|
نخاسة عصرية ( قصة بالمناسبة)
حمّادي بلخشين
الحوار المتمدن-العدد: 3261 - 2011 / 1 / 29 - 15:31
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
ضحيّة
كنت على مقربة خمسة أمتار منها، حين رأيتها تنزلق رويدا رويدا فيما كانت متشبثة بالسلك المعدنيّ لهاتف عموميّ.. حين أدركتها، كانت مؤخرتها الإفريقية المحشورة في سروال جينز ضيّق، قد استقرت بالكامل على أرضية شارع" سمو غاتا" على بعد خطوات قليلة من الفرع البنكي "وستارن إينيون".
كانت لا تزال معتمدة بكلتا يديها على السلك المعدني، وهي تنشج نشيجا مرّا ان جذب انظار المارة، فانه لم يحرّك فيهم ساكنا.. كانت مغمضة العينين، دامعة المقلتين حين انحنيت نحوها ثم سحبتها من ذراعيها. حالما استوت على قدميها، تطلعت إليّ بوجه مستدير كأنه قطعة ليل.. للحظات وجيزة ظللت أتأمّلها..كانت دون العشرين.. صدمني جمالها.. لم أتخيل قط وجود تقاطيع وجه أنثوي بمثل تلك الوسامة الطاغية في مقدمة رأس سوداء.. لأوّل مرّة وجدت نفسي أوافق المطرب عليّ الرّياحي على إختيار حبيبة زنجية للتغني بها من دون نساء العالمين. كان صدر الشابة السوداء لا يزال يعلو و ينخفض من فرط التأثّر حين تأملتني بدورها.. زادت مني اقترابا.. أمسكت خماري بيدين مرتعشتين، سحبت إليها طرفا منه.. كنت مندهشة حين رأيتها تدنيه الى شفتيها ثم تطبع عليه قبلة خلّفت آثار أحمر شفاه.. كنت أحاول التخلص منها و قد رابني أمرها، حين فوجئت بها وقد ارتمت على صدري مرددة بانجليزية سليمة... ـــ يا الهي.. يا الهي... ساعدني يا الهي.
كنت شديدة الإرتباك حين تخلت عن حضني.. تطلعت الي بعينين واسعتين.. أمسكتني من كلتا كتفي بطريقة آلمتني فيما كانت تسألني: ــ "ماي سيستر" تخيلي .. قلت لك تخيلي ..ماذا كان يصنع الحاج إبراهيم عيسي كامارا..إمام مسجد النور في قرية صغيرة بجوار العاصمة لاغوس. .. فقط منذ دقائق قليلة؟. ـــ ...؟ تطلعت الي الفتاة بحيرة فيما اندفعت تقول: ـــ ماي ستسر.. صدقيني ..أنا لست بصدد قصة افريقية مسلية..لقد حدث هذا فعلا.. ثم وهي تنظر في ساعتها : ـــ قبل اقل من خمس دقائق .. تصوري ماذا كان يصنع؟ كنت بصدد إجهاد مخيلتي للتخمين فيما عسى الحاج إبراهيم عيسى كامارا كان يصنع.. فقط منذ دقائق قليلة.. حين فتحت مخاطبتي حقيبة يدوية أخرجت منها علبة "برنس"... استلت منها سيجارة أشعلتها بيدين مرتعشتين.. سحبت نفسا عميقا أعقبته بزفير حادّ.
