|
17 قصيدة
نصيف الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 3269 - 2011 / 2 / 6 - 18:15
المحور:
الادب والفن
اهداء / الى برهان شاوي
مسعى خائب
أنا الانسان البائس، راعي المأساة والقلب الدامي فقدتُ بصري في شبابي وعزّ عليّ صفصاف الشفاعة أبحرتُ من مالمو الى البواّبات العظيمة لنينوى المحفورة في غصن الحكاية أتحسسُ ظلال النجوم في نسيم الصيف، وفي الهياكل العظمية لأشجار البرد المحطمة، وأبحثُ عن السيدة الأم، الشفيعة اوتوكوس . * أدماني في غيابها الرماد وعثرة الكلمة، وهدّتني صخرة العطش، واخشوشنت أيامي في النقود الفضية للفصول . سألتُ الشعب عنها في أبواب المدينة لا أحد دلّني عليها لا المحارب ولا الفلاّح ولا الكاهن الممسوس ولا الحدّاد ولا الحجّام { لقد وصل حدود بلادي * وعندما رآه الشعب، قالوا له : من أنت أيها الغريب ؟ ومن أيّ بلد ؟ لقد جلبوه أمامي . الى نينوى عاصمتي وهي التي تحتوي على لغات من الشرق والغرب والتي نصّبني الاله آشور متسلطاً عليها ولكن لم يكن عندنا أحد يتقن لغته كانت لغته غريبة ولم يستطيعوا فهم كلامه } . في طريق العودة الى مكمن عماي وسجن محنتي الطويلة والأسوار تضيع خلفي في القيلولة القصيرة لجحيم الصحراء قال لي أحد التجار، وأظنه كردي فيلي من أحفاد اللريين { عادت السيدة الأم من النفي في السنة الماضية لكن الملك أمر بصلبها خارج أسوار المدينة ومنع دفنها وأمر الشعب برجمها بالحجارة وحين تقدمت الحشود مولولة، زحفت صوبها غيمة عظيمة من الزنابير وطردت الجميع عن الجثة * } آهٍ، يا لخيبة مسعاي ويا لانكساري من يشفعُ لي الآن بعد صلب الشفيعة ، ومن يعيد لي بصري ويخلصني من آلامي، ويطرد عن حياتي صلصال عذابها المحترق ؟
نتائج الخوف
الدين سرطان الانسان الجاهل والمجتمعات البدائية لا بعث ولا حياة في التجديف والايمان . { سمعان العمودي { 389 – 459 } مثله مثل الكثير من الحمقى * كان يحاول في حياته الفانية أن يتشبّه بصورة السيد المسيح الحيّ . رأيته طوال أربعين سنة، يقفُ منتصباً على عموده الضيّق المرتفع ستين قدماً . ساعات طويلة كنتُ أراه وهو بين الأرض والسماء، يقفُ بلا حراك، يصلي وذراعاه مشرعتان الى الله، وكل من رآه، فلاحاً كان، أم مطراناً، كان يلتمس منه التعليم أو الرأي، أو الشفاء في أمور خاصة مدنية أو دينية } . هل حقق هذا الانسان البائس حلمه في التشبه بالسيد المخلص باسلوبه الرمزي ؟ لكن الدين ليس في النهاية إلاّ ناتجاً من نتائج الخوف وانعدام المبادرة والجهل وفقدان الخبرة . صفات نعرفها في الانسان البدائي الذي يعيش الى الآن في زمننا ومدننا التي تقيّحت من ادعاءاته وصخبه في الامتثال للارادة الالهية . وكلما كانت هناك أخطار . مجيء نمر الى القرية، أو زلزال، أو هبوب عاصفة قوّية، أو وباء، أو حصار، كان هناك دين وتدين عند الانسان الجاهل الذي تعوزه المعرفة . ينبغي الآن أن نمسح آثار بصماتنا عن تراب هذا العالم ونغادره بقلوب مفعمة باللامعقول، من أجل الراحة الكلية لنفوسنا التي تصعد المعراج مكسورة الأمل .
