|
حسين إسماعيل الأعظمي فنان وباحث أصيل لفن المقام العراقي
جواد وادي
الحوار المتمدن-العدد: 3265 - 2011 / 2 / 2 - 01:13
المحور:
الادب والفن
حين تتعاظم هموم الفنان الجاد لتستوطن في تفاصيل وجوده الحياتي فنيا ومعايشة وإحساسا متفردا لتعود هذه الهموم بوصلته الرافدة لتحفزه لان يدون رصانته الإبداعية وتعلقه بفنه ليعزز، كهدف سامي، وجوده فنانا وباحثا وناقدا بعين الراصد للفن الذي يعشق، لتعود محصلة لكل فنان جاد إرضاء لضميره الوطني، كل وجنسه الإبداعي ومجال تخصصه ليريح ويستريح بسكينة المبدع الذي ما تكاسل أو تهاون في سعيه لتأسيس تقليد قلما نجده لدى فنانين آخرين خلاف ما يسعى إليه فناننا المتميز حسين الاعظمي في أن يطرح نفسه في ساحة الإبداع العراقي كفنان رصين بمواصفات التكامل الفني النادر ليمنحنا صورة متفردة في هذا الوسط بغثه وسمينه، حين اختار وبهم المسكون بعشق المقام العراقي أن يزاوج بين الأداء العارف بتفاصيل هذا الفن وبين الغور في دراسته والبحث العلمي بهذا الشكل من التناول البهي، الأمر الذي نجده قد استعصى على العديد ممن سبقوه أو عاصروه ليشكل لاحقا مدونة متكاملة ومرجعا لكل من يهتم بفن المقام وعلى أسس علمية ليسهل مهمة التناول لرصد هذه الظاهرة التي تشكل للعراقي وشيجة وآصرة تشده بقوة بالوطن من حيث ناسه وتراثه وأصالته وعمق دربة أبنائه في كل مناحي الإبداع الإنساني وقبل هذا وذاك وجده وحنينه لأرضه حين تكالبت عليه صروف الزمن وماسيه ليبقى المقام بشجنه وصدقه وسيلة التأسي التي تكاد تكون نافذة الخلاص الوحيدة من وطأة المرارات ومحاصرة الهموم لهذا العراقي المغلوب على أمره. إن المقام العراقي بمثابة الترانيم المقدسة لكل العراقيين أينما حلوا وأنّى ارتحلوا، وقد يكون برأي العديد منهم العلامة المميزة لصدق الانتماء مع بقية ألوان الغناء العراقي بشجنه وحرقة الإحساس بالألم الذي ما برح عن الشخصية العراقية المنكسرة، فلا غرو أن يفطن فناننا المتألق حسين الاعظمي لهذه الميزة العراقية ويعطي ما تستحق من الاهتمام كموهبة غنائية معززة برؤيا علمية باهرة لتكتمل مهمته على الوجه الاتم. إن فنانا كبيرا صال وجال ولعقود، مؤديا ومقارعا لكبار الرواد لا ليخلق هوة بينه وبين اؤلئك الخالدين أمثال القبنجي ويوسف عمر وحسن خيوكة ورشيد القندرجي، وغيرهم بل ليشكل حلقة الوصل لتكملة المشوار، إنصافا لهؤلاء الكبار وخدمة للأجيال اللاحقة من قراء المقام ودارسيه وإرضاء لحبه لفن المقام الذي وكما اتضح لنا من خلال قراءة فصول هذا المؤلف انه يحتكم على موهبة لافتة في الفهم العلمي وكيفية وضع الأسس لتوثيق رؤيته التي قد تكون قد أغفلت أو غابت عن العديد من الدارسين في هذا المنحى. إن جهدا وازنا كهذا الذي أنجزه فناننا الكبير حسين الاعظمي ليس لنا نحن العاشقون حد الهوس لهذا الفن إلا أن ننحني إجلالا لما بذله من عمل كبير يحتاج إلى صبر وتحمل وبحث جاد والنبش في الملفات وبحث عن المصادر واللجوء لآليات عمل متعددة لا يشعر بوطأتها إلا الباحثون المتميزون