|
الاممية البروليتارية
حسقيل قوجمان
الحوار المتمدن-العدد: 976 - 2004 / 10 / 4 - 12:41
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الاممية البروليتارية مقومات وجودها، اسباب قوتها، عوامل تفككها في المجتمعات التي نعيشها اليوم توجد اتفاقات سياسية او اقتصادية او اجتماعية نسميها وحدة، اتحاد، ائتلاف، جبهة، تكتل الى اخر ذلك من التسميات. وهناك فرق بين الوحدة او الاتحاد وبين جميع الاتفاقات الاجتماعية الاخرى. فالوحدة او الاتحاد اتفاق دائم بين جماعات تجمعها صفات اقتصادية واحدة لا خلافات بينها ولها هدف استراتيجي واحد. اما الاتفاقات الاخرى كلها فهي اتفاقات بين جماعات لها صفات اقتصادية مختلفة ولها اهداف استراتيجية مختلفة ولكنها تتفق فيما بينها على بعض الاهداف المؤقتة مع بقاء الاهداف الاستراتيجية ثابتة لكل من الجماعات التي يجري الاتفاق بينها. ولذلك يجري تقسيم المجتمع عادة الى طبقات ومراتب لكل منها صفاتها الاقتصادية واهدافها الاستراتيجية القائمة على هذه الصفات. انتقل المجتمع البشري منذ عدة قرون الى المرحلة الراسمالية من تطوره. وقد امتاز هذا المجتمع بخلق طبقة جديدة هي الطبقة العاملة او البروليتاريا. والقى التاريخ على هذه الطبقة مهمة القضاء على النظام الراسمالي وانهاء التقسيم الطبقي للمجتمع وتحقيق المجتمع الشيوعي. والاساس الاقتصادي لهذه الطبقة واحد ومتطابق في جميع ارجاء العالم وهدفها الاستراتيجي هو الاخر واحد ولا يوجد هدف استراتيجي نهائي مختلف لاي جزء من اجزاء هذه الطبقة اينما كانت. لذا فهي طبقة عالمية واحدة وتحالفاتها فيما بينها هي من نوع التحالفات الدائمة التي لا خلاف فيها. فالطبقة العاملة اذن طبقة اممية بطبيعتها. والتفكك ليس من طبيعتها. لكي نفهم الطبيعة الاممية للطبقة العاملة علينا ان نبسطها قليلا. لنأخذ العامل الفرد. فالعامل الفرد يريد تحسين ظروفه المعاشية وظروفه العائلية. ولكن تحسين هذه الظروف لا يحتم على العامل ان يحصل على ذلك من عامل اخر وانما عليه ان يحصل على ذلك من شخص غير الطبقة العاملة، من الراسمالي. ويصدق نفس الشيء على جاره العامل الاخر. لذلك فان مصلحتهما هي في الاتفاق والاتحاد من اجل تحقيق مصلحتهما المشتركة من الراسمالي. هذا المثل البسيط هو جوهر اممية الطبقة العاملة. فليست لاي جزء من الطبقة العاملة مصالح يمكن تحقيقها باستغلال اجزاء اخرى من الطبقة العاملة بل ان تحقيق مصالح الطبقة العاملة ككل هي في اتحادها من اجل تحقيق اهدافها من الراسماليين. هذا هو المعنى الحقيقي لاممية الطبقة العاملة. والتفكك ليس من طبيعة الطبقة العاملة. فليس من مصلحة العامل الالماني ان يكون مختلفا عن العامل الانجليزي او العامل العراقي او العامل الهندي مثلا. ولكن الطبقة العاملة نشأت في مجتمعات متفككة، في دول منفصلة عن بعضها، في شعوب تتحدث لغات مختلفة ولها حدود مختلفة. وليس للطبقة العاملة دور في خلق مثل هذا التفكك. انها وجدت نفسها في مجتمعات كهذه بغير ارادتها. ولكن هذا التفكك ليس من مصلحتها في شيء وهو يتعارض تماما مع طبيعتها الاممية. قد يقول البعض ان الراسمالية ايضا طبقة ولها