|
عينكاوا والحفر بالذاكرة
حسين رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 3255 - 2011 / 1 / 23 - 10:22
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
في اللحظات الاولى لدخول مدينة عينكاوا والمشاركة في ايام عينكاوا الثقافية، التي اقامتها مديرية الثقافة السريانية في اقليم كردستان العراق. برفقة وفد ثقافي من اتحاد الادباء والكتاب العراقيين. انتابني شعور بالامان لا مثيل له. فالمدينة خالية من أي اثر لشرطي نجدة او من على شاكلته من رجال الامن، لابل حتى شرطي المرور، فكل شيء في المدينة كان منظماً ومرتبا ومهندسا بشكل رائع.ً حركة البناء والاعمار تسير بوتيرة عالية، البيوت كانها قطع حلوى تناثرت في قالب كيك اخضر. اهالي عينكاوا في قمة الطيبة والكرم والهدوء، بغداد الحبيبة كانت حاضرة في كل ارجاء المدينة، فكان مكتب بغداد للانترنت، مقهى وكافتريا الكرادة، اسماك ابو نواس، موبايل بغداد الجديدة، وهكذا الكثير من الاسماء والدلالات التي تشير الى كل ارجاء العراق، الذي تجمع او هرب الى هذه المدينة الحميمية بكل معنى الكلمة. جذور المدينة وتسميتها هي مدبنة كلدانية صغيرة تابعة، لمحافظة اربيل. اذ لا تبعد الا اربعة كيلومترات عنها. ومع الهجرة الاخيرة للمسيحين وهروبهم من بطش وجور الظلاميين والارهابيين يقدر سكانها بـ 30000 نسمة اغلبيتهم من اتباع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. تعود تسميتها الى القرون القديمة بـ عمكا-اباد وثم عمكو ، عمكاوا و اخيرا عنكاوا. وقد ذكر اسم البلدة في كتب تاريخية مختلفة منها كتاب ابن العبري مختصر تاريخ البلدان ، كما ذكرت في كتاب بلاد اشور المسيحية، الذي كتبه جان موريس فيه الفرنسي ، حيث يذكر فيها الكاتب مراحل تغيير اسم البلدة في القرون المختلفة، وذكرت ايضا من قبل المؤلف الفرنسي اولييفير في كتابه الموسوم رحلة اولييفير الى العراق 1794-1796. كما ذكرت المدينة في الكثير من الكتب الادبية والمجاميع القصصية والشعرية التي سميت باسمها او ضمت نصا يشير اليها.
شواهد تاريخية ومواقع اثرية للمدينة الكثير والعديد من الشواهد التاريخية والاثرية، سواء كانت العمرانية او الدينية، الامر الذي يؤكد عمقها التاريخي الضارب بالقدم عبر العصور، ومنها الحجران اللذان وجدا في عام 1995 في كنيسة مار كوركيس وما دون عليهما من كتابات باللغة السريانية حسب ما شرح لنا ذلك دكتور سعدي المالح مدير عام دائرة الثقافة السريانية في اقليم كردستان خلال جولة سياحية وتعريفية بالمدينة. الحجر الاول أصفر اللوان عرضه 40 سنتيمترا و طوله 80 سم. ونقش عليه أن كنيسة مار كوركيس تمت اعادة بنائها في العام 816 م. اما الحجر الثاني فقد نقش عليه باللغة السريانية تاريخ وفاة القس هرمز عام 917 م. ويذكر فيه اسم عنكاوا كما كانت تسمى انذاك (عمكو)، هذا ما يخص الشواهد التاريخية اما الاثرية منها تل مارعودا حيث تم تسجيل هذا التل ضمن المواقع الاثرية في العراق عام 1945، وقد وجد فيها انذاك ودون في الموسسة العامة للاثار العراقية، حافة واحدة لاناء اشوري، مع كسرات من الفخار و شقف من الخزف يعود زمنه الى القرون المسيحية الاولى. الاثر الثاني (قصرة) والذي استخدم حتى وقت قريب كمقبرة للبلدة، سجل هذا الاثر في مديرية الاثار العراقية تحت اسم قصر (مقبرة عنكاوا- تل) وقد عثر على كمية من الفخار في الاثر، هذا اضافة الى اثار اخرى منها : تلنتا- كرد مسينا ، مار سنيقا ،مزار مريم ، مار قرياقوز و مار يوسف.
