|
سلاماً ناظم السعود .. ويا فقراء العراق اتحدوا !!
رباح آل جعفر
الحوار المتمدن-العدد: 3256 - 2011 / 1 / 24 - 20:19
المحور:
الادب والفن
" الصديق رباح آل جعفر .. قبل قليل انتهيت من قراءة خطابك المؤثر الذي وجهته إلى الروائي حمزة الحسن . لقد وجدته شهادة أخرى على عالم تهاوى لم يكن لنا بل كان علينا .. ولأنني خبرتك معدناً وشعوراً ولغة وقاموساً لهذا لا أعجب أن تطلق هذه القطعة النثرية الباذخة ، التي لو كنت قرأتها أمام المأمون لأعطاك وزنها ذهبا . اسمح لي أيها الصديق أن أرسل لك تحيتي من قرية مغمورة لا أزور فيها ولا أزار واقبلها مني استذكاراً لأيام أصبحتُ أحصيها بالنهنهات . ناظم السعود " غمرتني وأنا أقرأ هذه الباقة من الكلمات التي جاءتني قبل يومين من صديقي الأديب الدؤوب ناظم السعود ، وبيننا غربة وحدود وقيود ، وربما قرود أيضاً ، ذكريات عزيزة على نفسي .. ذكريات أيام خوالٍ ، عشناها معاً في بلاط صاحبة الجلالة ، وفي حضرة " الرأي " الصحيفة .. يوم كان ناظم السعود يقرأ لي أكثر نتاجاته التي يكتبها ، فكنت أرضى كلّ الرضى عن بعضها ، وأسخط بعض السخط على بعضها الآخر ، ولكني في كل الأحوال كنت أتوسّم في كاتبها منذ ذلك الحين الإبداع . وفي عتمة الحرب ، وتحت التماع القذائف ، وتناثر الشظايا ، وصوت الإنفجارات .. كان ناظم يأتينا إلى " الرأي " كلّ أسبوع مرّة .. يأتينا بنصف جسده .. ونصف عافيته ، ونصف دمه ، وبكامل فجيعته ، متوكئاً على عصاه ، وبوجه شاحب ، حاملاً حواراته وأوراقه الثقافية من نثر، وشعر، وكان يصلنا إلى مقر الجريدة بقدرة الله تعالى .. ولم يكن ثمّة ما يمنعه عن المجيء ، فهو يعتقد أن قلبه مثل محركات ( الرولز رويس ) لا يحقّ لها أن تتوقّف ، وأنه أحد الذين يدافعون لإنقاذ الثقافة العراقية من مجانية الأميّة ، والفوضوية ، والعبث .. في زمن كثر فيه المتسلّلون إلى دار ميّة ، وربع عبلة ، وهودج ليلى العامرية ، وأصبح الأميّون على رأس حركة النشر . ولقد حدث يوماً لناظم السعود .. هذا الكائن البشريّ ، المعروق ، المسحوق ، من قمة رأسه حتى أخمص قدميه ، أن سقط بطوله مُغمى عليه ، واصفرّ لون وجهه اصفرار البرتقال ، وكادت روحه تزهق ، ولم يكن حاملاً آنئذٍ علاجه للذبحة الدماغية ، التي ضربته مرتين .. وأخذنا منه صفحته الثقافية ، التي اعتاد أن يتابع تنضيدها ، وتصميمها ، بنفسه .. ونقلناه على عجلٍ إلى مستشفى مدينة الطب لتلقّي العلاج ، وكانت تلك الذبحة الدماغية التي يُصاب بها السعود هي الثالثة ، وفي كل مرّة ينجو منها بإعجوبة من الأعاجيب !. ذكّرتني هذه الواقعة بقصة مماثلة وطريفة حدثت مع صديقنا الشاعر إبراهيم زيدان ، فقد كان إبراهيم ولا يزال يشكو من مرض الربو ، وحدث أن هبّت عاصفة عاتية كادت تقتلع جدران الجريدة من مكانها ، وإذا بي أجد صدر إبراهيم يضيق ، ولسانه لا ينطلق ، وعينيه تحملقان في عينيّ ، وتستغيثان نجدتي ، فأسرعتُ ومعي أحد الزملاء إلى حمله إلى مستشفى إبن النفيس .. وطول الطريق لم أكن مصدّقاً أنه سيعود بعافيته إلى الحياة ، التي يعتقد أنها أغنية جميلة . ودارت بنا الأيام .. وابتعدتُ عن ناظم السعود ، وتركت