وغيرها من صيغ المثابرة، ليخرج لنا هذه الحلة الجميلة ويمتعنا بقراءة لم نكن نحلم بها كونها تجمع بين علمية المادة وبساطة اللغة وعمق تجربة الباحث. تلك لعمري قدرة مشهود لها بالعطاء والتشبث الأمين بالتراث العراقي الأصيل ليتحفنا بما جادت به قريحته كمؤدي فاطن بفن المقام وما انعم عليه قلمه الجميل. الطريقة القندرجية في المقام العراقي وإتباعها .. دراسة تحليلية فنية نقدية لإحدى طرق الغناء المقامية البارزة في القرن العشرين . هذا هو عنوان كتاب الفنان حسين الاعظمي وبنظرة فاحصة للعنوان نلاحظ إن الكتاب لم يكن عرضا بسيطا وعاديا لهذه الطريقة بل هو يشتمل على دراسة بأسلوب تحليلي راصد وبرؤيا نقدية لا تخلوا من تفكيك الطريقة وتبيان مميزاتها كون أن هذا المنهج الغنائي يعتبر من أهم طرق تأدية المقام في القرن الماضي لينسحب حضورها على ألفيتنا الثالثة، الأمر الذي يعتبر سمة مميزة لهذا البحث حيث أتاح لنا معرفة طرق الأداء المتعددة وأضاء لنا الكثير من المحطات التي كنا نجهلها بعد أن كنا مستمعين نعشق الإنصات دونما تمييز بين هذه الطريقة وتلك وهنا تكمن أهمية هذا البحث العلمي الجاد والرصين لهذا الفن الخالد. الكتاب من الحجم الكبير تؤثثه 310 صفحات وتتصدر صورة الفنان الخالد رشيد القندرجي الغلاف وهو من إصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر لعام 2007 ووفاء إنسانيا رائعا واعترافا بالجميل يهدي فناننا حسين الاعظمي كتابه إلى ( الرجل المفضال والمتفضل، الصديق الأب عطا عبد الوهاب بعض الوفاء له). ولكي يتمكن القارئ من بعض اشراقات الكتاب لا باس أن ندون ما جاء من تصدير هام يلخص فحوى الكتاب في الغلاف الخلفي حيث يقول الكاتب: ( عند حلول القرن العشرين امتلك المقام العراقي، بنتاجاته الغنائية التي تجسدت بأصوات كل المغنين ، حقه في النهضة من جديد، بل يمكن أن نقول أن الحقبة الزمنية يمكن اعتبارها ولادة جديدة للمقام العراقي الذي يمثل التراث الغناسيقي في مدن العراق، باعتباره تحقيقا للترابط الوثيق بين المضامين التعبيرية للمقامات، بأصولها التاريخية التقليدية، وشخصية العراقي ومشاعره، ويرجع سبب ذلك، على الأرجح، إلى تطور أجهزة الحفظ والنشر والانتشار والتوزيع، وتوسع المد الصناعي بصورة عامة وشاملة، الأمر الذي أعطى للحياة سيرا حثيثا وجعلها أكثر حيوية وأثرا، ففي بداية القرن العشرين سجل الإنسان صوته عن طريق جهاز التسجيل الصوتي لأول مرة في تاريخه، ومن ثم استمع إلى صوته بكل دهشة واستغراب.. !! فالمغنون، والعازفون، والباحثون، ونقاد الموسيقى، والمتخصصون في شؤون الفن الموسيقي بصورة عامة وغناء المقام العراقي بصورة خاصة- وان اختلفوا- فهم متفقون على دراسة ما يتعلق بالفن الغناسيقامي، والبحث في طرق الغناقامي ولغته الأدائية المتنوعة، التي من شانها ان تفيد وتنبه إلى الفهم العميق والدقيق لطرق الغناء وأساليبه، والتي لا بد من شانها أيضا أن تساعد على تربية ذوق المتلقي بشتى مستوياته.) يستهل الباحث حسين الأعظمي كتابه