رعد الحافظ
الحوار المتمدن-العدد: 3242 - 2011 / 1 / 10 - 07:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
( قراءة لمقالات تنويرية )
ربّما يحّقُ لنا إعتبار القرن الحادي والعشرين الذي إنتهى للتو عقدهِ الأوّل , هو بداية عصر التنوير الإسلامي ؟
كما كان القرن السادس عشر مثلاً , هو بداية عصر التنوير في أوربا ؟
عندما رفعوا شعار كُن شُجاعاً وإستخدم عقلكَ , في جميع شؤون حياتهم ؟
الفارق الزمني بين ظهور المسيحية والإسلام , حوالي ست قرون , فلا بأس إذاً , لو نبدأ خطواتنا بالتنوير بعدهم بخمسة قرون فقط .
مع أنّ طريقنا أسهل وأصلح ومفروش بمخترعاتهم الغربية التي تملأ عين الشمس بتنوعها وفوائدها للبشرية .
وعملياً نحنُ لا نبدأ التنوير من الصفر , فقد تُرجمت الى العربية وباقي لغات المُسلمين أغلب كتابات مشاهير التنوير, والمفكرين والفلاسفة الأوربيين , من أمثال / جون ستيوارت ميل وكوبرنيكوس ولوك وكانط وفولتير وجان جاك روسو ونيتشة وهيغل وفيورباخ وماركس وبرتراند راسل, وغيرهم كثير .
ناهيكَ عن الإصلاحيين والتنويرين العرب والمسلمين ( الفُرادى ) في عهود متفرقة ( سابقة ولاحقة ) , أمثال / جلال الدين الرومي ومحي الدين بن عربي وإبن رشد والكواكبي والأفغاني وصولاً الى طه حسين وفرج فودة وسيّد القمني .
****
اليوم بأمكاننا الدخول الى المختبر الغربي لنطلع على تجاربهم بشأن الديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والعلمانية بفصل الدين عن الدولة , وما آل إليه الوضع عندهم من رفاهية وتطوّر .
تلك ميزة توفّرت لنا ولم تكن متوفرة لهم .
إذ كانوا هم السبّاقين إليها بسبب ما عانوه من تخلّف ودمار وحروب وتدّخل الدين في كلّ شيء , قبل أن يبدؤوا طريقهم في التنوير .
فنحنُ نستفيد من تجربة الغرب , كالتلميذ الكسول الذي لو شاء الإستفادة من محاضرات زميلهِ المتفوق الذكي , فأنّه سيعوّض الفارق وربّما يخطو خطوات كنغرية تضعهُ في ركب المتفوقين .
ولا عيب في ذلك , شرط مساهمتنا الإنسانية الفعّالة .
فالحياة أخذٌ وعطاء , ولا تستقيم بأحدهما فقط !
*******
هل جَلَب إنتباهكم في الأعوام الأخيرة تلكَ النهضة الفكرية ( التي أقدم عليها مشايخ معروفين ) في فهم التراث الديني وإعادة صياغتهِ من جديد ليلائم العصر الحالي ؟
لماذا إعترض البعض في مقال سابق بعنوان ( أسلمة أوربا أم أوربة الإسلام ؟ ) على مجرّد التلميح بضرورة إصدار نسخة جديدة منهُ تلائم العصر ,
خصوصاً في أوربا العلمانية ؟
ألم يستمع المعترضون على فكرتي كلام المشايخ ؟ أمثال أحمد القبانجي وأياد جمال الدين وجمال البنّا ؟
وحتى د. أحمد الطيّب / شيخ الأزهر الجديد ( وهو صوفي ) يُعتبر تنويري بنظر الكثير .
هل هؤلاء يريدون مصلحة المُسلمين , ونريد نحنُ دمارهم ؟
وماذا عن المفكر السعودي / إبراهيم البليهي , الذي يقول
أنّ العرب والمسلمين صاروا إضحوكة العالم , بسبب رفضهم إعمال العقل . وتبنّي ( بعضهم ) أعمال القتل وقطع الرؤوس بفتاوي صريحة
وأنّهم سبب تراجع العالم وتقهقرهِ , وأنّهم سبب تشدّد الغرب في قوانينهِ وحربهِ ضدّ الإرهاب وحتى أزماتهِ الإقتصادية .