مصالح مشتركة. ولكن الطبيعة الطبقية للراسمالية هي التفكك وليس الاتحاد. هنا ايضا لنأخذ مثلا الفرد البرجوازي. فالفرد البرجوازي يريد ان يزيد ارباحه بلا حدود. ولكن بما ان ارباح الراسماليين الناجمة عن استغلال الطبقة العاملة وسائر الكادحين محدودة مهما ازدادت، فان من مصلحة البرجوازي الفرد ان يزيد ارباحه على حساب البرجوازي الاخر ايا كان. لذا فان طبيعة الطبقة الراسمالية هي التفكك وليس الاتحاد. فكل راسمالي يريد زيادة ارباحه على حساب الراسماليين الاخرين. ولكننا نرى ان الراسمالين يتفقون في منظمات واحزاب وتكتلات راسمالية. الا ان هذه الاتفاقات والتكتلات لا تغير من طبيعة الطبقة الراسمالية المتفككة. نعلم ان الصراع بين الفئات الراسمالية طيلة حياة هذه الطبقة كان المنافسة. والمنافسة هي صراع يتسابق فيه جزء من الراسمالية لزيادة ارباحه على حساب الجزء الاخر. وعند تشكل اتفاقات اوسع من هذه، حين تتألف منظمات راسمالية كبيرة في بلد واحد مثلما نراه في الشركات الاحتكارية في شتى البلدان الراسمالية نجد ان هذه الاتفاقات الكبيرة هي ايضا تقام على اساس زيادة ارباح فئة منها على حساب الفئة الاخرى. ويصدق نفس الشيء على الاتفاقات العالمية التي تسمى الراسمال العالمي او الشركات المتعددة الجنسيات او غير ذلك. ولكن هذه الاتفاقات بشتى انواعها لا تغير من طبيعة الراسمالية التفككية. اذ حتى في داخل هذه الاتفاقات يعمل كل فرد منها على زيادة ارباحه على حساب صديقه الذي يتحالف معه. وكل الاتفاقات قائمة على اساس المنافسة بين الفئات الراسمالية المختلفة. فالاتفاق هو مناقض لطبيعة الطبقة الراسمالية والتفكك هو الطبيعة الحقيقية للراسمالية. نتحدث اليوم عن الاتحاد الاوروبي والاحلاف الراسمالية والدول الصناعية الكبرى السبع او الثمان وغير ذلك. ولكن هل يشكل الاتحاد الاوروبي اتحادا حقيقيا بين هذه الدول؟ بالطبع لا. فاننا نرى المنافسة والتناقض فيما بين هذه الدول المتحدة ومحاولة كل منها السيطرة على الاتحاد واغتصاب اكبر ما يمكن من الارباح الراسمالية عن طريق الاتحاد. ويصدق القول نفسه على الدول الصناعية الكبرى حيث تعمل كل دولة منها على زيادة حصتها من الارباح الناجمة عن استغلال دول العالم الاخرى غير الصناعية. والظاهرة الكبرى اليوم، ظاهرة العولمة، هي الاخرى برهان على هذا التفكك الطبقي للراسمالية. فالعولمة في جوهرها هي فرض الراسمال الاميركي على العالم كله ونهب حصص جميع الدول الراسمالية "الحليفة" عمليا من مناطق نفوذها ومصادر ارباحها عن طريق استغلال العالم. فالعولمة تنطوي على صراع هائل بين الراسمال الاميركي وبين الراسمال العالمي كله بما فيه راسمال الدول الحليفة. فالراسماليون لا يتحدون فعلا الا في شيء واحد هو ادامة استغلالهم للطبقة العاملة والكادحين وتحطيم حركاتهم الثورية ضد الراسمالية. هذا هو المقصود من القول بان طبيعة الراسمالية هي التفكك وليس الاتحاد على العكس من القول بان طبيعة الطبقة العاملة هي الاتحاد وليس التفكك. من الطبيعة الاممية للطبقة العاملة نشأت ضرورة وجود نظرية اممية للطبقة العاملة. وقد كلف التاريخ شخصا اسمه كارل ماركس