|
شرف المهنة
جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3253 - 2011 / 1 / 21 - 23:06
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
أحياناً أرقص غصب عني كما قال الفنان المطرب (محمد منير) في فيلم (المصير) ليوسف شاهين ودائما ما أجد للرقص معاني كثيرة وأهمها أن للرقص معاني دينية فالرقص يزيل الاكتئاب وبما أنني أعيش في مدينة متخلفة ووطن رجعي فإنني لا أجد ولا أي نادي أو كابريه لأرقص به وأنا أحاول تفريغ ما بداخلي من حزن وصخب وذلك حين يجنُ الليل علينا جميعا بشبحه وظله الأسود وشئنا أم أبينا يبقى الرقص تعبيرا عن الحزن والألم والفرح والانبساط وهو أصل القواعد الحركية للصلاة أو للحركات الدينية أثناء الصلاة ومن منّا لم يشعر أو لا يشعر أحياناً أنه بحاجة للرقص حتى الحيوانات تتواصل فيما بينها بالتعبير عمّا تريده من خلال الرقص أي من خلال تأدية بعض الحركات وخصوصا حين يريد الذكور إيصال رسالة للإناث فإنهم يعبرون عّما يريدونه من خلال مد اليدين والانبطاح على الأرض واستعراض حركات الخصر والقدمين من أجل التعبير عن رغبة جنسية أو طرح مبادرة للعب وكذلك الإنسان البدائي كان يعبرُ عن رغباته من خلال الرقص وكان يرقص أحياناً أمام أعدائه من أجل استعراض القوة وهو ما يعرف اليوم باسم الاستعراض العسكري للجنود وإن أولَ من مارس الرقص في تاريخ الفنون والأديان هم الكُهان في المعابد الدينية وكان الرقص في بدايته عبارة عن حركات يؤديها العابد أو الكاهن أو الكاهنة أمام الإله أو الآلهة وكان الكاهن أو الكاهنة تستخدم يدها وأرجلها وخصرها لكي تشكل منهما رسالة رمزية تحاكي فيها الإله أو الآلهة وكان الكُهان والكاهنات يلتحم أحدهم بالآخر التحاما جنسيا بأسلوب عاطفي لكي يعبروا للإله أو للآلهة عمّا يريدونه وهو ما يعرف باسم (حركات السحر التشاكلي) وكانت تلك الحركات عبارة عن رسالة من البشر إلى الإله أو الآلهة, ولم يكن الرقص يُمارس خارج المعابد الدينية إطلاقا وذلك للمحافظة على شرف المهنة إلا عندما طرد الذكور النساء من المعابد نظرا للدورة الشهرية التي تأت المرأة فقد بدأ الرجال سنة 2000ق.م. تقريبا بطرد النساء الكاهنات من المعابد الدينية تدريجياً بدءً من منع المرأة من دخول المعابد والدورة الشهرية عليها انتهاء بمنع المرأة من دخول المعابد سواء أتتها الدورة الشهرية أو لم تأتها وبالتالي تمت عملية حرمان الإناث في الفصل النهائي الأخير المحزن من تاريخ حكم النساء من الرقص أمام الآلهة فتوجهن للحقول الزراعية وللأشجار وللبيوت للرقص كتعبير منهن عن ذواتهن أمام الناس ليقلن بأن الرجال قد أساءوا للمرأة الفنانة الإلهية وفي هذه المرة لم تعد المرأة توصل للإله والآلهة ما تريده من خلال الرقص بل أصبحت ترسل برسائلها إلى الذكور وبقي الذكور في المعابد الدينية يرقصون لوحدهم ويعبرون عن ذواتهم لوحدهم ويصفقون لبعضهم البعض في المعابد كونهم الوحيدون الذين ما زالوا محافظين على شرف المهنة, وفي البداية كان من الممكن أن تبقى المرأة ترقص أمام الإله قبل أن تبلغ السن القانوني وإذا سألنا ما هو السن القانوني للمرأة وكيف كانوا يحددونه؟ نقول: بأن المرأة التي كانت تأتيها الدورة الشهرية كانوا فورا يخرجونها من المعبد باعتبار أنها قد أصبحت نجسة أو بالغة لذلك تراكمت على المدى البعيد راقصات كثيرات كعاطلات عن العمل وقد ساهمن تلك الراقصات في إثراء الحركة الفنية في المجتمعات الزراعية البدائية وبسبب انتشار الرقص خارج المعبد تشكلت متاجر أو دكاكين رقص للنساء, وبحلول الألفية الأولى قبل الميلاد كانت تقريبا كل المعابد خالية وممشطة من الراقصات وبنهاية الألفية الأولى غادر الرجال الرقص في المعابد أمام الآلهة لينضم الراقصون لوحدهم كفئة غريبة عن الدين وبالتالي أصبح الرقص مهنة بلا شرف وبقيت المجتمعات على هذا الحال حتى ظهرت النقابات المهنية والفنية والثقافية وتم تصنيف الراقصات والراقصين كفنانين محترمين لهم سمعة طيبة ومهنة شريفة يحافظ الجميع على شرفها وأصبح الرقص علما ومنهجا له أصوله وتداعياته.
