|
تونس.. هل نجرؤ على أن نأمل!؟
عبدالوهاب حميد رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 3253 - 2011 / 1 / 21 - 11:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل بضع سنوات، قدّم كل من Ronald Inglehart و Pippa Norris- وهما من العلماء الأمريكان السياسيين البارزين- مناقشة مثيرة، تمثلت في أن الفجوة الحضارية بين المسلمين والغرب لا تتعلق بقضية الديمقراطية، بل ترتبط بالجنس. فقد وجدا أن المسألة عندما تأتي للديمقراطية، يصبح التباين هامشياً، مقارنة بالخلاف الفاصل بين الطرفين فيما يخص المثلية والجنوسية homosexuality and gender. ففي دراستهما المسحية الميدانية اكتشفا أن دعم المسلمين للديمقراطية تحقق بنسبة 87% مقارنة بـ 86% في الغرب. وعلى نحو مماثل، فقبل أكثر من سنتين قليلاً، أجرت مؤسسة Gallup استطلاعاً مماثلاً، ووجدت أن نسبة تأييد الديمقراطية في بلدان إسلامية: إيران، مصر، أندنوسيا، تجاوزت 90%. ومع أني (كاتب المقالة) طالما دعوت للديمقراطية في المجتمعات الإسلامية ودعمت المناقشات النظرية في سياق التوافق بين الإسلام والديمقراطية، فقد لاحظتُ أن هذه الإحصاءات محبطة. ذلك إذا كانت هناك هذه الكثرة ممن يهتمون بالديمقراطية، إذن لماذا لم تفعل شيئاً حيال بناء الديمقراطية في الواقع العملي؟ الآن، الجماهير الإسلامية تقدم الجواب تدريجياً حيال هذا السؤال. ثورة الأرز في لبنان (2005)، تمرد المحامين والقضاة في باكستان (2007)، الثورة الخضراء في إيران (2009)، والانتفاضة الحالية في تونس، تُقدّم الأجوبة على هذا السؤال. لماذا لا يفعل المسلمون شيئاً حيال العجز الديمقراطي في عالمهم؟ استمرار الاحتجاجات الأخيرة في تونس، بعد أن أطلق شرارتها انتحار عالم الكومبيوتر محمد ألبو عزيز، الإحباط الناجم عن البطالة (قُدِّرت بـ 40%)، وغياب الفرص الاقتصادية، قادت كلها إلى انهيار أحد أكثر الأنظمة البوليسية في العالم العربي. بن علي استمر في السلطة منذ العام 1987، وغادر تونس أخيراً إلى السعودية. انهيار نظام بن علي، أشعل مخيلة الشارع العربي. الناس في تونس لديهم الأمل بانبثاق الديمقراطية في بلدهم، وسيكون لها تأثيرها البالغ على بقية العالم العربي، بل وحتى خارج العالم العربي. هل لنا أن نجرؤ بأن هذا الأمل سيتحقق؟ يحدوني الأمل والتمني، ولكن الشكوك أيضاً. كنت في مصر أثناء الثورة الخضراء في إيران، ورأيت المصريين يتمنون حدوث مثل هذه الثورة عندهم. وكانت أُمنيات الشباب أن ترتفع عندهم كذلك أصوات المصريين ضد دكتاتورية مبارك، لكن الثورة الخضراء الإيرانية لم تُلهم الشباب المصري الغيور تحويل رغباتهم المكبوتة إلى مضاهاة الإيرانيين بالفعل وتحريك الشارع.. (ربما لأن الدكتاتورية المصرية المؤيدة من الإمبريالية العالمية كانت أكثر استعداداً للتصفيات).. ربما أُلهم التونسيون عندما أطلق محمد ألبوعزيز الشرارة فخرجوا إلى الشوارع. يُردد الشباب المصري في القاهرة اليوم: "يا زين العابدين بن علي، أخبر مبارك أن لدينا أيضاً طائرة تنتظر مغادرته".. سنعرف قريباً ما إذا كانت الرغبة في التغيير يمكن أن تكون مُعدية contagious. إذا ما قادت الحركة التونسية خلال سنة أو سنتين إلى اتخاذ خطوات إيجابية كبيرة نحو الديمقراطية الحقيقية والإصلاحات الاقتصادية، فسوف تصبح بالتأكيد رمزاً ومنارة للتغيير في العالم العربي. ما حصل فعلاً هو مغادرة شخص واحد. ومجرد رحيله لا يخلق فرص العمل، ولن تكون هذه المغادرة في ذاتها عامل تغيير، ذلك أن البنية التحتية التى استمرت 23 عاماً وقامت عليها الدكتاتورية.. لا تزال قائمة في مكانها.. فما لم يتم تفكيكها واستبدالها، فلا شيء يمنع من أن نرى ظهور دكتاتور جديد يحكم تونس على مدى العقدين المقبلين. مثل هذا السيناريو حدث وتكرر مرات عديد في العالم العربي.. (بل كانت دائما هي الحصيلة الواقعية لكل الثورات والانقلابات في هذا الجزء من العالم بغض النظر عن النوايا والطروحات).. لغايته، الحركة التونسية لم تعبر باتجاه الدخول في مرحلة الثورة.. إنها انتفاضة عفوية في غياب قيادة متماسكة أو حتى رؤية وأهداف مقصودة. إنها انعكاس لمستوى الإحباط الذي خلق صراخاً جماعياً في وضع لا يمكن الدفاع عنه.. نحن نفترض ونأمل أن يتحول هذا الصراخ الجماعي إلى الديمقراطية وظهور قيادة جديدة قادرة على اتخاذ تدابير الإغاثة الاقتصادية القصيرة الأجل لصالح الشباب المحاصر في تونس في ظل البطالة والإحباطات التي يُعانون منها وباتجاه خلق الظروف المناسبة لخلق الشعور العام بسلامة مسيرة حصيلة الحركة. أشعر، إذا لم تتحقق الأمور التالية، وفي تتابع سريع، فقد نشهد فرصة ضائعة أخرى في العالم العربي: 1- ينبغي أن تتقدم القيادة المؤيدة للديمقراطية لأخذ زمام الانتفاضة وضمان السير قُدُماً على طريق إحداث تغييرات شاملة ورعايتها بُغية منع الفوضى والتوجيه الخاطئ للطاقة العامة. 