سلام الاعرجي
الحوار المتمدن-العدد: 3243 - 2011 / 1 / 11 - 12:59
المحور:
الادب والفن
لقد حاول برتولد برشت ان يعيد قراءة خطاب الادب - المسرحي حسرا - في حوارية أفتراضية مهنية وظيفيفية من جهة وفلسفية من جهة اخرى بين رجل المسرح والفيلسوف
مؤشرا اهم مسارات التلقي في مؤلفه ليالي المسنكاوف او ثراء النحاس , فيما نحاول بتواضع ازاء تجربة هذا المبدع وفي حوارية افتراضية ان نعيد قراءة آليات الاخراج المسرحي من خلال تساؤلات التلقي
المتلقي :أنك تعتقد ان التغيرات في حياة المجتمع وفي البنية ألأجتماعية و العلاقات المتبادلة بين الطبقات تؤثر تأثيرا مباشرا على الفن ؟
المخرج : لاشك , ألا ان سؤالك هذا سيدفعنا الى الخوض في احد اهم القضايا الفلسفية تعقيدا : الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي , كيف , ولماذا ؟ كلانا يؤمن ان الفن شكلا من اشكال الوعي الاجتماعي ! ولكي نعي حجم تاثير هذا المفهوم لابد لنا من الاشتغال على تنوع اشكال ذلك الوعي وآليات ودوافع تطوره .
المتلقي : أرى اننا سنختلف كثيرا , فثمة فارق كبير بين الثقافة الروحية والوعي الاجتماعي !
المخرج : انني استعمل مفهوم الوعي الاجتماعي لأنه الادق في هذا المجال , ذلك ان مفهوم الثقافة الروحية عائم وغير محدد ...
المتلقي : لماذا تذهب دائما الى اقحام مفاهيمك الماركسية في تعاملك مع كل الظواهر ؟
المخرج : ذلك لأن الماركسية قد تعاملت مع هذه المواضيع بعلمية وموضوعية ! كيف ؟ الم يكن مجمل المنجز الثقافي البشري من نتاج وعي الانسان ؟ وهل كان الانسان كائنا فريدا مجردا ؟ الم يرتبط بروابط عديدة مع المجتمع ؟ الا يمكننا ان نقول ان حياته الروحية الذهنية تبدو بمثابة ظاهرة اجتماعية ؟ أي انها بمثابة الوعي الاجمالي للناس الذين يعيشون في ذلك المجتمع .
المتلقي : انت تريد ان تقول ان الماركسية تفسر مسألة العلاقات المتبادلة بين المادة والوعي بين الوجود المادي والنشاط الروحي لصالح اولوية المادة
المخرج : بل تحلل العلاقة ولاتفسرها اولا , ثانيا انها تقدم تفسيرا للتاريخ عبر اولوية الوجود الاجتماعي وثانوية الوعي الاجتماعي ! كيف ؟ ان حياة الناس المادية الاقتصادية والانتاجية والعلاقات التي تنتجها العلائق الانتاجية في سياقها , هي التي تمثل الوجود الاجتماعي وهو بذلك وجودا ماديا , والوعي الاجتماعي هو الجانب الروحي والآيديولوجي المتوفر على آراء الناس وتصوراتهم في اطار الحقوق والاخلاق والفن والدين والسياسة وهو انعكاس للوجود الاجتماعي .
المتلقي : عودا على بدء , لنقل , انك ترى ان اهم مرتكزات خطاب العرض المسرحي هو الخطاب الادبي ! كما انك ترى ان الرؤية الاخراجية وقدرتها على توظيف مؤسسات خطاب العرض المادية هما المحوران الاساسيان اللذان قادا الى تطور خطاب العرض المسرحي , ورحت تبحث في التماهي والتغريب كتقنيات ابدعتها النظرية الاخراجية ورحنا نبحث عن اثر التغيرات الحياتية المجتمعية في المسرح , الا ترى اننا نبتعد في حديثنا هذا عن موضوعنا الاهم ؟
المخرج : ابدا , بل نحن في صلب الموضوع , المسرح واحد من اهم الفنون , اذا هو شكل من اشكال التعبير عن الوعي الاجتماعي , والمسرح يحاول محاكاة الواقع على وفق رؤية ما , وهو بالتالي سينتج نمطا من العلائق الانسانية والاجتماعية وسيطرح نموذجا لتلك العلائق , بل سيقدم , افراد على انهم ابطال , وسيقدم مجتمعات على انها نخب , وسيقدم ظروفا مثالية او قسرية وذلك ما يجعلني اقول لك اننا في المنطقة الصح!بمعنى آخر أن حبكة الخطاب والشخصيات واللغة والحوار ودائرة العلاقات الاجتماعية والازمة ومجمل العقد المتلاحقة وكل مايؤسس للبنية الكيفية للخطاب يجب ان تخضع للدراسة هنا قبل ان نذهب الى التغيير الهائل الذي حصل في المسرح على صعيد طبيعة العلاقة بين المتلقي وخطاب العرض
