|
دعاء الكروان
محمد سنجر
الحوار المتمدن-العدد: 3256 - 2011 / 1 / 24 - 09:30
المحور:
الادب والفن
( دعاء الكروان ) ( 1 )
( فتح صديقي نافذة غرفة مكتبنا المغلقة منذ شهور، تسلل صوت دعاء الكروان من فوق سطح إحدى البنايات ، داعب قلبي المتحجر ، فتح برفق أبوابه الموصدة ، تسرب حنين الذكريات بين حناياه اليابسة ، أحسست برغبة في التقاط أنفاسي ، امتدت أصابعي إلى ربطة عنقي التي أحكمت الخناق حوله تفكها ، أزحت لوحة مفاتيح الكمبيوتر بعيدا و انتفضت واقفا ، أتاني صوت صديقي ) ـ على فين يا ريس ؟ ـ مروح . ـ طب ما لسه بدري ، استنى الساعتين دول و نروح سوا . ـ لا كفاية كده قوي ، أنا رايح البلد . ـ أيوة يا عم ، رايح تبل ريقك ؟ أمـــــوت و أشوفها . ـ هي مين دي إن شاء الله ؟ ـ أيوة ياله استهبل استهبل ، البت اللي بتخليك تسيب اللي وراك و اللي قدامك و تجري تروح لها .... ( قلت بينما أرتدي معطفي ) ـ و الله ما أنت فاهم حاجة ، سلام ... ـ طب و الشغل المتلتل على رأس أبونا ده ؟ ـ إياكش يولع بجاز . ـ طب أقول إيه ل (عز ) بيه ؟ ـ قول له مات ، جت له شوطة خدته ، اتصرف ، دي مشكلتك أنت .... ( انطلقت خارجا ، تسللت من تحت الكتل الخراسانية التي طبقت على صدري لسنوات ، أدفع هذه الأبواب المعدنية الميتة من طريقي ، أخرج إلى الشارع أستنشق نسيم الحرية ، أملأ صدري ... أخذت أسعل بشدة ، ملأ صدري عادم السيارات اللعينة ، هذه الصناديق المعدنية المحمولة على عجلات ، تنفث سمومها طوال اليوم فتحيل الحياة جحيما ، نظرت إلى هذه الغيمة من أبخرة البنزين التي حجبت الرؤية حولي ، وضعت منديلي فوق أنفي و جريت فارا بنفسي ، صرخات أبواقها أخذ يلاحقني ، تسللت يدي بسرعة إلى جيبي ، انتزعت قطعا من منديل ورقي أحشو بها أذني ، حاولت الابتعاد عن هذه الطرق الإسفلتية السوداء ، صعدت أول جسر لعبور المشاة ، هبطت الناحية الأخرى عند محطة القطار ، جريت ألحق بالقطار الذي بدء يتحرك بالفعل ، جلست بجانب النافذة أنظر إلى هذه المكعبات الجامدة ، أخيرا فلتنا من بين فكاك المدينة الموحشة ، تسلل بنا القطار برفق بين الحقول ، حملتني الذكريات فوق جناحيها تسابق القطار ، هبطت بي بين حقول الطفولة ، وجدتني محمولا على كتفيه ، سألته على استحياء ) ـ على فين يا با ؟ ـ مش كان نفسك تعوم ؟ ـ آه .... ـ طيب خلاص ها أعلمك .... ( انهلت على رأسه أقبلها غير مصدق ) ـ بجد يا با ؟ ـ أنا عمري وعدتك بحاجة و خلفت ؟ ـ عمرك . ـ طيب خلاص . ( وقف فوق الجسر الخشبي و صرخ ) ـ يلا عوم . ( قذفني في الماء ، صرخت ) ـ لأ يـــا بـــــــــــــــــــا ، ما بعرفش أعــــــــوم ....... ( ارتطمت بالماء و غصت أغرق ، انسحبت روحي ، حبست أنفاسي ، أخذت ألوح بيدي و قدمي يمينا و يسارا ، فجأة أحسست بشيء يرفعني لأعلى ، وجدتني أطفو فوق سطح الماء ، وجدته يحملني فوق ساعديه ) ـ ما تخليك راجل أمال ... ( حاولت لملمة الحروف ) ـ أصل ... أنت .... رميتني فجأة ... ما كنتش واخد بالي .... ـ ما هو لازم كده عشان تتعلم .... يلا حرك أيدك و رجلك .... ( أخذت ألوح بيدي و قدمي بينما يحملني على ساعده ، فجأة ، وكزني الجالس جواري بالقطار ) ـ إنت نازل فين يا أستاذ ؟ ( أفقت على تحرك القطار ثانية ) ـ شربين ..... ـ ما هي دي شربين ، إلحق انزل بسرعة.... ( نظرت حولي فإذا بالقطار يتحرك ، جريت إلى الباب بينما صرخ الجالسون ) ـ حاسب يا اسطى ..... ( قفزت من القطار بسرعة ، تابعني بعض الركاب مطمئنين ، الحمد لله نزلت بسلام ، رفعت يدي ملوحا متمنيا لهم السلامة ، انتظرت حتى مر القطار ، عبرت السكك الحديدية ، انزويت من بين الأشجار إلى طريق ترابي صغير ، متسللا بين الحقول ، أحسست ببرودة بعض قطرات ماء تتساقط على وجنتي ، نظرت إلى السماء و إذا بالمطر و قد بدء يهطل على استحياء ، طارت العصافير و الحمائم تحتمي بأعشاشها ، رائحة المطر تداعب أنفي ، عبقت رائحة الأزهار الكون من حولي ، ازداد المطر هطولا ، انزويت محتميا بإحدى الأشجار ، أخذ المطر يتساقط بغزارة ، ضممت المعطف طلبا للدفء ، أخذت أتابع القطرات التي بدأت تتجمع حتى سالت خلال قنوات صغيرة إلى المستنقعات المنخفضة حول الأشجار ، بدأت المياه ترتفع من حولي ، ما العمل الآن ؟ تسربت المياه إلى داخل حذائي ، هل سأبقى هكذا ؟ على ما يبدو أن المطر لن يتوقف ، عندها عزمت على تكملة رحلتي تحت الأمطار ، تحركت في اتجاه بلدتنا التي تتوارى خلف الحقول في الأفق هناك ، حاولت التقدم بين الأوحال ، مع كل خطوة أجتهد لنزع حذائي من بين الطين ، فلتت قدمي اليمنى من الحذاء الذي أطبق الوحل عليه فظل ثابتا دون حراك ، غاصت قدمي في الطين ، لا حول و لا قوة إلا بالله ، عدت ثانية محاولا استرداد الحذاء فإذا بقدمي الأخرى تفلت لتغوص هي الأخرى ، لم استطع السيطرة على ضحكاتي فانطلقت تقرقع في الفضاء ، حملت الحذاء بيدي و رحلت أكمل طريقي ضاحكا ، حاولت الصعود للأماكن المرتفعة التي لم يغرقها الماء بعد ، فجأة ، انزلقت قدمي ، اختل توازني ، فسقطت ممددا في الوحل ، ارتطم وجهي يغوص بالطين ، انفجرت في الضحك ، لم أجد أمامي بد من الفرار ، عندها انقلبت ممددا على ظهري بالوحل أضحك ، اغتصب سمعي صوت جرس هاتفي المحمول ، حاولت الجلوس حتى نجحت ، أخرجت الهاتف من جيبي ، دست مفتاح الاتصال ، وضعته على أذني ) ـ نعم . ( جاءني صراخ صديقي ) ـ محمد ، تعالى بسرعة عشان (عز) بيه جه و قاعد يزعق و قالب الدنيا ............ ( عندها ، أخذتني نوبة من الضحك ، فألقيت بهاتفي في المياه المتجمعة حولي ، لكنه طفا فوق سطح الماء فسمعت طلاسم صوت صديقي ) ـ بللق ... بللق .... بللق .... ( أخذتني نوبة من الضحك ) ـ اسكت أحسن لك .... هاهاها .... ـ بللق .... بللق .... ـ ما فيش فايدة ؟ طيب ، تستاهل بقى اللي يجرى لك .... ـ بللق .... بللق ..... بللق .... ( أمسكت بالهاتف مرة أخرى و أغرقته بالقاع داخل الطين ) ـ بس بقى ، إنت إيه ؟ ما بتزهقش ؟ ما تبس بقى ، بس ، بس ....... ( أخيرا اختفى صوته ، تحسست الطين حولي ألتمس حذائي حتى نجحت فرفعته ، فإذا به و قد ملأه الماء و الطين ، رفعته أفرغ ما فيه فوق رأسي ، فسال على وجهي و جسدي ، أخذت أردد ما قاله صديقي إيليا أبو ماضي ) ـ نسى الطين ساعة أنه طين حقير فصال تيها و عربد ........
( يتبع )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دعاء الكروان ( 2 )
( عرجت في طريقي إلى هذا البيت الأبيض الصغير القابع بين الأشجار ، أخذت أتحسس هذه الرسومات الطباشيرية التي رسمتها و أنا صغير ، مازالت كما هي لم تمحوها الأيام و السنين ، سمعت أصوات ضحكات براءة الطفولة التي كانت تنطلق منا فتملأ الفضاء ، تختلط بأصوات الطيور و العصافير فوق الأشجار ، داعبت أنفي رائحة أشجار الليمون و الجوافة ، حاولت التلذذ بأكثر قدر منها ، أخذت منتشيا المزيد من الأنفاس العميقة محاولا اختزانها بصدري ، وقفت للحظات أمام الباب الخشبي العتيق ، ترددت طويلا في طرق الباب ، هل هي هنا ؟ أم تراها ذهبت إلى بيت أبي في آخر القرية هناك ؟ طرقت الباب على استحياء ، جاءني صوتها الواهن تسأل ) ـ مين ؟ ( هل أرد عليها ؟ أم أجعلها مفاجأة ؟ أقترب صوتها من وراء الباب تكرر ) ـ مين ؟ ـ أنا .... ( فتحت الباب ، تسللت رائحة الفرن و الخبز من داخل الدار ، و إذا بها تقف أمامي بجلبابها الأسود تناثرت عليه بعض ذرات الدقيق ، كما هي لم تتغير ، صبغ الحزن عينيها بالبياض ، مالت برأسها جانبا و كأنها تتحسس النظر بأذنيها ، لمعت أسنانها البيضاء خجلى من وراء شفتيها ، مسحت وجه كفيها و ظهريهما بجلبابها ، سألت مترددة ) ـ محمد ؟ ( حاولت استبيان الحقيقة فمدت أصابعها تلامس وجهي ، اقتربت مني تشمني ) ـ أنت لسه عيل زي ما أنت ؟ ـ الحاج عبد الموجود موجود ؟ ( أخذتنا حالة من الضحك ، فتحت ذراعيها فارتميت في حضنها ) ـ كده برضه يا محمد ؟ و لا كأن ليك أهل تسأل عنهم و تطمنهم عليك ؟ ( أخذت تبكي ، حن قلبي لبكائها فشاركتها البكاء ) ـ هي دي برضه صلة الرحم ؟ ـ أرجوك تسامحيني يا ( نبوية) ، الشغل واخد كل وقتي و الله ..... ـ طب على الأقل اتصل اطمن علينا ( انتبهت لبرودة جسدي ، فأبعدتني تسأل ) إنت مبلول كده ليه ؟ ـ أصلي ازحلقت و وقعت في الطين و أنا جاي .... ( فلتت ضحكاتها من بين الدموع ) ـ هاهاها ، ما فيش فايدة فيك أبدا ؟ حتى و أنت كبير برضه بتزحلق ؟ طب على الأقل زمان لما كنت باشوف كنت بامسك إيدك ، فاكر يا وله لما ازحلقت و شدتني معاك وقعتني في الترعة ؟ ها ها ها ... ـ أخبار أبويا إيه ؟ ـ و الله مش و لا بد ، مش عارفة أقولك إيه يا محمد ؟ أديك ها تشوف بنفسك . ـ أمال مين اللي قاعد معاه ؟ ـ أديني هنا شوية و هنا شوية . ـ طب ليه الشحططة دي ؟ ـ ما أنت عارف دماغه ، مش راضي يجي يقعد معايا ، بيقول ما أخرجش من بيتي إلا ع القرافة ، ده أنا و أبو يوسف غلبنا فيه . ـ معلش ، خليه براحته ، طب ها تيجي معايا ؟ ـ آجي معاك فين ؟ مش الأول لما تدخل تستحمى و تغير هدومك المبلولة دي ؟ و تاكل لك لقمة ؟ تعالى ادخل ادخل .... ( أمسكت بيدها أدخلها ، سحبت يدها بسرعة ) ـ إنت فاكرني ما باشوفش و إلا إيه ؟ تعالى ادخل يا نور عيني تعالى ، خلي بالك من الطشت لتتعتر فيه ، تعالى اقعد هنا على الكنبة ، ثواني و راجعة لك . ( تحسست طريقها إلى داخل الدار ، ما هي إلا لحظات حتى أتت ) ـ تعالى يلا خش الحمام ، أنا ولعت لك ( الباجور ) على بستلة المية أهي ، و ( الكوز ) هتلاقيه عندك على كرسي الحمام ، و خد يا عم آدي صابونة جديدة بورقتها ، هدومك و الفوطة متعلقين على المسمار اللي ورا الباب ، و ابقى حط لي بقى المبلول ده كله في ( القروانة ) عشان أغسلهم لك ، إن شاء الله تطلع تلاقيني سخنت لك الأكل ، يلا هم . ـ الله يبارك فيك يا نبوية ، مش عارف من غيرك كنا عملنا إيه ؟ ( انحنيت على يدها أقبلها ، سحبت يدها بسرعة ) ـ استغفر الله العظيم ، عيب يا وله ، أزعل منك و الله ، ده أنت ابني الكبير .... ( دخلت و أغلقت الباب ، أخذني صوت ( وابور الجاز ) و رائحة رطوبة الجدران على جناحيها هناك ، وجدتني أجلس عاريا بين يدي أمي التي تجلس على كرسي الحمام الخشبي الصغير ، تصب الماء الدافئ على جسدي ، أبكي من حرقة الصابون الذي دخل عيني ) ـ مش قايلة لك تقفل عينك يا نور عيني ؟ وريني ... ( أخذت تصب الماء على رأسي و تفرك عيني ) ـ هيه ؟ راح ؟ ـ أيوة خلاص ، كفاية بقى ..... ( لفتني داخل المنشفة و أخذت تجفف جسدي ) ـ كفاية بقى .... ـ استنى لحسن تاخد برد ، هات إيدك .... ( ألبستني جلبابي الجديد و أخذت تصفف شعري بمشطها الأبيض الصغير ) ـ أيوة كده ، قمر اربعتاشر يا ناس ؟ الجلابية ها تاكل منك حتة ..... ( جاءني صوت نبوية تنادي ) ـ يلا يا محمد الأكل ها يبرد .... ( خرجت فوجدتها و قد وضعت أطباق الطعام فوق الطبلية الخشبية ) ـ تعالى دوق أكل أختك نبوية ، تلاقيك يا حبة عيني ما بتتهناش على لقمة هناك ... ـ لأ ، مين ده ؟ و هو احنا ورانا هناك غير الأكل ؟ ـ و هو أكل المطاعم ده برضه بتسميه أكل ؟ خد خد ، بالهنا و الشفا ... ( أخذت أتناول الطعام ) ـ بسم الله ما شاء الله ، تعرفي إن أنتي الوحيدة اللي طبيخك زي أمي الله يرحمها ؟ ـ الله يجبر بخاطرك ، إش جاب لجاب ؟ اسكت أما اضحكك ، مش كنا بندور لأبوك على عروسة ؟ ـ معقولة ؟ ـ إيوة و المصحف ، الشيخ مبروك الله يكرمه قال لنا الراجل ده ما ينفعش قعدته كده من غير ست تاخد بالها منه و تراعيه ... ـ و هو وافق ؟ ـ الصراحة قلنا ما نقولوش إلا لما نشوف له واحدة مناسبة الأول ، و ساعتها بقى نبقى نقول له و ناخد رأيه .... ـ مش ها يوافق ، أنا عارف .... ـ المهم يا سيدي قعدنا ندور لغاية لما لقيت له واحدة مية مية ... ـ و دي مين دي إن شاء الله ؟ ـ خالتك هانم أم البشلاوي .... ـ هي لسه عايشة ؟ ـ عايشة يا خويا و زي الفل ، و صحتها بمب و عال العال ، قلت أكلمها و آخد رأيها ، أهي تخدمه و تراعيه و تاخد بالها منه ... ـ و قالت لك إيه ؟ ـ الست يا خويا باقول لها إيه رأيك أنا جايبة لك عريس ، لقيتها رحبت بيا و طرطقت وادنها و لا بنت أربعتاشر .... ـ طب كويس ، المهم ؟ ـ الست باقول لها يعني إن العريس راجل كبير و نايم تعبان و عاوز يعني واحدة ست كده جنبه تخدمه بس و تسليه ، لقيتها قامت و حطت كيس العنب اللي جايباه في حجري و قالت لي : ما عندناش بنات للجواز يا أم يوسف ، و ابقي يا أختي عدي على المقلة خدي له معاك نص كيلو لب يتسلى بيه أحسن هاهاهاهاها ... ( انفجرنا في الضحك ) ـ شوف يا أخويا الست ها ها ها .... ـ لا مش ممكن ، هاهاها ، ما هو أنت برضه اللي غلطانة ، رايحة لواحدة بتلعب في الناشئين تحت سبعين سنة و عاوزة تضيعي الثواني اللي فاضلة ف عمرها ؟ ها ها ها ، أمال أبو يوسف فين ؟ ـ تلاقيه قاعد ع القهوة بيشرب له حجرين معسل ، ها يروح فين يعني ؟ ـ على رأيك ، صحيح ، ما فيش أخبار عن يوسف ؟ ( شردت المسكينة و وجدت الدموع و قد بدأت تترقرق في عينيها ، حاولت المسكينة إخفائها ، ففشلت ) ـ الواد حسن ابن خالتك ( سنية ) لما رجع م العراق حلف لي ع المصحف إنه شافه مرة هناك بيبيع سجاير في الشارع ، كان ساعتها راكب الأتوبيس ، و قعد ينادي له م الشباك ، بس ما ردش عليه ، و لما نزل في أول محطة و رجع نفس المكان عشان يقابله لقاه فص ملح و داب ... ـ لا حول و لا قوة إلا بالله ، الواد ده طالع براوي كده لمين ؟ ( ضحكت المسكينة رغم ألمها و بادرتني ) ـ هيه ، ها يكون طالع لمين يعني ؟هم مش بيقولوا في المثل : الواد لخاله ؟ ( أحسست بطعنة في صدري ) ـ كده برضه يا نبوية ؟ الله يسامحك .... ( حاولت التخفيف من حدة ردها فبادرتني ) ـ أنا باضحك معاك يا وله ، أهو أنت أهو على الأقل جاي تسأل علينا ، الرك بقى على اللي خد في وشه و راح ما جاش ، كل كل .... ـ الحمد لله شبعت ... ( وقفت متأهبا للذهاب ) ـ استنى لما أعمل لك الشاي ... ـ لأ معلش ، ها اشربه هناك ، إيه ؟ مش ها تيجي معايا و إلا إيه ؟ ـ لأ روح أنت و أنا ها احصلك ، عشان بس أغسل الهدوم المبلولة دي بدل ما تعفن . ـ طيب سلام عليكم . ـ و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ، ( خرجت راحلا في اتجاه بيت أبي ، بينما جاءني صوتها يحذرني ) ـ خلي بالك بقى و أنت ماشي لتزحلق و تقع تاني .........
