فؤاد ابو لبدة
الحوار المتمدن-العدد: 3260 - 2011 / 1 / 28 - 07:31
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
أربعة وثلاثون عاما هي الفترة الزمنية الفاصلة ما بين انتفاضة 17 و18 يناير سنة 1977 وانتفاضة يناير لسنة 2011 في مصر وكأن النظام المصري علي موعد وقدر شهر يناير , ولا نعرف ماذا يخبأ القدر لهذه الهبة الجماهيرية المصرية التي تتزايد و تتعاظم جماهيريتها يوما بعد يوم لتمتد وتشمل أكثر من محافظة مصرية من الشرق للغرب ومن الشمال إلي الجنوب , ورغم الاختلاف في طبيعة المطالب الجماهيرية لكلا الانتفاضتين إلا إنهما تقاطعتا بشكل كامل في التحرك الجماهيري وإعلان حالة الغضب الجماهيري وحالة التمرد علي الواقع المعاش وحالة الرفض والتحرك الواسع لأكثر الطبقات سحقا بالواقع العربي طبقتي العمال والفلاحين إضافة للطلبة الجامعيين وطبقة المثقفين من محامين وصحافيين وأطباء ومهندسين ... الخ .
انتفاضة 17 و18 يناير 1977 والتي أطلق عليها ثورة الخبز أو انتفاضة الجياع جاءت لتدلل علي فشل النظامين القومي والرأسمالي علي السواء لأنها لم تكن هبة عفوية او كما أطلق عليها النظام آنذاك بانتفاضة الحرامية , بل كانت نتاج لتراكمات أكثر من سبعة عشر عاما وتجلت إرهاصات هذه التراكمات من بداية الستينات إبان عهد عبد الناصر ليعلن في سنة 1965 فشل الخطة الاقتصادية الخماسية والتي كان للزراعة النصيب الأكبر منها لتصبح الأرض بلا فلاحين والفلاحين بلا ارض وعجز الفلاح المصري عن تسديد الديون التي استلفها من بنك التسليف الزراعي ليكون مصيره مهدد بالسجن إذا لم يقم بالتسديد وضعف في الصناعات وتلاها بسنتين الهزيمة العسكرية للجيوش العربية والنكسة لتزيد الأمر تعقيدا وتعمق الجراح أكثر وما كان من المواطن المصري في تلك المرحلة رغم ظهور ما يعرف بسماسرة الحروب وحالة الاستغلال إلا أن يتعالي علي جراحه ويكتمها بداخله ويركز جهده نحو الحلقة المركزية للصراع مع الاحتلال الذي احكم سيطرته علي أجزاء من مصر والانشغال بما يعرف بحرب الاستنزاف , وفي سنة 1970 وبعد رحيل عبد الناصر جاء السادات إلي الحكم وأنظاره تتجه بالانتقال من النظام الاشتراكي القومي الذي ارسي قواعده سلفه عبد الناصر للنظام الرأسمالي ولم يكن بوسع السادات الانتقال مباشرة للنظام الرأسمالي نظرا لعاملين مهمين أولهما هو حاجته إلي دعم السوفيت له والتي كانت توفر له الدعم اللوجستي الكامل في معركته مع الاحتلال وعامل آخر هو رفض قيادة بعض الضباط الأحرار للتحول الرأسمالي واستمر السادات بمواصلة حرب الاستنزاف لثلاث سنوات بعد رحيل عبد الناصر , وما ان جاءت لحظة الحسم وانتصار الجيش المصري في حرب أكتوبر "تشرين " 1973 والتي كانت حربا تحريكية أكثر مما هي حرب تحريرية عاش المواطن المصري نشوة الانتصار وتذوق طعم الحرية والكرامة , الا ان سماسرة الحروب جاءت لتحصد وتجني ثمار الانتصار بدل من ان يجنيها المواطن المصري ليزيد الأثرياء ثراء وتعاني الطبقة المسحوقة مزيدا من الفقر والمأساة وتحولت نلك الطبقة السماسرة الي طبقة برجوازية تتحكم وتمتلك وسائل الإنتاج بمصر وأصبحت حالة الفلاح والعامل المصري يرثي لها إضافة لانتهاج الحكومة سياسة تكميم الأفواه وتقييد الحريات للمواطن المصري والاعتقالات السياسية التي طالت جماعة الإخوان المسلمين والشيوعيين والطلبة