اوتوكوس
مجتازاً هزّات أرضية في داخلي، قصدتُ معبد { اوتوكوس } * في برلين وسمعتُ الصيحات الشاحبة للمحكومين بالاعدام . كل سكّانه يتعرضون لانفجارات المناجم، ولا طرق رحيمة توصل اليهم . وجوه خشنة تغطيها الحرارة الاسمنتية للصيف، ولا حدائق في الأصوات، أو العيون . كثيرون قوّست كواكب أعمارهم، اساليب الابر الستراتيجية للجوع، وسقطوا على مشارف العسل الأسود . هل يلقي الموتى خطاباتهم في الغوّاصات ويهجعون في الليل ؟ الرابح يغيض الخاسر، والشمس تتسللُ في الظلمة وتطرد النمور والبراكين بتمتمات مثل ملوحة الصوان . الشفيعة { اوتوكوس } تخضعُ في أسفارها الكثيرة الى بيروت للابتزاز دائماً، وتتذكرُ قرابينها التي تمت أعاقتها في الماضي، ولم تكمل الصعود الى أبواب الحلم . في الشروق يأتي الحرّاس ومعهم حديد السلطان . حمّالات أسلحتهم المزركشة تنقرها الصقور ولا تحرك أجفانها الأمراض، والأنفاق التي حفرها الأسرى، تتوثبُ في الظهيرة لاصطياد فراشات الحجّاج في أعقاب كل مذبحة . تتم تغطية الحقيقة دائماً، ويختم على صوتها بمعازل لا مرئية . رهونات كثيرة تمت مصادرتها تحت قضبان السلطة، ولا أحد يجرؤ على عبور الضفة الكبيرة للكتابة . { اوتوكوس }، يا أم الجميع ولا ابن لكِ، يهب نسيم صوتكِ من الماضي، ويعانق التقوى الزائلة للأحياء في المنازل التي تطير فيها الزيزان، لا تمثال في غيابكِ يطعم عصافيرنا ولا قنديل يضيء في أقفاص أيامنا . سقوف زمننا متشابهة في نسيج العناكب، والصمت يلقي وثائقه فوق القبور المترنحة في النهار . الخفّاش يوصد الأبواب بوجه البحر، ونيازك صيفنا تحرق معاهدات الجريمة بلا اكتراث . اوتوكوس، يا أمّنا المرتجفة تحت المائدة الحجرية لليالي المنفى، نريد الآن كسرة من شفاعة تحنو على أصواتنا المحمومة في الظلام . سفن كثيرة أضعناها في أفق محنتنا، والحجارة دائخة في مصافحاتها للموتى الذين نسيناهم . صلوات كثيرة نزفناها اليكِ، { اوتوكوس }، وتخمّرت دموعنا في المسير الى أرض رحمتك المليئة بنداوة الأسرار .
صورة الطغيان
عجوز أرمني في الصحراء العراقية، تمتد جذوره في عروق ذهب جداول ارمينيا لا يجرؤ على نسيان ثقل ماضيه . أمضى حياته من دون نوم في التضرعات الطويلة الى الايقونات، من أجل العودة ولو في الحلم الى الجذوع التي تحنو على أصوات أسلافه . يقول : { ليست هناك تقوى في العالم . ليس هناك ملح معاهدات . لاحقنا جيش الجنرال العثماني في الجبال والبراري، واحتجزنا وقتل النساء والأطفال . كانت بنادق الجنود الأكراد تلمع في كل الاتجاهات، وقتلوا الأحياء والأموات، لماذا يطيعون أوامر الباشوات الذين يضطهدونهم ويضطهدوننا ؟ هل يمكن الآن انارة قنديل الحقيقة والكشف عن ارباح الجلاّدين ؟ } . يترنح سور الصين العظيم تحت الضربات المتتالية للتململ، وليس بوسعه حماية أولئك الذين يسافرون الى النجوم، وعجلة الجريمة لا تكف عن الدوران . تصبح كل الأشياء مأساة حين { الجلادون يجلبون حجراً، الله يكتب * على الرمل } المضطهدون والمعذبون كلهم حرباوات، ويجب أخذ الحيطة من المتنفذين في الاشراف على طواحين الهواء . جال ياسر عرفات الأرض تحت طوفان النجوم، ولم يصل الى ماكان يأمله . تأييده للطاغية في احتلاله لأرض الكويت، لعنة مضافة يتحاشاها أولئك الذين يعبرون الخطر الى جانب النواقيس . طاغية الدونيكان رفائيل ليونيداس تروخيو { 1891 1961 } قتل العمال المهاجرين من هايتي في مذبحة راح ضحيتها 17 ألف شخص، وذهب الى سرير نومه مرتاح البال . لماذا تشع الشمس اللاسلمية على العالم ؟ مجالات عديدت ابتكرت فيها جرائم قتل الانسان على مرّ التاريخ، ولا قانون يوقف التوحش، أو يزيح الصورة التدميرية للطغيان عن اطارها المهيب والجليل . 17 ألف مهاجر من هايتي قتلهم طاغية الدومنيكان في يوم واحد، لكنه المعجب بهتلر { أنقذ حياة المئات من اليهود الالمان من الهولوكوست، بعدما وفرّ لهم في بلاده الجميلة ملاذاً آمناً } . دم على الأشجار المغبرة، وعلى الأرض التي لا يراها الغوّاص على الأجفان المحفرة للانسان التي ينقرها طائر الخطّاف، وضربات فؤوس تقلق نومنا في التاريخ وأفواج الأعداء تترنح في تقدمها، وتعبر الحدود حاملة قطاراتها، وتندمج مع زيتون مسشفياتنا العليلة .
