أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - يوسف بن الغياثية - أقْلَع الديكتاتورُ من الجو، ولم تقْلِع طائرةُ الديكتاتورية...















المزيد.....

أقْلَع الديكتاتورُ من الجو، ولم تقْلِع طائرةُ الديكتاتورية...


يوسف بن الغياثية

الحوار المتمدن-العدد: 3252 - 2011 / 1 / 20 - 09:43
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


تونس في البرزخ بين الديمقراطية الديكتاتورية

نشهد هذه الأيام حدثا تاريخيا استثنائيا في عقول البشر، وعادٍ في سنن الخلق والكون، هو هروب ديكتاتور من المغرب العربي الكبير لا يلوي على شيء، وبقي ملاحَقا حتى يفرغ له من سينصبون أنفسهم لإذاقته من كأس كان من أشرف على أن يذوقوا من مرارتها. وأسقطوا نظامه، أو رأسه على الأقل كما نشهد فعلا.
ساهم في هذا السقوط كافة أطياف المجتمع، نساءا، وشيوخا، وأطفالا، من كل شرائح المجتمع، من داخل البلد الأخضر ومن خارجه. وسنذهب بعيدا إلى القول إن الأجانب أيضا كانت لهم مساهمتهم بإيواء اللاجئين، وبالإنصات إليهم، وبالدفاع عن قضايا حقوق الإنسان، وبالمطالبة بإقرار الحريات بأنواعها، وهكذا. لنقل إن العالم كله شهد المساهمة، وله الحق في النتيجة المنسوبة إلى أهل الشأن بالدرجة الأولى، لكن لا ينبغي أن ننسى أن قضية تونس كانت قضية إنسانية بامتياز. ولا يبدي قلقه وامتعاضه من ابتهاج تونس وأهلها سوى من كان يكره هذا البلد وأهله. وقد رأينا كيف خرج أحدهم ينعق بما لا يسمع، ويقول إن تونس وجب أن تكون خميرة الديكتاتورية في المنطقة ليس إلى 2014 بل مدى الحياة. بل إنه طلع بلباس أسود كعهده بدلا من الأخضر الذي لم يعد له رونق مذ تبناه. ولولا الملامة الإعلامية لربما شاهدنا نحيبه، وحثه التراب على رأسه، ولشق الجيوب حسرة على نهاية زميل له في الحرفة: الديكتاتورية.
لكن، وحرصا على أن تسير هذه الثورة إلى مداها، وجب أن نقول كلمة ونحن من خارج المشهد التونسي المباشر، وإن كان يهمنا شأنه كثيرا، من داخل الجوار المغاربي. وكلمتنا التي نرتجي أن تصل إلى عقلاء الثورة الشعبية ومن قادتها، مختصرة ومقتضبة. بيْد أن هذه الكلمة قد لا يرضى عنها الجمهور المنتشي بالنصر، ولحظات الفرح العارمة، والتي يغذيها نفخ بعض تلك الوسائل في الأحداث ومحاولة الاستعجال والضغط على التونسيين حتى يخرجوا شيئا على المقاس الذي يرتبط بأجندة هؤلاء لا ما يرجوه الشعب التونسي الذي يستحق تتويج نضاله بتحقيق آماله وطموحاته.
أولا: ساهمت شمعة الشاب البوعزيزي في تبديد الظلام الحالك الذي عاشته البلاد. فهو شهد المهانة ورفض الحياة، وإن قَبِل العيش. فهو لم يكن يشكو من جوع أو فقر، لكنه لم يرض أن تُهانَ كرامتُه فلم يجدْ من خلاص إلا أن يتعمد بالنار. وكان للهيب جسده الطاهر وقعَ السحر على حديد السلطان. وكلنا يعلم ما تفعل النار في الحديد. لقد أمسك النظام أحد طرفي المعادلة ظنا منه أنها هي الأقوى. ونسي أن الكون قائمٌ على التوازن، وأن الحُكْم قائمٌ على العدل. أمسك السلطان بالحديد، فلما اقترب من النار أذابته في بضعة أيام. وانهار سحرة فرعون بعد أن تلقفت نار البوعزيزي ما يأفكون لعقود، وبما سحروا أعين الناس، فكان الضعف قوة، واستحال الجبروت إفكا متلقَّفا. ثم كانت القاضيةَ، أن أذابت نار الشعب الضعيفة حديد السلطان القوي. وتسارعت الأحداث بعد ذلك. ربما لو لم تقترب الديكتاتورية من نار الكرامة لما أذابتها. لكن يتفنن الأعوان والموظَّفون الحشرات في خدمة الظلم فيكون خراب الهيكل، ويهرب كبيرهم، ويحاول الموالون له إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن الساعة تكون قد قامت، ولا مجال لزرع أي شيء، حتى تلك الفسيلة التي تحدثت عنها الروايات.
ثانيا: فر الكبير صاغِرا، جوا أو برا، لا يهم، وأورثها قوما آخرين. سيكونون تياريْن في الغالب، تيار يدعو إلى جعل عاليها سافلها بإزاحة أي وجه من وجوه النظام القديم وحرسه والدعوة إلى الانتقام والانتصار للنفس، وتيار يدعو إلى المصالحة التاريخية والعدالة الانتقالية، والعفو عند المقدرة، وقطع أحبال المشانق، وعدم افتتاح العهد الجديد بالدماء، أيا تكن.
ربما لم نعانِ مما عانى منه التونسيون على مدى عقود حُكْم الراحل بورقيبة (المجاهد الأكبر)، وربما لا يعلم كثيرون هذا اللقب، وخصوصا من شباب مولودين قبيل التسعينات، ولا شهدنا ما قاسوه في ظل الديكتاتور الهارب (أو المُهَرَّب) ولكن نقول لتونسيي اليوم، والغد، لا تفتتحوا عهدكم الجديد بالمشانق، والانتقام. ولا تحققوا العدل فقط، ولكن اسعوا إلى الإحسان. ولنا في جنوب إفريقيا أسوة حسنة في هذه على الأقل، وهو شعار نغفر، لكن لا ننسى. لأن المهم ليس هو تعقب الأمة التي خلت، ولعنها، والانتقام، والتشفي. والأمَرُّ من ذلك والأدْهى هو أن كثيرا ممن والَواْ يوم أمس يطالبون اليوم من الانتقام، فكما يقول المثل: إن سقطت الذبيحة كثرت السكاكين.
إن الأهم من هذا وذاك هو آليات تكون مانعة لتكرار ما وقع. إن تفريق السلطة بين أيد مسؤولة أمام الناخبين سيكون من ضمانات العمل السوي، وعدم العودة القهقرى... ولذا، ليأخذ التونسيون وقتهم ويفكروا في نظام جديد، ويراقبوا الوضع عن كثب حتى لا يسرق الانتهازيون جهدَ الناس المتطلعين إلى الحرية والكرامة والحياة الكريمة والسعادة. هذه هي الأسس الأربع لكل تنمية تبتغي حقا خيرا لأمة من الأمم. وهذه المبادئ وجب دسترتها. ولا بد من إبعاد الدين عن الدولة، وليس المجتمع. فالدولة المحايدة دينيا وطائفيا تكون أنجح من غيرها في إدارة الاختلاف، وتحييد عوامل الصراع داخل المجتمع. فالناس إن عاشوا أحرارا أمكنهم أن يتدينوا باقتناع. لكنهم إن عاشوا مهانين لن ينفعهم أي دين أو ولن يفلحوا في أية دنيا.
إن تونس قد فتحت الطريق، وعلى الذين يريدون إحراق شموعهم أن ينتظروا ما التونسيون فاعلون، فإن نجحت ثورتهم باعتماد ما قلنا، وهم أدرى بواقعهم المباشر، تأسَّى الآخرون بنهجهم، وإن هم أعادوا تحويل اتجاه طائرة الديكتاتورية إلى مطارهم مجددا، فليبحث الآخرون عن طريق لا يكون عرضة لقطاع طرق الثورات النبيلة، أرزية كانت أم ياسمينية...
فتحية لتونس الخضراء، وليحذر التونسيون من التسرع ونفخ قنوات فضائية مشهود لها بالكفاءة في بث الفتن تضغط عليهم لتوصلهم إلى محطة الفشل، كما فشلت ثورات الجنرالات في القرن الماضي. ذلك فبناء دولة جديدة على أسس جديدة يحتاج إلى القطع مع عقلية الأحزاب الحاكمة السابقة في الفكر والممارسة وليس محو أسماء وتسمية اسماء أخرى ما أنزلت بها الحرية والكرامة من سلطان. ذاك هو التحدي، ولسنا مستعجلين لنراقب ما تونس فاعلة في هذا الظرف الدقيق. أيدينا على قلوبنا ونحن نرقب وكلنا أمل في أن تنجح الديمقراطية في بلادنا المغاربية... ولربما تلقى مسؤولو المغرب الكبير كتاب هدهد تونس الكريم، ألا تعلوا على أممكم واعدلوا بينهم، قبل أن تشتعل شموع بوعزيزية أخرى، وقد يُؤْتى الحَذِرُ مِن مَأْمَنِه كما جاء في الرسالة الهزلية، لابن زيدون إلا أن هذه هي الرسالة الجدية حقا.



