|
قراءة في طبائع الاستبداد ج 2
محمد الحداد
الحوار المتمدن-العدد: 3240 - 2011 / 1 / 8 - 21:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لورود تعليقات مهمة جدا ومفيدة، خاصة من أخوي الكريمين، د. أحمد صبحي منصور، والاستاذ محمود مرسي، حول شخصيات ذكرت بالجزء الأول، ولكن مررنا عليها مرور الكرام، وتوجب تسليط الضوء عليها بصورة أكبر، حتى نُكون فكرة أكثر وضوحاً عن الفترة التي عاشها عبد الرحمن الكواكبي، وجملة الظروف التي تعرض لها من قبل تلك الشخصيات . أبو الهدى الصيادي: هو أبو الهدى حسن وادي ، قدم والده حسن وادي من العراق، من منطقة عانة في غرب العراق، محافظة الأنبار الحالية، الى سوريا، الى موقع بين مورك و شيزر ، قرب خان شيخون ومعرة النعمان، وضرب خيمته هناك، وراح يصطاد الحيوانات البرية والأفاعي، لذا عرف بالصياد، وعرف مضربه ببيت الصياد، ثم ما لبث وأطلق الاسم على المكان كله، والآن هناك قرية أسمها الصياد . في هذا المكان والذي يعرف الآن بقرية الصياد ولد أبو الهدى، وأخذ لقب الصيادي، ولما كبر انتقل الى جسر الشغور ليعمل في البيطرة، وكان في المدينة ذاك الوقت رجل مهاجر من اليمن هو الشيخ محمد الأهدلي، والذي عرف بعدها بالشيخ اليماني . وفي ذات يوم أقفل أبو الهدى دكانه ودلف الى مجلس الشيخ اليماني مستمعاً مع الرجال، وعاود حضوره، ثم ما لبث أن طلب مالاً من الشيخ اليماني يستعين به، فقال له الشيخ : لا تطمع، يكفيك مائتا ليرة، فقال من أين؟ فقال الشيخ : أنا أدعو الله ان يرزقكها، وما عليك الا السعي. واكتفى أبو الهدى بهذا الكلام المازح، وراح يحدث الناس به، فأشار له زميل يبيع الدواب أن يذهب الى اللاذقية بدابة من دوابه الجيدة ويبيعها هناك عسى الله أن يرزقه بربح عظيم استجابة لدعاء الشيخ . وعلقت الفكرة برأس الصيادي، فحاك لها أمراً و رواية، وغاب عن المدينة ردحاً من الزمن، ثم ظهر، وعاد يحدث بما جرى له بسبب كرامة الشيخ اليماني، إذ انه ذهب بدابة حقيرة على زعمه، فأعجبت قنصل اليونان، إذ كشف أنها أصيلة، فاشتراها بمائتي ليرة ذهباً، كما دعا له الشيخ اليماني تماماً . و راح يذيع حلول كرامة الشيخ عليه للناس، وصار من ملازمي زاوية الشيخ ورفيقاً وصديقاً لتلامذته . ومرت الأيام، وانتقل ابو الهدى الصيادي الى إدلب، ليشرف على اصطبل عبد القادر أفندي القدسي . واشتهر امر الصيادي في إدلب بالشعوذة وتلعيب الأفاعي والحشرات السامة وضرب المزهر، ومنها كان يتجول في القرى حاملاً كشكولاً . وكان يقيم حفلات الالعاب هذه في بيت القدسي بحضور أصدقائه وكبار الموظفين، وعقب تعيين القدسي في اسطنبول، كلف الصيادي بملازمته فيها . ولما كان أبو الهدى الصيادي مثابراً طيلة وقته على ألعاب الشعوذة وتعاطي السحر مما يتقنه الغجر مع ضرب الرمل ونقر الدف والترتيل للمجانين والمرضى بنية الشفاء، فقد استمر على عاداته وهو في اسطنبول، يحضر السهرات في بيت عبد القادر القدسي، ويضرب الرمل ويقرأ البخت لأصحابه . ويذكر المؤرخ محمد سليم الجندي في كتابه تأريخ معرّة النعمان التالي عنه : المعمرون من أهل المعرة وضاحيتها ينكرون نسبة هذا البيت الى الصياد أو الرفاعي، ويزعمون أنهم لم يعلموا من أمره شيئاً قبل أن تسمو مكانة أبي الهدى . وأن أباه حسناً كان شيخاً أميّاً فقيراً يطوف بالمعرة وضواحيها، فيقرأ على قطعة من السكر للوقاية من لسع العقرب والحية، وكان يأخذ عن كل واحدة درهماً أو نصف درهم . وكان ينال من صدقات الأعراب ويرقي المرضى والصرعى وأولي العاهات . وربما صحب ابنه ابا الهدى في بعض رحلاته وهو صغير. ثم يقول المؤرخ في موقع آخر من كتابه : وقد علمت أن السبب في تقدم أبي الهدى الصيادي هو أن امرأة ناظر الضبطية أصيبت بمرض أعيى الأطبة وكان يحبها حباً جمّا، فتوسل بكل ما يستطيع لمداواتها وإشفائها على يد الأطباء فلم يفلح، ثم وُصِفَ له أبو الهدى وما يطبب به من تمائم وحجب وعوذ وما يقرأ من أدعية وعزائم و رقي، فاستدعاه ليطبب زوجته