كنائس عينكاوا كنيسة مار كيوركيس : تعتبر واحدة من اقدم الكنائس ويوجد فيها حجر يبين عليه ان الكنيسة تم تعميرها عام 816 م. مما يدل على ان الكنيسة اقدم من هذا التاريخ. تتسع الكنيسة حاليا لـ 700 مصل. كنيسة مار يوسف : بنيت الكنيسة عام 1978 على الطراز البابلي وتعتبر كنيسة متميزة في العراق حيث مساحتها 5000 متر مربع وتم تصميمها من قبل احد اساتذة جامعة الموصل وهو الاستاذ فريد مطلوب ، وبنيت بمشاركة اهالي عينكاوا و المتبرعين. واجهة الكنيسة تعتبر اجمل جزء من الكنيسة حيث تشبه بوابة عشتار في بابل القديمة. تم استيراد ناقوس الكنيسة من فرنسا . هناك تمثال كبير للقديس يوسف في باحة الكنيسة .ومن الاماكن المقدسة الاخرى قبة مارت مريم و مارت شموني حيث لكل منهما تاريخه و حكايته العريقة.
متحف الفنون الشعبية والتراثية من برنامج الوفد كانت زيارة الى المتحف الشعبي والتراثي، والذي ضم نماذج من ادوات شعبية قديمة منها ادوات الحراثة، وادوات الطبخ وخاصة ما يتعلق بالكبة والبرغل، اضافة الى اودوات الحياكة والتطريز والخياطة الخاصة بالملابس السريانية التي كانت تزين كل زوايا المتحف. مع بعض المنسوجات، واول كامرة شمسية استخدمت بالمدينة. كما المتحف ضم ايضا عددا من الاواني الفخارية تعود الى عقود سابقة، مع اداة خاصة لصنع النبيذ وجهاز التقطير الخاص بصناعة الخمر. اضافة الى صور ومخطوطات مختلفة تعود الى عهود مختلفة. اضافة الى عينات من بعض الاكلات الشعبية التي يشاع طبخها في بيوتات المدينة.
حداثة شعبية بالرغم من بروز المعالم العمرانية الحديثة، الا ان المدينة ظلت محافظة على طرازها المعماري الشعبي، وهذا ما رايناه ولمسناه في العديد من المعالم التراثية الهامة، في المدينة من بيوت ومواقع ونصب ومنها، نصب الدنك وهو عبارة عن مجرشة حجرية يجرها حيوان وغالبا ما يكون حصانا ويطحن بها القمح لعمل الحبية المستخدمة في طبخ (الهريسة) والبرغل. اضافة الى ارتداء اهالي المدينة، للملابس الشعبية والتراثية الخاصة بهم بألوانها الجميلة الزاهية.
ظواهر اجتماعية وحضارية من الامور التي ظلت عالقة في الذاكرة خلال زيارة المدينة والتجوال في شوارعها واحيائها واسواقها المرتبة بعناية ونسق حضارية. اضافة الى طيبة وكرم اهلها، وهدوء ولطافة الاجواء بشكل عام. هي ثمة ظواهرواضحة بشكل جلي، تعكس مدى تحضر اهالي المدينة، وذلك من خلال نظافة الاحياء والشوارع والحدائق العامة المنتشرة في كافة ارجاء المدينة. كذلك السير على الارصفة، وهذا ما يميز ابناء المدينة والذين غالبا ما يتعرفون على ضيوفهم من خلال سيرهم في الشارع العام. مع تعدد النوادي الاجتماعية الخاصة بكل شريحة مهنية، فهناك نادي المعلمين ونادي الادباء والاطباء والمهندسين ونواد اجتماعية وترفيهية اخرى والتي غالبا ما يكون الحضور فيها بشكل عائلي.
وقفة أخيرة عينكاوا واحدة من المدن، التي تبقى صورها منسوجة، ومحفورة، في الذاكرة القريبة والبعيدة، لمخيلة كل من يزورها. ويرتادها او حتى يمر بها، جامعة لكل صفات الجمال والمدن العصرية المتحضرة، نظافة، هدوء، حرية، احترام متبادل، سلام، امان وهي ما نبحث عنها في مدننا الاخرى، الامر الذي جعل منها مدينة اللجوء الداخلي او المنفى العراقي للمسيحيين وغيرهم من العراقيين الذين يبحثون عن حياة آمنة تنعم بالحرية والكرامة والامان. وحتى ايام ثقافية اخرى سيبقى كل شيء يشتاق الى عينكاوا.
#حسين_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لهجتنا العامية
-
بخدمتك
-
تسميات نقدية
-
تظاهرة في الكرادة
-
تراث المدينة المعماري الشعبي
-
ثقافة الناقد
-
الزعيم عبد الكريم قاسم والحكومة الجديدة
-
النقد والإبداع والفن والأخلاق
-
توقيع كتاب
-
لماذا الا صرار على المنفى ؟
-
صنعة الادب
-
المثقف والمواطن والسلطة
-
جمعة السينما
-
الجيل السردي
-
انتاج الثقافة
-
تعقيبات نقدية
-
غزل انتخابي
-
لعبة برلمانية
-
شناطات سور نينوى الامنية
-
اشكالية الكتاب العراقي
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|