#يوسف_بن_الغياثية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فتنة هولندا اليقِظة، وفتنة الشرق النّائمة : فتنة -خيرت- الصغ ...
- في الحاجة إلى إعادة تشكيل القيم من أسسها الحقة : (المصالحة م ...
- هل تُؤْمِن بما نُؤْمِن به ؟
- أين الإنسان ؟؟
- محمد الدنمارك ومحمد القرءان، لا يلتقيان
- إله واحد وكتابان وثلاثة أديان
- الإرهابي في ضيافة روبي : مقالة في إرهاب الـ-ڤيديو كليب


المزيد.....




- العراق يعلن توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل وفقدان 5500 ...
- ما هي قوائم الإرهاب في مصر وكيف يتم إدراج الأشخاص عليها؟
- حزب الله يمطر بتاح تكفا الإسرائيلية ب 160 صاروخا ردّاً على ق ...
- نتنياهو يندد بعنف مستوطنين ضد الجيش الإسرائيلي بالضفة الغربي ...
- اشتباكات عنيفة بين القوات الروسية وقوات كييف في مقاطعة خاركو ...
- مولدوفا تؤكد استمرار علاقاتها مع الإمارات بعد مقتل حاخام إسر ...
- بيدرسون: من الضروري منع جر سوريا للصراع
- لندن.. رفض لإنكار الحكومة الإبادة في غزة
- الرياض.. معرض بنان للحرف اليدوية
- تل أبيب تتعرض لضربة صاروخية جديدة الآن.. مدن إسرائيلية تحت ن ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - يوسف بن الغياثية - أقْلَع الديكتاتورُ من الجو، ولم تقْلِع طائرةُ الديكتاتورية...