هذا الرجل هو عضو مجلس الشورى السعودي وهذا رابط لقاءه مع الإعلامي / تركي الدخيل في برنامجه , إضاءات
http://www.youtube.com/watch?v=4Rzkb7mTgaw
هذا عدا عن كتابات التنويريين العقلانيين وإتساع رقعة قرّائهم وجمهورهم؟ الى ماذا يُشير كلّ ذلك ؟
ألسنا أمام المدخل الواسع الى عصر التنوير الإسلامي ؟ اللهم آمين
*****
أمثلة عن الكتّاب التنويريين
سأورد أدناه , نصوص قصيرة لثلاثة من التنويريين المعروفين حالياً
هم نضال نعيسة وسّد القمني ود. شاكر النابلسي
يقول الكاتب نضال نعيسة , في مقالهِ / أيّهما أولى بالنقد المسيحية أم الإسلام ؟ وهذا رابطها
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=239627
[ من المعلوم تماماً أن ما تعرضّت له المسيحية من نقد من قبل المسيحيين في عصر التنوير , لهو أكثر بكثير مما تعرض ويتعرض له الإسلام من نقد وتشرير.
وقد قال فيها مصلحون من أمثال مارتن لوثر وكالفن وغيرهم ما لم يقلهُ مالكَ في الخمر، ما أفضى لاحقاً لانهيار وسقوط الكهنوت المسيحي والأسطورة الدينية في الغرب .
وكان قد اضطلع بهذه المهمة ، سابقاً ،ولاحقاً كتاب تنويريون غربيون علمانيون، مسيحيون أصلاً، أصبحت أسماؤهم لاحقاً منارات في الفكر والتنوير، ولم يكونوا مسلمين، أو يهود، أو بوذيين، ما يعني بالدارج أنه على كل فرد أو مجموعة بشرية أن "تقلع أشواكها" بأظافرها , و "أهل الدار" أولى بهذه المهمة من غيرهم .
ولقد تعقلنت المسيحية، إلى حدٍ ما، فيما بعد وخرجت من الساحة السياسية والمجتمعية تقريباً وانفتحت الساحة على مصراعيها أمام كل أشكال النقد والتشريح ووضعت كافة التصورات عن الوجود في إطارها الصحيح.. إنتهى
كأنّهُ يرّد على القائلين / لماذا الإسلام فقط ؟
**********
الليبرالية تحتاج زعيم يؤمن بها
يقول / سيّد القمني في هذا الشأن في مقاله الموسوم / أمّا أتاتورك أو جودو ,
المنشور بتاريخ 30 / 12 / 2010 , في الحوار المتمدن ما يلي :
[ في ظل تغوّل السلطات الدينية والسلطات السياسية المتحالفة مع رأس المال، واستثمار السلطة السياسية لهذا المناخ الديني، وتقويته، ودعمه لمزيد من استمرار وجودها على رقبة الفريسة، وكلٌ منهم يريد نصيباً أكبر، فلا حل عندي الآن سوى أن يظهر في بلادنا أتاتورك عربي، وهو ما كنت أرفضه حتى وقت قريب إيماناً مني بوجوب أن يبدأ الإصلاح من أسفل وبالناس.
لكن ما وصلنا إليه من فساد وانهيار وتعدد المفترسين، وقبل أن يصبح البشر في بلادنا مجرد كائنات بدائية قياساً على عالم إنسانية مختلف عنا، يتباعد عنا كل ليلة، بمسافات ضوئية، فإن أتاتورك عربي يصبح المطلب الراهن، والمُلِح.
وهو بدوره ما لا نرى عليه أية علامات في المستقبل المنظور ] إنتهى
وهذا هو نفس المقطع بالضبط الذي إختار ذكرهِ د. شاكر النابلسي , في مقالهِ الموسوم / لا ليبرالية دون سلطان .
كرّرَ فيه دعوتهِ القديمة التي طالما رددها على الملأ , وأضاف ما يلي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=240640
[ وعلينا أن نعلم، أن التنوير لا يتّم بين عشيةٍ وضحاها.
فالتنوير يحتاج إلى سنوات كثيرة من العمل الجاد والشاق، يبدأ بالتحرر من الرؤية القديمة للعالم، وإحلال الرؤية العقلانية، أو الفلسفية محلّها.
ثم تفكيك كل العقائد، والكشف عن تاريخيتها، وتحرير الناس من هيمنتها.. الخ.
لكن العرب الآن – في ظني – مُهيئين لتقبل أفكار عصر التنوير أكثر مما كان عليه الأوروبيون في القرن الثامن والتاسع عشر لأسباب كثيرة.
