سرحان الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 3252 - 2011 / 1 / 20 - 14:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل سمعتم بحكاية القمصان العربية التي يلبسها الله الى القادة والسلاطين والملوك والخلفاء العرب , وهل قص عليكم التاريخ حكايات السلاطين العرب , وكيف ان قمصانهم تلتصق باجسادهم ولن تنتزع منهم الا في حالتين , اما الهرم والموت على كرسي الرئاسة , او الانتزاع بقوة السيف والسلاح ,
لا باس فللقمصان العربية ميزة فريدة , فهذه القمصان عندما يرتديها السلطان العربي لن يعود بامكان ايا كان ان ينزعها غير الله , لان الله عليم خبير , وعندما يختار احدهم ,فانه لا يغير راْيه ومزاجه مثل البشر ذوي الامزجة والاراء المتقلبة , فاذا كان الله هو من يلبس السلطان العربي قميصه , فمن يا ترى يفكر بنزع او انتزاع ذلك القميص ؟ ,
وما دام الله هو من يختار تلك القمصان ويفصلها على قدر مقاس السلاطين والملوك والرؤساء والخلفاء العرب , الا يمكن ان يعني هذا , استنادا الى حكاية صراع الخير والشر عبر التاريخ , ان من ينزع تلك القمصان هو الشيطان لا غيره , فهوالممثل الشرعي والوحيد للشر في هذا الكون , والا فمن يقف ضد ارادة الله النافذة على خلقه مادام قد اختار السطان العربي كممثل شرعي ووحيد للخير , ومن الذي اعلن العصيان نهارا جهارا لارادة الله غير الشيطان واتباعه , اليس هو الشيطان او من اغواه الشيطان , كعبد الله بن سباْ الذي قرانا قصته في تاريخنا المجيد , وكيف حرض المؤمنين على امير المؤمنين , وغرر بهم لينقلبوا ضد خليفتهم واميرهم وامامهم
,الم تسمعوا بكلمة امير المؤمنين التي مازالت ترن في اذان حكامنا وولات امورنا , عندما اعلن انه لن ينزع قميصا البسه الله اياه , قال الامير ذلك للجياع والمحرومين والهائجين والمحتجين , عندما تفاوضوا معه عدة مرات وطلبوا نه ان يغير عماله وولاته الذين ساموهم سوء العذاب , لكنه يعود في كل مرة ويخلف وعده اليهم حتى اضطروا اخيرا ان ينزعوا قميصه بايدهم
اذن القمصان الالهية المقدسة التي يرتديها حكامنا لها حكايات وقصص تضرب جذورها في عمق تاريخنا العربي والشرقي والاسلامي , لكننا احيانا لا نعيد قراءتها , واحيانا نهمل دورها وكانها اسطورة من اساطير التاريخ الميت والمنقرض , رغم انها مازالت فاعلة الى اليوم , ويستند اليها كل حكامنا وسلاطيننا وملوكنا المحروسين
هذه القمصان التي قد يستخف بها البعض , جهلا بمكانتها في التاريخ , لها من المكانة والقوة والقداسة والمنعة ما يوازي الحصانة السياسية والدبلوماسية عند الطرف الاخر من العالم المتحضر , وكانت القمصان قد لعبت دورا مفصيا عند اسلافنا , ومازالت الى اليوم تتمتع بنفس الحصانة والقوة والقداسة والمنعة
وليعذرني الاخوة التوانسة , فقد كنت افكر بكتابة هذا المقال منذ اليوم الاول لهروب الرئيس التونسي السابق زين العابدن بن علي , لكنني كنت اتردد دائما واتراجع , ليس خوفا من اتهام البعض لي باني رجعي او من انصار الطغاة في عالمنا العربي , بل حرصا مني ان لا افسد على أي تونسي قد يقرا هذا المقال فرحته , وهو في نشوة انتصاره وزوال حكم المستبد زين العابدين بن علي