* اوتوكوس . الالهة أم الجميع والتي لا ابن لها، تماثلها الأم المقدسة في جميع اساطير آسيا الصغرى والشرقين الأدنى والأقصى * من الشعر الآشوري * اشارة الى قتل القديسة اناهيد * بتحوير قليل من كتاب { العرب والمسيحية } . سمعان العمودي { 389 – 449 } قديس وناسك سوري عربي ولد في قرية سيسان بين سوريا وقيليقية .عاش في منطقة حلب بسوريا، وهو أول من ابتكر طريقة التنسك على عمود حجري، وهي طريقة انتشرت بعده في كافة مدن ومناطق الشمال السوري ومنها الى اوروبا . * توماس ترانستومر . من قصيدة { ختام موسيقي }
بخفة صوب الهاوية
يركض خلفي تابوت ويكسّر أغصان مرضي العضال وقنديل حياتي العليل يرتعش في النسيم المصلصل للظلمة يؤلمني ماضيي ، وأيامي الحاضرة بحاجة الى هديل اليمام أنا شاهد زمن المحنة . لا ضوء يسطع في جبيني ، ولا اشعاع هواء أترجم حروفه في الخرائب التي تسيّج قضبان حاضري الثقيل . أحلامي ميتة كلها . في موسوعة جروحي تسحبني الجاذبية بخفة صوب الهاوية ، كلما فكرت في المحطات التي لم أصلها . التجارب التي عبرتها ، أطبق عليها حديد الفجيعة وغاصت في الضمّادات . لم يبق لي أيّ طموح في اجتياز القمم العالية للأحلام . لا سنونو يعين خطوتي ، لا حديقة تمشي في الضفاف المتحجرة لحياتي .
عصمة الشفيعة
تفتح انخيدوانا نافذة شرفتها في الفجر وتصلي في نار عصمتها . ينتصب زمنها في العظمة الأسيرة ، ويرسّخ عذابها في سهاد الحبّ لا تغريها الطيور على الشاطىء المظلم بجس نبض الميت ولا تصل الريح في نهايات العالم الى أسرارها المترنحة في النوم . أشجار كثيرة في المدن تنّدي أغاني العشاق ، وتنام الطيور مشغوفة على أغصان النهار أيّة جذور أحاول الغوص فيها وأعيد ما يقوله نسيم الحبّ السهران للعشاق المرضى ؟ ممضياً حياتي أتنصت الى جمال امرأة ، تزيّن صدغها الافعواني نعمة الله الحانية ، وأيامي مثقلة بخسارة كبيرة ومتاهات . هل { وجب على العذراء * أن تفقد العذرة كي تكون من جديد عذراء ؟ أسمى من بكر عذراء من قدّر لها النقاء وكذلك يسمو من يؤخذ عنوة وتعلم من عصمته } على شاطىء لهفتي أترصد قناديل البحر في الغروب ، وأنضّد أوجاعي في طنين النحلة التائهة ، وكلما مرّ نجم بارد وأضعف نار الصيف في العالم ، نزلت لطخات الاسمنت وأوقفت الوثبات . لا يشيخ العشاق في الصخرة المحطمة للزمن ، ولا ينتهي الحبّ على الرفوف العالية لذكرى من غابوا أو ماتوا . تصلي الشفيعة لما يشبهها في مرايا الوقت ، وتحنو على ينبوع شفاعتها ، حنوّ الساقية على الأفياء البيض للخريف . عارية في ميزان عصمتها تنقسم اندحاراتها على شواطىء الليل ، وتضمّد شمس العقيق ذاتها في الحريق الواسع لضفاف الأنهار . الحبّ نعمة كبرى ، صاعقة الهية يتلقاها العاشق ، وتولد من انفجاراتها بشارة عليلة كل صاعقة حبّ ، علامة استدلال لايمان ضائع .