ما ينقصهم هو القيادة السياسية، التي تُحقق التنوير على أرض الواقع، كما فعل أتاتورك منذ 1923، وكما فعل الحبيب بورقيبة في تونس منذ 1956، وكما يفعل الآن عبد الله بن عبد العزيز في السعودية.
وكما قال الخليفة عثمان بن عفان فإن "الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"
(يزع تعني يردع)
والعالم العربي الآن نتيجة للقرن العشرين، والانفتاح الواسع على الغرب، وثورة الاتصالات، وإجراءات العولمة، مستعد، ويتقبل أفكار التنوير وتطبيقاته .
وما ينقصه هو القرار والفعل السياسي من قائد شجاع وتاريخي كالحبيب بورقيبة مثلاً ] إنتهى
**********
الجزء الثاني من المقالة / جامع التنويريين
أمثلة على مشايخ يؤمنون بالتنوير
ليس المقصود بالجامع هنا (( المسجد )) , بل هو المجتمع أو الفكر الذي يمكن لهُ أن يجمع كل العقلاء والمتعلمين والإصلاحيين من كل الفئات .
إنّهُ بالتأكيد ليس المجتمع الديني المنغلق , بل هو المجتمع المدني وحقوق الإنسان وإختفاء التزمت الديني .
وعن التزّمت الديني , يقول فيورباخ ( وهو أستاذ ماركس بالنزعة المادية ) ما يلي :
[ الإيمان ب إله معيّن يؤدي الى عدم التسامح مع الآخرين الذين لا يؤمنون بنفس الإله .
هذا معناه أنّ عدم التسامح سيكون نتيجة حتمية للتديّن ] .
المثال الأوّل / الشيخ أحمد القبانجي
في لقاء للشيخ مع موقع الطيف بتاريخ 26 / 11 / 2010 , قالَ مايلي
http://www.nirgalgate.com/asp/v_news.asp?id=13070
ـ لا نرى بأس من إطلاق الحريات , خاصة حرية المعتقد وحرية التعبير وحرية تغيير الدين لان ذلك لا يمس أصل الإيمان بالله
بل أن الإيمان بالله يستلزم ويقترن مع الحرية , لأن .. لا إيمان بلا حريّة.
- الحداثة هي إنفجار في جميع أبعاد الإنسان الوجودية.
-من واجب المثقف أن يبادر إلى العمل بمسؤلياته الإنسانية والدينية في تنوير أذهان الناس وتثقيفها , وعدم إنتظار الأذن من الفقهاء ورجال الدين.
المثال الثاني / الأستاذ جمال البنّا
في مقالهِ / المسألة الشعبية بين جورج صاند وجوستاف فولبير ,بتأريخ 7 / 1 / 2011 , يناقش موضوع مهم جداً هو مشاعر وأحاسيس وأفكار التنويري وما يعانيه ويكابده من خلال إخفاقات مجتمعهِ وسلبياتهِ نتيجة الأحداث المختلفة .
يتناول ذلك عبر آراء ورسائل إثنين من المفكرين والكتاب الفرنسيين اللامعين الأفذاذ
هم / جورج صاند وغوستاف فولبير , وهذا رابط مقالهِ الرائع
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=240782
عن الشخصيتين يقدّم ما يلي :
كانت جورج صاند , سيّدة وناشطة فكرية أمضت حياتها في الدعوة للحركات النسويّة بوجه خاص ، وقد أثارت دهشة معاصريها عندما إرتدت أزياء رجالية ودخنت السيجار وقد تعرفت علي كبار الكتّاب في عصرها . وهي إبنة الثورة الفرنسية .
فقد ولدت سنة 1804م وتَمثلَ فيها كل ما في الثورة من تحرر وإنطلاق وتفاؤل وإستبشار وتطلع نحو المستقبل .
وكان أسلوبها سهلاً لا تكلّف فيه , تكتب بيُسر كما لو كانت تغرفُ من البحر .
أمّا جوستاف فلوبير , فهو من أعلام الأدب الفرنسي , وقد منحته رواية "مدام بوفاري" شهرة عريضة ، وعُرفَ عنه الدقّة في استخدامِ الكلمات , والعناية الفائقة بالأسلوب .
ولد عام 1830 , إبنًا للإمبراطورية الثانية ، إمبراطورية الفشل والهزيمة وكان يعكس مشاعر اليأس والقنوط وعدم الثقة في الطبيعة البشرية , والكفر بالشعارات العامة .
وبوجه خاص الديماغوجية والشعبية .
