|
حراك اجتماعي في مواجهة أنظمة فاسدة
جاسم الحلفي
الحوار المتمدن-العدد: 3245 - 2011 / 1 / 13 - 10:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يشكل الحراك الاجتماعي الراهن في العديد من البلدان العربية، ومن بينها جمهورية تونس، على خلفية أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية، وأهم مظاهرها تعمق الفوارق الاجتماعية بسبب الاستقطاب الكبير في توزيع الدخل والثروة، وهي احد صور الاحتجاج على الأوضاع المزرية التي يعيش مواطنوها تحت ظلها، ومؤشرا واضحا لسخطهم على الأنظمة المستبدة المتسلطة على رقابهم، ورفضهم لها. وتبدو أزمة الأنظمة المذكورة واضحة لا ريب فيها، ويتجلى احد مظاهرها في استخدام العنف المفرط ضد الحركة المطلبية في محاولة لقمعها، كما ينعكس في عجزها عن إقناع الجماهير الغاضبة بصدقيتها، وجدية وعودها بالاستجابة لمطالبهم العادلة، وعزمها على تحسين أوضاعهم وتوفير فرص العمل لجيوش العاطلين. لكن القبضة البوليسية التي طالما رفعتها الأنظمة المستبدة في وجه كل مطالب بالحقوق والحريات، والوسائل الأخرى القاسية التي تستخدمها بهدف إركاع المواطن وإذلاله، وبضمنها مواجهة انفجار سخطه بالنار والذخيرة الحية، لا تستطيع شيئا أمام إرادة المحرومين والمجوعين العازمين على انتزاع حقوقهم من غاصبيها. مثلما تعجز الاتهامات المفبركة إليهم بـ " العمالة للخارج" او القيام بـ " أعمال التخريب بتوجيه من وراء الحدود" عن تبرير تعاملها الوحشي معهم، والتغطية على سعيها للبقاء بأي ثمن في قمة هرم السلطة، متسلطة عليهم وعلى المجتمع بأسره. ان الحركة الاحتجاجية العارمة في تونس، التي انخرطت فيها أحزاب اليسار والنقابات ومنظمات المجتمع المدني الأخرى، وتقدمها محامون ونشطاء في حركة الدفاع عن حقوق الإنسان، قد شملت لغاية اليوم العاصمة تونس والقيروان وامتدت الى العديد من مناطق البلاد الأخرى، بعد ان انطلقت من مدينة سيدي بو زيد. وينتشر تأثير هذه الحركة وتنتقل "عدواها" حتى خارج حدود الجمهورية التونسية، في هذا الشكل او ذاك، الأمر الذي يؤكد ان شغيلة تونس وشبيبتها ليست الوحيدة التي تعاني الأمرّين في معيشتها وحياتها، ولذلك تقف متأهبة لخوض غمار حركة الاحتجاج على سياسات وممارسات أنظمة الحكم المتجبرة، والفساد المستشري في هياكلها، كاسرة حواجز التردد والترقب والخوف. في الجزائر أيضا جوبهت حركة الاحتجاج على غلاء المواد الغذائية بعنف مبالغ فيه من قبل أجهزة الأمن، سقط بسببه 4 شهداء وعشرات الجرحى، على رغم ان النظام سارع الى الاستجابة لبعض مطالب الحركة الاحتجاجية، وصرح وزير الداخلية الجزائري قائلا : "لدينا الوسائل التنظيمية والوسائل المالية التي تمكّن الجزائر من التدخل لحماية مواطنيها من ارتفاعات ربما غير محتملة لأسعار أية مواد". لكن ذلك لا يحل الأزمة. فهذه تفاقمت منذ الاستجابة الى وصفة البنك الدولي، والقيام بهيكلة اقتصاد البلاد وفقا لها. وهي كما يعرف الجميع لا يوجد في قاموسها تأمين حياة معيشية كريمة للطبقات المسحوقة. وقد تجرعت هذه الوصفة عن طيب خاطر اغلب دول المنطقة، وبضمنها المغرب حيث الفساد المستشري في أجهزة الدولة، ومشكلة المديونية الخارجية التي بلغت حوالي 20 مليار دولار. ووجد ذلك وغيره انعكاسه في ارتفاع كلف الحياة وأسعار المواد الأساسية التي يحتاجها المواطن يوميا، الى جانب العديد من القضايا الاجتماعية والمشكلات السياسية، وبضمنها مشكلة الصحراء الغربية. فيما تعيش مصر تذمرا وسخطا غير مسبوقين، جراء استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتبرز التهديدات الأمنية والعمليات الإرهابية التي طالت كنائس المسيحيين، فضلا عن أزمة الحكم ومصيره ارتباطا بتدهور صحة الرئيس. ان هذه الأحداث تدلل على عدم إمكان تصور نجاة اي نظام عربي من مجابهة الحركة الاحتجاجية والمطلبية عاجلا ام آجلا ، فحتى الطابع الخاص للنظام في السعودية لم يحل دون قيام 250 خريجا جامعيا بتنظيم احتجاج نادر في العاصمة الرياض، من اجل توفير فرص عمل لهم. ان ما تقدم يكشف أزمة أنظمة الحكم في المنطقة العربية، بسبب الأوضاع المعيشية والحياتية القاسية، وانتشار الفقر والبطالة، وشيوع الفساد والظلم وقمع الحريات وتغييب الديمقراطية، وغير ذلك من العوامل. لكن ما يقلقنا بوجه خاص هو وضع بلادنا، حيث يعيش أزمة محورها الصراع الدائر حول شكل الدولة ومحتواها، ويتخذ التنافس بين القوى المتنفذة إشكالا متعددة، وتستخدم فيه أسلحة خطيرة، بينها سلاح الطائفية والتهميش، فيما تشتد حاجة الناس الى فرص العمل ومقومات العيش والخدمات الأساسية، وتتزايد المطالبة بتوفيرها. وليست هناك بالطبع قناعة بان حكومة محاصصة وترضية ستكون قادرة على مكافحة الفقر، وتوفير فرص العمل للعاطلين، وتأمين معيشة كريمة وخدمات للمواطنين، ومحاربة الفساد. هذا الى جانب ذلك عجزها عن تحقيق الاستقرار الأمني المنشود. وحين لا تتمكن الدول “المستقرة” من معالجة أسباب الحراك الاجتماعي المتنامي فيها، فكيف تستطيع ذلك دولة ما زال الوضع السياسي والأمني فيها هشا؟ الأمر الذي يتطلب التمعن بمسؤولية في قضايا الناس وحاجاتهم ومطالبهم المشروعة، والعمل على الاستجابة السريعة لها.
#جاسم_الحلفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليس منهم من (يكيت)!
-
جهد واعي لهدف واعد-استنهاض قوى وشخصيات التيار الديمقراطي-
-
آخر خميس!
-
كهرمانة والأربعين وزير!
-
قضايا تستحق الكفاح
-
حكومة الترضية!
-
لا .. يا سيادة الوزير!
-
ثلاثة أحزمة ... أيهما اخطر؟
-
نجحت العملية ومات المريض!
-
اليسار الديمقراطي العراقي بين آلام الماضي و صعوبات الحاضر و
...
-
أكثر من نجاح
-
-الزيارات الأستباقية-
-
الاتفاق المدعوم والشريك المزعوم
-
إنقلاب الصورة
-
الوظيفة المنسية
-
اقبل عيونهم..
-
-الإرهابي المجهول- ومصير البلد المجهول
-
دخان اسود... دخان ابيض
-
مخاطر تهديد الحقوق المدنية والسياسية
-
صفقات وصفعات
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|