باكتشاف هذه النظرية. فكانت الماركسية. ظهرت الماركسية في المانيا ولكنها لم تكن نظرية الطبقة العاملة الالمانية بل كانت منذ اللحظة الاولى نظرية الطبقة العاملة بدون تحديد. فهي نظرية اممية للطقبة العاملة تتفق مع الطبيعة الاممية لهذه الطبقة. ولذلك فان الماركسية هي نظرية كل جزء من اجزاء الطبقة العاملة اينما كانت وفي اي بلد وجدت. فهي نظرية الطبقة العاملة في المانيا ونظرية الطبقة العاملة في فرنسا ونظرية الطبقة العاملة في روسيا وفي كل اقطار العالم على حد سواء. وقد عبر عن ذلك شعار كارل ماركس "يا عمال العالم اتحدوا" فهو شعار يعبر كل التعبير عن اممية الطبقة العاملة العالمية وهو شعار علمي قابل للتحقيق ويبقى شعار الطبقة العاملة العالمية الى حين تحقيق وحدتها الكاملة. وعلى اساس نظرية الطبقة العاملة بدأت تنشأ حركات سياسية واقتصادية للطبقة العاملة تهدف الى توعية الطبقة العاملة بنظريتها وتوجيهها الى اهدافها تطبيقا لهذه النظرية. فنشأت الاممية الاولى بقيادة كارل ماركس وانجلز كمنظمة عالمية للطبقة العاملة. فلم تنشأ الاممية الاولى كاحزاب للطبقة العاملة في كل بلد وجدت نفسها فيه بل كمنظمة للبروليتاريا قائمة على اساس اممية الطبقة العاملة. والامميات البروليتارية منذ البداية لم تكن ممكنة الا كنتيجة لطبيعة البروليتاريا الاممية. فلولا الطبيعة الاممية للطبقة العاملة لم يكن بالامكان نشوء امميات تنظيمية للطبقة العاملة حقا. وقد ادى التفكك غير الطبيعي المفروض على الطبقة العاملة، اي وجود كل جزء من الطبقة العاملة في وحدة سياسية منفصلة لها حدودها وكيانها ودولتها وطبقتها الراسمالية الى تشكيل منظمات عمالية في كل وحدة من هذه الوحدات سميت احزاب الطبقة العاملة. فنشأ حزب الطبقة العالة الالماني والفرنسية والايطالية والبريطانية الخ. ولكن طبيعة الطبقة العاملة الاممية جعلت بالامكان اتفاق هذه الاحزاب بالمدى الذي كانت فيه تمثل مصالح الطبقة العاملة حقا تمثيلا صحيحا فنشأت عن ذلك الاممية الثانية، الاممية الاشتراكية الديمقراطية، لان هذا الاسم هو الاسم الذي اتخذته احزاب الطبقة العاملة التي تشكلت في تلك الفترة. فكانت الاممية الثانية اممية احزاب للطبقة العاملة. ولم يكن بامكان هذه الاحزاب ان تشكل حركة اممية الا على اساس الطبيعة الاممية للطبقة العاملة. وبقيت هذه الاممية فاعلة طالما بقيت ممثلة حقيقية للطبقة العاملة. وفي اللحظة التي تخلت هذه الاحزاب عن مهمتها، خدمة الطبقة العاملة، وانحاز كل من هذه الاحزاب الى برجوازيته في الحرب العالمية الاولى تحت شعار الدفاع عن الوطن، واتفق كل حزب من احزاب هذه الاممية مع برجوازيته في ارسال الطبقة العاملة لمحاربة بعضها البعض لمصلحة الراسمالية في اعادة تقسيم العالم الذي سبق تقسيمه، لم تعد هذه الاممية ممثلة للطبقة العاملة في اي بلد من هذه البلدان بل اصبحت عدوة للطبقة العاملة وعميلة للراسمالية. وهذا ما جعل لينين والحزب البلشفي وجميع الماركسيين الحقيقيين في الاحزاب الاخرى الى الانفصال عن الاممية الثانية والدعوة الى تشكيل اممية جديدة تكون ممثلة حقيقية للطبقة العاملة. حين نتحدث