كان مضمون هذا المقال مجرد فكرة راودتني بين الحين والاخر , وانا اتابع مجريات الاحداث في تونس الخضراء وهي تشتعل اشتعال النار في الهشيم , لتتبلور في زمن قياسي الى انتفاضة الياسمين المباركة , ثم زاد تصميمي على كتابة هذا المقال بعد ان تابعت ردود الافعال وانعكاساتها في وسائل الاعلام العربية والدولية , وقد عبرت عن جزء من فكرة هذا المقال في تعليق لي على مقال للكاتب الكبير عبد الخالق حسين
اعلم مسبقا , اني ساكون صوتا فريدا يغرد خارج السرب , عندما اردد حكاية القميص الذي يفصله الله على قدر مقاسات خلفاءنا وملوكنا ورؤساءنا , وقد تنالني تهمة الرجعية والولاء للسلاين والطغاة والامبريالية , عندما ابعث بتحية وداع للرئيس المتنحي زين العابدين بن علي , مرفقة بشكر وامتنان لهذا الرجل , الذي نزع قميصه قبل ان ينتزعه الشباب الغاضب ,
اكرر شكري لهذا الرئيس الذي ظل محتفظا ببعض شجاعة واخلاق الفرسان عندما امر بعدم اطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين , ولانه لم يرتكب من الجرائم ما ارتكبه زملاؤه الدكتاتوريين , الذين سبقوه مثل صدام والقذافي والاسد وعلي عبدالله صالح وغيرههم , ولانه ادرك اخيرا انه مرفوض من قبل المجتمع التونسي , وقد رضخ لهذه الحقيقة دون صلف ومكابرة كعادة المستبدين والتي ستؤدي حتما الى سفك المزيد من الدماء , وازهاق المزيد من الارواح البريئة
ما يزيدني اصرارا على توصيل تحياتي وامتناني لهذا الرئيس المتنحي انه قال كلمته الاخيرة , افهمكم ايها التونسيون , ولم يستعمل كل ما لديه من قوة وبطش كعادة زملائه العرب الذين نعرفهم جيدا وقد خبرناهم واكتوينا بنيران بطشهم وتجبرهم , ثم نزع قميصه الذي البسه الله اياه بعد ان راى ان الشعب التونسي سينزعه لامحالة
وكان بامكانه ان يكون مثل صدام حسين والقذافي وغيره من المستبدين , ويبني خلال الثلاثة وعشرين سنة التي قضاها في السلطة اجهزة قمعية خاصة به , مثل مليشيات البعث او الفدائيين او مليشيات اللجان الثورية وغيرها من المليشيات التي يبنيها الطغاة لحماية عروشهم من الجماهير , عندها لن يكون بمستطاع التونسيون الخلاص من طغيانه الا بانهار من الدم , حتى لو احرق كل التوانسة انفسهم جميعا وليس الشاب محمد بوعزيزي وحده كاف لتخليصهم من الطغيان ونزع قميص السلطان , فها هي الاخبار تتوالى عن حرق الشبان العرب انفسهم في الجزائر ومصر واليمن , وقد يحرق المزيد من الشباب انفسهم , ظنا منهم ان حكامهم قد يستجيبون وان قلوبهم وخواطرهم ستنكسر , وينزعون اقمصتهم , كما نزع زين العابدين بن علي قميصه , لكنهم ويا حسرتي عليهم واهمون , فالطغاة ليسوا على درجة واحدة من الطغيان والتجبر , قد يكفي 70 شهيدا لبعضهم كزين العابدين لنزع قميصه , بينما قد لا يكفي انهار من الدم مع اخرين لينزعوا قميص الله الذي البسه لهم
فصدام على سبيل المثال , ما كان يهتم لو احرق جميع افراد الشعب العراقي انفسهم , وكان مستعدا ان يفنى الشعب العراقي برمته ولن ينزع قميصه ولن يطرف له جفن كما قال هو في احد خطبه , اننا مستعدون ان نقتل ايا كان ومهما كان عددهم ولن يطرف لنا جفن