وكثيرون وكثيرات هن الراقصات اللواتي تركن الرقص واتجهن للعبادة الدينية بلا رقص في قصصٍ كثيرة نعرفها باسم (الاعتزال) ولم نسمع طوال حياتنا عن صحفية أو كاتبة مقالة أو معدة برامج تركت مهنة الصحافة والكتابة لتمتهن مهنة الرقص فتستبدل قلمها بفستان يليق بقيمتها كراقصة أمام الرجال الذين يسرقون الأنظار ليتلصصوا على جسمها الجميل, طبعاً مستحيل هذا الكلام أن يحدث ولكنه حدث فعلا حين منعت وزارة الداخلية المصرية الصحفية (وفاء) من الكتابة في الصحف المصرية فأرادت الصحفية (وفاء) أن تعبر عن قمع السلطة لها عن طريق الرقص أو تأدية حركات تقول فيها (هذا ما فعله بي القمع والفساد) فالتجأت إلى فندق خمس نجوم في القاهرة لترقص هنالك رقصتها المثيرة وهي بهذا عبرت للمجتمع وللناس عن الذي فعلته السلطة المصرية بها ومن هذا المنطلق عاد الرقص ليكون رسالة فنية خالدة يؤدي فيها الراقص حركات فنية بيديه وأرجله وخصره للتأكيد على الذي يريد أن يقوله في عملية الرقص ومنذ لبست وفاء فستان الرقص أصبح لها اسما جميلاً وهو (الراقصة فيفي) بدل الكاتبة (وفاء).
وأنا شخصياً أتمنى لو يقبلني أي فندق كراقص لأقول من خلال حركة الخصر واليدين بأن النظام الأردني الحاكم ظلمني ظلما شنيعا وأتمنى أن يصبح اسمي مكتوب على (مانشيت عريض) هكذا (الراقص جيجي) وأنا أعتبر الرقص مهنة شريفة وأعتبرها تفريغ عن حالة الفرح والحزن فالذين مارسوا الرقص في البداية أمام الآلهة كانوا يعبرون للآلهة عن حزنهم وعن فرحهم وأحيانا عن شكرهم للآلهة أي أن الرقص صلاة كان يقوم فيها المؤمنون بالله وكانوا يفرغون شحناتهم المكبوتة وأوجاعهم وفي كثير من الأحيان أُغلق الباب على نفسي لأرقص وأدبك أحيانا مع أولادي حتى أهلكُ من كثرة الهز والنط واللف والتشويح باليدين وأكون في النهاية قد حققتُ مرادي وأديت رسالتي وهي أنني أريد تفريغ أوجاعي وأحزاني بالهز وبالنط وبالدبك(الدبج) ولكنني لن أستطيع أن أجعل الناس يفرغون أحزانهم من منظري وأنا أرقص لأن منظري وخصري وصدري ليسوا بمثيرين للناس وللذكور وللإناث ولا يمكن أن يكون اسم (جيجي) جذابا ذلك أن منظر قدمي وساقي التي يطلع عليهن الشَعرْ مثل منظر حافة النهر التي يطلع عليها العشب لا يمكن أن تكون مثيرة أو مشجعة لي على الرقص وبما أنني لا أملك صدرا جميلا فإنني سألجأ في نهاية المطاف للرقص إما مع الكلاب وإما مع الذئاب أو الضباع , وَلَكم شاهدت أفلاما سينمائية تحمل عناوين مثل (الرقص مع الذئاب) أو (الراقص مع الذئاب ) أو الرقص مع البجعة أو (رقصة البجعة ) أو رقصة (الدب القطبي) أو (رقصة أفعى الكوبرا) أو رقصة الأفعى المجلجلة أو الرقصة والدبكة الشعبية.