2- إجراء انتخابات حرّة ونزيهة في أقرب وقت ممكن لضمان تيسير انتقال القيادة من الموالين لـ بن علي إلى المؤيدين للتغيير. 3- مسودة دستور جديد يكرس الرقابة والموازنة checks and balances في سياق ضمان سير العملية الديمقراطية بديلاً عن الدستور الحالي الذي سهّل قيام واستمرارية الديكتاتورية على مدى 23 عاماً. 4- الحاجة إلى بروز بعض المنظمات الأهلية/ غير الحكومية NGOالقادرة على المبادرة لإجراء حوارات وطنية لتسهيل خلق الوضوح لرؤية تونس الجديدة، وما يجمع عليه الرأي العام من أهداف للمرحلة الجديدة. 5- على مدى عقود، مارس بن علي القمع ضد الأسلاميين. لا يمكن لتونس أن تكون ديمقراطية ومنفتحة دون مشاركة الإسلاميين. لحسن الحظ، الإسلاميين التونسيين أمثال المنفي رشيد الغنوشي Raschid Al Ghannoushiيتصفون بتأييد الديمقراطية والاستعداد لتقاسم السلطة مع الليبراليين والعلمانيين. ولدى الطرفين معاً فرصة لتقديم نموذج للديمقراطية العربية. التونسيون يعيشون لحظة هامة في تاريخهم. لديهم الفرصة للسير قُدماً نحو مستقبل يُشكل نموذجاً لأقرانهم.. أتمنى لهم التوفيق والنجاح باتجاه بلوغهم الخيارات الصحيحة. لقد بادروا بالتضحيات، وهذا وقت ضمان الحفاظ عليها والتأكيد على عدم السماح بهدرها. المسلمون ودعاة الديمقراطية في كل مكان يأملون ترسيخ وتجذير الديمقراطية في تونس. مممممـمـمـمممممممممممممممـ Tunisia! Can we dare to hope?, By Dr. Muqtedar Khan,aljazeera magazine.com, 20/01/2011. -- Dr. Muqtedar Khan is Associate Professor at the University of Delaware and a Fellow of the Institute for Social Policy and Understanding. His website is http://www.ijtihad.org. Source: Middle East Online.
#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأنظمة العربية على حافة الهاوية
-
العراق ينزف يومياً
-
حرب العراق.. التشوهات الخلقية لغبار اليورانيوم المنضب مقارنة
...
-
المواطنون العراقيون المسيحيون
-
هل يتجه العراق -المُحَرّر- نحو -الإسلام- المتشدد؟
-
إسرائيل وأنظمة الخليج.. تُدير دبلوماسية سرية
-
مصر.. أيام صعبة قادمة..
-
المشاكل العراقية تطرد اللاجئين العائدين
-
الجنون الأمريكي والفقر العالمي
-
الكارثة البيئية الأمريكية- الإيرانية في العراق
-
العراق يواجه مأساة انقراض مواطنيه المسيحيين
-
العراق.. مآسي اللجوء واليورانيوم المنضب
-
جرائم الاختطاف.. الانتقام القبلي.. قلبت حياة المرأة العراقية
...
-
المسيحيون واللاجئون العراقيون
-
ديمقراطية خادعة.. في شرق أوسط راكدة
-
العراقيون غاضبون من الرواتب السخيّة لأعضاء البرلمان
-
العراق وأفغانستان.. أكثر دول العالم فساداً..
-
الاحتلال والسرطان
-
رئيس وزراء حكومة الاحتلال في بغداد يُدير شخصياً فريق سري مُس
...
-
عودة اللاجئين العراقيين.. وظروف معيشة اللاجئين المسيحيين..
المزيد.....
-
عزلة وخبز مهلوس.. صور لجزيرة في إيطاليا لا يعيش فيها سوى 100
...
-
زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب بحيرة البايكال الروسية
-
فولودين: محاولة اغتيال بوتين جريمة خطيرة والتفكير بها سبب لح
...
-
الزعيم الكوري الشمالي يدعو لتعزيز ترسانة بلاده النووية
-
الجيش الروسي يدمر أكثر من مئة مسيرة أوكرانية فوق مناطق روسية
...
-
بدأوا بتحضير الشعب الأوكراني للهزيمة
-
مذبحة أثناء صلاة العشاء..
-
بعد إزالة صورته من البنتاغون.. تحرك جديد ضد الجنرال ميلي
-
مفتاح النجاح الدراسي والصحة النفسية للأطفال
-
حيل الولايات المتحدة
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|