|
حوار مع الفنّان النحّات الكسندر حدّاد
صبري يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 972 - 2004 / 9 / 30 - 08:25
المحور:
مقابلات و حوارات
حاوره صبري يوسف
الكسندر حدّاد مواليد الشرق الدافئ، المقمّط برحيق غربة هذا الزمان.
مقيم في السويد منذ عام 1988.
درس التصوير والغرافيك والسيراميك ـ الخزف، في أحد معاهدِ نورشوبينغ في السويد.
اختصّ لمدة سنتين في المدرسة الفنّية ـ قسم النحت، الذي تضمّن النحت على الحجر، الخشب، الطيّن، البرونز وصناعة القوالب، السليكون والجبس، وبالإضافة إلى عمله الفنّي يعمل كمدرّس لمادة النحت والسيراميك في معاهد نورشوبينغ، المدرسة الفنّية، وجامعة نورشوبينغ.
محور مواضيعه تدور حول الإنسان وعلاقته مع الطبيعة الذاتيّة، التقلبات النفسية والطبيعة الموضوعيّة.
شاركَ في عدة معارض في سوريا ، لبنان، السويد والدانمرك.
له خصوصية فنية راقية في تشكيل الكتلة الفنّية التي يتعامل معها، فيجد المشاهد نفسه أمام حالات إنسانية حالمة، مبدعة، معطّرة بالماء الزلال كانها متهاطلة من أرخبيلات الأساطير القديمة وهي تنشدُ أنشودة الزمن الآتي مع بزوغِ شهقاتِ الكون!
ينحتُ الفنّان رؤاه عبر مواد عديدة، فلم يرتوِ من عطشِ المواد التي يتفاعل معها عبر إزميله الحنون، فيمسكُ قلمه بعد أن ينام الليل كي يكتب لنا شعراً من وهجِ الحياة.
أهلاً وسهلاً بالفنّان النحّات الكسندر حدّاد
1 ـ لنبدأ حوارنا من خمائلِ الزهور، من توهّجات الذاكرة البعيدة، من عوالم الطفولة، التي تعدُّ من أهمّ ركائز الإبداع، هل تبرعمت طفولتكَ على إيقاعات الفن؟ حبذا لو تتحدّث لنا عن طفولتكَ الغافية بين ثنايا غربة هذا الزمان!
ج- لا أستطيع الادّعاء أن طفولتي كانت مميّزة عن غيرى ممَّن كانوا في سنّي، كنت كثير الحركة أحبّ اللعب وأكره المدرسة كنت أحب الحرية والانطلاق . منذ طفولتي كانت تستوقفني التماثيل المصنوعة من الزجاج أو البلاستيك أو المعدن وحتّى التي كانت موجودة في البيوت للزينة وكنت أنظر دائماً الى هذه الأشكال (الفنّية) بانبهار أولاً، ثم بعين الناقد ثانياً محاولاً استكشاف الصورة الفنّية الأجمل بعدها إنتقلتُ الى مرحلة تقنية (من خلال محاولات رسم الصور التي كانت موجوة في الكتب المدرسية) ثم الابتكار والخلق أخيراً، " كانت تستوقفني طويلاً الصور أو الأيقونات الموجودة في الكنيسة ومازلت أحتفظ بتلك الألوان الرائعة في قدسية الذكرة".
2 ـ تنساب أصابعكَ الماهرة على خشونة الحجر فتطاوع بإزميلكَ الحنون خشونتها وتحوّلها إلى بسمة مضيئة، أشبه ما تكون ببسمة القمر، ما هذه الصداقة الدافئة بينكَ وبين الحجر؟
ج- صمّ الحجر وشكله قد يقيّد الفنّان ولكن عين الفنان تعرّي الكتلة الحجرية الموجودة أمامه من الفرغات فالفنان يحفر على الحجرأولاً بعينه ثم بإزميله حتى تتطابق الرؤيتان فيكون العمل مكتملاً.