عن احزاب للطبقة العاملة علينا ان نتجنب مفهوما خاطئا كان لانتشاره اثر كبير على اضعاف الحركة العمالية في العالم. فان حزب الطبقة العاملة لا يعني بالضرورة ان جميع اعضائه من العمال. ان احزاب الطبقة العاملة كانت في اغلب الاحيان تضم عناصر غير بروليتارية في صفوفها تضم اعضاء من شتى المراتب القائمة في المجتمع. فهي تضم المثقفين والفلاحين والطلاب والمهندسين والمحامين والاساتذة وغيرهم وحتى عناصر من البرجوازية احيانا. ان المقياس في كون اي حزب حزبا للطبقة العاملة يتحدد في مقدار التزامه بنظرية الطبقة العاملة من اجل توعية الطبقة العاملة وقيادتها. فالتمسك بنظرية الطبقة العاملة هو المقياس الوحيد لاعتبار الحزب حزبا للطبقة العاملة ام لا. فالطبقة العاملة ونظريتها هي الاساس والحزب هو الفرع الذي يبقى ممثلا للطبقة العاملة طالما تمسك بنظريتها وينتفي كونه ممثلا للطبقة العاملة في لحظة تخليه عن نظرية الطبقة العاملة. تشكلت خلال الحرب العالمية الاولى احزاب ومنظمات ممثلة حقيقية للطبقة العاملة ولم يكن بين هذه المنظمات والاحزاب سوى الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي (البلشفي) بقيادة لينين وستالين حزبا قويا قادرا على قيادة ثورة ضد الراسمالية واسقاطها وانشاء اول دولة اشتراكية في تاريخ البشرية. ورغم قيام الثورات في بلدان عديدة في اوروبا بعد الحرب العالمية الاولى فانها لم تستطع الحفاظ على الدول الاشتراكية لمدد طويلة لهذا السبب. ان الوضع الامثل للطبقة العاملة هو ان يكون لها حزب عالمي واحد يمثل الطبقة العاملة العالمية كلها. ولكن هذا كان صعب المنال في الظروف التي كان يمر بها العالم بعد الحرب العالمية الاولى. فتشكلت الاممية الثالثة (الاممية الشيوعية) لتضم الاحزاب الشيوعية التي تألفت في مختلف بلدان العالم ولتشرف على هذه الاحزاب وتزودها بالارشاد والنصائح لكي يقوم كل حزب منها في ممارسة النضال في بلده بصورة صحيحة وفقا لنظرية الطبقة العاملة. كثيرا ما نسمعه ونقرؤه اليوم من الانتقادات على الاممية الشيوعية مثل احتكار الماركسية وعدم الاستماع للرأي الاخر وفرض اسم الحزب الشيوعي على الحزب الذي يريد الانتماء وضرورة موافقة الاممية على منهاج مثل هذا الحزب واتهام الماركسيين غير الشيوعيين بالانتهازية والتحريفية وحتى خيانة الطبقة العاملة ولا ينسى هؤلاء "النقاد" عزو معظم هذه "المساوئ" الى ستالين. بل ان هؤلاء "النقاد" ينتقدون ستالين حتى على حل الاممية الشيوعية بجرة قلم، ولا ادري لماذا يلومون ستالين على ذلك. هل على مثل هؤلاء ان يلوموا ستالين على حل الاممية الشيوعية ام يشكروه لانه خلصهم من ظلمها ومساوئها؟ ولكن شيئا واحدا لا يستطيع كل هؤلاء انكاره. لا يستطيعون انكار ان الاممية الشيوعية حققت وحدة متماسكة للحركة الشيوعية العالمية. وجاء الخروشوفيون بعد وفاة ستالين الى قيادة الحزب والدولة السوفييتية. ومنذ مجيئهم تخلوا عن كل هذه "المساوئ" تخلصا تاما جملة وتفصلا وتخلصوا من عبادة ستالين ومن "الستالينينة". فتفككت نتيجة لذلك وحدة الحركة الشيوعية. واستخدم الخروشوفيون كل الوسائل التي توفرت لديهم لخلق