كنت استرق النظر الى بوابة السوبر ماركت "ريما 1000" حين بلغني صوت الفتاة الإفريقية وهي تسألني بإلحاح شديد: ـــ تصوري ماذا كان يفعل؟. لم تدع لي الفتاة أي مجال لفتح فمي، حين شرعت تخبط على فخذيها مرسلة ضحكة مدوية ضاعفت إحراجي حين جذبت إليها أنظار المارّة.. كانت ريبتي قد تضاعفت في كون فتاتي مخدرة، حين وجدتها ترجّني بيدين قويتين مؤكد لي بلهجة حادة : ـــ ما حدث لا يمكن تصديقه . ..و لكنه حدث بالفعل. ـــ..؟!! أضافت الفتاة و قد انتبهت من استيائي لمعاملتها الفظة: ـــ حسنا سأخبرك بما حدث. سوت شعرها الذي انبعثت منه رائحة صبغة حادة ثم أعقبت: ـــ ما حدث بالضبط .. أن الحاج إبراهيم عيسى كامارا.. أبي و إمام مسجد النور في قرية مجاورة للعاصمة لا غوس، كان يدعو الله لي بعد كل فريضة.. و بكل بصدق و حرارة .
كنت انتظر بكثير من الوجل انتهاء الفتاة من إخباري بما فعل والدها حين الحاج إبراهيم عيسى كامارا، حين قطعت حديثها بقهقهة أشدّ من الأولي..
كنت أغادر محدثتي الغريبة، خصوصا وقد أزعجني كثيرا رائحة دخان سيجارتها حين ثبتتني في مكاني صارخة فيّ بلهجة مؤنبة: ـــ قفي مكانك فأنا لم أفرغ بعد! ـــ ...!! ــ عليك أن تسمعي ما اقول.. سحبت نفسا عميقا من سيجارتها النرويجية ثم استمرت بصوت زاعق: ـــ فأنا مسلمة ـــ ... ــــ قبل سنتين كنت مححبة. ـــ ... ثم وهي تجذبي خماري بقوّة. ـــ أي مثلك تماما.. ارتمت من جديد على صدري احتضنتني بقوة همست بلهجة ودودة أحزنني كثيرا وقعها: ــ ثم لمن أشكو آلامي إذا؟. رددت عليها و أنا أزيحها برفق، دون أن اغفل عن مراقبة مدخل ريما 1000 ــ أعذريني يا أختاه، فعندي حساسية ضد الدخان. أضفت بعد تردد لم يطل: ـــ ثم انك بصراحة.. لست طبيعية تماما. و أنا أضع يدي على كتفيها: ـــ و رغم كل ذلك.ها أنا أنصت إليك جيدا.. ألقت الفتاة بسيجارة البرنس، سألتني و هي تسحقها بكعب حذاء سيئ التلميع : ـــ اللعنة .. ماذا كنت بصدد إخبارك به منذ قليل؟ ـــ لقد كنت تسألينني عما كان يفعله الحاج إبراهيم موسى كامارا منذ .. قاطعتني باشارة فظة بيديها أعادت الي خوفا غادرني منذ لحظات. ـــ حسنا حسنا.. ـــ ...؟ ـــ لقد كان المغفل يدعو لي بكل حرارة و إخلاصي ان يهبني الله القوة لمواصلة تحمّل أعباء مهّمتي الإنسانية النبيلة..كما حثني على إتقان عملي كما أوصى بذلك النبي الخاتم. أرسلت ضحكة مدوية، طوّحت برأسها ذات اليمن و ذات الشمال، أمسكت بكلتا يدي، أضافت وقد حطت على وجهها سحابة حزن: ــــ تصورّي ... ماي سيستر.. ما زال الأبله المعاق. سكتت قليلا ثم سألتني بلجهة ودودة: ـــ عفوا.. نسيت أن أخبرك بأنّ والدي ضرير بالولادة. ــــ ... ــــ قلت لك ما زال والدي المعاق يعتقد الى حدّ الساعة بأنني أقوم بخدمة عجائز نرويجيات من ذوات الإحتياجات الخاصة، كما زال يعتقد ان في إمكاني زيارته وقتما أشاء. ـــ ...! ـــ يا للأبله المسكين ! ـــ ...؟! توقفت قليلا ريثما فتحت حقيبتها اليدوية، اخرجت سيجارة "برينس" سرعان ما أعادتها الى موضعها حين ذكرتها بحساسيتي ضد الدخان.. كنت أتطلع الى مدخل "ريما 1000" حين سمعتها تهمس لي: ـــ المضحك في القضية انه ما زال يعتقد بأنني ازددت التزاما بخماري منذ حلولي ببلاد الفيكينج بحثا عن عمل يضمن سد رمق أسرتي الكبيرة. كانت المسكينة تضحك بمرارة حين لمحت زوجي يغادر ريما 1000 لم أملك بدوري سوى مغادرة الفتاة التي أجبرتني على انتشال يدّي من قبضتها المرتعشة خصوصا وقد أرعبتني ملامح زوجي المكفهرة..فيما كان يتجاوزني مسرعا... ما ان لحقت به حتى بادرته معاتبة: ـــ لقد أبطات كثيرا حتى.. استدار نحوي ثم قاطعني مزمجرا: ـــ لعلك تعرفين تلك الفتاة النيجيرية؟ ــ أبدا..