بقصيدة الشاعر الخالد جميل صدقي الزهاوي الشهيرة: عش هكذا في علو أيها العلم فإننا بك بعد الله نعتصم ولا نعرف لماذا اسقط الفنان الأعظمي اسم الشاعر عن القصيدة ولعله سهو غير مقصود وكأني به حين يستشهد بهذه القصيدة يحملنا على راحلته العراقية الأصيلة للولوج إلى متون الكتاب، يوحدنا حب العراق وتعلقنا بترابه لتكون لحظات القراءة أكثر وجدا وأعمق صدقا. واللافت في هذا الكتاب أن المؤلف تقصد وبمهنية الفنان أن يؤثث صفحات الكتاب بصور العديد من الفنانين من ذوي العلاقة بهذا الفن وهذا الاعتراف يعد مشاركة لهؤلاء النجوم لهذا الفن وفاء لما قدموه وأسسوا له وأضافوه. وكأن الجهد المبذول ليس جهدا فرديا أو مشتتا، بل هو جهد جماعي أشرك الفنان حسين الأعظمي الجميع لإخراج البناء الفني للمقام العراقي بحلته الجميلة ولن يدعي أبدا الفضل في الإضافات رغم اعترافنا بها مكملا ذات الطريق لمن سبقوه حين طوروا كثيرا من فن المقام أمثال الراحل محمد القبنجي والراحل هاشم الرجب ويوسف عمر وغيرهم من رموز المقام الخالدين. وفي مقدمته للكتاب يتقدم الكاتب بالثناء لكل من أمده بالعون لإخراج هذه الحلة القشيبة. يشتمل الكتاب على بابين، الأول الذي يتوزع على فصلين والباب الثاني الذي يحتوي على ثلاثة فصول والدراسة مبوبة حسب التدرج التاريخي وأهمية التناول مدعوما بالكثير من الصور التوثيقية لقراء وعازفين ومهتمين مما يعطي الكتاب نكهة خاصة تمنح القراء الاطلاع على العديد من تفاصيل الرواد ممن كنا نجهلهم إما لأسباب عمرية أو لعدم توفر الأرشيف من دراسات وبحوث كثيرة تناولت هذا الفن لتوثيق محطات غير معروفة سابقا أو لتعريف القراء بوجوه لها علاقة وثيقة بالمقام من قريب أو بعيد دون أن نعرف عنها شيئا، وهنا يمكننا القول أن الباحث حسين الأعظمي لم يبخس أحدا حقه مهما كانت درجة علاقته بفن المقام. ووزع الأدوار بعلمية الفاطن والمتعمق في هذا المجال وهذا الأمر كلفه الكثير من الجهد والبحث والتقصي ونفض الغبار عن الكثير من المحطات المنسية أو التي كادت أن تندثر فعالجها بروح الحريص على الإمساك بها قبل أن تبهت تفاصيلها، وبالتالي نجده حقق نجاحا يحسب له بامتياز، خدمة لفن الشعب الخالد، المقام العراقي. لا بد لنا هنا من تسليط الضوء ولو بإيجاز عن أهم ما تناوله الباحث في بابي الكتاب وفصولهما، كوننا لا يمكن ان نغطي الدراسة التي تتوزع على 310 صفحات بهذه العجالة ونترك القارئ يستمتع بقراءة الدراسة القيمة والآسرة حقا بالدخول إلى عوالمها الثرة. يشتمل الباب الأول على فصلين: الفصل الأول: المقـدمــــــــــــــــــة التعريف بالمقام العراقي التقديــــــــــــــــــم. الفصل الثاني: المقام العراقي في حقبة التحول طريقة الغناء وأفكارها غير المنظور في الطريقة الغنائية أما الباب الثاني يشتمل على: الفصل الاول: ويعالج: إتباع رشيد القندرجي جذور الطريقة القندرجية بعض مزايا رشيد وطريقته التسجيلات الصوتية لرشيد القندرجي وصف موجز لبعض مقامات القندرجي
