيد علي 50 عاما بعد ثورة يوليو 1952م.. فإذا أعترض أحد في عهد الرئيس السادات علي ترشيح د. رفعت المحجوب رئيسا لمجلس الشعب بحجة أنه غير منتخب من دائرة انتخابية, وأنه أحد العشرة المعينين بقرار من رئيس الجمهورية.. يرد عليه السادات بقوله (ما أنتم كلكم معينون).. وكذلك فعل مبارك عندما عين د. ميلاد حنا رئيسا للجنة الإسكان بمجلس الشعب وغيره كذلك تم تعيينهم رؤساء للجان أخرى بالمجلس وكانوا معينيين بقرار من رئيس الجمهورية وليسوا منتخبين من دوائر انتخابية.. كان رد مبارك أيضا (كلكم معنيون)..
وطبقا لتوجيهات الرئيس بل وأحلامه يتم تنفيذ الأوامر حيث تتولي الماكينة ذلك دون تفكير أو مناقشة ولا أقول معارضة.. ويسير في ركب مؤسسات الدولة - إذا وجدت أصلا - الإعلام بكل تنويعاته.. بل والأدهي أن المعارضة السياسية أو الحزبية ليست بديلا للنظام أو لسياساته ورجاله بل هي تقليد زائف لكل منها.
وسبب ذلك كله بوجود عوامل لدينا في الثقافة السياسية للمصريين ولم يعد لدينا من مقاومة لكل ذلك التسلط وتلك الهيمنة غير حركات الاحتجاج الاجتماعي الجديدة.
إن رئيس الجمهورية في كل دول العالم إما أن تكون لديه صلاحيات واسعة ويتم تقييده بمدة محددة في الحكم في النظم الرئاسية كما في الولايات المتحدة الأمريكية حيث لاتزيد المدة عن 8 سنوات متصلة, أو يتم إطلاق مدة الحكم مع منحه صلاحيات بروتوكولية شرفية في النظم البرلمانية كما في اسرائيل, ولكن المشكلة لدينا في مصر أن رئيس الجمهورية لديه صلاحيات واسعة في الدستور والقانون ولمدد غير محددة ودون مساءلة.
[email protected]
#حسن_الشامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عرض ومناقشة كتاب -الوجه الآخر لحزب الله-
-
مكاسب كبيرة من بيزنس الدعاية الانتخابية !!
-
مطلوب قانون مصري لمواجهة فساد المسؤولين
-
قضايا الإصلاح السياسي في رواق ابن خلدون
-
رواق ابن خلدون وقراءة في نتائج الانتخابات
-
حرية الرأي والتعبير في مصر
-
حرية الرأى والتعبير فى البلدان العربية
-
تقرير الجمعية المصرية لدعم التطور الديمقراطي عن حادث الأسكند
...
-
تقرير (مراقبون بلا حدود) عن استفتاء جنوب السودان
-
أزمة حوض النيل.. حقائق التاريخ وآفاق المستقبل
-
تجاوزات خطيرة في مرحلة الدعاية الانتخابية
-
الانتخابات الأخيرة افتقدت لكافة معايير الشفافية والنزاهة وتج
...
-
قراءة في -تقرير التنمية البشرية مصر 2010-
-
دورة تدريبية حول دور الإعلام في دعم المجتمع المدني
-
غياب قضايا المرأة عن برامج الناخبين فى الانتخابات القادمة
-
-أوضاع العمال الزراعيين فى مصر فى ضوء التغيرات العالمية-
-
مؤتمر البحث عن سلام دائم في دارفور
المزيد.....
-
تصعيد روسي في شرق أوكرانيا: اشتباكات عنيفة قرب بوكروفسك وتدم
...
-
روبيو يلتقي نتانياهو واسرائيل تتسلم شحنة القنابل الثقيلة
-
مئات يزورون قبرالمعارض نافالني في الذكرى السنوية الأولى لوفا
...
-
السيسي يلتقي ولي العهد الأردني في القاهرة
-
بعد حلب وإدلب.. الشرع في اللاذقية للمرة الأولى منذ تنصيبه
-
إيمان ثم أمينة.. ولادة الحفيدة الثانية للملك الأردني (صور)
-
السعودية تعلق على الأحداث في لبنان
-
إسرائيل تتسلم شحنة من القنابل الثقيلة الأمريكية بعد موافقة إ
...
-
حوار حصري مع فرانس24: وزير الخارجية السوداني يؤكد غياب قوات
...
-
واشنطن وطوكيو وسول تتعهد بالحزم لنزع نووي كوريا الشمالية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|