|
أسئلة السُلطة
ممدوح رزق
الحوار المتمدن-العدد: 3247 - 2011 / 1 / 15 - 22:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا تحتاج السلطة في مصر إلى شيخ سلفي يفتي بإهدار دم " البرادعي " ويبايع " مبارك " أميرا للمؤمنين بقدر ما تحتاج إلى " مثقفين " بارعين في تمثيل الذهول والاستنكار ويمتلكون البلاغة الثورية اللازمة للتعبير عن صدمتهم ورفضهم لموقف رجل الدين " المخجل " بقدرة فائقة على التعامي عن التاريخ الوهابي الراسخ وراء الشيخ والذي من المفترض منطقيا ألا يعطي موقفه التقليدي المعروف من طاعة الحاكم فرصة للمفاجأة .. يمكن الحديث عن ضروريات ودوافع بديهية متصلة تكمن خلف حالة الاستنفار الفوري والهجوم المتلاحق والشرس من " رموز التغيير " ضد صاحب الفتوى حيث السعي المحموم للحصول على أي مكاسب أو انتصارات دعائية بالمجان تعوّض هزائم وإخفاقات المعركة الأصلية ـ وهي هزائم مدبرة سلفا وإخفاقات متفق عليها ـ وبالتالي المحافظة بأي طريقة على الصورة البطولية لدى الوعي الشعبي الغارق في تغييباته المتراكمة .. فائدة هذا الهجوم أيضا التشويش على ثغرات النضال الشكلي وعلى الدلالات التي قد تتكشف من وراء ممارساته ومقولاته الرومانسية المتعددة والتي يمكن أن تفضح حقائق المتاجرة والتربح من المظاهرات والوقفات الاحتجاجية والهتافات المتنقلة من فضائية لأخرى .. يمكن كذلك بواسطة الحروب الاعلامية على هذا الشيخ الفوز بمكانة بارزة داخل المشهد النخبوي الرائج لأحزاب وقوى اليسار والمعارضة المختلفة حيث ينسجم الضجيج الجهادي مع الهذيان المتطرف للشعارات الدينية والليبرالية مع توظيفات مبتذلة لقواميس الأيدولوجيا على يد كل سمسار يريد أن ينتهي الصراع لصالحه بوصفه " جيفارا " الذي لا شريك له ! .
لكن على جانب آخر ألا يمثل هذا الأمر نموذجا للإلزام بإنتاج الحقيقة التي تقتضيها السلطة كما كتب عنه " فوكو " في " فلسفة السلطة " وتناول مسألة " الإخضاع " عن طريق القواعد والآليات التي تمرر آثار السلطة ؟ .. تماشيا مع أحد الأسئلة التي شغلت " فوكو " : ( ما هو نمط هذه السلطة القادرة على إنتاج خطابات الحقيقة والتي هي في مجتمع مثل مجتمعنا تحمل آثاراً أو مشحونة بآثار وقوى وقدرات ؟ ) ، يمكننا أن نفكر في أن السلطة كي تحمي جرائمها فإنها تختار أعدائها بنفسها وتختار المعارك التي ينبغي أن يخوضها هؤلاء الأعداء ضدها وتعطيهم الأدوار التي سيؤدونها داخل هذه المعارك وترسم لهم الكيفية التي سينجزون من خلالها هذه الأدوار .. بناء على ذلك فالإخضاع يمكنه التحقق عبر تصديق المعارك وتصديق أسبابها وأهدافها وتفاصيلها المشحونة بقرارات السلطة والتي تحتويها خطابات الحقيقة .. التصديق المرغم ـ وما ينتج عنه من ممارسات ـ هو إعادة انتاج هذه الخطابات الضرورية لعمل السلطة وهو الذي يضمن استمراريتها .. " البرادعي " حينما يفتي أحدهم بإهدار دمه فإنه يأخذ دور المناضل القوي المهدد والذي يجب أن يطمئن الناس إلى حنكته وطهارته وأن تصل ثقتهم فيه للدرجة التي يؤمنون فيها باقتراب " التغيير " وأن يعيشوا على هذه الثقة الوقت الكافي لأن تواصل السلطة مشاريعها المضادة لهذا التغيير كما شرحه " البرادعي " ورفاقه على شاشات التوك شو .. يأخذ الشيخ دور المجرم في حق الشعب فيتحول إلى جوال الرمل الذي يتسابق الملاكمون من قراء الصحف والمجلات ومن مشاهدي التليفزيون ومن متصفحي الانترنت المقموعين إلى تسديد اللكمات إليه تعويضا عن عدم قدرتهم على مواجهة الملاكم الحقيقي الآمن الذي أعطاهم هذا الجوال كهدية لتسريب بعض الغضب المكبوت في أرواحهم ومنحهم معه مدربين أكفاء من المعارضين و النشطاء والحقوقيين لمساعدتهم على عدم الخطأ في توجيه اللكمات . ( لا يجب طرح السؤال : لماذا هنالك من يرغبون في الهيمنة ؟ وعمّ يبحثون ؟ وما هي استراتيجيتهم الجماعية ؟ ولكن كيف تحدث الأمور، وما هي إجراءات الإخضاع المستمرة التي تـُخضع الأجساد وتقود الأفعال وتحكم السلوك ؟ ) ..