الفصل الثاني: - حسقيل قصاب - رشيد الفضلي - احمد موسى أما الفصل الثالث فيتناول: عبد القادر حسون شهاب الأعظمي الحاج هاشم الرجب وكما يلاحظ المتابع الكريم ورود أسماء من القراء لفن المقام العراقي لم نكن نعرف شيئا عنهم ونجهل حتى أسماءهم وهذا تجني كبير لرواد أعطوا الكثير لهذا الفن وتعلقوا به، واخلصوا له، وبعمل الباحث حسين الأعظمي الرصين والجاد، أعاد أمجاد هؤلاء القراء الخالدين وأنصفهم كثيرا وأسس لمنهج علمي لتوثيق كل ما يتعلق بهذا الفن من قراء وكتاب وشعراء وعازفين وداعمين لتكتمل الصورة ولعل دراسات قادمة تسير في ذات المنحى لتضيف معالجات أخرى، دونما إغفال لما احتواه الكتاب من صور عديدة نترك لذة المشاهدة والاطلاع للقارئ ليتعرف على أصحابها بالإضافة إلى وثائق ذات علاقة معتمدة وداعمة للدراسة. تجدر الإشارة هنا إلى الكتاب الذي صدر للفنان الباحث حسين إسماعيل الأعظمي الموسوم( فن المقام العراقي ومبدعوه في القرن العشرين) الصادر عن دار دجلة- عمان) والذي أضاء متونه الكاتب العراقي حسام السراي في مقالته المنشورة في موقع الإخبار. يتضح لنا كمتابعين غير متخصصين بهذا الفن، إننا أمام قامة كبيرة تلك هو الفنان الباهر والباحث المتميز الأستاذ حسين الأعظمي والذي أثرى المكتبة العراقية بدراسات من شانها أن تضع لبنات حقيقية مدعمة برصانة البحث وعمق الدربة الفنية لفن العراق الأول وتراثه الخالد، المقام العراقي، مع ذكر باحثين آخرين أسدوا الكثير بأعمالهم لفن الموسيقى في العراق من أمثال ألدكتور نوري الراوي والأستاذ أنور صبحي رشيد وغيرهم. هنيئا لنا بهذا الرافد الناهل من تراثه ليعيد ترتيب الأوراق ويضعها أمامنا بجهد هائل، الله وحده يعلم، كم تطلب منه ليخرج بهذه الحلة الرائعة، ويقينا أن الباحث حسين الأعظمي لا يسعى من وراء ذلك سوى تعميق وتمتين وشيجة علاقته بوطنه معتبرا فن المقام الذي يعشقه ضالته في العطاء ليضاف إلى لائحة العراقيين الذين كانوا وما انفكوا يسدون لبلدهم الخدمات الجليلة دونما ترقب لفائدة أو نفع مادي، ولا نملك إلا أن نصفق لهم بلغة العاشقين والشاكرين لما قدموه.
#جواد_وادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ارفعوا أياديكم عن إتحادنا
-
الكاتب المسرحي ماجد الخطيب يوثق لمحنة وطن وعذابات أمة
-
أول الغيث قطر.......
-
مذبحة سيدة النجاة لن تكون الأولى ولا الأخيرة
-
هزلت والله...!!
-
طيور عابسة مرثية لكل المغتربين
-
هاكم أجساد العراقيين على حمولة من ناسفات أيها القتلة
-
حوتة صغيرة فعلت كل هذا فماذا عن الحوت الكبير؟!
-
حذار من غضب العراقيين.. أيها اللصوص
-
إتحادنا....واتحاداتهم!!!
-
حذار من الغلو أيها الطائفيون
-
أي هوان أنت فيه يا عراق؟!
-
قصائد
-
هل نأت الانتخابات عن ابتلاء الطائفية؟
-
الحركة العمالية من المد الجماهيري إلى الانكفاء
-
للورد حكاية أخرى
-
ابواب لم تعد موصدة
-
هل لهؤلاء كرامة؟
-
هذه دولة وليست زورخانة؟
-
التاسع من نيسان* يوم إنعتاق
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|