علي فردان
الحوار المتمدن-العدد: 971 - 2004 / 9 / 29 - 09:58
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
الحديث عن الإصلاح بدأ قبل عدة سنوات وكان الكثير ينظر للأمير عبدالله بأنه رائد الإصلاح وبأن البلد دخلت عصراً جديداً خاصةً وأن الحلول المطلوبة لمشاكل طال أمدها أصبح من الضرورات ولا تحتمل الانتظار. عندما ننظر للخلف قليلاً ونحلل ما تم "إصلاحه" نرى زوبعة فارغة وطحناً في الهواء بدءاً من مؤتمرات الحوار الوطني التي لم يُطبق من توصياتها شيئاً، وانتهاءً بالإعلان عن انتخابات بلدية رائحتها أزكمت الأنوف قبل أن تبدأ؛ بل نرى تراجعاً إلى الخلف وبشكل مخجل يتنافى مع أبسط مبادئ "الإصلاح".
هل المواطنون غير مستعدّين للإصلاح؟ بمعنى أنهم من الغباء والجهل لا يستوعبون أهمية الإصلاح، وبالتالي يرفضون المبادرات "الحكومية" ويعرقلونها، كما قال وزير الخارجية السعودي قبل مدة؟ هل الخصوصية التي يعيشها الوطن هي السبب؟ فهل نحن نختلف عن باقي الأمم وباقي مخلوقات الله من الآدميين، فلا نحتاج للحرية والعدالة والمساواة والمحاسبة؟ هل الحكومة فعلاً جادة في الإصلاح أم في التسويف والتضليل أملاً في أن تتغير الظروف الدولية فينتهي الضغط على الحكومة، كما في مراحل سابقة وأزمات سابقة؟
إذا ما نظرنا للأحداث خلال السنوات القليلة الماضية سنرى بوضوح بأن البلاد تسير في اتجاه معاكس لما تنبأ به بعض المثقفين والأكاديميين والسياسيين أيضاً من رغبة حقيقية في الإصلاح. بعض الساسة تحدّث وبشكل علني داعماً الأمير عبدالله في تحرّكه الإصلاحي مشدّداً على حاجة السعودية لإصلاحات حقيقية وإن كانت تدريجية. العرائض التي تقدّم بها الكثير من المواطنين ممَثلةً في مجموعات وطنية مخلصة مطالبةً بالإصلاح ومبينةً الخطوات المؤدية له تم استقبالها واستقبال حامليها من قبل الأمير عبدالله بالتأييد مؤكداً بأن مطالب الإصلاحيين هي مطالبه هو. فما الذي تغير إذاً خلال عام أو أقل؟
لقد كتبت سابقاً العديد من المقالات حول مواضيع مشابهة محذّراً من تصديق الادعاءات الحكومية، خاصةً وأن للحكومة سوابق للالتفاف حول الإصلاحات، كما حدث بعد تحرير الكويت وإعلان الملك فهد عن النظام الأساسي للحكم، تبع ذلك إنشاء مجلس الشورى بالتعيين مباشرة وهو كما اسمه يشير إلى أن دوره فقط يقدم المشورة ولا يستطيع نقاش أي موضوع لم يُقدّم له. وتم "توسيع" صلاحيات مجلس الشورى قبل أشهر، هذه الصلاحيات هي أن المجلس يستطيع "اقتراح" مواضيع لنقاشها. هذه أعلى مراتب الديمقراطية في البلاد.
وعندما زادت مطالب الشعب بالانتخابات والمحاسبة والحريات العامة ومؤسسات المجتمع المدني والحريات الدينية، خاصةً بعد تفجيرات سبتمبر 2001 الإرهابية في نيويورك، تلاها عدة عمليات إرهابية طالت الأبرياء في الرياض، جدة، ينبع والخبر وغيرها من المدة السعودية؛ تمخّضت الفكرة "العبقرية" وتم الإعلان عن انتخابات بلدية يتم انتخاب نصف أعضاء هذه المجالس البلدية. هذا التقدم الكبير في المجال الديمقراطي رفض قبول نصف المجتمع في أن ينتخب، وهو المرأة. لم يتوقف القرار "العظيم" هنا، بل زاد على ذلك بأن الشخص يجب أن يكون قد أتم واحداً وعشرين عاماً ليحق له الانتخاب، مع أن من يصغره عمراً يحق له حمل السلاح والقتل والمشاركة في الحروب! وإذا ما تابعنا بقية التفاصيل، نرى العجب. إن أغلب المجتمع هم من الفئة العمرية تحت العشرين عاماً، وإذا كان عدد السكان ستة عشر مليون نسمة وقد تم رفض نصفه، وهو المرأة، بقي ثمانية ملايين. من هذه الثمانية ملايين، يتم رفض أكثر من نصفهم، حوالي 70% هم تحت الواحد والعشرين عاماً (طبعاً هذه أرقام ليست دقيقة، لغياب الأرقام، لكن نتحدث هنا بالتقريب)، يعني رفض ما يقارب 5.6 مليون مواطن، ويبقى 2.4 مليون مواطن. إضافةً إلى استثناء العسكريين، وهم حوالي 300 – 400 ألف في الجيش والحرس وباقي القطاعات العسكرية، ليكون الباقي حوالي 2 مليون. إذا ما عرفنا بأن أكثر الدول التي تُجرى فيها انتخابات، يكون عدد الناخبين مابين 40-60%، يعني أن عدد الناخبين هم حوالي مليون شخص فقط.
