محيي المسعودي
الحوار المتمدن-العدد: 3238 - 2011 / 1 / 6 - 23:26
المحور:
الادب والفن
مقامات " الصعفصار
المقامة الثانية ( قسمة " فنيخ ")
كتبها محيي المسعودي
حدثني رجل يدعى الصعفصار, عن زمن فيه العدل طار . حدثني يقول : مررت قبل ايام قلائل, وانا اروم حلّ مسائل , برجل يُدعى الضيعظول , عرفته صادقا فيما يقول , عنده لكل مشكلة حلول . كان حليما حكيما , اعتزل السلطة والنعيمَ , لا يُحابي حاكما او مسؤلا , يعرفه الناس شجاعا عدولا . كان زاهدا ابيّا , في عيشه رضيّا , لكنني وجدته في حال سقيمة , وثورة عظيمة , كثير التبرّم والغضب , شديد التذمّر والتعب ,. فقلت له ما بالك ايها المعلم , ثائرا يغلبك التبرّم . ؟ تنهد الضيعظول وقال, وعليه بدا سوء الحال : اعلم يا صعفصار , ان الشريف لا يقبل العار والاذلال . والحر لا يقبل القيود والاغلال . واننا نحيا زمنا رديئا , كرموا فيه الدنيئا . لقد بلغ السيل الزبى ولم اجزع . ولكنْ, لم يعد في القوس منزع . فاض الباطل علينا , وقيّدوا يدينا . وقد منعوا عن كلّ ذي حق حقهْ , وافشوا الرشوة والسرقةْ . خربوا البلاد , وفرقوا العباد , وصارت بلاد السواد في سواد , الكل فيها منكوب , وكل شيء مقلوب , فلا ماء نشرب , ولا خيل نركب , ولا طعام نأكل , ولا منطق نعقل , وكان من عدالة حاكمنا عفطان , ان قلب الميزان . فوهب ما لا يملك لمن لا يستحق , وخالف في قوله الصواب والمنطق . واتخذ من بين اللصوص صديقا . وجعل من الاحرار خدّاما ورقيقا , فاعطى لمن بيده رغيفا, رغيفا . ولمن بيده عشرة, عشرة , ولمن بيده اكثر, اكثر . ومنع الخبزعن جائع يتضور, فزاد الثري ثراء على ثراء , وزاد الفقير بلاء على بلاء . وصار - عدل حاكمنا عفطان – وصمة عار هذا الزمان , ومن عدله الدائم , انّه عن الحق صائم . بالمال الحرام فطوره , ولاصنام السلطة يُهدي نذوره . وقد اعطى زبانيته من بيت المال كثيرا , فاصبح بهذا المال سيدا, من كان لصّا حقيرا . وكان اخرها ان قسّم ما زاد في بيت المال . قسمة ليس مثلها في الامثال . الّا قسمة من كان يدعى " فنيخ" . ذلك القاضي الذي صار اسمه للتندر والتوبيخ . في كل حكم غير عادل , وفي كل تقسيم باطل . واعلم يا صعفصار . انني لست متذمرا على مال منع عني , ولا حق سُلب مني . ولكنّ الفساد ساد , وهو يأكل البلاد, بيابسها واخضرها , ببدوها وحضرها . واني ارى قابل الايام . - والحال هذي - في عُتام . ولا اظنها الى انصرام . فقد بدأ الناس بالكلام , والترحّم على سالف الايام . حين كان يحكمها الطغيان , قبل ان يحكمها عفطان . فتخيّلْ الحال يا صعفصار . سترى بلايا عضال , لن يرفعها دعاء قوم "ذونون" , ولا دمع العيون , ولن تنجينا سفية نوح , ولا التوبة النصوح . وهذا هو سرّ تذمري والغضب . وسرّ يأسي والتعب , واذا عرف السبب , بطل العجب . كما تقول العرب . انهى الصعفصار كلامه , عن الضيعظول وايامه . فرأيت – جليا - امامي , الباطل في عصري وايامي . فادركت انني اعيش زمان الضيعظول . بقبحه والجور والفجور .
#محيي_المسعودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