وحدة شيوعية بطريقتهم الخاصة. فاستخدموا قتل او سجن القادة المتعنتين واستخدموا شراء الضمائر ب "الاعانات" المالية السخية لكل حزب اعلن عن ولائه لحزب الخروشوفيين واستخدموا تقديم الامتيازات الكثيرة كالمصائف والفنادق الفخمة وحرية استخدام الطائرات السوفييتية مجانا للتجول في ارجاء العالم وحضور المؤتمرات واستخدموا ادخال ابناء هؤلاء القادة في المدارس السوفييتية وتخلوا عن اتهام الناس بالانتهازية والتحريفية وغير ذلك. ولكن ليس بين هؤلاء النقاد من يستطيع ان يزعم بان الخروشوفيين استطاعوا ان يحققوا وحدة الحركة الشيوعية. ان منطق مثل هؤلاء النقاد كان يستوجب ان يؤدي التخلص من مساوئ الاممية الشيوعية الى المزيد من وحدة وتماسك الحركة الشيوعية ولكن الواقع هو ان الحركة الشيوعية تفككت ولم يعد بالامكان تحقيق اي شكل من اشكال الوحدة الحقيقية للحركة الشيوعية. بل كانت النتيجة ان قادة الحزب الشيوعي السوفييتي انفسهم اعلنوا حل الحزب الشيوعي الذي يقودونه واعتباره حزبا غير شرعي واعلنوا بصراحة انهم لم يكونوا شيوعيين ابدا بل كانوا دائما معادين للشيوعية. فما السر في ان الاممية الشيوعية حققت وحدة الحركة الشيوعية العالمية وفشلت جهود الخروشوفيين في تحقيق اي شكل من اشكال الوحدة الحقيقية؟ السر الاول هو ان الاممية الشيوعية كانت فعلا ممثلة للطبقة العاملة العالمية ومعبرا حقا عن اممية الطبقة العاملة. كانت منظمة اختيارية ينضم اليها كل من يؤمن ببرنامجها ولا تقبل انتماء اية منظمة لا تؤمن ببرنامجها اذ انها لا تريد ان يكون مصيرها مصير الاممية الثانية. ومثال على ذلك كان الحزب الشيوعي العراقي الذي كان يمثل جزيئة صغيرة من الجسم البروليتاريا الكبير. فقد كان الحزب الشيوعي وقائده الرفيق فهد امينا على مبادئ الاممية الشيوعية ويشعر عن قناعة بانه جزء من هذه الاممية. ولهذا اصبح الحزب الشيوعي العراقي في عهد فهد اكبر حزب سياسي في العراق رغم كونه حزبا حديث التكوين ويعمل سرا تحت اشد انواع الاضطهاد والتعسف التي مارستها الحكومات العراقية المتعاقبة وسيدتها بريطانيا. ارجو ان يسمح لي القارئ العزيز بالتحدث قليلا عن تجربتي الشخصية الخاصة. فانا قد احببت الاتحاد السوفييتي واحببت ستالين قبل ان اكون او افكر في ان اكون شيوعيا وقبل ان اعرف شيئا عن شيء اسمه الماركسية. احببت الاتحاد السوفييتي لاني كنت اراقب كيف تقوم جيوشه بدحر النظام النازي الهتلري واحببت ستالين لاني كنت اميزه عن سائر القادة العالميين مثل تشمرلين ودالادييه اللذين سلما تشيكوسلوفاكيا هدية لهتلر واخيرا سلم دالادييه بلده فرنسا لهتلر بدون ان يبدي مقاومة تذكر للاحتلال النازي. احببت ستالين لانني كنت اشعر ان كل كلمة يقولها كانت صادقة لا كذب فيها وكانت تهز العالم كله. وكان شعوري بان حزب فهد يسير بنفس الطريقة هو الذي جذبني الى الحزب الشيوعي ولم يجبرني احد بالتهديد او الوعيد لكي انتمي اليه بل العكس هو الصحيح. كان الانتماء للحزب الشيوعي يعرض الشخص الى الحرمان من الدراسة ومن العمل ويهدده بالسجن والقتل. ومع ذلك انتميت الى الحزب الشيوعي بدون ان يهددني ستالين بسيفه البتار. والسر الثاني هو ان الاممية الشيوعية كانت منظمة ماركسية. والماركسية علم دقيق لا يقل دقة عن سائر العلوم الدقيقة. اذا وضعنا مثلا مسألة رياضية امام علماء من مختلف بلدان العالم فان جميع هؤلاء العلماء يتوصلون حتما الى نفس النتيجة. ويصح الشيء ذاته في الفيزياء والكيمياء وسائر العلوم الدقيقة الاخرى. لماذا يتوصل العلماء جميعهم الى نفس النتيجة؟ لان كل مسألة علمية لها نتيجة واحدة صحيحة فقط والعلم يتوصل حتما الى هذه النتيجة الصحيحة الوحيدة. قد يحدث جدل بين العلماء حول بعض القضايا ولكن هذا يحدث حين يكتشف الانسان قوانين جديدة لم يعرفها بعد معرفة كاملة ولم تصبح ضمن القوانين التي اثبت الانسان معرفتها معرفة كاملة. نستطيع القول استنادا الى ذلك ان هناك اممية في الرياضيات او في الفيزياء او في الطب او في غيرها من العلوم. وهذه الاممية تحققت بدون ضغط او اكراه او دكتاتورية. انها تحققت بسبب الدقة في معرفة القوانين الطبيعية. وفي الماركسية، بصفتها احد العلوم الدقيقة، كان يجب ان يتحقق الامر ذاته. فاذا وضعت امام اي ماركسي في العالم نفس المشكلة بجميع ظروفها وتعقيداتها فانهم، كما كان الامر في الرياضيات او الفيزياء، يتوصلون الى نفس الحل. لان الماركسية تعالج حركة المجتمع الانساني، وكل حركة في المجتمع الانساني لها اتجاه واحد صحيح في اللحظة المعينة، وهذا الاتجاه الصحيح هو ما يتوصل اليه الماركسيون في مختلف بلدان العالم. والماركسية ككل العلوم الدقيقة الاخرى تتطور وتكتشف خلال معالجتها للمجتمع قوانين جديدة ينبغي على الماركسي ان يدرسها ويتحقق منها ويجعلها جزءا من العلم الماركسي. وفي هذا المجال كما في العلوم الاخرى قد تحدث نقاشات وخلافات في مضمار معرفة القوانين الجديدة والتحقق منها. وحين يتوصل الانسان الى معرفتها معرفة دقيقة تصبح جزءا من علم الماركسية. ولكن هناك قوانين في الماركسية تمت معرفتها من قبل الانسان ويعرفها الماركسيون حق المعرفة. فهناك موضوع الصراع الطبقي مثلا. فقانون الصراع الطبقي في المجتمعات الطبقية قانون ثابت لا يختلف فيه ماركسي في العالم. وهناك قانون ضرورة الثورة لتحقيق التحول الاجتماعي من مرحلة تاريخية الى مرحلة تاريخية اعلى منها. هناك العديد من هذه القوانين التي اكتشفها الانسان وتعلمها سواء في المجال السياسي او في المجال الاقتصادي فاصبحت قوانين ثابتة في علم الماركسية. ولذلك هناك اممية ماركسية بكل ما في الكلمة من معنى لان جميع الماركسيين في العالم يتفقون على هذه القوانين الثابتة علميا. وهذا هو السر الثاني في امكانية وجود الاممية البروليارية التي مثلتها في فترة تاريخية معينة الاممية الشيوعية. فالاممية الشيوعية لم تكن قسرية ولا شكلت بالاكراه. وانما تشكلت الاممية الثالثة لان الماركسيين في العالم كله كانوا متفقين على الاهداف التي كانت اهداف الاممية الثالثة. فقد كانت الاممية الثالثة عمليا تحقيقا جزئيا من اممية البروليتاريا. اذ كانت بمثابة حزب واحد يمثل الطبقة العاملة العالمية التي تشكل طبقة واحدة. ولكن الماركسية تختلف عن سائر العلوم الدقيقة بانها تعالج مجتمعا طبقيا. والماركسية هي