|
سؤال المصلحة الوطنية
محمد السهلي
الحوار المتمدن-العدد: 3247 - 2011 / 1 / 15 - 13:36
المحور:
القضية الفلسطينية
تقتضي المصلحة الوطنية العليا توحيد إستراتيجية العمل المقاوم وتكتيكاته بما يخدم البرنامج الوطني الموحد وعدم تقييم فعاليات المقاومة ربطا بمكان حدوثها يزداد الوضع الفلسطيني تأزما مع مرور الوقت واستمرار حالة المراوحة في ملفين بالغي الأهمية ربطا بالمصلحة الوطنية العليا. ففي موضوعة المفاوضات لا تزال آذان الفريق الفلسطيني وإرادته السياسية مشدودة باتجاه «النصائح» التي تنهال عليه من أجل «إقناعه» بالعودة إلى المفاوضات وفق صيغ مختلفة مع المحافظة على الشروط المجحفة التي انطلقت وفقها سابقا وأدت إلى الفشل الذريع. وبالمقابل لا يعطي أي اهتمام للبحث الجدي في البدائل الوطنية المطروحة وبدت الترحيبات «الرسمية» بمواقف بعض الدول التي أعلنت اعترافها بدولة فلسطين أشبه بالتحايا التي يتم عادة تبادلها في سياق العمل الدبلوماسي. مع أن مثل هذه المواقف يجب أن تسوق داخليا وعلى المستوى الإقليمي والدولي من أجل تعميق القناعة بأهمية الربط بين الفعل الوطني وبين الأصداء الممكنة لهذا الفعل على غير صعيد. وهذا يؤشر بالنسبة لنا على غياب الإرادة السياسية الحقيقية بانتهاج سياسة تقطع مع الرهان على الدور الأميركي في جهود التسوية السياسية ربطا بالتجربة المديدة الماضية. وفي موضوعة العلاقات الفلسطينية الداخلية، لا يزال واقع الانقسام هو السائد ويزداد تفاقما مع تراكم تداعياته السابقة ونشوء تداعيات جديدة مع صدور موقف هنا أو تصريح هناك. وعندما يرتفع الحديث من حين لآخر حول أهمية تحويل جهود ما يسمى بـ «المصالحة» فإن هذه الجهود للأسف لا تنشط إلا عبر قناة المحادثات الثنائية بين حركتي حماس وفتح وفق قناعة تقول بأن هاتين الحركتين هما المعنيتان الأساسيتان بالملفات الخلافية وأن من شأن اتفاقهما الثنائي أن يعني بالمحصلة أن الانقسام قد انتهى وأن الوحدة قد تمت استعادتها وبالتالي ـ وفق هذا المنطق ـ فإن الحوار الوطني الشامل ليس سوى مجرد إطار شكلي مهمته مباركة ما يجري الاتفاق حوله بين فتح وحماس. وفق ما سبق، فإن إدارة الظهر للبرنامج الوطني التحرري وتجاهل الحوار الوطني الشامل يشكلان التعبير الصارخ عن عمق أزمة العمل الوطني الفلسطيني في المرحلة الراهنة. ومع استمرار هذين العاملين لا يستقيم الحديث عن كل ما يطرح من شعارات براقة من نمط الشراكة السياسية والصمود والمقاومة.. وما إلى ذلك.. وفي ظل هذا، من الطبيعي أن يجد الاحتلال في استمرار الوضع الحالي مناخا خصبا لاستكمال مشروعه التوسعي في الاستيطان والتهويد في جميع أنحاء الضفة الفلسطينية بما فيها القدس. ومن يتابع تطورات الأوضاع منذ بدء الحديث عما يسمى بالتجميد الجزئي والمؤقت للاستيطان يستخلص بسهولة أن الهدف الحقيقي من وراء كل ذلك كان فقط تثبيت الجانب الفلسطيني بطاولة المفاوضات وفق الشروط الإسرائيلية. ولربما يأتي هدم فندق شيبرد ومنزل الحاج أمين الحسيني في القدس كعلامة بارزة على المدى الذي وصلت إليه الصلافة الإسرائيلية. وتقرأ تل أبيب على نحو جيد معنى المراوحة الفلسطينية فتصعد من عمليات الاعتقال والاغتيال في الضفة الفلسطينية ولا يقتصر الأمر على المقاومين من القوى والفصائل الفلسطينية بل يطاول الاغتيال المواطنين الفلسطينيين من كافة الفئات والأعمار وحتى من دون وجود أية فعالية مناهضة للاحتلال. ومنذ أشهر تواصل تل أبيب تهديداتها بشن حرب واسعة على قطاع غزة وسكانه تحت دعوى إيقاف الصواريخ، وهي صعدت مؤخرا من عملياتها العسكرية وقامت طائراتها ومدافعها بقصف التجمعات الفلسطينية وأوقعت خسائر بشرية كبيرة بين السكان. هذا يحيلنا إلى اللقاءات الوطنية التي عقدت وتعقد في قطاع غزة بين القوى