بما عنده فداواها فبرئت بعد أيام فعظم مقامه عند الناظر وشاع ذكره في دار الملك وغيرها . ثم بعد أيام أصيبت إحدى محظيات السلطان عبد الحميد الثاني بعارض يشبه ما أصاب امرأة الناظر، فاستدعاه السلطان لمداواة حظيته فبرئت بعد أيام، فكان ذلك فاتحة عهد لاتصال أبي الهدي بالسلطان . كما اشار مؤرخ المعرة الى أن ابا الهدى أراد أن يُفهِم السلطان أن له مكانة في البلاد العربية، فتزوج طائفة من بنات الأعيان، مثل بنت نورس باشا الحراكي في المعرة، وبنت عبد الحميد بك من حماة، وبنت مرتضى أفندي الكيلاني، وبنت أشرف بك بن ويسي باشا . ولم تكن جميع النساء أو أهاليهم راضين عن هذا الزواج، ولكن حرص آبائهن على المنفعة، وخوفهم من فواتها، ومن شر أبي الهدى، ما حملهم على أن يقدموا بناتهم طائعين . وتدرج أبو الهدى في نيل الثقة والاطمئنان لدى السلطان، فصار يكشف للسلطان عن أعدائه، ويخبره الغيب، حتى غدا الملهم الأول للسلطان، يوعز اليه بإغراق أحد المعارضين فلا يتأخر عن ذلك، أو ينصحه بنفي آخر فيذعن له . وتذكر بين عشية وضحاها أيامه القديمة، وملازمته للشيخ الأهدلي اليماني، والشيخ محمد الشيخ ديب، فأوعز الى الأخير بأنه سيعينه مفتياً لقضاء إدلب مقابل أن يكتب على لسانه كتباً، وينظم أشعاراً، وكان له ما أراد . هدف الصيادي الأكبر كان حصوله على اعتراف من أشراف حلب بانتسابه الى آل البيت والذين كانوا يرفضون الاقرار بذلك، وأولهم عبد الرحمن الكواكبي، وكان هذا من اسباب معاداة الصيادي له، ولكنه لم يكن السبب الوحيد او المهم، ولكن كان تصدي الكواكبي لفساد الصيادي، وتسلطه على الحكم، وإطاحته بكل من يفكر بمعارضة السلطة، ونشره البدع الدينية السيئة، وتسخيره الطرق الصوفية للشعوذة والابتزاز، ونشر السحر والتنجيم، كل هذا كان سبب العداوة بينهما .
مقتل الصيادي: جاء في تأريخ المعرة وصف مقتل الصيادي كالتالي : لما كانت سنة 1918 م ثارت جمعية الاتحاد والترقي على السلطان عبد الحميد، وانتزعوا السلطة من يده، وقبضوا على أتباعه وأصفيائه، ومزقوهم كل ممزق، وكان منهم الصيادي، فقد نهبوا داره، وشتتوا أنصاره، وأوسعوه إهانة وسباً، و أذاقوه في ساعة واحدة أضعاف ما أصابه من الترف في جميع أيامه الغابرة، ومات من شدة الضرب، ودفن في التكية التي ابتناها في الأستانة . وفي قصة أخرى لموته تقول أنه بعد الانقلاب وسجن الصيادي، تم رميه من غرفة سجنه الى الشارع، ثم سحله بعض أهالي اسطنبول في شوارعها بصورة شنيعة حتى مات وهو ممزق أشلاء . لا أدري أي القصتين هي الأصح، وقد لا تكون أي منهما، ولكن هي دائما هكذا تكون نهايات أعوان الظلمة، فهل من متعظ .
محمد الحداد 08 . 01 . 2011
#محمد_الحداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في طبائع الاستبداد ج 1
-
بحث مقارن ج 14
-
قصيدة مجهولة النسب
-
بحث مقارن ج 13
-
بحث مقارن ج 12
-
بحث مقارن ج 11
-
بحث مقارن ج 10
-
بحث مقارن ج 9
-
بحث مقارن ج 8
-
بحث مقارن ج 7
-
بحث مقارن ج 6
-
بحث مقارن ج 5
-
بحث مقارن ج 4
-
بحث مقارن ج 3
-
بحث مقارن ج 2
-
بحث مقارن
-
أعوانُ الظَلَمَة
-
دستور الجمهورية العراقية
-
احتلال الكويت
-
فاطِمَة وَفَدَك
المزيد.....
-
هذا الهيكل الروبوتي يساعد السياح الصينيين على تسلق أصعب جبل
...
-
في أمريكا.. قصة رومانسية تجمع بين بلدتين تحملان اسم -روميو-
...
-
الكويت.. وزارة الداخلية تعلن ضبط مواطن ومصريين وصيني وتكشف م
...
-
البطريرك الراعي: لبنان مجتمع قبل أن يكون دولة
-
الدفاع الروسية: قواتنا تواصل تقدمها على جميع المحاور
-
السيسي والأمير الحسين يؤكدان أهمية الإسراع في إعادة إعمار غز
...
-
دراسة تكشف عن فائدة غير متوقعة للقيلولة
-
ترامب يحرر شحنة ضخمة من القنابل الثقيلة لإسرائيل عطّلها بايد
...
-
تسجيل هزة أرضية بقوة 5.9 درجة قبالة الكوريل الروسية
-
مقتل ثلاثة من أفراد الشرطة الفلسطينية بقصف إسرائيلي لرفح
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|