نظرية الطبقة العاملة. ولكن المجتمع لا يتكون كله من الطبقة العاملة. لذا توجد طبقات ومراتب في المجتمع لا تتفق مصالحها مع مصالح الطبقة العاملة ولذلك فان الماركسية لا تكون النظرية الملائمة لها. هناك طبقات ومراتب في المجتمع تكون الماركسية معارضة لمصالحها ولذلك فانها تناضل ضد الماركسية وتحاول البرهنة على ان الحلول التي تتوصل اليها الماركسية غير صحيحة. وثمة طبقات معادية صراحة للماركسية بينما توجد طبقات ومراتب تكون الماركسية ضد مصالحها الانية ولكنها تتفق ومصالحها البعيدة كمتوسطي الفلاحين والبتي برجوازية في المدينة. وهذا هو المصدر الجذري لوجود ما يسمى بالانتهازية والتحريفية وغيرها. انه التناقض بين المصالح الانية لهذه الفئات وبين مصالحها البعيدة المدى. واذا تحدثنا عن اممية ماركسية، اي وجود ماركسية واحدة وحلول ماركسية واحدة للقضايا المشابهة في جميع انحاء العالم نستنتج من ذلك ان بالامكان وجود منظمة اممية ماركسية واحدة ولا يمكن ان تكون هناك منظمتان ماركسيتان امميتان في الوقت ذاته لسبب واحد هو انه لا يمكن ان يكون للماركسية هدفان استراتيجيان صحيحان في نفس الوقت. واذا صح هذا على النطاق العالمي فهو اصح على النطاق المحلي. لذلك فان الماركسيين اجمعوا على ضرورة وجود منظمة ماركسية واحدة في كل جزء سياسي واحد من اجزاء الطبقة العاملة. وكان حزب فهد مثالا رائعا للحزب الماركسي الذي يمثل مصالح جزيئة صغيرة من جسم البروليتاريا الكبير. ولذلك اصبح حزب فهد في فترة قصيرة من عمره السياسي اكبر حزب سياسي في العراق رغم وجوده تحت الاضطهاد واضطراره الى العمل السري. والسر المقابل في ان جهود الخروشوفيين والاحزاب الموالية لهم باءت بالفشل في تحقيق وحدة للحركة الشيوعية العالمية هي بالضبط لان الخروشوفيين تخلوا عن النظرية الماركسية التي كانت العامل الاساسي في تحقيق وحدة الحركة الشيوعية العالمية. ولنأخذ العراق مثلا فيما يتعلق بالحركة الماركسية. راينا ان الماركسية لا يمكن ان تتوصل الى حلين صحيحين لمشكلة واحدة ولذلك فان الحزب الذي يتخذ الحل الصحيح الوحيد هو الحزب الذي يمثل حركة الطبقة العاملة. لذا كان من المتفق عليه ان يكون حزب ماركسي واحد فقط في العراق يمثل الطبقة العاملة. فما هو الوضع في العراق اليوم. هناك احزاب عديدة كلها تدعي الماركسية وتمثيل الطبقة العاملة العراقية. فهل بين هذه الاحزاب حزب ماركسي حقيقي يمثل الطبقة العاملة. ان حتمية وجود حزب ماركسي واحد فقط في كل وحدة سياسية من وحدات الطبقة العاملة مثل العراق يعني امكانية وجود العديد من الاحزاب لتكون كلها احزابا غير ماركسية حقيقية ولا يمكن ان يكون هناك غير حزب واحد يقود الطبقة العاملة. ان الاحزاب التي اعرف عن وجودها حاليا في العراق هي الحزب الشيوعي (اللجنة المركزية)، الحزب الشيوعي الكردي، الحزب الشيوعي (القيادة المركزية)، الحزب الشيوعي (الكادر)، الحزب الشيوعي العمالي (الحكمتي)، الحزب الشيوعي العمالي (اللاحكمتي)، تجمع اللينينيين العراقيين، الخ. وكل من هذه الاحزاب يدعي الماركسية وتمثيل الطبقة العاملة العراقية. فكيف يمكن تحقيق وحدة الطبقة العاملة العراقية وراء كل هذه الاحزاب ذات البرامج والاهداف المختلفة؟ ان ما يسمى بالتعددية لا يصح على احزاب الطبقة العاملة. والطبقة العاملة العراقية بامس الحاجة اليوم الى حزب ماركسي حقيقي له برنامجه الواضح الدقيق الذي يسير عليه بدون ان يحيد عنه لكي يستطيع ان يوحد صفوف الطبقة العاملة وحلفائها في النضال العسير الذي يواجه الطبقة العاملة وحلفاءها من الكادحين لانقاذهم من الاحتلال الامبريالي وتحقيق الثورة الاشتراكية التي هي الحل الوحيد للطبقة العاملة العراقية وحلفائها. يلاحظ القارئ العزيز اني لا استعمل في بحثي هذا عبارة الشعب العراقي. وسبب ذلك يرجع الى ان كلمة الشعب، اي شعب، كلمة مطاطة متغيرة ينبغي تعريفها تعريفا دقيقا. ففي العرق مثلا يجب تحديد من العراقيين يدخل ضمن مفهوم الشعب العراقي ومن منهم لا يمت الى الشعب العراقي رغم انه ولد في العراق ويحمل الجنسية العراقية. وعبارة الشعب العراقي تختلف من مرحلة الى اخرى ليس في العراق وحده بل في جميع بلدان العالم. فهناك من العراقيين من ليسوا من الشعب العراقي بل هم اعداء الشعب العراقي. لذا ركزت في بحثي على الطبقة العاملة وحلفائها. حزب ماركسي حقيقي واحد فقط يستطيع ان يقود الطبقة العاملة وحلفاءها حاليا لتحرير العراق من المستعمرين ومن حلفائهم ويقود المقاومة الحقيقية لجيوش الاحتلال مستخدما كل انواع المقاومة من اضرابات عامة ومقاطعة واضرابات موضعية ومظاهرات واعتصامات واستغلال كل وسائل الاعلام وصولا الى اعلى اشكال المقاومة، المقاومة المسلحة التي لا يمكن بدونها طرد الاستعمار وتحرير العراق من ارجاسه. فالى تشكيل حزب كهذا يجب ان تتوجه جهود كل ماركسي حقيقي في العراق في الوقت الحاضر. حسقيل قوجمان ٣ تشرين الاول ٢٠٠٤
#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جواب على رسالة
-
الماركسية والدين
-
رجوع عجلة التاريخ الى الوراء
-
دروس من ثورة تموز
-
وأد ثورة تموز
-
من وحي كتاب فهد (حلقة اخيرة) شخصية فهد
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة السادسة عشرة) سياسة فهد الاقتصادية
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الخامسة عشرة) الاممية الشيوعية
-
استشهاد وحيد منصور
-
وجاء الفرج
-
كيف يصبح الانسان ماركسيا
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الرابعة عشرة) مزورو التاريخ
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الثالثة عشرة) التطور العقلاني في الص
...
-
النقابات العمالية، مصادر قوتها واسباب ضعفها
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الثانية عشرة) سياسة لينين الاقتصادية
...
-
ِتحية اجلال واكرام للفيلق السادس
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الحادية عشرة) اخيانة عظمى ام تصفيات
...
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة العاشرة) الانتقاد، اغراضه وفوائده
-
الاحتفال الاول بعيدنا الوطني الجديد
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة التاسعة) فهد الستاليني
المزيد.....
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|