الشراب مع جارتي
أشرب في النهار الخمور الثقيلة مع جارتي الفنلندية المطلقة المغناجة امرأة حرباء وحياتها غير مضغوطة الآن ويصعب عليّ التمييز في أشياء معينة بينها وبين زوجتي . تغنجاتها والأقاليم العيدية المتمايلة لجسدها أثناء الشراب والتحشيش ، وتعمدها اثارتي حين تتكىء عليّ ، مهمة أكثر صعوبة من التعايش مع عوالم ما قبل التاريخ . أنا مخلص لزوجتي حدّ العبودية لكن الاثارة العظيمة والغريبة في الشراب مع جارتي ، تجعل مسألة استقامتي مشكلة صعبة ما أن تبدأ السكر وتشعر بالنشوة ، حتى تطلب مني أن اراقصها . نغيّر قرص ال سي دي عدة مرات . تريد أن تعلمني رقصة التانغو ، لكنني أتظاهر بالخطأ وألاصقها في كل خطوة ودورة وحين أسمع صوت رغبتها ومحاولتها لمس قضيبي أنتزعُ نفسي منها وأعود الى المائدة متظاهراً بالتعب . كيف أنجو من توبيخ زوجتي التي تعمل طوال النهار اذا اعطيت المحراث الى جارتي النحيلة ؟ في اليوم التالي لكل جلسة شراب ، أحاول أن أنزع عني الحمل الثقيل ، وأذهب الى المطبخ لاعداد الفطور - سهل عليّ أن أسمع حماقاتكَ الصائتة - لم اشتم الأرض واسألي الأسرار - آلات الربيع قاتلة ويحدوني الأمل أن أغادرك -الغرق . الغرق . التنصت يتنزه بيني وبين سريرنا . كثرة اللوم والتوبيخ جعلتني أعثر على البوصلة الجنسية التي تخفيها جارتي لكن خوفي من الزوجة ، قطع عليّ كل البدائل . الفضيلة عندي قناع أخفي خلفه غمد السيف .
الثقافة محطة لصيد الحيتان *
دولتان مريضتان في الشرق الأوسط ، لا أحد يستطيع التنبوء ماذا سيحدث فيها كل 30 أو 35 سنة . ايران والعراق . يلزمنا الآن اختراع لغة جديدة . تنظيفات في الجوامع . طرق المدن المحفرة . الجمعيات . البنوك . الجامعات . المسارح . أكواخ السلطة النتنة وقضبانها العالية . المستذئبون خلطوا ثومهم بأورادنا وحياتنا وطمروا الينابيع ، حتى ذخائر قتلى حروبنا التي تئن تحت الأرض الأجنبية ، تمّت مصادرتها وأعطيت للسيرك . المستذئبون يكرهون الفن والأدب والعلم والهندسة والموسيقى . يحملون فوق رؤوسهم الشبيهة بثمار شمام فاسد ، قبور مومياوات القرون الوسطى ، مثل ثعالب تنوء بأحمال جليلة . ينبغي الآن أن نخترع لغة جديدة ونعيد ثقافة الستينيات . الحركات الجامحة . التجديفات . الكعوب العالية وأقمار تروتسكي والاحتجاجات الضخمة . الانتصابات المشمشية في الشوارع وسيارات التاكسي والمتنزهات والحانات . كيف نوفر الأمن الى فراشات أجيالنا المقبلة ونحصنها ضد البلادة وشراسة الديناصورات في منعطفات شوارع مدننا المحتضرة ؟ العنادل فوق أشجار بغداد الآن مريضة ولا سنبلة تضيء في ربيعها المظلم . القيثارات في الميادين القديمة يكسرها الفطر السام للرجعيين والمتخلفين . حطّموا حدائق الورد وأشعلوا الثلج في الأغاني وملأوا أعمدة الكهرباء بالصور الفوتوغرافية لسمومهم الطائفية .