أود أن أؤكد بأن هذه الأرقام ليست دقيقة، لكن النقطة الأهم في موضوع الانتخابات البلدية هي ليست في وجودها، ولا في قوانينها، بل في صلاحيات المنتخَبين من أعضاء المجالس البلدية، أي الذين سنختارهم ليمثّلونا في هذه المجالس. الحقائق التي يعرفها أكثرنا، هي أنّنا لا نعرف عن هذه الصلاحيات شيئاً، خاصةً وأن نصف عدد الأعضاء هم معيّنون من قبل الحكومة. فماذا سيستفيد الشعب من انتخاب ألواح، عفواً أعضاء يجلسون كالألواح، والقرار ليس بيدهم؟ في الرياض سيكون القرار بيد الأمير سلمان، وفي الشرقية سيكون القرار بيد محمد بن فهد، وفي الغربية كذلك والشمالية. إذاً هذه الانتخابات وإن بدت خطوة للأمام كما يدّعي البعض بحجة أن الهدف هو إدخال فكر اسمه انتخابات، فهي تراجع كبير عمّا أراده الشعب في ظل غياب صلاحيات واضحة للمجالس البلدية، بل بدون صلاحيات أصلاً، كما في السابق، وحتى لو كانت هذه الصلاحيات مكتوبة على الورق، فهي لن يتم تطبيقها، كغيرها من القوانين التي أمام أعيننا.
الموضوع الآخر هو قرار مجلس الوزراء قبل أيام بمعاقبة أي موظف ينتقد سياسة الدولة في بيان أو خطاب أو حوار إعلامي عن طريق التحدث للصحافة المحلية أو الخارجية أو عن طريق إعداد بيان أو مذكّرة أو المشاركة في اجتماع، وهذا يعني غلق كل سبل التواصل ما بين الشعب وبين الحكومة، وهذا معناه: لا تتحدث، (مو شغلك)، أي أن الفجوة ستتسع بين الشعب والحكومة؛ في الوقت الذي تطالب فيه الحكومة الشعب بالتعاون معها لدحر الإرهاب. الحكومة تريد الشعب أن يسير في اتجاه واحد فقط، كقطيع الغنم، فهي لا تُسأل عما تفعل، والشعب: يُسألون عمّا يفعلون.
لو انتهى الأمر إلى هنا، لربما لم نفقد الأمل، بل زاد على ذلك ما حصل من سجن الإصلاحيين الأبطال، قادة الإصلاح والمجتمع المدني، الأساتذة متروك الفالح، عبدالله الحامد وعلي الدميني الذين مضى عل سجنهم ما يزيد عن ستة أشهر، حيث تم اعتقالهم يوم الثلاثاء 16 مارس 2004 م وبعد محاولة محاكمتهم بدعوى إثارة الفتن وتبرير العنف والإرهاب والتشكيك في استقلالية القضاء إلى آخر المهزلة.
أبطالنا الثلاثة قد دفعوا ثمناً غالياً لا يُقاس بالمال، حيث رفضوا التنازل عن مبادئهم وعن قضية شعبهم وحقوقهم كبشر وكمواطنين. رفضوا التنازل وتحمّلوا السجن والبعد عن زوجاتهم وأطفالهم، رفضوا أن يبيعوا أخلاقياتهم كما فعل الكثير من الأساتذة "الكرام" من وزراء ومسؤولين، من صحافيين وأكاديميين، مثل أعضاء لجنة حقوق الإنسان السعودية التي أنشأتها وزارة الداخلية لإعطاء الشرعية على انتهاكات حقوق الإنسان وعليهم في اللجنة التصفيق والتأييد.
لقد تحّدثت عن موضوع المحاكمة الهزلية للإصلاحيين في مقال سابق: مهزلة القضاء السعودي: إذا بُليتم فاستتروا ويبدو أن الحكومة تقرأ ما نكتب، حيث أنهيت مقالتي بأن المحاكمة العلنية بلوى وفضيحة، فلو تم طبخها في الظلام لكان أفضل للحكومة. وعليه فقد تم تحقيق مطلبي (شكراً للحكومة السعودية)، فقد أصدر القاضي محمد بن خنين قراراً يوم الأربعاء 22 سبتمبر 2004 م، بتحويل المحاكمة العلنية إلى سرّية قائلا: (إن هذا القرار لا رجعة فيه، غضب من غضب، ورضي من رضي، وبتوجيهات "كريمة" من ولي الأمر الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية). تم إبلاغ المحامين عن أبطال الإصلاح والمجتمع المدني وهم إبراهيم المبارك وخالد المطيري وعبدالرحمن اللاحم بهذا القرار خلال اجتماع القاضي معهم يوم السبت 25 سبتمبر 2004 م. في اليوم التالي، الأحد كتب الأستاذ متروك الفالح خطاب اعتراض شديد اللهجة موجهاً للشيخ اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى، رافضاً هو وزملاؤه وكذلك المحامون القبول بمحاكمة سرّية تفتقد وجود الجمهور فيها.
إذا ما وضعنا جميع النقاط أعلاه مع بعضها البعض من انتخابات نصفية تحرم المرأة من المشاركة وبدون ضوابط وصلاحيات للأعضاء المنتَخبين، وقرار مجلس الوزراء الذي يهدد بالعقوبة كل من يعترض على سياسة الدولة، وأخيراً الأمر بسرّية محاكمة الإصلاحيين، نخلص إلى نتيجة أن الحكومة، كما ذكرت سابقاً، لم تكن ولن يكون لها نية حقيقية في الإصلاح؛ فالإصلاح يعني المشاركة الشعبية وتقليص صلاحية آل سعود ومحاسبتهم على أفعالهم كما يُحاسب المواطنون، وهذا لن يقبل به آل سعود حتى لو نتج عن ذلك دمار الحرث والنسل.
#علي_فردان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