أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال نعيم - زمن الخنادق














المزيد.....


زمن الخنادق


جلال نعيم

الحوار المتمدن-العدد: 975 - 2004 / 10 / 3 - 06:11
المحور: الادب والفن
    


ما أن حدّق في عيني صديقه الذاهلتين حتى تذكر عصر ذلك اليوم ،
حين نظر في عينيّ تلك القطّة الصغيرة التي تهاوت ميتةٍ بعدما حطّم
مؤخرتها ب"طابوقة" صفراء صلبة . بقي في مواجهتها مسمراً مرتجفاً وقد
أحسّ بالصقيع يٌثلج أوصاله ، هتفت امه :" لا تخف .. لم تمت.. فللقطط
سبعة أرواحً " ظلّ واقفاً ،بعدها ، للحظات ثم تهاوى مغشيّا عليه .

دوّت قنبلة غير بعيد عنه ، ففزّ من جلسته مفزوعاً . أغمض عيني صديقه الذاهلتين وشيّعة بنظرة أخيرة ومضى هارباً بأقصى قوة ، مخترقاً البيوت الرماديّة والجثث المبقورة الأحشاء .. وبعد ساعات من الركض المتواصل تأكد بأن الأرض التي تلسع قدميه الحافيتين بشراسة ، ليس لها نهاية .
كان في البدء قد رمى خوذته المغبرة ومن ثم رمى بسطاله الثقيل وهو يواصل عدوَه وكأن خمسين ألف إطلاقة تتربّص بجسده . كانت ريح السموم اللاهبة تطنٌ في أذنيه بينما غمرت أنفه الرائحة المنبعثة من أجساد طمرها الرّمل وأخرى تتمدد منتظرة في عراء لامتناه .
كانت الشمس تصفع رأسه الراكض بينما ينغرز الرمل في باطن قدميه كمسامير ملتهبة . جفَّ فمه حنيناً لقطرة ماء وعجزت عيناه بحثاً عن ظل
أو قطرة ماء في أرجاء هذه الصحراء البليدة . إلا انه في لحظة ما _ بدت له كحلم _ لمح شيئاً ما يطفوا فوق سراب الصحراء وغذّا هذا الحلم قدميه اللتين أخذتا بالركض بقوة آلية هائلة . وما هي إلا دقائق حتى أخذ يُميز البناء المهدّم الذي أمامه : " لم يكن أكثر من خندق بنته الحرب وهدمته الحرب" وعلى بعد امتار منه استقبله جسد متفسّخ لرجل ضخم مٌلقى بأهمال وقد راحت أسراب من الكائنات الصغيرة تمتص سمنته .
دوت عدّة قذائف أخرى بدت أكثر قرباً ووحشية من سابقاتها . قال لنفسه :
" سيصلون الى هنا ولكن بعد ما لا يقل عن ست ساعات .." شعر بحركة غريبة تدبّ في الخندق المهدّم ، تحسّس المسدس الذي استلّه من ضابط قتيل . شعر بالموت يتقدم منه بخطواته الشبحية الوئيدة . انطلقت غمغمة وحشية من وسط الخندق تلتها صرخات وتأوهات مكتومة . أخرج مسدسه متأهباً للدفاع عن ما تبقى من ذاته التي هرأها العطش والرعب والصحراء .دار حول الخندق باحثا عن منفذ وبعد جهد وجدَ فتحة صغيرة حفرتها أصابع دؤوبة .
شهر مسدسه في الهواء وسدّده الى نقطة ما وسط الظلام ثم دسّ رأسه في الفتحة الصغيرة : لا أحد يتحرك ..!
صرخ فخفت الصوت الآتي من الداخل ، من دون جواب ، ظلّ مسمّراً في مكانه تهرسه الحيرة . مرّت لحظات ، دسَّ بعدها جسده في الفتحة
الصغيرة ونزل الى الداخل . دهمته الظلمة فاتسعت حدقتا عينيه علّهما تستطلعان المكان ، إلا انهما لم تريا أكثر من الظلام .
- مَن هناك ؟
صرخ بأقصى ما يملك من قسوة ويأس وخذلان ، ولم يأته ردّ ، ولكنّه بعد خمسة أعوام أجاب ثلّة من أصدقاءه أحاطت بطاولة مستطيلة في بار ألأضواء الخافتة :
" ووسط ذلك الرّعب والقحط والموت الذي يرتدي الف وجه ووجه ..أتعرفون ماذا وجدت ؟! "
إستدارت نحوه الوجوه راسمة علامة استفهام كبيرة فاستطرد :
_ الغريب انني لم أجد أي كائن من التي اخترعها خيالي المتعب في ذلك اليوم اللاهب الرهيب ..تصوروا .. لم أجد وسط الخندق غير جنديين عاريين تماما إلا من خوف يبرق في عيونهم ..لم يعيرا أدنى اهتمام لوجودي وظلا يمارسان لعبتهما بهستيرية خائفة ..كانا يرتعشان بقوة وحتى الآن لا أدري إن كان ذلك من الرعب أم من اللذة ؟
ارتفعت الكؤوس والقهقهات عالياً وعندما خفتت حدتهاسأله أحدهم
بخبث : " وأنت ماذا فعلت معهم ؟ "

_لا شيء .. فقط استدرت نحو الحائط و .. تبولت .




#جلال_نعيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طيف البنفسج
- هدوء ألقمر
- نافذة إلى عالم آخر
- أحلام سينمائيّة
- لهاث ..
- ألدنيا ألخضراء
- نص ونقد : (ألعاصور) أو شارلي ألعراقي مُتمرّداً على آلهة أزمن ...
- إنوثة...!
- فيفا كولومبيا ..! - قصّة
- سياط .. - قصّة
- إحتراق ..! - نصّ
- حوار شخصي مع عبد ألهادي سعدون ..!
- خمسة مسافرين .. في خمسة زوارق ورقيّة ..
- إنّهم يقتلون الجياد .. !
- روزاليندا ..!
- اليوم ألأخير للمطر ..!
- وقت للحب .. !
- مجانين
- إستمناء آخر
- محاجر


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال نعيم - زمن الخنادق