|
ايهما الاَولى السلام ام العدالة
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 3240 - 2011 / 1 / 8 - 13:57
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
قال مارتن لوثر عند حدوث احدى هبات المظلومين ((السلام اهم من العدل، و السلام لم يجعل من اجل العدل، و انما العدل هو الذي جُعل من اجل السلام)) . هذا القول الماثور الذي يمكن ان يُفسر باوجه شتى و ربما السلام اهم من العدل من اكثر التوجهات التي يمكن تقبلها و استنباطها في المضمون ، و لكن لو علمنا بان التغييرات العالمية بعد الثورات لم تفرض المساواة بين الناس جميعا و انما في اكثرها كانت عند بداياتها انتصارا لجهة ما او تيار او مجموعة على اخرى حسب الروابط الاجتماعية السائدة في حينه بحيث وجدت افكار و ايديولوجيات تروج لحتمية وجود اللامساواة بين الناس، و في اكثر الاحيان اوجدوا لادعائاتهم مسندا و ركائز مختلفة و في اخر المطاف توجهوا الى الركائز و التجارب العلمية لتقرير و تثبيت ضرورة الاختلاف و فرض الحتمية البايولوجية و الفروقات الجينية على الافكار و الايديولوجيات، و كلها و ان قاربت الى التصديق الا ان ورائها اهداف و نظرات ايديولوجية اكثر من العلمية البحتة، فنعلم و نتاكد عندئذ ان السيد لوثر يعني فيما يقول بان المساواة و السلام مرتبطان مع البعض ، و لكنه اهتم بالسلم و الامان اولا و كانا من اهم اولوياته في حياته و لم يبالي بما حدث في مناطق اخرى من العالم لكثر اهتماماته بشريحته و مجتمعه فقط، لذلك اعتبر للسلم اكثر ولكن ليس بعيدا عن المساواة و انما مقترنا به، و هذا ما يؤخذ عليه و على طروحاته و افكاره احيانا ، و ربما يفسر بعض المهتمين ما كان يعنيه السلام فقط بعيدا عن كل حقوق العدالة و المساواة، و كان خاضعا و خاشعا الى امر اله الواحد القهار و متمثلا لاوامره اكثر من اي قانون وضعي . ان ما نلاحظه عند التمعن في التاريخ و ما جرى فيه من التقلبات و التحولات، فان بعد كل تغيير و انتقال من مرحلة لاخرى كان هناك التبرير الذاتي لما يحدث على الارض و ما يثبت في الواقع و هذا ماكان يحتاج الى الايديولوجيا التي تلائمه لمنع الاضطراب الاجتماعي بالذات، لذلك اسرعت القوى في ايجاد حجج و تبريرات لتوجيه الامور نحو الجهة التي تقع لصالحهم ، اي مصالح فئات معينة و خاصة الارستقراطية المؤثرة و من ثم في المرحلة القادمة البرجوازية و متطلباتها، لحين الوصول الى ما نحن فيه من الراسمالية العالمية و ما تريد. كما نعلم ان بعض الايديولوجيات تتحول احيانا الى سلاح فتاك لدعم ارساء مجتمع اللامساواة بدلا من ان يقاومه، و يمكن تغير موضع سبب اللامساواة و انعدام العدالة في طرفة بصر من مكان لاخر وفق حجج و مبررات عديدة، و ان احتاج ذلك سيتوجهون الى العوامل و التجارب و الاختبارات العلمية عوظا عما يمكنهم من ترويجه لفظيا و بشكل منطقي لكي تتقبله العقليات السائدة، و اعادة تنظيم المجتمع و الصاق اسباب اللامساواة بشكل طبيعي على مسيرة الحياة من قبل مجموعة مستفيدة مؤثرة ولها القوة و الامكانية و مسيطرة على الجوانب الفعالة لحياة المجتمع، او من قبل دكتاتوريات متعددة و بانواعها المنختلفة ، و تجسيد مجتمع و واقع اجتماعي ملائم للظروف العامة التي يلعبون في تغلبه على الواقع و اقناع الناس به، و انه لامر حدث كثيرا طوال التاريخ و نجحوا فيه. من المعلوم انه حتى اليوم ان التقدم العلمي و التحولات الكبيرة و التغييرات المتلاحقة في شؤون الحياة قد ساعدت على بناء افكار و ايديولوجيات فندت ما كانت سائدة الى وقت قريب و مدعية ازلية اللامساواة و العدالة النسبية و حتمية وجود الفروقات الفردية و المجتمعية من كافة النواحي ، و لكن البعض الذي تضرب مصالحهم لا يريدون الاقتناع بالامر الواقع محاولين فرض ما لا يقبله المنطق رغم ما يثبته التغيير و التحول الجديد عكس ما يدعون، و محاولين السبح عكس التيار، و هدفهم