والفصائل الفلسطينية وتطرح فيها مسألة التهدئة مجددا مع العلم أن قوات الاحتلال لا تعترف بوجود هذه التهدئة بل تحتفظ لنفسها بتقييم الأوضاع داخل القطاع لتحكم عبر معاييرها الاحتلالية على منسوب الهدوء القائم هناك. من هذه الزاوية تتيح لقواتها القيام بعمليات عسكرية عبر الطائرات أو الأسلحة الثقيلة من البر والبحر تحت عنوان أنها شبيهة بتحركات فلسطينية معينة على أرض القطاع وتعتبر أن هذه التحركات تأتي تحضيرا لعمليات عسكرية ضد قواتها ومن المهم هنا أن نؤكد على قضايا أساسية تتعلق بالعمل الوطني عامة وفي قطاع غزة على نحو الخصوص انطلاقا من مبدأ تثمير المقاومة والحد من التضحيات قدر الإمكان. وهذه المعادلة لا تستقيم ـ برأينا ـ خارج إطار بحث البرنامج الوطني الموحد بعناوينه الأساسية كافة انطلاقا من ضرورة التعامل مع المقاومة المسلحة كرافعة للبرنامج الوطني وليس محورا مستقلا وهو ما يحولها إلى هدف قائم بحد ذاته. من هذه الزاوية نفهم موضوعة التهدئة مع الجانب الإسرائيلي شرط أن تكون متبادلة ومتزامنة وشاملة في خدمة العمل الوطني الفلسطيني وأهدافه. وتعتقد بأن إخراجها من هذه المعادلة الوطنية إنما يصب في تكتيكات جهوية تسعى للحفاظ على وضع معين في مكان معين أيضا. وعلى اعتبار أن الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع يتعرض سويا إلى العدوان الإسرائيلي المتواصل فإن ثمة موضوعة التهدئة وعبثها إقرارها من عدمه مسألة وطنية من الدرجة الأولى وينبغي بحثها على المستوى الوطني بدون استثناء. هذا يعيدنا إلى المربع الذي انطلقنا منه وهو القطع مع عنصري مشهد الأزمة الفلسطينية الرئيسيين، إدارة الظهر للمشروع التحرري وتجاهل الحوار الوطني الشامل، ولا نعتقد ـ إذا أردنا فعلا حل الأزمة الفلسطينية ـ بأنه يمكن التعامل مع كافة الملفات الوطنية بشكل إيجابي دون حل جذر هذه الأزمة. وتضمن هذه الرؤية الوطنية الشاملة توحيد استراتيجية العمل المقاوم وتكتيكاته بما يخدم الحالة الفلسطينية بمجملها، ولا يجوز هنا إدخال المعيار الذاتي في الحكم بجواز العمل المقاوم وبخاصة في مكان ما من الأرض الفلسطينية المحتلة وتخطئته والعمل على منعه في مكان آخر. ولربما من أكثر مآسي الانقسام الحاصل أن تنشأ معاجم خاصة لهذا الطرف أو ذاك ينهل منها مفاهيمه ويسعى لتسويقها بديلا عن القاموس الوطني الذي تبلور كمحصلة لعقود من التضحيات المتواصلة وقدم الشعب الفلسطيني قوافل الشهداء عبر هذه المسيرة الطويلة ليحافظ على الطريق مفتوحا باتجاه تحقيق أهدافه الوطنية في العودة والاستقلال. إن ما يجري في الضفة وقطاع غزة على يد الاحتلال الإسرائيلي ينبغي أن يشكل دافعا حاسما لـ«إقناع» الجميع بالتخلي عن النظرة الذاتية لقضايا العمل الوطني الفلسطيني وهذا ما يتطلب بالدرجة الأولى الإقلاع عن ذهنية الخندقة والمحاصصة وإعادة الاعتبار إلى الحوار الوطني الشامل فهو الوحيد الذي من شانه توحيد الموقف الفلسطيني عبر برنامج سياسي موحد يعيد الحالة الفلسطينية إلى ميدان المبادرة السياسية ومغادرة واقع المراوحة القائمة.
#محمد_السهلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مواقف شجاعة
-
خيارات معطلة
-
الصفقة والرد المطلوب
-
ماذا يريد المفاوض الفلسطيني؟
-
كبوة أوباما .. والتسوية
-
امتحان الإرادة السياسية
-
من يقنع الآخر؟
-
فتح حماس: التفاهم الثنائي ومتطلبات استعادة الوحدة
-
دائرة مغلقة.. ولكن
-
فشل المفاوضات.. و«نجاحها»
-
مفاوضات .. وهراوات!
-
الطريق المسدود
-
امتحان «الرباعية»
-
رسائل أوباما .. كمرجعية؟!
-
من الوعد .. إلى الوعيد!
-
المراوحة كإنجاز
-
المفاوضات كمصلحة.. لمن؟
-
مناورة أميركية
-
قاموس ميتشل
-
الاستحقاق المغيَّب
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|