أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - تونس الجميلة














المزيد.....

تونس الجميلة


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 3250 - 2011 / 1 / 18 - 09:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


شعب هادئ بسيط رقيق مسالم جداً، دفعته سياسات ليبرالية طويلة الأمد منذ الحبيب بورقيبة إلى أن يصير متحضراً، وهو في فقرهِ وعوزه الشديدين.

تقلصتْ الزراعة وبدا أن المدنَ تمتلئ بالشغيلة الفقراء، وحين تدخل أزقةَ العاصمة تونس ترى العمال أشباه هياكل عظمية صلبة، وبملابس قاسية عتيقة، يملأون المقاهي والحانات بزحام شديد، حيث المشروبات والأكلات الرخيصة.

عاصمة عمالية بامتياز، قلدتْ باريس من دون ثرائها ومستعمراتها وأريافها الغنية، والمدن التونسية الأخرى المتعددة التي تبدأ من الجنوب الأكثر ريفية وخضرة وحشداً لأشجار الزيتون في الأراضي الواسعة الخلاء حتى بنزرت في الشمال حيث يتعملق الحديدُ وتظهرُ البواخر والآلات، هي مدن كادحين أيضاً، ومن الواضح أن الطبقة العاملة سادت في هذا البلد بتوسع، وهذه الأغلبية العمالية تجد آثارها في انتشار الأحزاب اليسارية.
حتى الحزب الدستوري الحاكم قاربَ الاشتراكيةَ يوماً ما وطرح وجهات نظر اجتماعية ديمقراطية مقاربة للاشتراكيين الديمقراطيين الأوروبيين في السابق، وقد تداخل مع اتحاد الشغل التونسي النقابة القوية المهيمنة، التي هي حكومة ظل في الواقع، أُبعدت أكثر فأكثر عن مراكز القرار وهذا نقطة ضعف كبيرة في الديمقراطية الاجتماعية التونسية، مع تزايد الانقسام الاجتماعي بين من يملكون ومن يعملون.

الحزب الدستوري من أقدم الأحزاب الحديثة في العالم، وهو بعراقته وإصلاحيته المتدرجة الطويلة النفس حدّث تونس، لكن الانهيار الأخير يعود لانقطاع هذه العقلية الإصلاحية وتحكم أجهزة السلطة والأمن في هذا الحزب، لكن لن يزول رغم حرق بعض مقراته بشكل غريب ومعاد.

كانت ثمة احتمالات للمقاربة بين الرأسمالية الحكومية والنقابات العمالية في زمن بورقيبة لكن هذا التقارب تلاشى واتسعت الهوة: أقليةٌ تتوجه لجمع الثروات بقوة وتحجم الأجورَ وتجمدها لسنوات، وتؤدي الأجور دور شراء الحاجيات الضرورية الزراعية وإبقاء الهياكل العظمية للكادحين، وجاء العهد الجديد بنظام يفتقد الحركة والمبادرات والحيوية عموماً، وتفجرت الخلافات بين الموقعين المتباعدين، موقع يوسع دخوله وموقع تتجمد الأجور فيه.

في الصورةِ التي عُرضتْ لانتحارِ البوعزيزي البائع المتجول مشهدٌ لشاب يحترق بضراوةٍ بين نيران مشتعلة في جسده وهو ينظر بتحدٍ وكبرياء! كأنه يقول أنا أموت وأهددكم معي!
الصورة تثير بقوة أي مشاعر، صورة لم يَسبقْ أن ظهرتْ في التاريخ: موجعة صادمة مفجرة لبلد بكامله!
صورة ربما عكست تناقضات تونس الشعبية البسيطة كافة: بائع متجول يتعرضُ للإهانة من شرطية، ثم تتستر الدوائرُ الرسمية عن شكواه وتقف مع الشرطية التي ضربته.
قضيةٌ شديدة البساطة، لكنها تعكس الهوة التي نشأت بين من يحكمون ومن يشتغلون.
إدارةٌ انفصلت وقيدت الشعب وحجزته في عيش منهك وسيطرة شمولية، وجاءت ردود فعلها على التظاهرات مثل عنف المتظاهرين عليها، كلٌ منهما في حالة رد فعل عنيف تجاه الآخر، والآن حين سمحت الحكومة بالتظاهر السلمي لم تحدث ردود حادة.

تمثل تونس حالة استقطابية اجتماعية بين رأسمالية حكومية ضيقة القواعد الاجتماعية وفي بلد محدود الموارد وأغلبية شعبية عمالية فقيرة، وقد تقلصت الفئات الوسطى بينهما، وتعرضت لصدامهما الحاد.
لن يخفت الصراع لكن البلد يحتاج إلى تهدئة كبيرة ومراجعات سياسية تخفف من هذا الاستقطاب المزمن.
نرجو أن تبقى تونس بجمالها، بشعبها الطيب، بنضالها الديمقراطي التحديثي العريق.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرأسمالياتُ الحكومية العربية في طور الأزمة
- مذاهب تتباين وتتكامل
- لكل بلدٍ خرابه الخاص
- الخروجُ الأيديولوجي من الطوائف
- حيرة عمالية
- حين يأكل النقدُ الجيوبَ
- البذخ الشرقي
- علمانية لتطورِ الدين
- ويكيليكس: حرية الإعلام
- إيران بين الحصارِ والتراث
- مقاربةُ الغربِ للشرق
- بطل ويكيليكس
- قيادة الرأسمالية الحكومية
- الدعمُ وأبعادهُ السياسية
- مستقلون عن ماذا؟
- العروبة والعقلانية
- المقاومة الناقصة
- رؤيتان للدين
- الحداثة القومية والديمقراطية
- مجلس النواب الجديد


المزيد.....




- 15 أغسطس 1944: مغاربيون في جيش أفريقيا شاركوا بإنزال بروفانس ...
- إيران تقيد الرحلات الجوية في منطقتها الغربية بسبب -نشاط عسكر ...
- الجزائر والنيجر.. تنشيط العلاقات
- حملة المقاطعة تطيح بالرئيس التنفيذي لستاربكس والإقالة ترفع أ ...
- هل يحتاج العراق إلى قانون الأحوال الشخصية الجعفري؟
- تغيير قانون الأحول الشخصية في العراق.. تهديد للديمقراطية اله ...
- روسيا والإمارات تبحثان التعاون في إطار مجموعة -بريكس-
- -نتائجه كارثية-.. خبير أمريكي يتحدث عن هجوم مقاطعة كورسك وتو ...
- المغرب.. مديرية الأمن تعزز الخدمات في مطارين بالمملكة
- بعد تسجيل حريق بمقرها.. القنصلية العامة الجزائرية بجنيف تصدر ...


المزيد.....

- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - تونس الجميلة