وكان في كتابته ، كما هو في فكره السياسي ، أرستقراطيًا لا يعني بالكمّ وإنما يعني بالكيف ، يتخير ويحكم الأسلوب ويعاني في هذا كأنما ينحت من صخر ، وقد يقضي أسبوعًا في صياغة فقرة واحدة ، ولكنه في النهاية يُخرِج درة فريدة مثل "مدام بوفاري".
**********
وعن الحوار بين الشخصيتين ( التنويريتين ) أنقل لكم هذا الجزء , كمختصر وافي من مقال جمال البنّا :
كان كل واحد منهما يقدّر الآخر وإن لم يسلّم بوجهة نظره .
كان لدى جورج صاند , السّن والسبق وهذا المَعين الذي لا ينضب من العاطفة المشبوبة والمشاعر .
وكان لدي جوستاف فلوبير الامتياز، وفحولة الرجولة والثقة في مبادئهِ التي برهنت عليها الأحداث.
كان يكتب إليها "أستاذتي العزيزة" ، وكانت تكتب إليه "شاعري العزيز"
دون أن يتراجع كل واحد منهما عمّا آمن به , وما كان يثبته بالعقل والواقع من ناحية أو بالمزاج والنفسية من ناحية أخرى .
يضيف البنّا / ولن نعرض في هذا المقال إلا للمراسلات التي تتعلق بما يمكن أن نسميه "المسألة الشعبية" والتي أبرزتها بوجه خاص هزيمة فرنسا في الحرب السبعينية (1870) أمام الألمان وسقوط الجمهورية , وظهور "الكوميون" ثم سقوطه بدوره وما عاصر ذلك وما تلاه من تقلبات وأحداث دفعت إلي صدارة الفكر بالقضية السياسية ودور الجماهير وما هو حسن أو سيء فيها .
في هذه الفترة كتب فلوبير إلى صاند يقول :
"لست أظن أن في فرنسا بأسرها رجلاً أشدّ حزنًا منّي (وإن ذلك يتوقف علي حساسية الناس) ، إنني أموتُ من المهانة تلك هي الحقيقة .
كل التعازي تثيرني وما يجعلني أكتئب هو وحشية الناس ، والاقتناع بأننا ندخل مرحلة سخيفة ستكون فيها الشعوب معسكرات جماعية حربية .
إن الحرب البروسية قد أنهت الثورة الفرنسية ودمرتها .
قد تفترضين أننا قد ننتصر ولكن هذا الافتراض يناقض تماماً كل الشواهد التاريخية .
فأين رأيتِ الجنوب يقهر الشمال ؟ والكاثوليك يحكمون البروتستانت ؟
إن الجنس اللاتيني يحتضر , وفرنسا ستذهب لتتبع إسبانيا وإيطاليا .
لو كنتُ أستطيع الفرار إلي بلد لا يرى فيها الإنسان بدلة عسكرية , ولا يسمع دوي الطبول ولا يتحدث عن المجازر , ولا يجبر علي أن يكون مواطنًا , لفعلت .
لكن الأرض بأسرها تضيق الآن بالحكماء .
ثمّ كتب غوستاف ( في وقت لاحق ) الى جورج صاند يقول
إنني أمقتُ الديمقراطية (علي الأقل النوع المفهوم في فرنسا) ، أي رفع الرحمة للتحكم في العدل ، وسلب الحقوق ، وباختصار التفسخ الاجتماعي .
لقد برّأ الكوميون القتلة تماما كما سامح المسيح اللصوص .
وسلبوا قصور الأغنياء لأنهم تعلموا لعن لازاروس الذي لم يكن غنيا شريراً ، ولكنه ببساطة , غنياً { ربّما لازاروس هذا هو الذي أعاده المسيح للحياة بعد موتهِ ثلاث أيام ؟}
وتلك الصيغة "الجمهورية فوق النقد" تماثل "البابا المعصوم"
دائما الصيغ، ودائمًا الآلهة .
إنّ الشيء الوحيد المعقول (وأنا دائما أعود إليه) إنما هو حكومة يتولاها الحكماء .
إنّ الشعب سيظل دائمًا قاصرًا , وسيكون مكانه الصفُ الأخير , إذ هو العدد والكتل واللامحدود .
وليس المهم أن يتعلم كثير من الفلاحين القراءة ، والاستماع إلي "الخوري" ، ولكن المهم حقًا أن يوجد رجال أمثال "رينان" وأن يُستمَع إليهم .
