جمشيد ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 3243 - 2011 / 1 / 11 - 12:02
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كنت و ازال اكره المستقبل لاني اجبرت ان اركض وراء هذا الشيطان الملعون لحد الجنون. (مسقبلك ابني) نعم هذه هي الكلمات التي كان يكررها والدي رغم ان علاقتي به لم تكن حميمة طبعا من ناحيتي فقط. كان يحرص والدي دائما على مستقبلي و يرددها و يقول: ابني انظر الى الامام المدرسة ثم الجامعة لتكون لديك في المستقبل وظيفة و سيارة و زوجة و بيت لتخدم وطنك.
بصراحه لا اكره المستقبل فقط بل تزعجني كلمة الوطن و الوطنية احيانا اكثر لاني لم اكن في لحظة من حياتي وطني لاني لربما اشعر بحنان لمسقط رأسي و بعض البيوت الفقيرة و الشوارع القذرة في المحلات التي عشت فيها و لكن بقية مناطق الوطن لا تهمني ابدا حتى اذا اغرقت في الطوفان.
و لكني اتعجب كيف استطاع والدي ان يعرف وانا لا ازال صغير تسلسل منجزاتي المستقبلية: الوظيفة - السيارة - الزوجة - البيت. دعني ابدأ بعد مشقة الدراسة و التنقل الى تلفات (أخر) الدنيا حصلت فعلا على وظيفة و اصبح لي راتبي الخاص و عندها هجم عليّ والدي مباشرة و انّب ضميري: ابني انا و امك سهرنا و تعبنا عليك و اليوم جاء دورك لترد الجميل ثم بدأ بالاستشهاد بالايات القرآنية من نوع (و قضى ربك .. و بالوالدين احسانا) رغم انه لم يكن يصلي و يصوم اطلاقا. قال لي هذه الكلمات رغم انه لم يكن في حاجة مالية لي و اخذ مني بذلك نصف الراتب و احلامي في شراء ملابس جديدة و سيارة فقررت ان اترك الوظيفة و الوطن الغالي.
ولكن تحقق تنبؤات والدي مرة ثانية في الغربة و تزوجت بعد ان حصلت على وظيفة جديدة و اشتريت سيارة و بيت وعندها طلب مني والدي ان ارسل له صورة مع زوجتي الحبيبة في سيارتنا الجديدة امام حديقة بيتنا العطرة و عندما رأى الصورة و السعادة تملأ وجوهنا عاود و طلب مني ان اخلف اولاد (و بنات) و احصل على درجة الدكتوراه لكي يفتخر بي امام الناس ويعيد جزء من ثقته بنفسه.
و لكني يجب ان اعترف باني في اللحظة التي حققت فيها جميع احلام والدي فقدت حماسي واهتمامي بالمستقبل مرة اخرى واصبحت العنه و ارى الزوجة والوظيفة و السيارة بانها ليست الا توقيع على عقد و سجن ابدي بالاشغال الشاقة.
واليوم تحول المستقبل الى ارهابي يلاحقني اينما اذهب. تحول المستقبل الى منافسة قاتلة لا يترك لي دقيقة ان اهدأ فرسمت هذا المارد اللعين خلفي على حائط مكتبي و بدأت انظر الى الوراء في كل صباح.
www.jamshid-ibrahim.net
#جمشيد_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