وأول من جعل في مصر للرقص قيمة فنية وشخصية محترمة هي الراقصة(بديعه مصابني) التركية الأصل واللبنانية المنشأ التي تعرضت وهي في سن ال7-8 سنوات لجريمة اغتصاب واتخذت الرقص وسيلة للتعبير فيها عن نفسها وعن الظلم الذي تعرضت له وكان الرقص في حياة بديعه مابني فنا تعبيريا أكثر منه حركة خلاعية وكان الكازينو الخاص بها يعتبر مدرسة في الفن والرقص التعبيري وقد برز في شارع عماد الدين الكبريه الخاص بها كعلامة مسجلة وكأكاديمية لتعليم الفن وخصوصا أن في شارع عماد الدين كثيرٌ من الملاهي ولكن كانت تراه ديعه مصابني بأنه لا يحافظ على شرف المهنه وأكبر دليل أن بديعه مصابني حافظت على شرف المهنة هو أن أكبر نجوم الفن والمسرح والسينما كانوا قد بدأوا حياتهم في ملهاها الليلي وتعرف عليها زوجها الأول (نجيب الريحاني) حين سمعها تغني طقطوقة(أبو الكشاكش كان جرالك إيه يا هالترى)وهي خاصة به وقدمت بديعة مصابني الراقصة العظيمة (تحيه كاريوكا) وكانت تحيه كاريوكا بطلة ومناضلة شيوعية تعرضت للاعتقال وللسجن عدة مرات وكانت تحيه كاريوكا تُعبر بالرقص كما يعبر الكاتب عن رأيه بالكلمات فكله فن ولا يوجد فرق بين الذي يعبر عن رأيه باستخدام ريشة الألوان أو من خلال استخدام ريشة الرسم بالكلمات حروفا ولا يوجد لا بين هذا ولا بين ذاك فرق ولا حتى بين الذي أو التي تعبر عن رأيها بالرقص أو بالغناء فكله رسائل تصل تقريبا من المُرسل إلى المُرسَلْ له وكانت تحيه كاريوكا أول وآخر مرة عربية في التاريخ تظهر لترقص بأسلوب سياسي للفقراء وتتلمذت على يدين بديعه مصابني (ساميه جمال) وتخرج في معهد أو كابريه بديعه مصابني إسماعيل ياسين وفريد الأطرش الذي قدم عندها وغنى أول طقطوقه له وهي (يا ريتني طير أطير حواليه).
وأنهت بديعه مصابني حياتها في لبنان (اشتوره) بعد أن صادرت الثورة الناصرية ما جمعته من أموال حيث أنشأت هنالك مزرعة لتربية الأبقار والماعز وعاشت باقي حياتها وهي تبيع الزبدة واللبن والشنينه وفي سيرتها الذاتية التي ادرسها (إدوارد سعيد) وبالمناسبة كانت وما زالت بديعه مصابني الراقصة الوحيدة التي عاملها مفكر كبير كما يعامل الفلاسفة والأدباء الكبار حيث أفرد عنها كتابا شاملا عن حياتها كفنانة نهضوية-واعتبرها رمزا من رموز التغير الثقافي- والمهم أن بديعة مصابني قالت لفتاة تريد أن تتعلم الرقص (لا تتعلمي الرقص لأن مهنة الرقص لم يعد أحد يحافظ على شرفها كمهنة) وهي تقصد بذلك بأن نظرة المجتمع للراقصة نظرة ازدواجية أي أن الناس يستمتعون بمنظر هز الراقصة ومنظر جسمها وهو يتعرى وبنفس الوقت يبصقون عليها كراقصة ويطردونها من بيوتهم الشريفة على اعتبار أن الراقصة مخلوق مشخصاتي غير محترمة وأن النهاية قد عادت للبداية حين طرد الذكور من المعابد والهياكل النساء العابدات والراقصات أمام الآلهة وهذي هي النهاية تُطرد المرأة الراقصة أو الفنانة والكاتبة والمبدعة وتُمنع بقرار من وزارة الداخلية بمنع الصحفية من الكتابة والنشر لذلك تتجه وفاء (فيفي) إلى الرقص لتقول رسالتها الخاصة كما كانت تقولها بديعة مصابني والتي هي أول من اخترع الرقص بالشمعدان وهو والكاز على رأسها إذا في أي غلطة تحترق من رأسها إلى رقبتها, إن للرقص معاني كانت في البداية دينية وفي النهاية معاني تعبيرية عن تفريغ طاقات الحزن والفرح.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عُقدة التفوق
-
الخطية
-
من أجل كيلو طحين
-
سياسة الرفع
-
الاختبار الصعب
-
هل أحرق نفسي؟
-
انتفاضة البسطات
-
وأنا المسئول
-
الكرسي المسحور
-
الصورة الحقيقية
-
أحلامي في اليقظة
-
قصة حب بوليسية
-
باب داري
-
العدس لحم الفقراء
-
كيف تريدون ذبحي؟
-
الأموات يحكمون الأحياء
-
لو أداة تمني
-
الصحافة تلعب دور البوليس
-
في العام الماضي
-
واو القسم
المزيد.....
-
جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
-
رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر …
...
-
دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
-
السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و
...
-
دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف
...
-
كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني
...
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
تتصرف ازاي لو مارست ج-نس غير محمي؟
-
-مخدر الاغتصاب- في مصر.. معلومات مبسطة ونصيحة
-
اعترف باغتصاب زوجته.. المرافعات متواصلة في قضية جيزيل بيليكو
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|