( يتبع ) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دعاء الكروان ( 3 )
( رحلت إلى دار أبي حذرا محاولا التركيز و الانتباه حتى لا أنزلق فأقع مرة أخرى ، من أين ستأتي نبوية بجلباب آخر ؟ أخذت أتحسس الخطى بأطراف أقدامي ، كلما تقدمت خطوة بقدم ثبتها جيدا بالأرض حتى أتقدم بالأخرى متأنيا ، و إذا بي أمام دار خالتي ( ليلى ) ، آآآآآآه ، ما العمل الآن ؟ لو رأتني لن تتركني أرحل ، دعوت الله ألا تكون جالسة في شرفتها كعادتها ، وقفت مستترا بشجرة ( الجميز ) التي أمام دارها ، ألتمس النظر من وراء الغصون و الأوراق ، لاااااااا، كما توقعت ، ها هي تجلس على أريكتها الخشبية ، ما العمل الآن ؟ هل أذهب إليها ؟ لا لا مستحيل ، سأتأخر عن الذهاب لوالدي ، لن تتركني أرحل مهما اختلقت لها من أعذار ، على الأقل ستتمسك بمصاحبتها في تناول فنجال من القهوة ، لا ، الوقت لا يتسع لها و لحديثها الآن ، الحل الوحيد هو الدوران من خلف دارها ، نعم نعم ، و في المساء سأستأذن أبي و أذهب إليها ، تراجعت حذرا حتى اختفت شرفتها ، أسرعت أدور من خلف الدار ، تسللت بين أعواد الذرة هناك ، فجأة وجدت كلبا يقف في مواجهتي ، ما إن أحس باقترابي حتى اعترض طريقي مزمجرا ، لا حول و لا قوة إلا بالله ، حاولت الثبات و التراجع ببطء أمامه ، وقف الكلب متحفزا ، ليس من الحكمة الهرب الآن ، كلما تراجعت خطوة علا صوت زمجرته و اقترب مني أكثر ، ظهرت أنيابه و بدأ اللعاب يسيل منها ، سال العرق على جبهتي ، قلبي يكاد يقفز هربا من قفصه الصدري ، حاولت التماسك ، أخذت شهيقا عميقا و نفخته بتوتر ، لابد من شراء وده ، أخذت أمصمص بشفتاي ، لا فائدة ، يبدو أنه ليس من النوع الذي يتراجع بالمصمصة ، ما العمل الآن ؟ أصبحت في وضع لا أحسد عليه ، بدأ يتأهب للنباح ، لا ، إلا النباح أرجوك ، زمجر كيفما تشاء ، و لكن إلا النباح ، ستخرج خالتي و تراني على هذه الحالة ، استغفر الله العظيم ، ما العمل الآن ؟ فجأة ، تخلى عن زمجرته و بدأ يهز ذيله و يتراجع ، وجدت كفا تضرب على كتفي ) ـ إيه ؟ مين ؟ ( التفت مذعورا ، فإذا بابن خالتي يضحك ) ـ ههههه ، ما فيش فايدة ؟ لسه قلبك رهيف ؟ ( تنفست الصعداء ) ـ حودة ؟ ( تعانقنا ) ـ إيه ياعم الوحش اللي مربيه ده ؟ مش تقوله إن أنا ابن خالتك ؟ هههههه .... ـ تعالى تعالى ، إنت كنت مزوغ كده و رايح فين ؟ ـ أصلي لسه واصل دلوقتي حالا ، و الصراحة كده يعني خفت لأمك تشوفني و تمسك فيا ، ما أنت عارفها ، قلت أروح أشوف أبويا الأول ، بس و اللي قابلنا من غير ميعاد كنت هأرجع لها بالليل على رواقة .... ـ آآآآآه ، قول كده بقى ، هي دي برضه صفة الرحم يا متعلم يا بتاع المدارس ؟ بقى تغيب السنين دي كلها و آخرة المتمة ما تعديش تسلم عليها ؟ يا أخي دي برضه خالتك و في مقامك أمك الله يرحمها ...... ـ أنت ها تركبني الغلط و إلا إيه ؟ مش باقولك كنت هارجع لها بالليل ؟؟؟؟ ـ طب بس اسكت لتسمعنا ، دي بتسمع دبة النملة ، تعالى تعالى .... ( رجعنا إلى بيت خالتي و إذا به يتوقف خلف الدار و يلتقط بعض الحصى من الأرض و أخذ يقذف بها نافذة الدور العلوي )
ـ ثواني بس لما أطلع الحاجات دي و ألف معاك . ـ أنت بتعمل إيه ؟ ـ هشششششش ، بس ما تفضحناش .... ( نظرت زوجته من النافذة ، ألقت بحبل يتدلى منه حقيبة بلاستيكية ، وضع فيها الأكياس الورقية التي يحملها ، قال لزوجته هامسا ) ـ الحاجات اللي طلبتيها أهي ، على الله بس تيجي بفايدة ، و شوية كده و طالع لك .. ( أخذت زوجته تجذب الحبل لترفع الحقيبة ) ـ يلا بينا . ـ إيه اللي أنا شفته ده بقى إن شاء الله ؟ ـ أصل مراتي حامل يا سيدي ، و قال إيه بتتوحم على التفاح ، فجايب لها تفاحتين أمريكاني كده على ما قسم ، تصدق بإيه ؟ ـ لا إله إلا الله . ـ و اللي خلق الخلق ، قاعد م الصبح أدور عليه و ما لقيته غير في بورسعيد ... ـ طب مش المفروض ، لا مؤاخذة يعني تعدي على أمك الأول ؟ ـ أيوة أيوة ، عشان التفاح يحلى في عينيها ، و ما ينوبش مراتي حاجة منهم ؟ دول يا دوب تفاحتين ، ها يكفوا مين و إلا مين ؟ ـ لأ إزاي ؟ ما يصحش طبعا ، مراتك أولى ، هههه ، هي دي بقى صلة الرحم اللي بتقول عليها ؟ ـ و النبي لا تعايرني و لا أعايرك ، طب ما أنت كمان كنت عاوز تروح لأبوك من غير ما تسلم عليها ؟ ها تسكت أحسن لك و إلا أقول لها ؟؟؟؟ ـ لأ و على إيه ؟ اتكتم أحسن . ـ طب يلا بينا ، و ما تخافش ، ها أقول لها يا سيدي إني قابلتك ع المحطة . ( لفننا حول البيت ، أمسك بيدي يثبتني مكاني و غمز بعينه ) ـ خليك هنا لما أعملها لها مفاجأة .... ( صعد درجات السلم المؤدية إلى الشرفة ) ـ سلام عليكم ، إزيك يا أمه ؟ ـ و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ، إنت كنت فين م الصبح ؟ ـ ها أكون فين يعني ؟ تخيلي بقى جايب لك مين معايا ؟ ـ أكيد محمد ابن خالتك ...... ـ ده أنت ولية ناصحة ، عرفتني منين ؟ ـ إياكش تكون فاكرني قاعدة نايمة على وداني ؟ تعالى يا د يا محمد ادخل . ( عندها جريت أصعد السلم ، فتحت ذراعيها فارتميت بين أحضانها ) ـ كده برضه يا محمد ؟ تغيب المدة دي كلها ؟ و لا كأن ليك أهل ....... ـ معلش يا أمه سامحيني ، و الله ما منعني عنكم إلا الشديد القوي . ـ الشديد القوي ؟ يلا معلش ما كلكم طينة واحدة ، اقعد يا با اقعد .... ( وجهت حديثها لابنها ) ـ اطلع يا وله شوف مراتك عشان تعبانة م الصبح و ابقى طمني عليها . ـ حاضر يا أمه ، محمد ، ثواني و راجع لك ... ـ لأ ، راجع لمين ؟ أنا ها اسلم على خالتي و أمشي على طول .... ( هممت بالوقوف فأمسكت يدي ) ـ تمشي فين ؟ تلاتة بالله العظيم ما تمشي إلا لما اطمن عليك و أعملك لقمة تاكلها . ـ لسه واكل عند نبوية دلوقتي حالا .... ـ خلاص اقعد اشرب معايا القهوة ، و اطلع أنت يا وله اطمن على مراتك . ـ حاضر ( جلست بجوارها ، مدت يدها إلى ( السبرتاية ) ترفع غطاءها و تشعلها لتعد القهوة ) ـ أخبارك إيه يا أمه ؟ ـ الحمد لله بخير و نعمة و الحمد لله ، ناولني القهوة و السكر اللي جنبك . ـ خدي ، الواد ده عامل إيه معاك ؟ ( تنهدت تنهيدة طويلة ) ـ عاوزني أقولك إيه يا محمد ؟ ما هو أنتم جيل ما يعلم بيه إلا ربنا ، فاكر إني ها أقولك إني شايفاك و أنت بتلف تهرب من ورا الدار عشان ما تسلمش عليا ؟ و إلا يعني ها أقولك إني شايفاك و أنت واقف مبلول قدام الكلب في الدرة ؟ و إلا أقول لك إنه نادى لمراته عشان تحدف له ( السبت ) يحط فيه الأكل ؟ و إلا أقول لك إنه بيجي آخر الليل و بيسحب زي الحرامية على فوق عشان ما اصحاش و اشوف اللي جايبه لمراته ؟ طب إيه رأيك مش ها أقول لك ، إنتم فاكرين إننا مختومين على قفانا ؟ و إلا مش عارفين أنتم بتعملوا إيه ؟ و هو احنا عاوزين إيه يعني ؟ بس هي الواحدة مننا يهمها إيه غير إن ولادها يبقوا متهنيين و آخر انبساط ؟ طب تصدق بإيه ؟ ـ لا إله إلا الله . ـ و اللي خلقك ما ها تحسوا بينا إلا لما تخلفوا و يبقى لكم عيال و تشوف ابنك كده بيتنطط قدام عينيك ، و تبقى ها تتشحطط عليه و عاوز تشيله من ع الأرض شيل و نفسك تحطه في قلبك عشان خايف عليه ، و تبقى لو طايل تجيب له الدنيا دي بحالها و تحطها تحت رجليه ، بس المهم يبقى مبسوط و راضي ....... ( ترقرقت الدموع في عينيها و حاولت التماسك حتى نجحت فأكملت ) إوعى تفتكر إني زعلانة منك و إلا منه ، لأ و الله العظيم ، و لا على بالي خالص ، قوم يا با قوم عشان تروح لأبوك ، زمانه يا حبة قلبي مستنيك على نار ، بس لو قدرت ابقى عدي عليا في أي وقت هتلاقيني مستنياك ..... ( ذابت الكلمات فوق لساني ، ترقرقت صورتها بعيني ، تناثرت الحروف بين شفتاي ، حاولت لملمتها فلم استطع ، دارت الدنيا من حولي ، انحنيت على يدها أقبلها ، بللت دموعي كفيها ، حاولت التماسك ، و رحلت في طريقي إلى بيت أبي يغلفني الصمت ......... )
( يتبع )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دعاء الكروان ( 4 )
