جمعة الحلفي
الحوار المتمدن-العدد: 973 - 2004 / 10 / 1 - 01:47
المحور:
الادب والفن
….. فالكتابة تأريخ لشيء، وما يحضرني يشبه الغناء أو البكاء. راودتني فكرة أن ارسم شيئا على الورقة، شئ يشبه الحلم أو الوردة، أو على نحو ما يرسمه العشاق الصغار عادة : قلبان يخترقهما سهم كيوبيد! لكنني عدلت عن الفكرة خشية أن أبدو ساذجاً في هذا الزمن الرصين!
قلت لنفسي لأكتب شيئا مثل الشعر، فالمقاربة بينك وبين الشعر هي المقاربة بين بنفسجة صغيرة وضوعها، أو بين اللون والإحساس به.
أنا لا اكتب الشعر إنما أنا وسيط حسب، بين الشعر وبينك، أوبينك وبين الشعر، فأنتما، معاً، تثيران حزني وفرحي.
الشعر يستدعيك فيَّ وأنت تستدعين فيَّ الشعر. أنت الأول . أول الغناء وأول البكاء، أول الحزن وأول الفرح.
أنت أول الألوان وآخرها وبدونك أنا قابل للكسر مثل مشبك الشَعر.
تقلقني كثيراً تلك المسرّة الأليفة، التي يحدثها وجودك ، إنها تشبه القشعريرة اللذيذة، التي تحدثها القُبلة خلف الإذن.. أو تحت النَهد أو … أنت تدرين كم يحرجني الكلام ، الكلام عنك أو عن البحر فكلا كما يفيض عليَّ ، يغرقني في الرذاذ والزرقة.
أنا لا اقلّب الكلام هنا إنما أبحث فيه عنك، عن سمار اللغة أو عذوبتها، عن حياء الحروف ، ولكن أي حياء لا يجارى ذلك الذي يمكنني أن اجده هنا، في اللغة، إنه خارج اللغة، هناك خارج الكلمات، أنه ما يتجسد في صيغة ألم أو حنين ، أو ما يتشكل على هيأة زهرة، أو ما يُرى على نحو لون ، فمن أين للغة مثل هذا البهاء ؟
هل بوسعي أن أرسم الهواء.. سألت نفسي؟ يمكنني أن أرسم نجمة لكنها لن تضيء ابداً، هكذا هو الأمر الآن . أشعر احياناً وكأننا بحاجة لأن نتعلم لغة أخرى غير هذه التي نتداولها، لغة لها طعم مثلما للقبلة، ولها عطر مثلما للبنفسج أو النرجس، ولها ضوء مثلما للنهار البسيط الأليف، الذي ينهض قبلنا بقليل. لغة لا تخذلني حين تأتي الكآبة بل تنهض قبلي لتشرع الأبواب كي نخرج معاً نحو الضوء .
هل تدرين من أين قادم أنا؟ أنا قادم من حطام. الشعر وحده كان نديمي ومبدد وحدتي وتعبي، كنت أمسك بمعول الشعر واهدم به صمتي. كان سلاحي الوحيد في معركة غير متكافئة مع الأيام، وأيامي ملأى بالصدأ والرماد . نهاري الوحيد كان خليطاً من سديم وعتمة. كنتُ أدفع الأيام مثلما يدفع عتال منهك عربة ثقيلة. حطام كان ورائي وحطام كان على جانبًّي, أكوام من السنين خلفتها فوق بعضها مثل خرق بالية. وها أنذا الآن أرمم نهاري بشيء من شمسك فأزداد عطراً وضوءاً وضوعاً ، فيالهذا الشفاء العظيم.
#جمعة_الحلفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