الساسة الحمقى
بعوض كثير يطير في سهر الملوك ومراسيم انتصاراتهم بين ضفاف الفضيلة والملل يتلألأ في مشاعرهم الساخطة . هل لنا أن نتحدث عن رحلات الانسان الفقيرة صوب موته القليل الامكانيات ؟ الكلمات التي تنسى دائماً ، تغوص في الرسائل ، وتتقّطع مثل نمر فوق رابية . كل حجارة الماضي متوحدة مع قلقلها المعتم ، وشمس صناديق الملوك تنخفض على الأشياء الحميمية لصيف الانسان . تغيرات طويلة في اشارات الفرسان القتلى ، وفي التنفسات الذائبة لحصادهم في الأختام . بعض الجرائم لا يمكن الاستدلال على انفجاراتها التي تصعد الأرض والحقيقة يغلفها الزئبق في المراكب ، ويعلقها بعكاز نوح فوق أغصان القوانين . طحلب في الأجرام السماوية ، وفي الشرط الانساني . الحجارة تصلصل في ركامها وتسطع في وصفة الطبيب عند مدخل المنجم . لا ارتعاشة الآن للربيع فوق أطلال نينوى . ما حدث في الماضي ، وما يحدث الآن من تدمير لقناطر ذقون رجال الاكليروس ، ينبغي الغرام به والتحليق برفقته صوب جزر الكواكب . للجرائم الثابتة صليل شاحب كمثل دويّ انفجارات تتلألأ في الضمّادات الضخمة للمصاعد . اسطبل السلطة تعلوه ستائر ملطخة بالدم والرماد ، وفاكهة القتلى لا تخدعها حيّل الفراشات التي تضاعف حجمها الرسميات الوحشية للساسة الحمقى .
* غونار ايكيلوف { دليل العالم السفلي } * شذرة من قصيدة { مرثاة } لتوماس ترانستومر
الرحلة الى الداخل
تأتي الأيام وتمضي ولا يسمع صدى تهشماتها إلاّ الغرقى في عزلتهم على شواطىء السأم لم نعد ننتظر نسيم البحر في الأحلام ، وما عاد العبور الى ضفة ما يغرينا بالتقاط أيّة حصاة . لحظاتنا الراهنة ابر توخز الأجفان ، والصقيع يشلّ كل حركة في أنهارنا المدفونة تحت صمت الأغنية . عشت حياتي كلها مسالماً مثل عقعق ينام تحت شجرة الكرز ، ولا أعداء لي سوى البرد والمتثاقلين . بي رغبة الآن أن أشق البحر وأعثر على المغناطيس لأسلمه في ظلمة الليل الى الأشياء التي تدمر حياتي . ندف الثلج تغطي المدينة منذ أكثر من اسبوع لا نحلة تطن ولا فراشات تحلّ الغاز العاصفة المستمرة . أحاول الذهاب الى الحانة ، لكن شظايا القنابل تنخفض فوق أشجار الرغبة . نوافذ كثيرة مغلقة ، والأحلام داكنة مثل أسرّة مشطورة الأيام الكئيبة تحولنا الى أسماك تتعقب الجسور . لو كنت الآن في بغداد أو الناصرية لقطفت الخبّاز وأصغيت الى ورود الرازقي والجوري . زوجتي صامتة وتدرّس نفسها حياة كولومبس أكلمها فلا تجيب ، انها منشغلة باحتساء الجن والبحث عبر الانترنت عن رحلة بسعر مناسب الى بلد حارّ { تذكرة الدقيقة الأخيرة } . - تعال معي الى المغرب . في اغادير درجة الحرارة 26 - في المغرب فيضانات . غرق الكثير من الناس يوم أمس - اغادير . اغادير . درجة الحرارة 26 هل أنتَ عامل تنظيفات يقذف الأبواب المتصدعة في المجاري ؟ كنتُ أطبخ الرز والسمك بالتوابل الهندية وأحشش أثناء الشراب صيحات طويلة في رأسي أسمعها تأتي من متجمدين في وحدتهم جارتي المطلقة المغناجة ستأتي الى الوليمة بعد قليل ومعها شرابها ستكون ظهيرتي معها أكثر اقتراباً من النجوم سنشرب ونغني وربما أضاجعها حين ترسل اشارات الى الموتى . - نصيف . أنا الآن في كوبنهاكن . سأركب القطار . لم أستطع الطيران من مدريد الى الرباط . كل خطوط الرحلات متوقفة بسبب العاصفة الثلجية . أعادوا لي ثمن التذكرة مع تعويض لا باس به . - اسمعي ، أطبخ الآن رؤوس الخرفان . الرائحة كريهة جداً في البيت وسيأتي أصدقائي بعد قليل . اذهبي الى بيت أمك وتعالي في الغد - عظيم ، أنا جائعة ، سآكل الخرفان . أحضرت لك زجاجة فودكا - ولكن الرؤوس ............. - لا يهم ، سآكل الرؤو والفؤوس .