( رحلت أكمل رحلتي إلى بيت أبي ، كلمات خالتي ما زالت تتردد في أذني ) ـ و الله ما ها تحسوا بينا إلا لما تخلفوا ، و تبقى شايف ابنك كده بيتنطط قدام عينيك ، و نفسك تشيله و تحطه في قلبك من خوفك عليه ..... ( يا اللــــــــــــــــــه ، إلى هذا الحد ؟ نعم ، معها حق فلقد أخذتنا الحياة ، أخذت تدور بنا لتغرقنا بين دواماتها غير عابئين بمن تركناهم على شواطئ الانتظار ، تركنا قلوبا تتفطر علينا و لا نبالي ، لا حول و لا قوة إلا بالله ، ماذا نفعل ؟ بالله علينا ما هذا الذي فعلناه و نفعله بهم ؟ أي ذنب اقترفوه هؤلاء المساكين حتى يكون جزاءهم منا كل هذا النكران ؟ أذنبهم أن الله غرس في قلوبهم محبتنا ؟ تراقصت بيوت القرية بعيني ، نزلت الدموع دافئة تسيل على خدي حتى خضبت لحيتي ، انزويت خجلا أعبر الجسر الخشبي فوق الترعة ، و لكنني وجدت مياه الأمطار تجمعت في طريقها للنزول إلى الترعة على الناحية الأخرى من الجسر ، ما العمل الآن ؟ لقد أغلقت المياه الطريق ، وقفت فوق الجسر لا أعرف ماذا أفعل ، هل أعود ثانية من حيث أتيت و أعبر من فوق الجسر الآخر بأول القرية ؟ لا حول و لا قوة إلا بالله ، هل سأعود كل هذه المسافة ثانية ؟ لا ، غير معقول ، فلقد وصلت إلى هنا بعد عناء ، ما العمل إذن ؟ وقفت في حيرة من أمري ، استندت إلى شجرة الصفصاف بجانب الجسر أنتظر ، أتابع جدائلها التي تتدلى إلى صفحة الماء ، تذكرت أيام كنا نتأرجح متعلقين بهذه الجدائل ، ما نلبث أن نخلي سبيلها فنسقط إلي الماء ، نلتقط الحصى من القاع ، استقرت عيني على صورتي المنعكسة هناك ، تراقصت الصورة بعيني ، من هذا ؟ يا الله ، منذ متى لم أر صورتي بالماء ؟ عشرون عاما ؟ نعم ، عشرون عاما أدور معلق بالساقية ، أين ذهب هذا الطفل الذي كنت دائما ما أراه هنا ؟ مددت أصابعي إلى الماء أمسح آثار الزمن من فوق هذا الوجه ، تلاشت الصورة للحظات ، لكنها ما لبثت تتجمع أجزاءها ثانية و تعود دون تغيير ، مددت يدي بجيبي أخرج حافظة نقودي ، أبحث عن بقايا من طفولتي ، وجدت ورقة مطوية ، نعم هذه تفي بالغرض ، و لكن يا ترى ؟ هل هي من الأهمية ؟ أخذت أفضها و أقرأ ما فيها ، أقر أنا المدعو محمد عبد المجيد و أنا في كامل قواي العقلية بأنني ........... ) ـ لا ، عفوا ، بل أقر بأنني عدت طفلا من جديد و بأنني لم أتغير بعد ....... ( أخذت أطوي الورقة و أطويها حتى صنعت قاربا كذلك الذي كنت أصنعه في طفولتي، انحنيت إلى الماء أضعه برفق ، دفعته في اتجاه دار أبي ، حركت الماء وراءه بأصابعي حتى يسرع في التحرك ، لعله يصل إليه قبلي يحمل له خبر قدومي ، تابعته بنظري و التيار يجرفه مبتعدا رويدا رويدا ، و إذا بصياد يقترب بقاربه ، يلقي بشباكه إلى الماء ، لحظات و يجمعها ثانية فوق القارب ، يخرج ما علق بها من أسماك صغيرة ، يضعها في السلة بجواره ، لفت انتظاري انتباهه فاقترب يسألني ) ـ مالك يا أستاذ ؟ إنت تايه و إلا حاجة ؟ ـ لأ يا عم ، تايه إيه ؟ بس الدنيا غرقانة الناحية التانية و مش عارف أعدي . ـ إنت جاي لمين ؟ ـ جاي لأبويا . ـ أبوك ؟ هو أنت م البلد دي ؟ ـ أيوة يا عم أمال إيه ؟ أنا ابن الحاج عبد المجيد . ـ ابن الحاج عبد المجيد ؟ إنت مين فيهم ؟ ـ محمد .... ـ هو أنت بقى محمد ؟ إنت فين يا أستاذ ؟ ينفع كده برضه ؟ بذمتك فيه حد يسيب أبوه راقد بالشكل ده من غير ما يسأل فيه ؟ طب ع الأقل اتصل طمنه عليك ، أنا مش عارف أنتم جنسكم إيه بالظبط ؟؟؟؟ ـ مشغول يا عم الحاج مشغوووووول ، و بعدين أعمل إيه يعني ؟ صاحب الشغل كل ما أقوله أروح أشوف أبويا التعبان ، يقول لي لو ها تروح له يبقى خليك عنده على طول و ما اشوفش وشك تاني ، ها أقطع نفسي يعني ؟ ـ يا سلام ؟ ليه إن شاء الله ؟ ـ أصله راجل بعيد عنك ما عندوش رحمة و لا يعرف ربنا من أساسه .... ـ طب تعالى تعالى اركب لما أوصلك لأبويا الحاج . ـ لا معلش خليك أنت ف شغلك ، ـ و دي تيجي برضه ؟ تلاتة بالله العظيم ما حد يوصلك إلا آني ، إحنا ف ديك الساعة لما نرد حاجة من جمايل أبويا الحاج عبد المجيد ، تعالى تعالى .... ـ خليك أنت يا عم الحاج و أنا ها اشوف أي حد بحمار و الا بعربية أركب معاه . ـ يا سلام ، بالذمة ده اسمه كلام برضه ؟ و هو أنا مش أولى م الغريب ؟ تعالى بقى ما تغلبنيش معاك .... ( اقترب بقاربه أكثر فأكثر ، مد يده يساعدني في ركوب القارب حتى تمكنت من الركوب ، في هذه الأثناء سمعنا صوت دوي سيارة إسعاف يقترب ) ـ إيه دي ؟ ـ دي باينها سيارة إسعاف . ـ إيوة أهي ، صح سيارة اسعاف ..... ( و إذا بسياة الإسعاف تمر أمامنا من الناحية الأخرى ) ـ يا ترى الإسعاف دي جاية لمين ؟ ـ مش عارف ، ربك يسترها على عبيده . ( تحركنا في اتجاه بيت أبي ) ـ بالذمة لسه فيه ناس قلبها أسود زي صاحب الشغل بتاعكم ده ؟ ـ طب إيه رأيك صاحب الشغل سألني نفس السؤال ده ، بس بشكل تاني ، سألني و قال لي : لسه فيه في الدنيا دي حد أهبل زيك كده ؟ ـ أهبل ليه إن شاء الله ؟ ـ عشان باقول له عاوز أروح أشوف أبويا ، طب تصدق بإيه ؟ ـ لا إله إلا الله . ـ أبوه اللي هو أبوه طرده م الشركة قدامنا و رفع إيده و كان عاوز يضربه .... ـ لا حول و لا قوة إلا بالله ، معقولة ؟ ـ إيوة تلاتة بالله العظيم ، بس لما رفع بقى إيده و عاوز يضرب أبوه ، تخيل أبوه يقول له إيه ؟ ـ إيه ؟ ـ صرخ في وش ابنه و قال له : لأ إلا الضرب يا ابني ، إلا الضرب ، تلاتة بالله العظيم أنا ما ضربت أبويا ، أنا طردته م الشركة بس ، لكن و الله العظيم ما ضربته ، أيوة صح ، رفعت إيدي عليه ، لكن و الله ما ضربته .... ـ سبحـــــانك يا رب ، عشان كـــــــــده ، ما هو سلف و دين يا ابني ، عارف آني لو الدنيا ترجع بي من تاني ، تلاتة بالله العظيم لأبوس إيدين أبويا و أمي الله يرحمهم و أغسل رجليهم بدموعي صبح و ليل .... ـ أكيد طبعا ، هو الواحد فينا إيه من غير رضاهم ؟ ـ الله يرحمهم .... ( سمعنا صوت دوي سيارة الإسعاف ، و إذا بها تعود مسرعة في طريقها إلى خارج القرية ، اقترب القارب من الناحية الأخرى ، و إذا بالرجال و النساء قد تجمعوا ، سأل الرجل أحد الواقفين ) ـ الإسعاف دي كانت جاية لمين يا د يا خميس ؟ ـ ده أبوك الحاج عبد الحميد ، بيقولوا كان بيطلع في الروح ... ( عندها لم أحس بنفسي إلا و أنا أقفز من فوق القارب قبل أن يتوقف على شاطئ الترعة فانزلقت إلى الترعة ، صرخ الرجل ) ـ لا حول و لا قوة إلا بالله ، على مهلك يا أستاذ ، إن شاء الله خير ....... ( أخذ يساعدني بمجدافه حتى خرجت من الماء ، زحفت أصعد إلى الشاطئ ، أخذت الدنيا تدور من حولي ، أسرعت إلى دار أبي ، ركلت الباب الخشبي الواقف أمامي ، و إذا بأختي (نبوية) تبكي ) ـ فيه إيه يا نبوية ؟ إيه اللي حصل ؟ ـ كنت فين يا محمد ؟ إتأخرت فين كل ده ؟ ـ خالتك ليلى مسكت فيا اشرب القهوة ، إيه اللي حصل ؟ ـ دخلت على أبوك لقيته بيفرفر ، قعدت أصوت لحد ما ولاد الحلال اتصلوا بالإسعاف جت شالته .... ـ طب و مين اللي راح معاه ؟ ـ الواد إبراهيم ابن عمتك زينب .... ـ لا حول و لا قوة إلا بالله ، طب روحي انتي و أنا ها احصلهم ... ـ أيوة الله يخليك روح له بسرعة يا محمد ، و أمانة عليك تتصل تطمني . ـ هو راح مستشفى إيه ؟ ـ أكيد خادوه ع المنصورة .... ـ طيب سلام عليكم . ( خرجت مسرعا في طريقي إلى المنصورة ، أتاني صوتها يلاحق سمعي ) ـ ابقى طمني الله لا يسيئك ...... ـ حاضر حاضر ........
( يتبع )
#محمد_سنجر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عمدة كفر البلاص ( 30 ) و الأخيرة
-
عمدة كفر البلاص ( 29)
-
( عمدة كفر البلاص 28 )
-
عمدة كفر البلاص ( 27 )
-
عمدة كفر البلاص ( 26 )
-
عمدة كفر البلاص ( 25 )
-
عمدة كفر البلاص ( 24 )
-
(نهاية العالم 21 / 12 / 2012 الساعة 12)
-
عمدة كفر البلاص ( 23 )
-
عمدة كفر البلاص ( 22 )
-
عمدة كفر البلاص ( 21 )
-
عمدة كفر البلاص ( 20 )
-
عمدة كفر البلاص ( 19 )
-
عمدة كفر البلاص ( 18 )
-
سواق الأتوبيس
-
عمدة كفر البلاص ( 17 )
-
عمدة كفر البلاص ( 16 )
-
عمدة كفر البلاص ( 15 )
-
عمدة كفر البلاص ( 14 )
-
عمدة كفر البلاص ( 13 )
المزيد.....
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|