ولولا الامريكان الذين نزعوا قميصه بقوة السلاح لما نزع صدام قميصه , وقد كان مستعدا ان يورث هذا القميص المقدس لابنائه واحفاده , بعد ان يموت هو جالسا على كرسي السلطنة
قدم زين العابدين بن علي المزيد من التنازلات , ووعد انه سينزع قميص الخلافة بعد ان تنتهي ولايته وباجراء المزيد من الاصلاحات , ودعى الى انتخابات تشريعية مبكرة , وكان هذا كل ما يتوفر في جعبته , لكنه عندما قوبل بالرفض من قبل الجماهير الغاضبة , ايقن ان لا خلاص ولا نهاية لهذه الازمة الا ان ينزع القميص الذي البسه الله اياه
وهنا يجب ان نعترف ان نزول زين العابدين بن علي عن كرسي الزعامة والسلطنة , يمثل سابقة لا مثيل لها في التاريخ العربي , لانه نزع قميصا لم ينزعه احد من قبل , لا من اشقاء الحاضر ولا من السلف الغابر
وكما تعرفون ان القمصان العربية لن تنزع الا بقوة السلاح , ابتداءا من الخليفة عثمان بن عفان الذي احاط به الثوار من كل جانب , وطوقوا بيته ومنعوا عنه كل الامدادات , طالبين منه ان ينزع القميص الذي البسه اليه عبد الرحمن بن عوف , لكن مع ذلك اصر هذا الشيخ كما تخبرنا المصادر التاريخية على ان يظل مرتديا قميصه الذي قال عنه ان الله قد البسه اياه ,
كل سلاطين الشرق تنزع قمصانهم بالقوة , فقد نزع قميص اخر خليفة عثماني عبد المجيد الثاني بقوة الجيش ايضا عام 1924 , ثم نزعت جميع القمصان الملكية العربية بقوة السلاح باستثناء قمصان ال سعود وال الحسن , وكاد قميص المملكة الهاشمية في الاردن ان ينزع على يد الفلسطينيين , لولا ان تدارك الخليفة امره وتغدى بالفلسطينيين قبل ان يتعشوا به ,
من هنا ادعوا الى تسجيل براءة اختراع او اضافة منقبة الى مناقب الرئيس زين العابدين , فهو اول من سن سنة حسنة , بان نزع قميصه قبل ان تنزعه منه الجماهير المحرومة
واطلب من كل رجال الدين والوعاظ والخطباء , ان لا يدعوا الله ان ينزل عقابه على الكافرين والملحدين والنصارى واليهود والصابئين , بل ان دعوتهم لله , ان يهيْ لهم خلفاء وسلاطين مثل سلطان تونس زين العابدين بن علي , فلو ان لهم سلاطين على شاكلته وبنفس اخلاقه , لما بقي سلطان واحد على كرسي السلطنة , ولهان عليهم الامر ولاصبح الطريق سالكا للخلاص من تلك السلاطين , لان لديهم المزيد من الشباب المستعدين ان يحرقوا انفسهم , فمادام حرق النفس يكفي لخلاص الامة من المستبدين , فما اسهل هذا الطريق وما اقرب يوم الخلاص , وما على الليبيين ان ارادوا التخلص من القذافي الا ان يدعو الله ان يتحول القذافي مثل زين العابدين , ومن المؤكد ان الكثير من الشباب الليبيين سيحرقون انفسهم من اجل خلاص ليبيا , وكذلك في سوريا ومصر واليمن , عليهم ان يكفوا عن الدعاء على النصارى واليهود , فقط ان يركزوا دعاءهم لله خالصا كي يكون حكامهم مثل زين العابدين , ليكون نزع القمصان يسيرا ولا يتطلب المزيد من الدمار والجهود والدماء الغزيرة
واخيرا ابعث بتحياتي الخالصة الى الشعب التونسي وابارك له يوم الخلاص , متمنيا له ان لا تسرق جهوده ودماءه وتذهب الى من لا يستحقون , ومن يحاولون حرف الانتفاضة عن مقاصدها واهدافها
#سرحان_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