المتلقي : انك تريد ان تضع بعض المقدمات النظرية لانتاج النص المسرحي ومن ثم تذهب الى صياغة الآليات المنسجمة اخراجيا ؟
المخرج : كنت اود ان اشير الى ان الدراما بشكل عام تشتغل على كيان معقد واعني به المجتمع بمكوناته الاساس , الطبقية والفئوية, وفي حال الاشتغال على هذا المسمى كان من المهم بمكان ان نلم بالكثير من التفاصيل كتابا كنا او فنانين , مثلا ماهي العلاقة بين الطبيعة المتخمة بالثروات والعمل , ومن الذي ينبت العمل في مواد العمل ويعالج تلك الطبيعة ويرغم الخواص المادية للاشياء وقوى الطبيعة على خدمة الانسان ؟ من الذي يعمل على خلق خواص وقوى جديدة لايمكن حتى مصادفتها بشكلها الجاهز ؟ انهم الشغيلة ولا شك , الجزء الاكبر من قوى الانتاج , واذا كنا معنيين بمحاكاتهم فكيف سنصورهم ؟ او ماذا يعني لو نصورهم على انهم هم من يحدد طابع العملية الانتاجية والقوى المنتجة ؟ وما هي ابعاد الصورة في وعي المتلقي ونحن نؤكد قدرتهم على الالتحام بادوات العمل ؟ اننا نشتغل - نحاكي - في منطقة معقدة انها , المجتمع , موضوع التاريخ وذاته , وما يتوفر عليه من امكانيات بشرية , كانتاجه للحضارة واللغة والربح وتوفره على الاتجاهات المرتقبة في الحياة , كما ان علينا ان نضع في الحسبان ان كل شيء في التاريخ لن يتوقف على ارادة اورغبة الافراد وربما الطبقات ايضا ! ومن هنا يتوجب علينا ان نفكر !!! ماهو السؤال الذي يجب ان تطرحه الدراما ؟ ماهي قوى الانتاج وما هو الدور الذي يجب ان تلعبه جراء مكانتها في الاقتصاد المنظم مثلا ؟ ام انها ستحاكي السير الذاتية والقدرات الفردية الخارقة ؟ قد نتفق ان بعض اصحاب التيجان والصولجانات افراد ذوو قابليات فريدة ونادرة الاانهم قلة لايمكن ان تذكر اذا ما قورنت بالكم الهائل من القياصرة والاباطرة والملوك والنبلاء الذين ليس لديهم اي مواهب او قابليات ذاتية تميزهم , بل ربما من ابرز مميزاتهم انهم تربعو وهيمنو وجثمو على صدور الناس بالوراثة , اقول لك لااستطيع ان اتصور ان مقدار الثروة معيارا للقابليات والمواهب كما لايمكن ان اتصور ان وارث راس المال شخصية مهمة .
اني اريد كمخرج ان اتوفر على نموذج انساني, وابحث عن لغة خطاب خاصة لغة مسؤلة عن انتاج منظومة الوعي المجتمعي وهي وسيلته في تدوين افكاره وتبادلها وهي المنظمة للعمل المشترك وعلى اساسها ظهر الادب الشعبي وكل انواع الادب والفنون , كل تلك المفاهيم لااستطيع ان اتجاوزها فلا بد من تدوين موقف حاسم من كيفية تعاطيها والآلية المعتمدة
المتلقي : وهل تعتقد ان ( أروين بسكاتور ) قد اخضع النص المسرحي الى اشتراطاتك القسرية ؟
المخرج : ان ما ابحث عنه في النص ليس سوى الفكرة التي تستجيب لما ذكرته في اعلاه , اما بسكاتور فقد أصبح النص من وجهة نظره متهما بالعجز وعدم القدرة على انجاز او حتى المساهمة في انجاز وظيفة المسرح الاهم واللتي تدفع المتلقي صوب انتزاع قرار عملي يعيد صياغة قانون الحياة المعاشة المنتجة و بفعالية عالية , وتاسيسا على هذا الفهم الوظيفي تشكلت لديه بنية خطاب العرض , بنية تحكي سردا صوريا وان طغى على الموجودات المادية المرئية التماثل بين دالاتها ومدلولاتها - الايقونية - , اي انها تتحرك على وفق نظم وانساق علامية مسرحية من الايقنة الى الاستبدالات الكنائية كنمط اشاري او علامات ايقونية , اي انها تماثل المرجع الواقعي , او علامات رمزية - تكشف عن طبيعة العلاقة بين الدال والمدلول - فتنفتح على تعددية معنياتية تصطدم في نقطة التقاء الخطين البيانيين المتعامدين للبنية الفوقية والتحتية الأجتماعية كاشفة بذلك عن بطلان قانون البنية الفوقي المؤدلج , لتؤكد شرعية قانون الانتاج المجسد لظرف الأنتاج والحافظ لقوى العمل والأنتاج كامل مستحقاتها .