وتحديا في عام 1976 الذي اشتهر بالتحرك الطلابي وكان بمثابة بروفا للثورة الشعبية لأنه اشتمل علي مداهمة مراكز للشرطة وحرق عربات حكومية إضافة لبعض حركات الاحتجاج العمالية في كل من حلوان والمحلة وتنفيذ إضراب عمالي كبير في اليوم الذي فاز فيه السادات باستفتاء المبايعة , تلك الأمور مجتمعة جعلت من الشعب المصري ينتظر الشرارة التي ستشعل فتيل الثورة وما ان قامت الحكومة برفع الأسعار ل25 سلعة أساسية حتى انطلقت الشرارة تدوي في كافة أرجاء مصر , وتزحف الجماهير الغاضبة في أسوان باتجاه استراحة الخزان حيث كان السادات يجهز لمؤتمر صحفي مع الرئيس اليوغسلافي تيتو الذي كان علي موعد لزيارة مصر والالتقاء بالسادات , وعلي الفور وبناء علي تعليمات المخابرات المصرية قامت طائرة هليوكابتر بنقله الي القاهرة خوفا عليه من الجماهير الزاحفة , وما ان وصل السادات للقاهرة كانت المواجهات علي أشدها ولم تستطيع قوي الأمن الداخلية من السيطرة عليها اصدر أمرا لوزير حربيته الجمصي بان بتدخل الجيش وينزل الي الشوارع ولكن الجمصي رفض الأمر مهددا في حال نزول الجيش سينضم الي الجماهير الغاضبة , وتلقي السادات اتصالا هاتفيا من شاه إيران ان حياته في خطر وعليه مغادرة مصر الا ان حراسه اخبروه ان الطريق للمطار غير امن ليعرض عليه شاه إيران ان يخرج بطائرته الهليوكابتر هو وأفراد عائلته باتجاه حاملة الطائرات الأمريكية " انتربرايز" والتي كانت متواجدة في البحر المتوسط وقبالة السواحل المصرية بانتظار خروجه من مصر ونقله إلي إيران . وأعطي السادات أوامره لقوات الأمن بإخماد الثورة الجماهيرية بشني الوسائل لتقوم قوات الأمن بقتل العشرات واعتقال الآلاف من المتظاهرين تحت ذريعة الإخلال بالنظام العام وحرق وتخريب للممتلكات العامة والسرقة والنهب واصفا تلك الهبة الجماهيرية بأنها انتفاضة لصوص .
وما ان لبثت قوات الأمن المصرية من السيطرة علي الأوضاع في مصر حتى قام السادات وكعادة النهج البرجوازي بشكل عام في حال إن تهدد أركان عرشه بحمل الحراب لحماية نظام حكمه الرأسمالي خوفا من السقوط في أيدي الشعب والثورة ولكن هذه المرة لم يرتكب ذبحا عسكريا للشعب المصري بل قام بالذبح السياسي بتوقيعه علي اتفاقية كامب ديفيد وزيارة لإسرائيل والخروج عن الصف العربي والقيام بزيارته الشهيرة لإسرائيل وإعلانه من داخل مبني الكنيست إنهاء حالة الصراع وإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في طريقه لإقامة تطبيع كامل للعلاقات والتبادل الدبلوماسي وافتتاح السفارات ضاربا بعرض الحائط قرارات القمة العربية الرافضة للصلح والاستسلام ومهادنة العدو , إن هذا الموقف المستهجن والمستغرب والغير مبرر في حينه كان بإيعاز من أمريكا مقابل أن تدعم الأخيرة نظام حكمه وتغدق عليه بالمساعدات المالية ليستقر أركان حكمه باعتباره خير من يمثل مصالحها ويسير في فلكها وإبعاد الاتحاد السوفيتي عن المنطقة العربية وإحداث اختلال في ميزان القوي في المنطقة العربية ليبقي مختلا يميل للكفة الأمريكية , ولم يفرح كثيرا السادات علي تلك الصفقة التي اعتبرها الكثير واجمع عليها أنها صفقة مشبوهة ولم يهنأ كثيرا علي أركان العرش التي كانت دعائمه أمريكية مئة بالمائة حتى نالت منه طلقات الإسلاميين خالد الاسلامبولي ورفاقه أثناء عرض عسكري واحتفال بذكري حرب أكتوبر .