حين تأكد أنني لم أر الفتاة قبل الساعة، وبعد ان مكنني من فرصة سرد مأساتها، بدا على محيا زوجي بعض الرضا.. أشعل بدوره سيجارة برنس لم املك إرجاعها الي علبتها، نفث دخانا أزعجني ثم طفق يخبرني بلهجة حزينة، ان الفتاة النيجيرية ــ وغيرها كثيرات في اروبا ــ قد وقعت لسوء حظها ضحية عصابة دولية منظمة مردت منذ عقود كثيرة على إغراء مثيلاتها براتب شهري يتقاضينه لقاء العمل في منازل عائلات نرويجية محترمة أو في دور عجز كل ذلك بعد إمضائهن على شيكات بتكاليف سفرهن مع إضافة أجر الشركة التي تنسق بينهن و بين مستخدميهن الأجانب, وما ان تحلّ الضحية في أروبا حتى تجبر على تعاطي المخدّرات، ثم التوقيع على شيكات بمبالغ خيّالية لتكون طوع إرادة أفراد تلك العصابة.. فيقع استغلال الضحية التي لن تتقاضي من أجر عملها ألا نسبة ضئيلة جدا تنفق نصفها على حقنتها اليومية و نصفها الآخر على أمثال المغفلّ الحاج إبراهيم عيسي كامارا إمام مسجد النور بقرية صغيرة بجوار العاصمة لاغوس. حتى أتم كلامه سألت زوجي نصف باكية: ــ اليس في إمكانها الهروب؟ ــ لن تفعل ذلك، لأنها تدرك ان الموت المحقق سيكون مصيرها اذا رفضت الإستمرار في ممارسة أقدم مهنة عرفها التاريخ.
لم أعلم صباح ذلك اليوم النرويجي المكفهرّ، أن البغاء هو أقدم مهنة عرفها التاريخ، الا بعد أن دفعت ثمن تلك المعرفة تعييرا نابيا بجهلي من قبل زوجي الفظ الذي لم أملك الجرأة لسؤاله عن ظروف معرفته بتلك الضحية النيجيرية الفاتنة.
#حمّادي_بلخشين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوكالة الوطنية بالجزائر توضح شروط منحة المرأة الماكثة في ال
...
-
فرحة عارمة.. هل سيتم زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى
...
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %
...
-
نيويورك تلغي تجريم الخيانة الزوجية
-
روسيا.. غرامات بالملايين على الدعاية لأيديولوجيات من شأنها ت
...
-
فرنسا: مئات المنظمات والشخصيات تدعو لمظاهرات مناهضة للعنف بح
...
-
السعودية.. إعدام شخص اعتدى جنسيا على أطفال بالقوة وامرأة هرب
...
-
تطبيق لتوزيع المهام المنزلية وتجنب الخلافات داخل الأسرة
-
-دعت إلى قتل النساء الفلسطينيات-.. أستراليا ترفض منح تأشيرة
...
-
مشهد يحبس الأنفاس.. شاهد مصير امرأة حاصرتها النيران داخل منز
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|