صديقي ساكناً كالصخور الحزينة في قمة الليل ، يواجه مصيره وحده أمام الزمن ، والمرض ، والفقر ، ويذرع شوارع بغداد صيفاً وشتاءً ، ويبحث عن الحبّ الذي أوسع من نجد .. وكنت وما زلت أعتقد ، أن السعود محشور منذ ولدته أمّه في عربة الدرجة الثالثة ( الكوشيت ) من قطار الفقر .. حيث الخبز قليل ، والماء قليل ، والحظ قليل . ولقد تفتّح حزن كثير غداة افترقنا .. ويا له من زمان جميل مضى ، وكان الاحتلال الأميركي للعراق كبرى أحزاننا ، وذروة مواجعنا ، نزل على رؤوسنا كالصاعقة .. وبقيت أتابع أخباره بشوق ، وفي بعض الأحيان كنت أتابع بعضاً من حواراته على شاشات التلفزيون ، ونقل لي الصديق العزيز الدكتور طه جزاع ، قبل نحو سبع سنين عجاف ، أن السعود زاره في مبنى جريدة الوطن ، وهو يرأس وفداً لجمعية أسّسها ما بعد الاحتلال ، وسمّاها ( فقراء بلا حدود ) .. ولم أفاجأ بما سمعت ، ولم يثر عجبي ، لأنني لم أكن أتوقع من السعود أن ينتمي يوماً إلى جمعية ( أغنياء بلا حدود ) .. فذلك قدره في الحياة .. وهذا الأديب العليل ، المحدودب القامة ، ذو النظرات الطيبة الوادعة ، والقلب الكبير الملتهب ، ما زال يقاسي شظف العيش ، ويعاني مرارة الحاجة ، بل ويقوم بأعمال قاهرة يسدّ منها حاجاته ، ويعيل أسرته ، وقد أطبقت عليه الحياة من كلّ جانب . ولقد شاءت الصدف أن نلتقي أنا والسعود في صباح يوم جمعة حزين في مقهى الشابندر ببغداد ، وكان كطبعه ، باحثاً عن الحرف الملون ، والقافية الشرود .. وجلست أتأمّل طويلاً في ملامح وجهه ، وفي هيئته ، وما عليها من ثياب ، ولم أجد شيئاً منه تغيّر .. ولم أتمالك نفسي ، ورحت أضحك .. وسألني السعود مستغرباً : ما يدعوني إلى الضحك ؟!، فبادرته أقول : إنني لم أجد شيئاً جديداً يطرأ عليك ، أو يتغيّر في هذا ( العراق الجديد ) .. وكأنك يا صديقي أحد أبطال الملحمة الإغريقية ، التي تقول : ( ما مكتوب على الجبين، لابدّ أن تراه العين ) !!. ثمّ .. أليس ذلك كلّه ، يا صديقي ناظم السعود ، ما يدعونا إلى الضحك ؟!.
#رباح_آل_جعفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أيّام وليال في ضيافة العلوجي
-
مع أطيب تحيات الدكتور حسام الآلوسي من صنعاء !!.
-
أحلام مظهر عارف تنتحر في انتظار غودو ..
-
خواطر مسافر
-
هارون محمد يبحث عن هارون الرشيد
-
حسين علي محفوظ ... مسافر في الغروب
-
شاكر علي التكريتي بين احتلالين ..
-
جلال الحنفي .. تسعون عاماً في قلب الأزمات والخصومات
-
سؤال كبير وخطير : إمارة الشعر العربي من امرئ القيس إلى امرئ
...
-
عبد المجيد الشاوي وهذه الأشياء الغريبة العجيبة !!
-
عبد الرزاق عبد الواحد .. صورة طبق الأصل !!.
-
طه عارف .. وسلام الأصدقاء طويل
-
شاكر حسن آل سعيد .. تشكيلياً على الطريقة الصوفية
-
ويسألونك عن نوري حمودي القيسي ؟!
-
لقاء مع خالد الشوّاف على مشارف الثمانين
-
مفكرات يوسف العاني في عصور مختلفة
-
قيس لفتة مراد .. عاش ميتا ومات حيا !!
-
تذكروا الزهر الشقي .. عزيز السيد جاسم
-
لا هو موت .. لا هو انتحار
-
أباطيل يوسف نمر ذياب في زنبيل !!
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|