ما أشبه اليوم بالبارحة ثلاثون عاما علي تولي مبارك للحكم خلفا للسادات وما زال يحكم البلاد لأكثر من ثلاثين عاما وشأنه كباقي الحكام العرب عيونه تتجه نحو التجديد لولاية رئاسية أخري او توريث الحكم لابنه جمال , ليستمر هذا النظام علي نهج سلفه وان كان يتشدق بالديمقراطية الشكلية إلا أن جوهره هو نظام ديكتاتوري ما زالت الأجهزة الأمنية تسيطر علي المواطنين بوصفها نظام بوليسي وما زالت الأحكام القضائية تتخذ وفقا لقانون الطوارئ الذي أنهك قوي المواطنين وما زالت ثلة قليلة تتحكم بالرأسمال المصري وتتحكم بوسائل الإنتاج وأسلوبه وما زال النظام الرأسمالي في مصر يضرب جذوره عميقا في الأرض لتترسخ لدينا قناعات انه كلما اشتد هذا النظام الاقتصادي القائم علي المزاحمة والمضاربة واستغلال الطبقات المسحوقة كلما ازدادت حدة الصراع الطبقي وكلما زاد إيمان الجماهير بالتغيير وهذا ما لمسناه جليا بحالة الغليان الجماهيري في مصر ارتفع سقف المطالب لتختلف عن انتفاضة يناير 1977 فهي لم تطالب بالخبز وحسب بل بالتغيير الشامل لطبيعة نظام الحكم في مصر لن تسمح للتجديد مرة أخري ولن تسمح للتوريث ولن تقف عند تغيير رأس الهرم في الحكومة أو تعديلات وزارية هنا او هناك , لان الجماهير أدركت أن التغيير ليس بإقالة وزير او بإقالة حكومة وتعيين أخري , قضية الفساد في مصر وباقي الدول العربية لا تكمن في هذا الشخص او ذاك , بل تكمن في طبيعة النهج بشكل عام وطبيعة الرؤية الفكرية لهذا النهج , ولعل التجربة في تونس خير دليل علي ذلك لم تكتفي الشعب التونسي بتعيين رئيس أخر بدل الرئيس المخلوع بن علي ولم يقبل بالتشكيل الحكومي الجديد الذي اشتمل علي وزراء ستة من حكومة بن علي .
ما ترغب به اليوم الجماهير المصرية من خلال هبتها الجماهيرية وكذلك باقي الجماهير العربية التي أعلنت سخطها وغضبها والتي لم تعلن وما زال الغضب الجماهيري يتأجج بداخلها وسينفجر يوما ما أن تفيق علي نظام حكم قائم علي العدل والمساواة والحرية والعدل وسيادة القانون وتوفير الرخاء والعدل والعيش بكرامة وعدم الملاحقات وإشاعة الديمقراطية والحريات والتعبير عن الرأي واستقلال القضاء ودمقرطة المؤسسات ليكون مجتمعا مدنيا ونتمنى للجماهير العربية المنتفضة في كل من مصر واليمن والسودان أن تحقق أمانيها وأحلامها وطموحاتها ورغباتها وتطلعاتها نحو الحرية والديمقراطية ونتمنى لباقي الجماهير العربية ان تعمم تلك التجارب والاستفادة منها وان تسير علي هديها
#فؤاد_ابو_لبدة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