|
علي الحمامي والقومية المغربية (*) .
الطيب آيت حمودة
الحوار المتمدن-العدد: 3255 - 2011 / 1 / 23 - 00:50
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
هذا الرجل الذي (لم يبكيه أحد )[1] ، هذا الرجل ( المفخرة المجهولة ) ، و ( الثروة الضائعة )[2] ، المعاصرُ الصديق لجهابذة زمانه من عبد الكريم الخطابي ، وشكيب أرسلان ، وعبد العزيز الثعالبي ، وهو صاحب رواية ( إدريس ) ، متقنٌ لخمس لغات أجنبية [3] متقد الفكر ، (سابق لعصره ) ، (وأنه من السخرية إذا لم تنشر آثاره على الناس.) [4] هذا الفحل الذي قال عنه البشير الإبراهيمي وهو يوارى التراب في مقبرة ( سيدي أمحمد )بالجزائر العاصمة سنة 1950، (إن هذا التابوت الموضوع بين أيديكم لا يحمل جثمان شخص؛ وإنما قطعة من الوطن الجزائري فُصلت عنه ثم ردّت إليه.. قطعة من الوطن الجزائري فصلها عنه ظلم البشر ثم ردّها إليه عدل الله )[4]. وهو الذي كان يكره الشهرة، ويأبى أن يذكر اسمه تحت مقاله، أو تنشر صورته حذو تصريح، أو ينعت بمجاهد أو زعيم (5)
**من هو (علي الحمامي 1902/1949)؟
يذكر النفزوي ( محمد ناصر) ، مترجم رائعة الحمامي ( رواية ادريس التاريخية ) ، أنه من مواليد عين الحمام [5] بولاية تيزي وزو ، سنة 1902 ، شارك إلى جانب الخطابي في ثورة الريف ، هاجر قبلها إلى بلدان كثيرة طوافا مثاقفا لأخبار الأمم ، مطلعا على تراثها ولسانها ،فأقام بفرنسا ، وروسيا ،و سويسرا ، وألمانيا ، ردحا من الزمن ، ثم طاب له المقام عند آل سعود أولا ، ثم في بغداد ثانيا لفترة أطول (10 سنوات ) ، حيث عينه أميرها فيصل مدرسا للتاريخ الإسلامي ، ذكره علال الفاسي بقوله ( عرفت من أحاديثه أنه ولد في الجزائر ، من أب ريفي ( جبلي) من جبال الحمام ، وأم سوسية ، ثم هاجر مع والده إلى المشرق وهو صغير ، حيث أقام بالأسكندرية وتعلم بمدارس الأفرنسيس )، تركها رحالا متنقلا ، وعاد إليها لنصرة محمدعبد الكريم الخطابي في جهاده التحرري للشمال الإفريقي منذ 1947 من القاهرة . وتفتحت قريحته برائعته ( ادريس ، رواية شمال إفريقيا ) باللغة الفرنسية ، ثم انتقل إلى القاهرة مناصرا لجهود عبد الكريم الخطابي في حركته الثورية ضد الإستدمار الأوربي ، والحمَّامي صاحب تجربة مغربية ، مشرقية حيث عانى من شكاوى القومين العرب من نهجه الفكري، ، ثم تجربة سوفياتية بعد خلاف مع موريس طوريز [6] عندما كان باريسيا مساهما في تأسيس نجم شمال إفريقيا ،شابه ضرب الحمًّامي له بدواة أجرحته في وجهه ، عندها عينه ستالين موظفا على الفلاحين السوفييت . استشهد إثر سقوط ا لطائرة التي كانت تقله وصحبه التونسي الحبيب ثامر ،والمراكشي أمحمد أحمد بن عبود ، وآخرين معهم ، بعد عودة من تمثيل لبلدانهم في أول مؤتمر إسلامي انعقد بباكستان في 12 ديسمبر 1949.