مؤلمة كل الأشياء اللامتوقعة والأشدّ ايلاماً هو افراطنا في الأمل .
فراغات الزمان
أفتحُ في رطوبة الفجر باب قبري المضبب بالفراشات والحنين وتتصدع معي حجارة العالم المسوّدة ، تصدع سلاحف على شاطىء البركان . أنهار كثيرة عبرتها في موتي ، وأشجار نواقيس المياه صامتة ، تفرد أجنحتها على الفضة الضحلة لضوء الحباحب ، وفراغات الزمان . في الحبّ والموت يختار الصقر العاشق أعلى قمة ، ويضع فوقها ميزان نومه المريض . كل القضبان مضيئة في جيولوجيا العدالة ، ولا تتفطر فيها دمدمات الموتى المحشورين في الكهوف . الكراهيات ، والمرايا التي تتفحص الأجساد المتورمة تتحاشى الموعظة الباردة لفؤوس القانون في الحوليات المتجددة . سياجات طويلة تحرق الأحلام السمر للانسان في حديقة رماد سعيه اللاهب ، من أجل التنفس في الغوّاصات . الصخرة العملاقة لمحنته ، تهدم الظلال القنّاصة لأريج الوردة المنوِّمة لحياته .
الشعر حرية
الشعر حرية جلجلة تنسدل على النوم وعلى الكوكب الدائخ لحياة الشاعر حقيقة تكافح في النبضات التي تجتاز الاطلنطي المؤدي للامتحان . ينبغي تكريس حياة كاملة للسهر على نار الكلمة وصيانتها من التعفنات . الاخلاص للتقاليد الاجتماعية والعرف ، والطاعة العمياء لسموم سلطة الأب والمجتمع ، وتبجيل قواعد السلوك الاجتماعي في الزواج والعائلة هاوية كبيرة يسقط فيها الشويعر الجاهل الأحمق والجبان . عرفتهم قبل 30 عاماً يتسكعون تحت نسيم المراكب والمرايا ، يحلمون بالصعود الى أسرار البحر ، ويحملون حقائب مليئة بكتب وقواميس تهرأت أغلفتها من دون أن تقرأ يتبجحون بخفة العقاعق في الجامعات والمقاهي والبارات عن نظريات الشعر والفلسفة والمغامرة والموت والزمن والأحلام . الآن – خمدت وريقات الرماد بين تعفن السنوات وهرمت أشجار العمر ، واضمحلّت عطور الأحلام وفرّت منهم جمرة الشعر وشمسه العظيمة لا انجاز ولا فتح مجيد ولا مصاهرة مع الكلمة كهول يعيشون في بالوعات حيواتهم الفقيرة ويحلمون أحلام الجنائز في ظهيرة الخنفساء يعلقون صور طفولتهم وصور أحفادهم في الأبواب الصدئة لمراحيض الفيس بوك وكل واحد منهم أعماله الشعرية الكاملة جوقة من الأولاد . لا يستطيعون مواصلة العذاب مع جحيم الكلمة ويشكون من تسلط الزوجات وصقيع حيواتهم المقيتة في مستنقع العائلة ، وصراخ الأحفاد في الجحور الرطبة .