يمكنك استرشادا بما سبق تعيين إجابات كثيرة محتملة لأسئلة " فوكو " التي أجدها مرتبطة بفتوى إهدار دم " البرادعي " : الكذب .. التعتيم .. الإيهام ... لكن علينا أن نتذكر طوال الوقت ما أشار إليه " فوكو " أيضا بأن السلطة تمارس في شبكة يكون الأفراد في وضع الخاضعين وأيضاً الممارسين للسلطة وأن الفرد أثر من آثار السلطة ، أو نتيجة من نتائج السلطة ، وهو في الوقت نفسه ، ورغم كونه أثراً من آثار السلطة ، إلا أنه يوصلها ، فالسلطة تنقل بواسطة الأفراد الذين شكـّلتهم . وعلى هذا فالإجابات هي نفسها أسئلة بطريقة أخرى لا تنتهي بالاستقرار على السلطة التي يمارسها مبارك أو البرادعي أو الشيخ الوهابي أوالمثقفون المصريون أو رجل الشارع العادي .. الأسئلة تتعلق أيضا وربما ـ بدرجة أكبر ـ بالسلطة التي يخضع لها هؤلاء .
* * *
#ممدوح_رزق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المزاولة
-
سلطة الصحفي الأدبي من الورق إلى الانترنت
-
” لون الماء ” : ضرورة تشريح الماضي
-
الرواية تفكك العالم
-
معارض متنقلة
-
ترتيبات الوداع
-
لست نيكول كيدمان ولكنه أجمل من توم كروز
-
جماليات الفضيحة
-
بالمليمتر يا حبيبي بالمليمتر
-
أسئلة القهر عند ( الغريب ) رامي يحيى
-
أن ترى الفراغ
-
القسوة
-
أورهان باموق في ألوانه الأخرى
-
مكان الروح
-
أورهان والي : لا مكان للغة بيننا
-
أنا لا أتهكم
-
لا يزال حيا
-
فيران الانفتاح تسطو على وطن ما بعد العبور
-
كلمة أخيرة عن سرقة مقالي بجريدة القاهرة
-
بيت المرايا
المزيد.....
-
منشور يشعل فوضى في منتجع تزلّج إيطالي.. ماذا كتب فيه؟
-
-أم صوفيا-.. سلمى أبو ضيف تنجب طفلتها الأولى
-
رداً على تصريحات ترامب بشأن -تهجير- أهل غزة، دعوات إلى التظا
...
-
اللجنة المحلية للحزب في الديوانية: ندين الاعتداء على المحتجي
...
-
حادث مطار ريغان يربط موسكو وواشنطن في مباحثات إنسانية
-
غزة.. انتشال 520 جثة من تحت الأنقاض منذ وقف إطلاق النار
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير 6 بلدات في كورسك ودونيتسك وخاركوف
...
-
وقفة صامتة أمام السفارة الأمريكية في تل أبيب للمطالبة بالإفر
...
-
بيسكوف: التعليق على تكهنات حول -قوات كوريا الشمالية في كورسك
...
-
فنلندا.. منع طالب من زيارة محطة نووية بسبب جنسيته الروسية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|