أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - محمد بودواهي - الثورة التونسية ، تداعيات ، نتائج وطموحات















المزيد.....

الثورة التونسية ، تداعيات ، نتائج وطموحات


محمد بودواهي

الحوار المتمدن-العدد: 3254 - 2011 / 1 / 22 - 18:34
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لقد رأى العالم كله كيف بعثرت الجماهير التونسية كل التكهنات والدراسات والاستقراءات السياسية والاجتماعية والمخابراتية التي تقوم بها مؤسسات متخصصة في رصد وتحليل ودراسة كل الحركات المجتمعية وكل التحركات التي من شأنها فرض مطالب مادية واجتماعية أو إصلاحات سياسية أو دستورية أو حتى زعزعة أركان النظام السياسي القائم أو إسقاطه
لقد كانت الدولة التونسية دولة أمنية بامتياز حيث كانت التقارير السنوية التي تصدرها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والمنظمات الحقوقية الدولية كمنظمة العفو الدولية والمنظمة العالمية لحقوق الإنسان وهيومن رايتس ووتش وصحافة بلا حدود وغيرها ، كانت تصنف تونس من الدول العربية الأولى التي تصادر الحريات وتنتهك حقوق الإنسان وتمنع الأحزاب السياسية المعارضة من التنظيم والعمل الشرعيين ، وتضيق الخناق على العمل النقابي والحقوقي والجمعوي ، وتتدخل في شؤون الصحافة والقضاء حيث كانت الصحافة كلها تقريبا تابعة للدولة وللحزب الحاكم تمجد أعمالها ولا تغطي سوى تحركات الرئيس وطاقمه الحكومي والوزاري وأنشطتهم الرسمية وسفرياتهم ، وممارسة الدعاية لما يسمى بالإنجازات الاجتماعية والتطور الاقتصادي والنهضة الحداثية التي تعرفها البلاد ، وحيث كان القضاء يتميز بتبعيته المطلقة لوزارة الداخلية ويعمل وفقا لأوامرها وتوصياتها ويستعمل كأداة لتصفية الحسابات مع المعارضين السياسيين والنقابيين والحقوقيين حيث تفبرك لهم المحاكمات وتلفق لهم التهم ليتم الزج بهم في السجون والمعتقلات
لقد كانت تونس بالنسبة للعديد من الدول الغربية والمتتبعين المتخصصين ومؤسسات الرصد السياسي الدولية بعيدة عن أن تكون دولة مؤهلة لإحداث التغيير السياسي والاجتماعي حتى ولو كان إصلاحيا ومحدودا . فلقد كانت كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية توحي بالستقرار الاجتماعي ، وبأن الوضع العام لا يعاني من أي خلل يمكن أن يساهم بهذا الحد أو ذاك في خلق احتقان شعبي وتوتر اجتماعي باستثناء تلك الانتقادات المألوفة التي كانت تخص الوضع السياسي المتشنج والسلطوية المفرطة والانحباس الحاد الناتج عن تكميم الأفواه ، والتي كثيرا ماتناولتها - إلى حد الملل - كل المنابر الإعلامية الدولية والإقليمية ، والتي ما لبث النظام المتعفن يصم آذانه لعدم سماعها ، والتي ما فتئت تنبه لخطورتها المحدقة كل المنظمات الحقوقية الدولية التي كانت تستشعر النظام بضرورة الانفتاح السياسي وعدم التهور وركوب حماقة الاستبداد والطغيان إلى مداه الأبعد ، واستصغار كل المؤشرات التي كانت تعطي إشارات واضحة لتعاظم السخط الجماهيري وتوسع دائرة الناقمين على التوجه السلطوي للحكم والذي ما فتئ يضيق الخناق أكثر فأكثر على رقبة المواطنين والهيئات
لقد رأى العالم كله كيف انهارت الدولة البوليسية في تونس في لحظات متسارعة في الوقت الذي كان فيه الجميع - بما فيها فرنسا صاحبة التيرمومتر المخابراتي الدقيق ومؤسساتها المتطورة في الرصد المجتمعي - يعتبرها في منأى عن أية أحداث أواضطرابات ذات الحجم الجماهيري الواسع والمنظم التي باستطاعتها إحداث ثورة شعبية عارمة تأتي على النظام وتهز كل أركانه من الجدور ، بل كانت كل التقديرات لا تتجاوز في رؤيتها تلك المظاهر السطحية التي يبدو عليها هدوء الشارع التونسي لمدة أكثر من 20 سنة من حكم الطاغية حيث كان أقصى ما يمكن أن يتبلور على مستوى المواقف والقرارات النضالية إضراب قطاعي معين لا يمكن أن يصل تأثيره إلى مابعد حدوده المطلبية والجغرافية كما وقع في إضراب الحوض المنجمي الذي سرعان ماتم الالتفاف عليه ، أو حتى بعض التململات الاحتجاجية لمجموعة صغيرة من الشباب المندفعين المتحمسين الذين غالبا ما كانت مطالبهم لا تتعدى سقف المطالب البسيطة المتعلقة بنظافة المجال ومسائلة رئيس بلدية معين أو حتى برحيل مسؤول أمني تجاوز حدود اللباقة في التعامل مع وقفة أو اعتصام احتجاجي بسيط
لقد كان الهدوء هو السمة المألوفة في الوضع التونسي العام إلى أن جاء التسونامي المدمر فانفجر دفعة واحدة محدثا عدة هزات اجتماعية انطلقت أولها في مدينة سيدي بوزيد الصغيرة بعد أن أقدم الشاب العاطل البوعزيزي على إحراق نفسه احتجاجا على البطالة المقتعة التي كان يكتفي بها للحصول على رزق يعيل به عائلته والتي لم تكن السلطة قابلة حتى على ضمانه كحد أدنى وكمصدرعيش بسيط ، مما جعل المدينة الصغيرة تتنتفض في احتجاجات عارمة سرعان ما انتقلت إلى المدن المجاورة لتعمم بعد ذلك على كل تونس ولتشتعل الثورة كما تشتعل النار في الهشيم ، ولتطيح في آخر المطاف برأس هرم النظام وهروبه إلى السعودية بعد أن رفضته مالطا وفرنسا الحليفة
فرنسا ومعها كل العالم تفاجأوا بالخطوات المتسارعة التي عرفتها الأحداث والتي لم تنفع معها كل المسكنات التي كان يقدمها الرئيس الديكتاتوري المخلوع لتهدئة الأوضاع وامتصاص الغضب المتصاعد في الشارع والتي انتهت بالرحيل المفاجئ والانسحاب النهائي من الحياة السياسية التونسية ومن حياة التونسيين الذين عانوا الأمرين من نظامه الديكتاتوري الفاشستي تاركا وراءه منظومة سلطوية متكاملة تتوزع بين أجهزة بوليسية ومخابراتية نشطة ، ومؤسسة تشريعية فاسدة ومتعفنة متحفظة مما يجري ، ورجال دولة متمرسين على نهج الديماغوجية السياسية وأساليب المناورة والتحايل متشبتين بزمام السلطة ومصممين العزم على تقزيم الثورة وتصريف الأزمة المجتمعية بأقل قدر من التنازلات وتقطيرها قطرة قطرة متعمدين الإطالة والتمييع و اجترار الأزمة وتقديم أرباع وأنصاف الحلول في انتظار تكسير الزخم الثوري للشارع وإصابته بالعياء والملل وبالتالي الانسحاب شيئا فشيئا إلى أن يندثر ، مستغلين في ذلك غياب البديل السياسي الناضج وشتات أحزاب المعارضة اليسارية وعدم أهليتها في التقاط الحدث في وقته المناسب وتدبيره التدبير الصحيح لانتشال الشعب من دوامة الخوف عن مستقبل الثورة ومصيرها المجهول وطمأنته عليها وعلى أنها وصلت إلى الهدف المنشود وبالتالي لا خوف عليها ولا هم يحزنون
إن ما يمكن أن يطمئن الشعب التونسي عن مصير ثورته المجيدة هو العمل من قبل كل القوى الحية التونسية ذات الماضي النظيف على تشكيل حكومة وطنية مؤقتة لا وجود فيها لرجالات النظام السابق ، تشرف على تنظيم انتخابات شفافة حرة ونزيهة ينبثق من صلبها مجلس تأسيسي يعمل على سن دستور جديد يوفر كل الضمانات لتأسيس جمهورية شعبية ديموقراطية تكرس سيادة الشعب وتضمن فعليا قيم الديموقراطية والحرية والكرامة لكل المواطنين وتحترم حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا ، وتوفر الشغل والعدالة الاجتماعية وكل مقومات الحياة الكريمة لكافة شرائح المجتمع وتنهج سياسة اقتصادية واجتماعية شعبية ووطنية غير تابعة للدوائر الامبريالية الغربية ، وتقضي على كل مظاهر الرشوة والغش والمحسوبية والفساد ولا تميز بين الجهات والمناطق المختلفة للبلاد وتعمل على تنمية كل المنطق الهشة التي كانت مقصية في المرحلة السابقة ، وتعمل على انتزاع كل ما تم نهبه من أملاك الشعب والمال العام من طرف مافيا النظام البائد وتقديم كل المتورطين إلى العدالة
وإنها لثورة مستمرة حتى النصر