أيام مضمّدة
تتململُ في الشراع الوسنان للساعة لحظة موتي المتوثبة والندبات العملاقة لحياتي ، ترِّوض الحيوانات آكلة اللحوم في المنابع السرّية لأنهار الغروب . هذيان طويل أكثر رفرفة من خبرات الملح على الأبواب ، يشدّ أيامي المضمّدة ، ويعلقها على الأوراق التي يغربلها طيران البوم فوق الهياكل المهدمة والمعتمة للماضي . سقف حياتي الآن أكثر مكافحة من العطر بين التقوسات البغيضة للسهاد ، أيّة مغارات ينبغي أن أعبرها حتى أنجو من التذبذبات العنيفة لانفجارات الألم ؟ كل الضغائن عادلة بين أشجار النسيان ، وتخمرات الخوف بين الفصول كثيرة ومحترسة ، تضطهد الانسان والحجارة وتفني النسائم الرخوة للثمار بين الأفياء المستعرة للجزر .
جرعة كبيرة للظلمة
نفتقدُ في الظلمة مؤاساة الحجارة الحارّة للأبدية وما يتبقى من الحلم ، يتغطى بضباب هياكل عظمية ترتجف في ظلال اللاواقع . مطالب كثيرة لا نستطيع التمهل في انجازها ، والرغبات بساتين . رجل الدين ، حارس أثقال الفضيلة ، يلقي الفضلات على الزمن ويغلق باب الغيمة . لا أحد يتوحد مع صوته تحت ثمار الأشجار المضغوطة ، يلزمنا الآن محاصرة التنّين ، والتقدم أكثر لردم الفراغات في مرايا الصيف . جراد كثير يحلق في سماء بغداد ، وضفادع الايديولوجيات تلوّن بنقيقها طفولة الربيع . مضى وقت طويل والمرأة لا تستطيع أن تضطجع على العشب في حلمها . ما يحدث الآن يختم الحياة بجرعة كبيرة للظلمة . شيعي من النجف يمحو بصماته من على قبر { الوصي } ويذهب الى دراسة العلوم في ايران . المصابيح متحجرة في شهور السنة كلها ، والأغصان آيلة للسقوط ، وتسير الحشود الدائخة في الأنفاق المظلمة خلف معلم الموت . تزيل بصلواتها كل قوس قزح في السماء . { بلادي ليست بلادي * هناك حدود ، لكنها ليست هناك قريتي ليست قريتي وليست المزرعة مزرعتي } مرحباً بالشعب في حراشف العبادة وقبورها مرحباً بالطيور في الأشجار الثعبانية مرحباً بالأطفال في الترنحات الطائفية المصابة بالعصاب . نباتات الكراهية تزهر في حقول المستقبل بالعراق والفضلاء بفتاواهم العازلة للصوت يعمّقون القبر الضيّق للحياة .
* بوديل مالمستين من قصيدة { بلادي ليست بلادي }
ربع مليون طاعون
يزهرُ في سماء العراق المظلمة والمحفرّة شوك يقتل يرقات اليعاسيب ، ويهدم النبع والحديقة . اذلالات كثيرة يقوم بها وقواق السلطة الديني ، والاهانة تشققُ التعايش السلمي في ضواحي الشمس والغيوم . مستقبلنا الآن مثقل بايصالات مزوّرة والضمادات لا تكفي لجروح أفكارنا المتمددة على سرير الاحتضار . كل النوافذ ترتطمُ بالظلام ، ومضخات الاصولية المبصوق عليها من قبل القتلى ، مستنقعات في قبضة رجال الدين . لماذا أجنحة الطيور الآن بلا أعشاب ومعاجم ؟ الجنازات مغطاة بصفائح التاريخ المريضة . رجال بلا عمل ولا أمل يلطمون ويصرخون طوال النهار ، بحثاً عن مقعد في القطار الذاهب الى الجنة . النساء يطحنَّ تراباً ويحاولن الحصول على سعادتهنَّ أو قراءة مستقبلهن من إمام قضى كل حياته في السجن . أيتها النساء الفقيرات المظلومات المعذبات ، هل أنتنَّ بحاجة الى حفاضات الى أطفالكن ، أم الى بركان يحرق اللاأمان والفقر والظلم الذي يسيّج حياتكنَّ ؟ { العمائم الثقيلة التي يتبختر فيها ربع مليون طاعون في الشوارع المظلمة * } . بيوض الدكتاتورية . تبعيث المجتمع . تشيّع المجتمع . الليالي الجراحية للحروب ، والشواطىء الهادرة لأمراض الحصارات . بطاطس وجيولوجيا الحملة الايمانية . تستمد كل سلطة بالعراق فاشيتها من الأمية وأمراض الفقر ، وتوظف مرتزقتها القتلة من لقالق أشجار الصفيح . ماذا نفعل الآن ورجال الكهوف الطغاة ، يقودون الرعاع والحشود الناعقة في الجامعات والأحزاب والشوارع والمقاهي ، ويهدمون الورد في الصباح ؟ نحتاج الآن الى قرني قنبلة نووية ينطحان مجتمعنا المريض والقذر ، من أجل التخلص من الدكتاتوريات الجديدة والقديمة . من أجل القضاء على الايمان بالخوارق من أجل التخلص من عثة عقائدنا والصراصير التي تسدّ المجاري .