3 ـ تعجنُ الطين بطريقة حميمة ثم تفرش وداعة الغربة بين شهقات الطين إلى أن تكوّن أوجاع الإنسان على همهمات الليل الطويل، ما كلّ هذا الشوق إلى طراوة الطين؟
ج-الطين يمتاز بليونته وإمكانية تشكيله ولا ننسى أن الطين هو مادّة الخلق الأولى حسب الكتاب المقدس والكثير من الأساطير والطين كمادة أولية يشترط على الفنان حجم أو شكل العمل الفني للفنّان كل الحرية في عملية الخلق وللفنان إمكانية التعبير وإعادة التشكيل في كل لحظة أثناء التعامل مع الطين حتى الوصول لنقطة اللارجوع وهي المرحلة التي يقرِّر بها الفنّان أنّ العمل اكتمل وحان وقت أن يتطهّر هذا العمل من الخطيئة الأصلية وذلك بوضعه في الفرن كي يأخذ شكلاً متصلِّبا ثابتاً لا عودة فيه.
4 ـ عندما تحفر جذع شجرة وأنتَ تشكّل وجنة مرأة، هل تتخيّل إخضرار الشجرة فتغدو خدود المرأة أكثر إخضراراً من أغصان الشجرة عندما كانت في أوج الربيع؟
ج- صورة شعرية جميلة، المرأة كانت وماتزال ترمز وفي كثير من الأحيان الى الطبيعة. المرأة هي العطاء في كل مراحل حياتها، الفنّان يتعامل مع الخشب بعد أن تموت الشجرة وعمل الفنان هو إعادة الحياة لقطعة الخشب أمامه، نعم إعطاء حياة أخرى ليست نفس الحياة السابقة بل هي تقمُّص لحالات حياتية أخرى وأجمل شئ تتقمَّصة الشجرة أو قطعة الخشب هو شكل المرأة. وأستطيع أن أقول التشابه كبير بين شكل المرأة وشكل الشجرة. نعم تعود جذوع الأشجار للاخضرار ثانية بل تغدو أكثر إخضراراً.
5 ـ حتّى البرونز لم ينجُ من مطرقتكَ وازميلكَ، بماذا تفكّر وأنتَ تتصبّب عرقاً على صلابة البرونز، هل يراودكَ أن إرادة الإنسان أحياناً أقوى من صلابة البرونز؟
ج- العمل البرونزي هو عملية إذابة شكل سابق بواسطة النار كي يأخذ سائلأ قابلاً للتشكيل، والقالب يحدّد هذا الشكل، وإنّ مهارة الفنّان تكمن في كل مراحل العمل.
6 ـ السيراميك، الخزف، كيف تصيغ هذه المادةُ العصيّة عن الإنصياع؟
ج ـ يتكوَّن الخزف في الأصل من مادة شديدة الحساسة وهي الطين وأرى في استخدامه حرية أكبر والسيراميك يمنحني ارتياح جميل حيث أشمّ صوت لغتي ورائحة حريتي. والطين لا يصبح سيراميكاً إلا إذا دخل قدسية النار مرتين.
7 ـ الإزميل، المشرط، أجيج النار، هل تعمل على إيقاع موسيقي عندما تصيغ كتلةً ما أم أنّكَ تعمل على إيقاع المخيّلة الهائجة بأحلام متعانقة مع أمواجِ البحر؟
ج- تشبيه جميل، الإزميل والمشرط والنار هي الأدوات الفنية للعمل على إيقاع الروح وإبداع المخيلة والوحي فالعمل الفني هو كالقطعة الموسيقية يحتاج لأدوات عديدة لتنفيذ العمل.