#محمد_بودواهي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حتى لا يتم الالتفاف على الثورة التونسية المجيدة
- الأصًوليون الإسلامويون ( تكتيك ومشروع حكم)
- حول التوصيات الختامية للجنة الأممية ... حالة المغرب
- منتدى اليسار بإفريقيا
- الدولة المدنية و الرهان الصعب
- الحلم الاشتراكي
- رد على مقال السيد طلعت : تاريخ العلمانية
- رد على مقال السيد مدبولي : هاجم وانتقد....
- الحركات الاجتماعية واليسار أية علاقة ؟
- النظام الفدرالي وبناء صرح الديموقراطية
- الفشل المنتظر
- الإسلام السياسي مصائب ومآسي
- بعض أوجه الخلاف بين الديموقراطية والشورى
- اوربا وتطور النزعة الإنسانية
- الإيجابيات المزعومة للعولمة وسياسة التضليل
- مصر والجزائر رياضة وإعلام
- الحوار المتمدن منبر كل المحاصرين
- الدولة غير العلمانية وسياسة الإجحاف الديني
- الإنماء الاقتصادي رهين بالإنماء الثقافي
- الإقصاء والتمييز الهوياتي و سياسة التخلف


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - محمد بودواهي - الثورة التونسية ، تداعيات ، نتائج وطموحات