{ آرنست رينان , كاتب ومفكر فرنسي كتب ترجمة ليسوع و دعا فيها إلى نقد المصادر الدينية نقدًا تاريخيًا علميًا , توفي عام 1892 } .
أضاف غوستاف فلوبير / إن خلاصنا الآن إنّما هو في أرستقراطية مشروعة وأعني بذلك نخبة مكونة من أكثر من أعداد .
وردت جورج صاند في ديسمبر 1871م : [ لم أكتب إليك ( في الفترة الماضيّة ) , لأني حزينة حتى الأعماق . ومصابة بالداء الذي أصاب بلادي وشعبي .
ولا أستطيع أن أعزل نفسي حيث التبصّر والطمأنينة , وأحسّ كأن القيود الثقيلة تتوتر كما لو كانت تتحطم ، وأننا جميعا سنسير ، وإنْ لم أعلم إلى أين ؟
فإذا كان لديك مزيداً من الشجاعة عما لديّ , فأعطني منها ] .
ولكن فلوبير لم يعطها مزيداً من الشجاعة ، بل أجاب :
"لماذا أنت حزينة؟"
إن الإنسانية لا تقدّم جديدا وشقاؤها العضال ملأني بالحزن منذ الشباب .
وإلى جانب هذا فإنّي لا أتعلق بالأوهام , وأؤمن بأن القطيع الشعبي سيظل دائما بغيضًا إليّ .
إن الشيء الوحيد الهام هو النخبة القليلة من العقول التي تُسلّم الشعلة من يدٍ إلى أخرى .
وما دُمنا لا ننحني أمام النُخبة الحكيمة , وما دامت أكاديمية العلوم لا تحّل محل البابا ,
فلن تكون السياسة في مجموعها، والمجتمع حتى أعمق جذورهِ , إلا عديدًا من الدجالين والمخدوعين .
إننا نتخبط في أعقاب ميلاد الجمهورية التي كانت إجهاضًا وفشلاً (مهما يقولون) والسبب أنها استلهمت المسيحية والقرون الوسطى .
ومرّة , كتبت جورج صاند مقال , هو عبارة عن رسالة الى فلوبير
تطرّقت فيهِ الى انحيازها الى جانب الشعب وأسهبت في ذلك وقالت في الختام
إن البشرية لتنتهك فيّ ومعي .
إن علينا أن نبذل جهوداً خارقة لتحقيق الأخوة , وإصلاح ما أفسدته العداوة بحيث ننهي هذا الوباء ونبعث الإيمان" .
ورد عليها فلوبير قائلاً : "لقد تلقيتُ مقالكِ أمس .
وقد جعلتني أذرف دمعاً دون أن أتحول عن موقفي ، لقد تأثرتُ , ولكنّي لم اقتنع .
****
وسؤالي الأوّل
هل تلاحظون السمّو في حوارهم , و نقد الدين والمجتمع والتنوير في هذهِ الرسائل المتبادلة , بأجلى الصور, فأينَ نحنُ منهم ؟
وسؤالي الثاني / ماذا عن أكاديمية العلوم التي تحدّث عنها غوستاف فلوبير ؟
تصوّروا لو كنّا نملك مقابل كل ألف مسجد في أوطاننا البائسة , أكاديمية علوم متقدّمة واحدة , فماذا سيكون حالنا ؟
أعتقد عدد المساجد في الدول الإسلامية بضعة ملايين , لأنّ مدينة واحدة كالقاهرة تضّم حوالي 5 آلاف مسجد .
وسؤالي الأخير هذا اليوم الى أصحاب الحقيقة المطلقة والمنطق الأرسطوطاليسي
هل يوجد مُنصِف عاقل , ينكر حاجة مجتمعاتنا البائسة , الى عقد إجتماعي جديد , عنوانهُ الديمقراطية والمساواة من خلال مبدأ المواطنة ؟
فإن كنتم موافقين , فلماذا لا تتراجعون عن موقفكم الحالي ؟ هذا الذي يتسم بالتخريص والتثبيط , وبدلاً عن ذلك تشاركون بالتنوير؟
( خصوصاً أنّ غالبيتكم تقول بالعلمانية وتنكر التدّين ) .
فحتى الزعماء والأنبياء , كانوا يعترفون بأخطائهم ويغيّرون مواقفهم حسب الحاجة
أخشى أن يفوتكم الركب , ولاتَ حينئذٍ ساعةَ مندمِ !
تحياتي لكم
رعد الحافظ
10 / 1 / 2011
#رعد_الحافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