النجاح في ادعائات واهية و كما ثبتت بكل الوسائل و الطرق و جاهدين لاخر الانفاس النجاح في صراعاتهم الطويلة مع الاخر و الحفاظ على مكانتهم غير الحقة. من اهم العوامل الساندة للاقتراب من العدالة و المساواة هو التربية و التعليم الصحيحة و افناء الامية و محاربتها طالما كانت لها اللون و الشكل ، و بالتعليم الصحيح يمكن ازالة اللامساواة في فكر و عقلية العامة من المجتمع و التوجه و نشر العقلية و الثقافة الصحيحة على بقاع الارض مهما طال الزمن، و ان ادعي البعض ان الطبيعة بذاتها تدعم وجود الفروقات فان التعليم هو العامل المساعد للاطاحة بالطبيعة على اقل تقدير من التضرر بها لجعلها داعما للمساواة و من اجل تجسيد العدالة كضرورة حتمية لتاريخ البشرية، و اثبت التعليم الجيد و ارتقاء العلوم عاملا مهما في الوصول الى طريق المساواة، و المعلومات المتزايدة يوما بعد اخر تفيدنا بانه لا يمكن استقاء افكار العدالة من حقائق الطبيعة كما هي موجودة و الناجمة من تراكمات مليارات السنين من عمر الكون. ما نشاهده هو تغيير طبيعة الصراعات وفق ما تغير من اساليب و وسائل متوفرة لها و اصبحت لصالح الانسان و بقائه اكثر من غيره ، لذلك، لا يمكن ان نجد العدالة بشكلها المقبول و نسبتها المعقولة و المقنعة في اجواء غير مستقرة من الناحية العلمية والثقافية و الفكرية او بعيدا عن السلم و الامان، و هذا المفهومان مترابطان الى حد كبير مع بعضهما و لا يمكنهما الانفصال و الاستغناء عن البعض كثيرا، و لكن ما يدعم السلم هو وجود و ترسيخ العدالة فكرا و تطبيقا و ما يجسد العدالة هو السلام بمعنى الكلمة، بينما يمكن تحقيق السلم ربما بعيدا بعض الشيء عن العدالة في مرحلة ما، و هذا طبعا يقع على حساب الفرد و المجتمع ، بينما لا يمكن الاستمرار فيه دون ان يُنظر الى كيفية تجسيد العدالة و ما يجسدها مع فرض السلم و الامان. اذن السلام هو المرحلة الاولية الضرورية و لكنه سيبقى الوضع العام متارجح و مهزوز طالما بقى المجتمع بعيدا عن العدالة الحقيقية، لذا انوجدت نظريات و قواعد اساسية لترسيخ السلام مقارنا مع العدالة و المساواة، و لكن ما نتاكد منه انه ليس هناك على الارض ما يضمن العدالة بشكل نهائي الا من فكرفي تطبيق( من كل حسب قدرته و لكل حسب حاجته )، و لم نقترب منه لحد اليوم، بل كل الاجتهادات و المحاولات الجارية هي بهدف عرقلة الوصول اليه من اجل ضمان مصالح و حياة حفنة على حساب الاكثرية لو قارننا ما موجود على الارض من التقسيمات المحيرة من الثروة و الدخل لكل فرد.
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرية بين مدقة السلطة و سندان خطباء الجوامع في كوردستان
-
الازدواجية المقيتة في تعامل امريكا مع القضايا العالمية
-
هل تكميم الصحافة لمصلحة العملية السياسية في كوردستان
-
الاولويات اليسارية في ظل سيطرة الايديولوجية الراسمالية على ا
...
-
الديموقراطية و ضمان تكافؤ الفرص امام الجميع
-
ماوراء عدم اسناد منصب سيادي للمراة في العراق
-
هل يمكن تطبيق الديموقراطية الحقيقية دون اية انتخابات عامة ؟
-
هل المجتمع العراقي يتحفظ عن التجديد حقا؟
-
يجب ان لا يخضع حق تقرير المصير للمزايدات الحزبية
-
الديموقراطية في كوردستان بين ثقافة المجتمع و دور النخبة
-
الفضائية كخطوة اولى لترتيب بيت اليساريين بكافة مشاربهم
-
هل يضطر المالكي لتشكيل حكومة الاغلبية
-
الكورد بين مصالحة التاريخ و مخاصمته
-
مَن تختاره الكتل ليكون وزيرا في الحكومة العراقية
-
الديموقراطية و ما تجلى من دور الاحزاب في انتخابات معلمي كورد
...
-
دلالات النقاط المشتركة بين هوية الفيلية و الشبك
-
كيف تُمحى مخلفات عقلية البعث في العراق؟
-
ما يحدد العلاقات و طبيعة التعامل مع البعض
-
هل من مصلحة العلمانية محاربة الدين بشكل صارخ ؟
-
عوامل نجاح المالكي في مهامه الصعبة
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|