8 ـ تتعامل مع مواد طرية وخشنة وصلبة وتطاوعها، كيف فاتكَ أن تتعامل مع إنسيابية موشور اللون، ألا يستهويكَ أن ترسم لوحة من وهج تلاوين الحياة؟
ج- المادّة الخام التي تستعمل بالعمل الفني تختلف بخشونتها وقساوتها بمعنى آخر تحتاج كل مادّة خام لأسلوب للتعامل معها، في البداية تكون الفكرة ثم يتم صبّ الفكرة بتصميم أو "سكيس" معين بعدئذ يأتي دور إختيار المادة الخام لتنفيذ العمل.
9 ـ كيف تولد مواضيعكَ، هل تحدّد المادّة التي تصيغ منها أفكارك قبل البدء بالعمل أم أن المادّة تفرض نفسها صياغة موضوع ما يتعانق مع خصوصيتها؟
ج- غالباً يبداً العمل الفنّي بالفكرة ولكن أحياناً تفرض الكتلة نفسها وتحرِّض الفنان على تنفيذ فكرة محدّدة بذاتها فالكتلة أحياناً أي المادّة الخام قد تساهم في إيقاظ الفكرة.
10ـ هل تتصارع مع الكتلة التي تتعامل معها ثم تتصالح معها عندما تشهق أخيراً شهقة الإكتمال؟ كيف تتنامى رؤاك مع الكتلة التي تصيغها؟
ج- تنفيذ العمل الفني يحتاج لتدخّل الفنان لإعادة صياغة الكتلة أو تجريدها من بعض أجزائها كي تصبح مرئية فالفنان يزيل الستار عن العمل الفنّي من خلال تعامله مع الكتلة. إذاً صراع مع الكتلة ينتهي بالتصالح مع العمل الفنّي.
11 ـ هل تحنُّ إلى دفء الشرق، إلى مرابع الطفولة، أم أنّكَ غائص في غربة مكتنفة بالضباب؟ كيف تستطيع أن تزاوج ما بين وهج الشرق وصقيع الغرب؟
ج- الحنين الى الماضي صفة انسانية ويعاني كل انسان من حنينه ولكن ذلك لايعني رغبة في الرجوع الى عبثية الطفولة وكما قال أحد الفلاسفة لا تستطيع الاستحمام في مياه النهر مرتين لأن المياه تجري، كذلك الطفولة فمكانها وزمانها لم تعُدْ كما كانت ونحن لم نعُدْ كما كنّا، تغيّرنا كثيراً ..
12ـ كيف تترجم إنكسارات الروح كلّما تنام الشمس بين أحضان الغسق؟
ج- بين شروق الشمس وغروبها ساعات قد تكون حافلة بانتصارات أو إنكسارات فساعة الغروب تمنحك لذة الانتصار أو مرارة الانكسار ولكن في كلِّ الأحوال بعد غروب هناك شروق وغداً يوم جديد يحمل آمال جديدة وتحديات جديدة.
13 ـ القلب، الروح، الغربة، الموسيقى، الحبّ، الطبيعة، البحر، المسافات، ضجر الحياة، صراع الإنسان مع أخيه الإنسان، كيف تعبر متاهات عوالم الفن في زمنٍ يزدادُ حماقةً وقساوةً، أقسى من غلاصم الحجر؟!
ج- العالم يبدو أكثر قساوة والفنان أو الشاعر أكثر الناس تأثراً بذلك لأنّ قساوة هذا الزمن قد تؤدي الى الاحباط و لكنها قد تؤدي المحاولة أيضاً إلى خلق جديد. الفنّان دائماً يقدِّم رؤيته لعالم أفضل. 15 ـ الفنّان يمتلكُ حساسية شعرية راقية، فهناك من الفنانين مَن يتذوّق الشعر وهناك مَن يكتبه، وعندما يترجم الفنان مشاعره اللونية عبر نداوةِ الكلمة تأتي القصيدة متلألئة بتلاوين الحياة!