المتلقي : وكيف ينسجم ذلك مع مؤسسات الموجود المادي لدى آروين بسكاتور ؟
المخرج : انك تحاول الاشارة الى المكننة والمعدات الثقيلة التي اسست فضاءه المسرحي , ارى ان ذلك لم ياتي اعتباطا قدر اقامته للحد الفاصل بين قوى منتجة ومستهلكة , كي يرتفع بوعي التلقي من خلال الادراك الحسي الى الفهم كبديل عن التطهير الارسطي سعيا وراء تحرير وعيه لرفع اغترابه عن انتاجه , فكانت خطوته الاولى كما ( برتولد برشت ) مع النص الذي لم يعد يشكل له أي هاجس فقد تم تاميمه واستثماره على المسرح .
المتلقي : اي انه ؟؟؟
المخرج : اي انه لم يعد أنعكاسا لتجربة ذاتية ولايصدر عن فردية مشاعرية او حسية .
المتلقي : لكنه نصا ذاتيا ! ؟
المخرج : يمكن ان تعمل على انتاجه مجموعة من الدراميين وتمسرحه اي تنتجه لصالح المسرح .
المتلقي : وهل هذا برايك مسرحا يمكن ان نعتد به ؟
المخرج : وان لم افقه معنى الاعتداد ! ألا اني انظم الى موقف برتولد برشت من مسرح آروين بسكاتور , حيث يرى ان خطاب المسرح البسكاتوري مؤتمرا برلمانيا ينضج موقفا نقديا من قانون حياتي ذا انعكاسات مستقبلية , ذلك الموقف المعروض مدعم بالوثيقة والشريحة الفيلمية والحدث التاريخي يبدعه على وفق خطاب مسرحي مجموعة من الدراميين المدعومين من المؤرخين والاقتصاديين والاختصاصيين , فياتي خطاب العرض بعد ذلك وثيقة او حجة تقدم الى الهيأة التشريعية او صاحبة القرار ويعني به المتلقي او بمفهوم آخر الشغيلة عصب الحياة ونسغها الصاعد .
المتلقي : بمعنى ان المسرح غير معني بألألتزام تجاه ألأدب طالما انه يهب لنجدة نفسه أولا , وأن المسرح لم يعد أنعكاسا سايكولوجيا ذاتيا صرفا , بل هو فن للمشاهدة والعرض وألأراءة .
المخرج : ولكن ثمة شرطية في مادة العرض , أنه عرض مباشر للتاريخ وليس خلفية للفعل الدرامي , بل في المستوى الاول للعرض .
المتلقي : أذا , أن ثمة طرفين يشير اليهما بسكاتور العرض والتلقي والعلاقة الجدلية بينهما .
المخرج : الى حد ما نعم ! العرض وتاويله خلال عملية الانتاج والتجسيد , والتلقي وتاويله خلال عملية التلقي , ثم خطاب العرض المسرحي المتوفر على الطرفين , الحالتين معا . فأذا كان الطرف الاول تارخة التاريخ فالثاني اعادة صياغة تلك التأرخة من الوعي الجمعي الى الوعي الذاتي .
ان الكشف الذي يقدمه العرض عن ذاتية وموضوعية الظروف للحدث التاريخي يشرع بفتح تعددية خيارية مشتغلة في تلك الظرفية - الذاتية والموضوعية - ومتمكنة في ذات الوقت من طرح نتائج ربما كانت على طرفي نقيض مع الحادثة التاريخية ذاتها وبهذا سيكون المستوى الثاني - المتلقي - منفتحا على العديد من الخيارات وامكانية تشخيص ألأسباب وتحديد النتائج لخلق معيار فعال ونشط ذاتيا وموضوعيا .
المتلقي : ومن هنا يتحدد موقفه الرافض للنص , بل حتى المسرح , أذ يتهمه بالرجعية من خلال تكنيكه وموضوعاته , ولكن كيف يتعامل مع المسرحية الشكسبيرية مثلا ؟
المخرج : انه يرى في المسرح الشكسبيري كانجاز في عصره , أكثر حداثوية وجدة وثورية بل شكل في عصره أنجازا تقنيا جديدا على مستولى ألأنتاج , لقد أحتوى أزمات عصره , ألا ان هذا لايعني ان شكسبير قد وجد ضالته المنشودة
نهاية الجزء الخامس
الدكتور سلام الاعرجي
#سلام_الاعرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