خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3259 - 2011 / 1 / 27 - 12:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ظل انتشار ظاهرة الانتفاض الشعبي في المنطقة, يتعالى الصوت القومي العربي بالصراخ, معلنا صواب قوله بوحدة القومية العربية, ووحدة مسيرتها القومية. ظانا بغباء منقطع النظير ان الصراخ هو دليل علمي يثبت ما يقول. اما انحصار هذا الشكل في مواقع جيوقومية محددة, واما تفاوت مهام انتفاضة شعبية في موقع عن مهام انتفاضة شعبية في موقع اخر, فلا يعني لعلمية الردح عنده شيئا, وهو ينسى ان الانتفاضة الشعبية ظاهرة اجتماعية سياسية ظاهرة عالمية لها ان تحدث في اي مجتمع عالمي طالما توفرت في وضعه الشروط اللازمة لحدوثها.
ان الفكر القومي العربي لا يمكن له طبعا ان يفسر علميا لماذا تتجه الحركة الشعبية في السودان واليمن الى تمزيق الوحدة السياسية للنظام المسيطر, في حين ان الحركة الشعبية في تونس ومصر لا يمكن ان ينطوي برنامجها السياسي على هذا الهدف,
ان كل ما يراه الفكر القومي العربي من الانتفاضة الشعبية هو حالة التعارض بين المحكوم والحاكم, وكان هناك انتفاضة شعبية في اي موقع من العالم لا ينطوي شكلها على هذا التعارض, بغض النظر عن ان يكون الحاكم طبقيا من نفس المجتمع او محتلا اجنبيا. ولكن هل يعني ذلك ان العالم وحدة اجتماعية سياسية واحدة؟ نترك الاجابة على هذا السؤال لذكاء الفكر القومي العربي
ان ما يحدث في مصر, الان, لم يرتقي بعد لمستوى انتفاضة شعبية من وزن وحجم ما حدث في تونس. والحالة المصرية لا تزال مفتوحة الاحتمالات يحكم امكانية تغليب اي منها مدى حالة التعارض في وضع علاقة الطبقات الشعبية المصرية بالنظام السياسي الاقتصادي فيها. فهي ان بلغت مستوى عدم امكانية التعايش ستتفاقم الى حالة انتفاضة شعبية لن تتوقف إلا بالاستجابة الى المطالب الشعبية الجوهرية, كما ستعبر عنها القوى السياسية الديموقراطية المصرية, والتي ستتولى مهمة تحويل حالة الانتفاضة, في حال نجاحها, الى نظام سياسي, اما اذا كانت فرصة التعايش بين النظام والطبقات الشعبية لا تزال موجودة فان حدة التحرك الشعبي ستتراجع عند استجابة النظام للحد الادنى من المطالب الشعبية, فالوضع في مصر له تميزه عن الوضع في تونس في كثير من المسائل الرئيسية
فبرنامج الانتفاضة الشعبية في تونس هو برنامج متحد على مطلب قومي اقتصادي سياسي هدفه التحرر من مستوى تبعية الوضع القومي التونسي لمراكز النفوذ الاقتصادي السياسي العالمي. اما تجسيده المادي على الارض فيتعلق بالتخلص من سيطرة شريحة الكمبرادور دون وجود البديل التونسي الاقتصادي الاجتماعي الوطني والشريحة البيروقراطية من جهاز السلطة التي باتت ممثلا لهذه الشريحة في السيطرة على النظام, والسيطرة على الدولة, والتخلص من واستبدال الصيغة الدستورية الحقوقية الفضفاضة التي اسست عليها نظامها السياسي الاقتصادي الحافظ لسيطرتها ومصالحها.
الى هذا المدى نجد تشابها عاما بين الوضعين في مصر وتونس, ولكن بعد هذا المدى تبدأ الاختلافات
فموقع تونس الجيوسياسي وانعكاساته على الوضع الداخلي مختلف عن مصر, فمصر تقع على قناة السويس الممر البحري العالمي الذي يطرح مهام عسكرية عالية الوزن على مؤسسة القوات المسلحة المصرية ذات حساسية سياسية خاصة زاد من وزنها واهميتها وجود الكيان الصهيوني كحالة عدوان مستمرة على مصر, كذلك الخلافات السياسية بين دول حوض النيل وامكانية تحولها لخلافات عسكرية كما حدث سابقا مع السودان _ الشقيق _
على العكس من وزن مهمة القوات المسلحة التونسية التي تتلخص في حفظ علاقات حسن الجوار مع الجزائر وليبيا وبعض المهمات البحرية المتعلقة بموضوع الهجرة الى اوروبا. الامر الذي سمح تاريخيا للنظام التونسي ان يعزل القوات المسلحة التونسية عن التاثير في القرار السياسي للنظام, في حين عزز دور القوات المسلحة المصرية في القرار السياسي المصري, لذلك نجد ان القضية الفلسطينية كانت من اسباب الانقلاب العسكري 23 يوليو الذي حدث في مصر وتحول الى ثورة كانت عمليا تستجيب لمهمة تامين مصر وكان الدور الرئيسي بها للقوات المسلحة المصرية