**رواية ( إدريس ، رواية شمال إفريقيا ).
تحصلت على الترجمة العربية للرواية بالصدفة ، وهي رواية للتاريخ المغاربي الأمازيغي في أسمي تجلياته ، قراءة من منظور محلي خالص ، تحتوي على خصوصية قوة الإحساس ، وصدق التعبير وموهبة الأداء ، وتصوير للحياة الأمازيغية بألمها وأمالها ، وما أثار فضولي للقراءة بنهم في فصولها ، هو وجود أفكار مفصلية فيها حول تميز هوية شمال إفريقيا عبر تاريخها الطويل ، مع جودة الترجمة للنفزاوي( محمد ناصر ) ، فالقاريء لا يحس في قراءته للرواية بأن العمل مترجم إلا نادرا . الرواية وإن كانت في أصلها بلغة موليير ، غرضها إفهام الغرب بخصائص الهوية المغاربية بجذورها التاريخية بقالب أدبي آخاذ ، فهي في نفس الوقت ستلعب نفس الدور مع المشارقة الذين استحوذوا على مغربنا وجعلوه عربيا قسرا وبرغبة من بعض أهاليها ، فهي جديرة بأن تكون منجما للفكر والسياسة ، ويعزو عدم انتشار صيتها إلى مناهضتها ومعاداتها المفرطة لكل الأديولوجيات السائدة آنذاك بما فيها القومية العربية والإسلامية ، فكان لسان حاله غالبا يردد ( القومية المغربية بصافائها الأصلي ، وسمتها الأمازيغية الجبلية ). *أجاد ( محمود تيمور ) الأديب المصري في قراءة الرواية ووصفها بعد أن قرأها في جويلية 1948 ، واستخراج الثمين منها بقوله ( تلك القصة تنبسط صحف من التاريخ ، وتنصقل مرآة الحاضر ، وتتجلى أحوال سياسية واجتماعية قائمة ، وتترسل روح من الوطنية تثير الأفئدة ، وتهز المشاعر ، فالكتاب - بفضل ما حواه من ذلك كله- يعد نموذجا من القصص القومي ( الأمازيغي) جدير بالتقدير والإعجاب ..... فجرى قلمه يصور حياة قومه ، ويكشف عن آلامها وخوالج نفسها في إيحاء فني قويم ...والقصة في جملتها مزاج طريف من التاريخ والسياسة والوطنية والإجتماع .... وبراعة الكاتب تتجلى في تأليف هذا المزاج وتنسيق تلك الطاقة ... فقد أحسن صاحب ( إدريس) صنعا إذ كتب قصتة بلغة غربية ( فرنسية ) تمكين قراء الغرب على حقائق أمة إسلامية فتية تنشد سلامة وكرامة [7] . *ووُفق النفزاوي( محمد ناصر) في تبيان وجهتها ( بأنها تعبير مغلف عن موقف معين من علاقة بلاد المغرب ببلاد بالمشرق قديما وعصرا وسيطا وحديثا ، ولذلك فلن يحصل ( حول القضية )إجماع لأن الخلاف هو في حقيقة الأمر بين النظرتين الإسلامية ، والتاريخية العقلانية التي يجسدها الحمامي بنظرته التاريخية المادية لها . هذا الكنز الزاخر من فكر علي الحمامي جدير بالقراءة والتحليل ، فروايته ( إدريس) شبيهة بالرواية التاريخية ( سلام) لصاحبها النقشبندي السعودي الذي صور فيها مأساة الإسلام في الأندلس مستعرضا أفكارا أثارت زوبعة من الفكر المضاد رغم الفارق الزمني بينهما ، فما قيمة إنتاج إذا لم يحرك السواكن ؟ ، ويشحذ الفكر لبلوغ انتشاء الرضى بما يقتنع به المرء في حالات الإجادة ، أو تعديل المواقف إن كان فيها زلالا لا يساير المنطق ، فجهالة الناس من ترك يقينا عنده لظن ما عند الناس . **أفكار مـتأسيدة عند علي الحمامي ( إدريس ).
لا غرو أن المؤلف تقمص شخصية ( ادريس ) ، تبركا بأحد جهابذة الجغرافية والرحلة المغربيين ( الشريف الإدريسي ) ، وفصله الأول المعنون ب( تولد GERMINAISON) فيه تفسيرات تاريخية لكثير من المواقف التي قد لا تعجب التيار العروبي الإسلامي . * فهو يرى بأن الأخير يقف عدائيا لعانا للقائدين الأمازيغيين ( آكسل ، وديهيا ) بسبب مقاومتهما للغزوات العربية ، والحال أنهما يعبران بصدق عن سجايا أصيلة ، وسمات مميزة للمجتمع الأمازيغي هما الوطنية والحرية . *أسلمة الأمازيغ واندماج الفاتحين فيهم ضمن مصير مغربي واحد ، يعبر عن تخلى العرب الوافدين عن خصوصيات الجنس العربي ، وبمثله تخلى الأمازيغ كذلك عن جزء من خصوصياتهم العرقية ، فأصبح بالإمكان قبر عبارة (بلاد البربر) ، لتحل محلها عبارة (بلاد المغرب ) ، غير أن ردة اديولوجية عروبية حولت الوئام إلى خصام ببعث أتون قومية تحتى مسمى ( المغرب العربي ) . * فالشعب المغربي عند الحمامي بأكثريته الأمازيغية وقلته العربية ، ليس هو تماما الشعب العربي ، وليس هو تماما الشعب الأمازيغي ، فقد تشكل موحدا في ظل دوله المحلية شيئا فشيئا بحضارة إسلامية مغربية وفق منظور شعب مغربي جديد اتضحت معالمه جلية في عهد دولة الموحدين . وكان الشعب الجديد جدير بحمل اسم ( البرعر ) أو (العربر) تقديما وتأخيرا ، على شاكلة إسارطين في منهج القذافي ، أو تشيوسلوفاكيا المشكلة من عنصري التشيك والسلاف . * الزواج الأمازيغي اللاّتيني فشل تحت وهم التفوق الحضاري ، وتاريخ روما القديمة في بلادنا شبيه إلى حد كبير بتاريخ الحكم الإستغلالي العربي الأول الذي قاومه الأجداد تحت يافطة ( ثورة الخوارج ) بسبب عسف دولة الخلافة في دمشق . وبقاء العرب عندنا يعني قبولهم ( التمغرب والإندماج عن طواعية وإرادة )، ورفضوا كل سياسة تلحقهم بالمشرق . * صراحة الحمامي بيّنة في دعوته إلى ( القومية المغربية ) والتي هي متماثلة لقومية الترك ،والعرب بأقسامها ، فلعله كان شديد التأثر بقومية الشام العربية المتميزة بزعامة المسيحي أنطون سعادة، فالوطنية عنده تعلو على الأديان ، لأن الوطنية خصوصية أمة ، والديانة مشكّلة من أمم ، فهو يقسم الأمازيغ إلى قسمين ، قسم إدماجي مارق لا وطني من أشهر نماذجهم ، يوبا الثاني ، وسانت أوغسطين ، وقسم وطني محارب للإمعية والإدماج والذوبان في الوافد القوي أوالتماهي معه ، من أشهر نماذجهم يوغرطة ودونات ، فسمة المغربي هي رفض أي سياسة إلحاقية سواء أكانت شرقية أم غربية ، فصفاته المغربية المميزة تفرده عن الأمم الأخرى من عرب وفرس وترك . **هذه بعض من الإشارات لفكر الرجل التي أبرزها في روايته ( إدريس ) ,هي أفكار صاغها عن دراية وتبصر وطول معاناة من حله وترحاله ومخالطة مفكري زمانه ، فطوبى لمن قرأ الرواية وتمعن في فكرها ، لعله سيجد مزيدا من الدرر من خلال علائق المغرب بالمشرق والغرب منذ القديم إلى منتصف القرن العشرين ، وسيكتشف الخيط الرفيع بين الماضي والحاضر ، ويتبن أن الرجل سبق زمانه فعلا بدعوته القومية التي ترجم بعضا منها ( قبل روايته ) من خلال مشاركته في تأسيس نجم شمال إفريقيا ، الذي شبهوه بطائر محلق جسمه الجزائر وجناحاه تونس والمغرب ، ولعل في مصيره المفجع، ومصير شقيقيه أمحمد أحمد بن عبود ، والحبيب ثامر المغربيين في سماء باكستان خدمة للإسلام ، ما يشير إلى رغبة إلهية في تلاحم المغرب الكبير كوحدة متميزة قائمة بذاتها بخصائصها وخصوصياتها . -=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-= (*) (المغربية والمغرب مقصودها يعني شمال إفريقيا تونس ،والجزائر، ومراكش ويضاف إليها فيما بعد ليبياوموريطانيا ، وحتى الصحراء الغربية ) [1] ، [2] محي الدين القليبي ،- البصائر. ع. 100، في 26 / 12 / 1949. [3] الفرنسية، الإيطالية، الإسبانية، الألمانية والتركية، [4]عبد المجيد بن جلون ، البصائر ع. 107. في 13 / 2 / 1950 . [5] ورد في البصائر. ع. 100. [5] ومنه نسبته للمكان الذي ولد فيه علي الحمامي ( عين الحمام ) بجبال جرجرة ، والمسألة فيها خلاف . [6] موريس طوريز ، mourice THOREZ ، الأمين العام لللحزب الشيوعي الفرنسي 1930. [7] مقتطفات من تقديم الكتاب للأديب المصري (محمود تيمور ) مؤرخ في 29/07/01948.
#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من يريد إجهاض ثورة تونس ؟
-
دستور الجزائر 1963 ، من منظور أول رئيس للمجلس التأسيسي الجزا
...
-
ثورة يناير بتونس ... دروس وعبر .
-
عبد الرحمن اللهبي ، الهلاليون وانتفاضة شعب تونس ... وأشياء أ
...
-
انتفاضة تونس في طريقها إلى التتويج .
-
الشباب الجزائري ..... وظاهرة الهدم الذاتي .
-
الجزائر تحترق ، والشعب يختنق ، وقادتها ساكتون .
-
العروبة والإسلام ...تكامل أم تنافر ؟ (2/2)
-
العروبة والإسلام ...تكامل أم تنافر ؟ (1/2)
-
ألفة يوسف .... وحيرة مسلمة .
-
السبي في الإسلام ...رذيلة منكرة ( ردود وحدود).
-
السبي في الإسلام ... رذيلة منكرة .
-
هوية الأمازيغ ،التأصيل والتشريق .
-
جودا ، أكبر (الإستهجان والإستحسان).
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ( أرقام ودلائل )
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، ( الغزوة الثامنة، 85 للهجرة) .
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة السابعة، 74 للهجرة)
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة السادسة ، 69 للهجرة)
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة الخامسة ، 62 للهجرة)
-
الغزو العربي للشمال الإفريقي ( الغزوة الرابعة55 للهجرة )
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|