* { ما يثير القرف الستائر الثقيلة التي يتبختر فيها ربع مليون عثة غير مرئية } . توماس ترانستومر
ثمرة حياة مقضومة
ماذا يفعلُ انسان يتقلب في شجرة نومه المسنونة والكوابيس تتتالى عليه عائثة في صرخاته المتحشرجة ؟ انفجارات حياة مضمومة بين دخان الحروب والنفي والتشرد بين هاوية وهاوية . مصيخاً السمع الى ماضيي . جنود يحترقون في الملاجىء والخنادق المقصوفة رجل أمن مستذئب يرمي صوبي غابة خوف ويجردني من ربيع انسانيتي سجون عالية أكثر ظلمة من بحيرة صامتة تحيط بمستقبلي احاطة المشط بالشاطىء . أريدُ القليل من عطر النوم لا الأظافر لا المخالب لا الحراشف المتسخة التي تطبق عليّ بتشجنات فوّارة . ها أنا أصلي الى وحوش في دماغي من أجل أن تهدأ أعاصيرها ورذائلها الجحيمية . ماذا لو عشت حياتي في زمن آخر وأرض أخرى هل كانت الكوابيس تمحقني وتوصد الظلال ؟ لي في ظلام العراق ثمرة حياة مقضومة وحمّى طويلة تسهر بين الخراب ورقة كل لحظة من حاضري تسقط صفراء على الأرض الغريبة وما من أمل يحنو على سهادي ويرفع عن حلمي التمزيق وثقل الظلمة الموحشة .
أمراض
جئتُ نجوم أرض السويد وفي كل طبقة من طبقات عقلي مستحثات ديناصورات وغيلان ثقافة منحطة . زوجتي الملحدة والمتحمسة للسخرية من كل سلطة خلصتني بعد عذابات طويلة من الخضوع التام لعفونة ماضيي . في سعيي لعبور الصحارى التي خلفتها ورائي وجدتُ الشعلة التي يتمرأى فيها الموتى وعرفت الشمس التي تظللني متخفية في صخور الأحلام الالهية . شجرة موتي تدمر انخطافات اللحظة في الرياح الشاطئية للظلام المقرون بالبروق والأمراض المرصعة .
#نصيف_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطاقة العظيمة للمادة
-
مجموعة جديدة { في سطوع نذورنا تحت ضوء الأصداف }
-
أبواب الزمن
-
في خرائب الفايكينغ
-
الأشجار الحامضة لصيف مخاوفنا الأمومي
-
أشجار الدفن العالية
-
حوار مع نصيف الناصري { وكالة كردستان للانباء( آكانيوز ) }
-
تحطمات هائلة
-
تعهدات ملزمة
-
مخططات للحفاظ على القانون
-
الحبّ . الزمن
-
بلدي السويد
-
ايمان الحيوانات
-
الصيرورة المتعاقبة لمرايا التاريخ
-
مقدمات في الكلام الجسماني عند أهل البصرة
-
طقس ختان القنبلة النووية
-
مدينة الفيل
-
قداس جنائزي الى السيدة الشفيعة
-
الشواطىء المهدمة للزمن
-
النوم الأبدي
المزيد.....
-
دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في
...
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|