ج- الشعر وسيلة من وسائل التعبير فالكلمة والكتلة وسائل تعبير وأحياناً تمنح الكلمة أجنحة توصلك الى نضارات أكثر رحابة تعجز فيها الكتلة عن ذلك. فأقول في أحد قصائدي المترجمة عن السويدية: في داخلي تنمو شجرةُ زرقاء .. أغصانُها تفتحُ حيزاً في مساحاتِ بياض الوقت وتلقي فاكهة وحشية ربما في ذاكرتي ................................
ببطء ووضوحٍ مُجَلل تفتحُ الجذورُ لنفسها فرحاً في إزرِقاق الرماد تفتح وِشايةً ثانيةً للنار ُتوقظ من خلالها الخيولَ في دمي ...........................
شجرةُ زرقاء تنمو في داخلي أغصانُها تمزق مساحات الهواء المكثّف بالضباب وترمي بثمارها المتحجّرة في الظلِّ ... ..... .....
16 ـ كيف تتعامل مع الكتلة التي تصيغها؟
ج- التعامل مع الكتلة يتحدِّد من خلالِ شكلها وقساوتها وحجمها ولكن بشكل عام التعامل مع الكتلة هو أشبه ما يكون حالة حبّ أو عشق فكما يرى العاشق حبيبته بأجمل صورة كذلك يتخيّل الفنان الكتلة بأجمل هيئة و يحقِّق ذلك من خلال إعادة صياغتها. ........................................................ http://www.alexanderhadad.com/
[email protected]
ستوكهولم
#صبري_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شهقة حقٍّ متطايرة من أفواه النيازك
-
تعقيب على قصّة -بنت الثرى- للقاص يوسف بن يزة
-
أنشودة الحياة ـ 5 ـ ص 407 ـ 408
-
تعقيب على قصّة روضة السالمي، لا شيء في السماء
-
تعقيب على قصّة: لا شيء في السماء، للقاصّة التونسية روضة السا
...
-
تعقيب على قصة أحمد عمر المنشورة في القصة العربيّة
-
أنشودة الحياة ـ 5 ـ ص 405 ـ 406
-
أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 403 ـ 404
-
أنشودة الحياة ـ 5 ـ ص 401 ـ 402
-
عناق الأحبّة يتعانق مع فضاءات الأدب
-
النمل .................. قصّة قصيرة
-
أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 399 ـ 400
-
أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 397 ـ 398
-
من سماء ستوكهولم إلى الصديق سهيل إيلو ـ هولندة
-
أنشودة الحياة ـ 4 ـ ص 395 ـ 396
-
التواصل الفكري والإنساني معيار حضارة العصر
-
يذكّرني -يوسف- ابن كابي القسّ بالخبز المقمّر
-
حوار مخلخل الأجنحة
-
لماذا لا يبني الإنسان علاقة نديّة مع العشب البرّي؟
-
الكتابة هي صديقة حلمي المفتوح على وجنة الحياة
المزيد.....
-
الأكثر ازدحاما..ماذا يعرقل حركة الطيران خلال عطلة عيد الشكر
...
-
لن تصدق ما حدث للسائق.. شاهد شجرة عملاقة تسقط على سيارة وتسح
...
-
مسؤول إسرائيلي يكشف عن آخر تطورات محادثات وقف إطلاق النار مع
...
-
-حامل- منذ 15 شهراً، ما هي تفاصيل عمليات احتيال -معجزة- للحم
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية مسؤولين في -حماس- شاركا في هجوم
...
-
هل سمحت مصر لشركة مراهنات كبرى بالعمل في البلاد؟
-
فيضانات تضرب جزيرة سومطرة الإندونيسية ورجال الإنقاذ ينتشلون
...
-
ليتوانيا تبحث في فرضية -العمل الإرهابي- بعد تحطم طائرة الشحن
...
-
محللة استخبارات عسكرية أمريكية: نحن على سلم التصعيد نحو حرب
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|