بل ان هذا يفسر ايضا احجام القوات المسلحة التونسية عن التدخل في مجرى الصراع الداخلي التونسي تاريخيا, بل ويفسر ايضا معنى ظهور الجنرال رشيد وتعامله المباشر مع الحركة الشعبية الذي جاء اثر زيارة فيلتمان, نائب وزيرة الخارجية الامريكية لتونس, وربما بناء على اقتراح منه والذي يعني ان الولايات المتحدة الامريكية ترشح القوات المسلحة التونسية للعب دورا سياسيا في تحديد مصير التحرك الشعبي التونسي وعدم السماح بوصوله لمستوى تحقيق كامل الطموحات الشعبية
لقد فرض عامل الامن القومي نفسه على تاريخ مصر السياسي كاملا ولم يكن خارج هذه الصورة ايضا في تاريخها الحديث, فالقوات المسلحة المصرية هي التي تولت الاشراف على عملية الثورة في مصر بدءا من الانقلاب, واستجابة لهذا الشرط الامني, هي التي صاغت شكل وطبيعة النظام السياسي الاقتصادي فالغت دور البرجوازية المدنية السياسي في الحياة القومية المصرية وجعلت من نفسها شريكا رئيسيا معها بل انها خلال فترة التاميمات احلت الشريحة العسكرية البيروقراطية محل كامل الطبقة البرجوازية القومية المدنية المصرية. ولم تبدأ هذه الصورة بالتفكك إلا في عهد الانفتاح الاقتصادي في عهد الرئيس السادات وسياساته التي حاولت تفكيك العلاقة التاريخية بين المدني والامني العسكري في مصر, فجعل من حرب اكتوبر منطلقا لمسار تحجيم الوزن السياسي للقرار العسكري, وتغليب وزن القرار السياسي المدني عليه, وفي هذا السياق يمكن تفسير كافة سياسات النظام في ذلك العهد وتعزز وترسيخ هذه السياسات في عهد الرئيس حسني مبارك,
فبعد عهد عبد الناصر وخلال عهد الرئيسين السادات ومبارك تقلص حجم الخلاف على القرار القومي بين الشريحتين البرجوازيتين العسكرية والمدنية ليتفاقم بين شريحتين برجوازيتين مدنيتين هما الشريحة التي تمثل الانتاج الوطني والشريحة التي تمثل عملية الاستيراد والوكالة التجارية الاجنبية, حيث لا يزال الصراع محتدما بينهما بصورة رئيسية وفيه تتخذ عائلة الرئيس مبارك ومن يلتف حولها من وكلاء المصانع الاجنبية صورتها كقوة سياسية اسمها الحزب الوطني الحاكم,
فالاقتصاد المصري منذ قبل انقلاب 23 يوليو تميز عن اقتصاد البلدان المجاورة بوجود عملية انتاج وطني وبرجوازية وطنية طالبت بالاستقلال عن الاحتلال الاجنبي والتحرر الديموقراطي من طبقة الاقطاع بل ان هذا الانقلاب جاء استجابة لهذا المطلب. ومنذ نجاح الانقلاب قطع شوطا في تحقيق هذا المطلب وإن بصورة مشوهة, لكن ما يطرحه ذلك الان على الحركة الشعبية واحتمالات تحولها الى انتفاضة ناجحة, هو ان مطلب هذه الانتفاضة لن يكون في خلق برجوازية وطنية كما يمكن ان يكون عليه الوضع في تونس وانما في حسم الصراع الداخلي في مصر لصالح البرجوازية الوطنية مع طموح الطبقات الشعبية لان يكون لها مستوى رقابة عليها
ان مصر هي احدى _ البؤر _ ذات التاثير والتاثر الاقليمي والعالمي المميز. التي تستدعي تاثرا عالميا فوريا لما يحدث فيها, لذلك نجد ان انعكاس ما حدث بها يوم 25 يناير كان له فورا صدى عالمي على عكس ما حدث بتونس, ومن الواضح ان رد الفعل العالمي كان باتجاه تقديم _ نصائح _ للنظام بمحاولة التصالح مع التحرك الشعبي ورشوة القوى السياسية المصرية باصلاحات لا تمس مسار التحول السياسي الاقتصادي المصري لصالح برجوازية الكمبرادور بها, لان نجاح التحرك الشعبي في وصوله الى منتهاه الاقصى له ارتدادات خطيرة جدا على الصراعين العالمي والاقليمي. فهل ما يحث في مصر هو تكرار لما حدث في تونس؟
ان هذا الفارق الرئيسي بين الوضع التونسي والمصري يمتد ليشكل اساس لفوارق اخرى اهمها في الثقافة السياسية المصرية بمقولاتها العفوية او مقولاتها الادبية والتي تحتكم جميعا الى مقولة _ مصر ام الدنيا _ كمركزية فكرية قومية مصرية جاذبه لنفوذيتها واسرة لكل الاتجاهات الفكرية, ومانعة ان تصل الى مستويات عالية الحدة من التطرف, لذلك نجد حتى الفكر العروبي ببعديه العرقي والثقافي الديني هو فكر مركزية الدور الاقليمي المصري, والذي يصل بعض الاحيان الى نفسية توسعية. فحتى المدى الذي ستذهب له الحركة الشعبية المصرية ساخذ في عين الاعتبار مسالة امن مصر المباشر وعدم تعريضها لخطر التدخلات الاجنبية
ان القوى السياسية المصرية قد تستفيد من التصريح السياسي العالمي وتوظفه في صراعاتها الداخلية لكنها لن تسمح له بالتمادي والمساس بالاستقلال والسيادة المصرية, فهذه احد قضايا الصراع والخلاف الداخلية الرئيسية في مصر. وهو ما لا نجده في لبنان او فلسطين على سبيل المثال,
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